شرح العقيدة الواسطية (10)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أحسن الله إليك..

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المصنف -رحمه الله- تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين}[الأنعام:59]  وقوله: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ}[فاطر:11] {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق:12] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين}[الذاريات:58] وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى:11] وقوله: {إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:58]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: فيما ذكره من النصوص المثبتة لصفة العلم لله -جلَّ وعلا-: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ}[الأنعام:59]  وعنده مفاتح تقديم المعمول {عنده} هذا في تقديم المعمول عنده مفاتح أو المعمول متعلق بمحذوف؟ يعني عنده متعلق بمحذوف تقديره كائن أو مستقر عنده مفاتح الغيب، المفاتح جمع مفتح أو جمع مفتاح، ويجمع المفتاح على مفاتح ومفاتيح كما يقال: مساجد ومساجيد، ومصابح ومصابيح، ومساند ومسانيد، ومراسل ومراسيل، فتثبت الياء وتحذف في صيغة منتهى الجموع، وحذف الياء هو مذهب الكوفيين إلا الجرمي وإثباتها مذهب البصريين {عنده مفاتح الغيب}[الأنعام:59] الذي لا يطلع عليه شبيه بما أودع في الأماكن التي يغلق عليها مما لا يُطَّلع عليه إلا بعد فتحها؛ لأن هذه الغيوب التي لا يمكن أن يطلع عليها الإنسان إلا بأن يُطْلع عليها شبيهة بما يوجد في الأماكن المغلقة التي لا يمكن أن يطلع عليها إلا بعد أن تفتح {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ}[الأنعام:59] وعنده يعني لا عند غيره، لا يعلمها إلا هو -جلَّ وعلا-، وعنده يعني الله -جلَّ وعلا- لا يعلمها إلا هو حصر فلا يعلم ما في الغيب إلا الله -جلَّ وعلا-، ومن أطلعه الله -جلَّ وعلا- على بعض المغيبات {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ}[النمل:65] فلا يعلم الغيب إلا الله -جلَّ وعلا- حتى ولا محمد -عليه الصلاة والسلام- {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر}[الأعراف:188] فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم الغيب إلا فيما أطلعه الله -جلَّ وعلا- عليه، وبعض المبتدعة الغلاة من المتصوفة يرون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يخفى عليه شيء، لا تخفى عليه خافية، فلم يُبقوا لله -جلَّ وعلا- شيئًا، ومنهم من أثبت هذا لمن يدعي فيه الولاية، وزعموا أن لهم الاطلاع على كل شيء.

طالب: ...........

الأدلة كلها تدل على النفي.

طالب: ...........

ما عندهم من الأدلة إلا ما ثبت أن الله -جلَّ وعلا- أطلعه عليه، نعم، الله -جلَّ وعلا- أطلع نبيه على بعض الغيوب وما لم يطلعه عليه لا يعلمه كغيره -عليه الصلاة والسلام- وهو أشرف الخلق وأكمل الخلق وأكرمهم على الله -جلَّ وعلا- وأخشاهم وأعلمهم، ومع ذلك لا يعلم الغيب إلا الله لا يعلمها إلا هو؛ ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر هذه الآية أو مطلع هذه الآية قال: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ}[الأنعام:59] في خمس لا يعلمها إلا الله، وهي المذكورة في آخر سورة لقمان:{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}[لقمان:34] هذه الخمس لا يعلمها إلا الله، وهناك مغيبات لا يعلمها إلا الله، فعلم الساعة هل يمكن أن يطلع عليه أحد؟ لما سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- من قبل جبريل متى الساعة؟ قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، يستوي علم النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلم جبريل، وكلاهما لا يدري متى تقوم الساعة، وبعضهم استنبط وقت قيام الساعة بواسطة حساب الجُمَّل من قوله -جلَّ وعلا-: {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً}[الأعراف:187] فقالوا: {بغتة} إذا حسبناها بحساب الجُمَّل ظهرت ألف وأربعمائة وسبعة فقالوا: أن الساعة تقوم سنة ألف وأربعمائة وسبعة حساب الجُمَّل، أول من استعمله اليهود حينما جمعوا الحروف المقطعة في أوائل السور وطبقوها على حساب الجُمَّل، قالوا: كيف نتبع نبيا تكون مدته سبعين سنة أخذًا من حساب الجُمَّل؟ وفي قوله -جلَّ وعلا-: {أَكَادُ أُخْفِيهَا}[طه:15] يعني: الساعة {أَكَادُ أُخْفِيهَا}[طه:15] مفهومه أنه ما أخفاها بل أظهرها ظهورًا وإن لم يكن قويًا؛ إنما هو قريب من الخفاء وليس بالخفاء؛ لأن (كاد) إذا دخل عليها النفي لا أكاد فهي مثبتة لما بعدها يعني: لا أكاد أخفيها{أَكَادُ أُخْفِيهَا}[طه:15] {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُون}[البقرة:71] يعني أنهم فعلوا فذبحوها وما كادوا يفعلون، لكن {أَكَادُ أُخْفِيهَا}[طه:15]  أنه لم يخفها، والقول المرجح في تأويل هذه الآية يعني {أَكَادُ أُخْفِيهَا}[طه:15]  حتى عن نفسي؛ لأن النصوص القطعية من الكتاب والسنة تدل على أنه أخفاها عن كل أحد لا يعلمها لا ملك مقرب كجبريل، ولا نبي مرسل كمحمد -عليه الصلاة والسلام- أفضل الملائكة وأفضل الأنبياء، فهذه مبالغة في إخفائها {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}[لقمان:34] لا يدري: أحد هل ينزل الغيث أو لا ينزل؟ وما مقدار ما نزل؟ وما مقدار ما سينزل؟ إلا الله -جلَّ وعلا- {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ}[لقمان:34]، الحمل ما في الأرحام، الأرحام بنات آدم وغيرها مما يحبل، لا يعلمه إلا الله -جلَّ وعلا- قد يقول قائل: إن الأطباء الآن بآلاتهم يعلمون ما في الأرحام، فهل معنى هذا أنه تكشف لهم شيء من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله؟ لا يمكن، قد يقول قائل: إنه ذهب بزوجته وفحصوا عليها، وقالوا: الذي في بطنها ولد، وبالفعل يخرج ولد، مع أنها ليست قطعية، أقوالهم ليست قطعية، فكم من امرأة قالوا: إنه ولد ويخرج أنثى والعكس، على أنهم لن يستطيعوا أن يعلموا ما في الأرحام قبل أن يعلمه الملك إذا خرج عن دائرة الغيب قبل أن يبعث إليه الملك يرسل إليه الملك، هذا لا يمكن أن يعرفه أحد، ثم بعد ذلك إذا خرج عن دائرة الغيب وعرفه بعض المخلوقين من الملائكة أمره سهل {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا}[لقمان:34] ناس يخططون وعندهم مكاتب استراتيجية تدرس مخططاتهم التجارية ويتوقعون أن تكون الأرباح بنسبة كذا، والخسائر بنسبة كذا، ثم بعد ذلك يفاجئون بما لم يحسبوا له أي حساب ما فيه أحد يدري هل يكسب أو يخسر غدًا؟ {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر}[الأعراف:188] يعني: لو كنت أعلم الغيب في أمور الدنيا أستكثر من الخير، يعرف أن هذه السلعة تكون غدًا مطلوبة فيكثر منها، وهذه مرغوب عنها، وهذه تُربح وهذه تُخَسِّر، فيستكثر من الخير{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}[لقمان:34] نعم، قد يكون الإنسان لا نظر له في السفر، ثم في آخر لحظة يؤمر بأن يسافر إلى البلد الفلاني لتقبض روحه، ومما يذكر أن ملك الموت في مجلس سليمان ينظر إلى شخص نظر تعجب، فقال له سليمان: ما هذه النظرات إلى هذا الشخص؟ قال: أنا أعجب، أنا مأمور أن أقبض روحه في الهند، والآن بينه وبين الهند ألوف مؤلفة من الأميال، والرجل لا يدري، فلما خرج ملك الموت -هذه تذكر في الإسرائيليات لكن لا مانع من ذكرها في مثل هذا لا نعتمد عليها ولا نستدل بها- فلما خرج الملك قال الرجل: لي حاجة في الهند فأمر الريح تنقلني إلى الهند، أمر الريح فألقته في الهند، فوجد أمامه ملك الموت ليقبض روحه، وهو ما يدري المسكين، لو هو يدري ما راح الهند {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}[لقمان:34] كم من شخص يموت في بلد لا يُتوقع كيف وصل إليه؛ إنما قدر له أن يموت في هذه البقعة  لا تخفى عليه خافية سواء كانت على ظهر الأرض أو في بطنها، سواء كانت في البر في اليابس أو في قاع البحار، كل هذا يعلمه الله -جلَّ وعلا- لا يخفى عليه منه شيء.

{وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا}[الأنعام:59]  من يعلم مقدار ما على وجه الأرض من شجر؟ لا يعلم العدد إلا الله -جلَّ وعلا-، ويعلم ما يسقط من هذه الأوراق من أوراق هذه الأشجار، ولا يخفى عليه منها شيء، ولا حبة في ظلمات الأرض، يعني حبة مغروسة في جوف الأرض يعلمها الله -جلَّ وعلا-، ولا رطب ولا يابس، يعني كل الموجودات يعلمها فهو يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ}[الأنعام:28] ، المقصود أن الله -جلَّ وعلا- بكل شيء عليم، والعموم محفوظ لا يعزُب عن علمه شيء لا من الكليات ولا من الجزئيات، خلاف لما تزعمه الفلاسفة أن الله -جلَّ وعلا- يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات.

{وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين}[الأنعام:59]  وقوله -جلَّ وعلا-:  {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ}[فاطر:11]، يعني المخلوقات كلها ما تحمل من أنثى نكرة في سياق النفي ودخلت عليها مِن لتأكيد العموم؛ فكل أنثى من بني آدم وغير بني آدم ممن يحمل لا يحمل في بطنه شيئًا إلا ويعلمه الله -جلَّ وعلا-، ولا يضع من مولود إلا ويعلمه -سبحانه وتعالى- وقوله: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق:12] لتعلموا، اللام هذه إيش؟ لام الأمر أو لام التعليل؟ تعليل إذ لو كانت لام الأمر لكانت ساكنة {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الطلاق:12] وأيضًا هذا العموم محفوظ وهو باقٍ على عمومه وإطلاقه، في تفسير الطبري في أول تفسير سورة الملك يقول: وهو على ما يشاء فعلَه ذو قدرة، لا يمنعه من فعله مانع، ولا يحول بينه وبينه عجز، يعني على ما يشاء فعلَه تعبير سليم أو ما هو سليم؟ من خلال هذه الآية ليس بسليم؛ لأنه يفهم منه أن الذي لا يشاءه لا يقدر عليه، يقول: وهو على ما يشاء فعلَه ذو قدرة يعني قدير، والتعبير إذا نظرنا إليه من هذه الآية فيه ما فيه؛ لأن مفهومه أن الذي لا يشاءه الله -جلَّ وعلا- لا يقدر عليه، وهذا ليس بصحيح، لكن جاء في صحيح مسلم في آخر حديث ابن مسعود في قصة آخر من يدخل الجنة فيقول له الرب -جلَّ وعلا-: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر.

خلوكم معنا يا إخوان؛ لأن عندنا إطلاق على كل شيء قدير، والعموم محفوظ بالإجماع ويُستدرك على الطبري تعليق القدرة بالمشيئة؛ لأن لها مفهوما وهو أن الذي لا يشاءه لا يقدر عليه، صحيح أو ما هو صحيح؟ في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود يقول الله -جلَّ وعلا-: «ولكني على ما أشاء قادر» يعني هل هذا له مفهوم أو ليس له مفهوم؟ يعني منطوقه موافق للآية ومفهومه معارَض بمنطوق الآية؟.

طالب: ...........

لا أنا أقول له مفهوم في الجملة، لكن هذا المفهوم معارض بمنطوق الآية، وحينئذٍ يلغى المفهوم لمعارضته للمنطوق.

طالب: ...........

إيه لكن أنت أمامك نصان، يعني إذا أردت أن تعبر تبي تثبت القدرة الإلهية، هل تقيد بالمشيئة أو تطلق؟ هذا الأصل تطلق؛ لأن العموم محفوظ إجماعًا ما يخالف أحد أن العموم محفوظ، فإذا أراد الإنسان أن يتحدث ما يقيد بالمشيئة، نعم، نحتاج إلى أن نجيب على ما جاء من نصوص كقوله في حديث ابن مسعود: «ولكني على ما أشاء قادر» نقول: منطوقه موافق للعموم المحفوظ ومفهومه ملغى؛ لأنه مخالف للمنطوق.

طالب: ..............

نعم نجيب باعتباره إمام، لكن أنا أقول: إن الإنسان إذا كان يتحدث ابتداء لا يأتي بالآيات إلا التي عمومها محفوظ. طيب في قوله -جلَّ وعلا-: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِير}[الشورى:29] ترى لا بد من الإتيان بمثل هذه الآيات وفهم هذه الآيات؛ لأنك لا تعدم في يوم من الأيام أن يلقى عليك مثل هذا يقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِير}[الشورى:29] هل نقول: إن معنى {إذا} متى، وهو على جمعهم متى يشاء.

طالب: ...........

أو نقول: إن مفهومها ملغى، هو على جمعهم قدير متى شاء، وليس مفهومها أنه إذا لم يشأ ذلك لا يقدر حاشا. طيب هنا مسألة أخرى {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة:20] في قوله -جلَّ وعلا-: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}[الأحقاف:25] العموم محفوظ أو مخصوص بلا شك {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ}[النمل:23] مخصوص، وليس بمحفوظ {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة:20] يورد بعض المفسرين أن العقل يخصص هذه الآية فيقول: خص العقل ذاته فليس بقادر عليها، هذا كلام موحش وصعب النطق به، لكن لا بد من الإجابة على مثل هذا الكلام، نحن في مجلس فيه طلاب علم ما فيه عوام، نقول: تلقي شبهًا، والآن الشبه تلقى حتى على العوام، فلا بد من الاهتمام لهذه الأمور ودراسة هذه الشبه والرد عليها.

 يقول بعض المفسرين: خص العقل ذاته فليس عليها بقادر، إذا كان غير قادر عليها فهو إيش؟ عاجز، الآية تثبت القدرة التامة على كل شيء، وإذا خص العقل ذاته أثبت من خلال هذا التخصيص العجز، فعندنا إثبات القدرة بالنص، وإثبات العجز بالعقل الذي يدعونه، فحينئذٍ يلزم على قولهم أنه قادر عاجز، وفي هذا إثبات للضدين ولا يمكن أن يجتمع الضدان، وإن كانا نقيضين فهما لا يجتمعان، واجتماعهما من المحال، والمحال ليس بشيء، فيدخل في قوله: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ}[البقرة:20] إذًا هو منفي من الأصل؛ لأنه ليس بشيء، اجتماع الضدين أو اجتماع النقيضين سواء كانا نقيضين أو ضدين فهما لا يجتمعان، ظاهر أو ما هو ظاهر؟ يعني الآية وهي نص قطعي الدلالة والثبوت على إثبات قدرة الله -جلَّ وعلا- على كل شيء، وما زعموه من تخصيص العقل بقدرته على ذاته، وأنه لا يقدر على ذاته، مفهومه ومقتضاه إثبات العجز أنه عاجز عن ذاته، وعلى هذا إذا أثبتنا القدرة بالنص وأثبتنا العجز بالعقل الذي يزعمونه قلنا: أثبتنا النقيضين وجمعنا بينهما، والجمع بين النقيضين محال، والمحال ليس بشيء فيما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، وحينئذٍ لا يدخل في عموم الآية من الأصل، ما يدخل؛ لأنه لا يمكن تصوره لا في الأعيان ولا في الأذهان، لا يمكن تصوره لا في الأعيان ولا في الأذهان.

إذًا هذا ليس بشيء، إذ لا يمكن تصوره، فلا يدخل في قوله: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ}[البقرة:20]، وحينئذٍ لا نحتاج إلى أن نستثني، فالآية باقية على عمومها، وعمومها محفوظ عندهم في مسألة تعارض القُدَر من هذا النوع وهي شبه كبرى، يعني الإنسان وهو يتحدث عن أمر يتعلق بالله -جلَّ وعلا- يكبر مثل هذه الأمور، ويستعظم أن ينطق بمثل هذه الأمور، لكن لا بد من الإجابة عليها؛ لأننا ابتلينا بمن يبث الشبه لتشكيك المسلمين في عقائدهم، وهي موجودة في كتب المتقدمين من المبتدعة، فلا بد من أن يكون طالب العلم على بصيرة منها، بعض طلاب العلم بل بعض العلماء يقول: إن هذه الشبه أولا الكلام فيها مزلة قدم؛ بحيث لو ألقي حتى على بعض طلاب العلم قد لا يفهم، ثم تعلق الشبهة في ذهنه ولا يستطيع أن يجيب عنها، وهذا الكلام بحد ذاته صحيح علما بأنه مما يستعظم ويتعاظم النطق به لكنه وجد.

شيخ الإسلام تكلم بما هو أعظم من هذا، هل الأولى أن يبقى طالب العلم حائرًا في مثل هذه الأمور؟ أو تكشف وتجلى بقدر الاستطاعة عندنا في قولهم مثلاً في قول الله -جلَّ وعلا-:{لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الطلاق:12] وإثباتهم بالعقل عجزه عن نفسه قلنا: يلزم على هذا إثبات القدرة والعجز وهما نقيضان والنقيضان لا يجتمعان، وما لم يمكن اجتماعهما يكون محالاً والمحال ليس بشيء فلا يدخل في الآية فلا نحتاج إلى نفيه.

الله -جلَّ وعلا- القادر على غيره قادر على نفسه، لكن القدرة على نفسه قدرة الكمال لا القدرة التي يعتريها نقص، قادر أن يستوي على عرشه، قادر أن يحيي، قادر أن يميت، القدرة عامة في كل شيء، لكن ليست القدرة التي يفترضونها هم مما لا نستطيع النطق به، هذه لا تدخل في الآية؛ لأنها معارضة بالقدرة وإثبات المعارِض والمعارَض من باب المحال، والمحال ليس بشيء فلا يتكلم فيه؛ لأنه لا يمكن تصوره لا في الأذهان ولا في الأعيان، لا يمكن تصوره، بعضهم يضرب مثال الله -جلَّ وعلا- {اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة:20]، لا يمكن أن يتردد في مثل هذا النص من يتدين بدين، لا سيما بالدين المحفوظ وهو دين الإسلام؛ لأنه لو شك في القدرة المنصوص عليها هنا لو تردد في أن الله -جلَّ وعلا- على كل شيء قدير يكفر أو ما يكفر؟ يكفر، لكن الذي قال: لئن قدر الله علي ليعذبَنِّي، فأوصى أهله أنه إذا مات أن يحرق ويذر في الهواء، هذا شك في القدرة أو ما شك؟

طالب: .............

قوله: لئن قدر.

طالب: .............

رجح بابًا على باب، وكلاهما مما يتعلق بالله -جلَّ وعلا-، رجح الخوف والخشية من الله -جلَّ وعلا-، وغلب عليه هذا الخوف حتى أنساه القدرة.

طالب: .............

هم عندهم يقولون: خصه العقل.

طالب: .............

لا هي المسألة في المحال، هل هو شيء أو ليس بشيء؟ من أهل الكلام من يقول: شيء، من أهل الكلام من يرى أن المحال شيء والخلاف معروف، فإذا قلنا: إن المحال شيء وتصورنا مثل هذا التصور لا بد أن نخصص على كلامهم هم، لكن المحقق والمحرر أن الذي لا يمكن وجوده شيء أو ليس بشيء؟ ليس بشيء، كيف نثبت شيئًا لا يمكن وجوده؟ المثال الذي ذكروه وهو ثقيل ثقيل جدًا على اللسان وثقيل على القلب، لكن ذكروه، هو إيش؟ وهو من باب المحال أيضًا، فيه إثبات للقدرة وإثبات للعجز، هم قالوا: هل يستطيع الله -جلَّ وعلا- من باب القدرة أن يخلق صخرة لا يستطيع تفتيتها، هذا من باب المحال؛ لأنك تثبت قدرة وتثبت عجز وهما نقيضان، لا يمكن أن يجتمعا، ولا يمكن أن يوجدا في آن واحد، فهو من باب المحال الذي هو في الحقيقة ليس بشيء، فلا يدخل في عموم الآية وتبقى الآية محفوظة، وكثير من المبتدعة تبعا لمثل هذه الإشكالات عندهم -وأهل السنة ولله الحمد سلموا منها- كثير منهم يرى أنه لا يوجد نص محفوظ إلا نصوص يسيرة جدًا، عدوها اثنين أو ثلاثة فقط، والبقية كلها دخلت التخصيص، والتخصيص عندهم بمثل هذا الذي ذكرناه، وشيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى بدأ بالقرآن وأثبت من عمومات الفاتحة المحفوظة الشيء الكثير، وأثبت أيضًا من عمومات الورقة الأولى من سورة البقرة عمومات كثيرة محفوظة لم يدخلها تخصيص، وكلامه موجود في الفتاوى{لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق:12].

طالب: .............

لا شك أن ظاهر النص أنه شك في القدرة بدليل أنه أوصاهم بما يعارض القدرة من وجهة نظره وهو التحريق والذر في الهواء، غلب على ظنه أن الله لا يقدر أن يجمعه، هذا ظاهر النص، والداعي إلى ذلك شدة الخوف من الله -جلَّ وعلا-، فلما رجح هذا الجانب نسي الجانب الآخر، غلب عليه هذا الخوف وهذه الخشية فنسي الجانب الآخر، وعقل بني آدم لا يستوعب إلا إذا كان على علم بما جاء عن الله -جلَّ وعلا- على مراد الله أن يستطيع أن يوازن بين أموره، وإلا إذا غلب عليه ترون أنتم في واقع الخوارج والمرجئة مثلاً ما استطاعوا الموازنة، بينما أهل السنة استطاعوا الموازنة بين نصوص الوعد والوعيد، وهداهم الله -جلَّ وعلا- إلى التوسط ووفقهم إلى الحق، الخوارج لما غلب عليهم الخوف وأعملوا نصوص الوعيد وغفلوا عن نصوص الوعد وقعوا فيما وقعوا فيه، والمرجئة على النقيض، لكن عمل الخوارج وعمل المرجئة من باب الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر، يعني كون الخارجي ينظر إلى أحاديث الوعيد ويترك أحاديث الوعد، آمن بنصوص الوعيد وترك نصوص الوعد، وعكسهم المرجئة، لكن أهل السنة قالوا: كلٌّ من عند الله، لا بد أن ننظر إلى هذا وهذا، لا بد أن ننظر بالعينين فلا نهمل هذا ولا نهمل هذا، فهم نظروا إلى نصوص الوعيد ونزلوها على منازلها، ونظروا في نصوص الوعد ونزلوها وأوقعوها في مواقعها فالتأمت الصورة متكاملة عندهم ووفقوا إلى هذا التوسط، وأنت والعالم أو طالب العلم أو الداعية وبين يديه النصوص نصوص الكتاب والسنة وهو يعالج أمراض اجتماعية، كيف يعالج الأمراض؟ إذا رأى عند قوم شيئًا من التشدد والتطرف يعالج وضعهم بنصوص الوعد، وإذا رأى عندهم شيئًا من التساهل والتراخي والانحراف والانصراف عالجهم بنصوص الوعيد، لكن لو تجي ناس متطرفين تورد عليهم نصوص الوعيد أنت عالجتهم أو تزيدهم؟ تزيدهم، ومثل ذلك نصوص الوعد بالنسبة للمنصرفين المفَرَّطين، فالعالم مثل الطبيب يعالج هذه الأمراض، كل مرض بما يناسبه.

