كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 31

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

باب: سجود التلاوة والشكر

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار)) رواه مسلم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (ص) ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها. رواه البخاري.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر: {الم * تَنزِيلُ} [(1-2) سورة السجدة] السجدة، و{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] متفق عليه، ولفظه للبخاري.

وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قرأت على النبي -صلى الله عليه وسلم-: {وَالنَّجْمِ} [(1) سورة النجم] فلم يسجد فيها. متفق عليه، ولفظه للبخاري أيضاً.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ{النَّجْمِ} [(1) سورة النجم] وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، رواه البخاري وقال: كان ابن عمر يسجد على غير وضوء.

وعن خالد بن معدان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين)) رواه أبو داود في المراسيل، وقال: وقد أسند هذا ولا يصح.

وعن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "سجدنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [(1) سورة الانشقاق] و{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(1) سورة العلق] رواه مسلم.

وعن علي -رضي الله عنه- قال: أنا أتعجب من حدبي لا يسجد في المفصل" رواه الحاكم بإسناد صحيح.

وعن البراء -رضي الله عنه- قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث علي بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالداً ومن معه، إلا رجل ممن كان مع خالد أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه، قال البراء: فكنت ممن عقب معه، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، وصفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا، فقرأ عليهم كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت همدان جميعاً، فكتب علي -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب خر ساجداً، ثم رفع رأسه فقال: ((السلام على همَدان، السلام على همَدان)) رواه البيهقي، وقال...

الميم ساكنة.

((السلام على همْدان، السلام على همْدان)) رواه البيهقي، وقال: أخرج البخاري صدر هذا الحديث، ولم يسقه بتمامه، وسجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه.

وعن أبي عون الثقفي عن رجل لم يسمه أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما أتاه فتح اليمامة سجد، رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في كتاب الفتوح.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: سجود التلاوة والشكر

سجود التلاوة من إضافة المسبب إلى سببه، وكذلك ما عطف عليه، فهذا السجود سببه التلاوة، وأيضاً العطف على نية تكرار العامل، فكأنه قال: باب سجود التلاوة وسجود الشكر، فالسجود الثاني سببه أيضاً الشكر.

سجود التلاوة المقصود بالتلاوة تلاوة آيات السجدة، وليس مطلق التلاوة؛ لأنك تقرأ الفاتحة ولا تسجد، تقرأ البقرة ولا تسجد، تقرأ آل عمران ولا تسجد، وتقرأ من القرآن تسعة أجزاء إلا ربعاً ثم تسجد في نهاية سورة الأعراف في الموضع الأول من مواضع سجود التلاوة، فالمراد بالتلاوة شيء خاص وهو ما فيه سجدة؛ لأن مقتضى الإضافة أن يسجد عند كل تلاوة، وهذا ليس بمراد قطعاً، وإنما السجود إنما هو إذا قرئت آية سجدة، نعم قد يقرأ ثم يركع، لكن ليس هذا هو المراد، إذا انتهى من قراءته ركع، لكن السجود هنا المضاف للتلاوة عند مرور آية فيها سجدة، وكذلك الشكر سجود الشكر عند ما تتجدد نعمة أو تندفع نقمة، يسجد المسلم شكراً لله تعالى عند تجدد النعم، وإلا فلا يزال المسلم يتقلب في نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، فلو قيل بالشكر عند أي نعمة لم يزل المسلم ساجداً لله -جل وعلا-؛ لأن نعمه لا تنقطع، ولذا قالوا في الشكر أنه لا ينقطع؛ لأن النعم لا تنقطع، وكل نعمة تحتاج إلى شكر، إذاً لا يزال المسلم شاكراً، وهذا لا إشكال فيه، وإن لزم عليه التسلسل؛ لأن هذه النعمة تحتاج إلى شكر، والشكر نعمة يحتاج إلى شكر وهكذا، ولا يمتنع التسلسل في مثل هذا، لكن لا يقال بأنه كل ما وجد الشكر يوجد السجود، لا، وإنما هو عند النعم المتجددة، وأما النعم المطردة الدائمة فلا؛ لأنه يلزم على ذلك أن يكون المسلم في حال سجود دائماً، ومعلوم أن المسلم وحياة المسلم فيها وظائف متعددة، فإذا تجدد نعمة بهذا القيد نعمة بالميزان الشرعي.

أقول: المراد بالنعم النعم بالميزان والتقدير الشرعي، وأيضاً النعم حسبما تقدره الفطر السليمة الموافقة للشرع؛ لأن بعض الناس قد يحصل له شيء وهو في تقديره نعمة، وهو في الحقيقة والواقع نقمة ليس بنعمة قد يحصل على سبب ييسر له معصية، هذا ليس بنعمة هذا نقمة، ييسر له معصية قد تتيسر له معصية فيظنها نعمة إن تيسرت له هذه الفعلة، فلا يجوز سجود الشكر حينئذٍ، لا يجوز، سمعتم ما سئل عنه كثيراً من السجود إذا تحقق هدف بالنسبة للاعب الكرة، وحصل هذا يسجدون، وأفتاهم من أفتاهم، لكن هذه ليست بنعم، إنما النعم التي تعين على طاعة الله -جل وعلا-، أو النعم التي هي من محض الطاعة، أو ما يعين على الطاعة مما هو نعمة بالفعل في الميزان الشرعي، قد يقول قائل: إن هذه اللعبة التي يفعلونها ويزاولونها قد تكون مما يعين على قوة البدن ونشاطه وإعداده لجهاد الأعداء، لكن كما قال: "لو كان خيراً لسبقونا إليه" سبقنا إليه الأخيار، خيار هذه الأمة الذين هم أحرص الناس على إعلاء كلمة الله، وليس الهدف فيما يظهر ومن خلال تصرفاتهم في هذه الرياضات التي يزاولونها الإعداد والاستعداد للجهاد، نعم قد تعين على صحة البدن وقوته ونشاطه، لكن الأمور بمقاصدها، ولا بد أن تكون أيضاً الوسائل شرعية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] ((ألا إن القوة الرمي)) على كل حال السجود في مثل هذه الحالة ليس بمشروع، بل أفتى بعض الكبار بأنه مبتدع، ولا يجوز بحال، ونشرت الفتوى في الصحف، يعني نشر هذا ونشر هذا، يعني هذا ليس بسر.

باب: سجود التلاوة

عرفنا أن المراد بالتلاوة ما فيه آية سجدة، وفي القرآن بضع عشرة سجدة، منهم من قال: هي خمس عشرة سجدة، اعتداداً بسجدتي الحج و(ص) والمفصل، إذا جمعت هذه السجدات: في الأعراف والرعد والنحل والإسراء ومريم وفي الحج سجدتان، وفي النمل، وفي الفرقان، وأيضاً

طالب:......

(ص) نعم.

لا قبلها (آلم السجدة) نعم، ثم (ص) ثم فصلت، ثم سجدات المفصل في النجم والانشقاق واقرأ، هذه خمس عشرة.

ومنهم من يرى أنها أربع عشرة، ويرى أن سجدة ص ليست من عزائم السجود على ما سيأتي، وإنما هي سجدة شكر، ومنهم من يرى أنها إحدى عشرة سجدة، فلا يعتد بسجدة (ص) ولا المفصل، ومنهم من يرى أنها أربع عشرة فيعتد بسجدة (ص) ولا يعتد بسجدة الحج الثانية، ويأتي ذكر هذه السجدات فيما بعد، هذا السجود سنة، سواءً كان سجود التلاوة أو سجود الشكر سنة عند عامة أهل العلم، وقال بوجوبه الحنفية، وشيخ الإسلام كأنه يميل إلى قول الحنفية، الحنفية يقولون: واجب وليس بفرض؛ لأن الواجب عندهم ما ثبت بدليل ظني، والفرض ما ثبت بدليل قطعي، لكن الأمر بالسجود ثبت بالقرآن، فهل يقال مثل هذا ظني؟ ولماذا لم يقل الحنفية أنه فرض لأنه ثبت بالقرآن؟ نعم النص ثبت بالقرآن من حيث الثبوت قطعي، لكن دلالته على المراد ظنية كدلالة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] على وجوب صلاة العيد الثبوت قطعي لكن الدلالة ظنية عندهم، شيخ الإسلام -رحمه الله- كأنه يميل إلى قول الحنفية وأن السجود واجب.

السجود يرى أكثر أهل العلم على أنه صلاة يلزم له ما يلزم للصلاة؛ لأنه جزء من الصلاة، فحكمه حكم الصلاة، وعلى هذا يفتتح بتكبير ويختتم بتسليم، ويشترط له جميع شروط الصلاة، ومنهم من يرى أنه ليس بصلاة، وأن أقل ما يطلق عليه الصلاة ركعة كاملة بقيامها وركوعها وسجدتيها هذه صلاة، وما دون ذلك لا يسمى صلاة، ولذا كان ابن عمر يسجد على غير طهارة، علقه البخاري عنه، وهل نقول: إذا كان ابن عمر يسجد على غير طهارة أن جميع شروط الصلاة لا تلزم يسجد إلى غير القبلة؟ يسجد عارياً؟ يسجد متلبس بنجاسة؟ يسجد..، القرآن يقرأه غير الجنب على أي حال من أحواله، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، ما لم يكن جنباً، فهل نقول: إنه يسجد على أي حال تبعاً للقراءة ما لم يكن جنباً؟

على كل حال اشتراط الطهارة وغيرها من شروط الصلاة لا يوجد ما يدل عليه إلا أن هذه السجدة جزء من الصلاة فتأخذ حكمها عند أكثر أهل العلم، والذي يقول: إنه لا يشترط يستأنس بكون ابن عمر سجد على غير طهارة، وأنه لا يوجد ما يدل على اشتراط ما يشترط للصلاة من الشروط المعروفة، ويتفرع على هذا السجود في وقت النهي، سجود التلاوة في وقت النهي، الذي يقول: صلاة فإن قال بوجوب سجود التلاوة سجد في وقت النهي؛ لأن أحاديث النهي لا تتناول الواجبات، إنما هي في النوافل على أن الحنفية الذين يقولون بوجوب سجود التلاوة يرون أن الواجبات لا تفعل في أوقات النهي، فمن طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح تصح وإلا ما تصح؟ تبطل عندهم، فعلى هذا على قياس مذهبهم أنها لا تسجد وإن كانت واجبة؛ لأن النهي يتناول الواجبات كما يتناول النوافل، الذي يقول: إنه ليس بصلاة هذا ما عنده إشكال إلا أننا ينبغي أن نتنبه لأمر دقيق جداً في هذه المسألة، وهو أن النهي عن الصلاة في أوقات النهي لأن المشركين يرقبون الشمس، فيسجدون لها عند طلوعها وعند غروبها سجود ما هو بصلاة مجرد سجود؛ فلماذا لا يمنع السجود سجود التلاوة لترتفع المشابهة؟ أنتم معي وإلا ما أنتم معي؟ الذي يقول: السجود ليس بصلاة ما عنده مشكلة يسجد، يسجد في وقت النهي، والذي يقول أيضاً: إن ذوات الأسباب -وهي ذات سبب- حتى وإن قال: إنها صلاة فذوات الأسباب مخصصة من أحاديث النهي هذا ما عنده مشكلة، يسجد في وقت النهي، لكن الذي يقول: إن سجود التلاوة ليس بصلاة فلا يتناوله أحاديث النهي: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" وهذه ليست بصلاة ((لا صلاة بعد العصر)) و((لا صلاة بعد الصبح))... إلى آخره، الأحاديث كلها تنص على الصلاة وهذه ليست بصلاة، لكن إذا نظرنا إلى العلة التي من أجلها نهي عن الصلاة في هذه الأوقات قلنا: هو سجود المشركين، وهذه مشابهة لهم، يعني قد تكون الصلاة كاملة بما فيها من قيام وركوع وسجود أبعد من مشابهة المشركين من السجدة المفردة؛ لأن المشركين إذا طلعت الشمس ما يركعون ولا يقرؤون يخرون سجداً، ونظير هذا السعي الشديد بين العلمين بالنسبة للمرأة الفقهاء يقولون: المرأة لا تسعى؛ لماذا؟ خشية أن تتكشف ويظهر شيء من عورتها، لكن إذا نظرنا إلى أن السبب الأصلي في مشروعية السعي امرأة فلماذا لا تسعى المرأة؟ لماذا لا تسعى؟ ولماذا نسجد في وقت النهي؟ العلة لأن السجدة المفردة ليست بصلاة، والنهي إنما جاء عن الصلاة، لكن علة النهي الأصلية إنما هي من أجل من مشابهة من يسجد سجدة مفردة، وإذا سجدنا للتلاوة شابهناهم.

