بلوغ المرام - كتاب الصيام (1)

صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين أيها الإخوة الأفاضل معنا في هذه الليلة فضيلة الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير حفظه الله في دورة علمية مختصرة في كتاب بلوغ المرام كتاب الصيام فنسأل الله عز وجل أن يعظم له الأجر وأن يحط عنه الوزر وأن يرفع له القدر إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد فليتفضل الشيخ.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سم.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين قال المؤلف رحمه الله: كتاب الصيام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: ((لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ, إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا, فَلْيَصُمْهُ)) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ –رضي الله الله عنه- قَالَ: ((مَنْ صَامَ اَلْيَوْمَ اَلَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا اَلْقَاسِمِ))  وَذَكَرَهُ اَلْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا, وَوَصَلَهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (كتاب الصيام).

الكتاب: سبق التعريف به مراراً، والصيام مصدر صام ومثله الصوم، صام صوماً، قال قولاً، والصيام مثل قام قياماً، فهما مصدر للفعل صام، ولذا تجدون التراجم أحياناً، كتاب الصيام، وأحياناً كتاب الصوم، ولا فرق بينهما إذ الكل كل منهما مصدر للفعل صام.

الصيام عرفوه في اللغة بأنه: الإمساك عن أي شيء، بمجرد الإمساك يسمى صيام، فالإمساك عن الكلام صيام، الإمساك عن الحركة صيام، الإمساك عن الأكل والشرب صيام، فجاء في الإمساك عن الكلام في قوله -جل وعلا- لمريم -عليها السلام-: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [(26) سورة مريم]، فهي لم تنذر الصيام في الإمساك عن الأكل والشرب وإنما الكلام، بدليل قولها {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [(26) سورة مريم]، ويأتي الصيام بمعنى الإمساك عن الحركة، خيل صيام وخيل غير صائمة، يعني ممسكة، خيل تجري، وخيل ممسكة عن الجري والحركة، كما أن الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات التي هذه هي أصولها صيام، والحقيقة اللغوية التي هي الإمساك لا تختلف عن الحقائق الشرعية اختلافاً متبايناً، بل في الغالب أن الحقيقة اللغوية تبقى ويزاد عليها من القيود ما يميز الحقيقة الشرعية، فالصيام الشرعي إمساك، كما أن الصيام في اللغة إمساك، يزاد في الحقيقة الشرعية من القيود ما يميز به هذه الحقيقة عن الحقيقة الأصلية التي هي مجرد الإمساك، وقل مثل هذا في الصلاة في الزكاة في الإيمان في غيرها من الحقائق الشرعية، لو تأملت وجدت أن الحقائق اللغوية موجودة، ما هناك تباين بين الحقائق الشرعية والحقائق اللغوية، قد يكون هناك تباين وتفاوت في الحقائق العرفية، لكن الحقائق اللغوية لا تتابين مع الحقائق الشرعية وإنما يزاد في الحقائق الشرعية بعض القيود التي تميزها عن مجرد الإطلاق اللغوي، وهنا الصيام في اللغة الإمساك، وفي الشرع الإمساك، لكن الإمساك من نوع خاص، إمساك من نوع خاص، الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، هذه هي أصول المفطرات في وقت مخصوص من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بنية، بعضهم يقول: إمساك المكلف، وبهذا يخرج صيام الصائم، لكنه صيام، صيام يعود عليه ويمرن عليه لا يؤاخذ بتركه لكن من باب التمرين فهو صيام شعبان، ولذا المحقق أنه يجزئ إذا وقع نصفه نفل ونصفه فرض، بمعنى أنه كله في أثناء النهار صوم، صيام شهر، هذا الصبي صام في أول النهار ثم أكل في أثنائه يكفيه هذا الصيام؛ لأن الحقيقة الشرعية موجودة، بعضهم يضيف في جميع العبادات قيد يدل على أنه عبادة، فيقول: الصيام مثلا: التعبد لله -جل وعلا- بالإمساك عن كذا وكذا وكذا لكن إذا قلنا بنية، النية من لازمها التعبد، بعضهم يضيف في القيد النية؛ لأنه بدون نية وإن وجدت صورته فلم توجد حقيقته الشرعية، فلا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل، كما أنه جاء في الحديث الصحيح الذي يشمل الصيام وغيره حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) وهذا يأتي دراسته في الموضوع -إن شاء الله تعالى-.

فالصيام الإمساك عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بالنية المصاحبة المتقدمة على أول جزء منه، والصيام المقصود به صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام ولكونه شاقاً على النفوس جاءه تشريعه تدريجياً كالمنع من الخمر، جاء التشريع تدريجي، والصيام جاء التشريع تدريجي، كان الواجب عاشوراء، ثم بعد ذلك نزل صيام رمضان مع التخيير، من أراد أن يصوم ومن أراد أن يطعم، والصيام أفضل، ثم بعد ذلك نسخ التخيير في حق القادر، وبقي الصيام لا خيرة فيه بالنسبة للمستطيع ويبقى أن الإطعام في حق من لا يستطيع.

صيام رمضان ركن من أركان الإسلام دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فلقول الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة]. وأما السنة فالأدلة متضافرة على وجوبه وأنه من دعائم الإسلام وأركانه.

حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان)) [الحديث متفق عليه].

وأجمع المسلمون على أنه ركن من أركان الإسلام.

في حديث ابن عمر الرواية المتفق عليها في تقديم الحج على الصيام، وعلى هذه الرواية بنى البخاري تأليف كتابه فقدم الحج على الصيام ولعل ذلك لما جاء في الحج بخصوصه من النصوص الشديدة مما لم يأت نظيره في الصيام.

في آية آل عمران {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران]، ثم قال: {وَمَن كَفَرَ} هذا أمر عظيم {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} وجاء عن عمر وغيره أنهم يرسلون إلى عمالهم في الأقاليم أن ينظروا  من كانت له جِدَة ولم يخرج فليفرضوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين؟ ما هم بمسلمين، جاء مثل هذه النصوص التي تجعل بعض العلماء لا سيما الإمام البخاري يجعل الحج آكد من الصيام والرواية المتفق عليها بتقديم الحج على الصيام، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر بعض روايات الحديث عند مسلم قال: ((وصوم رمضان والحج)) فقدم الصيام على الحج، فقال رجل: الحج وصوم رمضان، فقال ابن عمر: لا، صوم رمضان والحج، إنكار ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- على هذا المستدرك لا شك أنه مشكل مع أنه ثبت عن ابن عمر أنه قدم الحج على الصيام، يشكل عليك، كيف ترد عليه وقد ثبت عنك أنك قدمت الحج على الصيام، والحديث في الصحيحين، فأهل العلم لهم كلام في السبب الذي من أجله رد ابن عمر على هذا المستدرك، ومن ذلك ما قاله النووي -رحمه الله-، قال: لعل ابن عمر روى الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على الوجهين، مرة بتقديم الحج ومرة بتقديم الصوم، فرواه كذلك على وجهين، ثم لما رد عليه هذا المستدرك أراد أن يؤدبه، فقال: لا تستدرك ولا تعترض بما لا علم لك به، وهذا أسلوب من أساليب تربية بعض الطلاب الذين يتعجلون بحضور الأكابر، فيردون عليهم ويستدركون عليهم، يعني من السهل جداً أن تجد طالب صغير والشيخ يتكلم يقول: لا يا شيخ، كذا، أمر سهل جداً أن أتقدم بسؤال فإذا أجيب قال: لا يا شيخ الشيخ فلان يقول كذا، مثل هذا يحتاج إلى تأديب مثل تأديب ابن عمر لهذا المستدرك، وإلا فالحديث ثابت على الوجهين.

