شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (18)

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال -رحمه الله تعالى-:  

باب: التيمم

"ويتيمم في قصير السفر وطويله إذا دخل وقت الصلاة، وطلب الماء فأعوزه، والاختيار تأخير التيمم إلى آخر الوقت، فإن تيمم في أول الوقت وصلى أجزأه، وإن أصاب الماء في الوقت، والتيمم ضربةٌ واحدة يضرب بيديه على الصعيد الطيب وهو التراب، وينوي به المكتوبة، فيمسح بهما وجهه وكفيه، وإن كان ما ضرب بيديه غير طاهر لم يجزه، وإن كان به قرحٌ أو مرضٌ مخوفٌ وأجنب فخشي على نفسه إن أصابه الماء غسل الصحيح من جسده وتيمم لما لم يصبه الماء، وإذا تيمم صلى الصلاة التي قد حضر وقتها، وصلى به فوائت إن كانت عليه، والتطوع إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى، وإذا خاف العطش حبس الماء وتيمم ولا إعادة عليه، وإذا نسي الجنابة وتيمم للحدث لم يجزه، وإذا وجد المتيمم الماء وهو في الصلاة خرج فتوضأ أو اغتسل إن كان جنباً، واستقبل الصلاة، وإذا شد الكسير الجبائر وكان طاهراً ولم يعدُ بها موضع الكسر مسح عليها كلما أحدث إلى أن يحلها" انتهى.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلما فرغ المؤلف من الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة، الطهارة الأصلية بالماء ثنى بما يقوم مقامها من بدل بالتيمم، ثم بعد ذلك بالمسح الذي هو كالبدل يعني الغسل على ما سيأتي، فالتيمم بدل عن الطهارة الأصلية بالماء، سواءً كانت من حدث أصغر فيكون التيمم بدلاً عن الوضوء، أو من حدث أكبر فيكون التيمم بدلاً عن الغسل، والقاعدة عند أهل العلم أن البدل له حكم المبدل، فيقوم التيمم مقام الوضوء ومقام الغسل في كل ما يفعل به، أو ما يفعل بالوضوء وبالغسل، ويكون مشابهاً له من جميع الوجوه، فلا يصح إلا بشروطه، ولا ينتقض إلا بنواقضه، ويفعل به جميع ما يفعل بالمبدل، وهذا قولٌ معروفٌ عند جمع من أهل العلم، وأنه له حكم الطهارة الأصلية من كل وجه، فيكون حينئذٍ رافعاً للحدث رفعاً مطلقاً، بمعنى أنه إذا لم يجد الماء للوضوء تيمم، ولا ينتقض هذا التيمم إلا بما ينقض الطهارة الأصلية من النواقض السابقة، والمعتمد الذي مشى عليه المؤلف وغيره أنه ينتقض أو ينتهي التيمم بانتهاء الوقت، ولا يتيمم إلا عند دخول الوقت، ولذا المعتمد عند الحنابلة أنه مبيح وليس برافع، يستباح به ما يستباح بالوضوء، وليس برافع للحدث، ويبقى محدثا، وإنما تباح له الصلاة ضرورة، وهذان القولان المتقابلان بينهما قولٌ متوسط، وهو أن التيمم يرفع الحدث رفعاً مؤقتاً إلى وجود الماء، فهو طاهر ما دام العذر قائماً، وإذا انتهى العذر بوجود الماء أو بالقدرة على استعماله ارتفع حكمه.

فعلى هذا لو تيمم لصلاة الظهر مثلاً؛ لأنه عادمٌ للماء، ثم وجد الماء، جاءت صلاة العصر ولم يحدث، يصلي العصر بالتيمم السابق أو لا بد أن يتيمم؟ مقتضى قول من يقول: إنه يرفع رفعاً مطلقاً أنه يصلي به؛ لأنه لم يحدث، ومقتضى قول من يقول: إنه مبيح هذا لا إشكال فيه انتهى، انتهى مفعوله، وكذلك هو مقتضى قول من يقول: إنه يرفع رفعاً مؤقتاً.

التيمم جاءت فيه نصوص الكتاب والسنة، وأجمع عليه أهل العلم، لكن يستدل من يقول: إنه يرفع رفعاً مؤقتاً بحديث: ((الصعيد الطيب طهور المسلم، ولو لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته)) وفائدة الخلاف إنما يظهر في الحدث الأكبر، في الحدث الأصغر ظهوره ليس بواضح، لكن في الحدث الأكبر إذا تيمم عن الجنابة كمن أصبح وقد احتلم، بحث عن ماء فما وجد، تيمم وصلى صلاة الصبح، فلما ارتفع النهار وهو في طريقه وجد ماء، هل نقول: إن حدثه ارتفع رفعاً كلياً فلا يلزمه الغسل، أو نقول: يجب عليه الغسل؟ لأن الرفع مؤقت وليس بمطلق ((فليتق الله وليمسه بشرته)) واللفظ يحتمل أن يكون الأمر بإمساسه البشرة لأحداث مستقبلة، يمسه بشرته للأحداث اللاحقة، أو يتقي الله ويمسه بشرته لما مضى من أحداث.

من يقول: إنه يرفع رفعاً مطلقاً يقول: يتقي الله -جل وعلا- ويمس الماء بشرته للأحداث اللاحقة؛ لأن ما مضى من حدث قد ارتفع بالتيمم، والذي يقول: إنه يرفع رفعاً مؤقتاً يقول: عليه أن يتقي الله -جل وعلا- ويمسه بشرته لما مضى، فعليه أن يغتسل إذا وجد الماء؛ لأن الحدث لم يرتفع رفعاً مطلقاً، إنما ارتفع رفعاً مؤقتاً، وأيهما أرجح؟ أي الاحتمالين أرجح؟ نعم؟

أنت

طالب:......

رفع مؤقت يعني لما مضى، يعني الجنابة السابقة لا بد أن يرفعها بالماء، ارتفعت رفعاً مؤقتاً وصلى صلاة الصبح، ثم لما وجد الماء في طريقه أو أحضر له الماء بعد ذلك بعد ارتفاع الشمس يتقي الله -جل وعلا- ويمسه بشرته؛ ليرتفع حدثه السابق لا اللاحق، والاحتمال الثاني: أنه يتقي الله -جل وعلا-، ويمس الماء بشرته لما يستقبل من أحداث.

طيب الأخ يقول: الراجح أنه يرفع مؤقتاً ويمسه بشرته لما مضى من حدث، وبهذا نكون قد فرقنا بين الطهارتين، الطهارة الصغرى ما في أحد يقول: إنه يتقي الله ويمسه بشرته عن الحدث الماضي، إلا إذا جاء وقت الصلاة الثانية، أو أراد أن يفعل ما يُفعل بالوضوء عليه أن يتوضأ بالماء، أما بالنسبة للغسل فإن عليه أن يغتسل فوراً؛ لأنه وجد الماء ((فليتق الله وليمسه بشرته)) أيهما المرجح؟ أنه رفع مؤقت أو رفع مطلق؟ الذين يقولون: بأنه رفع مطلق يقولون: إنه يقوم مقام المبدل، والمبدل يرفع رفعاً مطلقاً إذا بدله يقوم مقامه في الرفع المطلق، ولا يحتاج أن يغتسل عن جنابة مضت، وإنما يغتسل عما يستقبل من أحداث.

الذي يرجح كونه يرفع رفعاً مؤقتاً أن الأمر بالغسل أو بإمساس الماء للبشرة لما يستقبل من أحداث متوقف على هذا الحديث، أو جميع أدلة الطهارة تدل عليه؟ جميع نصوص الطهارة تدل على هذا، وإذا قلنا: يتقي الله -جل وعلا- ويمسه بشرته عما مضى قلنا: إنه نص مؤسس لحكم جديد، والاحتمال الأول يجعله مؤكدا لنصوص سابقة.

والمقرر عند أهل العلم والجادة عندهم أن التأسيس أولى من التأكيد، وبهذا يرجح القول بأنه يرفع رفعاً مؤقتاً إلى أن يجد الماء، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، والحدث ما ارتفع رفعاً مطلقاً.

طالب:......

على كل حال هذا قول من يقول: إنه يرفع مطلقاً، يعني ما معناه أن الجنابة ارتفعت بالتيمم ولا يلزمه غسل، يعني الذي وجد الماء، نعم، افترض أن المسألة من شخص انتبه مع طلوع الفجر فوجد نفسه محتلماً، أصابته جنابة، ثم صلى، بحث عن ماء فلم يجد تيمم، ثم بعد ذلك في منتصف النهار في الضحوة وجد الماء، نقول: اغتسل أو لا تغتسل خلاص ارتفع حدثك؟ ماذا تقول؟

طالب:......

إذاً رفع مؤقت، ما زالت الجنابة في ذمته، ما ارتفعت، وهي أمانة لا بد من أدائها.

على كل حال هذا هو أعدل الأقوال، أما القول بأنه مجرد مبيح هذا معروف عند أهل العلم، والمرجح عند الأصحاب، لكن يبقى أنه حكمه حكم المبدل، إيه مقتضى قولهم: إن الرخصة ما جاء على خلاف الدليل الشرعي لمعارض راجح نعم، ومن يقول: بأن كل ما جاء على وفق دليل وإن خالف دليلاً آخر فهو عزيمة يقول: عزيمة، لا سيما مع عدم الماء ما يبقى إلا هو.

على كل حال يقول المؤلف -رحمه الله-: "باب التيمم" التيمم في اللغة هو القصد، {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ} [(267) سورة البقرة] يعني لا تقصدوه، التيمم قصد الصعيد الطيب الطاهر.

ثم قال: "ويتمم في قصير السفر وطويله" ما علاقة التيمم بالسفر؟

طالب:......

أولاً: لأنه منصوص عليه في آية التيمم، نعم؟

طالب:......

هذا يأتي ذكره، لكن الآن هو بدأ يتيمم في قصير السفر وطويله، يعني ما الموجب للتيمم؟ نقول: الموجب للتيمم هو السفر أو فقدان الماء أو المرض أو العجز عن استعماله؟ لأن المسألة تحتاج إلى انتباه.