الآن عرفنا المسألتين؟ على قول من يقول: بأنها ليست بصلاة وتسجد في كل وقت وبدون شروط، يعني ألا يشكل عليه أن سبب النهي عن الصلاة في أوقات النهي مشابهة المشركين، وهم إنما يفعلون سجدة، وإذا صلينا صلاة كاملة كنا أبعد عن مشابهة المشركين في حالة ما إذا صلينا سجدة واحدة، النصوص تقول: ((لا صلاة)) والسجدة ليست بصلاة، هذا انتهينا منه وفرغنا منه، وقول وجيه، يعني لأن النصوص لا يدخل فيها السجدة المفردة، فتسجد في أي وقت، لكن إذا نظرنا إلى العلة الأصلية وهو النهي عن مشابهة المشركين؛ لأنهم يرقبون الشمس إذا طلعت سجدوا، وإذا غربت سجدوا، فإذا سجدنا في هذا الوقت تمت المشابهة بدقة، فما المخرج؟ وقل مثل هذا في سعي المرأة، السعي إنما شرع بين العلمين؛ لأن الأصل فيه أن امرأة سعت بين هذين العلمين، فلماذا لا تسعى المرأة؟ يعني أليس دخول السبب في النص قطعي؛ لماذا لا يقال: بأن سعي المرأة قطعي والنهي عن سجود التلاوة في أوقات النهي قطعي؟ في مخرج وإلا ما في؟ يعني إذا رأينا امرأة تسعى بين العلمين العادة جرت بأننا نقول: لا، المرأة ما عليها سعي، امشي مشياً، من يجيب؟ نعم؟

طالب:.......

أيوه؟

طالب:.......

بمفردها؟

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

يعني لو أمنت المفسدة ولا يوجد من ينظر إليها، أغلقت أبواب المسعى، وقيل لها: يا الله اسعي، مشروع وإلا غير مشروع؟

طالب:.......

لكن قبل ذلك هل سعي أم إسماعيل تعبد أو رغبة أو رهبة؟ يعني إذا وجد مخوف سبع من السباع، فجرت امرأة خوفاً على نفسها من هذا السبع، أو رغبة في إدراك شيء يفوت فجرت، تمنع وإلا ما تمنع؟ نعم؟ ما تمنع يقال: يمكن تتكشفين؟ يخشى أن تتكشف؟ ما تمنع؛ لأن هذا ليس من باب التعبد، إنما هي شفقة على ولدها أن يهلك، فهي تبحث عمن يحمل الماء والطعام لتسقي ولدها خشية أن يموت فهي راغبة أو راهبة، فإذا حصل مثل هذا الظرف لامرأة خشيت على نفسها فهربت، أو رغبت في تحصيل أمر يفوت فسعت وجرت ما تلام، ويبقى أن الحكم المحكم عندنا أن لا تبدي المرأة شيئاً من زينتها، وما كان سبباً في إبداء الزينة فالوسائل لها أحكام الغايات، يبقى أن المرأة لا تسعى في المسعى، وإن كان السبب امرأة؛ لأن المرأة لم تتعبد بهذا السعي، وإنما جرت في هذا المكان رغبة أو رهبة، رغبة وطمعاً فيمن معهم ماء، أو رهبة وخوفاً على ولدها من أن يموت، هذا انتهينا منه هذا، حله سهل، لكن السجدة هل نكتفي بأننا نقول: إن النصوص التي جاءت بالنهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة كلها نصت على الصلاة، والسجدة المفردة ليست بصلاة بغض النظر عن المشابهة وعدم المشابهة؟ نعم إذا لحظنا العلة وجدنا أن العلة تنطبق على السجدة المفردة أكثر من انطباقها على الصلاة، كيف نجيب؟ أو نقول: النصوص نهتنا عن الصلاة وهذه ليست بصلاة بغض النظر عن كونها مشابهة أو غير مشابهة، وهل مثل هذا الحكم مما يدور مع علته وجوداً وعدماً أو أن هذا الحكم شُرع لعلة، فثبت الحكم وارتفعت العلة.

