شرح العقيدة الواسطية (24)

مسألة الرؤيا:

المسألة التي تلي مسألة الكلام مسألة الرؤيا، وهي آخر المسائل التي يستدل لها المؤلف من القرآن، ثم بعد ذلك ينتهي المؤلف من عرض الأدلة من كتاب الله -جل وعلا- المثبتة للأسماء الصفات، ثم يثني بالسنة بفصل مستقل، وبعض من ينتقد هذه الرسالة العظيمة لشيخ الإسلام يقول: لو يعاد ترتيب هذه الرسالة، وتصاغ من جديد، وتذكر أدلة كل صفة، وكل اسم من الكتاب والسنة في آنٍ واحد، ولا يفرق، أولاً: تذكر أدلة الكتاب، ثم تذكر أدلة السنة، يعني فعلى سبيل المثال لما ذكر الآيات من القرآن على إثبات الرؤيا، يردفها بالأحاديث المثبتة للرؤيا في موضع واحد، وقل مثل هذا في الكلام وغيرها مما سبق من الأسماء والصفات، فيأتي بالدليل من القرآن والدليل من السنة، وشيخ الإسلام لا، فصَل الأدلة من القرآن، ثم أردفها بالأدلة من السنة، وهذا نوع، تفنن في التأليف، وإلا فعادته وطريقته -رحمه الله- في بقية كتبه أنه يسرد الأدلة من الكتاب والسنة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-:

وقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[(23) سورة القيامة] وقوله: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ}[(23) سورة المطففين] وقوله: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[(26) سورة يونس] وقوله: {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[(35) سورة ق] وهذا الباب في كتاب الله تعالى كثير, ومن تدبر القرآن طالباً للهدى منه تبين له طريق الحق.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما ذكره من الأدلة من الكتاب على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة في الآخرة، أما في الدنيا فنقل الاتفاق على أنه لا يراه أحد قبل أن يموت، ففي شرح الطحاوية يقول: اتفقت الأمة على أنه لا يراه أحدٌ في الدنيا بعينيه، ولم يتنازعوا في ذلك إلا في نبينا -صلى الله عليه وسلم- خاصة، منهم من نفى رؤيته بالعين، ومنهم من أثبتها له -صلى الله عليه وسلم- منهم من نفى رؤيته -عليه الصلاة والسلام- لربه بالعين، الرؤية البصرية، ومنهم من أثبتها له.

وحكى القاضي عياض في كتاب الشفا باختلاف الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم في رؤيته -صلى الله عليه وسلم- وإنكار عائشة -رضي الله عنها- أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى ربه بعين رأسه، وقالت لمسروق: (من حدثك أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه فقد كذب) وفي بعض الروايات: (فقد أعظم الفرية) متفقٌ عليه, وبهذا قال ابن مسعود وأبو هريرة. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه رأى ربه بعينه.

فنفي الرؤيا من قبله -عليه الصلاة والسلام- لربه هو المعروف عن عائشة، وشددت في ذلك، وأنكرت على من أثبت، قال: وبهذا قال ابن مسعود وأبو هريرة، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (أنه رأى ربه بعينه) وروى عطاء عنه: (رآه بقلبه) يعني: لا بعينه، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: (سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل رأيت ربك؟ فقال: ((نورٌ أنى أراه)) يعني استبعاد؛ لأن الله -جل وعلا- حجابه النور -وفي رواية- ((النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجه من انتهى إليه بصره)) والله المستعان.

على كل حال هذه المسألة خلافية بين الصحابة، من أثبتها كابن عباس ومن يقول بقوله لا يثرب عليه، ومن نفاها وهو قول أكثر الصحابة، وهو المرجح لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((نورٌ أنى أراه)) هذا هو المرجح، ولكن هذه المسائل العقدية إذا وجد الخلاف فيها بين السلف لا يكون المخالف فيها مبتدعاً؛ لأنه لا يمكن أن يوصف ابن عباس بأنه مبتدع، بينما المسائل التي اتفقوا عليها لو أن شخصاً أثبت غير ما اتفقوا عليه، ولو تشبث ببعض النصوص وبعض الأدلة، فإنه يوصف حينئذٍ بالابتداع.

رؤية الله في المنام:

يذكر في تراجم كثير من أهل العلم لا سيما من التابعين أنه رأى الله -جل وعلا- في المنام، فهل تمتنع رؤيته في اليقظة، وتكون ممكنة في المنام؟

في كثير من التراجم قالوا: إنه رأى الله -جل وعلا- في المنام، والرسول -عليه الصلاة والسلام- رأى ربه في المنام، رأى الله -جل وعلا- في المنام في حديث اختصام الملأ الأعلى، معروف وإلا ما هو معروف؟ فهل يختلف الحكم في رؤيته -جل وعلا- في اليقظة في الدنيا قبل الآخرة، وبين رؤيته -عز وجل- في المنام؟

لا شك أن الرؤية في اليقظة غير ممكنة؛ لعدم القدرة على التحمل، وإن كان أهل العلم يقولون: إن الرؤيا ممكنة؛ لأنها لو لم تكن ممكنة لما سألها موسى -عليه السلام-، موسى نبي، رسول معصوم لا يسأل غير الممكن، لكن لما كان وقوعها غير ممكن لماذا؟ لعدم قدرة الرائي، أو من يريد الرؤيا على التحمل؛ ولذا قال الله -جل وعلا- لما سأله موسى: {قَالَ لَن تَرَانِي}[(143) سورة الأعراف] ثم ذكر له علامة {لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}[(143) سورة الأعراف] هذا جبل، فكيف بالإنسان المكون من لحم ودم يثبت أمام رؤية الباري؟! يحترق؛ لأن حجابه النور أو النار -سبحانه وتعالى- هذا بالنسبة للرؤية بعين الرأس بالبصر، هذه لا تستطاع.

وأما الرؤية في المنام فأثبتها كثيرٌ من أهل العلم، فهل إثباتها سائغ أو تنفى كالرؤية بعين البصر؟

طالب:...................

هي كرامة لا شك كرامة، لكن هل هي ممكنة أو ممتنعة كرؤيته بعين البصر؟

طالب:................

وهذه القصص وهذه الأخبار التي يوردونها لا أصل لها ولا صحة لها؟

الطالب:................

نعم, أيوه.

الطالب:..................

أما رؤيته -عليه الصلاة والسلام- فهي ثابتة، رؤيته -عليه الصلاة والسلام-، أنت تقصد رؤية المسلم للنبي -عليه الصلاة والسلام- أو رؤية النبي -عليه الصلاة والسلام لربه في المنام؟

الطالب:............

لماذا؟

فإذا أمكنت رؤيته, إذا أمكنت رؤيته -عليه الصلاة والسلام- في المنام تمكن رؤية غيره ممن يقتدي به ويرث منه من ميراثه بالنصيب الوافر، وأيش المانع؟ لا سيما وقد ادعاها جمع من أهل العلم الموثوقين، ولا شك أن حال المنام أقل من حال اليقظة، ولذا يدعي بعضهم أنه يرى النبي -صلى الله عليه وسلم- في اليقظة، ولا شك أن هذا زيغ، ضلال، وهذا من شطحات المتصوفة، يعني ممكن الرؤيا في المنام وإلا غير ممكنة؟ رؤية الله -جل وعلا-؟.

طالب:................

معروف الحديث معروف -القصة معروفة- نعم.

طالب:.............

يعني, ولذلك لا يدرك الكيفية من رآه في المنام التي يتفق أهل السنة على عدم العلم بها، إذا رأى كيفية وقال: إنه هو الله -جل وعلا- هل يستطيع أن يطبق ما جاء في النصوص على ما رأى، ويقول: رأيت عينه كذا وسمعه كذا وإلى آخره؟! نعم.

طالب:...........

إذا ما في كيفية، ما في رؤية, هاه؟

طالب:...............

إذًا كيف يقول: رأى ربه؟ والرسول -عليه الصلاة والسلام- رأى ربه، كيف على أي كيفية؟

الطالب:..............

يرى النور؟

طالب:................

يعني موجودة في المنام، لكن القدرات في المنام تختلف عنها في اليقظة؛ لأن الإنسان وهو في المنام يرى أنه يطير مثلاً، وهو في اليقظة لا يستطيع، نعم, ويرى أنه اقتلع صخرة عظيمة، وهو في اليقظة لا يستطيع، وقد يضعُف عن حقيقته، وبهذا يرد أهل العلم على من يصحح الأحاديث ويضعفها، ويدعي أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام، وسأله عن بعض الأحاديث، وعن بعض الأحكام، فأجابه.

نعم، الشيطان لا يتلبس به -عليه الصلاة والسلام-، إذًا كيف يقول: أنا سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- رأيته في المنام، وسألته عن حديث كذا، فقال: صحيح، وسألته عن حديث كذا، فقال: ضعيف، والشيطان لا يتلبس به ولا يتمثل به؟ فهل نقول: هذا التصحيح والتضعيف صحيح كما يدعيه بعضهم؟

السيوطي كثيراً ما يعتمد على مثل هذا، يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو نائم فيقول: هذا الحديث صحيح.

إذا تبينا أن هذا هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو المسؤول، وهو المجيب، فهل هذا الصنيع صحيح أو غير صحيح؟ يعتمد عليه أو لا يعتمد عليه؟

طالب: غير صحيح.

إيه غير صحيح، لماذا؟

طالب:.........

هو ثبت في الحديث أن الشيطان لا يتمثل به، فالمرئي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- والمتكلِّم والمتكلَّم معه هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- فإذا أثبتنا أن هذا هو -عليه الصلاة والسلام- وهذا كلامه، وهذا السؤال سأله فلان، وأجابه بكذا، فما المانع من تصحيح مثل هذا؟

طالب:.........

ما هي بمسألة باب، المسألة رد قوي من أهل العلم في هذه المسألة.

طالب:.........

ما هو كذا، لا، المسألة ثانية، أهل العلم ردوا, اجتثوا هذه الشبهة من أساسها، فقالوا: هذه رواية، هذا الرائي يروي للناس ما رأى، صح وإلا لا، هو يروي للناس ما رأى، ومن شروط الراوي أن يكون حافظاً يقظاً، العدالة موجودة، لكن حافظ يقظ، الإنسان في حال النوم حافظ يضبط، أو يضيع أكثر ما سمع؟ إذًا ليس بثقة في حال النوم، فلا يقبل قوله؛ لأن الضعف جاء من جهة الراوي.

طالب:.................

على كل حال مثل هذا قد يستأنس به، لكن يبنى عليه حكم؟ لا، نقول: الحديث صحيح؛ لأن السيوطي سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: صحيح، أبداً، ولا نلتفت إلى مثل هذا؛ لأن السيوطي وهو في حال اليقظة وإن كان من الحفاظ يعتريه ما يعتريه، فكيف إذا كان في المنام؟.

الإنسان يرى في المنام أشياء ثم إذا استيقظ من النوم لا يستطيع أن يقص ما رأى كما وقع، لا بد أن ينسى، ولا بد أن يطرأ له تغيّر.

طالب:...........

حديث الأذان ثبتت شرعيته بإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي -عليه الصلاة والسلام- أقرّه، وهو في المنام، لكن ما اكتسب الشرعية حتى أقره النبي -عليه الصلاة والسلام- وإلا الرؤيا ما يثبت فيها حكم.

يقول -رحمه الله تعالى-: وقوله:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[(23) سورة القيامة].

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ}: من النضرة، وهي الحسن والبهاء، ويكتسب هذا في الدنيا قبل الآخرة بالاتباع للنبي -عليه الصلاة والسلام- والاقتداء به، والإخلاص لله -جل وعلا- ولزوم الطاعة والعبادة، لا شك أن هذا يكسب الوجه نضرة، وجاء في الحديث: ((نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها)), فالنضرة لها وسائل تكتسب في الدنيا، وهؤلاء الذين هم أهل الجنة وجوههم ناضرة، يعني حسنة.

{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}: من النظر وتعديته بـ "إلى" يدل على حقيقته، وهو النظر بعيني الرأس والبصر, {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ومنهم من يتأول هذا ويقول: منتظرة، وإذا كانت منتظرة فلا تحتاج إلى التعدية بـ"إلى"، وهذا من أقوى الأدلة على إثبات الرؤيا، رؤية المؤمنين ربهم -عز وجل-.

ومثلها قوله -جل وعلا-: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ}[(35) سورة المطففين], وهؤلاء هم الأبرار، وهم على الأرائك ينظرون، وحذف المفعول -مفعول ينظرون- للتعميم، فهم ينظرون كل ما يسرهم، ويغتبطون به، وأعظم ذلك رؤية الباري -جل وعلا-.

ثم قال: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[(26) سورة يونس] {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى} أهل مرتبة الإحسان لهم الحسنى، التي هي الجنة {وَزِيَادَةٌ} وهي النظر إلى وجهه الكريم، كما جاء ذلك مفسراً من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه فسَّر الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم. {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} يقول ابن رجب -رحمه الله تعالى- في شرح حديث جبريل في جامع العلوم والحكم، يقول ثبت في صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى في الجنة، قال: وهذا مناسبٌ لجعله جزاءً لأهل الإحسان؛ لأن الإحسان: هو أن يعبد المؤمن ربه -جل وعلا- في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة، كأنه يراه بقلبه؛ لأن رؤيته بعين رأسه ممتنعة فما بقي إلا الرؤية القلبية، أن تعبد الله كأنك تراه، كأنه يراه بقلبه، وينظر إليه في حال عبادته، فكان جزاؤه ذلك النظر إلى وجه الله عياناً في الآخرة، والجزاء من جنس العمل، كما سيأتي في الحديث: ((إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)) أو ((الشمس صحواً ليس دونها سحاب)), ثم بعد ذلك حث على صلاة الصبح وصلاة العصر؛ لأن الرؤية تحصل للمؤمنين في الجنة، لكن على مراتب، مراتب متفاوتة، منهم من تحصل له في أول النهار وفي آخره، ومنهم من تحصل له كل جمعة، فهم يتفاوتون في هذا حسب تفاوت أعمالهم، بتفاوت أعمالهم، وجاء في الحديث -وفيه كلام لأهل العلم-: أن قربهم من الرب -جل وعلا- في يوم المزيد قربهم بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة، وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم.

يقول: فكان جزاء ذلك النظر إلى وجه الله عياناً في الآخرة؛ لأنه حريصٌ على هذه الرؤية؛ ولذا لزم منزلة المراقبة لله -جل وعلا- فعبد الله -جل وعلا- في الدنيا كأنه يراه.

ثم قال -رحمه الله-: {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[(35) سورة ق] ولدينا مزيد، {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا} مما يستمتع به، وتشتهيه الأنفس، وتلذ له الأعين، ولدينا مزيد على ذلك كله، وفسر برؤية الله -جل وعلا-.

يقول -رحمه الله تعالى- والمسألة ستأتي يعني في الفصل الثاني، وإثبات هذه الأسماء والصفات من السنة، يقول -رحمه الله تعالى-:

وهذا الباب في كتاب الله كثير، يعني آيات الأسماء والصفات كثيرة جداً، تفوق آيات الأحكام أكثر من آيات الأحكام، يقول: وهذا الباب في كتاب الله كثير لمن تدبر القرآن؛ لأن الإنسان قد يكون ديدنه قراءة القرآن ليلاً ونهاراً، ويمكث على ذلك سنين بل عقود، ولم يصل إلى هذه الحقيقة، لماذا؟

لأنه يقرأ -وأجره إن شاء الله ثابت عند الله -جل وعلا- الذي هو أجر الحروف- لكنه لا يتدبر ولا يحصل له مثل هذا، هذا العلم العظيم لا سيما في هذا الباب؛ ولذا قال: وهذا الباب في كتاب الله كثير لمن تدبر القرآن، لا بد من التدبر طالباً للهدى منه؛ لأن من الناس من يتدبر القرآن لأمرٍ في نفسه، هو يريد شيئًا، يعني يتدبر القرآن قد يكون تدبره وبالاً عليه، ومن المستشرقين الكفار من اعتنى بالقرآن وتدبره وأخذ من المتشابه ما يرد به على المسلمين، وينقض به بعض شرائع الإسلام، وهكذا أتباعهم وأذنابهم في كل فترة يأتون بشيء نتيجته التدبر لا لطلب الهدى، أما من تدبر القرآن طالباً الهدى.

مفسر من المفسرين المعاصرين يستدل على جواز التصوير من القرآن {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً}[(43) سورة الأنفال] ثم قال: {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ}[(44) سورة الأنفال] يقول: ما يمكن يكون الكبير صغيرًا، أو الكثير قليلاً إلا بالتصوير، أما حقيقته لا تتغير، ويستدل بهذا على جواز التصوير، يعني هذا تدبر القرآن طالباً للهدى، ويصل إلى هذه النتيجة؟ ويعارض بها ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟!! يقول: ما ترى الكبير صغيرًا، أو الكثير قليلاً إلا بالتصوير، إذًا التصوير جائز، وذكر في تفسيره أنه عرض هذا الاستنباط الذي لم يسبق إليه على شيخ من شيوخ، جهة من الجهات، فقال: هذا الدليل يدل على وجوب التصوير، لا على جوازه!!

المقصود أن التدبر إنما يكون طلباً للهدى، ما هو أنت في نفسك شيء تريد أن تستدل له من القرآن؟ لا، الآن هذه الفكرة التي في ذهنك جعلتها سائقاً وقائداً للقرآن، ولم تجعل القرآن سائقاً لك، ولما تحتاجه من علم. طالب:..............

شوف الفتنة، إذا فتن الإنسان لا حيلة معه، وهذا التفسير حقيقةً مشحون بمثل هذه الأمور، ومع ذلك مقرر من كثير ممن ينتسب إلى العلم في الشرق والغرب، حتى رؤوس المبتدعة الكبار والمستشرقين كلهم قرروه لماذا؟ لأنه يخدمهم.

طالب: ..............

ما يحتاج، عرضه يكفي، يعني ما هو بيعرض لأنه علم هذا، يعرض لأنه ضلال، يعني تدبر القرآن من أجل استنباط مثل هذه الأحكام هذا طلب للهدى؟! هذا واضح.

ولذا يقول الشيخ -رحمه الله تعالى-: وهذا الباب في كتاب الله كثير من تدبر القرآن بشرط أن يكون طالباً للهدى منه -يعني من القرآن- تبين له طريق الحق.

وابن القيم -رحمه الله- يقول:

فتدبر القرآن إن رمت الهدى

 

فالعلم تحت تدبر القرآن

 

فالتدبر شأنه عظيم، قراءة القرآن على الوجه المأمور به، لا شك أن لها شأن في بناء النفس في العلم والعمل، هذا أمرٌ لا بد منه لطالب العلم، فيجعل من وقته إذا كان تعود على قراءة الهذّ، بعض الناس إذا تعود على شيء لا يستطيع فراقه، فالذين تعودوا على قراءة الهذّ يصعب عليهم أن يقول: ارجعوا من جديد وتدبروا، ابدأوا بالتدبر، لكن لا يمنع أن يكون له ختمات على طريقته يكتسب من ورائها أجر الحروف، ويكون له أوقات ولو نصف ساعة في اليوم يقرأ فيها بالتدبر، ويراجع ما يشكل عليه في التفاسير الموثوقة.

وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن شخص أنه يختم القرآن كل يوم، هذا تدبُّر؟ هذا تدبُّر وإلا لا؟ لا، له ختمة واحدة تدبر أمضى فيها عشرين سنة، ومات ولم يكملها.

فإذا فرضنا أنه خصص لكل يوم آية، آية واحدة يتدبرها ويراجع عليها ما يراجع من التفاسير، ثم بعد ذلك لما تم العشرين سنة مات، ولمة أكمل.

المقصود أن مثل هذا لا بد من العناية به، وكثيرٌ من الناس يقول: والله أنا اعتدت، والعادة مشكلة، العادة تفرض نفسها على الإنسان، وبعضهم يقول: أنا اعتدت القرآن أن أقرأ القرآن في سبع، ولا أستطيع أن أتدبر، لأنه يلزم عليَّ أن أقرأ القرآن في الشهر مرة مثلاً، فأكون ما ثبتُّ على العمل الذي بدأت به، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، وأفضل العمل ما داوم عليه صاحبه، وأيضاً النقص من العمل لا شك أنه على غير الهدي النبوي، النبي -عليه الصلاة والسلام- يثبت العمل إذا عمله، فيكون في النفس شيء إذا قلل من نصيبه اليومي، فنقول: لا مانع أن تقرأ على طريقتك، تختم كل سبع، وتجعل هناك ختمة للتدبر، ولو في الشهر مرة أو في الشهرين مرة، أو في السنة مرة، لكن لا تترك هذا الباب؛ لأن العلم كل العلم في قراءة القرآن على هذا الوجه، العلم الذي يورث العمل العلم الذي يورث الخشية، العلم الذي يورث الطمأنينة واليقين، ويزيد في الإيمان هو ما نشأ عن التدبر، وقد جاء الأمر به في أربع آيات من القرآن، في النساء في قوله -جل وعلا-: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}[(82) سورة النساء] وفي سورة ص: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}[(29) سورة ص] وفي سورة المؤمنون: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ}[(68) سورة المؤمنون] وفي سورة القتال -سورة محمد-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[(24) سورة محمد] خطير، فلا بد من التدبر، والقرآن إنما أنزل للعمل، والعمل نتيجة للتدبر، لا يمكن أن يعمل بالقرآن من يقرأه هذًّا، لا يمكن أن يستنبط منه وهو يقرأ في الربع الساعة جزءًا كاملاً، في الجلسة الواحدة ساعة يقرأ خمسة أجزاء، هذا لا يمكن مع هذا، ولا شك أن العادة قاهرة، لو جلس أن يتدبر ما علم إلا وقد ختم السورة، لا يفيق إلا وقد ختم السورة؛ لأن في الأمور المحسوسة الذي تعود على السرعة في السيارة وهو في طريقه رأى حادثًا، والحادث فيه أموات، لا شك أنه يتأثر، ثم يقلل من هذه السرعة إذا تجاوزه يقلل, ثم لا يلبث أن يزيد يزيد يزيد إلى أن يصل إلى عادته، فالإنسان إذ مرَّ بمثل قول الله -جل وعلا-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ}[(24) سورة محمد] وهو يهذّ {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[(24) سورة محمد] تريث قليلاً، ثم بعد ذلك لا يلبث أن يعود إلى عادته، فالعادة لا شك أنها قاهرة، لكن مع ذلك نقول: استمر على عادتك، ولك أجر الحروف إن شاء الله تعالى، واجعل لك ختمة تدبر، ولتكن في وقت الذهن يصير فاضي من أمور الدنيا، ويكون بين يديك من التفاسير الموثوقة ما تراجع فيه ما يشكل عليك.

طالب:.................

أيش المانع؟ ما في شيء؛ لأن الأجر المرتب على القراءة من قرأ، والقراءة تحصل من غير تدبر، فأجر القراءة شيء، وأجر التدبر والترتيل قدرٌ زائدٌ عليه, وجاء عند أحمد والدارمي: ((يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق بدرج الجنة كما كنت تقرأ في الدنيا هذّاً كان أو ترتيلاً)) لكن الذي يرد على هذا أن الذي يقرأ بالهذّ ينتهي ما عنده بسرعة، فيقف عن الارتقاء، والذي يقرأ بالترتيل لا ينتهي بسرعة.

وعلى كل حال، قارئ القرآن على خير، سواءً قرأ بالهذ أو بالترتيل، وإن كان الترتيل والتدبر أفضل بكثير، حتى يقرر بعض أهل العلم أن الشيء اليسير مع التدبر أفضل من الكثير مع عدمه.

وابن القيم يقول: لو افترضنا أن شخصاً ختم القرآن في شهر مرة واحدة على الوجه المأمور به، أو ختم عشر مرات يقرأ القرآن في ثلاث بدون تدبر ولا ترتيل، فلا شك أن هذا أفضل، يكون من قرأه مرة كمن أهدى درة ثمينة، ومن قرأه عشراً فكأنما أهدى عشر درر، لكن هذه الدرة الثمينة قد تعادل مائة من العشر، ولا شك أنه أفضل وأجره أعظم، لكن بعض الناس يقول: تعودت, والله ما أقدر أنا، وبعض الناس يعني كأنه أخذ على نفسه العهد، وإن لم يلفظ به أنه يقرأ القرآن في كذا، يعني اختط لنفسه أنه يقرأ القرآن في سبع، فكونه يقرأ القرآن في كل أسبوعين أو في كل عشرة أيام لا شك أنه رجوع ونكوص عما اختطه لنفسه، وهذا عند أهل العلم معروفٌ أنه لا ينبغي.

فالإنسان يسدد ويقارب، فيجعل لأجر الحروف وقتًا، ويجعل أيضاً للتدبر وقتًا آخر، وإن كانت قراءته كلها بالتدبر، وإن كان يترتب على ذلك قلة في القراءة، فما يمنع من ذلك -في رأيي- مانع؛ لأنه عدولٌ من المفضول إلى الأفضل، وإن كان أقل في الكمية، إلا أنه أعظم في الكيفية.

فكون الإنسان يجلس بعد صلاة الصبح فبدلاً من أن يقرأ حزبه اليومي أربعة أجزاء ليختم في سبع لو قرأ جزءًا واحدًا بالتدبر والترتيل، وقرأه في كل شهر على هذه الطريقة، لا شك أن هذا أفضل، وإن كان أجر الحروف -المرتب على الحروف- أقل لكن الأجر المرتب بامتثال الأمر بالترتيل، والأمر بالتدبر أعظم، كما قرّر ذلك أهل العلم.

وذكرنا مراراً أن الخلاف بين أهل العلم في الأفضل: الإسراع في القراءة مع كثرة المقروء، أو التدبر والترتيل مع قلة المقروء؟ والجمهور على أن التدبر والترتيل ولو كان المقروء قليلاً أفضل من الإسراع، ولو كان المقروء كثيراً، وعند الشافعية العكس.

لكن المسألة مفترضة في شخصٍ يريد أن يجلس ساعة، يقول: أقرأ في هذه الساعة جزءًا أو خمسة أجزاء، أيهما أفضل؟ الجمهور يقول: تقرأ جزءًا على الوجه المأمور به أفضل من خمسة، وعند الشافعية يقولون: الخمسة أفضل؛ لأن الأجر فيها أعظم، الخمسة فيها نصف مليون حسنة، بينما الجزء الواحد فيه مائة ألف، كما هو معروف.

طالب:...............

إيه يعني هل يحصل للحافظ فقط، أو لكل من يقرأ، ولو كانت قراءته نظرًا؟ هذه مسألة معروفة عند أهل العلم، بحثوها واختلفوا فيها، والذي يقول: أنه لا بد أن يكون حافظاً يقول: أنه في الآخرة ليس لديه مصحف، فلا بد أن يقرأ من حفظه، والذي يقول: إنه على حاله سواء كان من حفظه أو من مصحفه يؤيده قوله: ((كما تقرأ في الدنيا)).

وابن القيم -رحمه الله- يقرر أن أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته هم أهل العناية به، بقراءته، بفهمه، بالعمل به، بإقرائه، ولو لم يحفظوه، هذا كلام ابن القيم في زاد المعاد.

 

فأهل القرآن هم أهل العناية به، ولا شك أن حفظ القرآن شأنه عظيم، وييسر للقرآن قراءته؛ لأنه مثل ما مثلوا، يقولون: الحافظ كمن زاده التمر، متى ما احتاج مد يده إلى الكيس وأكل، لا يحتاج إلى قدرٍ زائد على ذلك، ومن لم يحفظ كمن زاده البر، لا يمكن أن يأكل من البر إلا بعد عناء، لا بد أن يطحن هذا البر، ولا بد أن يعجن، ولا بد أن يخبز، ثم يؤكل، ففرق بين هذا وهذا، فالذي يحفظ القرآن يقرأ على أي حال، والذي لا يحفظ القرآن يحتاج إلى حالٍ دون حال، لا بد أن يكون متهيئاً للقراءة، وعلى كل حال هذا فضل الله يؤتيه من يشاء.

يسأل يقول: ما الفرق بين قول المعتزلة في القرآن والماتريدية؟

ذكرنا في الدرس الماضي أن المعتزلة يقولون: إن الله -جل وعلا- خلق كلامه منفصلاً عنه، فحينما كلم موسى، التي تكلمت الشجرة، خلق الكلام فيها، خلق الكلام في الشجرة وهي التي تكلمت، وهي التي قالت: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}[(12) سورة طـه] ولذا يردُّ عليهم أهل الحق بأنه لا فرق بين هذا، وبين قول فرعون:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[(24) سورة النازعات] يعني مخلوق صادر من مخلوق، إذاً لا فرق، هذا قول المعتزلة: خلقه الله -جل وعلا- منفصلاً عنه -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-.
وأما قول أبي منصور الماتريدي: أن كلامه يتضمن معنىً قائماً بذاته، هو ما خلقه في غيره، يتضمن معنىً قائماً بذاته، يعني غير منفصل عنه، هو ما خلقه في غيره، إذًا ماذا يكون الفرق بينهما؟
مسألة الانفصال والاتصال، فالمعتزلة يقولون: منفصلٌ عنه، خلقه كغيره من المخلوقات، يعني كما يخلق فلان من بني آدم، منفصلاً عنه، والماتريدية يقولون: هو معنىً قائم بذاته، وفي الوقت نفسه هو ما خلقه في غيره، كأن الماتريدية يوافقون المعتزلة بمسألة الخلق، إلا أنهم لما أُلزم المعتزلة بصحة كلام فرعون -على حد زعمهم- على قول المعتزلة يكون كلام فرعون:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} صحيح، مثل الشجرة أيش الفرق؟ لما ألزموا بهذا، قالوا: هو معنىً قائم بذاته -جل وعلا- هو ما خلقه في غيره، وهذا تناقض؛ لأن هذه المذاهب الباطلة المخالفة للكتاب والسنة هي تبدأ في أول الأمر بمخالفة يسيرة، ثم تتطور يكون لهذه المخالفة لازم، يلزم عليها لازم، ثم يناقش المتبني لهذا القول، فيلتزم باللازم؛ لأن كل قول له لازم، يعني مثلما يقول أهل السنة في إثبات الرؤية، يقول المبتدعة: لو أثبتنا الرؤية للزم منها أن يكون الله -جل وعلا- جسمًا يُرى، والقاعدة عند أهل السنة أنهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- وعلى الكيفية التي يعلمها -جل وعلا- ولا نعملها، فعلى هذا لا نلتزم باللازم، ومن أهل السنة من يقول: إن لازم الحق حق، لازم الحق حق, فإذا كان من لازم إثبات ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه أن يكون جسماً، والجسم لم يرد نفيه ولا إثباته في النصوص، لكنه من لازم ما أثبت يثبت، ولازم الحق حق، ومنهم من يقول: لا نثبت إلا ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، سواءً كان ذلك في كتابه أو على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- وما لم يذكر نفياً ولا إثباتاً لا نثبته ولا ننفيه.
يعني من لازم الرؤية، كما يقول الأشاعرة إنه -جل وعلا- يكون منحازاً إلى جهة؛ لأن الذي ليس في جهة لا يمكن رؤيته؛ لأن البصر إنما ينتهي إلى جهة، نقول: لا مانع من إثبات الجهة المثبتة لله -جل وعلا- في الكتاب والسنة، وهي العلو.
أقول: هذه المذاهب البدعية تبدأ بمخالفة يسيرة، ثم بعد ذلك يلزم على هذه المخالفة لازم ويصر هذا المبتدع على قوله، ثم يلتزم باللازم، يلزم من قوله كذا؟ يقول: نعم، يلزم، ويلتزم به، فيزداد الأمر، ثم يلزم على هذا اللازم لازم أشد منه، ثم يلتزم به، وقد التزم النفاة حتى صار معبودهم العدم، العدم المحض، الذي لا وجود له البتة، والتزم المشبهة بما ألزموا به حتى صار معبودهم صنماً، موصوفاً بصفات المخلوقين.
فالتناقض الوارد في كلام الماتريدية أنه معنىً قائم بنفسه هو ما خلقه في غيره، إن كانوا يريدون المعنى قائم بذات الله -جل وعلا- والحروف قامت بغيره، فهل يمكن الانفصال أو لا يمكن بين المعنى والحرف؟ يمكن الانفصال وإلا ما يمكن؟
طالب:..........
لا, المكتوب من عمل المخلوق، المداد قصدك المداد؟
الطالب:.........
لا، يرون القرآن المكتوب، ما هو الكتابة، لا، يعني نفرق بين مذهب أهل السنة، المداد مخلوق عند أهل السنة، والرق والورق والجلد والغلاف كلها مكتوبة، وإن شذ من شذ من بعض الجهال من قال: إن المداد وما يتبعه حتى الجلد قديم، وألزم كما تقدم، وألزم بكون الكاتب أيضاً يمكن يصير قديمًا بعد، إذا كانت الكتابة قديمة إذًا الكاتب قديم.
هؤلاء المبتدعة لما التزموا بهذه اللوازم حصل منها ما حصل من البعد الشديد عن الحق الثابت في الكتاب والسنة، لا شك أنهم أتوا بالمضحكات بعد ذلك؛ لأن هذه اللوازم ترتب عليها لوازم أشنع منها فالتزموا بها، والذي لا يعتصم بالكتاب والسنة، ويجعل الكتاب قائده لا شك أنه يضل، يضل إذا اعتمد على عقله دون أن يسيّر بالكتاب والسنة، والذي لا يعتصم بالكتاب والسنة يضل بلا شك.
المقصود أن قولهم فيه تناقض، يقولون: هو معنىً قائم بذات الله، المعتزلة مطرد مذهبهم، خلقه في غيره وانتهى، وهؤلاء يقولون: معناه قائم بذاته، ليوافقوا أهل السنة، ولئلا يبعدوا كثيراً، وأما ما خلقه في غيره فيوافقون فيه المعتزلة، وليس مرادهم بذلك هو ما يراه أهل السنة من أن القرآن المتلو المسموع بالحرف والصوت هو كلام الله -جل وعلا- هم يقولون: المعاني، وأما أهل السنة فيقولون: القرآن بحرفه وصوته المقروء المكتوب المسموع هو كلام الله -جل وعلا- والتلاوة والقراءة والكتابة هذه فعل المخلوق، فالصوت صوت القاري، والكلام كلام الباري.

يقول: هل ترك قراءة القرآن في يوم يعد هجراً، وما هو ضابط الهجر؟

الهجر الترك، وهو نسبي، والهجر نسبي، فطالب العلم إذا ترك قراءة القرآن يومًا كاملاً يلام، بينما العامي لا يلام، فعلى طالب العلم أن يعنى به، ويكون ديدنه القرآن.

يقول: هل في كتابة مادة القرآن الكريم إشكال أم لا شيء فيها؟ يعني المدرس إذا كتب على السبورة المادة –مثلاً- ثم كتب قرآن أو تفسير أو حديث أو حساب أو شيء من هذا, هل قوله: مادة، تسمية القرآن مادة، فيها إشكال أم لا؟

ما المراد بالمادة؟ المادة إن كانت خاصة بالمحسوسات فـ.....كلام الله –جل وعلا- هاه, القرآن كلام الله معنى، وليس بمادة، وإلا لو قلنا: إنه مادة بمعنى أنه جسم ويضيفه إلى الله -جل وعلا- صارت إضافته كإضافة المخلوقات، وعلى كل حال تجتنب هذه الكلمة؛ لأنها محتملة.

في قوله -جل وعلا-: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[(88) سورة القصص] هل معناه كل الأعمال باطلة إلا ما كان لوجه الله؟

مثل هذا يسلكه ويفسر به هذه الآية من يحيد عن إثبات الوجه لله -جل وعلا- ولو قال: إن في الآية إثبات الوجه لله -جل وعلا- وتبعاً لذلك كلما أريد به وجهه هو الخالص لله -جل وعلا- وهو المثاب عليه لا مانع، لكن كونه يُذكر ابتداءً تفسيراً للآية! لا.

يقول: ما هي أفضل التفاسير التي تساعد على التدبر التي نقرأها مع التلاوة؟

لو اعتنى طالب العلم في البداية في تفسير الغريب، يعني الألفاظ المشكلة، وإذا عرف اللفظ انحل له إشكال المعنى، ثم بعد ذلك إذا بقي في المعاني إشكال يرجع إلى تأويل المشكل، ويرجع إلى التفاسير؛ لأنه لو أراد أن يقرأ تفسير كل آية من هذه التفاسير المطولة، أو لو اقتصر على ابن كثير –مثلاً- فيحتاج إلى سنة ما ختم القرآن، لكن لو اعتنى بغريب القرآن، وإذا أشكل عليه كلمة في القرآن راجعها كعرضة أولى، ثم بعد ذلك ينظر إلى الإشكال في المعاني لا شك أنه ينحل له الإشكال، ويستفيد فائدة كبيرة.
طالب:..........؟
بغير العربية؟ يعني كتابته باللغات الأخرى؟ المقصود ترجمته إلى اللغات.
طالب:........
هذه ترجمة، والترجمة الحرفية غير ممكنة، فالذي يترجم هو المعاني، هم يمنعون، يقولون: يحرم ترجمة حروف القرآن وألفاظه، وإنما تجوز ترجمة معانيه للحاجة، والذي بتقديري أن الترجمة الحرفية غير ممكنة، ليش غير ممكنة؟ هاه.
طالب:..........
غير بلاغة القرآن أي كلام، نقول الواسطية ترجمته حرفية غير ممكنة، ترجمة حرفية غير ممكنة, يعني لو جئت بأمهر المترجمين وقلت له: ترجم لي هذا الكتاب، ثم جئت بآخر فقلت: ترجم هذه الترجمة إلى العربية من غير أن تطلع على هذا الكتاب، هل بيترجم لك نفس الكلام؟ لا، مستحيل؛ لأنهم ينظرون إلى المعاني ما ينظرون إلى الألفاظ؛ لأن بعض الألفاظ ما لها ترجمة إلا من حيث السياق الذي يحتف بها.
طالب:.............
لا ما يعتد فيها.
الطالب:..............
لا، هو لن يعرف الكيفية، لا يمكن أن يعرف الكيفيات إطلاقاً، يعني إن رأى شيئاً لا يبين عن حقيقة الذات الإلهية بالتفصيل، قد يرى شيئاً يقال له: أن هذا هو الله -جل وعلا- عند من يقول بإثباتها.

يقول: ما حكم دفن الميت ليلاً؟

لا بأس به، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دفن ليلاً، وكثير من الصحابة دفنوا ليلاً، بعض أهل العلم كره الدفن ليلاً؛ لئلا يشق على الناس، أو لئلا يخفى أمر الميت عن الناس.

يقول: بعض الناس أو كثير من المساجد بعد صلاة العصر يقرأ بكتاب رياض الصالحين أو يكون في المسجد درس –مثل درسنا هذا- أو محاضرة، ثم يأتي أناس فاتتهم الصلاة فهل ينتظر هؤلاء لئلا يشوش عليهم؟

سواء كانت القراءة من كتاب أو كلمة أو درس، هل ينتظر هؤلاء باعتبار أن هذه صلاة ركن من أركان الإسلام لا بد من إتقانها وضبطها، أو نقول: كلٌ في شأنه؟ المدرس في شأنه والمصلي في شأنه، والذاكر في شأنه، ولا يؤثر أحدٌ على أحد؟ ولو انتظر مثل هؤلاء ما انتهت المسألة.
طالب:.............
أي بعض المساجد الجماعات أفواج، مثل هذا إذا انتظروا معنى هذا يتفرق الناس، وما حصلت الفائدة، والمتحدث على الناس سواء كان من كتاب أو من دون كتاب لا شك أنه يريد اجتماع الناس قبل أن يتفرقوا، نحن في الحرم –مثلاً- مجرد ما يسلم الإمام يقوم من يتكلم من المشايخ الكبار، ولا يراعون مثل هذا، أحياناً يكون وقت الوِرد، الناس بحاجة إلى الوقت، ثم بعد ذلك يأتيهم من يشغلهم عن هذا، وعلى كل حال هو خير، إذا عرفت أن هذا المكان فيه كلمة تشوش عليك بحيث لا تضبط صلاتك تدور غيره.
طالب:........
على كل حال يحرص على أن يتقدم إذا كان حريصًا على صلاته يتقدم، ولا تعطل هذه الفوائد، وهذه الأمور التي توارثها الناس، وهي خير في الجملة، وقد لا يسمعون الخير إلا من خلالها، ثم تعطل لا، ما يصلح.