شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (177)

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله  محمد وآله وصحبه أجمعين.

 أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

 مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير الذي يتولى شرح أحاديث هذا الكتاب، ونشكر له تفضّله بالمشاركة في هذا البرنامج، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.  

المقدم: لازلنا في أطراف حديث ابن عباس-رضي الله عنهما- أسلفنا جملة من هذه الأطراف، وبقي عندنا ستة من هذه الأطراف يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده، ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في آخر الحلقة السابقة في الطرف العاشر في زكاة العروض، قلنا إنه ينبه عند أخذ الزكاة من أصحابها أو أخذ التبرعات إلى المصرف، فأحيانًا يحتاج إلى مرفق من المرافق، والناس في حاجة إليه، فيطلب تبرّع، يحتاج إلى ترميم مسجد مثلًا فلا بد من البيان، وأحيانًا يُطلب إلى تفطير صائم مثلًا، فلابد من البيان.

المقدم: ولذلك يودعون لهم حسابات خاصة الآن.

لا بد من البيان، ترد أحيانًا أسئلة عما إذا فاض المال، أخذت تبرعات لترميم مسجد، وزاد المبلغ، أخذت تبرعات لتفطير الصائمين، وزاد المبلغ، هل تصرف من هذا لهذا، أو من هذا لهذا؟ أو تحدّد الصرف فيما أعطيت من أجله؟ أنت تحتاج لترميم المسجد إلى عشرة آلاف مثلاً، بلغت التبرعات لما حسبتها وجدتها خمسة عشرة ألفًا، وأنفقت منها عشرة على الترميم بقي خمسة، وعندك مشروع تفطير صائم، تصرف لهذا من هذا؟

المقدم: لا.

لا؛ لأن الذي أعطاك أراده لهذا، وهو أعرف بما يريد، فتصريفه في عمل نظير ما أعطاك إياه في ترميم مسجد آخر، وقل مثل هذا في العكس. على كل حال المسألة ذات فروع كثيرة جدًّا، تحتاج إلى بسط يأتي إن شاء الله شيء من ذلك في كتاب الزكاة.

الموضع الحادي عشر، في كتاب التفسير، في باب {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الصف:12]  باب إذ جاءك المؤمنات يبايعنَّك. قال-رحمه الله تعالى-: حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال: حدثنا هارون بن معروف قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: وأخبرني ابن جريج أن الحسن بن مسلم أخبره عن طاوس عن ابن عباس-رضي الله عنهما- لما قال: شهدت الصلاة يوم العيد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة، ثم يخطب بعده، فذكره مطولًا، وفيه: حتى أتى النساء مع بلال فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ}.

المقدم: قاله النبي-صلى الله عليه وسلم-.

نعم.

حتى أتى النساء مع بلال فقال معروف هذا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الصف:12] يعنى آية البيعة، ثم قال حين فرغ: «أنتن على ذلك» يعنى أنتن على هذه البيعة، وهذه تُسمى بيعة النساء، وقد بايع النبي-عليه الصلاة والسلام- الرجال على مثلها، ومر بنا أن بيعة الرجال متقدمة على بيعة النساء؛ وفى حديث بيعة الرجال أحيل على آية بيعة النساء، فكيف يُحال على متأخر؟ يحال عليها؛ لأن هذه البيعة مضبوطة بالقرآن بيعة النساء، ضُبطت بالقرآن، وبيعة الرجال ضُبطت بالسنة، وما ضُبط بالقرآن يحال عليه؛ لأنه يعرفه الخاص والعام، بخلاف ما ضُبط بالسنة فقد يخفى على كثير من الناس، وإلا فبيعة الرجال متقدمة على بيعة النساء.

 يعنى نظير ذلك حينما يقال: الذي يجامع في نهار رمضان عليه كفارة ظهار، ما يقال عليه كفارة مجامع في نهار رمضان، لماذا؟ لأن هذه ضُبطت بالسنة، وكفارة الظهار ضُبطت بالقرآن، فيحال على ما في القرآن؛ لأنه معروف لدى الخاص والعام، المناسبة ظاهرة؛ لأن الترجمة باب {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الصف:12]، والآية مذكورة في الحديث المترجم، في الحديث المترجم له، فيه إشكال؟ يعنى الآية منصوص عليها في الحديث، في بعض طرق الحديث فالمطابقة ظاهرة.