الآن آية التيمم نص فيها على السفر {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] مرضى، أو على سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء، فلم تجدوا ماءً، ننتبه يا إخوان عندنا أربع جمل، مرضى، على سفر، جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء، هذه أربعة أمور عقبت بقول الله -جل وعلا-: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} هذه الأمور هل هي موجبة للتيمم بذاتها، أو لا بد من تحقق الشرط المنصوص عليه فلم تجدوا ماءً؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

لا، لا، هذا وجوده مثل عدمه، يعني مع عدم القدرة على استعماله هذا معدوم حكماً، ليس لهذا.

طالب:......

الآن عندنا قيد {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(6) سورة المائدة] متعقب لأربع جمل، هل يعود إلى الجمل كلها أو إلى الأخيرة فقط؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، فعندنا المريض والمسافر والصحيح المقيم، عندنا ثلاثة مريض ومسافر وصحيح مقيم، وبعد أن ذكرهم الله -جل وعلا- قال: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [(6) سورة المائدة] هل هذا القيد يعود إلى القسم الأخير الصحيح المقيم أو يعود إلى الجميع؟

معروف أنه إذا تعقب القيد جملاً متعددة فمن أهل العلم من يرى أنه يعود إلى الجملة الأخيرة فقط، ومنهم من يرى أنه يعود إلى الجميع، يعني من أوضح الأمثلة على هذا: الاستثناء في قول الله -جل وعلا-: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} في القذف {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4- 5) سورة النور] فهل التوبة ترفع الجلد؟ لا ترفع إجماعاً، ترفع قبول الشهادة مع قول الله -جل وعلا-: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النــور] هذا محل خلاف، وكونها ترفع الوصف بالفسق هذا محل اتفاق، يعني على القولين مرفوع الفسق، وإذا ارتفع الفسق هل يرتفع رد الشهادة أو لا يرتفع؟ على الخلاف، إذا قلنا: إن الاستثناء إذا تعقب جملا يعود إلى الجميع الجملة الأولى لا يعود إليها اتفاقاً؛ لأنها حق مخلوق، فالتوبة لا ترفع حق المخلوق، وقبول الشهادة والحكم والفسق هما...، قبول الشهادة محل خلاف، والوصف بالفسق يرتفع اتفاقاً على القولين.

نعود لما معنا، إذا قلنا: قول الله -جل وعلا-: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(6) سورة المائدة] قيد يعود إلى الجميع، فالمريض لا يجوز له أن يتيمم إلا إذا فقد الماء حقيقةً أو حكماً؛ لأنه إذا عجز عن استعماله فهو في حكم الفاقد، المسافر لا يجوز له أن يتيمم حتى يفقد الماء حقيقةً أو حكماً؛ لأنه قد يسافر ويجد البئر لكن ليس معه دلو ولا رشاء ولا وسيلة يستخرج بها الماء من البئر هذا عادم للماء حكماً، أو معه ماء لا يكفيه للشرب، هذا عادم للماء حكماً، وكذلك المقيم الصحيح إذا أحدث حدثاً أصغر أو أكبر فلم يجد الماء فإنه حينئذٍ يتيمم.

من أهل العلم-لا سيما ممن شهر وممن تأخر- من يرى أن المرض كاف للتيمم، ولو وجد الماء وقدر على استعماله، وأن السفر كاف للتيمم ولو كان معه الماء وقدر على استعماله، ويكون القيد إلى الجملة الأخيرة للصحيح المقيم فقط، هذا الذي لا يباح له التيمم حتى يفقد الماء.

وعامة أهل العلم على أن القيد يرجع إلى الجميع، فالمريض لا يجوز له أن يتيمم حتى يفقد الماء حقيقةً أو حكماً بأن يعجز عن استعماله، والمسافر لا يسوغ ولا يجوز له أن يتيمم حتى يفقد الماء حقيقةً أو حكماً، وكذلك المقيم الصحيح.

طالب:......

هذه المظنة، يعني غلبة ظن أن السفر كيف يحمل ماء؟ ليس مثل الآن متيسر في كل مكان، وحمله سهل بواسطة وسائل النقل سهل.

طالب:......

لا، ليس بمظنة، المريض مظنة عدم القدرة على استعمال الماء، قد يتسبب في زيادة مرضه، وقد يتسبب في تأخر برئه، فما دام غلبة ظن ينص عليه كالسفر، ولا شك أن هذا قول عامة أهل العلم، والقول الثاني: شاذ، لا يذكر عن أحد من الأئمة أبداً، لكن قد يكون التنصيص والتصريح بالشيء لما هو مجرد توضيح، قد ينص على الشيء لأنه يغلب على الظن أن...

طالب:......

نعم، لكن من قال به ممن يقتدى به؟ من فهمه من السلف؟ في النصوص نحن مقيدون بفهم السلف، فهمه ممن تأخر، لا لو كان من الأئمة المعتبرين ما ترددنا، يعني نظرنا بالإنصاف، لكن ما قال به أحد ممن يعتد بقوله، لايوجد أحد من الأئمة أبداً قال بهذا القول.

قوله: "ويتيمم في قصير السفر وطويله" يعني لا يشترط له مسافة القصر؛ لماذا؟ لأنه لو قلنا: يشترط له مسافة القصر لخرجت الأوقات قبل وصول الماء، المسألة مفترضة في الوسائل الموجودة في عصر التنزيل، ومسافة القصر عند الأكثر مسيرة يومين قاصدين، فعلى هذا يفوت عشرة أوقات قبل أن نصل الماء، فلا يشترط للسفر مسافة، فبمجرد ما يسفر، والإسفار هو البروز، ومنه السفور إبراز المرأة شيئاً من محاسنها، ومن بشرتها هذا سفور لأنه بروز، والسفر هو بروز، وخروج عن البلد.

