التعليق على تفسير القرطبي - سورة الزمر (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 هذا يقول: لا يخفى انحباس المطر هذا الموسم، وما ذاك إلا بذنوب العباد يقول: وما أقلقني إلا بإعلان عن المركز الوطني للأرصاد، وحماية البيئة عن دخول برنامج الاستمطار بالرياض بمرحلته الرابعة.

 أولًا: المطر لا يستطيع إنزاله إلا الله -جل وعلا- {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ}[الواقعة68-69]، ولو اجتمعت الخلائق كلهم على إنزاله من المزنِ ما استطاعوا، فالذي يتفرد بإنزاله من السحاب هو الله -جل وعلا-، والله المستعان، كونهم يتطاولون على مثل هذه الأمور ليست بأول ما أعلنوه، وما قالوه، لكن الكلام على هل يمكنهم ذلك، ويقدرون عليه؟

هذا أمر لا يقدر عليه إلا الله -جل وعلا-، هو الذي يُصرف السحاب، وهو الذي يقول للسحاب: اذهبي إلى كذا، وأمطر في مكان كذا، ودع مكان كذا، وقد سُمع، "اسق حديقة فلان" كما جاء بذلك الأثر، ولذا في آية الواقعة: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ  لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ}[الواقعة68-69-70] ما قال: لجعلناه لماذا؟ لأنه لا يستطيع أحد، ولا يدعي ذلك أحد بخلاف الحرث {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}[الواقعة:65]؛ لأنه قد يقول قائل: أنا الذي زرعت، وأنا الذي حرثت، ومن ثم يقول: أنا الذي أنبت؛ لأنه سعى وبذل الأسباب، لكننا  حتى الأسباب لا يستطيعها البشر بخلاف الزرع، والحرث، الأسباب يستطيعها البشر، وقد يقول قائل: أنا الذي فعلت، وأنا الذي فعلت، وأنا الذي زرعت، وحرثت، وقد يتطاول من يتطاول، فيقول: أنا الذي أنبت؛ لأنه بذل شيئًا من السبب، أما بالنسبة للسحاب والمطر، فليس لأحد، ولا السبب إلا بدعاء الله -جل وعلا-، هذا السبب بلا شك، هذا هو الاستمطار الحقيقي، وهذا هو الذي في مقدور البشر، وما عدا ذلك فلا، والله المستعان.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: قد يقولون: إن هذا.............

لا، هما ليس بسبب، السبب هو الدعاء فقط.

طالب: لكن يساعدون على تكثيف السحب.

ليس بصحيح، ليس بصحيح، لو يساعدون صان إخرايم، والتنهات طول الرجل الزرع ما يقدرون يرجعون.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "قَوْلُهُ تَعَالَى: } اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ، وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{. فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ".

أكثر ما يُخشى من التطاول على هذه الأمور أن يوكل الناس إلى أسبابهم، أن يوكل الناس إلى أسبابهم التي يدَّعونها، والله المستعان.

"فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} أَيْ يَقْبِضُهَا عِنْدَ فَنَاءِ آجَالِهَا، {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: يَقْبِضُهَا عَنِ التَّصَرُّفِ مَعَ بَقَاءِ أَرْوَاحِهَا فِي أَجْسَادِهَا، {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}، وَهِيَ النَّائِمَةُ، فَيُطْلِقُهَا بِالتَّصَرُّفِ إِلَى أَجَلِ مَوْتِهَا، قَالَه ابْنُ عِيسَى، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى، وَيَقْبِضُ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِهَا، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ تَوَفِّيهَا نَوْمَهَا، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ وَفَاتُهَا نَوْمُهَا".

التقدير في الآية {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} هذه وفاة لا رجعة فيها إلا بعد البعث، ويتوفى التي لم تمت في منامها، يتوفى من كُتبت عليها الوفاة، ويتوفى نفس النائم، وهذه وفاة كبرى، وهذه وفاة صغرى، وفي كل منهم مفارقة للروح، لكن بالنسبة للميت مفارقة طويلة إلى أن تُردُ إلى الجسد، والثانية مفارقة يسيرة إلى أن ترجع إليه بالاستيقاظ، فكلاهما وفاة {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} تفارق الروح الجسد مفارقة طويلة إلى أن تُرد إليه حينما يُسأل في قبره، وبعد البعث، وأما التي لم تمت في منامها، ويتوفي أيضًا التي لم تمت في منامها، فتفارق الروح الجسد مفارقة مؤقتة حتى يستيقظ، فيمسك التي قضى عليها الموت، النفس التي قُضي عليها الموت الحقيقي بالمفارقة الطويلة هذه يُمسك، وإذا حان استيقاظ النفس الأخرى أُرسِلت إلى الجسد إلى أجل مُسمى حتى يأتي، أو يحين وقت الوفاة الطويلة.

طالب:.............

نعم.

طالب:.......والجسد.....

 ترجع إليه، ترد إليه روحه ويتنعم، وكذا، لكن المقصود أنه النعيم كله للروح، لكنها مفارقة بلا شك.

طالب: ..ترد...

ترد عند الحاجة عند سؤالها، وعند.

الطالب:.... النعيم، والعذاب.

النعيم، والعذاب بالنسبة للبرزخ على الروح لا على الجسد. 

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ أَرْوَاحَ الْأَحْيَاءِ، وَالْأَمْوَاتِ تَلْتَقِي فِي الْمَنَامِ، فَتَتَعَارَفُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْهَا، فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعُهَا الرُّجُوعَ إِلَى الْأَجْسَادِ أَمْسَكَ اللَّهُ أَرْوَاحَ الْأَمْوَاتِ عِنْدَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ أَرْوَاحَ الْأَحْيَاءِ، وَالْأَمْوَاتِ تَلْتَقِي فِي الْمَنَامِ، فَتَتَعَارَفُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْهَا، فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعُهَا الرُّجُوعَ إِلَى الْأَجْسَادِ أَمْسَكَ اللَّهُ أَرْوَاحَ الْأَمْوَاتِ عِنْدَهُ، وَأَرْسَلَ أَرْوَاحَ الْأَحْيَاءِ إِلَى أَجْسَادِهَا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْأَمْوَاتِ إِذَا مَاتُوا، وَأَرْوَاحَ الْأَحْيَاءِ إِذَا نَامُوا، فَتَتَعَارَفُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَتَعَارَفَ، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ، وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى أَيْ: يُعِيدُهَا .قَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: »فَمَا رَأَتْهُ نَفْسُ النَّائِمِ، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ إِرْسَالِهَا إِلَى جَسَدِهَا، فَهِيَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، وَمَا رَأَتْهُ بَعْدَ إِرْسَالِهَا، وَقَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا فِي جَسَدِهَا تُلْقِيهَا الشَّيَاطِينُ، وَتُخَيِّلُ إِلَيْهَا الْأَبَاطِيلَ، فَهِيَ الرُّؤْيَا الْكَاذِبَةُ«، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: النَّوْمُ وَفَاةٌ، وَالْمَوْتُ وَفَاةٌ،» وَعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : كَمَا تَنَامُونَ، فَكَذَلِكَ تَمُوتُونَ، وَكَمَا تُوقَظُونَ، فَكَذَلِكَ تُبْعَثُونَ«".

خرجه؟

طالب:.......

ماذا يقول؟

طالب: قال: المحقق: لم أجده بعد، والحديث سُئلت عنه اللجنة الدائمة، فقالوا: لا نعلم له أصلًا عن النبي- صلى الله عليه، وسلم- إنما يُروى من كلام قس بن ساعدة. والحديث يذكر في كتب السيرة ......................

لكنه ليس بمرفوع.

طالب: غير مرفوع.

لا ليس بمرفوع.

طالب: هو ليس بمرفوع.

نعم، نعم.   

"وَقَالَ عُمَرُ: النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اللَّهِ:» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَنَامُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: لَا، النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَالْجَنَّةُ لَا مَوْتَ فِيهَا« خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ". 

ماذا قال عنه؟

طالب: قال: أخرجه البزار وابن الجوزي في العلل، قال الهيثمي في المجمع: رجال البزار رجال الصحيح، وقال ابن الجوزي ...... وأعله أبو الحاتم قال: الصحيح أنه .... عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ....

يعني مُرسل.    

 "وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي ابْنِ آدَمَ نَفْسٌ، وَرُوحٌ بَيْنَهُمَا مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ، فَالنَّفْسُ الَّتِي بِهَا الْعَقْلُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالرُّوحُ الَّتِي بِهَا النَّفَسُ، وَالتَّحْرِيكُ، فَإِذَا نَامَ الْعَبْدُ قَبَضَ اللَّهُ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ رُوحَهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ، وَالزَّجَّاجِ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْر:ٍ وَفِي هَذَا بُعْدٌ، إِذِ الْمَفْهُومُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ النَّفْسَ الْمَقْبُوضَةَ فِي الْحَالين شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}".

وعامة أهل العلم على أن النفس هي الروح، والاسترسال في الكلام في النفس، والروح خلاف التوجيه الإلهي في قوله -جل وعلا-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}[الإسراء:85] ليس مجالًا للبحث مثل هذه، هذه أمور لا يدركها العقل، ويُستدل بها على ضعف الإنسان التي لا يعرف روحه التي بين جنبيه، وبها حياته، إذا كان لا يعرف أقرب شيءٍ إليه، إذا فقدها فقد كل شيءٍ بالنسبة لهذه الدنيا، إذا لم يعرف هذه الروح، فإنه عما سواها مما لا يدرك بالعقل، ولم يوقف عليه بتنصيص من الشرع من باب أولى.

 شيخ الإسلام ذكر الروح من القواعد التي ذكرها في التدمرية، وأن الروح، وهي بين جنبي الإنسان، وأقرب شيء إليه لا يستطيع معرفتها؛ لأنه لم يوقف على حقيقتها، فكذلك لا يعرف كيفية ما يتعلق بالله -جل وعلا-؛ لأنه لم يوقف عليه، فإذا استرسل الإنسان فيما لم يوقف عليه، فإنه لا شك أنه سوف يتيه في ضلالات وفي جهالات، وسوف يأتي بما لا يؤيده عقل، ولا نقل مما يُضحك المجانين، فضلاً عن العقلاء، وقد حصل من أُناس استرسلوا وراء عقولهم، وتسلسلوا في أمورٍ حُسم أولها، فكيف بآخرها؟ ووقع هذا من كبار، من أذكياء جاءوا بمضحكات؛ لأنهم استرسلوا فيما وراء هذه الأمور التي لم يوقف عليها من الأمور السمعية التي لا يمكن أن تُدرك بالعقول.

طالب:.......

نعم.

طالب:...........أن استعملوا مصطلح التربية الروحية.......

التربية الروحية يقصدون بها: ما وراء المادة، يعني ما وراء المادة، ما وراء المحسوس، ما وراء المحسوس، يقصدون بذلك ما يتعلق بالنفس، والقلب، وما أشبه ذلك، يعني المعنويات، ومع ذلك إضافة الأشياء إلى الروح مثل..

طالب: الأب الروحي.

الأب الروحي عند النصارى، أو مثل المشروب الروحي عند الفُجَّار، والفُسَّاق، وعند كذا، ليس من اصطلاح المسلمين.

طالب:... إذا صح إنه......إذا عبد..... إذا نام على وضوء أن الروح تصعد .......، وإنه إذا نام على غير وضوء مُنعت، صح أم خطأ؟

لا أعرفه، لا أعرفه.

"فَإِذًا يَقْبِضُ اللَّهُ الرُّوحَ فِي حَالَيْنِ فِي حَالَةِ النَّوْمِ، وَحَالَةِ الْمَوْتِ، فَمَا قَبَضَهُ فِي حَالِ النَّوْمِ، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَغْمُرُهُ بِمَا يَحْبِسُهُ عَنِ التَّصَرُّفِ، فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ مَقْبُوضٌ، وَمَا قَبَضَهُ فِي حَالِ الْمَوْتِ، فَهُوَ يُمْسِكُهُ، وَلَا يُرْسِلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَوْلُهُ: وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى أَيْ: يُزِيلُ الْحَبِسَ عَنْهُ، فَيَعُودُ كَمَا كَانَ".

يعني يُطلقها، الإرسال، الإطلاق، أرسِلْهُ يعني أطلقه، في قصة عمر -رضي الله عنه- حينما سمع القارئ يقرأ على غير ما أقرأه النبي -عليه الصلاة والسلام- أمسكه بمجامع ثوبه، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-» :أرسله«، يعني أطلقه دعه حتى يقرأ.

"فَتَوَفِّي الْأَنْفُسِ فِي حَالِ النَّوْمِ بِإِزَالَةِ الْحِسِّ، وَخَلْقِ الْغَفْلَةِ، وَالْآفَةِ فِي مَحَلِّ الْإِدْرَاكِ".

خلق الغفلة، والآفة بمحل الإدراك ما معنى هذا؟

طالب:..........

يعني كأنما بعثه هذا التعبير ما يعتقده الأشعرية من عدم الاستطاعة قبل الشروع في الفعل، الأمور لا يُقدر عليها حتى تُباشر فعلها، تُخلق فيك هذه القدرة.

"وَتَوَفِّيهَا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ بِخَلْقِ الْمَوْتِ، وَإِزَالَةِ الْحِسِّ بِالْكُلِّيَّةِ، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ بِأَلَّا يَخْلُقُ فِيهَا الْإِدْرَاكَ، كَيْفَ وَقَدْ خَلَقَ فِيهَا الْمَوْتَ؟ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى بِأَنْ يُعِيدَ إِلَيْهَا الْإِحْسَاسَ. الثَّانِيَةُ: وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي النَّفْسِ وَالرُّوحِ، هَلْ هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، أَوْ شَيْئَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثَارُ الصِّحَاحُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ، مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:» دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَبِي سَلَمَة، وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَر«، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:» أَلَمْ تَرَوُا الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ شَخَصَ بَصَرُهُ «قَالَ: فَذَلِكَ حِينَ يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ. خَرَّجَهُمَا مُسْلِمٌ، وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:» تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ، وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ رَاضٍ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ «وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّذْكِرَةِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: »إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يَصْعَدَانِ بِهَا»،  وَذَكَرَ الْحَدِيثَ،  وَقَالَ بِلَالٌ فِي حَدِيثِ الْوَادِي: »أَخَذَ بِنَفْسِي يَا رَسُولَ اللَّهِ الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ«، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقَابِلًا لَهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي حَدِيثِ الْوَادِي:» يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَلَوْ شَاءَ رَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا»". 

والقصة واحدة يريد أن يستدل المؤلف –رحمه الله- على أن النفس هي الروح.

طالب:..........

نعم.

طالب:..... إذًا هي النفس هي الروح....................يقال عن النفس.....، ولا عن الروح.....

 اصطلاح حادث، اصطلاح حادث، لا يلزم مطابقته لما جاء في النصوص إلا لو جاء في نصٍ شرعي قلنا: إن هذا هو هذا، لكن ما دام اصطلاحًا حادثًا يُنظر ماذا يريدون به، فهم الذين يفسِّرون اصطلاحهم.

طالب:..............أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استثنى من هذه الآية ينام قلبه..........

نعم جاء بالحديث الصحيح «أنه تنام عيناه، ولا ينام قلبه» في هذه القصة نام قلبه، في هذه القصة نام قلبه؛ لتكون شرعًا لأمته، وفي هذا تسلية لأصحاب الحرص، والتحري، والاحتياط للدين، فلو أن شخصًا منهم نام عن صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولم يحصل ذلك من النبي- عليه الصلاة والسلام- كم يكون هناك من الحسرة، والأسى، واعتصار القلب بالألم؟ هذا موجود، حصلت هذه القصة للتشريع، أن من نام عن الصلاة، فهذا حُكمه، وأنه لا يُلام إذا بذل الأسباب، وانتفت الموانع، وأن الله -جل وعلا- هو الذي قبض روحه، وإذا انتبه، واستيقظ من نومه يفعل مثلما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما ينسى ليسُن.

طالب: وقت الوجوه أول ما يقوم.

أول ما يقوم نعم، أول ما يقوم.

طالب: لا يمكن تأخيرها.

لا، لا يؤخره، لا يجوز له تأخيره «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» يعني بعض الناس يستيقظ قبل الدوام بربع ساعة، نصف ساعة، ويقول: لو صليت راح أول الدوام، أو فات الاختبار، أو ما أشبه ذلك، والوقت طلع، طلع، ما فيه إشكال، يعني مادام انتهى الوقت، وما بادرت، يجب قضاء الفوائت فورًا هذا مُقرر عند أهل العلم.

طالب: ............... يستدل بقوله تعالى:} فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}[النساء:103] مثلًا أول ما ينتبه من نومه يكون ببيئة غير مهيأة للصلاة.

لا لا لا، هذا غير، يعني الخوف غير النوم، الخوف غير النوم، والخوف يؤدي إلى خلل في الصلاة، والنوم ما يؤدي إلى خلل.

طالب: في حال القتال {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ} في حال القتال في حال الحرب.

معروف أنه في حال الخوف.

"الثَّالِثَةُ: وَالصَّحِيحُ فِيهِ أَنَّهُ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشَابِكٌ لِلْأَجْسَامِ الْمَحْسُوسَة، يُجْذَبُ، وَيُخْرَجُ".

والصحيح أنه لا يقال له جسم، ولا عرض، ولا جوهر، ولا معنى، ولا شيء، الله أعلم به، }قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}[الإسراء:85]، لكن جاءت له أوصاف، جاءت له أوصاف صحت بها النصوص أما حقيقتها، وكنهها، وكيفيتها، فالله أعلم بها.

"يُجْذَبُ، وَيُخْرَجُ،  وَفِي أَكْفَانِهِ يُلَفُّ، وَيُدْرَجُ، وَبِهِ إِلَى السَّمَاءِ يُعْرَجُ، لَا يَمُوتُ، وَلَا يَفْنَى، وَهُوَ مِمَّا لَهُ أَوَّلُ، وَلَيْسَ لَهُ آخِرُ، وَهُوَ بِعَيْنَيْنِ، وَيَدَيْنِ، وَأَنَّهُ ذُو رِيحٍ طَيِّبَةٍ، وَخَبِيثَةٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْأَجْسَامِ لَا صِفَةُ الْأَعْرَاضِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ بِهَذَا كُلِّهِ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ بِأَحْوَالِ الْمَوْتَى، وَأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} يَعْنِي النَّفْسَ إِلَى خُرُوجِهَا مِنَ الْجَسَدِ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْجِسْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَم.

الرَّابِعَةُ: خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:» إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، وَلِيُسَمِّ اللَّهَ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ، فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَلْيَقُلْ: سُبْحَانَكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لَهَا«، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ: فَارْحَمْهَا بَدَلَ، فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا، فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ. زَادَ التِّرْمِذِيُّ» :وَإِذَا اسْتَيْقَظَ، فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي« بِذِكْرِهِ»،  وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ» :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ، وَأَحْيَا، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ«.  

طالب: إذا أوى، اللفظ للوجوب يا شيخ؟

ماذا؟

طالب: »إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ«.......

لا، هذا أمر إرشاد، هذا أمر إرشاد، استحباب.

طالب: قوله: »دَاخِلَةَ إِزَارِهِ« معناه فيها حكم...............

صنفت إزاره، أو داخلة إزاره، طرف إزاره المقصود أن ما يحصل به نفض الفراش؛ لئلا يوجد فيه دابة، أو هامة تضره.

طالب: يعني بأي شيء يحصل.

نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} هَذِهِ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ عَلَى أَنَّهُ مُسَمَّى الْفَاعِلِ {الْمَوْتَ} نَصْبًا، أَيْ: قَضَى اللَّهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ}، فَهُوَ يَقْضِي عَلَيْهَا، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ، وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ " قُضِيَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ" عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، قال النَّحَّاسُ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، غَيْرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى أَبْيَنُ، وَأَشْبَهُ بِنَسَقِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى {وَيُرْسِلُ}، وَلَمْ يَقْرَأُوا "وَيُرْسَلُ"، وَفِي الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ، وَانْفِرَادِهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيُحْيِي، وَيُمِيتُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ سِوَاهُ".

نعم، يقبض الملايين من البشر في آن واحد، ويُرسل الملايين منهم في وقت واحد، فلا شك أن هذا يدل على عظيم القدرة الإلهية، وأن مثل هذا ليس بمقدور أحد سواه -جل وعلا-.

طالب: ..........يا شيخ! ما الذي نقصده بالفاعل؟ الموت هو الفاعل؟

لاقَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ{ مفعول به، أما على القراءة الأخرى فهذا بناءً على أن الفعل مبني للمعلوم {قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ{، وبناء الفعل للمجهول" قُضِيَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ" نائب فاعل.

طالب:..... نائب فاعل.

نعم.

طالب: لكن لو ما.....

كيف؟

طالب:قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ{ على قراءة العامة...

قراءة العامة {الْمَوْتَ}.

طالب: ما الذي نصب الفاعل؟

ماذا؟ ما فيه.

طالب: الله.

نعم، قضى الله عليها الْمَوْتَ.

طالب: قضى الله.

نعم، هذا الفاعل.

طالب: الفاعل هو الله.

نعم.    

"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ يَعْنِي فِي قَبْضِ اللَّهِ نَفْسَ الْمَيِّتِ، وَالنَّائِمِ، وَإِرْسَالِهِ نَفْسَ النَّائِمِ، وَحَبْسِهِ نَفْسَ الْمَيِّتِ {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ :سَمِعْتُ مُعْتَمِرًا يَقُولُ: رُوحُ الْإِنْسَانِ مِثْلُ كُبَّةِ الْغَزْلِ، فَتُرْسَلُ الرُّوحُ، فَيَمْضِي، ثُمَّ تَمْضِي، ثُمَّ تُطْوَى، فَتَجِيءُ، فَتَدْخُلُ، فَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ يُرْسَلُ مِنَ الرُّوحِ شَيْءٌ فِي حَالِ النَّوْمِ، وَمُعْظَمُهَا فِي الْبَدَنِ مُتَّصِلٌ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا اتِّصَالًا خَفِيًّا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ الْمَرْءُ جَذَبَ مُعْظَمُ رُوحِهِ مَا انْبَسَطَ مِنْهَا فَعَادَ، وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا".

يعني إذا قلنا: إن الروح تتجزأ منها ما يقبض بالكلية بالموت، ومنها ما يقبض منه جزءٌ قل، أو كثر بحسب الاستغراق بالنوم، وعدمه، لكن هذا الكلام ليس عليه دليل، الروح واحدة، والله -جل وعلا- أخبر بأنه يقبض الروح سواءً كانت من الميت، أو من النائم، أما كونها من كُبة الغزل مثل مجموعة الشعر الذي باليد منها ما يؤخذ منه الكثير، ومنها ما يؤخذ منه القليل، بذلك يتفاوت النوم بعضهم يستغرق، وبعضهم سِنة، وبعضهم نُعاس، وبعضهم يحس بما حوله، هذا كلام لا تعلُّق له بالروح.

طالب:.............

نعم.

طالب:.......

مثلما يفعل بها إذا مات، مثلما يفعل بها إذا مات.    

"وَفِي التَّنْزِيلِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أَيْ: لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُبْحَانَ".

طالب:............

الروح ألّف فيها كتب، لابن القيم –رحمه الله تعالى- كتاب من أنفع ما أُلِّف في هذا الباب اسمه الروح، وإن كان لا يخلو من ذكر بعض المسائل، ذكر بعض القصص، والحكايات التي لو لم يذكرها ابن القيم لكان أولى، لكن مع ذلك هو ذكرها، وهو إمام محقق، وإن كان بعضهم يشير إلى أن هذا الكتاب من أوائل مصنفاته. وأيضًا الحافظ ابن رجب –رحمه الله- ذكر من أحوال الروح في كتابه أهوال القبور أشياء لو لم يذكرها لكان أولى.

طالب:......

نعم.

طالب:......

نعم.

طالب......

ماذا فيه؟

طالب:.....

كل هذا يتبع الرؤى، يتبع الرؤى، هذا من نوع الرؤى، إن طابقت الواقع، فهي صادقة، وإن خالفت، فهي كاذبة.

طالب:......... يا شيخ! تسمى رؤى، أم تسمى حلمًا؟

تسمى رؤى نعم.

طالب:............هل........ على نقض الوضوء أثناء النوم...........

أين؟

طالب: ...........

قالوا: إن النوم ناقض؛ لأنه يغلب على الظن أنه يحصل منه النقض، وهو لا يشعر، منهم من يرى أنه ناقض بذاته، كما دل عليه حديث صفوان بن عسال، ومنهم من يرى أنه مظنة للنقض، وليس بناقض بذاته، فيفرقون بين قليله، وكثيره، ويفرقون بين أحوال النائم من جالس، متمكن، ومن مضطجع، ومن متكئ، إلى غير ذلك.

طالب: إذا قلنا: إن الميت يجب غسله والروح فارقت الجسد ...

نعم.

طالب: والروح فارقت الجسد، .... بهذا يمنع............

لكن هذا لمفارقة الروح الجسد، أو تعبد؟ لا يلزم أن يكون لمفارقة، إنما هو تعبد.

طالب: التماس.

لا، التماس ما يكفي هذا، لو كانت عللًا مستنبطة فلا بد أن تطرد.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} أَيْ بَلِ اتَّخَذُوا يَعْنِي الْأَصْنَامَ، وَفِي الْكَلَامِ مَا يَتَضَمَّنُ لَمْ، أَيْ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، لَمْ يَتَفَكَّرُوا، وَلَكِنَّهُمُ اتَّخَذُوا آلِهَتَهُمْ شُفَعَاءَ. {قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ} أَيْ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ :أَتَتَّخِذُونَهُمْ شُفَعَاءَ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنَ الشَّفَاعَةِ، {وَلَا يَعْقِلُونَ}؛ لِأَنَّهَا جَمَادَاتٌ، وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ.
{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} نَصٌّ فِي أَنَّ الشَّفَاعَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة:255]، فَلَا شَافِعَ إِلَّا مِنْ شَفَاعَتِهِ، {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}.

 {جَمِيعًا} نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، فَإِنْ قِيلَ: جَمِيعًا إِنَّمَا يَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ، فَصَاعِدًا، وَالشَّفَاعَةُ وَاحِدَةٌ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ {الشَّفَاعَةَ} مَصْدَرٌ، وَالْمَصْدَرُ يُؤَدِّي عَنِ الِاثْنَيْنِ، وَالْجَمِيعِ، {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[الزمر:44].

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ} نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ عِنْدَ الْخَلِيلِ، وَسِيبَوَيْهِ، وَعَلَى الْحَالِ عِنْدَ يُونُسَ.

الحال، وحده مضاف إلى الضمير اكتسب منه التعريف، والحال لا بد أن يكون نكرة، ولذا قال سيبويه والخليل: نُصب على المصدر، وحده مصدر مؤكد لفعل محذوف من نوع هذه المادة وهو التفرد، وعند يونس بن حبيب، وهو من الأئمة يقول: حال، وهذا الذي نصره ابن مالك، ومَثَّل بمثل هذا في ألفيته يقول:

والحال إن عُرِّف لفظًا فاعتقد       تنكيره معنى كوحدك اجتهد

والحال إن عُرف لفظًا فاعتقد       تنكيره معنى كوحدك اجتهد

وحدك اجتهد يعني منفردًا، وإن كان مضافًا واكتسب التعريف، لكنها إضافة لفظية، تؤول بحال نكرة، من الغرائب يعني من ضعف مستوى الطلاب طلاب العلم في العربية، مرت علينا في الدرس وحده، وطلبت إعرابها، فقال واحد في مستوى متقدم في الجامعة قال: الواو عاطفة، الواو عاطفة.

طالب: أصل الكلمة..............

 يعني شيء لا يخطر على البال، يعني ضعف متناهٍ، أظن ما وراءه ضعف.

"{اشْمَأَزَّت} قَالَ الْمُبَرِّدُ: انْقَبَضَتْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: نَفَرَتْ، وَاسْتَكْبَرَتْ، وَكَفَرَتْ، وَتَعَصَّتْ، وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: أَنْكَرَتْ، وَأَصْلُ الِاشْمِئْزَازِ النُّفُورُ، وَالِازْوِرَارُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ  :

إِذَا عَضَّ الثِّقَاتُ بِهَا"

الثِّقَافُ، الثِّقَافُ. 

"إِذَا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ"

يقول: الثقاف ما تُقوم به الرماح، ومنه تثقيف اللسان، وهو ما يُقوَّم به، تثقيف اللسان، وفي كتاب بهذا العنوان "تثقيف اللسان" يعني ما يُقوَّم به.    

"إِذَا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ
 

وَوَلَّتْهُمْ عَشَوْزَنَةً زَبُونَا
  

وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: اشْمَأَزَّ الرَّجُلُ ذُعِرَ مِنَ الْفَزَعِ، وَهُوَ الْمَذْعُورُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} نَفَرُوا، وَكَفَرُوا، {وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} يَعْنِي الْأَوْثَانَ حِينَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أَمْنِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ قِرَاءَتِهِ سُورَةَ [النَّجْمِ] تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُمْ تُرْتَجَى".  

تقدم الكلام على قصة الغرانيق في سورة الحج، تقدم الكلام عليها، وأن من أهل العلم كالحافظ بن حجر وغيره يرى أن لها طرقًا تدل على أن لها أصلاً، والإمام المجدد -رحمه الله-  في السيرة فكأنه قلد ابن حجر، وأما غيرهم فيرون أن دخول مثل هذا على لسانه -عليه الصلاة والسلام- من قِبل الشيطان يُعرض ما أُمر بتبليغه للنقض، والتغيير، والتحريف، فنسفوا هذه القصة نسفًا من المتقدمين، والمتأخرين، وذُكر في المقام نفسه في سورة الحج من قال بتضعيفها من أئمة الحديث، والتفسير، وللشيخ الألباني -رحمة الله عليه- رسالة اسمها (نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق) رسالة مطبوعة، ومتداولة.

طالب: يا شيخ!........

نعم.

طالب: ألفاظ تقول...... لا نستطيع أن نُفسر الآية إلا بهذه القصة......

ماذا؟

طالب:.......كم تمنى الشيطان.

نعم؟

طالب: لا نستطيع أن نفسِّر هذه الآية إلا بهذه القصة.

إلا بهذه القصة؟

طالب: ...........

لسنا بحاجة لمثل هذه القصة أبدًا، لو رجعت إلى تفسير هذه الآية عند الأئمة المحققين عرفت، نعم.  

"يَعْنِي الْأَوْثَانَ حِينَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أَمْنِيَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ قِرَاءَتِهِ سُورَةَ [والنَّجْمِ] تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُمْ تُرْتَجَى قَالَهُ جَمَاعَةُ الْمُفَسِّرِينَ. {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} أَيْ يَظْهَرُ فِي وُجُوهِهِمُ الْبِشْرُ، وَالسُّرُورُ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} نَصْبٌ؛ لِأَنَّهُ نِدَاءٌ مُضَافٌ، وَكَذَا {عَالِمُ الْغَيْبِ}".

{فَاطِرَ} مُنادى مضاف، فيُنصب كأنه قال: قل يا فاطر السماوات، والأرض، ففاطر بدل من اللهم، وأصلها "يا الله" حُذِفت ياء النداء، وعُوِّض عنها الميم، واقتران هذا الاسم اسم الجلالة بيا التي هي في الأصل للنداء مع الميم جمعٌ بين البدل والمبدل، جاء على وجه الشذوذ الجمع بين البدل والمبدل، وإلا فالأصل أنه إما أن يقال: "يا الله" أو يقال: "اللهم"، إما بالبدل، وإما بالمبدل، جاء شاذًّا قوله:

وإني إذا ما حدثٌ أَلَّم         أقول يا اللهم يا اللهم

 هذا محكوم عليه بالشذوذ.   

"وَكَذَا {عَالِم الْغَيْبِ}، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا".

كلاهما على طريق البدل من {اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ{، و}عَالِمَ الْغَيْبِ{[الزمر:46] بدل، أو بيان، كل ما يصلح بدلًا يصلح أن يكون عطف بيان إلا في مسائل ثلاث ذكرها أهل العلم.

"{أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ:» سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: بِأَيِ شَيْءٍ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَفْتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ«، وَلَمَّا بَلَغَ الرَّبِيعَ بْنَ خُيثم".

خثيم، خثيم.

 "وَلَمَّا بَلَغَ الربيع بن خيثم قَتْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- قَرَأَ: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنِّي لَأَعْرِفُ آيَةً مَا قَرَأَهَا أَحَدٌ قَطُّ، فَسَأَلَ اللَّهُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ، وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} أَيْ كَذَّبُوا، وَأَشْرَكُوا، {مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ} أَيْ؛ مِنْ سُوءِ عَذَابِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَةِ [آلِ عِمْرَانَ]، وَ[الرَّعْدِ[. {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} مِنْ أَجَلِّ مَا رُوِيَ فِيهِ مَا رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: عَمِلُوا أَعْمَالًا تَوَهَّمُوا أَنَّهَا حَسَنَاتٌ، فَإِذَا هِيَ سَيِّئَاتٌ، وَقَالَهُ السُّدِّيُّ". 

نعم آية مخيفة، آية مخيفة يخاف منها من في قلبه حياة؛ لأنه يعمل أعمالاً يظنها حسنات، ثم يبدو له فيما بعد، تبدو له سيئات، {بَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}  يحتسب أن طلبه للعلم يقرِّبه إلى الله، فإذا به مما يبعده من الله، يحسب، ويغلب على ظنه أن تعليمه للناس مما يقرِّبه إلى الله، وهو في الحقيقة مما يبعده منه، فعلى الإنسان أن يتفقد هذه النية، وهذا القصد، وأن يجعل، وأن يكون عمله خالصًا لوجهه لا رياء فيه، ولا شركة لأحد.

 "وَقِيلَ: عَمِلُوا أَعْمَالًا تَوَهَّمُوا أَنَّهُمْ يَتُوبُونَ مِنْهَا قَبْلَ الْمَوْتِ، فَأَدْرَكَهُمُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يَتُوبُوا، وَقَدْ كَانُوا ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَنْجُونَ بِالتَّوْبَةِ".

نعم سوفوا، وعوَّلوا على التوبة مع التراخي، وقالوا: هم شباب، يريدون أن يستمتعوا بمتع هذه الدنيا، وإذا قربت الوفاة تابوا، وأنابوا، والتوبة تهدم ما كانت قبلها، لكن من الذي يضمن لهم العيش إلى أن يُمكَّنوا من التوبة؟ وما الذي يؤمِّنهم من أن يحال بينهم وبين التوبة ولو عُمروا؟ مثل هذا التسويف لا شك أنه من أعظم المخاطر التي تُمني بها الإنسان، أو الإنسان نفسه، بعض الناس يقول: مازلنا شبابًا؛ ثلاثين، أربعين، خمسين، إذا نظر إلى والده إذا به قد جاوز التسعين، وعمه فاق الثمانين، وخاله ناهز المائة، وهكذا يُخيَّل إليه أنه من أسرة مُعمَّرة، فيقول: الوقت أمامنا.

 وشخص بلغ الستين من عمره، وهو لا يصلي -نسأل الله السلامة والعافية-، ولم يتزوج، ذهب إليه قريب له من بلده إلى بلد آخر الذي يسكن فيه هذا الشخص، وفي مثل هذا الوقت في عصر الجمعة، وقال له: يا فلان، الآن أنت في الستين، أعذر الله لامرئ بلغه الستين، صلِّ من أجل أن يُختم لك بخير، وتزوج لعلك أن تُخلف من يذكرك، ويدعو لك بعد مماتك، فاستدل له بواقع أقاربه قال: كم عمر الوالد يوم تُوفِّى؟ قال: مائة وعشرون، كم عمر العم؟ قال: مائة وعشرة، كم عمر الخال؟ كم عمر الأخ، كم عمر كذا إلى آخره، قال: أنا من أُناسٍ يُعَمَّرون يقول: لما رجع إلى بلده بعد أن أدَّى ما عليه من واجب النصيحة، فما دارت الجمعة التي تليها إلا وقد جاء خبره على حالته -نسأل الله حُسن الخاتمة-.        

"وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا تَوَهَّمُوا أَنَّهُ يُغْفَرُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، فَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ مِنْ دُخُولِ النَّارِ".

هذا لا شك أنه رجاء، رجاء، لكنه رجاء لا ينفع؛ لأن الرجاء الذي ينفع هو الذي يبعث على العمل، أما مجرد الأماني، والغرور، والاعتماد على سعة رحمة الله مع الغفلة عن كونه -جل وعلا-  شديد العقاب فهذا لا شك أنه أمنٌ من مكر الله، ويقابله اليأس، والقنوت من رحمة الله، ويخاف خوفًا لا يبعثه على العمل، يجعل قلبه يتقطع، ويتحسر، ومع ذلك لا يُقدم شيئًا ينفعه، والله المستعان.    

"وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَيْلٌ لِأَهْلِ الرِّيَاءِ، وَيْلٌ لِأَهْلِ الرِّيَاءِ، هَذِهِ آيَتُهُمْ، وَقِصَّتُهُمْ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ: جَزِعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عِنْدَ مَوْتِهِ جَزَعًا شَدِيدًا، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا الْجَزَعُ؟ قَالَ: أَخَافُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}، فَأَنَا أَخْشَى أَنْ يَبْدُوَ لِي مَا لَمْ أَكُنْ أَحْتَسِبُ".

يستصحب هذا في حال الصحة، في حال النشاط، في حال القدرة على العمل، لا بأس يستصحب مثل هذا، لكن إذا دَنَا الأجل، وقربت الوفاة، فليحسن ظنه بربه.

وَبَدَا لَهُمْ أَيْ ظَهَرَ لَهُمْ {سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} أَيْ عِقَابُ مَا كَسَبُوا مِنَ الْكُفْرِ، وَالْمَعَاصِي، وَحَاقَ بِهِمْ أَيْ أَحَاطَ بِهِم،ْ وَنَزَلَ {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}. 

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا}".

نعم نعم.

طالب: فسر الكثير أكثر ما أنزلوه..........من أخاف أشياء............

خافوا؛ لأنهم يخشون أن تخونهم هذه الأشياء، لكن الاعتماد على سعة رحمة الله في الوقت الذي لا يُمَكَّن الإنسان فيه من العمل لا شك أنه يُورِث حب لقاء الله -جل وعلا-، «من أحب لقاء الله أحب الله لقائه»، يغلبون جانب الرجا عند دنو الأجل، وجانب الخوف في حال السعة.  

طالب: يا شيخ!.........الأحسن توازن الإنسان.......بين اليأس من الله سبحانه وتعالى.

هو لا بد من التوازن، لا بد من الخوف والرجاء، كلاهما مطلوب، والأمن واليأس كلاهما مذموم، نعم.

طالب: الأفضل في حال المعاصي ....

نعم.

طالب:...............

والله، الناس يتفاوتون، الناس يتفاوتون، الترغيب والترهيب جاء في النصوص، نصوص الكتاب والسنة، وهي علاج، علاج لأدواء الأفراد، والمجتمعات من الناس من يؤثر فيه الترهيب، ومنهم من يزيده الترهيب عتوًّا، ونفورًا، هذا موجود في باب التربية العادية، يعني حتى مع الرجل وأولاده، بعض الناس إذا بعض الأولاد خُوِّف تمرد، وإذا ضُرب ازداد شرًّا، وبعضهم العكس، إذا قُمع انقمع، وإذا رُغِّب يحصل له الضد، فالمسألة علاج.     

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَ} قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، {ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} قَالَ قَتَادَةُ: عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي بِوُجُوهِ الْمَكَاسِبِ، وَعَنْهُ أَيْضًا {عَلَى عِلْمٍ} عَلَى خَيْرٍ عِنْدِي، وَقِيلَ: {عَلَى عِلْمٍ} أَيْ: عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللَّهِ بِفَضْلِي، وَقَالَ الْحَسَنُ: {عَلَى عِلْمٍ} أَيْ: بِعِلْمٍ عَلَّمَنِي اللَّهُ إِيَّاهُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي إِذَا أُوتِيتُ هَذَا فِي الدُّنْيَا أَنَّ لِي عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً، فَقَالَ اللَّهُ: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} أَيْ بَلِ النِّعَمُ الَّتِي أُوتِيتَهَا فِتْنَةٌ تُخْتَبَرُ بِهَا، قَالَ الْفَرَّاءُ :أَنَّثَ "هِيَ" لِتَأْنِيثِ الْفِتْنَةِ، وَلَوْ كَانَ "بَلْ هُوَ فِتْنَةٌ" لَجَازَ، قال النَّحَّاسُ: التَّقْدِيرُ: بَلْ أَعْطَيْتُهُ فِتْنَةً".

أُعطيتُه فتنة.

"بل أُعطيتُ فتنة".

طالب: قال نزلت في أبي حُذيفة.............

يقول حذيفة ما عندك؟

طالب: عند أبي حذيفة.........

ماذا عندكم؟

طالب:..........

نزلت في حذيفة، أو أبي حذيفة؟

طالب:.....في حذيفة.

ماذا؟

طالب: عندي أبي عبد الله، واسمه حذيفة.

أبي حذيفة؟

طالب: أبي عبد الله، لا حذيفة.

ما الطبعة التي معك؟

طالب: ... عبد الله التركي.

وأشار إلى أنه في نسخ كذا أو ؟

طالب: لا سقطت من المخطوطة، والكلام ... نُقض... بالعيون، ونقله...

على كل حال كتب التراجم هي التي تحل، أما كونها موجودة في نسخة، وغير موجودة في كتاب وكذا، لا ما يكفي، يعني لو رجع إلى ترجمة هذا، وهذا، وذُكرت فيها القصة فلا بأس.

"قال النَّحَّاسُ: التَّقْدِيرُ: بَلْ أَعْطَيْتُهُ فِتْنَةً، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ إِعْطَاءَهُمُ الْمَالَ اخْتِبَارٌ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ قَالَهَا}".

يعني بعض الناس إذا وُسِّع عليه نسب ذلك إلى معرفته، وخبرته، وذكائه، ونجاح دراساته، هذا هو السبب، لو درس هذا المشروع دراسة واعية متأنية صحيحة، وإذا أخفق نسب ذلك إلى ضعف الدراسة، والتجربة والواقع يشهد بأن مثل هذه الأمور هي بتقدير الله -جل وعلا-، وشاهدنا كثيرًا من أهل الثراء الواسع ليسوا هم أذكى الناس، ورأينا أهل الذكاء الخارق، أو كثيرًا منهم من أفقر الناس، كله من أجل تحقيق هذه الحكمة الإلهية؛ لئلا يقول: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}[القصص:78] يعني كما قال قارون.

 تجد الذكي ذكاؤه هذا في الغالب نقص في تجارته، وفي رزقه؛ لأنه إذا رُزق يمكن أن يقول هذا، فيتضرر بهذا، فعدم فتح الدنيا عليه من نعم الله عليه، وبالمقابل بعض الناس أثناء الصفقات الكبرى تتم وهو ينعس في المكان، تُباع العروض الكبيرة من المخططات الكبيرة وهو ينعس، وله منها حظ الأسد، وتجد السمسار الذي يقطع الفيافي، ويستغرق الأوقات بالاتصال بفلان وفلان، قد لا يحصل له شيء، حِكم إلهية؛ لئلا يقول الإنسان: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}.

 ويُذكر من القصص أن أعرابيًّا دخل إلى بلد، فاشترى قمحًا كثيرًا، فجعله في إناء كبير جدًّا يعني كيس كبير، ولما أراد حمله على الدابة ما تيسر له ذلك، يعني لا يثبت على الراحلة، فعادله بكيس آخر بقدره رملاً، والآن ثبت، يعني هذا من جهة، وهذا من جهة، وصار يمشي؛ لأن الدابة ما تحتمل أن يركب مع هذين الكيسين الكبيرين، فجاءه من جاءه لما رأى الدابة تكاد تهلك، حُمل عليها يقولون: مائة وزنة من البر، يعني مائة وخمسين كيلو، وفي مقابلها من الرمل، فلحق به من لحق، وقال: يا أخ! عندي لك رأي، اقسم البر بين الكيسين يخف الحمل، وتركب، فقال: إن هذا رأي طيب، فلما ولى المشير ناداه يا فلان! يا فلان! ما عندك مال؟ ما عندك من الأموال؟ هل عندك من الأموال شيء؟ قال: أبدًا والله ما عندي إلا هذه العصا التي بيدي، قال له: أنا عندي رعايا إبل، ولله الحمد، نُعيد الرمل إلى مكانه، وما قبل المشورة، ما قبل المشورة؛ لأن هذا ما انتفع بعقله، وذكائه، وفطنته، فرأى أن هذا الذكاء على حساب سعة الدنيا بالنسبة له. وعلى كل حال المشورة مقبولة، وصائبة، وسديدة، لكن ما يلزم أن يكون كل من يكون عنده رأي صائب أن يكون أغني الناس، أو أعرف الناس، أو كذا، لا، هذه أمور بيد الله -جل وعلا- يُعطيها من شاء، والدنيا غير مأسوفٍ عليها؛ لأن الله -جل وعلا- يُعطيها من يحب، ومن لا يحب، ومن الناس من يضره الغنى، ومنهم من يضره الفقر، لكن رأس المال الدين، فإذا حازه الإنسان، فالدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة.

 لما جاء السفير إلى سعيد بن المسيب يخطب ابنته لابن الخليفة، فقال: له جاءتك الدنيا بحذافيرها، فقال له: يا فلان! إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فماذا ترى يُقص لي من هذا الجناح؟! كل الدنيا ما تزن عند الله جناح بعوضة، إذا كان ما يملكه هذا الشخص فلن يتنازل عن كل مُلكه، ولا عن شيء يُذكر من مُلكه سوف يُعطيه، يُعطيه نعم، أكثر من الناس لكن ثم ماذا؟ والله المستعان.

 هذه النظرة الحقيقية لهذه الدنيا، وأنها لا شيء بالنسبة لما خُلق له الإنسان، وما وُعد به إذا حقَّق ما خُلق له، ولذلك الله -جل وعلا- يقول: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص:77]؛ لأن بعض أهل التحري، وأهل الحرص قد ينسون هذا النصيب من الدنيا، فيحتاجون إلى غيرهم، أو يكون ذلك على حساب ما خُلِقوا من أجله.

فالمقصود أن الإنسان خُلق، وأوجد لتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وعليه أن يأخذ نصيبه من الدنيا مما يحقق به هذا الهدف.                      

قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ قَالَهَا} أُنِّثَ عَلَى تَأْنِيثِ الْكَلِمَةِ، {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يَعْنِي الْكُفَّارَ قَبْلَهُمْ كَقَارُونَ وَغَيْرِهِ، حَيْثُ قَالَ: { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي،  فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} مَا لِلْجَحْدِ أَيْ: لَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ، وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَقِيلَ: أَيْ: فَمَا الَّذِي أَغْنَى أَمْوَالَهُمْ؟ فَ {مَا} اسْتِفْهَامٌ،{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} أَيْ جَزَاءُ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ يُسَمَّى جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً" .

وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها، السيئة الأولى التي هي الجناية سيئة حقيقة، لكن معاقبة الجاني قد تسمى سيئة، من باب المشاكلة.

"{وَالَّذِينَ ظَلَمُوا} أَيْ أَشْرَكُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأُمَّةِ {سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} أَيْ بِالْجُوعِ، وَالسَّيْفِ {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} أَيْ؛ فَائِتِينَ اللَّهَ، وَلَا سَابِقِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} خَصَّ الْمُؤْمِنَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَدَبَّرُ الْآيَاتِ، وَيَنْتَفِعُ بِهَا، وَيَعْلَمُ أَنَّ سَعَةَ الرِّزْقِ قَدْ يَكُونُ مَكْرًا، وَاسْتِدْرَاجًا، وَتَقْتِيرُهُ رِفْعَةً، وَإِعْظَامًا.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}، وَإِنْ شِئْتَ حَذَفْتَ الْيَاءَ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ مَوْضِعُ حَذْفٍ، قال النَّحَّاسُ :وَمِنْ أَجَلِّ مَا رُوِيَ فِيهِ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِع عَنِ ابْنِ عُمَرَ". 

نافعٍ مصروف، مصروف نافعٍ.

مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ، اتَّعَدْتُ أَنَا وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ عُتْبَةَ، فَقُلْنَا: الْمَوْعِدُ أَضَاةُ بَنِي غِفَارٍ، وَقُلْنَا: مَنْ تَأَخَّرَ مِنَّا فَقَدْ حُبِسَ، فَلْيَمْضِ صَاحِبُهُ، فَأَصْبَحْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ عُتْبَةَ، وَحُبِسَ عَنَّا هِشَامٌ، وَإِذَا بِهِ قَدْ فُتِنَ، فَافْتُتِنَ، فَكُنَّا نَقُولُ بِالْمَدِينَةِ :هَؤُلَاءِ قَدْ عَرَفُوا اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ-، وَآمَنُوا بِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ افْتُتِنُوا؛ لِبَلَاءٍ لَحِقَهُمْ، لَا نَرَى لَهُمْ تَوْبَةً، وَكَانُوا هُمْ أَيْضًا يَقُولُونَ هَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي كِتَابِهِ: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} قَالَ عُمَرُ:  فَكَتَبْتُهَا بِيَدِي، ثُمَّ بَعَثْتُهَا إِلَى هِشَامٍ. قَالَ هِشَامٌ: فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيَّ خَرَجْتُ بِهَا إِلَى ذِي طُوًى فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ فَهِّمْنِيهَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِينَا، فَرَجَعْتُ، فَجَلَسْتُ عَلَى بَعِيرِي، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ بَعَثُوا إِلَيْهِ: إِنَّ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، أَوَ تُخْبِرُنَا أَنَّ لَنَا تَوْبَةً؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَذِهِ الْآيَةَ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}[الزمر:53] ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ، وَقَدْ مَضَى فِي آخِرِ [الْفُرْقَانِ].

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ مَكَّةَ قَالُوا: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّ مَنْ عَبَدَ الْأَوْثَانَ، وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ، وَكَيْفَ نُهَاجِرُ، وَنُسْلِمُ، وَقَدْ عَبَدْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

 وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي الْعِبَادَةِ، وَخَافُوا أَلَّا يُتَقَبَّلَ مِنْهُمْ لِذُنُوبٍ سَبَقَتْ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَعَطَاءٌ: نَزَلَتْ فِي وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِسْلَامَهُ، وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى وَحْشِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَتَيْتُكَ مُسْتَجِيرًا، فَأَجِرْنِي حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: »قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاكَ عَلَى غَيْرِ جِوَارٍ، فَأَمَّا إِذْ أَتَيْتَنِي مُسْتَجِيرًا، فَأَنْتَ فِي جِوَارِي حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنِّي أَشْرَكْتُ بِاللَّهِ، وَقَتَلْتُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَزَنَيْتُ، هَلْ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنِّي تَوْبَةً؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-« حَتَّى نَزَلَتْ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، »فَتَلَاهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَرَى شَرْطًا فَلَعَلِّي لَا أَعْمَلُ صَالِحًا أَنَا فِي جِوَارِكَ حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ"«.

«صَالِحًا» يعني المنصوص عليه في قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان:70] لا بد أن يعمل عملًا صالحًا من أجل أن تُبدل السيئات حسنات، فهذه فيها شرط، نعم.

"أَنَا فِي جِوَارِكَ حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ،»فَدَعَا بِهِ، فَتَلَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَلَعَلِّي مِمَّنْ لَا يَشَاءُ، أَنَا فِي جِوَارِكَ حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَ اللَّه«، فَنَزَلَتْ: { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}، فَقَالَ: نَعَمِ الْآنَ لَا أَرَى شَرْطًا، فَأَسْلَمَ«، وَرَوَى حَمَّادُ".

طالب: قوله النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: »قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاكَ عَلَى غَيْرِ جِوَارٍ«.......

لو رآه على غير جوار، وقد قتل عمه حمزة، وهو مشرك، يعني حربي هو. لو رآه على غير جوار، وهو حربي، وقتل مسلمًا، وأي مسلم يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- غمه، اغتم غمًا شديدًا لقتل عمه، على كل حال إن ثبتت القصة وإلا فالمعنى واضح، وحربي ليس له آمان، وليس في جوار أحدٍ من المسلمين، فلما طلب الجوار امتثل النبي -عليه الصلاة والسلام- {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}[التوبة:6].

طالب: قال قوله:» قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاكَ«...........

يعني يميل إلى أنه يراه إلى غير جوار؛ لكي يقتص منه، ويأخذ منه؛ لأنه مشرك، كما كان جبريل كما تقدم -عليه السلام- يضع الماء في فم فرعون؛ لأن مثل هؤلاء المفسدين لا شك أنهم أثرهم بالغ، فيتمنى الإنسان، ويحب، ويميل إلى أنه يموت على حالٍ، يعني هذه جبلة بشرية، يعني كون الإنسان يتمنى للناس أن يهتدوا، ويموتوا على الإسلام هذا أمرٌ شرعي، ومطلوب، لكن أيضًا الجبلة غالبة.

طالب: قد جاء بالسيرة أنه قال: »غيب وجهك عني« فمن الثابت يا شيخ!؟  

هذا مما يُذكر في السِيَّر على ألا يرى قاتل عمه؛ لأن هناك أمورًا لا شك أن الإنسان قد لا يطيقها.     

وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا» سَمِعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}، وَلَا يُبَالِي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ«، وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُود "إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاءُ"، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَاتَانِ الْقِرَاءَتَانِ عَلَى التَّفْسِيرِ".

 لا على أنها قراءة ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على أنها من القرآن، وإنما على جهة التفسير.

"أَيْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ عَرَفَ اللَّهُ –عَزَّ وَجَلَّ- مَنْ شَاءَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَهُوَ التَّائِبُ، أَوْ مَنْ عَمِلَ صَغِيرَةً، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كَبِيرَةٌ".

لأن مجرد اتقاء واجتناب الكبائر كافٍ في محو الصغائر {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء:31] يعني الصغائر.

طالب: وقد عرف الله................

كيف؟

طالب: وَقَدْ عَرَفَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مَنْ شَاءَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَهُوَ التَّائِبُ.

وَقَدْ عَرَفَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مَنْ شَاءَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، عَرَفَ.

طالب: وَهُوَ التَّائِبُ.

وَهُوَ التَّائِبُ، عَرَفَ، عَرَفَ. والخلاف بين أهل العلم هل تُضاف المعرفة إلى الله -جل وعلا-، أو لا تضاف؟ منهم من يقول: إن المعرفة تستلزم سبق الجهل، فلا تُضاف إلى الله -جل وعلا- بخلاف العلم الذي لا يستلزم سبق الجهل، المعرفة تستلزم سبق الجهل، فلا تُضاف إلى الله -جل وعلا-، وأما بالنسبة للعلم، فليس بمستلزمٍ له، فأضافه الله -جل وعلا- لنفسه.

"وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ التَّائِبَ مَا بَعْدَهُ {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ}، فَالتَّائِبُ مَغْفُورٌ لَهُ ذُنُوبُهُ جَمِيعًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ}، فَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَوْسَعُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}، وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ سُبْحَانَ "[.

لكن هذه الآية لا شك أنها مُقيدة بالتوبة، مُقيدة بغير الشرك، فمثل هذه يرى بعض أهل العلم أنها أرجى آية، ومنهم من يقول: إن أرجى آية {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:48] يعني ما دون الشرك؛ لأن هذه بدون توبة؛ إذ لو كانت بتوبة ما استُثني الشرك.

"وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهَذِهِ أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}، وَقَدْ مَضَى فِي [الرَّعْدِ].

 وَقُرِئَ، وَلَا تَقْنِطُوا بِكَسْرِ النُّونِ، وَفَتْحِهَا، وَقَدْ مَضَى فِي [الْحِجْرِ] بَيَانُه.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} أَيِ ارْجِعُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ. لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ مَنْ تَابَ مِنَ الشِّرْكِ يُغْفَرُ لَهُ أَمَرَ بِالتَّوْبَةِ، وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، وَالْإِنَابَةُ الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ بِالْإِخْلَاصِ، {وَأَسْلِمُوا لَهُ} أَيِ اخْضَعُوا لَهُ، وَأَطِيعُوا، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ} فِي الدُّنْيَا {ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} أَيْ لَا تُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِهِ، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يُطِيلَ اللَّهُ عُمُرَ الْمَرْءِ فِي الطَّاعَةِ، وَيَرْزُقَهُ الْإِنَابَةَ، وَإِنَّ مِنَ الشَّقَاوَةِ أَنْ يَعْمَلَ الْمَرْءُ، وَيُعْجَبُ بِعَمَلِهِ«".

خرجه؟

طالب: أحسن الله إليك، قال أخرجه الحاكم في .... باقتصارٍ على شطره الأول، وصّححه، ووافقه الذهبي، وابن المنذر في ترغيبه، مع أن مداره على كثير بن زيد قال في الميزان قال أبو زرعة: صدوق فيه لين، ووثَّقه يحيى، وقال المديني: صالح، وليس بقوي، وأعده الذهبي من منكراته، حيث ذكره في ترجمته.

يعني ذكره في ترجمته، وأن هذا من منكراته، ووافق الحاكم على الحكم بصحته، مما يدل على أن أحكام الذهبي في المستدرك تحتاج إلى عناية، تحتاج إلى مزيد تحرٍّ وتحرير.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ} هُوَ الْقُرْآنُ، وَكُلُّهُ حَسَنٌ، وَالْمَعْنَى مَا قَالَ الْحَسَنُ: الْتَزِمُوا طَاعَتَهُ، وَاجْتَنِبُوا مَعْصِيَتَهُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْأَحْسَنُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ:  يَعْنِي الْمُحْكَمَاتِ، وَكِلُوا عِلْمَ الْمُتَشَابِهِ إِلَى عِلْمِهِ، وَقَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ كُتُبَ التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، وَالزَّبُورِ، ثُمَّ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ، وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ، فَهُوَ الْأَحْسَنُ، وَهُوَ الْمُعْجِزُ، وَقِيلَ : هَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ قَاضٍ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ، وَجَمِيعُ الْكُتُبِ مَنْسُوخَةٌ، وَقِيلَ: يَعْنِي الْعَفْوَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ نَبِيَّهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بَيْنَ الْعَفْوِ، وَالْقِصَاصِ، وَقِيلَ: مَا عَلَّمَ اللَّهُ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَلَيْسَ بِقُرْآنٍ، فَهُوَ حَسَنٌ، وَمَا أَوْحَى إِلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ الْأَحْسَنُ".

الوحي يشمل القرآن المتلو المعجز المتعبَّد بتلاوته، ويشمل أيضًا الحديث الذي ينطق به النبي -عليه الصلاة والسلام- مما لم يُتعبد بتلاوته، وليس بمعجز في لفظه، وهو وحي، وقسم من الوحي؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم 3-4]، فالحديث حسن، والقرآن أحسن.

"وَقِيلَ: أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَة.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا}[الزمر:56]، {أَنْ} فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْ: كَرَاهَةَ أَنْ تَقُولَ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لِئَلَّا تَقُولُ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ حَذَرَ أَنْ تَقُولَ". 

المقصود أنها في محل نصب مفعول لأجله، مفعول لأجله.

طالب:........

نعم.

طالب: ما فيه إعجاز عند كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

صحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما قال أوتي جوامع الكلام، واختصر له الحديث اختصارًا، لكن باعتبار أنه مما يجوز روايته بالمعنى، فلا يمكن أن يوصل إلى كونه مُعجزًا، أو حتى لا يُستدل به في مسائل العربية عند جمع من أهل العلم، لا يُستدل به على قواعد العربية وإن رأى بعضهم أنه أولى ما يُستدل به من كلام الشعراء، أو كلام من بقي على عربيته، والمسألة هذه مبسوطة، وفيها رسائل، ومقدمة الخزانة، خزانة الأدب شرح شواهد الكافية، شرح شواهد شرح الكافية للرضي يعني من خير ما يقتنيه طالب العلم في شرح الشواهد بحث هذه المسألة في مقدمة الكتاب، وأفاض فيها.   

طالب: لو كيف أن النبي يقول: ما أعظم......  كلام العرب أبلغ من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قيل......

لا، أفصح الخلق -عليه الصلاة والسلام-، لكن يؤتى كلامه من النقلة، لو جزمنا بأن هذا كلامه بحروفه لكان أفصح الكلام بعد كلام الله، لكن لا نجزم بأنه كلامه؛ لتجويز الرواية بالمعنى كما هو قول الجمهور.

طالب:  يعني معنى هذا تفصيل كونه قال: اتبعوا أحسن...... يعني نتبع الأحسن، ونترك الحسن.

يعني اترك الحسن، اتبع الأحسن، واترك الحسن، وهذا عند التعارض، هذا يمكن عند التعارض يُحمل على هذا.      

"وَقِيلَ: أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ قِيلَ هَذَا: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ} قال الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ نُكِّرَتْ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا بَعْضُ الْأَنْفُسِ، وَهِيَ نَفْسُ الْكَافِرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ نَفْسًا مُتَمَيِّزَةً مِنَ الْأَنْفُسِ، إِمَّا بِلَجَاجٍ فِي الْكُفْرِ شَدِيدٍ".

يعني إيغال في الكفر، {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} يعني نكرة في سياق الإثبات، فلا تعم، وليست كل الأنفس تقول: يا حسرتاه لعل الذي يقول هذا هو الموغل في كُفره، المبالغ في ظلمه للخلق، وفي مضادته، ومعاندته للخالق يمكن أن يُحمل هذا، وحُملت على عمومها بالنسبة لنوع غير المنقاد، ومن الكفار شملتهم.

طالب: ما المقصود يعني يقال مثل ما قيل في نقلة الرسول، وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- كذلك نقلة بعض الأبيات التي نُقلت عن بعض العرب، وقد استُشهد بها عند .....

لا، ما يقال هذا؛ لأن الشعر ضبطه متيسر، ليس كضبط النثر.   

"إِمَّا بِلَجَاجٍ فِي الْكُفْرِ شَدِيدٍ، أَوْ بِعِقَابٍ عَظِيمٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ التَّكْثِيرُ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: 
 

وَرُبَّ بَقِيعٍ لَوْ هَتَفْتُ بِجَوِّهِ
 

أَتَانِي كَرِيمٌ يَنْفُضُ الرَّأْسَ مُغْضَبَا
 

وَهُوَ يُرِيدُ أَفْوَاجًا مِنَ الْكِرَامِ يَنْصُرُونَهُ لَا كَرِيمًا وَاحِدًا، وَنَظِيرُهُ: رُبَّ بَلَدٍ قَطَعْتُ، وَرُبَّ بَطَلٍ قَارَعْتُ، وَلَا يُقْصَدُ إِلَّا التَّكْثِيرَ. يَا حَسْرَتَا وَالْأَصْلُ "يَا حَسْرَتِي" فَأُبْدِلَ مِنَ الْيَاءِ أَلِفٌ؛ لِأَنَّهَا أَخَفُّ، وَأَمْكَنُ فِي الِاسْتِغَاثَةِ بِمَدِّ الصَّوْتِ، وَرُبَّمَا أَلْحَقُوا بِهَا الْهَاءَ، وأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ: 
يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارٍ نَاجِيَهْ          إِذَا أَتَى قَرَّبْتُهُ لِلسَّانِيَهْ

وَرُبَّمَا أَلْحَقُوا بِهَا الْيَاءَ بَعْدَ الْأَلِفِ؛ لِتَدُلَّ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا أَبُو جَعْفَر" :يَا حَسْرَتَايَ"، "وَالْحَسْرَةُ النَّدَامَةُ {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} قَالَ الْحَسَنُ: فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ: فِي ذِكْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ: يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَالْعَمَلَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: {فِي جَنْبِ اللَّهِ} أَيْ: فِي ثَوَابِ اللَّهِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ :الْجَنْبُ الْقُرْبُ، وَالْجِوَارُ، يُقَالُ: فُلَانُ يَعِيشُ فِي جَنْبِ فُلَانٍ أَيْ: فِي جِوَارِهِ، وَمِنْهُ {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} أَيْ: على مَا فَرَّطْتُ فِي طَلَبِ جِوَارِهِ، وَقُرْبِهِ، وَهُوَ الْجَنَّةُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ اللَّهِ الَّذِي دَعَانِي إِلَيْهِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي السَّبَبَ، وَالطَّرِيقَ إِلَى الشَّيْءِ جَنْبًا، تَقُولُ: تَجَرَّعْتُ فِي جَنْبِكَ غُصَصًا، أَيْ: لِأَجْلِكَ، وَسَبَبِكَ، وَلِأَجْلِ مَرْضَاتِكَ، وَقِيلَ: {فِي جَنْبِ اللَّهِ} أَيْ: فِي الْجَانِبِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى رِضَا اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَثَوَابِهِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْجَانِبَ جَنْبًا، قَالَ الشَّاعِرَ:"

قُسِم.

"قُسِمَ مَجْهُودًا لِذَاكَ الْقَلْبُ
 

النَّاسُ جَنْبٌ وَالْأَمِيرُ جَنْبُ
  

يَعْنِي النَّاسَ مِنْ جَانِبٍ، وَالْأَمِيرُ مِنْ جَانِبٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَيْ: تَرَكْتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، يُقَالُ: مَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فِي جَنْبِ حَاجَتِي، قَالَ كُثَيِّرٌ:

أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ فِي جَنْبِ
 

عَاشِقٍ لَهُ كَبِدٌ حَرَّى عَلَيْكِ تَقَطَّعُ
 

وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، أَيْ: ضَيَّعْتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ".

وعلى هذه الأقوال كلها الآية ليست من آيات الصفات.

"وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:» مَا جَلَسَ رَجُلٌ مَجْلِسًا، وَلَا مَشَى مَمْشًى، وَلَا اضْطَجَعَ مُضْطَجِعًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهِ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ «أَيْ: حَسْرَةً، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ :مِنَ الْحَسَرَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ مَالَهُ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ، قَدْ وَرِثَهُ وَعَمِلَ فِيهِ بِالْحَقِّ، كَانَ لَهُ أَجْرُهُ، وَعَلَى الْآخِرِ وِزْرُهُ، وَمِنَ الْحَسَرَاتِ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ عَبْدَهُ الَّذِي خَوَّلَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا أَقْرَبَ مَنْزِلَةً مِنَ اللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ-، أَوْ يَرَى رَجُلًا يَعْرِفُهُ أَعْمَى فِي الدُّنْيَا قَدْ أَبْصَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَمِيَ هُوَ، {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} أَيْ وَمَا كُنْتُ إِلَّا مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ".

لا، وأشد من ذلك: أن يرى رجلاً هداه الله بسببه دخل بسبب هدايته الجنة، ثم فُتِن، ودخل النار -نسأل الله العافية- هذه الحسرة، يدخل الناس بسببه، ثم بعد ذلك يدخل النار، قد يكون هذا؛ لأن عمله ليس مخلصًا فيه، كما جاء في الذي يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويُرى في النار، فيُقال له: يا فلان! ألم تكن تأمرنا، وتنهانا؟ قال: نعم آمركم ولا أأتمر، وأنهاكم وأفعل -نسأل الله العافية-.     

"{وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} أَيْ؛ وَمَا كُنْتُ إِلَّا مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْقُرْآنِ، وَبِالرَّسُولِ فِي الدُّنْيَا، وَبِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ قَتَادَةُ :لَمْ يَكْفِهِ أَنْ ضَيَّعَ طَاعَةَ اللَّهِ حَتَّى سَخِرَ مِنْ أَهْلِهَا، وَمَحَلُّ "إِنْ كُنْتُ" النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَرَّطْتُ وَأَنَا سَاخِرٌ، أَيْ: فَرَّطْتُ فِي حَالِ سُخْرِيَتِي، وَقِيلَ : وَمَا كُنْتُ إِلَّا فِي سُخْرِيَةٍ، وَلَعِبٍ، وَبَاطِلٍ، أَيْ: مَا كَانَ سَعْيِي إِلَّا فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ تَقُولَ هَذِهِ النَّفْسُ { لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} أَيْ أَرْشَدَنِي إِلَى دِينِهِ، {لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} أَيِ الشِّرْكَ، وَالْمَعَاصِي، وَهَذَا الْقَوْلُ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَاهْتَدَيْتُ قَوْلُ صِدْقٍ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ احْتِجَاجِ الْمُشْرِكِينَ فِيمَا أَخْبَرَ الرَّبُّ –جَلَّ وَعَزَّ- عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}  فَهِيَ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، كَمَا قَالَ عَلِي- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا قَالَ قَائِلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ".

يعني هذا من الاستدلال بالقدر على المعايب، يعني يستدلون بالقدر على أنه لو أن الله -جل وعلا- أراد لهم، وكتب لهم السعادة ما أشركوا، لكن هذا مكتوب عليهم قبل أن يخرجوا إلى هذه الدنيا، فليس عليهم تبعة فيه على حد زعمهم، ولكن الله -جل وعلا- هداهم النجدين، وركَّب فيهم حرية الاختيار، وجعل لهم إرادات، ومشيئة،  لكنها ليست بمشيئة مستقلة، إنما تابعة لمشيئة الله -جل وعلا-، فلا جبر، ولا اختيار مطلق، ومشيئة نافذة مستقلة عن مشيئة الله -جل وعلا-، نعم.

"أَوْ تَقُولَ يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ النَّفْس {حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً}  أَيْ رَجْعَةً، "فَأَكُونَ" نَصْبٌ عَلَى جَوَابِ التَّمَنِّي، وَإِنْ شِئْتَ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى "كَرَّةٍ"؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ أَكِرَّ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي
 

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ"
  

هي شاعرة، وليست بشاعر.

"وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ: 

وَتَسْأَلَ عَنْ رُكْبَانِهَا أَيْنَ يَمَّمُوا

فَنَصَبَ وَتَسْأَلَ عَلَى مَوْضِعِ الذِّكْرَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَمَا لَكَ مِنْهَا إِلَّا أَنْ تَذْكُرَ، وَمِنْهُ: لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ، أَيْ: لَأَنْ أَلْبَسَ عَبَاءَةً وَتَقَرَّ، وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: كَانَ رَجُلٌ عَالِمٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَدَ رُقْعَةً: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الزَّمَانُ الطَّوِيلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: وَلِأَيِ شَيْءٍ أُتْعِبُ نَفْسِي، فَتَرَكَ عَمَلَهُ، وَأَخَذَ فِي الْفُسُوقِ، وَالْمَعْصِيَةِ، وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: لَكَ عُمُرٌ طَوِيلٌ، فَتَمَتَّعْ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ تَتُوبُ، فَأَخَذَ فِي الْفُسُوقِ، وَأَنْفَقَ مَالَهُ فِي الْفُجُورِ، فَأَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فِي أَلَذِّ مَا كَانَ، فَقَالَ: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}، ذَهَبَ عُمُرِي فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ، فَنَدِمَ حِينَ لَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ خَبَرَهُ فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَ قَتَادَةُ :هَؤُلَاءِ أَصْنَافٌ، صِنْفٌ مِنْهُمْ قَالَ: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}، وَصِنْفٌ مِنْهُمْ قَالَ: { لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، وَقَالَ آخَر: { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَدًّا لِكَلَامِهِمْ".

فتكون، (أو) هنا للتقسيم، (أو) (أو تقول) هنا للتقسيم قسمٌ يقول، وقسمٌ يقول، وقسمٌ يقول، وهي من معانيها التقسيم خَّيِرْ أبح قَسِّمْ ب(أو)، وأبهم (ب)

إنها تأتي للتقسيم.

"فَقَالَ -اللَّهُ تَعَالَى- رَدًّا لِكَلَامِهِمْ: { بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي}، قَالَ الزَّجَّاج" :بَلَى" جَوَابُ النَّفْيِ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ لَفْظُ النَّفْيِ، وَلَكِنَّ مَعْنَى {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} مَا هَدَانِي، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَالَ: مَا هُدِيتُ، فَقِيلَ: بَلْ قَدْ بُيِّنَ لَكَ طَرِيقُ الْهُدَى، فَكُنْتَ بِحَيْثُ لَوْ أَرَدْتَ أَنْ تُؤْمِنَ أَمْكَنَكَ أَنْ تُؤْمِنَ، و{آيَاتِي} أَيِ: الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: عَنَى بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ".

وكل إنسان يُدرك من نفسه حيال الأوامر والنواهي أن له أن يختار، وأنه يفعل هذه الأوامر بطوعه واختياره، ولا يوجد ما يمنعه منها، المشيئة والكتابة والقدر السابق موجود على ما أراد الله- جل وعلا- وقدَّر، لكن كل إنسان يستطيع أن يفعل ما أمر به، ولا يُحال دونه، ودونه؛ لأن لديه حرية، واختيارًا، وليس بمجبور، وأيضًا لديه من الحرية ما يجعله يترك ما نُهي عنه، يعني لو أن إنسانًا جالسًا في بيته، ويؤذن للصلاة، ويقام لها، ويسلم الإمام من الصلاة، وهو جالس في بيته يقول: لو شاء الله صليت، فهل فيه أحد يمنعه من أن يقف، ويمشي خطوات إلى مكان الوضوء، ويتوضأ، ويمشي خطوات أخرى إلى المسجد، ويقف بين يدي الله في الصف؟ ما فيه ما يمنع، ولو قيل له مثل هذا في أموره العادية التي يحتاج إليها لو مكتوب لك ما تفتح دكانك اليوم، قال: ما الذي يمنع؟ ما فيه ما يمنع، أشغل السيارة، وأذهب إلى الدكان يمكن يقول، والله مكتوب لي ما أفتح اليوم، ما أقدر، ما يمكن أن يقول هذا الكلام، والله المستعان.

"وَقِيلَ: عَنَى بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ".

مثل لو قيل لشخص: لماذا تتزوج، وأنت إن كان مُقدر لك الولد فسيحصل تزوجت، أو ما تزوجت؟ لو يقال له مثل هذا الكلام قال: هذا جنون.    

"أَيْ: وَضَحَ الدَّلِيلُ، فَأَنْكَرْتَهُ، وَكَذَّبْتَهُ، وَاسْتَكْبَرْتَ أَيْ؛ تَكَبَّرْتَ عَنِ الْإِيمَانِ، وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَقَالَ: {اسْتَكْبَرْتَ، وَكُنْتَ}، وَهُوَ خِطَابُ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، يُقَالُ: ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: تَقُولُ الْعَرَبُ: نَفْسٌ وَاحِدٌ أَيْ: إِنْسَانٌ وَاحِدٌ، وَرَوَى الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ» عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ: "قَدْ جَاءَتْكِ آيَاتِي فَكَذَّبْتِ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتِ وَكُنْتِ مِنَ الْكَافِرِين»". 

مخاطبة للنفس.

وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ:" بَلَى قَدْ جَاءَتْهُ آيَاتِي"، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّذْكِيرِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ لَمْ يَلْحَقْ أُمَّ سَلَمَةَ إِلَّا أَنَّ الْقِرَاءَةَ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَقَعُ لِلْمُذَكَّرِ، وَالْمُؤَنَّثِ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ".

جوازها من حيث سلامة المعنى، ولكن جوازها في القراءة إنما يكون تبعًا لثبوتها.

"وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: يَجِبُ إِذا".

إذًا.

"يجب إذًا كُسِرَ التَّاءُ أَنْ تَقُولَ: وَكُنْتِ مِنَ الْكَوَافِر،ِ أَوْ مِنَ الْكَافِرَاتِ، قَالَ النَّحَّاسُ، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَبْلَهُ {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ}، ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}، وَلَمْ يَقُلْ مِنَ السَّوَاخِرِ، وَلَا مِنَ السَّاخِرَاتِ، وَالتَّقْدِيرُ فِي الْعَرَبِيَّةِ عَلَى كَسْرِ التَّاءِ "وَاسْتَكْبَرْتِ وَكُنْتِ" مِنَ الْجَمْعِ السَّاخِرِينَ، أَوْ مِنَ النَّاسِ السَّاخِرِينَ، أَوْ مِنَ الْقَوْمِ السَّاخِرِينَ".

يعني كما قال -جل وعلا- في مريم }وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}[التحريم:12] يعني من القوم القانتين، اللهم صلِّ على محمد وآله.

طالب: صيغة الجمع.......

عندك ما يثبت؟

طالب:.............