الموضع الثاني عشر: في كتاب النكاح، في باب {والذين لم يبلغوا الحلم منكم}، قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- سأله رجل: شهدتَ مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- العيد أضحى، أو فطر؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته، يعنى من صغره، الحديث يشير؛ لماذا جاء بالحديث هنا؟

المقدم: لأنه صغير وسمح له أن يأتي مع النساء.

يدخل معه على النساء، بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- الذي حرّره ابن حجر، وحقّقه أنه ليس عنه حجاب- عليه الصلاة والسلام-، بالنسبة لابن عباس..

المقدم: صغير.

صغير، إذًا بلال؟

المقدم: يعنى عبد.

بعد أن عتُق كان.. بعد أن عتُق.

المقدم: إذًا لعله أوصله، ولم يدخل.

يعنى يوجد حاجز بين الرجال والنساء، أو في جزء في ناحية من المسجد مع الستر التام، والأمن من الفتنة، وعدم الاختلاط بالرجال؛ لأن المسجد عبارة عن شبه صحراء؛ يقول ابن حجر: المراد بيان حكمهم بالنسبة إلى الدخول على الناس، ورؤيتهم إياهن، هذه بالنسبة لمن؟ لابن عباس، والذين لم يبلغوا الحلم، هؤلاء ليس عنهم حجاب؛ اللهم إلا إذا كانوا ممن يصف النساء بدقة للرجال، ويُخشى منهم أو بهم الفتنة ثم قال: والحجة من هنا مشاهدة ابن عباس ما وقع من النساء حينئذ، وكان صغيرًا فلم يحتجبن منه، وأما بلال فكان من ملك اليمين، كذا أجاب بعض الشراح، وفيه نظر؛ لأنه كان حينئذٍ حرًّا، والجواب لأنه يجوز ألا يكون في تلك الحالة يشاهدهن سافرات، يجوز يعنى مثل هذا اللفظ المجمل، أو مثل هذا المتشابه من الكلام لا ترد به النصوص المحكمة التي توجب الحجاب، فهذا يعتريه ما يعتريه من كونه..، لكن كونه بسط ثوبه، وجعلن يلقين، هو يشاهد النساء، لكن هل يشاهد الوجوه؟ ما يلزم، ليس فيه تنصيص على مشاهدة الوجوه، ولذا قال: يجوز ألا يكون في تلك الحالة يشاهدهن سافرات.

المقدم: خصوصًا أن أخذ القرط يمكن أن يكون من وراء الحجاب.

من وراء الحجاب، من وراء الحجاب، وإلقاؤه أيضًا.

 والثالث عشر: في كتاب اللباس، في باب الخاتم للنساء، وكان على عائشة خواتيم ذهب، فالخاتم للنساء، وكان على عائشة خواتيم ذهب قال: حدثنا أبو عاصم قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرنا الحسن بن مسلم عن طاووس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: شهدت العيد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فصلى قبل الخطبة، فصلى قبل الخطبة، وفيه: فجعلن يلقين الفتخ، والخواتم في ثوب بلال، المناسبة ظاهرة، يلقين الفتخ والخواتم، والترجمة الخاتم للنساء، والمناسبة ظاهرة.

  والموضع الرابع عشر: في كتاب اللباس أيضًا، باب القلائد والسخاب للنساء، يعنى قلادة من طيب، وسك، أو مسك؛ حدثنا محمد بن عرعرة قال: حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم عيد فصلى ركعتين، ثم أتى النساء فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تصدق بخرصها، وسخابها. والمناسبة ظاهرة، باب القلائد والسخاب، والسخاب هي القلائد من سُكّ بضم المهمل وتشديد الكاف، وهو نوع من الطيب، قاله في المصباح، وفي رواية الكشميهني: ومسك بكسر الميم، وسكون المهملة، وكاف خفيفة، السخاب قلائد، باب القلائد والسخاب، فهذا من باب العطف، عطف الخاص على العام، السخاب قلائد، لكنها..

المقدم: من سك.

من طيب سواء أن كان من سك أو من مسك.

 والخامسة عشر: في كتاب اللباس.