"ويتيمم في قصير السفر وطويله، إذا دخل وقت الصلاة، وطلب الماء فأعوزه" وطلب الماء، إذا دخل هذا بناءً على أن التيمم مبيح، دخل وقت الصلاة، فلا يصح التيمم قبل دخول الوقت، والذي يقول: إنه يرفع يصح ولو قبل دخول الوقت مثل الوضوء.

"وطلب الماء فأعوزه" يعني بحث عنه فلم يجده، التفت يميناً وشمالاً وجرى يميناً وشمالاً ما وجد شيئا، ولا وجد معالم تدل على وجود ماءٍ من أرض خضراء، أو أشياء مرتفعة يدل على ما تحتها من ماء، لايوجد شيء، فأعوزه طلب الماء، والطلب هو الذي اعتمده المؤلف، وهو قول الأكثر، وهذه من المسائل التي يختلف فيها المؤلف مع غلام الخلال.

معكم؟

معك ماذا يقول؟

المسألة الثامنة: أوجب الخرقي طلب الماء في حق المتيمم، وهي الرواية الصحيحة، وبها قال مالك والشافعي؛ لأن كل أصل وجب طلبه إذا غلب على الظن وجوده وجب، وإن لم يغلب كالنص في الأحكام، والرواية الثانية: لا تجب، اختارها أبو بكر، وبها قال أبو حنيفة؛ لأنه غير عالم بموضع الماء، فله التيمم كما لو طلب فلم يجد.

يعني الرواية الأولى أنه لا بد من الطلب؛ لأنه قد يتمم والماء قريبٌ منه، قد يتمم والماء بجانبه، عن يمينه أو عن شماله، وقد يكون بينه وبينه جدار، أو كثيب من رمل، أو ما أشبه ذلك، إذا لم يطلب تيمم ولو كان قريباً منه، لكن ما دام صحة التيمم معلقةً بفقد الماء فلا بد من طلبه ليكون فاقداً له، والرواية الثانية وهو قول أبي حنيفة أنه لا يلزمه الطلب، ليس في رحله ماء إذاً عادم للماء، نعم؟

طالب:......

لا، لا بد من الطلب.

طالب:......

لا، لا، بما لا يشق عليه؛ لأن المشقة تجلب التيسير، المقصود أنه يجتهد في هذا.

طالب:......

ما في مسافة؛ لأنه أحياناً تكون الأرض منبسطة وواضحة وترى يميناً........

يقول: "والاختيار تأخير التيمم إلى آخر الوقت" لا شك أن الصلاة في أول الوقت أفضل، لكن هذا الفضل معارض بما هو أقوى منه وهو الصلاة بالطهارة الكاملة الأصلية، فإذا أخر الصلاة إلى أن يجد الماء لا سيما الآن، ووسائل النقل تصل الماء بيقين قبل أن يخرج الوقت، نظرت إلى الساعة فإذا وقت الصلاة قد حان، وليس معك ماء في السيارة، وتلتفت يمينا وشمالا ليست حولك محطات ولا شيء، لكن تجزم يقيناً أنك بعد ربع ساعة أو نصف ساعة أو ساعة قبل خروج الوقت تجد الماء، الأفضل أن تؤخر التيمم حتى تجزم، أو تخشى من خروج الوقت قبل حصوله.

طالب: ولو دخل عليك وقت الاضطرار يا شيخ؟

نعم؟

طالب: ولو دخل وقت الاضطرار بالنسبة للصلاة التي انتهى وقتها؟

يقول: "والاختيار تأخير التيمم إلى آخر الوقت" المقصود به وقت الصلاة.

وهذه المسألة فرع عن مسألة تقدمت، ذكرناها في أول كتاب الطهارة، وهي أن العلماء عنايتهم بالطهارة أولى وأقوى من عنايتهم بالوقت، ذكرنا هذا، ولذلك يقدمون الطهارة على أوقات الصلاة، كلاهما شرط، دخول الوقت شرط، والطهارة شرط، والإمام مالك قدم وقوت الصلاة على الطهارة، لكن هل هذه المسألة بعينها تتفرع عن تلك؟ أو نقول: هذا اتقى الله ما استطاع، ويصلي في أول الوقت أو في أثنائه أو في آخره؟ وأما تأخير الصلاة عن وقتها من أجل الطهارة مع عدم الماء فلا يجوز بحال، وهذه تختلف عن المسألة السابقة التي افترضناها في شخص انتبه قبل طلوع الشمس بعشر دقائق مثلاً أو ربع ساعة، والماء عنده، الماء موجود، لكنه إن اغتسل خرج الوقت، وإن تيمم أدرك الوقت؛ لأن تلك المسألة تختلف عما عندنا هنا، هذا فاقد للماء، والذي انتبه قبيل طلوع الشمس واجد للماء، الماء عنده، ولا يكلفه شيئا، ولكنه إن اشتغل بالطهارة الكاملة بالغسل خرج الوقت، وإن تيمم أدرك الوقت، على قول الجمهور يغتسل ولو خرج الوقت؛ لأنه واجد للماء، وعلى قول من يقدم الوقت على الطهارة يقول: يتيمم.

"والاختيار تأخير التيمم إلى آخر الوقت" ليؤدي الصلاة بطهارةٍ كاملة، وهذا أولى وأهم من الفضل المرتب على أداء الصلاة في أول وقتها، فإن تيمم في أول الوقت وصلى أجزأه لأنه يصدق في حقه أنه عادم للماء، فهو مخاطب بقول الله -جل وعلا-: {فَتَيَمَّمُواْ} [(6) سورة المائدة] وقد أدى ما عليه، وخرج من عهدة الواجب بما أمر به، فتيمم في أول الوقت وصلى فإنه حينئذٍ يجزئه ولو وجد الماء بعد فراغه من الصلاة، وقبل خروج الوقت.

لكن إن وجد الماء وهو في أثناء صلاته يقول: "فإن تيمم في أول الوقت وصلى أجزأه، وإن أصاب الماء في الوقت" لما سلم من صلاته وجد الماء صلاته صحيحة؛ لأنها أديت على وجهٍ شرعي، ولا يلزمه إعادتها، وإن أصاب الماء يعني وجد الماء في الوقت؛ لأنه اتقى الله ما استطاع فخرج من عهدة الواجب، أما إذا أصاب الماء وهو في الصلاة فهل تبطل صلاته ببطلان طهارته؛ لأن التيمم لا يصح مع وجود الماء.

سيأتي في قول المؤلف: "وإذا وجد المتيمم الماء وهو في الصلاة خرج فتوضأ أو اغتسل إن كان جنباً واستقبل الصلاة" يعني هذه المسألة تأتي، لكن إذا كان قد أتم صلاته فإن صلاته صحيحة ومجزئة ولو أصاب الماء في الوقت نفسه.

طالب:......

نعم طلب الماء، بحث عنه، كم يطلب الماء؟

طالب:......

لا، لا، كم مدة طلب الماء، يعني إذا نظر مد البصر فلم يجد ماء أمامه، ونظر يمينا وشمالا كذلك، يعني نظر وبصره يؤدي كيلو من هنا وكيلو من هنا ما يحتاج أكثر من هذا؛ لأن الطلب لا يلزم منه طول الوقت، لكن لو طلب وغلب على ظنه أنه لم يجد فوجد الماء بجانبه، رفع حجرا فوجد تحته ماء، أو رفع لوحا من الخشب ووجد تحته ماء، وتيمم وصلى وهو قريبٌ منه، تصح صلاته أو ما تصح؟

طالب:......

نعم؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

نعم، لكن بعض أهل العلم يقول: إنه قصَّر في الطلب، الماء ليس ببعيد لكنه خاف أن يذهب إلى الماء، رأى حيواناً ظنه مفترساً، يعني غلب على ظنه أن هذا الحيوان مفترس، فبان ليس بمفترس، هذا يرى شيئا مخوفا، فهل يكفيه هذا الظن أو لا بد أن يتأكد أنه مفترس؟ مخوف بالفعل، وقل من باب أولى إذا لم ير شيئاً، لكنه يخاف من الظلام، هو في بيته انقطع عنه الماء، وأراد أن يصلي والمسجد فيه ماء، بضعة أمتار عن بيته، لكنه لا يستطيع أن يخرج من البيت في الظلام، أهل العلم يقولون: لا يصح تيممه في هذه الحالة، ومجرد التوهم لا يكفي ما لم يكن المخوف محققاً، ومن أهل العلم من قال: إن مثل هذا الخوف بالنسبة لهذا الشخص أعظم من الخوف المحقق بالنسبة لغيره؛ لأن بعض الناس يتوهم الخوف، أو يتوهم المخوف أعظم من المخوف المحقق عند كثيرٍ من الناس، فمثل هذا يكفيه، هذا لا يكلف أكثر مما يطيق، وهذا لا طاقة له بالبحث عن الماء وهو يخاف أن يخرج في الظلام، لكن إذا كان يخاف أن يخرج في الظلام فهل هذا مبرر له أن يصلي في بيته؟ يعني إذا أجاز بعض أهل العلم التيمم له، يعني هل الطهارة آكد من الجماعة أو ليست بآكد؟ آكد بلا شك، فإذا كان يصل به الخوف إلى أن يغلب على الظن أنه لو أكره على ذلك لجنَّ، هذا لا شك أنه عذر، يعدل به إلى التيمم، ويترك به صلاة الجماعة، إذا كان يصل به هذا الخوف المظنون غير المحقق إلى حدٍ لو أكره على اقتحامه لجن مثل هذا لا شك أنه معذور.

قال -رحمه الله-: "والتيمم ضربة واحدة، يضرب بيديه على الصعيد الطيب وهو التراب، وينوي به المكتوبة" التيمم ضربةٌ واحدة، ولا بد له من نية عند جماهير أهل العلم، حتى عند الحنفية الذين لا يشترطون النية للوضوء يشترطونها للتيمم، لا يشترطون النية للوضوء، ويشترطونها للتيمم، قلنا: الوضوء من باب الوسائل لا يحتاج إلى نية، طيب التيمم من باب الغايات؟

طالب:......

لأنه وسيلة وليس بغاية الوضوء، كإزالة النجاسة.

طالب:......

ورفع الحدث مثل رفع الخبث عندهم.

طالب:......

لكن كيف يقولون: إن الوضوء لا يحتاج إلى نية والتيمم يحتاج إلى النية؟

طالب:......

يعني أضعف فيحتاج إلى ما يقويه، الوضوء متميز بأفعاله وبأثره، لكن التيمم هو تعبد محض، يعني عقل العلة في الوضوء ظاهرة، لكن هي في التيمم ليست ظاهرة، فهو تعبد محض لا بد فيه من نية، وهو ضعيف، لا يقوم بنفسه، بل لا بد فيه من النية، وعلى كل حال هو تفريق بين متماثلين، والنية لا بد منها في الأمرين؛ لأن كلاً منهما عبادة سواءً كان الوضوء أو التيمم.

التيمم صفته: ضربة واحدة، يضرب بيديه على الصعيد الطيب وهو التراب، وينوي به المكتوبة، ضربةٌ واحدة، وجاء ما يدل على أنه ضربتان، ضربةٌ للوجه وضربةٌ لليدين للكفين، أو اليدين إلى المرفقين على ما سيأتي الخلاف في ذلك، والمرجح أنه ضربةٌ واحدة، ((إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) فضرب بيديه مرة واحدة، ((مسح بهما وجهه وكفيه)) وفي رواية ((ويديه)) {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} [(6) سورة المائدة] ففروض التيمم الوجه والكفان، يضرب بيديه كلتيهما دفعة واحدة، يمسح بهذه الضربة، وبما علق بها من الصعيد الطيب الطاهر وجهه وكفيه، يضرب بيديه على الصعيد الطيب وهو التراب {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(6) سورة المائدة] هذا مأمور به.

لكن ما المراد بالصعيد الطيب؟ هل المراد بالطيب الطاهر، يعني الطاهر {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [(58) سورة الأعراف] البلد الطيب، هل يقابل البلد الطيب النجس؟ وأهل العلم يقولون...، بل الواقع يشهد بذلك، أن ما خلط ترابه بالأسمدة التي فيها نجاسة يخرج، بل قد يقصد ذلك، فهل الطيب هنا يقابل النجاسة؟ فيكون المراد بالطيب الطاهر، الطيب المراد به البركة، الآن {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(6) سورة المائدة] الوصف له مفهوم أو ليس له مفهوم؟ لا شك أن الصعيد النجس لا يجوز التيمم به، ولا يجزئ، فما الذي يقابل الطيب؟ يعني قد يأتي اللفظ في النصوص والسياق على إرادة معنىً في نص دون إرادة المعنى الآخر، فالخبيث في قول الله -جل وعلا-: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] غير الخبيث في قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] الخبيث هذا غير الخبيث هذا، فالسياق هو الذي يحدد {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [(58) سورة الأعراف] قد يكون طيبا وقد خلط بأسمدة فيها شيء من النجاسة، والطيب هنا لا شك أن النجس لا يجزئ في التيمم، فلعل المراد به الطاهر، الصعيد، ما معنى الصعيد؟ الصعيد فسر في كتب اللغة بأنه التراب كما هنا، وفسر بأنه جميع ما على وجه الأرض، قال: وهو التراب، خصه ببعض معانيه لا سيما وأنه جاء في حديث الخصائص: ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) وجاء أيضاً: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) فهل التراب قيد في الأرض؟ قيد فيها فيحمل المطلق على المقيد أو هو فرد من أفراد ما على وجه الأرض فيكون من باب التنصيص على بعض أفراد العام فلا يقتضي التخصيص؟ لأن عندنا حديث الخصائص: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) وجاء في رواية صحيحة عند مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) فإذا قلنا: إن التراب قيد فيكون تربتها مقيد لما أطلق في حديث: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) كما يقول بذلك الشافعية والحنابلة، فلا يجيزون التيمم بغير التراب الذي له غبار يعلق باليد، الشافعية والحنابلة على هذا أنه لا بد من تراب له غبار يعلق باليد، وإذا قلنا: إن التراب فردٌ من الأفراد التي توجد على وجه الأرض فيوجد على وجه الأرض تراب، يوجد رمل، يوجد أرض سبخة، يوجد أمور أخرى نورة وزرنيخ وأشياء مما يوجد على وجه الأرض، يوجد حصا، فهو فردٌ من أفراد العام، وإذا قلنا: إنه من باب العموم والخصوص قلنا: إنه لا يقتضي التخصيص، لماذا؟ لأن التنصيص على فرد من أفراد العام بحكم موافق لحكم العام، الحكم موافق غير مخالف، فإنه حينئذٍ لا يقتضي التخصيص، وبهذا يقول المالكية والحنفية.

والشراح في حديث الخصائص تجد كلامهم في كثير من الأحيان- يعني كثير من الشراح- فيه خلط في هذا، مرةً قال: من باب العام والخاص، ومرة جعله من باب المطلق والمقيد، وعلى كل حال هل التراب فرد أو وصف؟

طالب: فرد.

فرد أو وصف؟

طالب: فرد يا شيخ، فرد.

نعم، الأظهر أنه فرد وليس بوصف، وعلى هذا هو من باب الخاص والعام فلا يقتضي التقييد، والموجه هنا هو قول المالكية والحنفية، فيتيمم على بأي شيء على وجه الأرض إذا كان ينفصل منه جزء يعلق بالوجه والكفين، لدلالة قوله: "منه" و(من) هذه للتبعيض.

طالب: قلنا: على وجه الأرض مما هو منها يا شيخ؟

مما هو منها نعم، من الأصل يعني.

منهم من يقول: المقصود هذا البعض الذي يوجد على وجه الأرض وهو الغبار، فإذا وجد الغبار على أي جهةٍ كانت، على جدار مثلاً، وقد تيمم النبي -عليه الصلاة والسلام- من أصل حائط، أو وجد مثلاً على كتاب، أو وجد على حيوان، أو وجد على ثوب، أو ما أشبه ذلك، فكل ما له غبار يعلق باليد يجوز التيمم منه ولو لم يكن على وجه الأرض؛ لأنه لحظ الغاية وهي وصول شيءٍ من هذا الغبار إلى الوجه والكفين، فكأنه تيمم بتراب، يعني هل التراب مقصود لذاته، أو لما ينفصل منه فيعلق بالوجه والكفين.

إذا قلنا: (من) هذه تبعيضية ثبت النفخ، يعني ضرب باليدين ونفخ فيهما، وهل هذا النفخ يزيل جميع ما على اليدين من غبار أو يزيل شيئاً ويبقي شيئاً؟ يصح أن يعلق بالوجه والكفين منه ويبقى شيء، إذاً ما فائدة النسخ؟ لئلاً يكون كثيراً يتأذى به.

طالب:......

نعم لكن ألا تكون هذه دلالة اقتران، يمكن، يعني مثل ما قلنا في حديث أبي سعيد وابن عمر إن ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) وحديث ابن عمر "القلتين" عموم حديث أبي سعيد هل يخص بمفهوم حديث ابن عمر؟ نعم هذا ممكن.

قال -رحمه الله-: "والتيمم ضربةٌ واحدة يضرب بيديه على الصعيد الطيب وهو التراب" وعرفنا أن التراب فرد من أفراد ما على وجه الأرض، فالتنصيص عليه في حديث الخصائص لا يقتضي التخصيص.

"وينوي به المكتوبة، فإذا نوى به المكتوبة بعد دخول وقتها صلى به ما شاء" من نوافل، وكذلك فرائض فائتة، ويقرأ به القرآن، ويطوف بالبيت، ويستبيح به ما يستبيح بالوضوء، لكنه لو نوى به النافلة ما نوى به المكتوبة فإنه يصلي به النافلة، وما دونها في الحكم، يعني يقرأ بها القرآن، لكنه لا يصلي بها فريضة، ولا يطوف بالبيت، وهكذا.

لكن عند من يقول: إنه رافع، هذا على القول بأنه مبيح فقط، وعلى القول بأنه رافع يكون حكمه حكم الوضوء، يصلي به ما شاء من فرائض ونوافل.

من المسائل الغريبة التي يذكرها أهل العلم وإن كانت يعني تحقيقها ووقوعها ضربٌ من المحال، قالوا: لو توضأ ناوياً بوضوئه مس اللوح المحفوظ، وقل مثل هذا فيما إذا تيمم ناوياً به ذلك ما وجد الماء فيتمم، هل يصلي به؟ هل يقرأ به قرآن؟ هل يصلي به نافلة أو فريضة؟ {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [(79) سورة الواقعة].

طالب: هو الأعلى يا شيخ هو الأعلى فيستبيح ما دونه.

مثل هذه المسائل تذكر، يعني ليست بمسألة جديدة، هذه في كتب أهل العلم مذكورة.

طالب: هو توضأ أو تيمم بهذه النية، فهل يستبيح بالوضوء أو التيمم ما يستباح به في الأصل؟ أو يقال: إن هذا عبث لا يستباح به شيء، يمكن أن يقال: هذا عبث لا يستباح به شيء؟ هو نوى بوضوئه أو بتيممه ما لا يصح بدون الوضوء بدون الطهارة، ما لا يصح بدون طهارة، فيستعمل فيما تشترط له الطهارة، والمسألة مبحوثة عند أهل العلم، لكنها ضربٌ من المحال.

يعني هم يفترضون أشياء السامع لها من أول وهلة يقول -مثل ما تفضل الأخ-: ضرب من الجنون.

قالوا في المضطر لأكل الميتة: يجوز له أن يأكل ما دونه لا ما فوقه أو مثله، كيف؟ قالوا: يجوز أن يأكل الميتة من بهيمة الأنعام، يجوز أن يأكل الميتة مما سواها، يجوز أن يأكل آدمياً ميتاً، لكن آدمي حي؟ لا، لأنه مثله، أما الميت دونه، ميت لكنه نبي لا يجوز؛ لأنه فوقه، تفريعات وأمور وأشياء يعني كأن فيها بعدا، لكن المسألة متصورة بكل سهولة، يعني ليست بمثل المسألة السابقة.

هذا شخص جاء لزيارة قبر نبي مثلاً، والله -جل وعلا- حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء، فاضطر إلى أكل ميتة، فما وجد إلا هذا القبر، ينبش أو ما ينبش؟ نقول: لا؛ لأنه حرمة النبي فوق حرمته وهو حي.

على كل حال مثل هذه المسائل وهذه التفريعات تذكر يذكرها أهل العلم، وإن كانت يعني المسألة الأولى هذه ضرب من المحال، لا ينبغي أن تذكر، وأما الثانية فوقوعها ممكن فذكرها لا مانع منه.

طالب:......

نعم، لا يجوز له أن يصلي ولا نافلة، لماذا؟ لأن النافلة مجمع على أن الوضوء شرط لها، وقراءة القرآن ليس بمجمع عليه، فالنافلة فوق قراءة القرآن.

هم يبحثون من هذه الحيثية، على كل حال هذا مفرع عن قولهم: مبيح، وإذا قلنا: إنه رافع له أن يصنع ما شاء.

طالب:......

لا، غير، الوضوء غير التيمم، الوضوء يرفع الحدث.

طالب:......

لا، لا، الوضوء اصنع ما شئت، تيممت لقراءة لقرآن تصلي فريضة، الحدث ارتفع.

طالب:......

لا، لا، يختلف هذا.

"ينوي بها المكتوبة فيمسح بهما وجهه وكفيه" وجهه المطلوب غسله في الوضوء يمسح في التيمم يتسامح في التيمم ما لا يتسامح في الوضوء؛ لأن مبناه على التخفيف، فلو لم يستوعب الوجه كاملا، ولو لم يمسح جزء من الرأس تبعاً له للوجه، وقل مثل هذا في الشعر وما تحته يتسامح فيه أكثر من الوضوء.

"وكفيه" والكف إنما هي من أطراف الأصابع إلى الرسغ إلى المفصل وكفيه؟ وجاء التصريح في حديث التيمم ((فمسح بهما وجهه وكفيه)) وهذا قولٌ معروف عند أهل العلم، والدلالة عليه ظاهرة من الحديث، وأما الآية فمطلقة، الآية مطلقة {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} [(6) سورة المائدة] فجاءت الآية أو اليد مطلقة في آية التيمم وهي مقيدة في آية الوضوء، ولذا قال جمعٌ من أهل العلم: إن المطلق يحمل على المقيد، فتمسح اليد في التيمم إلى المرفق كالوضوء، وجاء ما يدل على ذلك من السنة، لكنه لم يصح، الأصح، بل الصحيح الكفين.

لماذا لا نحمل المطلق على المقيد؟ السبب واحد وهو الحدث، اتحد السبب، لكن لا يحمل المطلق على المقيد للاختلاف في ماذا؟ للاختلاف في الحكم، وإذا اختلف الحكم فإنه لا يحمل المطلق على المقيد، وإن اتحد السبب، والعكس في حمل المطلق على المقيد، فإذا اتحد الحكم وإن اختلف السبب يحمل المطلق على المقيد كالرقبة في آية الظهار، والجماع في نهار رمضان مع تقييدها في آية القتل والمسألة ذُكرت مرارًا.

طالب: .................

مثل برؤوسكم.

طالب: .................

نعم لا بد من أن يكون له غبار.

طالب: .................

لا بد أن يكون منه إذا قلنا تبعيضية وهو قول الأكثر أنه لا بد أن يكون فيه شيء يلصق بالواجب..

طالب: .................

إذا لم يكن فيه غبار يلصق بحيث يمسح منه شيء بالوجه والكفين ما يصلح، قال المؤلف على الصعيد الطيب، ثم قال: وإن كان ما ضرب بيديه غير طاهر لم يجزه فهذا يبين أن مراده بقوله الطيب الطاهر؛ ولذا قال: وإن كان ما ضرب بيديه غير طاهر لم يجزه لماذا؟

طالب: .................

ليس طيبًا من جهة، الأمر الثاني أنه مناقض مناقضة تامة لما شرع له التيمم، التيمم لأمر يفوت،

 النبي -عليه الصلاة والسلام- تيمم لرد السلا؛ لأن السلام من أسماء الله- جل وعلا- ولا يريد ذكر الله بغير طهارة، شيخ الإسلام يقرر أنه إذا خشي رفع الجنازة فإنه يتيمم ويصلي عليها ليدرك الصلاة عليها وصلاة الجنازة صلاة داخلة في قوله -عليه الصلاة والسلام- «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» ولا تقبل صلاة بغير طهور نعم هذا الحديث «لا تقبل صلاة بغير طهور» يشمل الوضوء ويشمل التيمم لكن «لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ» هذا ينقض كلام شيخ الإسلام أو لا ينقضه؟ لأن المسألة مسألة عبادة، قد يقول قائل هذا مكسب إن أدركت أجرها وإلا ما تضررت، هذه مسألة تفوت يعني رايحة رايحة إن ذهبت لأتوضأ رفعت الجنازة وفات الأجر وإن تيممت أدركت الجنازة، وإن كانت الطهارة ناقصة فإن كتب الأجر فبها ونعمت على قول شيخ الإسلام وإن لم يكتب على قول غيره فأنا ما تضررت هل يمكن أن يقال مثل هذا في عبادة؟ لا العبادات توقيفية لا بد فيها من نص.

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله و