التعليق على تفسير القرطبي - سورة المدثر (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

سورة المدثر مكية في قول الجميع، وهي ست وخمسون آية، قوله تعالى:             المدثر: ١ - ٤  فيه ست مسائل؛ الأولى: قوله تعالى:      المدثر: ١  أي يا ذا الذي قد تدثر بثيابه أي تغشى بها ونام، وأصله المتدثر، فأدغمت التاء في الدال؛ لتجانسهما، وقرأ أُبي: المتدثر على الأصل. وقال مقاتل: معظم هذه السورة في الوليد بن المغيرة، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله وكان من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يحدث قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه: «فبينما أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسًا على كرسي بين السماء والأرض»."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فقوله: سورة المدثر مكية في قول الجميع يعني بالإجماع، حتى قال جابر بن عبد الله: إنها أول سورة نزلت من القرآن، وروجع في ذلك على ما سيأتي، وأصر على أنها أول سورة، لكن في حديثه المذكور: «فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض» يدل على أنه جاءه قبل ذلك حينما نزل بـ{اقرأ}، ولذا المرجح من أقوال أهل العلم أن أول ما نزل من القرآن: اقرأ، وبها نُبِّئ -عليه الصلاة والسلام-، وأما بالنسبة للمدثر فهي التي تليها، وبها أُرسل، وأما صيغة المدثر فهي المتدثر، المتزمل بمعنى واحد كما تقدم.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فجئت.

لا، فجئثت.

«فجئثت منه فرقا».

يعني خفت وفزعت فرقًا يعني خوفًا.

" قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فجئثت منه فرقًا، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فدثروني، فأنزل الله تعالى:      المدثر: ١ »."

هكذا رواية الصحيح: «زملوني زملوني، فدثروني، فأنزل الله تعالى      المدثر: ١ » يعني قد يقول قائل إن المناسب أن يقول: دثروني دثروني، فأنزل الله      المدثر: ١  يقول: زملوني زملوني مناسب لـ     المزمل: ١،  لكن لما كان معنى التدثر والتزمل واحدًا صح أن يوقع كل واحد منهما في مكان الآخر، زملوني زملوني يعني دثروني، فدثروه، فأنزل الله تعالى     المزمل: ١        المدثر: ١،  وأما     المزمل: ١  لم يحصل له شيء من ذلك، إنما هو متزمل يعني متلفلف متغشٍّ بثيابه، فأمر بأن يقوم من الليل المزمل: ٢  بخلاف ما جاء هنا فإنه أُمِر بالإنذار، وبها أرسل -عليه الصلاة والسلام-.

"«فأنزل الله تعالى:                المدثر: ١ -٥» في رواية: «قبل أن تفرض الصلاة»، وهي الأوثان قال.. "

بلا شك أنها قبل أن تفرض الصلاة، الصلاة ما فرضت إلا بعد هذا في أول الأمر.

" وهي الأوثان قال: ثم تتابع الوحي، خرجه الترمذي أيضًا وقال: حديث حسن صحيح. "

وفي البخاري.

" قال مسلم: وحدثنا زهير بن حرب قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: سمعت يحيى يقول: سألت أبا سلمة أيُّ القرآن أُنزل قبلُ؟ قال:      المدثر: ١  فقلت أو اقرأ، فقال: سألت جابر بن عبد الله أيُّ القرآن أُنزل قبلُ؟ قال:      المدثر: ١  فقلت: أو اقرأ فقال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :«جاورت بحراء شهرًا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنًوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أرَ أحدًا، ثم نوديت فنظرت فلم أرَ أحدًا، ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء يعني جبريل -صلى الله عليه وسلم- فأخذتني»."

عرفه في هذه المرة؛ لأنه جاءه قبل ذلك.

"«فأخذتني رجفة شديدة، فأتيت خديجة فقلت: دثروني، فدثروني، فصبوا علي ماءً، فأنزل الله- عز وجل-:             المدثر: ١ - ٤ » خرَّجه البخاري وقال فيه: «فأتيت خديجة فقلت: دثروني وصبوا عليّ ماءً باردًا، فدثروني وصبوا علي ماءً باردًا فنزلت                المدثر: ١ - ٦ » قال ابن العربي: وقد قال بعض المفسرين: إنه جرى على النبي -صلى الله عليه وسلم- من عقبة بن ربيعة أمر، فرجع إلى منزله مغمومًا فغلق واضطجع، فنزلت.. "

فقلق.

فقلق؟

فقلق واضطجع.

" فقلق واضطجع، فنزلت      المدثر: ١  وهذا باطل، وقال القشيري أبو نصر. "

لأنه ما لقي من قومه شيئًا إلا بعد أن دعاهم، والدعوة لم تكن إلا بهذه السورة، يعني لم يكن يدعوهم قبل نزول هذه السورة، فكيف يكون ما رُتب على الدعوة سببًا لنزول الأمر بالدعوة؟

وقال القشيري أبو نصر: وقيل: بلغة..

بلغه.

" وقيل: بلغه قول كفار مكة: أنت ساحر، فوجد من ذلك غمًّا وحُمَّ، فتدثر بثيابه فقال الله تعالى:     المدثر: ٢  أي لا تفكر في قولهم، وبلغهم الرسالة، وقيل: اجتمع أبو لهب وأبو سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل ومطعم بن عدي وقالوا: قد اجتمعت وفود العرب في أيام الحج، وهم يتساءلون عن أمر محمد، وقد اختلفتم في الإخبار عنه، فمن قائل يقول مجنون، وآخر يقول كاهن، وآخر يقول شاعر، وتعلم العرب أن هذا كله لا يجتمع في رجل واحد، فسموا محمدًا باسم واحد يجتمعون عليه وتسميه العرب به، فقام منهم رجل فقال شاعر، فقال الوليد: سمعت كلام ابن الأبرص وأمية بن أبي الصلت. "

ابن الأبرص اسمه عَبِيْد بن الأبرص، نعم شاعر له ديوان ومطبوع.

" وما يشبه كلامُ محمدٍ كلامَ واحدٍ منهما، فقالوا: كاهن فقال: الكاهن يصدق ويكذب، وما كذب محمد قط، فقام آخر فقال: مجنون فقال الوليد: المجنون يخنق الناس، وما خنق محمد قط، وانصرف الوليد إلى بيته فقالوا: صبأ الوليد بن المغيرة، فدخل عليه أبو جهل وقال: مالك يا أبا عبد شمس، هذه قريش تجمع لك شيئًا يعطونكه، زعموا أنك قد احتجت وصبأت فقال الوليد: ما لي إلى ذلك حاجة، ولكني فكرت في محمد فقلت: ما يكون من الساحر؟ فقيل: يفرق بين الأب وابنه وبين الأخ وأخيه وبين المرأة وزوجها فقلت: إنه ساحر، شاع هذا في الناس وصاحوا يقولون إن محمدًا ساحر، ورجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته محزونًا فتدثر بقطيفة ونزلت      المدثر: ١ ، وقال عكرمة: معنى      المدثر: ١  أي المدثر بالنبوة وأثقالها، قال ابن العربي: وهذا مجاز بعيد؛ لأنه لم يكن تنبأ بعد، وعلى أنها أول القرآن لم يكن تمكن منها بعد أن كانت ثاني ما نزل. الثانية: قوله تعالى... "

المدثر بالنبوة وأعبائها وأثقالها لا شك أن هذا خلاف الحقيقة، التدثر الأصل فيه المحسوس، ويطلق أيضًا من باب التوسع على المعاني، لكن إذا أمكن حمله على الحقيقة فهو الأصل، ويقول ابن العربي: هذا مجاز بعيد؛ لأنه لم يكن تنبأ بعد ونُبِّئ بـ(اقرأ) -عليه الصلاة والسلام- قبل المدثر، وعلى أنها أول القرآن لم يكن تمكن منها بعد أن كانت بعد أن كانت ثاني ما نزل يعني العبارة ماشية أو قلقة؟ نعم ماذا عندكم؟

طالب: .............

لا، ولم أم أو؟

طالب: .............

لم يكن تنبأ بعد على أنها أول القرآن، هذا الكلام ماشي على أنها أول القرآن ما بعد تنبأ إلى الآن، يعني قبلها لم يتنبأ إذا كانت هي أول القرآن ولم يكن تمكن منها من النبوة إن كانت ثاني ما نزل.

طالب: .............

يعني لم يكن تمكن منها بعدُ إن كانت ثاني ما نزل، هذا صواب العبارة، وهذا مجاز بعيد؛ لأنه لم يكن تنبأ بعد على أنها أول القرآن أو لم يكن تمكن منها بعدُ إن كانت ثاني ما نزل، أما على كلامه فما تصلح، هذا مجاز بعيد؛ لأنه لم يكن تنبأ بعد هذا، على أنها أيش؟

طالب: .............

لا، عطف عليه الأمر الثاني، وعلى أنها أول القرآن كلامه الأول على أنها ثاني، وهذا ما يكون، هذا ما هو صحيح، ما تستقيم العبارة إلا إذا قلنا وهذا مجاز بعيد؛ لأنه لم يكن تنبأ بعد على أنها أول القرآن يستقيم الكلام أو لم يكن تمكن منها بعد أن كانت ثاني ما نزل، وهذا ظاهر.

طالب: .............

ما تأتي.

طالب: .............

نعم.

" الثانية: قوله تعالى:      المدثر: ١  ملاطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب؛ إذ ناداه بحاله، وعبر عنه بصفته، ولم يقل يا محمد ويا فلان؛ ليستشعر اللين والملاطفة من ربه كما تقدم في سورة المزمل، ومثله قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي إذ نام في المسجد: «قم أبا تراب» وكان خرج مغاضبًا لفاطمة -رضي الله عنها-، فسقط رداؤه وأصابه ترابه، خرّجه مسلم، ومثله قوله -عليه الصلاة والسلام-."

سقط رداؤه يعني وهو نائم في المسجد، فأصابه التراب، تراب المسجد، معلوم أن الرداء يقي الجسد من التراب، فإذا سقط وهو على التراب نائم أصابه.

" ومثله قوله -عليه الصلاة والسلام- لحذيفة ليلة الخندق: «قم يا نومان»، وقد تقدم. الثالثة: قوله تعالى:     المدثر: ٢  أي خوِّف أهل مكة، وحذرهم العذاب إن لم يسلموا، وقيل: الإنذار هنا إعلامهم بنبوته؛ لأنه مقدمة الرسالة، وقيل: هو دعاؤهم إلى التوحيد؛ لأنه المقصود بها، وقال الفراء: قم فصلِّ وأمر بالصلاة. الرابعة: قوله تعالى: المدثر: ٣  أي سيدك ومالكك ومصلح أمرك، فعظم وصفه بأنه أكبر بأن يكون له صاحبة أو ولد، وفي حديث أنهم قالوا: بمَ تفتتح الصلاة؟ فنزلت المدثر: ٣  أي وصفه بأنه أكبر، قال ابن العربي: وهذا القول وإن كان يقتضي بعمومه تكبير الصلاة، فإنه مراد به التكبير والتقديس والتنزيه لخلع الأنداد والأصنام دونه، ولا تتخذ وليًّا غيره، ولا تعبد سواه ولا.. "

يعني حمل المدثر: ٣  على تكبير الصلاة مع أن الصلاة لم تكن فرضت إلا إن كانت التي يتعبد بها ويتحنث بها في أول الأمر مع أن تفصيلها ما جاء إلا بعد.

طالب: .............

هي فُرضت ليلة الإسراء إن كان يصلي لا على سبيل الوجوب والفرض متعبدًا بشرع من قبله كما كان يتحدث قبل النبوة هذا ممكن، وفيه بعد.

طالب: .............

ماذا فيه؟

طالب: .............

وهذا القول وإن كان يقتضي بعمومه تكبير الصلاة فإنه مراد به التكبير يعني عموم التكبير لا خصوص الصلاة.

طالب: .............

يقول كذا في أحكام القرآن لابن العربي، وفيما نقل المؤلف عن ابن العربي تصرف في اللفظ بزيادة ونقص يعني عطف الشيء على مرادفه في المعنى ما يضر.

" وروي أن أبا سفيان قال يوم أحد: اعل هبل فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «قولوا الله أعلى وأجلّ»، وقد صار هذا اللفظ بعرف الشرع في تكبير العبادات كلها أذانًا وصلاة وذكرًا بقوله: الله أكبر، وحمل عليه لفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- الوارد على الإطلاق في موارد منها قوله: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»، والشرع يقتضي بعرفه ما يقتضي بعمومه ومن موارده أوقات الإهلال بالذبائح لله تخليصًا له من الشرك وإعلانًا باسمه في النسك وإقرارًا لما شرع منه لأمره بالسفك، قلت: قد تقدم في أول سورة البقرة أن هذا اللفظ الله أكبر هو المتعبَّد به في الصلاة المنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم-."

وهو المتعيِّن للافتتاح والانتقال للافتتاح والانتقال في الصلاة، ولا يقوم مقامه غيره لا بلفظ التكبير ولا بغيره، فلا تقول: الله الأكبر أو الله الكبير أو الله الأعز أو الله الأجل، كل هذه لا تجزئ.

طالب: .................

ماذا عندك؟

وإفرادًا لما شُرع منه لأمره بالسفك وإعلانًا باسمه في النسك تقول: الله أكبر إفرادًا يعني الله أكبر لا غيره.

طالب: .................

المعنى صحيح حتى إفرادًا صحيح.

" وفي التفسير: أنه لما نزل قوله تعالى: المدثر: ٣  قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: «الله أكبر»، فكبرت خديجة وعلمت أنه الوحي من الله تعالى، ذكره القشيري. الخامسة: الفاء في قوله تعالى: المدثر: ٣  دخلت على معنى جواب الجزاء كما دخلت في فأنذر، أي قم فأنذر، وقم فكبر ربك، قاله الزجاج، وقال ابن جني: هو كقولك زيدًا فاضرب أي زيدًا اضرب، فالفاء زائدة. السادسة: قوله تعالى:    المدثر: ٤  فيه ثمانية أقوال: أحدها: أن المراد بالثياب العمل. الثاني: القلب. الثالث: النفس. الرابع: الجسم. الخامس: الأهل. السادس: الخلق. السابع: الدين. الثامن: الملبوسات. "

الثياب.

" الثياب الملبوسات على الظاهر، فمن ذهب إلى القول الأول قال: تأويل الآية: وعملك فأصلح، قاله مجاهد وابن زيد، وروى منصور عن أبي رزين قال: يقول: وعملك فأصلح، قال: وإذا كان الرجل خبيث العمل قالوا: إن فلانًا خبيث الثياب، وإذا كان حسن العمل قالوا: إن فلانًا طاهر الثياب، ونحوه عن السدي، ومنه قول الشاعر:

لاهم إن عامر بن جهم

 

أوذم حجا في ثياب دسم

ومنه ما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يحشر المرء في ثوبيه الذين مات عليهما» يعني عمله الصالح والطالح، ذكره الماوردي، ومن ذهب إلى القول الثاني قال: إن.. "

يعني القلب.

" قال: إن تأويل الآية: وقلبك فطهر، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير، دليله قول امرئ القيس:

.............................

 

فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي

تنسُلي.

.............................

 

....................... تنسُلي

أي قلبي من قلبك قال الماوردي: ولهم في تأويل الآية وجهان أحدهما: معناه وقلبك فطهر من الإثم والمعاصي، قاله ابن عباس وقتادة. الثاني: وقلبك فطهر من الغدر أي لا تغدر فتكون دنس الثياب. وهذا مروي عن ابن عباس، واستشهد بقول غيلان بن سلمة الثقفي:

فإني بحمد الله لا ثوب فاجر

 

لبست ولا من غدرة أتقنع

ومن ذهب إلى القول الثالث قال.. "

يعني النفس.

تأويل الآية.

مع أن الأصل وحقيقة الثياب هي ما يلبس على الظاهر الذي جعله آخر شيء، الثامن هذا هو الأصل مع أنه يطلق على القلب، ويطلق على العمل، ويطلق على الأهل، إلى غير ذلك، لكن هي خلاف الأصل، فجعل الأصل آخر شيء، مع أن تطهير الثياب الظاهرة هو مطلوب مطلقًا وإلا للصلاة؟ يعني في وقت نزول السورة يطلب تطهير الثياب ظاهرًا يعني الذي يرجح إرادة المعنى أو الاحتمال المرجوح كون الصلاة ما فُرضت التي يشترط لها طهارة الثياب؛ لأن ارتكاب الاحتمال المرجوح الذي هو التأويل يحتاج إلى مرجح، يحتاج إلى دليل، يحتاج إلى قرينة، قد يقول قائل: تطهير الثياب الظاهرة والصلاة ما فُرضت يعني لو أن إنسانًا ذهب إلى السوق وعليه ثوب فيه نجاسة، وإذا أراد أن يصلي غيَّر هذا الثوب أو عندما تُصاب بنجاسة وتراخى في تطهيرها حتى وقت الحاجة الذي هو الصلاة ما اشترط له طهارة الثياب يأثم أو ما يأثم؟ ما يأثم، فالذي يرجح الاحتمال المرجوح من المعاني كتطهير القلب مثلاً، وهذا قول قوي عند أهل العلم، وهو الثاني كون الصلاة التي تطلب لها طهارة الثياب ما فُرضت وإلا فكيف تكون الحقيقة في الثياب الملبوسة على الظاهر تجعل آخر شيء.

" ومن ذهب إلى القول.. "

طيب ماذا يمنع من إرادة الثمانية أنه يطلب تطهير الجميع: تطهير العمل تطهير القلب تطهير النفس تطهير الجسم تطهير الأهل تطهير الخلق تطهير الدين وتطهير الثياب؟

طالب: ............

لكنه يقتضي استعمال اللفظ في معانيه ما هو في معنييه على الخلاف بين أهل العلم في ذلك.

طالب: الفرق بين الثاني والثالث القلب والنفس.

القلب غير النفس، النفس هي الروح.

" ومن ذهب إلى القول الثالث قال: تأويل الآية ونفسك فطهر أي من الذنوب، والعرب تكني عن النفس بالثياب، قاله ابن عباس، ومنه قول عنترة:

فشككت بالرمح الطويل ثيابه

 

ليس الكريم على القنا بمحرم

وقال امرؤ القيس:

............................

 

فسلي ثيابي من ثيابك تنسُلي

وقال:

ثياب بني عوف طَهَارَى نقية

 

وأوجهُهم بيضُ المسافر غُرَّانُ

أي أنفس بني عوف، ومن ذهب إلى القول الرابع قال: تأويل الآية وجسمك فطهِّر، أي عن المعاصي الطاهرة، ومما جاء عن العرب في الكناية عن الجسم بالثياب قول ليلى وذكرت إبلاً:

رموها بأثياب خفاف فلا ترى

 

لها شبهًا إلا النعام الْمُنَفَّرَا

أي ركبوها فرموها بأنفسهم، ومن ذهب إلى القول الخامس قال: تأويل الآية: وأهلك فطهرهم من الخطايا بالوعظ والتأديب، والعرب تسمي الأهل ثوبًا ولباسًا وإزارًا قال الله تعالى.. "

لوجود الملابسة وهي المخالطة ﭞﭟ البقرة: ١٨٧ ، فكما يلبس الثوب تلبس يلبس الأهل.

" قال الله تعالى: ﭞﭟ البقرة: ١٨٧  قال الماوردي: ولهم في تأويل الآية وجهان أحدهما: معناه ونساءك فطهِّر باختيار المؤمنات العفائف. الثاني: الاستمتاع بهن في القبل دون الدبر في الطهر لا في الحيض. "

والحرص على تطهير الأهل وطهارتهم قبل، يعني يحرص على المرأة الطاهرة العفيفة قبل الزواج، ثم إذا تزوج يحرص على استمرار هذا الطهر وهذا العفاف، ﯥﯦ ﯪﯫ الأحزاب: ٥٣  فالطهر والطهارة مطلوبة لكل مسلم ومسلمة، ولا يختص هذا بأمهات المؤمنين كما يقول بعضهم، فالطهر المطلوب لأمهات المؤمنين مطلوب أيضًا من المؤمنات.

" حكاه ابن بحر، ومن ذهب إلى القول السادس قال: تأويل الآية: وخلقك فحسِّن، قاله الحسن والقرظي؛ لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه، وقال الشاعر:

ويحيى لا يُلام بسوء خلْق

 

ويحيى طاهر الأثواب حر

أي حسن الأخلاق، ومن ذهب إلى القول السابع قال: تأويل الآية ودينك فطهِّر، وفي الصحيحين عنه -عليه السلام- قال: «ورأيت الناس وعليهم ثياب منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، ورأيت عمر بن الخطاب وعليه إزار يجره» قالوا: يا رسول الله، فما أوَّلت ذلك؟ قال: «الدين»."

وهذا في الصحيح في البخاري.

" وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: ما يعجبني أن أقرأ القرآن إلا في الصلاة والمساجد، لا في الطريق، قال الله تعالى:    المدثر: ٤  يريد مالك. "

يريد مالكٌ يعني الإمام.

" يريد مالك أنه كنّى عن الثياب بالدين. "

لا يقرأ القرآن إلا في الصلاة والمساجد من أجل تعظيم هذا الكتاب، وهذا الكلام ما يريد أن يقرأه ويمتهنه في المساجد والطرقات ومجامع الناس بحيث يُمتهن ولا يُلتفت إليه.

" وقد روى عبد الله بن نافع عن أبي بكر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن مالك بن أنس في قوله تعالى:    المدثر: ٤  أي لا تلبسها على غدرة، ومنه قول أبي كبشة:

ثياب بني عوف طَهَارَى نقية

 

وأوجهُهم بيض المسافر غران

يعني بطهارة ثيابهم سلامة.. "

في الموضع الأول ما نسبه لأحد، وهنا نسبه لأبي كبشة، وسينسبه أيضًا لامرئ القيس.

طالب: .............

نعم أو نسبه لامرئ القيس ثم أبهمه ثم نسبه لأبي كبشة تبعًا للكتب المنقول عنها، هو نقل عن كتاب نسبه لامرئ القيس فنسبه له، ونقل عن آخر نسبه لأبي كبشة فنسبه إليه.

طالب: .............

لا يقرأ القرآن لا بد أن.. مالك كيف يقرأ الحديث فضلاً عن القرآن.

طالب: .............

لا يقرؤه لنفسه ولا يقرئه للناس.

طالب: .............

ما يقرأ يعني القرآن مثل الحديث، أشد من الحديث، هذه مبالغة من مالك –رحمه الله- الحديث لا يقرؤه إلا على طهارة، ويستقبل القبلة، ويستاك ويتطيب.

طالب: .............

دعنا من صحة.. نوجه كلام مالك     آل عمران: ١٩١  هذا ما فيه إشكال، نريد أن نقرر مثل هذا، هذا من شدة احتياط مالك، وكرهه في المطاف، كره القرآن في الطواف -رحمه الله-.

طالب: .............

التعظيم..

طالب: .............

يعني قراءة القرآن في المناسبات وافتتاح هذه المناسبات بالقرآن يعني إن كان من باب التبرك بكلام الله -جل وعلا-، ومن باب الاقتداء بالصحابة أنهم إذا اجتمعوا أمروا أحدًا أن يقرأ عليهم القرآن لا بأس إن شاء الله.

طالب: .............

ما هو؟

طالب: .............

أنت ماذا..؟

طالب: .............

احتمال يجده من أمر به لمَ يأمر به؟ أقول إن كان هذا مقصوده فلا بأس إن شاء الله.

طالب: .............

هذا يصير استهزاءً.

طالب: .............

" يعني بطهارة ثيابهم سلامتهم من الدناءات، ويعني بغرة وجوههم تنزيههم عن المحرمات أو جمالهم في الخِلْقة..

................................

 

وأوجههم بيض المسافر غران

يعني من الغرة، وهي البياض في الناصية.

أو جمالهم في الخلقة أو كليهما، قاله ابن العربي، وقال سفيان بن عيينة: لا تلبس ثيابك على كذب ولا جور ولا غدر ولا إثم، قاله عكرمة، ومنه قول الشاعر:

.................................

 

أو ذم حجا في ثياب دسم

أي قد دنسها بالمعاصي، وقال النابغة:

رقاق النعال طيب حجزاتهم

 

يحيون بالريحان يوم السباسب

ومن ذهب إلى القول الثامن قال: إن المراد.. "

والسباسب هذا من أعياد النصارى، ويحيون بالريحان وبالورود في أعيادهم، ومازالت هذه العادات موروثة؛ لأن النابغة يروي أو يمدح أحد الغساسنة، وهم من نصارى العرب.

" ومن ذهب إلى القول الثامن قال: إن المراد بها الثياب الملبوسات فلهم في تأويله أربعة أوجه أحدهما. "

أحدها، إذا كانت أربع فهي أحدها.

" أحدها: معناه وثيابك فأنق، ومنه قول امرئ القيس:

ثياب بني عوف طَهَارَى نقية

 

..........................

الثاني: وثيابك فشمِّر وقصِّر، فإن تقصير الثياب أبعد من النجاسة، فإذا انجرت على الأرض لم يؤمن أن يصيبها ما ينجسها، قاله الزجاج وطاوس. "

وهذا داخل في الذي قبله، نعم لا يتم تطهيرها وتنقيتها من النجاسات إلا برفعها وتشميرها.

" الثالث: وثيابك فطهر من النجاسة بالماء، قاله محمد بن سيرين وابن زيد والفقهاء. الرابع: لا تلبس ثيابك إلا من كسب حلال؛ لتكون مطهرة من الحرام، وعن ابن عباس: لا تكن ثيابك التي التي تلبس من مكسب غير طاهر. قال ابن العربي: وذكر بعض ما ذكرناه ليس بممتنع أن تُحمل الآية على عموم المراد فيها بالحقيقة والمجاز. "

يعني من المعاني الثمانية التي تقدمت.

" وإذا حملناها على الثياب المعلومة الطاهرة فهي تتناول معنيين أحدهما تقصير.. "

الأذيال.

" تقصير الأذيال؛ لأنها إذا أُرسلت تدنَّست، ولهذا قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لغلام من الأنصار وقد رأى ذيله مسترخيًا: ارفع إزارك، فإنه أتقى وأنقى وأبقى. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين وما كان أسفل من ذلك ففي النار»، فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الغاية في لباس الإزار الكعب، وتوعد ما تحته بالنار، فما بال رجال يرسلون أذيالهم، ويطيلون ثيابهم، ثم يتكلفون رفعها بأيديهم؟ وهذه حالة الكبر وفائدة العجب، وأشد ما في الأمر أنهم يعصون وينجسون. "

عندنا قائدة العجب، يعني نتيجته.

" وأشد ما في الأمر أنهم يعصون وينجسون ويلحقون أنفسهم بمن لم يجعل الله معه غيره، ولا ألحق به سواه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خُيلاء»، ولفظ الصحيح: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» قال أبو بكر: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لست ممن يصنعه خيلاء»، فعم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنهي، واستثنى الصديق، فأراد الأدنياء إلحاق أنفسهم بالرفعاء، وليس ذلك لهم. "

يعني لو قيل لإنسان: أنت تجر ثوبك خيلاء، قال: لا، أنا ما أجره خيلاء، والقيد معتبر، وقال به من أهل العلم من قال به، يقال لمن ادعى ذلك: هذه تزكية للنفس، والذي في قلبك لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-، ومادام ما امتثلت «ما أسفل من الكعبين ففي النار» وأنت تعرف هذا، فهذا دليل على أنك تفعله خيلاء، ومادام اختلف الحكم واختلف السبب، فإنه لا يُحمل المطلق على المقيد، السبب مختلف في موضع جر، وفي الثاني خيلاء، والحكم في الجر في النار، والحكم في الخيلاء لا ينظر الله إليه- نسأل الله العافية-، واختلف الحكم والسبب، وحينئذ لا يُحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة كما هو معلوم، وإذا ادعى أنه لا يجره خيلاء قلنا: هذه تزكية للنفس، وهل أنت مثل أبي بكر الذي زكّاه النبي -عليه الصلاة والسلام-، المطلع على ما في القلوب بالوحي، لا يطلع النبي -عليه الصلاة والسلام- ابتداءً على ما في قلوب الناس، لكن بالوحي يُخبَر بذلك.

طالب: ..............

لا، هذه يحمل المطلق على المقيد؛ لاتحاد الحكم.

" والمعنى الثاني: غسلها من النجاسة، وهو ظاهر منها صحيح فيها، قال المهدوي: وبه استدل بعض العلماء على وجوب طهارة الثوب، قال ابن سيرين وابن زيد: لا تصلِّ إلا في ثوب طاهر، واحتج بها الشافعي على وجوب طهارة الثوب، وليست عند مالك وأهل المدينة بفرض، وكذلك طهارة البدن، ويدل على ذلك الإجماع على جواز الصلاة بالاستجمار من غير غسل، وقد مضى هذا القول في سورة براءة مستوفًى. "

طالب: أحسن الله إليك.. تطهير الثياب بغير ماء خاصة الثياب الصوفية تطهيرها بالبخاري والآلات.

الجمهور على أن النجاسة لا تزول إلا بالماء، هذا قول الجمهور، ورأي الحنفية وشيخ الإسلام أيضًا معهم يقولون استحالة، والمراد زوال عين النجاسة، وكل ما أزال عين النجاسة يكفي ولو بالشمس أو الريح وما أشبه ذلك، فالبخار هو في أصله ماء.

" قوله تعالى:    المدثر: ٥ قال مجاهد وعكرمة: يعني الأوثان، دليله قوله تعالى: الحج: ٣٠ قاله ابن عباس وابن زيد، وعن ابن عباس أيضًا: المأثم فاهجر، أي فاترك، وكذا روى مغيرة عن إبراهيم النخعي قال: الرجز الإثم. وقال قتادة: الرجز إساف ونائلة، صنمان كانا عند البيت، وقيل: الرجز العذاب على تقدير حذف المضاف، المعنى وعمل الرجز فاهجر، أو العمل المؤدي إلى العذاب، وأصل الرجز العذاب، قال الله تعالى: الأعراف: ١٣٤، وقال تعالى: الأعراف: ١٦٢ فسُمِّيت الأوثان رجزًا؛ لأنها تؤدي إلى العذاب. "

فالرجز إما العذاب أو ما يسببه.

" وقراءة العامة: الرِّجز بكسر الراء، وقرأ الحسن وعكرمة ومجاهد وابن محيصن وحفص عن عاصم: الرُّجز بضم الراء، وهما لغتان مثل الذِّكر والذُّكر، وقال أبو العالية والربيع والكسائي: الرُّجز بالضم الصنم، وبالكسر النجاسة والمعصية، وقال الكسائي أيضًا: بالضم الوثن، وبالكسر العذاب. وقال السدي: الرَّجز بنصب الراء الوعيد. قوله تعالى: المدثر: ٦ فيه ثلاث مسائل؛ الأولى: قوله تعالى: المدثر: ٦ فيه أحد عشر تأويلاً الأول: لا تمنن على ربك بما تتحمله من أثقال النبوة، كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير. الثاني: لا تعطِ عطية تلتمس بها أفضل منها، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة، قال الضحاك: هذا حرّمه الله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق، وأباحه لأمته، وقاله مجاهد، والثالث عن مجاهد أيضًا: لا تضعف أن تستكثر من الخير من قولك: حبل منين إذا كان ضعيفًا، ودليله قراءة ابن مسعود: ولا تمنن تستكثر من الخير. الرابع عن مجاهد أيضًا والربيع: لا تعظّم عملك في عينك أن تستكثر من الخير، فإنه مما أنعم الله عليك. قال ابن كيسان: لا تستكثر عملك فتراه من نفسك، إنما عملُك منّة من الله عليك؛ إذ جعل الله لك سبيلاً إلى عبادته. الخامس: قال الحسن: لا تمنن على الله بعملك فتستكثره. السادس: لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس، فتأخذ منهم أجرًا تستكثر به. السابع: قال القرظي: لا تعطِ مالك مصانعة. الثامن: قال زيد بن أسلم: إذا أعطيت عطية فأعطها لربك. التاسع: لا تقول: دعوتُ فلم يُستجب لي. العاشر: لا تعمل طاعة وتطلب ثوابها، ولكن اصبر حتى يكون الله هو الذي يثيبك عليها. الحادي عشر: لا تفعل الخير لترائي به الناس. "

كل ما ذكره من الأقوال الأحد عشر كلها منهي عنها وداخلة في النهي، لكن دخولها في معنى الآية بعضها قريب وبعضها بعيد، فهي إما من المنّ الذي هو الإدلال بالعطية حتى يبذل له بدلها فيستكثر بهذا البدل أو من القطع      فصلت: ٨  يعني مقطوع، يعني لا تمنن، لا تقطع الإنفاق في سبيل الله والبذل في سبيله فتستكثر بقطعك ومنعك ما طُلب منك، وعلى كل حال المعاني كثيرة، واللفظ محتمِل، لكن إما أن يقال من المنّ الذي هو من المنّة وإتباع الصدقة بالمن والأذى حتى يبذل له البدل فيستكثر به أو يكون من القطع قطع العطية والصدقة والهبة فيستكثر بما يدخره مما قطعه.

طالب: ...........

ممنوع يعني مقطوع.

طالب: ...........

الفعل منّ مثل هذا.

طالب: ...........

يعني النية العطية بنية الثواب يعني تعطى عنها العطية بنية الثواب كون الإنسان يعطي من يتوقع ويتوسم أنه يثيبه إذا أعطى كمن يهدي لأمير أو وزير أو كبير، ويعرف أنه يعطيه أكثر مما يمنع.

طالب: ...........

كون الإنسان يلاحي ويستقصي الأمر هذا يلام عليه، لكن لو عندك مثلاً كتاب نفيس أو أهديته لصاحبك ومن أهل الثراء ومن أهل كذا وأعطاك شيئًا ماذا تقول؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقبل الهدية ويثيب عليها، لكن الإشكال إذا كان صاحبك لا يقدر هذه الهدية، ما يعرفها، وأعطيته كتابًا قيمته عشرة آلاف، وأعطاك خمسة، ما يدري، ويقال له مكثر بعد تكون خسرت الدنيا والآخرة، لا أنت حصلت الأجر ولا أنت حصلت حقك.

" الثانية: هذه الأقوال وإن كانت برادة فأظهرها قول ابن عباس: لا تعطِ لتأخذ أكثر مما أعطيت من المال، يقال: مننتُ فلانًا كذا أي أعطيته، ويقال للعطية: المنة. "

والمنة هي التي تتبع العطية، يتحدث في المجالس: أنا أهديت لفلان أنا أهديت.. كل مجلس يقول هذا الكلام، يمتن بعطيته حتى يفتدي المعطى ويشتري عرضه بأكثر مما أخذ، هذه الصورة دخولها في الآية واضح.

طالب: ...........

نعم، لكن ما المانع من أن تعطي لتأخذ؟

طالب: ...........

أنت أعطيت ولا تكلمت بمجالس ولا منيت ولا أتبعت منًّا ولا أذى، ثم أعطاك، وفي ذهنك وفي قلبك أنك تأخذ ما منيت ولا أظهرت شيئًا، ولا أتبعت هذه الهدية منًّا ولا أذى.

طالب: ...........

الصورة التي تدخل دخولًا أوليًّا في الآية إتباع العطية بالمن والأذى حتى يفتدى، هذا واضح.

طالب: ...........

وكل إعطاء يطلب فيه الإخلاص بنية الثواب أنت أعطيت أميرًا عسلاً من أفضل أنواع العسل، وأنت تبيع الكيلو بخمسة هو أعطاك خمسة آلاف، وترجو أن يعطيك خمسة آلاف بعد، ما تود؟! هذا يقدح في إخلاصك؟ أنت ما أعطيته مخلصًا، أنت ترجو الثواب، مثل هذه الصورة أمرها سهل إن شاء الله، لكن الكلام على المنّ ﮥﮦ البقرة: ٢٦٢ ، ﯛﯜ البقرة: ٢٦٣.

" ويقال للعطية المنة، فكأنه أمر بأن تكون عطاياه لله لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها؛ لأنه- عليه السلام- ما كان يجمع الدنيا، ولهذا قال: ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، وكان ما يفضل من نفقة عياله مصروفًا إلى مصالح المسلمين، ولهذا لم يورث؛ لأنه كان لا يملك لنفسه الادخار والاقتناء، وقد عصمه.. "

ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يدخر قوت سنة له ولأهله من الخمس، وما عدا ذلك يتصدق به، ثم يعود إلى ما ادخره لنفسه وأولاده وأهله ثم يتصدق منه ما يتصدق، وأهله يتصدقون وعرفوا بذلك، حتى تمر ثلاثة الأهلة ولا يُوقد في بيته نار -عليه الصلاة والسلام-.

" وقد عصمه الله تعالى عن الرغبة في شيء من الدنيا، ولذلك حُرِّمت عليه الصدقة، وأُبيحت له الهدية، فكان يقبلها ويثيب عليها، وقال: «لو دُعيت إلى كراع لأجبت، ولو أُهدي إليَّ ذراع لقبلت»، قال ابن العربي: وكان يقبلها سنة، ولا يستكثرها شرعة، وإذا كان لا يعطي عطية يستكثر به. "

يقبلها سنة؛ ليُقتَدى به -عليه الصلاة والسلام-، ولا يستكثرها شرعة وعادة وديدنًا له -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: الحديث -أحسن الله إليك-.. «لو دُعيت إلى كراع» صحيح؟

«لو دُعيت» الحديث تخريجه.

طالب: ...........

متفق عليه.

" فالأغنياء أولى بالاجتناب؛ لأنها باب من أبواب المذلة، وكذلك قول من قال: إن معناها لا تعطي عطية تنتظر ثوابها، فإن الانتظار تعلق بالأطماع، وذلك في حيزه بحكم الامتناع، وقد قال الله تعالى له:        ﮩﮪ طه: ١٣١ ، وذلك جائز لسائر الخلق؛ لأنه من متاع الدنيا وطلب الكسب والتكاثر بها، وأما من قال: أراد به العمل أي لا تمنن بعملك على الله فتستكثر فهو صحيح، فإن ابن آدم لو أطاع الله عمره من غير فتور لما بلغ لنعم الله بعض الشكر. الثالثة: قوله تعالى.. "

مسألة التوفيق للطاعة هذه نعمة من الله -جل وعلا- توجب الشكر على المنعَم عليه لهذه النعمة، حيث أنعم عليه، ويُسِّرَت له الطاعة، وحُرِم منها كثير من الناس، على الإنسان أن يشكر هذه النعمة إذا وُفِّق لها.

طالب: ...............

لا، القلب ما لم يتكلم أو يعمل ما عليه شيء..

" الثالثة: قوله تعالى: المدثر: ٦  قراءة العامة بإظهار التضعيف، وقرأ أبو السمال العدوي وأشهب العقيلي والحسن: ولا تمنَّ مدغمة مفتوحة. {تستكثر} قراءة العامة بالرفع، وهو في معنى الحال، تقول: جاء زيد يركض أي راكضًا أي لا تعطِ شيئًا مقدرًا أن تأخذ بدله ما هو أكثر منه، وقرأ الحسن بالجزم على جواب النهي، وهو رديء؛ لأنه ليس بجواب، ويجوز أن يكون بدلاً من تمنن، كأنه قال: لا تستكثر، وأنكره أبو حاتم وقال: لأن المن ليس بالاستكثار فيبدل منه، ويحتمل أن يكون. "

المنّ غايته الاستكثار ونتيجته الاستكثار.

ويحتمل أن يكون سكن تخفيفها.

سُكِّن.

" سُكَّن تخفيفها كعضد أو أن يعتبر حال الوقف، وقرأ الأعمش ويحيى: تستكثر بالنصب توهُّم لام كي كأنه قال: ولا تمنن.. "

لتستكثر.

" ولا تمنن لتستكثر، وقيل: هو بإضمار أن كقوله:

ألا أي هذا الزاجر أحضرُ الوغى

 

.............................

ويؤيده قراءة ابن مسعود: ولا تمنن أن تستكثر. "

أحضرُ أو أحضرَ؟

طالب: ..............

أحضرُ، ما الفائدة من قوله: وقيل هو بإضمار كقوله: ألا أيها الزاجر..؟ أحضرَ.

طالب: ..............

يعني إذا أضمرت أن لا بد أن تفتح مثل تستكثرَ.

" ويؤيده قراءة ابن مسعود: ولا تمنن أن تستكثر، قال الكسائي. "

يا أيها الزاجرِ الذي يزجرني أن أحضر الوغى بسبب حضورها الوغى، يقول: لا تحضر حتى ما تموت وما تقتل، يزجره أن يحضر الوغى، يحضر القتل والقتال والحرب، ولذا شطر البيت:

...............................

 

وأن أشهد اللذات هل أنت مخلد

يعني سواء أحضرت الوغى أو شهدت اللذات تضمن لي الخلود؟ لا تضمن خلودًا لا هنا ولا هنا.

" قال الكسائي: فإذا حذف أن رفع، وكان المعنى واحدًا، وقد يكون المنّ بمعنى التعداد على المنعَم عليه بالنعم، فيرجع إلى القول الثاني، ويعضده قوله تعالى: البقرة: ٢٦٤ ، وقد يكون مرادًا في هذه الآية، والله أعلم. قوله تعالى: المدثر: ٧  أي ولسيدك ومالكك فاصبر على أداء فرائضه وعبادته، وقال مجاهد: على ما أوذيت. وقال ابن زيد: حملت أمرًا عظيمًا محاربة العرب والعجم، فاصبر عليه لله. وقيل: فاصبر تحت موارد القضاء لأجل الله تعالى، وقيل: فاصبر على البلوى؛ لأنه يمتحن أولياءه وأصفياءه، وقيل: على أوامره ونواهيه، وقيل: على فراق الأهل والأوطان. "

ولربك فاصبر، الصبر المأمور به يشمل جميع أنواع ما يصبر عليه؛ تصبر على الطاعة، تصبر عن المعصية، تصبر على الأقدار، تصبر على الأذى في سبيله وتحمل المشاقّ في البراءة من عهدة التكاليف، وهكذا.

طالب: ............

المنان والمانّ الذي يعطي قبل السؤال، الذي يمنّ بالشيء قبل سؤاله، وأما المِنّة المذكورة الآن لا، تعطي شخصًا وتقول أنا أعطيته في يوم كذا أعطيته كذا، ويوم كذا أعطيته كذا، ويوم كذا.. هذا منان صار.

طالب: ............

نعم.

طالب: ............

لأجله، ولذلك فاصبر تحت موارد القضاء لأجل الله تعالى.

" قوله تعالى:     المدثر: ٨  إذا نفخ في الصور، والناقور فاعول من النقل، كأنه الذي من شأنه أن ينقر فيه للتصويت، والنقر في كلام العرب الصوت، ومنه قول امرئ القيس:

أخفضه بالنقر لما علوته

 

ويرفع طرفًا غير خاف غضيض

وهم يقولون: نقّر باسم الرجل إذا دعاه مختصًّا له بدعائه، وقال مجاهد وغيره: هو كهيئة البوق، ويعني به النفخة الثانية، وقيل: الأولى؛ لأنها أول الشدة الهائلة العامة، وقد مضى الكلام في هذا مستوفًي في النمل والأنعام، وفي كتاب التذكرة، والحمد لله. "

التذكرة له؛ للقرطبي.

" وعن أبي حَبَّان قال: أمَّنَا زرارة بن أوفى فلما بلغ     المدثر: ٨  خرّ ميِّتا المدثر: ٩. "

ذكر في مناسبات كثيرة أن من أهل العلم من ينكر مثل هذا ولا يثبته، وأنه لم يحصل للنبي- عليه الصلاة والسلام- ولا لصحابته -رضوان الله عليهم- وهم أشد خوفًا وأعرف بالله وأكثر تعظيمًا لكلام الله ممن جاء بعدهم، فكيف يحصل للتابعين ويكثر فيهم، ولا يحصل للصحابة، ولا يحصل للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ذكرنا أن لا شك أن النازل عظيم المزمل: ٥  فمن يستشعر عظمة هذا القول الثقيل فلا بد أن يتأثر، فإذا كان القلب فيه من القوة ما يحتمل كقلبه -عليه الصلاة والسلام- هذا القول الثقيل أو صحابته -رضوان الله عليهم- فإنه لا يحصل له مثل هذا، لا يحصل الصعق، ولا يحصل الغشي، ولا يحصل شيء من هذا، وأما إذا كان القلب ضعيفًا كما حصل بعد الجيل الأول بعد الصحابة، ومع استشعار عظمة هذا القول الثقيل فإنه قد يحصل؛ لعدم التناسب بين الوارد والمورود، وشيخ الإسلام يقرر هذا، وابن سيرين ينكر يقول: هذا الذي يُغشى عليه ويُغمى عليه، وقد يموت وقد يُصعق هذا ضعوه فوق جدار واقرؤوا القرآن فهو صادق، كأنه ينكر ما يستوعب مثل هذا الأمر، وكثير في وقتنا أظن إنكاره صار سهلًا يعني في وقتنا؛ لأننا نعيش حياة تختلف عن حياتهم، لا نستشعر عظمة القرآن ولا كأنه قرآن، ولا كأنه كلام الله، ويُقرأ علينا القرآن كما تُقرأ علينا الأخبار، ما فيه،       ﯱﯲ يوسف: ١١١  تُقرأ عليك القصة، تُقرأ عليك سورة هود وفيها قصص الأنبياء مثل نشرة الأخبار عندك، ما فيه فرق، يعني مثل هذا يمكن أن يحصل له مثل ما حصل لسلف الأمة؟ مستحيل، ولذلك حتى البكاء ما يوجد فضلاً عن الغشي والصعق، والله المستعان.

طالب: ............

بلا شك معروف بعض الدعاة يقول: قرأت القرآن، فحضر حاضر ببلاد الكفر جمع من النصارى واليهود والمسلمين وغيرهم، فإذا بشخص أمامي يبكي، نصراني ولا يفهم من العربية شيئًا، قلت: يمكن تأثر بصوتي، ثم آتي بقصة وأرتلها كما أرتل القرآن، ولا تحرك منه ساكنًا، ثم سألته قال: تحس بفرق؟ قال: نعم فرق كبير، وفي النهاية أسلم.

" المدثر: ٩  أي فذلك اليوم يوم شديد. المدثر: ١٠  أي على من كفر بالله وبأنبيائه -صلى الله عليهم وسلم-.     المدثر: ١٠  أي غير سهل ولا هيِّن، وذلك أن عقدهم لا تنحل إلا إلى عقدة أشد منها بخلاف المؤمنين الموحدين المذنبين، فإنها تنحل إلى ما هو أخف منها حتى يدخلوا الجنة برحمة الله تعالى، ويومئذ نُصب على تقدير فذلك يوم عسير يومئذ، وقيل: جر بتقدير حرف جر مجازه فذلك في يومئذ، وقيل: يجوز أن يكون رفعًا إلا أنه بُني على الفتح؛ لإضافته إلى غير متمكن. قوله تعالى: المدثر: ١١  ذرني أي دعني. "

«رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه»؛ لأن الظرف أضيف إلى جملة صدرها مبني فبُني، وإذا أضيف إلى جملة صدرها معرب يعرب ﯿ  المائدة: ١١٩ ، وعندنا يقول: ويومئذ نصب على تقدير فذلك يومٌ عسير يومئذ، وقيل: جر بتقدير حرف الجر مجازه فذلك في يومئذ، وقيل: يجوز أن يكون رفعًا إلا أنه بُني على الفتح؛ لإضافته إلى غير متمكن، عندنا متمكن، وعندنا متمكن أمكن، ومتمكن غير أمكن، الآن غير متمكن يعني مبني غير المتمكن المبني، والمتمكن المعرب، والمتمكَّن غير أمكن الممنوع من الصرف.

" قوله تعالى: المدثر: ١١  ذرني أي دعني، وهي كلمة وعيد وتهديد المدثر: ١١  أي عني والذي خلقتُه وحيدًا، فوحيدًا على هذا حال من ضمير المفعول المحذوف أي خلقته وحده لا مال له ولا ولد ثم، أعطيته بعد ذلك ما أعطيته، والمفسرون على أنه الوليد بن المغيرة المخزومي، وإن كان الناس خُلقوا مثل خلقه، وإنما خُص بالذكر؛ لاختصاصه بكفر النعمة وإيذاء الرسول -عليه السلام- وكان يُسمى الوحيد في قومه، قال ابن عباس: كان الوليد يقول: أنا الوحيد ابن الوحيد ليس لي في العرب نظير ولا لأبي المغيرة نظير، وكان يُسمى الوحيد، فقال الله تعالى: ذرني ومن خلقت بزعمه وحيدًا؛ لأن الله تعالى صدقه بأنه وحيد، وقال قوم: إن قوله تعالى: المدثر: ١١  يرجع إلى الرب تعالى على معنيين أحدهما ذرني وحدي.. "

يعني وحيدًا المدثر: ١١  وحيد حال، وهذا الحال هل هو مبيِّن لهيئة الفاعل أو لهيئة المفعول يعني هل هو مبيِّن لهيئة الخالق أو مبيِّن لهيئة المخلوق؟

طالب: ..............

على القول الأخير الفاعل، أما على القول الأول المفعول أي أن المراد أنه ادعى أنه وحيد، وجاء الأسلوب على حسب دعواه، يعني المخلوق، وقال القول الثاني وقال قوم: إن قوله تعالى: المدثر: ١١  يرجع إلى الرب، فهو مبيِّن لهيئة الخالق الفاعل.

" وقال قوم: إن قوله تعالى: المدثر: ١١  يرجع إلى الرب تعالى على معنيين أحدهما: ذرني وحدي معه، فأنا أجزيك في الانتقام منه عن كل منتقم. والثاني: أني انفردت بخلقه، ولم يشركني فيه أحد، فأنا أهلكه ولا أحتاج إلى ناصر في إهلاكه، فوحيدًا على هذا حال من ضمير الفاعل، وهو التاء في خلقت، والأول قول مجاهد أي خلقته وحيدًا في بطن أمه لا مال له ولا ولد، فأنعمت عليه فكفر، فقوله: وحيدًا على هذا يرجع إلى الوليد أي لم يكن له شيء فملكته، وقيل: أراد بذلك ليدله على أنه يبعث وحيدًا كما خلق وحيدًا، وقيل: الوحيد الذي لا يعرف أبوه، وكان الوليد معروفًا بأنه دعي كما ذكرنا في قوله تعالى: القلم: ١٣ ، وهو في صفة الوليد أيضًا. قوله تعالى: المدثر: ١٢  أي خوَّلته وأعطيته مالاً ممدودًا، وهو ما كان للوليد بين مكة والطائف من الإبل والجحور. "

والحجور.

" من الإبل والحجور والنعم.. "

يعني ما يتحجر ويمتلك من أنواع الأموال.

" من الإبل والحجور والنعَم والجنان والعبيد والجواري، كذا كان ابن عباس يقول، وقال مجاهد: غلة ألف دينار، قاله سعيد بن جبير وابن عباس أيضًا، وقال قتادة: ستة آلاف دينار، وقال سفيان الثوري وقتادة: أربعة آلاف دينار. وقال الثوري أيضًا: ألف ألف دينار. وقال مقاتل: كان له بستان لا ينقطع خيره شتاءً ولا صيفًا. وقال عمر -رضي الله عنه- المدثر: ١٢  غلة شهر بشهر. وقال النعمان بن سالم: أرضًا يزرع فيها. وقال القشيري: والأظهر أنه إشارة إلى ما لا ينقطع رزقه، بل يتوالى كالزرع والضرع والتجارة. "

وهذا معنى المد، وهو الاستمرار.

" قوله تعالى: المدثر: ١٣  أي حضورًا لا يغيبون عنه في تصرف قال مجاهد: وقتادة كانوا عشرة. وقيل: اثنا عشر، قاله السدي والضحاك، قال الضحاك: سبعة ولدوا بمكة وخمسة ولدوا بالطائف. وقال سعيد بن جبير: كانوا ثلاثة عشر ولدًا. وقال مقاتل: كانوا سبعة كلهم رجال أسلم منهم ثلاثة خالد وهشام والوليد بن الوليد، قال: فمازال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان في نقصان من ماله وولده حتى هلك، وقيل: شهودًا أي إذا ذكر ذكروا معه، قاله ابن عباس، وقيل: شهودًا أي قد صاروا مثله في شهود ما كان يشهده والقيام بما كان يباشره، والأول قول السدي أي حاضرين مكة لا يظعنون عنه في تجارة ولا يغيبون. "

الامتنان بالبنين مقيَّد بكونهم شهود؛ لأن الذين يغيبون عن أهلهم ولا يجدونهم في وقت الاحتياج إليهم هؤلاء وجودهم مثل عدمهم، لا يمتن بهم، بل بعضهم غيض على أهله، هذا وبال، الابن الذي بالفعل منة على والده هو الذي حاضر عنده يخدمه متى احتاج إليه، أما من وجوده مثل عدمه سواء كان في البلد أو في المسافر، ما يفرق بحيث لو احتاج إليه أبوه أو أمه في وقت من الأوقات حاجة ضرورية ما وجدهم، يسكن مع زوجته وأولاده أو مع أصدقائه وأقرانه بعيدًا عن أهله، ويعرف أن أهله بحاجة إليه، هذا ما يستحق أن يمتن به، ولذلك قال: المدثر: ١٣  الولد الحاضر هو الذي يُمتن به، وهو الذي يستحق أن يُسمى ولدًا، ومع الأسف تجد بعض الناس له عشرة من الولد ما تجد عنده في البلد ولا واحدًا هذا عقيم، هذا ما عليه إلا تبعاتهم، ولا ينفعه منهم أحد، واحد أسأله عن أولاده من المشايخ قال: والله فلان ببريطانيا، والثاني بأمريكا، والثالث ما أدري أين والرابع.. ما عنده أحد.

طالب: .............

نعم ويرسل لهم، الله المستعان هؤلاء عيال فمتى يحتاجهم لو يُصاب بأي أذية؟ احتاج إلى مستشفى ما وجد أحدًا، وفي حكمهم من إذا ولى دبره عن والده أغلق الجوال، وفعل ما يريد. المفترض في الولد أن يكون جواله مادام يعرف أن والديه بحاجته جواله مفتوحًا بالليل والنهار في كل وقت، هذا الأصل، بعض الناس كأن ما وراءه أحد، يعني همه من الدنيا زوجته وأولاده عنده وانتهى الإشكال، هذا ما يُمتن به، ولو ادعى أنه صالح، يعني الأم في منتصف الليل أو في النهار أو في غيره تحتاج إلى ولدها ولا تجده؟! نسأل الله العافية، هذا لا بد من أن يعاد فيه النظر، وهذا خلل في التصور إن كان يصدر من أحد يتدين بمثل هذا نعم إذا وجدت مصلحة راجحة لعلم أو تعليم أو دعوة أو ما أشبه ذلك بعد إذن الوالدين وأذنوا له وأعانوه على ذلك وشاركوه في هذا الأجر، ما فيه ما يمنع، الصحابة تفرقوا في البلدان بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، وأما والله واحد يقول فلان بأمريكا يدرس له أربع سنين، والثاني ما أدري كم له، والثالث ما أدري هؤلاء عيال؟! والله المستعان، وهم يحتاجون، إذا أرادت الأم شيئًا اتصلت على الجيران أرسلوا لي سواقكم، وعندها جمع من الأولاد، الله المستعان.

" قوله تعالى: ﯿ المدثر: ١٤  أي بسطت له في العيش بسطًا حتى أقام ببلدته مطمئنًا مترفّها يُرجع إلى رأيه، والتمهيد عند العرب التوطئة والتهيئة، ومنه مهد الصبي، وقال ابن عباس: ﯿ المدثر: ١٤  أي وسعت له ما بين اليمن والشام، وقاله مجاهد، وعن مجاهد أيضًا. "

ليضرب بينهما في تجارته كيفما أراد وكيفما شاء.

" وعن مجاهد أيضًا في ﯿ المدثر: ١٤ أنه المال بعضهم فوق بعض كما يمهد الفراش. قوله تعالى:   المدثر: ١٥  أي ثم إن الوليد يطمع بعد هذا كله أن أزيده في المال والولد. ﰈﰉ المدثر: ١٦  أي ليس يكون ذلك مع كفره بالنعم، وقال الحسن وغيره: أي ثم يطمع أن أدخله الجنة، وكان الوليد يقول: إن كان محمد صادقًا فما خلقت الجنة إلا لي، فقال الله تعالى ردًّا عليه وتكذيبًا له: ﰈﰉ المدثر: ١٦  أي لست أزيده، فلم يزل يرى النقصان في ماله وولده حتى هلك، وثم في قوله تعالى:   المدثر: ١٥  ليست بثم التي للنسق، ولكنها تعجيب، وهي كقوله تعالى:         ﭙﭚ      الأنعام: ١. "

يعني ليست عاطفة اللاحقة على السابق؛ لأنه لا معنى للعطف هنا.

طالب: ..............

تعجيب يقول.

طالب: ..............

أين؟

طالب: ..............

ثم يطمع مستأنف ثم هو يطمع.

" وذلك كما تقول: أعطيتك ثم أنت تجفوني كالمتعجب من ذلك، وقيل: يطمع أن أترك ذلك في عقبه، وذلك أنه كان يقول: إن محمدًا مبتور أي أبتر، وينقطع ذكره بموته، وكان يظن أن ما رُزق لا ينقطع بموته، وقيل: أي ثم يطمع أن أنصره على كفره، وكلا قطع للرجاء عما كان يطمع فيه من الزيادة، فيكون متصلاً بالكلام، وقيل: ﰈﰉ المدثر: ١٦  بمعنى حقًّا، ويكون ابتداء     المدثر: ١٦  يعني الوليد       المدثر: ١٦  أي معاندًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وما جاء به يقال له عاندَ فهو عنيد مثل جالس فهو جليس. "

عاندٌ.

"يقال: عاندٌ فهو عنيد بمثل جالس فهو جليس، قاله مجاهد، وعند يعنِد بالكسر أي خالف وردَّ الحق وهو يعرفه، فهو عنيد وعاند، والعاند البعير الذي يجور عن الطريق ويعدل عن القصد، والجمع عُنَّد مثل راكع ورُكَّع، وأنشد أبو عبيدة قول الحارثي:

إذا ركبتُ فاجعلاني وسطًا

 

إني كبير لا أطيق العُنَّدا

وقال أبو صالح: عنيدًا معناه مباعدًا، قال الشاعر:

أرانا على حال تُفَرِّق بيننا

 

نوى غربة إن الفراق عَنُوْد

قال قتادة: جاحدًا وقال مقاتل: معرضًا، وعن ابن عباس: جحودًا.

أرانا على حال تفرق بيننا

 

نوى غربة إن الفراق عنود"

نوى غَرْبَة يعني بعيدًا، إن الفراق عنود، والنوى والنؤي البعد.

" وعن مجاهد أيضًا قال: مجانبًا للحق معاندًا له معرضًا عنه. والمعنى كله متقارب، والعرب تقول عند الرجل إذا عتا وجاوز قدره، والعَنود من الإبل الذي لا يخالط الإبل، إنما هو في ناحية، ورجل عنود إذا كان يحل وحده لا يخالط الناس، والعنيد من. "

التجبر.

" والعنيد من التجبر، وعرق عاند إذا لم يرقأ دمه، كل هذا قياس واحد، وقد مضى في سورة إبراهيم، وجمع العنيد عُنُد، مثل رغيف ورُغُف.

 قوله تعالى: المدثر: ١٧  أي سأكلفه، وكان ابن عباس يقول: سألجئه، والإرهاق في كلام العرب أن يُحمل الإنسان على الشيء المدثر: ١٧. "

يعني من غير إرادته وطوعه واختياره يلزم به.

" الصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفًا ثم يهوي كذلك فيه أبدًا. رواه أبو سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرَّجه الترمذي وقال: فيه حديث غريب. "

ماذا قال عنه؟

طالب: ...............

أما ضعفه فظاهر؛ لأن فيه من ذكر ابن لهيعة ودرَّاج أبو السمح كلاهما ضعيف، أما واهٍ فما هو بصحيح ابن لهيعة ليس بواهٍ، إنما هو ضعيف.

" وروى عطية عن أبي سعيد قال: صخرة في جهنم إذا وضعوا.. "

طالب: ...............

أنا أقول ما هو بصحيح.

" وروى عطية عن أبي سعيد قال: صخرة في جهنم إذا وضعوا عليها أيديهم ذابت، فإذا رفعوها عادت قال: فيبلغ أعلاها في أربعين سنة يجذب من أمامه بسلاسل، ويضرب من خلفه بمقامع، حتى إذا بلغ أعلاها رمي به إلى أسفلها، فذلك دأبه أبدًا، وقد مضى هذا المعنى في سورة الجن: ١ ، وفي التفسير أنه صخرة ملساء يكلف صعودها، فإذا صار في أعلاها حدر في جهنم فيقوم يهوي ألف عام من قبل أن يبلغ قرار جهنم يحترق في كل يوم سبعين مرة، ثم يعاد خلقًا جديدًا، وقال ابن عباس: المعنى سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيه، ونحوه عن الحسن وقتادة، وقيل: إنه تصاعد نفسه للنزع وإن لم يتعقبه موت؛ ليعذب من داخل جسده كما يعذب من خارجه. "

اللهم صل على محمد وعلى آله...

فيه درس إن شاء الله الجمعة، موجود إن شاء الله.

"