المقدم: قوله: فأتى مصلى فصلى ركعتين التي هي العيدين طبعًا.

نعم، هي معروفة، لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما.

المقدم: على أساس أنه لا يفهم أنه صلى ركعتين منفردًا عن العيدين.

لا، هذه ركعتين صلاة العيد.

والخامسة عشر: في كتاب اللباس، باب القرط للنساء، قال: حدثنا حجاج بن منهال قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني عدي قال: سمعت سعيدًا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: صلى يوم العيد ركعتين، ثم أتى النساء فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي قرطها، فجعلت المرأة تلقي قرطها، ومناسبة الحديث للباب ظاهرة، باب القرط للنساء، ومناسبة الباب للكتاب كتاب اللباس ظاهرة، والقرط بضم القاف، وسكون الراء بعدها طاء مهملة: ما يحلى به الأذن، ما يحلى به الأذن ذهبًا كان، أو فضة صرفًا أو مع لؤلؤ، أو غيره، ويعلق غالبًا على شحمتها.

والموضع السادس عشر: في كتاب الاعتصام، في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وحض على اتفاق أهل العلم، وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة، وما كان بهما من مشاهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمهاجرين والأنصار ومصلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمنبر والقبر، الترجمة الطويلة هذه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، وباب ما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم، وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة؛ جُمل، وما كان بهما من مشاهد النبي-صلى الله عليه وسلم-، والمهاجرين والأنصار.

 جاء بأحاديث تدل على هذه الجمل، لكن الذي يهمنا مصلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمنبر والقبر، قال: حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس قال: سُئل ابن عباس: أشهدت العيد مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر، فأتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلى ثم خطب. أين ذكر المصلى؟

المقدم: العَلَم يا شيخ.

أتى العَلَم الذي كان عند دار كثير بن الصلت، المناسبة فيه قال ابن حجر: الغرض من هنا ذكر المصلى، حيث قال: فأتى العلَم الذي عند دار كثير بن الصلت، والدار المذكورة بُنيت بعد العهد النبوي، وإنما عُرف بها لشهرتها، انظر الآن أحال على مشهور، العلم يمكن أن يكون أزيل، لكن دار كثير بن الصلت معروفة وقت التحديث بهذا الخبر، فالإحالة على مشهور معروف بين الناس لا شك أنه هو الذي يحدد المقصود، والدار المذكورة بُنيت بعد العهد النبوي، وإنما عُرف بها لشهرتها.

وقال ابن بطال عن المهلب: شاهِدُ الترجمة قول ابن عباس: ولولا مكاني من الصغر ما شهدته؛ لأن معناه أن صغير أهل المدينة، يقول: ولولا مكاني من الصغر ما شهدته؛ لأن معناه أن صغير أهل المدينة، وكبيرهم، ونساءهم، وخدمهم، ضبطوا العلم معاينة منهم في مواطن العلم من شارعها المبين عن الله تعالى، وليس لغيرهم هذه المنزلة، انظر الآن ابن بطال عن المهلب، وكلهم من المالكية، ويربطون الحديث بقوله: وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة وما كان بهما من مشاهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمهاجرين والأنصار؛  ماذا يقول؟ قال ابن بطال عن المهلب: شاهد الترجمة قول ابن عباس، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته؛ لأن معناه أن صغير أهل المدينة يريد أن يدور مع عمل أهل المدينة، وعناية أهل المدينة، لماذا؟ لأنه حجة عندهم، حجة عند المالكية.

 يقول: لأن معناه أن صغير أهل المدينة، وكبيرهم، ونساءهم، وخدمهم ضبطوا العلم معاينة منهم في مواطن العمل من شارعها المبين عن الله تعالى، وليس لغيرهم هذه المنزلة، وتُعقِّب بأن قول ابن عباس: من الصغر ما شهدته، إشارة منه إلى أن الصغر مظِنة عدم الوصول إلى المقام الذي شاهد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى سمع كلامه، وسائر ما قصَّه من هذه القصة، لكن لما كان ابن عمه، وخالته أم المؤمنين وصل بذلك إلى المنزلة المذكورة، ولولا ذلك لم يصل، ويؤخذ منها نفي التعميم الذي ادعاه المهلب، هل يوجد صغير في سن ابن عباس يشهد مثل هذه المشاهد مع بُعْده عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لأنه عمم هذا في الصغر كلهم، صغير أهل المدينة، صغير أهل المدينة يشمل جميع الصغار من أهل المدينة، لكن ابن عباس يريد أن يثبت مزية له على غيره.

المقدم: في السماح له.

نعم، يعنى لولا قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حضر ولا شهد، فهذا يرد على قول ابن بطال، ويؤخذ منها نفي التعميم الذي ادعاه المهلب، وعلى تقدير تسليمه فهو خاص بمن شاهد ذلك، وهم الصحابة، فلا يشاركهم فيهم من بعدهم بمجرد كونه من أهل المدينة. لا شك أن للمدينة مزية؛ المدينة وأهل المدينة، المدينة التي عاش فيها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأهل المدينة الذين عاشوا معه -عليه الصلاة والسلام-، وشاهدوا أفعاله، وسمعوا أقواله، وعاصروا التنزيل، لا شك أن لهم مزية، ولكن هل هذه المزيه تزيد على مزية غيرهم ممن شاهد؟ يعني لو افترضنا أن حدثًا بمكة مثلًا حدث في مكة شهده ناس من غير أهل المدينة، ومن غير أهل مكة مثلًا...

المقدم: من الطائف مثلًا.

نعم، هل يتميز أهل المدينة في هذا عن هؤلاء؟ لا يتميزون؛ فلا يشاركهم فيهم من بعدهم بمجرد كونهم من أهل المدينة.

والحديث مخرج في صحيح مسلم أيضًا، فهو متفق عليه.

المقدم: قال المصنف -رحمه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك؛ لما رأيته من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه- أو نفسه-».

راوي الحديث هو الصحابي الجليل حافظ الأمة أبو هريرة الدوسي، تقدم ذكره مرارًا.

 والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب الحرص على الحديث، يقول: باب الحرص على الحديث، قال الكرماني: الحديث في اللغة: الجديد، وفي عرف العامة: الكلام الحديث كلام...

المقدم: نعم يحدثنا بكذا.

يعني تكلم عن كذا، نعم، هو في عرف العامة الكلام، وفي عرف المتشرعة ما يُتحدث به عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعنى المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الحديث، يقول، وكأنه لوحظ فيه مقابلته للقرآن إذ ذاك قديم، وهذا حديث، إذ ذاك قديم، يعني القرآن، وما يُنسب ويُضاف للنبي -عليه الصلاة والسلام- حديث قال الجوهري: الحديث ضد القديم، ويستعمل في قليل الكلام وكثيره؛ لأنه يحدث شيئًا فشيئًا، يستعمل في قليل الكلام وكثيره؛ لأنه يحدث شيئًا فشيئًا، يقول ابن حجر: المراد بالحديث في عرف الشرع: ما يُضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكأنه أريد به مقابلة القرآن؛ لأنه قديم، ونقف عند قولهما عن الكرماني وابن حجر وكثير من الشراح يقولون: كلام الله قديم، وسُمي ما يضاف للنبي -عليه الصلاة والسلام- حديثًا؛ لأنه يقابل القديم؛ لكن هذا الكلام لا شك أن فيه نظرًا على مقتضى كلام أهل السنة، والمقرر عندهم أن كلام الله-عز وجل- وإن كان قديم النوع إلا أنه متجدد الآحاد،  فالله -سبحانه وتعالى- يتكلم متى شاء، وكيف شاء، إذا شاء؛ لأنه على كلامهم وعلى ضوء ما عُرف من مذهبهم أنه -جل وعلا- تكلم في الأزل، ولا يتكلم بعد، تكلم؛ لأن صفة الكلام عندهم قديمة، الكلام قديم النوع، تكلم في القدم، تكلم في الأزل، لكنه يتكلم بكلام متجدد متى شاء، إذا شاء، كيف شاء -جل وعلا-، فصفة الكلام ثابتة لله- جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته.

 يقول العيني: فإن قلت: ما وجه المناسبة بين البابين؟ ما وجه المناسبة بين البابين؟ قبل أن نتعدى القديم، والحديث في كلام الشيخ حافظ الحكمي في وصيته، وهو من أهل السنة، ويعتقد اعتقاد أهل السنة في صفة الكلام، وفي غيرها من الصفات، يقول:

دع عنك ما قاله العصري منتحلًا

وبـالعتيـق تمسـك قـط والتـزم

المقدم: العتيق القديم.

العتيق القديم، هل هذا لأن الشيخ حافظ-رحمه الله- يرى أن كلام الله قديم فقط مثل ما يرى الكرماني، وابن حجر؟

المقدم: لا.

لماذا؟ أولئك قابلوا القديم بالحديث الذي هو حديث النبي-عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: وهذا أراد به..

مقابلة ما يقوله العصري، المعاصر الآن الذي في عصر الشيخ حافظ قبل خمسين سنة عصري هو كلامه جديد، وكلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكلام الله -جل وعلا- عتيق، يعنى قديم، والقدم والحداثة أمور نسبية، الحداثة والقدم أمور نسبية؛ يعنى لو افترضنا أن عندك قلمًا اشتريته اليوم، وقلمًا عندك منذ سنة، وقيل لك: أعرني القلم ألا يمكن أن تستفصل تقول: القديم، أو الجديد؟ والقديم منذ سنة، فالقديم هنا بمعنى متقدم على غيره.

 على كل حال في كلام الشيخ:

دع عنك ما قاله العصري منتحلًا

وبـالعتيـق تمسـك قـط والتـزم

لا يعني به ما يعني به هؤلاء؛ فمعتقده على ما جرى عليه أئمة الإسلام، وسلف هذه الأمة، فالقديم هو قديم بالنسبة إلى ما يقوله العصري، هم يجعلون كلام الله قديمًا بالنسبة لكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- حديث؛ لأن الله تكلم في القدم، والنبي يتكلم -عليه الصلاة والسلام- الآن في وقت التنزيل، لكن الله -جل وعلا- يتكلم حتى في وقت التنزيل، قد يكون بعض الأحاديث النبوية على مقتضى مذهب أهل السنة أن الله يتكلم متى شاء إذا شاء، بعض الأحاديث أقدم من بعض القرآن، يعنى إذا تصورنا أحاديث قالها في مكة، والقرآن نزل في المدينة ممكن هذا، أم غير ممكن؟

المقدم: ممكن.

ممكن، فهم ذهبوا إلى مذهب تبعًا لمعتقد يعتقدونه، وأن الله -جل وعلا- كلامه واحد تكلم في الأزل، ولا يتكلم بعد ذلك.

المقدم: حتى لا يقولوا بحلول الحوادث عليه سبحانه.

نعم، لا يقولون بهذا، وأيضًا عندهم طردًا لهذا أن كلام الله واحد.

المقدم: لا يتجدد، ولا يتجزأ.

لا يتجدد ولا يتغير، لكنه يتغير بحسب اللغات، إن عبر عنه بالعربية صار قرآنًا، بالسريانية يكون توراة، وبالعبرانية يكون إنجيلًا، إلى آخره، أو العكس، لكن لو كان هذا الكلام صحيحًا يكون في كلامه الذي نزل عليه في الغار بالنسبة لورقة بن نوفل الذي قرأ الكتاب العبراني، وكان يقرأ الإنجيل بالعربية، يكون فيه جديد عنده في هذا النازل؟ ما يكون فيه جديد؛ لأنه يترجم الإنجيل بالعربية.  

المقدم: بينما هو فهم هذا وذاك.

نعم، وهذا غير هذا، وقال العيني: فإن قلت: ما وجه المناسبة بين البابين؟ قلت: من حيث إن المذكور في الباب الأول يعني في باب عظة الإمام النساء، وتعليمهن؛ الباب الأول هو التعليم الخاص، وكذلك المذكور في هذا الباب هو التعليم الخاص؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاب أبا هريرة فيما سأله بالخطاب إليه خاصة، والجواب عن سؤال من لا يعلم جوابه تعليم من المجيب، فافهم. كلها تعليم؛ الأول تعليم خاص عظة الإمام النساء وتعليمهن، وهذا ماذا؟ باب الحرص على الحديث، لما أجابه النبي -عليه الصلاة، والسلام- أجاب سؤاله فهذا تعليم، فالمناسبة من هذه الحيثية، ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: «لما رأيت من حرصك على الحديث» 

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، بهذا أيها الإخوة والأخوات، نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.