الرمل في الطواف شرع لعلة؛ لأنه في عمرة القضاء اجتمع كفار قريش من جهة الحطيم، وقالوا: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالرمل إغاظة لهم، ونفياً لما اعتقدوه، هل يوجد من يقول: إن فلان أو علان أو المسلمون يأتون إلى مكة وهم مرضى فنرمل في الطواف إغاظة لهم؟ ارتفعت العلة، القصر في السفر أصل مشروعيته الخوف {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] ارتفعت العلة وبقي الحكم هل نقول في مثل هذا -أعني سجود التلاوة- ارتفعت العلة وبقي الحكم أو العلة قائمة؟ أو نقول: إذا كان في وقت نهي لا تسجد يا أخي الأمر فيه سعة، هذه سنة ولا تشابه المشركين بالسجود، فيقوى قول من يقول: إن سجود السهو كغيره من ذوات الأسباب لا يسجد في أوقات النهي، لا تفعل في أوقات النهي، وهذه المسألة تقدمت، يعني بحثناها فيما تقدم، لا سيما وأن أهل العلم ينصون على أن السبب دخوله في النص قطعي، فالسجود هو السبب في النهي، إذاً دخوله في النص قطعي.

الخلاصة: إذا قرأنا القرآن بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الصبح لا سيما إذا قرب غروب الشمس إذا تضيفت للغروب، أو قرب بزوغ الشمس وطلوعها نسجد وإلا ما نسجد؟ إذا ما سجدت قال لك واحد: والله هذه ما هي بصلاة، السجدة المفردة ليست بالصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا صلاة)) فالمنفي الصلاة، وإذا سجدت قال لك من يمنع: أنت الآن أشبهت المشركين، أنا أوافقك أنها ليست بصلاة لكنها سجود، والمشركون يسجدون للشمس، أو لما يقارنها من شيطان، الخلاصة نسجد وإلا ما نسجد؟ هاه؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

نسجد؟ لأنها ليست بصلاة؟

طالب:.......

ويش لون....

طالب:.......

لا ما يصلح، يعني اترك الآية، لا تقرأ الآية في هذا الوقت، يعني مثل ما قيل بالنسبة للصلاة في أوقات النهي، أحد يقول: لا تدخل المسجد في هذا الوقت، وبعضهم يقول: ادخل واستمر قائم لا تجلس، نعم؟

طالب:.......

يصلون ركوع وسجود؟

طالب:.......

لا لا.

طالب:.......

عرفنا أنه ليس بصلاة، وأن أقل الصلاة ركعة، ومع ذلك دخوله في النص عن النهي..، عن الصلاة قطعي، لأننا إنما نهينا عن الصلاة في هذا الوقت لعدم مشابهة من يسجد للشمس، فإذا سجدنا أشبهناهم أكثر ممن يصلي صلاة كاملة التي جاء النهي عنها، تفكرون بحل؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

لا لا ما يشترط قصد، لا لا، لا اللي يقصد يكفر إجماعاً، لا لا ما يشترط قصد، المشابهة فقط، لا لا القصد لو حصل قصد انتهى الإشكال، لو حصل قصد كفر من يسجد، نعم؟

طالب:.......

يصليها إذا ذكرها، ولو في هذا الوقت لكن هذه الفريضة، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) معناه أنه يتم صلاته يأتي بركعة وتكون صلاته كاملة، وفي الوقت أداء ((ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فيصليها في هذا الوقت، الفريضة مفروغ منها إلا عند الحنفية يقولون: يقطعها إذا طلعت الشمس، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

سجود الشكر ما فيه إشكال يؤخر، لكن أنت تقرأ قرآن، تترك الآية كما قال بعضهم، أو تترك القراءة تقول: نقف على هذه الآية وإذا انتهى وقت النهي نستأنف؟ تترك آية؟

طالب:.......

إذا ما سجدت، قال لك واحد: والله يا أخي الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا صلاة)) وهذه ليست بصلاة، المشابهة حاصلة ومنطبقة يعني تمام الانطباق على السجود المفرد.

طالب:.......

يعني النهي عن الصلاة ذات القيام والقراءة والركوع والسجود كله من أجل السجود، فكيف بالسجود المفرد الذي يشابه المشركين من كل وجه مطابقة، نعم؟

طالب:.......

معروف مذهب الحنابلة أنه لا يسجد في أوقات النهي، هذا معروف عند الحنابلة، وهو مما ينبغي أن يكون مذهباً لجميع من يمنع فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وهو قول الجمهور، لكن يعتري السجود ما لا يعتري ذوات الأسباب من كون السجود المفرد ليس بصلاة عندهم، هذا الذي يعتريه، وإلا عند من يقول: إنه صلاة حكمه حكم النافلة، نعم؟

طالب:.......

يعني مثل ما رجحنا سابقاً أن الوقتين الموسعين أمرهما أيسر، والأوقات الثلاثة المضيقة هي التي يتحرى فيها أكثر من غيرها.

اللي وراه؟

طالب:.......

نفس الكلام، هذا هو الذي رجحناه بالنسبة للصلاة لذوات الأسباب هذا الذي رجحناه سابقاً.

طالب:.......

إيه.

طالب:.......

نفس اللي قلناه في ذوات الأسباب.

هذا السجود سواءً كان للتلاوة أو للشكر عرفنا أنه سنة عند عامة أهل العلم، وقال بوجوبه الحنفية، وذكره كذكر سجود الصلاة لعموم: ((اجعلوها في سجودكم)) سبحان ربي الأعلى، هذه ذكر السجود، وعرفنا فيما تقدم أن لفظ: ((وبحمده)) لفظة منكرة، فيما ذكره أبو داود في سننه، وحكم عليها جمع من الحفاظ بأنها منكرة.

إذا زاد هل يدخل في ذلك الدعاء الذي جاء الحث عليه في السجود: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) يتناوله هذا اللفظ سجود التلاوة وسجود الشكر.

بقي من الأذكار ما يخص هذا السجود، جاء عند الترمذي أن صحابياً جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له: رأيت كأني -يعني في النوم- أقرأ، فسجدتُ فسجدت شجرة، يعني بعض الناس ما يستوعب مثل هذا الكلام، سجدت شجرة فسمعتها تقول: اللهم اكتب لي بها أجراً، وحط عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، يقول الصحابي: فسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول ذلك.

هذا لا شك أن في لفظه غرابة، وقال الترمذي: حسن غريب، وبعض من له عناية بالترمذي يقول: إن الترمذي إذا اقتصر على لفظ: "حسن" من دون إضافة "صحيح" فالحديث عنده ضعيف، لا سيما إذا اقترن بذلك لفظ: "غريب".

على كل حال هذا الخبر وهذا الذكر عند الجمهور الذين يرون العمل بالضعيف في فضائل الأعمال، وهذا منها ما فيه مشكلة، ما فيه إشكال، والذي يقول: حسنه الترمذي ويعتمد على تحسين الترمذي أيضاً هذا ما عنده إشكال، وهو ذكر حسن في الجملة.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي))" يندب نفسه ((يقول: يا ويلي)) وفي لفظ: ((يا ويله)) وكلاهما في الصحيح، يقول: ((يا ويلي)) كما هنا أو يقول: ((يا ويله)) والمعنى واحد، لكن من باب الأدب أن لا يضيف الإنسان إلى نفسه لفظاً شنيعاً أو قبيحاً، إذا حكاه عن غيره كما قالوا: "هو على ملة عبد المطلب" يعني هل أبو طالب قال: "هو على ملة عبد المطلب؟" لا، نسبه إلى نفسه، لكن الرواة يتحاشون أن ينسبون هذا القول القبيح الشنيع إلى أنفسهم، ومثله: ((يا ويله)) وإلا فالأصل أنه قال (الشيطان): ((يا ويلي)) هذا إذا لم يوقع في لبس، أما إذا أوقع في لبس فلا بد من التصريح باللفظ، قصة ماعز كل الرواة يقولون: قال ماعز: "إني زينت" ما قالوا: إنه زنى؛ لئلا يظن أن هذا لفظ ماعز، وحينئذٍ لا يلزم التصريح وإضافة الفعل إلى النفس لإقامة الحد، كلهم يقولون: "إني زنيت" الرواة كلهم؛ لأن هذا يترتب عليه لو جيء بقوله: "إنه زنى" لترتب عليه درء الحد؛ لأنه لم يصرح بإضافته إلى نفسه، وأما في مثل هذا فلا داعي لأن ينسب الشر إلى نفسه، واللفظ القبيح إلى نفسه، مع أنه لو نسبه إلى نفسه فالحاكي لا يأخذ حكم القائل، وحاكي الكفر ليس بكافر.

((أمر ابن آدم بالسجود فسجد)) يعني أمرنا بالسجود سواءً كان في الصلاة أو في التلاوة، أو في غيرهما من أنواع السجود ((فسجد)) يعني امتثل، والذي يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي هذا هو التقي له الجنة ((فله الجنة)).

((وأمرت بالسجود)) يعني لآدم ((فأبيت)) {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى} [(34) سورة البقرة] ((فلي النار)) لأنه عصى ورفض الأمر الإلهي ((فهو في النار)) ومعصيته بترك واجب، أُمر به وهو السجود، وآدم {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [(121) سورة طـه] عصى بإيش؟ إذا كان إبليس معصيته بترك واجب فآدم معصيته بارتكاب محظور، وأيهما أشد معصية آدم أو معصية إبليس؟ معصية إبليس أشد، ويطرد القول بأن ترك المأمور أعظم وأشد من فعل المحظور شيخ الإسلام ابن تيمية، نظراً إلى معصية أدم ومعصية إبليس، يقول: إبليس عصى بترك مأمور، وآدم عصى بارتكاب محظور، ومعصية إبليس أشد، لكن معصية إبليس بترك المأمور اقترنت بكبر وغرور وإصرار، ومعصية آدم حفت بانكسار وتوبة، ففرق بين هذا وهذا، نعم؟

طالب:.......

ونسيان نعم، فرق بين هذا وهذا، ولذا لا يسوغ إطلاق القول بأن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور مطلقاً كما يقول شيخ الإسلام، ولا قول الإمام أحمد ومن يقول بقوله من أكثر أهل العلم بأن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور؛ لأن ترك المأمور فيه خيار، وارتكاب المحظور لا خيار فيه، ترك المحظور مقدور عليه، وأما فعل المأمور قد يكون مقدوراً عليه وقد يكون معجوزاً عنه، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما فيه خيار، يعني قد يقول قائل مثلاً: عندنا شخصان واحد حالق للحيته، والآخر لحيته بيضاء كالثغامة ولا يغيرها، أيهما أشد معصية؟ الحالق مرتكب لمحظور، وذاك تارك لمأمور ((غيروه)) نعم؟ مع أن ممن يرجح قول شيخ الإسلام لا يغير، فهل نقول: إن حلق اللحية باعتبارها ارتكاب محظور أسهل من ترك المأمور الذي هو التغيير بالشيب؟ لا يمكن أن يقول بهذا أحد إطلاقاً.

ولذا المقرر في مثل هذه المسألة أن ينظر إلى كل متعارضين على حدة، يعني أنت الآن لا تستطيع أن تفعل المأمور إلا بارتكاب المحظور أو العكس، نقول: وازن، فاضل بينهما، أيهما أشد؟ فبعض المأمورات قطعاً أشد من كثير من المحرمات، وبعض المحرمات أشد بكثير من كثير من المأمورات، فلا يسوغ القول بإطلاق هذا ولا هذا، لا يسوغ القول بإطلاق هذا ولا هذا، بل تنظر عند التعارض وتفاضل بين هذا المحظور، يمكن تتجاوز بعض المحظورات بصدد تحقيق أمر عظيم من أمور الدين، لكن بالعكس أيضاً إذا تعارض واجب من الواجبات مع كبيرة أو موبقة من الموبقات لا شك أنك لا بد أن تضحي إذا لم يمكن الجمع بأحدهما، ولا شك أن المسألة مقررة عند التعارض، ما هو في حال السعة تقول: والله أنا أمرت بصلاة الجماعة أنا أسهل من كثير ممن يفعل كذا أو يفعل كذا، وتقول: ترك المأمور أسهل من فعل المحظور، تقول: أنا ما أصلي مع الجماعة ليش؟ والله ناس يشربون الخمر بعد وهذا محظور وأنا ترك مأمور أسهل، لا المسألة فيما إذا تعلق بك أنت، واضطررت إلى أحد أمرين، ولم تستطع التوفيق بينهما الآن وازن؛ لأن بعض الناس يسمع مثل هذا الكلام فإذا سمع الخلاف عند شيخ الإسلام هان عليه ارتكاب المحظورات، وإذا سمع قول غيره هان عليه ترك المأمورات، لا، لا هذا ولا هذا، هذه حدود الله فلا تعتدوها، فلا تقربوها، لكن عند التعارض ما استطعت أن توفق بينهما لا بد أن تضحي بأحدهما، وارتكاب أخف الضررين أمر مقرر شرعاً، كما هو معروف.

"رواه مسلم".

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (ص) ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها، رواه البخاري" سجدة (ص) {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص:24]" داود -عليه السلام- لما جاءه الخصمان وفزع منهم، تسوروا المحراب، أمور مفزعة، وهو يصلي، فخر راكعاً، والمراد بالركوع هنا السجود {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] يعني ركعاً، فالسجود يأتي بمعنى الركوع، والركوع يأتي بمعنى السجود ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح فقد أدرك الصبح)) وفي رواية: ((من أدرك سجدة)) قال الراوي: والسجدة إنما هي الركعة، فالركوع يأتي ويراد به السجود، والعكس: {خَرَّ رَاكِعاً} [ص:24] يعني ساجداً، هذه السجدة من داود لا شك أنها سجدة توبة أو سجدة شكر، كما يقول أهل العلم، سجدها داود شكراً، وسجدها النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"وقد رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- يسجد فيها" امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [(90) سورة الأنعام] سجدها مما يدل على أنه يشرع السجود فيها، وليست من عزائم السجود، يعني لست من السجدات المؤكدة كغيرها من سجدات القرآن، وبعضهم يسميها سجدة شكر، على خلاف بينهم هل تسجد في الصلاة أو لا تسجد؟ هل تسجد سجدة (ص) في الصلاة أو لا تسجد؟ عند الحنابلة لا تسجد، بل العكس لو سجد بعضهم يبطلها، يبطل الصلاة؛ لأنها ليست سجدة تلاوة إنما سجدة شكر، وليست من العزائم، يعني أمرها أوسع، يعني لو سجد ما في إشكال يعني خارج الصلاة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سجد، ولو تركت السجود لا إشكال في ذلك؛ لأنها ليست من العزائم، وأما في الصلاة فتتقى بقدر الإمكان؛ لأن من أهل العلم من يبطل الصلاة بسجدة (ص)، ولو سجد أحد ما ثرب عليه؛ لعموم: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها" فهي من سجدات التلاوة، سواءً كانت شكر أو سجد من العزائم، وهي ليست من العزائم كما نص على ذلك حديث الباب.

"رواه البخاري".

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر {الم * تَنزِيلُ} [(1-2) سورة السجدة] السجدة و{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] متفق عليه، واللفظ للبخاري" يعني فيسجد، ويسجد في الصلاة مما يدل على مشروعية سجود التلاوة، ومشروعيته في الصلاة أيضاً.

قال -رحمه الله-: "وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قرأت على النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَالنَّجْمِ} [(1) سورة النجم] فلم يسجد فيها".

هذه أولى سجدات المفصل، وهي سجدات معتبرة عند الحنابلة والحنفية والشافعية، سجدات المفصل في النجم والانشقاق واقرأ، المالكية لا يرون السجود في المفصل، وهو قول الشافعي القديم، أما قوله الجديد فسجدات المفصل الثلاث معتبرة، والمفصل كما هو معروف يبدأ من (ق) إلى آخر القرآن، أو الحجرات على خلاف بين أهل العلم، على كل حال الأكثر على أنه من (ق) والسجدات داخلة يعني على جميع الأقوال.

"قرأت على النبي -صلى الله عليه وسلم-" فيه فضل لزيد بن ثابت ومزية كون النبي -عليه الصلاة والسلام- استمع لقراءته، قرأ "سورة النجم فلم يسجد فيها" متفق عليه، ولفظه للبخاري" والحديث الذي يليه: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ(النجم) هل فيه تعارض وإلا ما فيه تعارض؟ نعم؟ فيه تعارض وإلا ما فيه تعارض؟ قال: ولم يسجد فيها، والحديث الذي يليه كلاهما في البخاري، سجد النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنجم، هل نقول: إن الإنسان مخير له أن يسجد وألا يسجد؟ أو نقول: إن عدم السجود من صوارف الأمر؟ من أدلة الجمهور الصارفة للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وعلى كل حال حديث زيد بن ثابت لم يسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن زيداً لم يسجد، والمستمع تبع للقارئ، فإذا سجد القارئ سجد المستمع، ولذا يقول أهل العلم: "يسجد المستمع دون السامع" إذا كان القارئ يصلح أن يكون إماماً له، يعني نفترض أن القارئ خلف المستمع يسجد وإلا ما يسجد؟ خلفه، قارئ يقرأ في آخر المسجد والمستمع في مقدمته؟ مقتضى قولهم إذا كان يصلح أن يكون إماماً له أنه لا يسجد، لو كان القارئ امرأة يسجد وإلا ما يسجد؟ إذا كان يستمع من شريط مسجل وإلا مذياع وإلا..، يسجد وإلا ما يسجد؟ لا يسجد؛ لأنه لا يصلح أن يكون إماماً له.

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ{النَّجْمِ} وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس" ابن عباس من صغار الصحابة السجود هذا كان بمكة وإلا بالمدينة؟ بمكة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مات وابن عباس يناهز الاحتلام، يعني لما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- بمكة وعمر ابن عباس ثلاث سنوات فأقل، فهذا المجزوم به أنه من مراسيل ابن عباس، وأكثر ما يرويه ابن عباس من هذا القبيل لأنه صغير، حتى قرر الغزالي في المستصفى أنه لا يروي مباشرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أربعة أحاديث فقط، لكن ابن حجر يقول: جمعت ما صرح فيه ابن عباس بالسماع من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بالرؤية فبلغ من ذلك أربعين حديثاً، منها الصحيح والحسن، يعني من الصحيح والحسن، يعني مما صرح فيه ابن عباس بالسماع أو الرؤية، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أربعين حديث، الغزالي يقول: أربعة أحاديث، يعارض قول ابن حجر بقول الغزالي؟ لا، فرق بين حافظ وبين من بضاعته -بشهادته على نفسه- مزجاة، صرح الغزالي بأن بضاعته من الحديث مزجاة، وقد يصرح بعض أهل العلم أن بضاعته مزجاة من باب التواضع، فهل قول الغزالي من باب التواضع؟ وكيف نعرف أن هذا تواضع أو حقيقة؟ الواقع، يعني الغزالي يستشهد بموضوعات، أحاديث موضوعة، وأما الأحاديث الضعيفة والواهية فحدث ولا حرج، الإحياء مملوء منها، وبالفعل بضاعته مزجاة، لكن قد يقول إمام من أئمة المسلمين: إن بضاعته مزجاة، لكن الواقع يشهد بخلاف ذلك، فلا يعارض قول ابن حجر بقول الغزالي، لكن لو أبدا الغزالي وجهاً عند الشافعية وعارضه ابن حجر قلنا: نعم يعارض قول ابن حجر بقول الغزالي؛ لأنه أمكن منه في فقه الشافعية.

"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ(النجم)" يعني سورة النجم "وسجد معه المسلمون" هذا ما فيه إشكال، هذا الأصل أنهم يقتدون به ويأتسون به -عليه الصلاة والسلام- "والمشركون" الحديث رواه البخاري، هل يقال: إن السبب في ذلك قصة الغرانيق؟ قصة الغرانيق باطلة، ومصادمة لأصل العصمة التي يتفق عليها أهل العلم في التبليغ، فهي باطلة، وإن رأى ابن حجر مثلاً..، الشيخ محمد بن عبد الوهاب أوردها في مختصر السيرة، وابن حجر قال: إن لها طرق يقوي بعضها بعضاً، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن ثقتنا بابن حجر يعني معارضة بما هو أعظم منها، وعصمة النبي -عليه الصلاة والسلام- المجمع عليها فيما يتعلق بالتبليغ، هذه مصادمة للعصمة، كونهم سجدوا نعم أعجبوا بنظم القرآن، والإنسان إذا أعجب بشيء تصرف على مقتضى هذا الإعجاب ولو كان مما يخالفه في قرارة نفسه، يعني قد تأخذ الإنسان الحال، ويغلب على أمره في بعض التصرفات، لأنه جاءه أمر لا يستطيع رده، فهؤلاء المشركون الذين سجدوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن المؤثر فيهم هو هذا الكلام، كلام الله الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً.

"والجن" ويش يدري ابن عباس أن الجن سجدوا؟ رآهم؟ قد يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبره بذلك، وإلا فلا سبيل له إلى معرفة ذلك "والإنس" يعني ممن حضر من عطف العام على الخاص من المسلمين والمشركين والجن والإنس، أحياناً يؤتى ببعض الألفاظ لتأكيد العموم، ولو لم يكن له حقيقة ولا وجود، لما مات إبراهيم انكسفت الشمس في اليوم الذي مات فيه إبراهيم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فخطب النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) ما في أحد قال: إن الشمس تنكسف لحياة أحد، لكن من باب تتميم العموم والشمول، وإلا ما في أحد قال: إن الشمس تنكسف لحياة أحد، أيضاً قوله: "فلم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها" هل في أحد قال: إن البسملة تقرأ في آخر القراءة؟ نعم؟ أقول: قد يؤتى ببعض الألفاظ لتأكيد العموم والشمول المنفي، فلا يوجد أحد يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في آخر القراءة، نعم هناك من قال: تقرأ البسملة في أول القراءة، فالنفي نفي القراءة في آخر أو البسملة في آخر القراءة إنما هو لتأكيد الشمول المنفي، مثل: ((ولا لحياته)) ما في أحد قال: إنه للحياة تنكسف الشمس، قد يكون من أظلم الناس، من الجبابرة يعني إذا كانت الشمس على حد زعم أهل الجاهلية أنها تنكسف لموت عظيم، يعني مقتضى ذلك أنها تنكسف لولادة ظالم مثلاً فتنكسف لولادة ظالم، لكن ما أحد قال بهذا من المشركين، ولا يعرف ظلمه إلا بعد تحققه... إلى آخره، المقصود أن مثل هذا والجن والإنس يعني من باب تتميم..، الجن قد يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: إن الجن سجدوا، وفيهم المسلم والمشرك، فهم مثل الإنس، وأما عطف الإنس على الجن فمن باب تتميم الشمول المثبت.

"رواه البخاري وقال -يعني البخاري في صحيحه تعليقاً-: "كان ابن عمر يسجد على غير وضوء" وهذا مثل ما أشرنا إليه سابقاً معلق عن ابن عمر، وهو يرى أن سجود التلاوة ليس بصلاة، فلا يشترط له ما يشترط للصلاة، لكن إذا أراد الإنسان أن يسجد، وفي نفسه شيء من هذا السجود، والخلاف عنده معتبر عند من يقول: إنه صلاة أو ليس بصلاة فقرأ آية سجدة، هل نقول: إذا كان عندك شيء من التردد هذا إذا كان يرى أنه صلاة لا بد أن يتوضأ، وإذا جزم بأنه ليس بصلاة كما كان ابن عمر يسجد على غير وضوء، لكن إذا قال: والله أئمة قالوا: إنه صلاة، فكوني أصلي بغير وضوء، ولا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ، هل نقول: إزالة لهذا الشك الذي في نفسك تيمم؟ يعني شيخ الإسلام يقول: إن صلاة الجنازة إذا خشي الإنسان أن ترفع الجنازة يتيمم، ولو كان بحضرة الماء، ولو لم يكن فاقداً للماء يتيمم، فهل نقول لمثل هذا تيمم واسجد ليزول ما في نفسك؟ أو نقول: إما هذا وإما..، إما صلاة أو غير صلاة، ما في نصف حل، لكن أحياناً قوة الخلاف تورث التردد في النفس، وهذا كل إنسان يجده من نفسه، فإذا وجد مثل هذا التردد هل نقول له: تيمم أو لا؟ ابن عمر كان يسجد على غير وضوء، هل نستطيع أن نقول لمثل هذا أنت لست بأحرص من ابن عمر، وهذا في حال التردد، يعني المسألة إذا جزم بأنها صلاة لا بد أن يتوضأ، لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ، وإذا جزم بأنه ليس بصلاة يصلي يسجد على غير وضوء، كما كان ابن عمر يفعل، لكن إذا قال: أئمة فلان وفلان وفلان قالوا: صلاة، وحصل عنده شيء من التردد هل يكتفى في مثل هذه الصورة بالتيمم ليرفع هذا التردد؟ والترجيح قد يكون بالقشة عند أهل العلم، يعني بأدنى شيء يحصل به الترجيح، يعني الذين لا يرون العمل بالضعيف مطلقاً يرجحون به، أو نقول: إنك فعلت فعلاً لا دليل عليه من الشرع، فإما كذا وإما كذا، يتيمم وإلا ما يتيمم؟ لأن الناس ثلاثة: شخص يترجح عنده أنه صلاة هذا يلزمه الوضوء بدون إشكال، وشخص يجزم بأنه ليس بصلاة فهذا لا يلزمه شيء كما كان ابن عمر يسجد على غير وضوء، وشخص يتردد وهذا موجود في النفوس، لا سيما بعض أهل التحري، أهل التحري يصعب عليه الترجيح في كثير من المسائل، يحصل عنده التردد لأدنى شيء، ويهاب الترجيح في المسائل العلمية، ويهاب أهل العلم وأقوال أهل العلم، مثل هذا هل يقال له: تيمم لترفع ما في نفسك؟ أو نقول: إن هذا عمل ليس عليه دليل شرعي فهو بدعة؟ من سجد مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في سورة النجم من المسلمين وغيرهم هل يتصور أنهم كلهم على طهارة مع كثرتهم؟ لا، بعيد أن يكونوا كلهم على طهارة، الأمر الثاني: لم ينقل أن كل واحد منهم تيمم، فالذي يترجح عنده أنه ليس بصلاة هذا لا يتيمم كما كان ابن عمر يفعل، والذي يترجح عنده أنه صلاة فإنه يلزمه الوضوء، ولا واسطة بينهما.

مسألة صلاة الجنازة التي يقول شيخ الإسلام أنه إذا خشي أن ترفع أنه يتيمم هل نقول: إن هذه الصلاة بطهارة ناقصة مع وجود الأصل؟ يعني إذا لم يوجد الأصل الطهارة كاملة، إذا وجد الأصل فهذه الطهارة لا اعتبار لها، لكن هل نقول: إن الصلاة على هذا الوجه الناقص أفضل من عدمها؟ فنقول: تيمم وأدرك الصلاة، أو نقول: صلاة ليس عليها أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا قيمة لها؟ هاه؟ نعم؟

طالب:.......

حتى يتوضأ.

طالب:.......

إيه لكن يقول هذا: أنا كسبان كسبان، ما علي خسارة، أنا أتيمم وأصلي أفضل من لا شيء، هاه؟

طالب:.......

ما في دليل على التيمم في مثل هذه الصورة، لكن هل نقول: إن قبلت وإلا ما خسرت شيء؟ النفي موجود ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) وهذه صلاة بالإجماع، ما هي مثل سجود التلاوة محل خلاف بين أهل العلم، وإن كان بعض النصوص لا يتناولها، يعني لا يتناول صلاة الجنازة مثل دعاء الاستفتاح، "أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول))" ما في دعاء استفتاح، ما تدخل في بعض النصوص.

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

توقيف بلا شك ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) لكن من قال بهذا القول هو من أحرص الناس على تحقيق القاعدة المأخوذة من حديث عائشة، وأشد الناس على البدع والمبتدعة، لكنه ليس بمعصوم، فهل نقول: إذا كنت لست على طهارة اجلس؟ قد يقول قائل مثل هذا فيما إذا دخل المسجد وهو على غير طهارة، هل الخيار بين أن يجلس أو يصلي بتيمم؟ هو الآن يتعبد بعبادة لم تشرع، عبادة غير مشروعة؛ لأن الصلاة بغير طهارة ليست بشرعية حتى أن الحنفية قالوا: إذا صلى بغير طهارة مع علمه بالحدث الأمر عظيم عندهم، يعني بعضهم يطلق الكفر لأنه مستخف مستهزئ هذا إذا صلى على غير طهارة، لكن لا يظن بمن قال: إنه يتيمم إذا خشي أن ترفع هذا ليس بمستهتر، إنما هو من باب الحرص على تحصيل الأجر، وكم من مريد للخير لا يصيبه، أو لم يصبه.

قال -رحمه الله-...

وإلا نقف على هذا كم الساعة؟

لعلنا نقف على حديث خالد بن معدان، وننظر في بعض الأسئلة.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"