طالب: الرجل الذي قال: أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح نفس الشيء؟

نفس الشيء، العقل يغلب عليه شيء، يغطيه بحيث يعميه عن قطعيات يقول الله -جلَّ وعلا-:            أحاط، والإحاطة قدر زائد على مجرد العلم، العلم بالشيء قد يكون من وجه دون وجه، وأما الإحاطة فهي العلم به من جميع الوجوه، من جميع الوجوه؛ ولذا جاء في آية الكرسي: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ}[البقرة:255] الإحاطة من جميع الوجوه ولا بشيء من علمه، والله -جلَّ وعلا- قد أحاط بكل شيء علمًا، فما نسبة علم من لا يستطيع الإحاطة بشيء من علمه إلى علم من أحاط بكل شيء علما؟ لا شيء، يعني مثلما يأخذ العصفور بمنقاره من البحر، كما جاء في الحديث الصحيح في قصة موسى والخضر، والله -جلَّ وعلا- يقول: {وَمَا أُوتِيتُم}[الإسراء:85] وهو خطاب للبشر كلهم من آدم إلى قيام الساعة {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا}[الإسراء:85] ، ونحن نقرأ في تراجم أهل العلم أن فلان من بحور العلم، لكنه من بحور العلم النسبي فيما يمكن لابن آدم، أما بالنسبة لعلم الله -جلَّ وعلا- فعلمه كلا شيء، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين}[الذاريات:58] إن الله هو الرزاق، أسلوب حصر، تعريف جزئي الجملة والإتيان بضمير الفصل هذا كله يدل على الحصر، وأنه لا أحد يرزق، بل الرزاق والمعطي والمانع هو الله -جلَّ وعلا-، وكل مخلوق يكتب رزقه وهو في بطن أمه، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ}[الذاريات:58] رزاق صيغة مبالغة فعّال الذي يرزق الأرزاق المتتابعة المتوالية، وهو المعطي للرزق، والرزق ما يكسبه الإنسان ويحصل عليه، فإن كان من طرق شرعية فهو رزق حلال، وإن كان من طرق غير شرعية محرمة فهو رزق لكنه حرام، الأول طيب والثاني خبيث، وكله رزق، والمعتزلة يقولون: المكاسب المحرمة ليست برزق؛ لأن الله لا يرزق المحرم، والرَّزق من فعله -جلَّ وعلا-، فهم يريدون بذلك التنزيه، لكن يرد عليه أنه لو أن طفلاً منذ أن وُلد إلى أن مات وهو مع عصابة لصوص يطعمونه مما يكسبون مما يسرقون هذا أخذ من رزقه شيء أو ما أخذ؟ على قول المعتزلة ما أخذ من رزقه شيء، كما أنهم أيضًا في الأجل يخالفون من قتل عندهم، مات قبل أجله، وعند أهل السنة مات بأجله الذي هو القتل، وهذا استكمل رزقه لكنه رزق خبيث، والتبعة على غيره {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ}[الذاريات:58] صاحب القوة فهو القوي القوة المطلقة التامة التي لا يعتريها فتور ولا نقص، {الْمَتِين}[الذاريات:58] الشديد كما جاء في التفسير عن ابن عباس.

طالب: ............

لا هذا ليس بمبرر ولا تشريع.

طالب: ............

هو مكتوب له الحصول على هذا المال ومكتوب عليه أيضًا أنه يأخذه من هذا الوجه، لا بد أنه يأخذه من هذا الوجه، والله -جلَّ وعلا- لا يظلم، كتب عليه: وهداه النجدين وبيّن له وجعل فيه من الحرية والاختيار والإرادة والمشيئة ما يختار طريق الهدى فاختار الطريق الثاني، وإرادته ومشيئته تابعة لإرادة الله -جلَّ وعلا- فهو اختار هذا الطريق ويتحمل تبعته، والقوة والقدرة على كل شيء قدير، وهو القوي، وهو ذو القوة.

طالب: ...........

القدرة والقوة من الأعمال المقدور عليها ما لا يحتاج إلى قوة، وقد توجد القوة من غير قدرة، هذا بغض النظر عن صفات الله -جلَّ وعلا-، لكن في الجملة قد توجد القدرة على الشيء من غير قوة، وقد توجد القوة من غير قدرة، هذا بالنسبة للمخلوق، والله -جلَّ وعلا- يجتمع له هذه الأمور كلها على وجه يليق بجلاله وعظمته، ذو القوة صاحب القوة. المتين جاء تفسيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- بأنه الشديد، والله -جلَّ وعلا- وُصف بهذا شديد العقاب، فمن صفاته هل من أسمائه الشديد أو من صفاته الشدة؟ التساهل في الصفات أكثر من التساهل في الأسماء، فالأسماء يشتق منها صفات، لكن الصفات لا يؤخذ منها أسماء، فتفسير الصحابي المتين بالشديد، فهل هذا التفسير له حكم الرفع أو نقول: إن ابن عباس أخذه من معاني اللفظة في لغة العرب؟ أو نقول: إن هذا له حكم الرفع؛ لأنه تفسير صحابي فيما لا يدرك بالرأي له حكم الرفع؛ لأنه لا يمكن أن يفسر الصحابي ما لا يدركه عقله من تلقاء نفسه، لا سيما ما يتعلق بالله -جلَّ وعلا-، نعم قد يكون في لغة العرب معنى المتين الشديد، والمتانة تدل على الشدة والقوة، فإذا كان ابن عباس أخذه من لغة العرب، وهل يظن بابن عباس أنه يدخل في هذا الباب الغيبي المتعلق بأسماء الله -جلَّ وعلا- وصفاته من تلقاء نفسه، أو لا بد في هذا من توقيف؟ الذي يغلب على الظن أنه لا بد من توقيف، مثلما ذكرنا في صفة العزم حينما قالتها أم سلمة، وقلنا: إن هذا له حكم الرفع؛ ولذا أثبت شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- صفة العزم لله -جلَّ وعلا-، وعلى هذا تثبت صفة الشدة لكن لا يثبت في أسمائه الشديد.

وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى:11]، هذه تكلمنا عنها في أول درس وفي الدروس الأولى في طريقة أهل السنة والجماعة، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. في أول الكلام ليس كمثله شيء، والكاف كثر فيها الكلام من قبل أهل العلم؛ فمنهم من يقول: إنها زائدة، والمراد: ليس مثله شيء، والزيادة هنا أنه يستقيم الكلام بدونها، وإلا فمن حيث المعنى فهي مؤكِّدة، إذ القرآن مصون من الزيادة والنقصان، هذا قول من يقول: إنها زائدة، وبعضهم يعبر يعني يتأدب مع القرآن فيقول: صلة، تشبيها لها بصلة الموصول التي لا محل لها من الإعراب، وهذا من باب التأدب، وينبغي للمسلم أن يتأدب مع كلام الله، منهم من يقول: إن إثباتها أبلغ من نفيها، وليس في المثل هنا أنه يوجد مثل لله -جلَّ وعلا-، ليس فيه إثبات للمثل، ونفي لنفي مثل المثل، ليس هذا؛ لأنه إذا لم يوجد مثل للمثل فلأن لا يوجد مثل للأصل من باب أولى، إذا قيل: مثلك لا يبخل، هل معنى هذا أنك تبخل؟ لا، هذا نفي للماثل لك من باب أولى وهو السميع البصير، وفيه إثبات صفة السمع والبصر لله -جلَّ وعلا- وإثبات الاسمين الكريمين السميع والبصير، فالله -جلَّ وعلا- يسمع ويبصر على ما يليق بجلاله وعظمته على ما تقدم في عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يثبتون ما جاء في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات على ما يليق بجلاله وعظمته من غير تحريف ولا تكييف ولا تعطيل ولا تمثيل، وجاء في الحديث -حديث أبي هريرة- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما تلا هذه الآية وضع الإبهام على أذنه ووضع التي تليها على عينه؛ ليثبت أن الله -جلَّ وعلا- له سمع وله بصر، ويسمع ويُبصر، وهو سميع بصير بسمع وبصر حقيقيين، كما أن للمخلوق سمعًا وبصرًا حقيقيين ولا يعني أننا إذا أثبتنا لله -جلَّ وعلا- السمع والبصر الحقيقي، وأن المخلوق له سمع وبصر حقيقي أن سمع الخالق مثل سمع المخلوق، أو أن بصر الخالق كبصر المخلوق، يعني مثلما ذكرنا عن ابن خزيمة، ابن خزيمة يثبت الوجه لله -جلَّ وعلا-، وقد جاء بإثباته نصوص الكتاب والسنة {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}[الرحمن:27] يقول: هذا الوصف ثابت لله -جلَّ وعلا-، وإثباته لا يقتضي التشبيه، لماذا؟ يقول المخلوقات يثبت لها من الأسماء المتشابهة ما تتفاوت حقائقها فالإنسان له وجه، الجمل له وجه، القرد له وجه، البعوضة لها وجه، الجرادة لها وجه، لكن هل هذه الوجوه وهي مضافة إلى مخلوقات هل هي تتشابه؟ لا تتشابه، هذا إذا كان بين هذه المخلوقات هذا التفاوت العظيم! فكيف بالتفاوت بين الخالق والمخلوق؟ أعظم، لا يتصور القدر المشترك، إلا أن هذا حقيقة على ما يليق بالمخلوق وذاك حقيقة على ما يليق بالخالق وقوله: {إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:58] يعني في آية النساء: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ}[النساء:58] مما ذُكر من أداء الأمانات والحكم بالعدل {إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ}[النساء:58] الأصل نعمما {نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:58] وفي هذه الآية ما في الآية التي قبلها من إثبات السمع والبصر لله -جلَّ وعلا- وإثبات الاسمين الكريمين السميع والبصير، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، ويخالفهم في هذا طوائف البدع، طوائف المبتدعة، فالجهمية ينفون الجميع، ينفون الأسماء وينفون الصفات، والمعتزلة يثبتون الأسماء وينفون الصفات، والأشعرية يثبتون بعض الصفات وينفون بعضها، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، جاءنا عن الله وعن رسوله فآمنا وصدقنا بما جاءنا عن الله وعن رسوله على مراد الله -جلَّ وعلا-، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"

يقول: ذكرتم في قياس الأولى أن ما كان للعباد من صفات كمال وأمكن أن نثبتها لله فالله أولى بها..؟

يعني مع الإمكان، أما ما لا يمكن كما في إثبات الوالد والولد فلا، ثم الرسول أولى بالكمال الذي ينسب للمخلوق.

يقول: أُلحق بعض مسائل الفروع ببعض مسائل الأصول مثل المسح على الخفين؛ لأن بعض أهل البدع صار شعارهم إنكارهم المسح، السؤال: هل يلحق في هذه الأزمنة مسألة الحجاب بالأصول؟ لأنه اشتهر عن أهل الأهواء إنكاره؟

نقول: هذا ليس خاص بأهل الأهواء، ويوجد أيضًا القول به عند بعض أهل السنة، وإن كان من يثير هذه المسائل في مثل هذه الظروف لا يسلم من هوى.

يقول: هل ذهاب الإنسان بنفسه إلى المستشفى داخل في الاسترقاء؟

المقصود أن حديث السبعين الألف يقتصر فيه على ما ذُكر، وأما مباشرة الأسباب بغير ما ذُكر فلا.

يقول: في قول شيخ الإسلام: لا أعلم سالفًا أوجب العلاج. يقول هل هذا يمنع أن يأتي أحد يفتي بوجوب العلاج والتداوي؟

يعني إذا انعقد الإجماع على شيء، هل يجوز أن يحدث قولاً يخالف هذا الإجماع؟ وهل الأقوال تموت بموت أصحابها؟ وهل قول العالم: لا أعلم، تعادل نقل الإجماع؟ قوله: لا أعلم، هل هي بمثابة نقل الإجماع؟ بمعنى أنه لو جاء أحد ونظر في الأدلة ووصل باجتهاده إلى أن العلاج واجب في بعض الصور، هل نقول: إنه خالف الإجماع؟ قول العالم: لا أعل،م هذا على حد علمه، وهذه أوسع من نقل الإجماع، قد يوجد قول لم يطلع عليه؛ ولهذا نظائر الإمام مالك في الموطأ قال: لا أعلم أحدًا قال برد اليمين على المدعي، مع أن القول مشهور حتى في عصره وبين قضاة عصره، ابن شبرمة وابن أبي ليلة يقولون بهذا، والإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول: لا أعلم أحدًا قال بوجوب الزكاة في البقر دون الثلاثين، والزكاة في العشر معروفة حتى من بعض الصحابة، المقصود أن مثل هذه العبارة لا تعني الإجماع، فإذا ثبت أنه قيل بهذا القول فيسوغ القول بمخالفة هذا القول إذا ثبت أن له سلف.

يقول: تكلمت في الأسبوع الماضي عن تضمين الفعل وتضمين الحرف، فإذا أمكن الإعادة مع ضرب أمثال؟

عليك أن تراجع مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية وما كُتب حولها من شروح.

يقول: هل آحاد تجمع في قول الله تعالى: (قل هو الله أحد) وما معنى قول ثعلب إمام اللغة؟ أريد الإيضاح فقد صار علي لبس.

ثعلب سئل عن الآحاد هل هي جمع أحد؟ قال: حاشا أن يكون للأحد جمع، فإن كانت جمع الواحد فلا بأس؛ لأنه نظر إلى أن الأحد من أسماء الله -جلَّ وعلا-؛ ولذا يجوز أن تسمي عبد الأحد وما كان من أسماء الله -جلَّ وعلا- فإنه لا يجمع من هذه الحيثية، كما أنه لا يجوز أن تجمع الرحمن ولا الرحيم لكن تجمع الراحم تقول الراحمون، وأما الرحمن الذي لا يطلق إلا على الله -جلَّ وعلا- فلا تجمعه، لكن الأحد أو أحد هذه من الأسماء المشتركة، فكما أن الأحد من أسماء الله -جلَّ وعلا- فهو أيضًا اسم من أسماء أيام الأسبوع؛ ولذا إذا قيل في الشهر: أربعة آحاد، أو في هذا الشهر خمسة آحاد، كان الكلام صحيحًا.