شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (32)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فيقول الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- فيما ترجم عليه النووي بقوله: باب بيان الزمن الذي لا يقبَل فيه الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبَل فيه الإيمان.
قال -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجْر قالوا: حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر، عن العلاء وهو ابن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-".
يعنون ابن جعفر عن العلاء، عن العلاء وهو ابن عبد الرحمن، ما قال مسلم في السياق: حدثنا إسماعيل قالوا: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن قال في الأول: يعنون ابن جعفر، وفي الثاني: هو ابن عبد الرحمن، قالوا: إن الإمام مسلم شيوخه ما قالوا هكذا، ما قالوا إسماعيل بن جعفر، وإنما قالوا: حدثنا إسماعيل، وأراد الإمام مسلم أن يزيد في بيانه وإيضاحه ذكر أبيه، وهم ما قالوه، ما ذكروا الأب، فيأتي بما يتوصل إليه في مراده بيعني، وهذا من تمام دقته وحرصه وورعه، وإلا لو زاد في اسم الأب ما ليس هناك أثر كبير إسماعيل هو ابن جعفر سواء قلنا: إسماعيل بن جعفر أو قلنا: هو ابن جعفر، لكن الشيوخ ما قالوا لمسلم: إسماعيل بن جعفر، فلا يريد أن يزيد من تلقاء نفسه، وإنما يتوصل إلى مراده بوصلة، وهي يعنون ابن جعفر، ومثله عن العلاء، وهو هو ابن عبد الرحمن، لو قال: عن العلاء بن عبد الرحمن هو هو، ما يتأثر، ولا يتغير، لكن هذا من تمام العناية والدقة والحرص على أداء ما سمع كما سمع.
"عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها»، «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم أجمعون»".
إذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم أجمعون، هل ينفع الإيمان عند المعاينة؟
إذا رأى الإنسان علامات الموت ينفعه إيمانه؟ تنفذ تصرفاته؟ تصحّ وصاياه؟ ما ينفعه شيء، {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ}[النساء:18]، ما ينفع هذا، مثل ما حصل لفرعون، {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس90 :91] ما ينفعك الآن، في وقت الغرغرة سواء كانت فردية أو جماعية، كما هنا في طلوع الشمس من مغربها، فإذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم أجمعون، توكيد بعد توكيد.
"«فيومئذ لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا».
قال -رحمه الله-: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير وأبو كريب، قالوا: حدثنا ابن فضيل، ح وحدثني زهير بن حرب قال: حدثنا جريرٌ كلاهما عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة" ابن عمرو ابن جرير البجلي، "عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن الأعرج".
ابن ذكوان اسمه؟ كنيته؟
طالب: ..............
أبو الزناد.
"عن عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ح وحدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل حديث العلاء عن أبيه" الذي ساقه أولاً، "عن أبي هريرة".
وفي هذا الإسناد أشياء نبّهنا عليها مرارًا، وسترد كثيرًا عند مسلم من علامات التحويل وجمع الرواة وتفريقهم التي هي طريقة مسلم -رحمه الله-.
"عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل حديث العلاء".
وإذا قال بمثله فهو بحروفه، وإذا قال: بنحوه فهو بمعناه، عن أبي هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم-.
" وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: حدثنا وكيع، ح وحدثنيه زهير بن حرب قال: حدثنا إسحق بن يوسف الأزرق جميعًا عن فضيل عن فضيل بن غزوان، ح وحدثنا أبو كُريب محمد بن العلاء، واللفظ له".
إذا قال: واللفظ له، والبقية ماذا لهم؟ إذا نصّ على صاحب اللفظ فالبقية بمعناه، فالبقية بالمعنى.
"واللفظ له قال: حدثنا ابن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة".
أبو حازم الذي يروي عن أبي هريرة ما اسمه؟
طالب:...
عن أبي هريرة؟
طالب:...
سليمان، سلمة بن دينار يروي عن ذاك أشهر، أبو حازم سلمة بن دينار أشهر، لكنه يروي سهل بن سعد.
"عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثٌ إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها»".
في الحديث الأول علامة واحدة، وهي طلوع الشمس من مغربها، وفي الحديث الذي يليه ثلاثٌ أي ثلاث علامات إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها.
«لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا».
من قبلُ، في القرآن: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}[الروم:4] مبني على الضم، لماذا؟ لأن المضاف محذوف مع نية معناه، من قبلُ أو كسبت في إيمانها خيرًا.
«طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض» طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض، إذا خرج الدجال خلاص، لا ينفع نفسًا إيمانها، إذا خرجت الدابة دابة الأرض التي تسِم الناس هذا مؤمن وهذا كافر، وطلوع الشمس من مغربها، أي علامة من هذه العلامات ظهرت أغلق باب التوبة، أغلق باب التوبة، هذه علامات ثلاث، واقْتُصِرَ على طلوع الشمس من مغربها في أحاديث، ألا يمكن أن يقال: إن العلامة الأولى من هذه الثلاث كافية، تكفي عن غيرها، إذا ظهرت أول علامة من هذه الثلاث منعت الثانية؟
مفاد الخبر يكفي أنه لا ينفع، لا ينفع نفسًا إيمانها، لا ينفع نفسًا إيمانها، فلماذا ذُكِرت الثلاث ولم يكتف بواحدة؟
أولاً: طلوعها متقارب جدًّا، أي واحدة ظهرت منها تبعها الأخريان، ويمكن أن تطلع واحدة في إقليم، وأخرى في إقليم آخر، والثالثة في جهة ثالثة، فيكون هذا الوضع قد عمّ الأرض في وقت واحد؛ لأن هذه العلامات وُجِدت في جميع الأرض، ولهذا ذكر ثلاث، وإلا فالأصل أنه إذا طلعت الشمس من مغربها ما نحتاج إلى علامات أخرى، خلاص انتهى الإشكال، أُقفل باب التوبة، إذا ظهرت الدابة أُقفل باب التوبة، ولا نحتاج إلى غيرها، إذا ظهر الدجال أقفل باب التوبة، فلا نحتاج إلى غيرها، لكنه قال: «ثلاثٌ إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض» ثلاث، فأي واحدة من هذه في أي جهة من جهات الأرض خرج خلاص أُغلِق باب التوبة.
قد يقول قائل: إن الشمس إذا طلعت من مغربها رآها الناس كلهم، إذا طلعت الشمس، وطلوعها من مغربها- والله أعلم- كطلوعها من مشرقها، يحتاج إلى وقت إلى أن تصل إلى جميع الأرض، ترتفع فيراها الناس كلهم، فهؤلاء الذين تأخر عليهم طلوع الشمس من مغربها عندهم الدابة أو الدجال، نسأل الله السلامة والعافية.
قال:
"حدثنا يحيى بن أيوب وإسحق بن إبراهيم جميعًا عن ابن علية قال ابن أيوب: حدثنا ابن علية"، "حدثنا يحيى بن أيوب وإسحق بن إبراهيم جميعًا عن ابن علية قال ابن أيوب: حدثنا ابن علية".
وماذا قال إسحاق؟
إسحاق لا يحدِّث إلا بالإخبار، إسحاق بن راهويه الإمام المعروف الحنظلي إمام من أئمة المسلمين، ما دام قال يحيى بن أيوب: حدثنا إسحاق كما هو معلوم لا يكاد يحدِّث إلا بالإخبار، قد قال إسحاق: أخبرنا، جميعًا عن ابن علية، جميعًا عن ابن علية، إسماعيل بن إبراهيم بن علية قالوا في ترجمته: إن علية أمه، ولذلك كان الإمام أحمد يقول: الذي يقال له ابن علية، الذي يقال له: ابن علية، اشتهر بها، وتداول الناس هذا الاسم، ولا يعرَف إلا به، والإمام أحمد من ورعه؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:5] كان يقول: الذي يقال له ابن علية، قال ابن أيوب: حدثنا ابن علية.
"حدثنا يونس قال: حدثنا يونس عن إبراهيم بن يزيد التيمي سمعه فيما أعلم عن أبيه عن أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يومًا: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟» «أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟»".
يعني إذا غربت.
"قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش» «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخرُّ ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي».
تجري كل يوم حتى تنتهي إلى مستقرها في كل ليلة تحت العرش فتخرُّ ساجدة، فلا تزال كذلك يعني ساجدة حتى يقال: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت. أهل الفلك يقولون: إن الشمس لا تفقَد في فلكها، ما تفقَد، فسجودها تحت العرش مقتضاه أنها تغيب عن الكون، ولكن مثل هذا فيه الأحاديث الصحيحة مما لا تدركه العقول آمنا وصدقنا سمعنا وأطعنا، يعني فيه أشياء لا بد أن يستسلم المسلم لها، كما قالوا: قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، والفلكي يلوك لسانه يقول كلامًا ما هو بصحيح؛ لأن أربعًا وعشرين ساعة في فلكها، أين تسجد تحت العرش؟ ما يقولون هذا؟
طالب: ............
قالوه، لا وقالوا أعظم من ذلك أنها ثابتة مستقرة، والأرض تجري من حولها، تدور من حولها، والله -جل وعلا- يقول: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38] ويقولون: الشمس ثابتة، والكواكب تدور حولها ومنها الأرض، وهذا الكلام باطل بالنصوص، ولسنا بحاجة إلى من يشككنا فيما جاء عن الله وعن رسوله، هناك أمور لا بد أن يذعن الإنسان، ولو كان في نفسه شيء من الاضطراب فلا بد أن يسعى لإزالته، يعني يقرر شيخ الإسلام -رحمه الله- أن الله -جل وعلا- ينزل كما في الحديث الصحيح، آخر كل ليلة، ولا يخلو منه العرش، عقولنا الصغيرة ما تدرك مثل هذا، لكن إذا صحّ هذا أو صحّ هذا فلا بد أن نستسلم، لا بد أن نستسلم، أحاديث كلها من أصحّ الصحيح، فتخرُّ ساجدةً، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي.
"«ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها»" يعني من المشرق، "«ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخرُّ ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكرها الناس»"؛ لأنها تطلع من مطلعها، "«لا يستنكر الناس منها شيئًا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي، أصبحي طالعة من مغربك»، «ارتفعي، أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها»، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أتدرون متى ذاكم؟ حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا»، وحدثني عبد الحميد بن بيان الواسطي قال: أخبرنا خالد يعني ابن عبد الله".
خالد بن عبد الله..
طالب: ............
ماذا؟
طالب:...
الحذَّاء أم الطحان؟ الطحان ما اسمه؟
طالب:...
"قال: أخبرنا خالد يعني ابن عبد الله عن يونس عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال يومًا: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟» بمثل حديث بمثل معنى حديث ابن علية".
بمثل معنى حديث ابن علية، هذا فيه إشكال تعبير بمثل معناه؟ هم يقولون: إذا أرادوا اللفظ قالوا: بمثل، وإذا أرادوا المعنى قالوا: بنحو، فالمثل للفظ، والنحو للمعنى، وهنا قال: بمثل معنى، فيه إشكال أم ما فيه إشكال؟ على اصطلاحهم، على الاصطلاح، ما الفرق لو قال: بمعنى حديث ابن علية أو بمثل معنى حديث ابن علية؟ يعني بعد الترجمة بعد المثلية بعد المعنى هو الأصل المعنى، لكن استقر المعنى في روايتك فلان المعنى مع رواية معنى فلان في المعنى مثل؛ لأن المعاني تتماثل، مع كونها الأصل أن الألفاظ التي تتماثل كذلك، المعاني تتماثل، وليست ألفاظ، نعم.
"وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي كريب قالا: حدثنا أبو معاوية" واسمه محمد بن خازم الضرير، محمد بن خازم الضرير، "حدثنا الأعمش" واسمه سليمان بن مهران، "عن إبراهيم التيمي عن أبيه" أبوه اسمه؟
طالب: ............
إبراهيم التيمي؟ عن أبيه..
طالب:...
اسمه؟
طالب: ............
لا لا.
طالب:...
استعينوا بالآلات، سليمان بن طرخان التيمي. "عن أبيه عن أبي ذر" أبو ذر اسمه جندب بن جنادة، -رضي الله عنه-، "قال: دخلت المسجد" هذا مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، "ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس" يعني جالس قبل غروب الشمس، جالس في المسجد قبل غروب الشمس.
"فلما غابت الشمس قال: «يا أبا ذر هل تدري أين تذهب هذه؟» «هل تدري أين تذهب هذه؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها»" يعني تحت العرش كما مضى في الأحاديث، "«وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها»، قال ثم قرأ في قراءة عبد الله" يعني ابن مسعود في قراءة عبد الله بن مسعود قراءة ابن أم عبد الذي قال فيها النبي -عليه الصلاة والسلام-: «من أراد أن يقرأ القرآن غضًا كما أُنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد»، وذكر ابن كثير عن بعض الظلمة، وسماه، لكن ما يحسن أن نسميه، قال: وددت أن أحكَّ قراءة ابن أم عبد من المصحف بضِلَعِ خنزير. نسأل الله العافية، نعوذ بالله من الطغيان.
"وذلك مستقر لها" ثم قال: "حدثنا أبو سعيد الأشج وإسحق بن إبراهيم" "قال إسحق" ماذا قال؟ "أخبرنا"؛ لأن الإمام إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه لا يكاد يحدِّث إلا بأخبرنا لا يكاد يقول: حدَّثنا، ويفسرون به المهمل إذا قيل: حدثنا إسحاق قال: أخبرنا إسحاق ابن من؟ ابن إبراهيم.
"وقال الأشج: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قول الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38] قال: «مستقرها تحت العرش»".
المقصود أن العلامات الثلاث إذا ظهرت ورآها الناس آمنوا كلهم، لكن لا ينفع نفسًا إيمانها، يغلق باب التوبة، ويغلق باب التوبة عن الجميع {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38] يختلفون هل هذا المستقر المقصود به في كل ليلة تستقر تسجد تحت العرش أو مستقرها سيرها انتهاء سيرها انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا؟
ثم قال -رحمه الله تعالى- فيما ترجم عليه النووي: باب بدء الوحي إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، باب بدء الوحي إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وهذا الباب صدّر به البخاري صحيحه، افتتح الصحيح ببدء الوحي ثم أردفها بالإيمان، ومسلم العكس، بدأ بالإيبان ثم أتبعه ببدء الوحي، فيه فرق بين الترتيبين، أيهما أولى؟ بدء الوحي الذي عُرف به الإيمان وغير الإيمان من شرائع الإسلام، الدين كله ما عرف إلا بالوحي، فلذلك قدمها البخاري، والإيمان لشرفه وعظمه، وأنه لا يصح أي عمل بدونه قدمه مسلم، ولكلٍّ وجه.
"باب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال -رحمه الله-: حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح" أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح خماسي، أحيانًا يشحون بذكر اسم الأب، مع أنه يشاركه في الاسم جمع من طبقته، ولكن مثل هذا لا لبس فيه؛ لأن العلماء والمحدثين لا يخفى عليهم مثل هذا، مثل ذلك طلاب العلم الذين لهم عناية بالحديث وأسانيده لا يخفى عليهم لو قال: حدثنا أبو الطاهر وانتهى، وقد قالها مرارًا، والآن نشط مسلم -رحمه الله- فذكره بكنيته واسمه واسم أبيه واسم جده وجد أبيه، وهذا يسمونه يعني التنويع يسمونه؟
طالب: ............
تفنن، تفنن.
"قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أنها قالت: كان أول ما بدئ به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم".
عائشة تقول: أول ما بدئ به رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الرؤيا الصادقة، يعني هذا الكلام قبل الهجرة، قبل الهجرة بثلاث عشرة سنة، وعائشة متى ولدت؟ كم؟
طالب:...
لما بنى -عليه الصلاة والسلام- كان عمرها تسعًا، ولما مات كان عمرها ثمان عشرة، فيكون قبل الهجرة ثماني سنين أو وسبعة أشهر، هذا الكلام قبل ما تولَد، فكيف؟
طالب:...
مرسل صحابي، مرسل صحابي، ويحتمل أنها سمعته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيكون متصلاً أو سمعته من صحابي أدركه فيكون من مراسيل الصحابة، ومراسيل الصحابة حجة بالاتفاق، إلا ما يذكر عن أبي إسحاق الإسفراييني، ولذا قال الحافظ العراقي:
أما الذي أرسله الصحابي فحكمه الوصل على الصواب
أما الذي أرسله الصحابي فحكمه الوصل على الصواب
"أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-" عروة بن الزبير عائشة تكون خالته، هو ابن أسماء بنت أبي بكر، "أخبرته أنها قالت: كان أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم".
وفي البخاري: الصالحة، وفي موضع آخر من البخاري: الصادقة، ولا فرق بين صالحة وصادقة؛ لأن الصدق نوع من الصلاح، الصلاح أعم. الرؤيا الصادقة في النوم، يحتاج أن يقال في النوم؟ يعني لو قال الرؤيا الصادقة ما قال: في النوم، نحتاج إلى قوله في النوم؟
طالب:...
نعم، قالوا: تصريح بما هو مجرد توضيح، والصفة الكاشفة لا مفهوم لها، ما يمكن أن يقال: الرؤيا الصادقة في اليقظة، ما يمكن أن يقال.
"فكان لا يرى رؤيا، فكان -عليه الصلاة والسلام- لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" -عليه الصلاة والسلام-، فلق الصبح، وقد يقال: فرق بالراء، والصبح المقصود ضياؤه فلق الصبح المراد ضياؤه.
"ثم حبب إليه الخلاء، ثم حبب إليه الخلاء" محبة الخلوة والخلاء والعزلة بالنسبة للرجل الصالح في الزمن الفاسد، كثير من خيار الناس لا يرغب في الخروج إلى الأسواق وفي محافل الناس، والاختلاط بهم لما عندهم من مخالفات فتجده يحبَّب إليه الخلاء، ولذا جاءت أحاديث بمدح العزلة، «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع بها شعف الجبال، يفرّ بدينه من الفتن»، هذا قبل البعثة قبل أن يوحى إليه -عليه الصلاة والسلام-، وأحاديث العزلة كثيرة، والحث على مخالطة الناس ونفع الناس والصبر على أذاهم ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكن بعض الناس يترجح في حقه الخلطة، وبعض الناس يترجح في حقه العزلة، فمن لديه قدرة على التأثير في الناس وتخفيف ما عندهم من جرائم ومنكرات، الذي لديه القدرة ولديه من العلم والعمل ما يكفّه عن التأثر بمنكراتهم ومعاصيهم، فمثل هذا العزلة في حقه أفضل الخلطة، الخلطة في حقه أفضل، والعكس، إذا كان شخص إمعة، إن رأى شيئًا أو رأى أحدًا يفعل شيئًا تأثر به، ولا يستطيع أن يؤثر في الناس شيء يقال له اعتزل، وألّف في العزلة كتابًا نفيسًا الإمام أبو سليمان الخطابي، أبو سليمان الخطابي له كتاب في العزلة، من أمتع ما يُقرَأ في هذا الباب، الشراح العيني وغيره والكرماني يعني في نهاية القرن الثامن وأوائل التاسع يقولون: والمتعيِّن في هذه الأيام العزلة، والمتعيِّن في هذه الأيام العزلة؛ لعدم خلو المحافل من المنكرات، يعني المحافل مجامع الناس.
"فكان يخلو بغار حراء" غار حراء، غار كهف نقب في الجبل المعروف بحراء، يخلو فيه، يخلو فيه ويبتعد فيه عن الأنظار، ويبعد نظره -عليه الصلاة والسلام- عما لا يرتاح لرؤيته، بغار حراء وحراء جبل على ثلاثة أميال من مكة على يسار الذاهب إلى منى، ثلاثة أميال يعني خمسة كيلو، "يتحنث فيه" يتحنث، ما معنى يتحنث؟ يتعبد، يتحنث يفارق الحنث الذي هو الإثم.
"وهو التعبد الليالي" هذا إدراج من كلام الزهري، وهو مثال للمدرج في وسط الحديث، الليالي أولات العدد، وفي الصحيح: ذوات العدد والمعنى واحد، أولات العدد وذوات العدد يتعبد الليالي أولات العدد أو ذوات العدد.
"أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله قبل أن يرجع إلى أهله" أهله من؟ خديجة، "ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة" يتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة، ويتزود لذلك يرجع إلى أهله يتزود لذلك، يرجع إلى أهله، ثم يرجع إلى خديجة، كأن فيه من عطف الشيء على نفسه؛ لأن الرجوع إلى أهله هو الرجوع إلى خديجة، والتزود من الأهل هو التزود لمثل هذه الليالي من أهله.
"فيتزود لمثلها حتى فجأه الحق، حتى فجأه الحق" الحق الذي هو الوحي، حتى فجأه الحق الذي هو الوحي بواسطة جبريل- عليه السلام- كما سيأتي.
"حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، وهو في غار حراء، فجاءه الملك" الذي هو جبريل- عليه السلام- "فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ»" النبي -عليه الصلاة والسلام- أمِّي لا يقرأ ولا يكتب، الرسول النبي الأمِّي لا يقرأ ولا يكتب. قال: «ما أنا بقارئ» الباجي يقول: إن الرسول يكتب، وردّ عليه العلماء، وشددوا عليه؛ لأنه أخذ القلم من علي -رضي الله عنه- في الصلح وكتب اسمه، كتب اسمه، فقال إنه يكتب، لكن كتابة الشخص لاسمه من كثرة ما يراه وترسم صورة الاسم في الذهن ليس بغريب، رأينا عوامّ لا يقرؤون ولا يكتبون، ومع ذلك يرسم اسمه، هذا من باب الرسم لا من باب الكتابة، قال: «ما أنا بقارئ» يعني لا أحسن القراءة، وليس لديه شيء مكتوب، ما أنا بقارئ.
"«فأخذني فغطني»" يعني ضمني وعصرني، قوة، «حتى بلغ مني الجهد» وهذا نتيجة الضم، والغط والغتّ بالتاء، بلغ منه الجهد، بحيث لا يستطيع أكثر من ذلك، وهذا من أجل أن يلقي إليه سمعه وفهمه بكليته، الآن المدرس لو يدرس صبيان إذا أراد من طالب أن ينتبه يفرك أذنه ولا يسوي له حركة تجعله ينتبه، هذا معروف في التعليم ولفت انتباه الطلاب، فكيف بمن يحمل أشرف رسالة؟
«فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني» أطلقني لما خشي أن تخرج روحه أرسله أطلقه، «فقال: اقرأ قال: قلت: ما أنا بقارئ» الأسلوب ما هو بأسلوب رفض للقراءة، يقول: ما أنا بقاري، ما أنا بقارئ، نفي، وما بمعنى ليس بدليل دخول الباء على خبرها، كأنه يقول: لست بقارئ، ما أنا بقارئ.
«قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: أقرأ فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، ثم أرسلني فقال: اقرأ» في بعض الروايات «ما أقرأ؟ ما أقرأ؟» فسروها بمعنى ما الذي أقرأ؟ ما الذي أقرأ؟ فجاء قوله قال: "{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5] فرجع بها" بالقصة أو بالآيات، "فرجع بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترجف بوادره".
يعني رجع إلى أهله، رجع بما حصل له من قصة وآيات ترجف بوادره، البوادر قطعة لحم تكون بين المنكب والعنق، هذه، حصل لك مثل هذا أن ترجف بوادرك في يوم من الأيام؟
ما خفت أبدًا؟
طالب:...
لا لا، يكون عند شدة الخوف هذا الموضع بين العنق هذا يرتعد، ترجف بوادره، وفي رواية الصحيح: يرجف بها فؤاده، فؤاده يعني القلب على فروق عند أهل العلم بين الفؤاد والقلب، يقولون: فؤاد خلاصة القلب، ترجف بوادره.
"حتى دخل على خديجة فقال: «زملوني زملوني»" يعني غطوني زملوني زملوني وقال: «دثروني دثروني»، والدثار ما يوضع فوق الشعار، الشعار اللباس الذي يلي الجسد، والذي يوضع فوقه يقال له: دثار، ولذا جاء في حديث مناقب الأنصار قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «الناس دثار والأنصار شعار» يعني أقرب إلى بدنه وقلبه -عليه الصلاة والسلام-، قال: «زملوني زملوني زملوني» يعني غطوني، والعادة أن الفزع إذا غُطِّي سكن.
"فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لخديجة: «أي خديجة»" يعني يا خديجة، أي من حروف النداء، أي خديجة، «ما لي؟» لما أخبرها الخبر قال: ما هذا يا خديجة؟ أمر يحصل لأول مرة، خديجة لكمال عقلها وحصافة رأيها سألها النبي -عليه الصلاة والسلام- ما هذا؟ لأنه خاف على نفسه، خاف على نفسه، مالي؟
"وأخبرها الخبر قال: «لقد خشيت على نفسي»" الله أكبر الله أكبر.