جوز النووي -رحمه الله تعالى- أن يكون ابن عمر يروي الحديث على الوجهين، ثم لما رواه بتقديم الصيام على الحج نسي الوجه الأول، الذي فيه تقديم الحج على الصيام فلما استدرك عليه المستدرك قال: لا، صوم رمضان والحج.

الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يرى أن هذا الاختلاف من الرواة عن ابن عمر، أو من الراوي عن ابن عمر وحنظلة، يقول إن نسبة الرواية بالمعنى إذا قيل أن ابن عمر يروي الحديث على وجه واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لتقديم الصيام على الحج، بدليل أنه أنكره على الرجل الذي استدرك عليه، يقول ابن عمر يرويه هكذا جزماً ثم الراوي عنه رواه بالمعنى، فمرة قدم الحج ومرة قدم الصيام. ويقول: هذا التصرف ينسب إلى التابعي أولى من أن ينسب إلى الصحابي؟ افترضنا أن الراوي نسي فقدم وأخر، هل نسبة هذا النسيان للصحابي أولى من نسبته إلى التابعي أو العكس؟ يقول: إلى التابعي نسبته، نسبة هذا التقديم والتأخير إلى التابعي والرواية جائزة بالمعنى والعطف بالواو لا يقتضي الترتيب سواء قدم أو أخر ما يضر؛ بدليل أنه جاء في بعض الروايات تقديم الحج على الزكاة، فهل يقال أن عمر رواه على ثلاثة أوجه؟ على كل حال المسألة سهلة يعني، الصيام والحج كلاهما ركن من أركان الإسلام. وسواء قدم الحج على الصوم، والصوم على الحج فالأمر سهل، لكن عامة أهل العلم على تقديم الصيام على الحج، والبخاري رحمه الله تعالى اعتماداً على الرواية المتفق عليها قدم الحج على الصيام.

بالنسبة للأركان الخمسة الركن الأول: الشهادتان، من لم يأت بهما لم يدخل الإسلام أصلاً؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) فلا إسلام دون التلفظ بالشهادتين، وأما بالنسبة للركن الثاني فجاء فيها النصوص الشديدة ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) أما من ترك أحد الأركان الخمسة جحوداً فهذا يكفر اتفاقاً، فالمسألة مفترضة من تركها تهاوناً وكسلاً لا جحوداً، وجاء في الصلاة ما يخصها من مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) ((بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) ولذا يفتي جمع من أهل التحقيق أن تارك الصلاة كافر، ولو اعترف بوجوبها وهذه رواية عند الإمام أحمد ينصرها شيخ الإسلام وابن القيم وجمع من أهل التحقيق، وهو المفتى به الآن.

ونقل اتفاق الصحابة على أنهم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، وأما بالنسبة لبقية الأركان الزكاة والحج والصيام فقيل بكفر تاركها، وهي رواية عن الإمام أحمد نصرها جمع من أصحابه وهي قول عند المالكية، ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان، والجمهور على عدم كفر تارك هذه الأركان مع الاعتراف بوجوبها، لكنه على خطر عظيم. أي بناء تهدمت أركانه لا يقال له شيء والركن جانب الشيء الأقوى، فإذا هدم أي ركن من أركانه يكاد أن يزول.

الصيام شرع في السنة الثانية من الهجرة، فصام النبي -عليه الصلاة والسلام- صيام رمضان تسع سنوات، صام تسعة رمضانات -عليه الصلاة والسلام-.

من حِكَم الصيام:

شرعية الصيام لحكم ومصالح عظيمة دينية ودنيوية.

من أعظم مصالح الصيام وحكمه: التقوى التي أشير إليها في آيات فرض الصيام، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] لا شك أن الصيام يورث التقوى، وهذه فائدة عظمى بالنسبة للمرء، أعظم ما يستفيده الإنسان في هذه الدنيا التقوى.

وتقوى الله أفضل مستفادِ

فإذا تحققت هذه الفائدة من الصيام عرفنا أن الصيام جيء به على الوجه المشروع؛ لأنه مع الأسف الشديد يلاحظ أن بعض الناس يصوم يمسك عن الطعام والشراب والجماع المدة المطلوبة ومع ذلك يزاول المنكرات، يترك الواجبات ويرتكب المحرمات فأين التقوى؟ هل هذا راجع إلى خلف في الوقت والرجاء، أو هذا راجع إلى خلل في الصيام الذي لم يترتب الأثر عليه؟ هذا راجع لا شك إلى خلل في الصيام، فالصيام الذي لا يورث التقوى معناه أنه لم تترتب آثاره عليه، وإن صح في عرف الفقهاء وأجزأ الطلب لكن يبقى أنه لا بد من وجود خلل، ما أتى به على الوجه المشروع؛ فالعبادات التي يرتب عليها آثار المقصود بها العبادات التامة التي تؤدى بإخلاص لله -جل وعلا-، وبمتابعة دقيقة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذ يورث التقوى، أما صيام شخص لم يلاحظ ولم يراعي الواجبات والآداب ولم يترك المحرمات أثناء صيامه ولا بعد صيامه مثل هذا لا تترتب عليه آثار، وقل مثل هذا في سائر العبادات، فالصلاة مثلاً، {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] قد يقول قائل كثير من الناس يصلي ويسرق، يصلي ويزني، كيف نهته صلاته؟ نقول: نعم، هذه الصلاة لم يؤتى بها على الوجه المشروع وإن تحققت شروطها وأركانها وواجباتها وأسقطت الطلب ولم يؤمر بالإعادة لكن فيها خلل. لبها وروحها لم يوجد؛ فالشخص الذي لا ينصرف من صلاته إلا بربعها بخمسها بعشرها مثل هذا لا تترتب آثاره عليها وقل مثل هذا في الصيام، ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينها ما اجتنبت الكبائر)) يعني تصور العبادات التي يؤتى بها على الوجه الناقص الذي لا يكسب صاحبها من جرائها ولا عشر الأجر هذه تكفر الذنوب؟ هذه إن كفرت نفسها يكفي، فننتبه لهذا، فالتقوى يحرص الإنسان عليها، هي وصية الله للأولين والآخرين، وقد أمر بها في نصوص كثيرة، فإذا ترتبت التقوى على الصيام، فعلى الإنسان أن يحمد الله -جل وعلا- ويشكره على التوفيق لهذه النعمة العظيمة.

والصيام أيضاً فيه فوائد للفرد الصائم وللمجتمع؛ فالصائم إذا أحس بالجوع والعطش عرف أن له أخوة جُل وقتهم على هذه الصفة، فيحمله ذلك على العطف عليهم والإحسان إليهم فيكسب بذلك الأجور العظيمة، وهو أيضاً وقد فرض على الصغير والكبير والأمير والحقير والملك والوزير، فرض على الجميع، كتب عليكم جميعكم، يتصور الصائم وهو يرى الأمير والوزير والكبير والصغير كلهم صيام يتصور عدل الله -جل وعلا-، فيعدل فيما ولي، بمن تحت يده، بدءاً من الإمام الأعظم إلى أصغر مسؤول، إلى الرجل وبين أولاده إلى الرجل مع نفسه ومع غيره، لا بد أن يتصور هذا أيضاً.

في الصيام فوائد صحية البدن طيلة العام تتراكم عليه المأكولات التي ترهقه وتتعبه فإذا جاء الصيام لا شك أنه يتخلص بالامتناع عن الأكل والشرب من كثير من الفضلات، لا سيما الدهون والشحوم التي تتراكم على الجسم وتؤثر على القلب فيتخلص منها في الصيام، ولهذا يؤمر كثير من الناس بالحمية، الأطباء يأمرون كثيراً من المرضى بالحمية ولا شك أن الحمية علاج لكثير من الأمراض، يعني الحركة معها الحمية تقليل الأكل يتفق الأطباء على أنهما علاج لكثير من الأمراض، كثير من الأمراض لا تحتاج إلى علاج أكثر من هذا، فإذا احتمى الإنسان هذه المدة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تخلص الجسم من هذه الفضلات، لكن الملحوظ أولاً وآخراً، امتثالاً للأمر الإلهي {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [(183) سورة البقرة] وبعض الناس من يرغب الناس في العبادات، أول ما يبدأ في المنافع الدنيوية ولا شك أن تعليق الناس بهذه الأمور الدنيوية لا شك أنها على حساب الآخرة، احتساب امتثال الأمر الذي هو الأصل، لكن لا مانع أن يذكر هذا رافد، بل يربط الناس بالأمر والنهي، أنت عبد مخلوق لهدف عظيم هي العبودية، فعليك أن تحقق هذه العبودية، ولا مانع من أن يلحظ ملحظاً آخر لكن يبقى أن الأصل هو امتثال الأمر.

قد يقول قائل: أن الإنسان إذا لحظ هذا وصام وأمسك عنه الطعام هذه المدة الطويلة؛ لأنه نصح من قبل الأطباء ألا يكثر الأكل، هل يعتبر صيامه شرعي؟ وقد بيت النية، وصام المدة كاملة، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس يؤجر أو ما يؤجر؟ نقول نعم يؤجر؛ لأنه لم يعدل من الحمية المجردة إلى الصيام الذي يتقرب به إلى الله -جل وعلا- إلا وفي قلبه شيء من ملاحظة هذه العبادة، ويبقى أن الذي يصوم لا ينهزه إلا الصيام، إلا طلب الثواب من الله -جل وعلا-، أعظم أجراً مما شرك في صيامه بين العبادة والأمر المباح.

في الحديث الأول الذي ذكره الحافظ -رحمه الله تعالى-، يقول -رحمه الله تعالى-، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ, إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا, فَلْيَصُمْهُ)).

الأصل لا تتقدموا رمضان يعني عليه بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه، لا تقدموا رمضان، فيه جواز إطلاق رمضان على الشهر دون إضافة، يعني ما يلزم أن تقول شهر رمضان، إنما يجوز أن تقول جاء رمضان، وجاءت النصوص الكثيرة رمضان دون إضافة.

وترجم الإمام البخاري في حكم اطلاق رمضان، هل يقال رمضان أو لا يقال رداً على من كره ذلك من بعض المتقدمين وثبت في النصوص الإطلاق من غير إضافة، وجاء هنا حديث لكنه ضعيف، جاء من طريقة معشر السندي وهو ضعيف ((لا تقولوا رمضان فإن رمضان من أسماء الله)) لكن الحديث ضعيف باتفاق الحفاظ.

رمضان هذا الشهر العظيم، الشهر التاسع من شهور العام سبب تسميته على ما قيل أن العرب لما أرادوا النقل، نقل الأسماء القديمة إلى لغتهم وافق مجيء هذا الشهر في حر شديد، والرمضاء فيه محرقة، فسموه رمضان، ومنهم من قال: إنما قيل له رمضان؛ لأنه يمرض الذنوب ويحرقها، وعلى كل حال هذا اسمه الشرعي الذي جاءت به النصوص، وعرف عند العرب أيضاً بهذا الاسم قبل الإسلام.

((لا تقدموا))، يعني لا تتقدموا عليه بصيام يوم أو يومين ((إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه))، ((لا تقدموا)) نهي والأصل في النهي التحريم، فإذا لم يبق على رمضان إلا يوم أو يومين لا يجوز أن يصوم المسلم إما مطلقاً أو احتياطاً لرمضان كما قال بعض أهل العلم، إلا من استثني، ((إلا رجل)) في بعض الروايات: ((إلا رجلاً))، ويجوز الوجهان في مثل هذه الحالة في الصورة، ((إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه))، شخص يصوم يوم ويفطر يوم، وافق الذي يصومه آخر يوم من شعبان أو يصوم الاثنين والخميس ووافق آخر يوم من رمضان خميس أو اثنين هذا يصوم ولا إشكال على أنه سيأتي مزيد بحث في هذه المسألة عند حديث: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) على ما سيأتي وما قيل فيه من كلام، فجمهور العلماء حملوا النهي على الكراهة، ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين))، أما إن كان من باب الزيادة في رمضان على القدر المشروع يصوم قبل رمضان بيوم احتياطاً لرمضان من غير الرؤية فالتحريم متجه، وهو الأصل في النهي، ولذا جاء الحديث الذي يليه، حديث عمار بن ياسر -رضي الله تعالى عنهما- قال: ((من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)) ذكره البخاري تعليقاً مجزوماً به. من طريق صلة بن زفر عن عمار وجزم به، فهو صحيح إلى صلة، وصلة ثقة، وعمار صحابي فالخبر صحيح، وهو موصول عند الخمسة كما يقول الحافظ، لكن لا يوجد في المسند، إنما هو في السنن الأربع، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.

((من صام اليوم الذي يشك فيه)) اليوم أبلغ أن يقال اليوم الذي يشك فيه، أو من صام يوم الشك، الذي يشك فيه، من صام الشك، يعني يوجد الشك من جميع الناس، أما الذي يشك فيه ولو وقع الشك من بعض الناس، من بعض الناس، ولو وقع الشك فيه من بعض الناس من صامه فقد عصى أبا القاسم -عليه الصلاة والسلام-، ولو بأدنى شك، ونظير هذا الحديث ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))، وفي الرواية الأخرى: ((من حديث عني بحديث يرى أنه كاذب..)) وهذا أشد، لأنه لا يمتنع من التحديث إلا إذا رأى هو على الرواية الأولى وعلى الرواية الثانية يمتنع إذا كان إذا رأى أحد من الناس أو من أهل العلم أنه كاذب، عليه أن يمتنع لأنه يرى أنه كذب، فليمتنع من روايته، ولو لم يره أنه كذب.

الذي يشك فيه وهو آخر يوم من شعبان، وحمله بعضهم على أنه يوم الثلاثين من شعبان مع الصحو، يعني تراءى الناس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان دون غيم ولا قتر، ولم يروا الهلال، منهم من يرى أن هذا هو يوم الشك، ومنهم من يرى أن يوم الشك هو في يوم الثلاثين من شعبان، مع ما يوجد مما يحول دون رؤية الهلال من غيم أو قتر، يوم الشك الآن يوم الثلاثين من شعبان هو المحك، هو يوم الشك لكن هل يكون هناك شك مع دون وجود لما يحول من رؤية الهلال؟ منهم من قال هذا يوم الشك، احتمال أن يكون من رمضان والناس ما رأوه ولو لم يكن هناك حائل، ومنهم من يقول أن يوم الشك هو الذي يكون فيه ما يحول دون رؤية الهلال، أما إذا كانت السماء صحوة وتراءى الناس الهلال ولم يروه فلا شك هو من شعبان قطعاً، لكنه يدخل في الحديث السابق، يدخل في الحديث السابق، يكون تقدم رمضان بيوم، فهو منهي عن صيامه على الوجهين، لكن على الوجه الثاني أن يوم الشك هو يوم الثلاثين إذا حال دون رؤية الهلال بغيم أو قتر وهو المرجح من يصومه قد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، وعلى القول الأول من يصومه دخل في الحديث الأول، لكن على القول الأول، وهو أنه يوم الثلاثين مع الصحو، يأتي رأي من يقول أن مثل هذا اليوم يوم الثلاثين إذا حال دون رؤية الهلال بغيم أو قتر أنه يصام كقول ابن عمر، وهو المعروف في مذهب الحنابلة، فإن حال دون رؤيته بغيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه، بناء على أن الشك فيما إذا كان صحواً، فيدخل في هذا الحديث أما إذا كان هناك ما يحول دون رؤيته فهذا ليس بشك على هذا القول، والجمهور على أن هذا هو يوم الشك، أما إذا لم يحول دون رؤيته غيم ولا قتر ولا غبار فلا شك من شعبان قطعاً، وسيأتي بحث هذه المسألة في الحديث الذي يليه.

((فقد عصى أبا القاسم)) هذا كلام عمار بن ياسر وهو وإن كان موقوف عليه لفظاً إلا أنه مرفوع حكماً، ولذا يقول ابن عبد البر: أن هذا مسند عندهم لا يختلفون فيه، يعني هذا مرفوع لا إشكال فيه؛ لأن تقرير المعصية لا يأتي بها الصحابي من تلقاء نفسه لا بد من توقيف.

((فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-)) وأبو القاسم هي كنيته -عليه الصلاة والسلام- ولد له القاسم من خديجة قبل البعثة ومات، فهو يكنى به -عليه الصلاة والسلام-، ثم ولد له بعد ذلك إبراهيم.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له)).

ولمسلم: ((فإن أغمي عليكم فاقدوا له ثلاثين)).

وللبخاري: ((فأكملوا العدة ثلاثين)).

وله في حديث أبي هريرة: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:...

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: يقول ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا رأيتموه..)) والضمير يعود إلى الهلال، ولو لم يسبق له ذكر، للعلم به، حذف للعلم به، ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) فعلق النبي -عليه الصلاة والسلام- الأمر بالصيام على الرؤية، وكذلك الأمر بالفطر علق على الرؤية، ((إذا رأيتموه)) هذا خطاب للأمة، ((فصوموا)) أيضاً هو خطاب لها، والأصل أن يتجه الخطاب ((رأيتموه)) على كل من تتأتى منه الرؤية فهو خطاب للجميع، هذا الأصل، لكنه خطاب لمن يثبت الحكم برؤيته بالاتفاق، أن الخطاب لا يتجه إلى جميع الأمة إذا رأيتموه فصوموا لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي في القاعدة القسمة أفراد ((إذا رأيتموه فصوموا)) مقابلة جمع بجمع، يعني الأصل أن كل من رأى يصوم، ومفهوم ذلك أن من لم ير فإنه لا يصوم هذا مقتضى القاعدة مقابلة الجمع بالجمع، لكن هذا غير مراد بالاتفاق، فالخطاب للمجموع لا للجميع، ((إذا رأيتموه)) يعني رآه فيكم من تثبت الرؤية فيه، أو من يثبت الحكم برؤيته فصوموا، وإذا رأيتموه كذلك فأفطروا ((فإن غم عليكم فاقدوا له)) ليلة الثلاثين من شعبان، والسماء صحو تراءى الناس الهلال فلم يروه آخر يوم من شعبان قطعاً؛ لأننا عندنا مقدمات شرعية إذا لم تثبت هذه المقدمات لم تثبت نتائجها، يعني علق الصيام بالرؤية، ما وجدت الرؤية لا توجد النتيجة التي هي الصيام، ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا))، طيب ما رأيناه، ليلة واحد وثلاثين ترى ما رأيناه بعد أيش الحل؟ السماء صحو ما رأيناه؟ نستمر حتى نراه؟ لا زيادة على الثلاثين، إذا تراءى الناس الهلال ليلة الثلاثين كانت صحواً فلم يروه كانت من شعبان قطعاً إن رأوه فهو من رمضان، إن حال دون رؤيته ما يمنع من الرؤية من غيم أو غبار أو قتر أو دخان أو ما أشبه ذلك ((فإن غم عليكم فاقدروا له))، يفسر هذه الرواية، لأن القدر هنا يحتمل معاني، يحتمل اقدروا عليه، ضيقوا عليه، {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [(7) سورة الطلاق]  يعني ضيق عليه رزقه، ضيقوا عليه، طيب، ضيقوا عليه، ضيق على شعبان ولا على رمضان؟ حتى على معنى ضيقوا عليه.

طالب:.......

نعم.

طالب:........

تضيق على شعبان معناه تجعله تسعة وعشرين. هذا قصدك.

طالب:.........

وين أقرب شيء.

طالب:........

فيه شيء في رمضان ولا في شعبان ما فيه شيء.

((فإن غم عليكم))، الليلة محتملة على حد سواء أنها من شعبان أو من رمضان؛ لأن فيه حاجز، ((فاقدروا له ثلاثين))، هذه الرواية تفسر الرواية السابقة ولا تجعل هناك مجال للاجتهاد؛ لأن السنة يفسر بعضها بعضاً، إذا جاء اللفظ مجمل في السنة بين بالسنة، ((فاقدروا له))، ((فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين))، فعلى هذا إذا لم ير الهلال أكملنا شعبان ثلاثين يوماً.

لمسلم: ((فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين))، غم أو أغمي ومنه الإغماء الذي يغطي العقل والتغمية هنا والإغماء ما يحول دون الهلال ويغطي الأبصار فلا تستطيع رؤيته، فاقدروا له ثلاثين.

وللبخاري ما هو أصرح من ذلك: ((فأكملوا العدة ثلاثين))، أكملوا العدة ثلاثين، فاقدروا له، ابن عمر يرى أنه يضيق عليه، يضيق عليه، كيف يضيق عليه؟ يجعل شعبان تسعة وعشرين، ولذا كان ابن عمر يتراءى الهلال فإن لم يره لما يحول دونه أصبح صائماً، وهو عمدة المذهب؛ لأن ابن عمر هو راوي الحديث، عمدة المذهب عند الحنابلة في وجوب صوم يوم الثلاثين إذا حال دون الرؤية الغيم وما في حكمه.

قالوا ابن عمر يصبح صائم، وهو راوي الحديث والراوي أعرف ممن رواه، ولذا جاء في عبارتهم فإن حال دونه غيم أو غبار أو قتم فظاهر المذهب يجب صومه، والجمهور على أن هذا هو يوم الشك، هذا هو يوم الشك الذي من صامه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، وعامة أهل العلم وهو القول الصحيح الذي لا مرية في رجحانه أن هذا هو يوم الشك إن لم يكن هذا هو يوم الشك فأي يوم يكون يوم الشك؟ يعني إن لم يكن يوم الشك ليلة الثلاثين من شعبان مع عدم التمكن من الرؤية لما يحول من رؤيته، هذا هو يوم الشك إن لم يكن هذا هو يوم الشك فلا شك؛ لأنه إذا لم يجد ما يحول دون رؤيته ولم ير لا شك أن هذا اليوم من شعبان.

((إذا رأيتموه فصوموا))، وله من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) ومعناه ما تقدم.

إذن دخول رمضان يثبت برؤية الهلال، إذا تمت، إذا لم تتم الرؤية فإكمال شعبان ثلاثين يوماً ولا ثالث لهما، منهم من نزع إلى أن معنى فاقدروا له بالحساب، يعني يرجع إلى أقوال الحُسَّاب، فاقدروا، التقدير بالحساب، وهذا مذكور عن أبي العباس بن سريج من الشافعي، ويروى عن مطرف بن عبد الله التابعي الجليل، ويذكر عن ابن قتيبة.

يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: أما مطرف بن عبد الله فلم يثبت عنه، وأما ابن قتيبة فليس ممن يعول عليه في هذا الباب، ويبقى أنه قول ابن سريج من الشافعية، والإجماع قائم على خلافه، وأنه لا عبرة بالحساب، وأنه ليس للأمة وسيلة لإثبات دخول الشهر إلا رؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً، ولا ثالث لهما، هذه المسائل الشرعية ولم نؤمر ولم نكلف بأكثر مما آتانا الله -جل وعلا- {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق]؛ فالأمة أمية لا تكتب ولا تحسب، الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين، وعلق الأمر بالصيام على الرؤية لا غير، أو بالإكمال، أما أن نتمحل ونتكلف أمور لم يكلفنا بها الشرع فلا حاجة لنا بذلك، الشرع كامل ولله الحمد والدين كمل قبيل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلسنا بحاجة إلى وسائل ولا حساب والأمة أمية.

قد يقول قائل: كانت الأمة أمية لا تحسب ولا تكتب، لكن الآن صارت تحسب وتكتب وانتفت العلة، فنرجع إلى الحساب؟

نقول: لا أبداً، هذا وصف الأمة وإن وجد فيها من يكتب ويحسب.

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ} [(2) سورة الجمعة]، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمي، وإن قرأت وإن كتبت فالأمة أمية بالخبر النبوي الصادق.

قد يقول قائل: لماذا لا نستعمل ما يعييننا على الرؤية من مراصد ودرابيل ومكبرات؟

نقول: لا يمنع من استعمالها، لكنها ليست بلازمة، لو أن الأمة ما وضعت هذه المكبرات، ولا هذه المراصد ولا هذه الدرابيل ما أزمت فوسائلها شرعية ونتائجها شرعية، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها.

قد يقول قائل: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ما نستطيع الرؤية إلا بالمراصد والدرابيل؟

نقول: لا أبداً، الرؤية ممكنة في كل وقت وفي كل مكان، في كل زمان وكل مكان، من غير استعمال لهذه المراصد، لكن إن استعملت ودورها التوضيح فقط، يعني ليس دورها أن توجد شيئاً لم يوجد، لا، دورها مجرد توضيح الموجود فلا مانع من استعماله كما تستعمل النظارة، تكبر لك الحروف، أو تستعمل مكبرات الصوت وغيرها أما أن تكون على سبيل الإلزام فلا، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، ووسائل الشرع مبنية على ما يطيقه كل مسلم، ما يستطيعه كل مسلم؛ لأن المسألة مفترضة مع عدم وجود هذه الأمور، أنتم لا تضنون هذه الأمور ثابتة ومستقرة وموجودة مثل وجود الهواء والشمس لا، لا، هذه في يوم من الأيام تتعطل، نترك الصيام لأنها تعطلت؟ لا.

الرؤية بالعين المجردة، هذا الأصل، لكن إن استعمل ما يعين على التوضيح المرئي لا بأس من غير إلزام.

فشيخ الإسلام وغيره نقلوا الإجماع على أنه لا يعول على الحساب، على حساب المنجمين أبداً، وإنما المعول عليه ما جاءنا في النصوص الصحيحة من الوسائل الشرعية المعتبرة التي تترتب عليها نتائجها وإذا فعلنا ما أمرنا به تراءينا الهلال، رأيناه بها ونعمت، ما رأيناه لا نكلف أكثر من هذا، افترض أن الناس رأوا الهلال ليلة الثلاثين ما رأوه، ثم لما صار ليلة تسعة وعشرين من رمضان رؤي الهلال، نقول: ضلت الأمة أو أثمت الأمة؟

نقول: لا ضلت ولا أثمت بل فعلت ما أمرت به ولم يروه، يعني مثل ما يحكم القاضي بالمقدمات الشرعية البينات افترض أن هذه المقدمات الشرعية فيها خلل فخرجت النتيجة ليست صحيحة عند القاضي، يأثم القاضي، القاضي ليس له أكثر من أن ينظر في الوسائل ثم يكتب عليها النتائج، إن كانت الوسائل سليمة خرجت النتائج سليمة وليس له أكثر من هذا، وليس عليه أكثر من هذا، كما أننا مطالبون أن الوسائل الشرعية ذات الأهلة خرجت النتائج صحيحة أو غير صحيحة لسنا مطالبين بأكثر من هذا.

طالب:...........

لا بد من الرؤية وإكمال الشهر ما فيه غير هذا.

طالب: أو إكمال شعبان.

أو إكمال شعبان ما فيه غير هذا.

سؤال: يقول: هل يوجد للدروس الماضية في نفس الكتاب شرح مكتوب؟

إيش قلنا للأخوة، ما أدري والله.

فيما يتعلق بالحديث من المسائل، مسألة المطالع وهل هي متفقة أو مختلفة متحدة أو مفترقة؟

الجمهور على ما يدل عليه حديث الباب وأن الأمر متجه لمجموع الأمة، فإذا رأى من يثبت الحكم برؤيته من مجموع الأمة، الهلال فإنه يلزم جميع الناس الصيام، وهذا قول الأكثر، فإذا رؤي الهلال في المشرق لزم أهل المغرب الصيام، أو العكس في أقصى الشمال يلزم من في أقصى الجنوب بناء على اتحاد المطالع والحديث محتمل.

والقول الثاني: هو القول بأن المطالع مختلفة وكل أهل إقليم لهم مطلع يخصهم، ويستدل لهذا القول بحديث ابن عباس في صحيح مسلم وهو بأن كريباً جاء من الشام وقد صام يوم الجمعة، لأن الهلال رؤي في الشام ليلة الجمعة فصام معاوية وصام معه الناس وصام كريب معهم، فلما جاء إلى المدينة بعد وأكمل الثلاثين قال لابن عباس: إن معاوية والناس صاموا يوم الجمعة فقال ابن عباس: لكننا لم نره إلا ليلة السبت، فإما أن نرى الهلال أو نكمل العدة ثلاثين، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. هذا عمدة من يقول باختلاف المطالع، وحديث الباب محتمل، وحديث ابن عباس كالنص على اختلاف المطالع؛ لأنه رأى أن رؤية معاوية في الشام لا تلزم أهل المدينة بالصيام، لا تلزمهم بالصيام، لاختلاف المطالع، ويتأكد ذلك بقوله هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن الذي يرد على هذا هل أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بنص خاص يدل على اختلاف المطالع؟، أو أمرهم -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) التي يستدل بها الجمهور؟، فيكون هذا من اجتهاد ابن عباس مستند إلى النص العام الذي يستدل به الجمهور؟ ما بين، قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن ظاهر استدلاله على كريب، وهو أنهم ليسوا بملزمين برؤية معاوية والناس أن هناك نص خاص لكنه لم يبين هذا النص والاحتمال قائم أنه استند إلى حديث: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) احتمال.

طالب:............

طيب، بهذا، بهذا الذي ذكرت.

طالب:............

أي حديث: ((صوموا لرؤيته)) لا، هي المسألة..، لو قلنا استدل بالحديث الأصلي قلنا هذا فهم لابن عباس للنص، معارض بقول غيره من جماهير الأمة فلا عبرة باختلاف المطالع. واضح ولا مو بواضح.

القول باختلاف المطالع مع وجود الحدود السياسية القائمة الآن لا شك أن يورث إشكال كبير، على كل حال الحدود هذه السياسية واختلاف السياسيات واختلاف أيضاً وسائل الإثبات بين هذه الدول، إثبات الدخول والخروج أيضاً، توجد إشكالات؛ فالبلد اللي في آخر أو في آخر دولة هل يصوم بالدولة التي هي أقرب له من عاصمة الدولة التي يتبعها؛ فمثلاً تبوك أو الجهات الشمالية هل الأقرب في المطلع -على القول باختلاف المطالع-، هل الأقرب لهم الشام أو الرياض؟

الأقرب الشام، بلا شك، يصومون تبع الشام، أو تبع الرياض والحجار؟ وقل مثل هذا في نجران، يصومون تبع اليمن ولا تبع الرياض؟

على كل حال هذه الحدود لا شك أن أوجدت بعض الإشكالات لأنها خلاف الأصل، أوجدت بعض الإشكالات، لكن يبقى أننا لو قلنا باتحاد المطالع ورؤي الهلال في المغرب مثلاً، وقلنا يلزم الأمة كلها الصوم وسائل الإثبات وتفاوت الناس في الثقة، من بلد إلى بلد، ومن عرف إلى عرف؛ لأن الثقة مبناها على التقوى والمروءة، قد تكون التقوى منضبطة إلى حد ما، لكن المروءات متفاوتة؛ فالمسألة لا شك أن فيها شيء من الإرباك وعلى كل حال الذي يراه الشيخ ابن باز أنه لا إشكال في أن يقال باتحاد المطالع أو باختلافها لا فرق، وهذه لم تحدث مشكلة على مر العصور بالنسبة للأمة، مع أنه وجد في بعض العصور من يفتي بالاتحاد، ووجد في بعض العصور من يفتي باختلاف المطالع لكن لما كانت الأمة تحت قيادة شخص واحد يستطيع أن يلزم الأمة في شرقها وغربها، لكن الآن هل لوالٍ من ولاة المسلمين على دولة أن يلزم الناس في دولة أخرى؟ لا. يعني كل أهل دولة يجتهدون وعلماؤهم ممن تبرأ الذمة بتقليده يجتهدون ولا يوجد -إن شاء الله- أدنى مشكلة في هذا.

إذن الإشكال يحصل غالباً في الأقليات الذين لا يحكمهم، لا ينضوون تحت حكم ينتسب إلى الإسلام، هذا الذي يحصل لهم إشكالات وأسئلتهم كثيرة ومشاكلهم طويلة، الآن يحصل كثيراً مثلاً من أهل التحري، من أهل مصر أو الشام أو المغرب إذا صمنا نصوم تبعكم وجماعتنا ما صاموا، ولا ننتظر، وإذا أفطرنا يقولون: نفطر معكم ولا ننتظر، جماعتنا أفطروا ننتظر، يحصل شيء من التحري في بعض الأسئلة لكن عندما يصوم الناس صم أنت تبع بلدك صم مع أهل بلدك، وعلى ولاة الأمر في جميع بلدان المسلمين أن يتحروا ما يصحح عبادات شعوبهم، عليهم هذا، من أوجب الواجبات عليهم حفظ العبادات.

وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((تَرَاءَى اَلنَّاسُ اَلْهِلَالَ, فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اَللَّهِ أَنِّي رَأَيْتُهُ, فَصَامَ, وَأَمَرَ اَلنَّاسَ بِصِيَامِهِ))  [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ].

وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى اَلنَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: ((إِنِّي رَأَيْتُ اَلْهِلَالَ, فَقَالَ: ((أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ?)) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ((أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اَللَّهِ?)) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ((فَأَذِّنْ فِي اَلنَّاسِ يَا بِلَالُ أَنْ يَصُومُوا غَدًا))  [رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ إِرْسَالَهُ].

يقول المؤلف -رحمه الله- وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: (( تراءى الناس)) يعني تكلفوا رؤية الهلال وقصدوا رؤيته، والصيغة تدل على أن فيها أكثر من طرف، وفيها معالجة ومحاولة فالترائي لا يكون إلا لما في رؤيته مشقة، ((تراءى الناس الهلال)) وترائي الهلال أمر مطلوب؛ فعلى من عرف نفسه بقوة البصر وحدته أن يسعى لهذا، وعلى ولي الأمر أن يكلف من يقوم بذلك وتسمعون قبل رمضان بشهر أحياناً أو بشهرين الطلب من الجهات المسؤولة عن هذا الأمر وحث المسلمين على ذلك، وهذا أمر يحمدون عليه.

((تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته، فصام، -عليه الصلاة والسلام- وأمر الناس بصيامه)) أثبت دخول الشهر برؤية ابن عمر والحديث صحيح مخرج في سنن أبي داود وابن حبان والحاكم وغيرهم، وهو صحيح.

((تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه)) ويشهد له حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن أعرابياً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إني رأيت الهلال قال: ((أتشهد أن لا إله إلا الله؟)) قال: نعم، قال: ((أتشهد أن محمداً رسول الله؟)) قال: نعم، قال: ((فأذن في الناس يا بلال)).

أثبتوا رؤية الهلال بشهادة الأعرابي، واكتفى منه بإسلامه، اكتفى منه بإسلامه، ويستدل به من لا يشترط في العدالة على قدر زائد على مجرد الإسلام لكن هذا صحابي، والصحابة كلهم عدول ثقات، يختلف الأمر بالنسبة لهم عمن جاء بعدهم؛ فالصحابة كلهم عدول، شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول ورأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً بذلك معتقداً له صح، فتشمله النصوص التي جاءت بمدح الصحابة.

هذا شاهد، مع أن الحديث فيه ضعف، لكنه يقبل في مثل هذا؛ لأنه ليس بأصل يعتمد عليه، وإنما هو شاهد لحديث ابن عمر، فعلى هذا ثبوت هلال رمضان يثبت بواحد بدلالة حديث ابن عمر وما يشابهه، وهل هذا الإخبار من قبيل الرواية أو هو ملحق بالشهادة؟ يعني الأشهر التي الملحظ فيها دنيوي هي بالأمور الدنيوية ألصق، وأمور الدنيا إنما يطلب لها أكثر من شاهد، وأمور الدين بما في ذلك رواية الحديث يكفي فيها واحد فتكون من قبيل الأخبار، ابن عمر أخبر ما شهد، أخبر وهو عالم ثقة يقبل خبره؛ لأن هذا من أمور الدين، فإذا ثبت الحكم برواية واحد فليثبت تنفيذه برواية واحد، يعني نظير ما يقال في التعديل والتجريح، يكفي تعديل واحد للراوي أو لا بد من تعديل اثنين، ومن زكاه عدلان فعدل مؤتمن وصحح اكتفاؤهم بالواحد جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهد؛ لأن هذه أمور ديانات تعبدية، تختلف عن أمور الدنيا التي يدخلها ما يدخلها من المؤثرات، نعم وجد من بعض الجهال من يشهد بدخول الشهر وهو يكذب، هذا جهل وحجته في ذلك أنه فاعل خير؛ لأنه خلاَّ الناس يصومون زيادة يوم ويش يضر، هذا فعل خير، وهي نفس الحجة التي يستدل بها من يضع الخبر على النبي -عليه الصلاة والسلام-، من يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: أنه يكذب له ولا يكذب عليه، هذا يؤثر على ما عندنا؟ هذا لا يؤثر؛ لأن هذا مستبعد، مجروح هذا كذاب، المسألة مفترضة فيمن يخبر وهو ثقة، فرمضان الملحوظ فيه التعبد، فهو ملحق بالأخبار والروايات يكفي فيه واحد، بدلالة حديث ابن عمر، يعني بالنسبة لدخول شهر رمضان، هذا يتأثم المسلم أن يثبت دخول شهر عبادة وهو ليس بصادق، يعني إذا اتهم في خروج رمضان ليرتاح من الصيام فإنه لن يتهم في إدخاله والمسألة مفترضة في ثقة، لن يتهم في إدخاله، فيثبت بخبر الواحد كما يثبت الخبر بنقله المضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فالناس يتعاظمون الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فاكتفي بواحد، يتعاظمون أن يدخلوا شهر العبادة من غير مبرر، أو من غير رؤية، كما هنا، لكن بالإمكان أن يشهد شخص أنه رأى هلال ربيع مثلاً، شهر ربيع الأول، لماذا؟ لأن له دين يحل على هذا الشخص بدخول شهر ربيع، أو لأن امرأة يترقب خروجها من العدة ليتزوجها، يمكن يشهد هذه أمور دنيا، ولذلك يشدد في أمرها؛ لأن فيها مجال للتلاعب، فيطلب لها أكثر من شاهد، ولما كان شهر الصيام شهر العبادة يتعاظم الناس الشهادة للرؤية من غير رؤية حقيقية اكتفي بالواحد، وأيضاً هو احتياط للعبادة، لو أهدرنا شهادة الواحد يمكن يضيع علينا يوم من رمضان، فمن باب الاحتياط للعبادة قلنا يدخل الشهر بواحد ولا يخرج إلا باثنين كغيره من الشهور؛ فالحديث دليل على العمل بخبر الواحد، والنصوص القطعية متضافرة على وجوب العمل بخبر الواحد؛ لأننا ألحقناه بالأخبار هنا، لا بالشهادات، بقية الأشهر شهادات؛ لأنه يترتب عليها أمور دنيوية لا تثبت إلا باثنين، فكذلك وسائلها لا تثبت إلا باثنين، فهذا خبر يخبر بدخول الشهر فيكفي واحد.

جاء في حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وفيه: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، إلا أن يشهد شاهدان)) مفهومه أن الواحد لا يكفي، لكن حديث ابن عمر من حيث الصناعة أقوى منه، مع ما يشهد من حديث الأعرابي، هذا من جهة، الأمر الثاني: أن دلالة الحديث إلا أن يشهد شاهدان بمفهومه، مفهومه أنه لا يكفي الواحد، وهو معارض بمنطوق حديث ابن عمر، ولا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- ((أن أعرابياً)) منسوب إلى الأعراب، نسبة إلى الجمع على خلاف الأصل لكنه جرى مجرى العَلَم فصحت النسبة إليه، ((جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم)) فعلى هذا هو مسلم ثبت إسلامه، ورأى النبي -عليه الصلاة والسلام- فثبتت صحبته فهو صحابي تشمله عموم النصوص التي تزكي الصحابة، فلا يقال أنه شخص مجهول لم يعرف منه إلا أنه نطق بالشهادة، جهالة الصحابي لا تضر، ((قال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً))، وقلنا أن هذا الحديث لا يسلم من ضعف إلا أنه يشهد له حديث ابن عمر، ويقبل مثله في باب الاستشهاد وإن لم يعتمد عليه بمفرده.

وَعَنْ حَفْصَةَ أُمِّ اَلْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا-, عَنِ اَلنَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ اَلصِّيَامَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ)) [رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَمَالَ النَّسَائِيُّ وَاَلتِّرْمِذِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ وَقْفِهِ, وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ].

وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ: ((لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنَ اَللَّيْلِ)).

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((دَخَلَ عَلَيَّ اَلنَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ. فَقَالَ: ((هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ?)) قُلْنَا: لَا. قَالَ: ((فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ)) ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ, فَقُلْنَا: أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ, فَقَالَ: ((أَرِينِيهِ, فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ))  [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن حفصة أم المؤمنين -رضي الله تعالى- عنها وعن أبيها عمر ابن الخطاب، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) هذا الحديث مما اختلف في رفعه ووقفه، وهو ثابت من قول ابن عمر موقوفاً عليه، وهو أيضاً ثابت من حديث حفصة وأم سلمة، بالرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وبالوقف عليه، اختلف في رفعه ووقفه، وعلى التنـزل بأنه موقوف، له حكم الرفع؛ لأن مثل هذه نفي الصحة عن العبادة، ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) لا بد له من توقيف لا يدخله الاجتهاد، علماً بأنه يشمله الحديث المتفق عليه، حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) ومن شرط النية أن تتقدم العبادة؛ لأن الشرط قول المشروط، من شرطها أن تتقدم على العبادة، فالذي لا يبيت الصيام قبل طلوع الفجر والتبييت يكون بالليل، والليل ينتهي بطلوع الفجر، ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) فالنية السابقة للعبادة شرط لها، بدلالة حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- العام، والأحاديث الخاصة في الصيام، ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) الصيام (ال) هذه احتمال أن تكون جنسية، فجنس الصيام جميع الصيام كل الصيام لا يصح إلا إذا نوي قبل طلوع الفجر من الليل، ويحتمل أن تكون عهدية، فالصيام المعهود وهو صيام رمضان ولا مانع من أن تكون اللام هذه أو أل هذه جنسية فيكون جنس الصيام يشترط له تقدم النية قبل طلوع الفجر، لكن عموم هذا الجنس مخصوص بالحديث الذي يليه بالنفل، فمن لم يبيت الصيام إما أن نقول أن (أل) عهدية، والمراد بالصيام الصيام المشترط صيام رمضان وما في حكمه، أو نقول أنها جنسية، الجنسية فيدخل فيها جميع أنواع الصيام سواء كانت لرمضان أو قضاء رمضان، أو نذر أو نفل مقيد أو مطلق، ((لا صيام لمن لم يبيت)) ويكون هذا العموم مخصوص بالحديث الذي يليه.

وعن عائشة -رضي الله تعالى- عنها قالت: ((دخل علي النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: فإني إذن صائم)) دخل علينا ذات يوم، يعني في النهار، قال: هل عندكم شيء، قلنا: لا، مفهومه أنهم لو قالوا نعم أكل، قلنا: لا، قال: فإني إذن صائم، ((ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: أهدي لنا حيس))، منطوقه أنه أكل، فقال: ((أرينيه فقد أصبحت صائماً فأكل))، لكن مفهومه أنه لو لم يأكل لو لم يجد عندهم شيئاً صام، فمفهوم الجملة الأولى مؤيد لمنطوق الجملة الثانية، ومفهوم الجملة الثانية مؤيد لمنطوق الجملة الأولى، فدلت الجملتان بالمنطوق والمفهوم أن صيام النفل يصح من أثناء النهار، وبهذا يخرج من عموم حديث حفصة السابق، الذي فيه أن الصيام لا يصح إلا أن يبيت من الليل، فيحمل حديث حفصة على الصيام الواجب، ويحمل حديث عائشة على النفل؛ لأنه يتوسع في النفل ما لا يتوسع في غيره، فإذا أمكن أن يحمل كل من الحديثين على وجه فيتم العمل بهما معاً أم أولى من القول بالترجيح أو النسخ والجمع ممكن، لحمل حديث حفصة على الواجب وحمل حديث عائشة على النفل.

يقول: ((لا صيام لمن لم يفرضه من الليل)) وهو بمعنى ما تقدم يبيت النية، فالنية شرط لصحة كل عبادة، لكن لا شك أن الاحتياط للواجبات يكون أكثر من الاحتياط للمندوبات، فقد جاء في النوافل من التساهل ما لم يأت نظيره في الفرائض ((ثم أتانا يوماً آخر فقال: أهدي لنا حيس)) الحيس هو التمر مع السمن والأقط، فقال: ((أرينيه))، ليتأكد من وجوده، لئلا يعزم على الفطر قبل أن يوجد المبرر أو ليرى هل إعداده مناسب مما تشتهيه النفس؛ لأن بعض الناس ينوي الفطر ثم بعد ذلك يكون الطعام الذي يريد أن يأكله غير مناسب له؛ لأن الفقهاء ينصون على أن من نوى الإفطار أفطر، شخص مسافر وهو صائم يوم من رمضان، صائم يوم من رمضان، وهو مسافر يجوز له الفطر، دخل مطعم يريد أن يأكل، فرأى الطعام الذي عندهم غير مناسب يفطر أو ما يفطر؟ هنا قال: ((أرينيه)) قبل أن يعقد العزم على الإفطار.

طالب:.........

هو ناوي أن يفطر، لكن هل نقول أن النية هذه تتفاوت هناك مجرد خاطر، مثل ما قال هنا، ((فقلنا: اهدي لنا حيس)) هو ما كان عنده نية يفطر هنا في الجملة الثانية ((أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه)) يعني يستحق أن يخرم الصيام من أجله، فقال: ((...أصبحت صائماً فأكل))، يعني الشخص الذي هو سائر في سفره وميل على المطعم وجد طعام ما يناسبه..

طالب:..........

طيب افترض أنه بيت نفسه أنه إن وجدت طعاماً مناسباً أفطرت وإلا فلا.

طالب:.........

هاه.

طالب:........

ناوٍ بالتردد، افترض أنه يقول أن المطعم احتمال ما يصير فيه أكل أصلاً، يقول انتهى.

أو نقول أن الفرد يحتاط له فلا يدخله مثل هذا التردد بخلاف النفل؛ لأن الفقهاء ينصون على من نوى الإفطار أفطر، يعني هل الصيام يختلف عن غيره في هذا الحكم؟ شخص متوضأ فأحس أنه في بطنه شيء يريد أن يخرج فعرض نفسه على محل قضاء الحاجة ما خرج شيء، هل انتقض وضوءه أو ما انتقض؟

طالب:.........

كيف.

طالب:....

ما خرج شيء، هذا أراد أحس بجوع أراد أن يأكل ما أكل شيء، يختلف ولا ما يختلف؟

طالب:........

نعم.

طالب:.......

كيف؟

طالب:........

نص أيش، والنية ما هي بشرط للوضوء؟

طالب:.........

طيب النية ما هو بشرط للوضوء؟ شرط للوضوء.

طالب: هي شرط للوضوء لكن......

أيش من شرط في الحدث؟

طالب:........

النية تختلف، يعني قطع النية؛ لأن العلماء يشترطون استمرار الحكم دون استمرار الذكر، استمرار الحكم لئلا ينوي قطع العبادة، ولذا لو تردد لو قال أثناء الوضوء غسل وجهه وذراعيه ثم قال: والله أنا أحس بشيء يبي يخرج وعرض نفسه على الدورة ثم وجد شيء؟ يكمل الوضوء ولا يستأنف؟ يلزمه الاستئناف؛ لأن مثل هذا التردد في أثناء الصيام، أما قطع النية بعد الفراغ من العبادة لا أثر له البتة، صام صيام كامل، ثم لما أفطر الناس قال أنا صيامي ذا ما هو بشيء؟ نقول: لا صيامك شيء، تردد قال يمكن أصوم يوم بدله يمكن ما هو مجزئ أو ما هو بشيء، نقول: لا أثر لهذا التردد.

وبعضهم يلتمس شيء لهذا التفريق مما لا يظهر وجهه يقول أن الصيام يدخل فيه بالنية فيخرج منه بالنية بخلاف العبادات الفعلية، ما يخرج منها إلا بفعل لا يكفي النية.

على كل حال المسألة تحتاج إلى مزيد تمثيل وتوضيح..

طالب:........

من أكل فليتم، أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل.

طالب:........

معروف، ما كان واجباً، لكن هل يقضى؟ افترض أنه واجب هل يقضى؟ هل له بدل؟ إذا أبطل صيام واجب له بدل لكن عاشوراء مراد معلق بيوم معين، يفوت بفواته فما فيه إلا هذا على أن لزوم الصوم على ما سيأتي تقريره، هل يلزم من بلوغه بحيث ما عرف الناس أن الهلال رؤي إلا في أثناء النهار ثم أمسكوا بقية اليوم، يكفي ولا ما يكفي أم لا بد من القضاء؟ المسألة خلافية..

صبي ما كلف إلا في أثناء النهار، يكفيه هذا الصيام ولا ما يكفيه؟ مجنون أفاق في أثناء النهار؟ مثل صيام من هذا النوع الذي لا بدل له، وهل لزوم العمل بالخبر من بلوغه، من بلوغ المكلف، يكون مثل هذا في الناسخ، هل يلزم من بلوغه المكلف؟ أو من صدوره؟ أنت تعمل بخبر منسوخ، نعم، مكلف ما بلغه الناسخ زال، يعمل بالخبر المنسوخ، ثم بلغه الناسخ، نقول: تقضي ما فاتك صلواتك باطلة، أو حجك أو صيامك باطل اقض ما فاتك؟ أو نقول إنما يلزم العمل من بلوغه، وهنا بلغ في أثناء النهار، من أكل فليتم الصوم، ومن لم يأكل فلا يأكل، خلاص صيام اليوم واجب، هذه مسألة ثانية هذه.

طالب:.......

يعني فاتك صيام عرفه تقضيه؟

طالب:.......

شيء معلق بوقت معين، هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه، تصوم هذا اليوم، ولم يثبت أنه قضي.

طالب:........

حتى لو كان موجود ومعلق بوصف ارتفع الوصف.

 

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد.