شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (190)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، إخوتنا وأخواتنا المستمعين الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب تجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك بكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث أبي شريح -رضي الله عنه- توقفنا عند لفظ: «ولا يعضد بها شجرة».

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فقوله: «ولا يعضد بها شجرة» «يعضد» بكسر الضاد المعجمة وفتح الدال، أي يقطع بالمِعضد وهو آلة كالفأس، قاله الحافظ، وفي المصباح: عضدت الشجرة عضدًا من باب ضرب قطعتها، والمِعضد وزان مِقْود سيف يمتهن في قطع الشجر، سيف يمتهن في قطع الشجر، في كلام الحافظ يقول: آلة كالفأس، وفي كلام صاحب المصباح يقول: سيف يمتهن في قطع الشجر، يمتهن يعني..

المقدم: مهنته.

نعم مهنته، مع أنه كان في الأصل لما هو أعلى من ذلك وأشرف منه، فلما استعمل في قطع الشجر كالفأس صار العمل بهذا امتهان، يقول الكرماني: فإن قلت: لا يعضد عطف على يسفك، فمعناه لا يحل ألا يعضد، تأمل العبارة، لا يحل لامرئ أن يسفك ولا يعضد، العطف على نية تكرار العامل، فلا يحل لامرئ أن يسفك وإذا قلنا: على نية تكرار العامل قلنا: ولا يحل له ألا يعضد.

المقدم: لماذا (ألا)  يا شيخ؟

أين؟ فيه (لا).

المقدم: طيب ولا أن يعضد، ولا أن يعضد، لا يحل له أن يسفك ولا أن يعضد.

اسمع كلام الكرماني ماذا يقول، فإن قلت: لا يعضد عطف على لا يسفك، على يسفك، العامل المسلط على..

المقدم: يسفك أن.

انتبه لكلام الكرمانى أولًا.

المقدم: طيب.

أن يسفك ولا يعضد، يعضد معطوف على يسفك، لو أراد العطف المثبت على المثبت، لو أراد أن لا يحل لامرئ يؤمن بالله أن يسفك وأن يعضد، الـ(لا) هذه النافية ما دخلها هنا؟ لماذا جيء بها؟ أنت إذا تصورت أن العطف على ما يقول أهل العلم: على نية تكرار العامل، العامل يحل، لا يحل لامرئ أن يسفك ولا يحل له أن..، فيه (لا) نافية هنا، تأمل العبارة بدقة.

المقدم: أن لا يعضد.

أن لا يعضد وهذا مشكل، هذا إذا قلنا معطوف.

المقدم: الآن كلام الكرماني عندما أراد هذا أليس يريد أن يخرج، أو أن يبحث عن سبب في نصب يعضد؟

لا.

المقدم: أليس هذا هدفه؟

لا.

المقدم: لو كان القصد هو تبرير النصب لقلنا: لا أن يعضد.

لا أصلاً لو عطفت يعضد على يسفك ما وجود (لا) تنصب، فالكرماني يقول: فإن قلت: لا يعضد عطف على يسفك فمعناه لا يحل ألا يعضد، قلت: لا، (لا) زيد لتأكيد معنى النفي فـ(لا) زائدة عندهم، (لا) زيد لتأكيد معنى النفي فمعناه لا يحل أن يعضد، لا يحل أن يعضد، كما أنه لا يحل أن يسفك، إذًا (لا) هذه.. أنت عرفت وجود (لا) لماذا؟ هو يقول: زيدت لتأكيد معنى النفي، فمعناه لا يحل أن يعضد، وأما الشجر فالذي لا يستنبته الآدميون في العادة متفق عليه، يعني الذي ينبت بغير فعل الآدمي هذا متفق عليه أنه لا يجوز..

المقدم: أن يعضد.

قطعه، وأما ما ينبته الآدميون فهو محل خلاف، ولفظ الحديث العام: «ولا يعضد بها شجرة»، لفظ الحديث عام يشمل ما ينبته الله -جل وعلا-، وما ينبته الآدميون، يقول: وأما الشجر فالذي لا يستنبته الآدميون في العادة متفق عليه، يعني أنه لا يجوز قطعه، وغيره محل الخلاف، يعني ما ينبته الآدمي، يعني غرس الآدمي نخلة أو شجرة محل خلاف، هل تدخل في الحديث أو لا تدخل، وعموم الحديث يشمله، لكن الأكثر على أن  ما ينبته الآدمي...

المقدم: لا يدخل.

لا يدخل، والشجر يطلق على ما له ساق، والذي لا ساق له يقال له: نجم {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن:6]. ويعضد بالنصب عطف على يسفك، وشجرةً بالنصب مفعول يعضد، قال العيني: وذكر بعض شّراح المشارق للصاغاني.

المقدم: مشارق الأنوار.

نعم.

المقدم: على صحاح الأخبار.

لا لا.

المقدم: غيرها.

ثانٍ، هو مشارق الأنوار لكن غير.. هذاك للقاضي عياض.

المقدم: نعم.

في غريب الصحيحين والموطأ.

المقدم: نعم، في ضبط الألفاظ.

نعم في غريب الصحيحين والموطأ، مشارق الأنوار للقاضي عياض، وهذا مشارق الأنوار في صحاح الأخبار للصاغاني، غيره كتاب آخر.

المقدم: نعم.

من شروحه المطبوعة مبارق الأزهار، كتاب مشهور متداول، ذكر بعض شراح المشارق للصاغاني أن قوله: لا يعضد بالرفع ابتداء كلام، وفاعله ضمير يرجع إلى امرئٍ، وعطفه على (لا يحل)، بأن يكون تقديره إن مكة حرمها الله لا يعضد بها امرئٌ شجرة، يقول العيني: هذا توجيه حسن إن ساعدته الرواية، يعني إن وجد مرويًا في رواية من روايات الصحيح بالرفع فهو توجيه حسن، وهو يعفينا من الإشكال الذي أورده الكرماني، لو صحت الرواية بالرفع لأعفانا من الإشكال الذي أورده الكرماني وأجاب عنه.

 «فإن أحد»، «إن» شرطية، و«أحد» مرفوع بشرط مضمر يفسره الظاهر، تقديره فإن ترخص أحد، لا بالابتداء، يعني أحد ليست مرفوعة بالابتداء، وإنما مرفوعة بفعل مضمر يفسره المذكور، تقديره فإن ترخص أحد لا بالابتداء، ومن زعم ذلك فقد أخطأ كما قال الزجاج في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة:6], لأن (إن) لكونها تعمل العمل المختص بالفعل، لفظًا أو محلًّا مختصة به، يعني (إن) لا تدخل على الأسماء، إنما تدخل على...

المقدم: الأفعال.

على الأفعال، وعلى هذا لا بد أن يقدر بعدها فعل.

المقدم: إن استجارك أحد.

 إن استجارك أحد، يفسره المذكور، فلا يصح دخولها على الأسماء، نقله الألوسي في روح المعاني، وقال الكرماني: أحد فاعل لفعل محذوف، ووجب حذفه؛ لئلا يلزم اجتماع المُفسِّر والمُفسَّر، يعني لو قيل مثلًا في الحديث فإن ترخص أحد ترخص، يلزم منه اجتماع المُفسِّر والمُفسَّر، العوض والمعوض، البدل والمبدل، يقول: لئلا يلزم اجتماع المُفسِّر والمُفسَّر وإلا لم يكن المُفسِّر مُفسِّرًا والمُفسَّر مُفسَّرًا؛ لأنه فسر نفسه، فسر نفسه، فلا حاجة إلى ذكر المُفسِّر، يعني لو ذكر المُفسَّر فإن ترخص أحد، لا داعي أن نقول مرة ثانية ترخص؛ لئلا يجتمع البدل والمبدل منه، «ترخص لقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»، قال العيني: معناه إن قال أحدٌ بأن ترك القتال عزيمة، والقتال رخصة يتعاطى عند الحاجة مستدلًّا بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها، فقولوا له: ليس الأمر كذلك، فإن الله أذن لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يأذن لكم، واضح كلامه؟

المقدم: نعم.

يقول: معناه إن قال أحد: إن ترخص أحد، إن قال أحد بأن ترك القتال عزيمة، لماذا أخذنا ترك القتال عزيمة؟ لأن مقابله رخصة؛ لأن الذي يقابل الرخصة.

المقدم: العزيمة.

العزيمة، فإذا كان القتال رخصة فالعزيمة..

المقدم: تركه.

تركه نعم، يقول: معناه إن قال أحد بأن ترك القتال عزيمة، والقتال رخصة، والرخصة عند وجود سببها تتعاطى وتفعل، والقتال رخصة يتعاطى عند الحاجة مستدلًّا بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها، فقولوا له: ليس الأمر كذلك، فإن الله أذن لرسوله-صلى الله عليه وسلم- ولم يأذن لكم، يعني لو قال قائل: ما دام القتال رخصة ترخص، وهو رخصة، والرخصة عنده وجود سببها تفعل، إذًا أترخص كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يرد عليه أمران، أولًا يرد عليه هذا الكلام، أن الله أذن لرسوله بهذه الرخصة، ولم يأذن لكم أن تترخصوا، الأمر الثاني أن القتال عند وجود سببه يشرع في كل مكان، وعلى هذا لا يكون لمكة خصيصة، ظاهر أم ليس بظاهر؟

المقدم: ظاهر.

وقال: فإن أحد ترخص لقتال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يقل لقتالي، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يقل فإن أحد ترخص لقتالي، لماذا؟

المقدم: لأنه أبلغ كون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..

ليبين حكم علته.

المقدم: نعم.

 والرسالة وأنه مبلغ عن الله.

المقدم: نعم.

طيب، ولم يقل لقتالي بيانٌ لاستظهار الترخص، فإن الرسول المبلغ للشرائع إذا فعل ذلك كان دليلًا على جواز الترخص، يعني لولا هذه الخصوصية، لولا أن هذا الأمر خاص به.

المقدم: لما فعل.

لا،  لأجيز لغيره؛ لأنها رخصة، وفعلها مشرع بأمر الله -جل وعلا- وإذنه، لكن دل الدليل على أنها خاصة به- عليه الصلاة والسلام-، وإنما التفت ثانيًا لقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كأنه يحكي قول المترخص، في الحديث كأنما يحكى قول المترخص، المترخص إذا أراد أن يترخص قال: أنا أترخص لقتال الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يعني فإن ترخص أحدٌ قائلًا أو محتجًّا بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا له، كأنه يحكي كلام المترخص، وإنما التفت ثانيًا بقوله: «وإنما أذن لي» ما قال أذن له، فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، الجملة الأولى ترخص لقتال رسول الله، ولم يقل لقتالي، فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله ما قال أذن لي.

المقدم: نعم.

كل هذا على لسان المترخص وعلى لسان من يرد عليه، كأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يلقن الحجة، فإذا قال قائل: الرسول ترخص -عليه الصلاة والسلام- فقولوا له: إن الله أذن لرسوله، ثم عاد فقال: «وإنما أذن لي» ما قال أذن لرسوله، لماذا؟

المقدم: انتهى البيان.

نعم، وإنما التفت ثانيًا بقوله وإنما أذن لي ولم يقل أذن له؛ بيانًا لاختصاصه بذلك بالإضافة إلى ضميره أذن لي، اللام هذه من معانيها الملك، ومن معانيها الاختصاص، فهذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، وإنما التفت ثانيًا بقوله وإنما أذن لي، ولم يقل أذن له؛ بيانًا لاختصاصه -صلى الله عليه وسلم- بذلك بالإضافة إلى ضميره. إذا عرفنا هذا فالرخصة عرفها أهل العلم بتعريفات متقاربة، أولًا الرخصة تقابل.

المقدم: العزيمة.

العزيمة، الرخصة كما في الروضة للإمام الموفق -رحمه الله-: استباحة المحظور مع قيام الحاظر، يعني أكل المضطر للميتة، رخصة أم عزيمة؟

المقدم: رخصة.

رخصة، يستباح هذا المحظور.

المقدم: بقدر.

لا مع قيام الحاظر مع عدم نسخ الدليل الذي دل على التحريم، مع قيام الدليل الحاظر، {حرمت عليكم الميتة} يستحضر هذا الدليل ويأكل منها، فالحاظر الدليل الذي منع من أكل الميتة قائم، مع قيامه، مع قيام الحاظر وقيل: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، وقيل: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، يعني الأكل من الميتة..

المقدم: ثبت بدليل.

ثبت بدليل شرعي مع أنه ثبت على خلاف دليل شرعي، المعارض الراجح حفظ النفس.

نعم مع وجود ما يدل عليه إلى ما اضطررتم إليه، {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [النحل:115]، ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض الراجح، مع وجود هذا المعارض، استبيح المحظور مع قيام الحاظر، يقول الشاطبي في الموافقات في تعريفها: الرخصة ما شُرِع لعذر شاقّ استثناءً، ما شُرِع لعذر شاق استثناءً من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه، لعذر شاق الأكل من الميتة، لا شك أن العذر شاق، تحصيل الماء عند عدمه والعدول عن الوضوء إلى التيمم لا شك أنه لعذر شاق، لكن السفر مع الوسائل المريحة والترخص بالجمع والقصر والفطر والمسح، هذا عذر شاق؟ مع وجود الوسائل المريحة.

المقدم: لا.

بعض الناس سفره أيسر عليه من إقامته، أنت افترض أن عاملًا مثلًا يعمل ويكد النهار طوله، طول النهار في الأيام شديدة الحر عليه مشقة عظيمة، وأُعطي إجازة ثلاثة أيام مثلًا ليأخذ عمرة في رمضان، وصرف له تذاكر سفر.

المقدم: أحب إليه.

هذا أيسر له بكثير من إقامته، وهو يقول: الرخصة ما شُرع لعذر شاق استثناءً من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه، أما الاقتصار على مواضع الحاجة فلابد منه، أما كونه شاقًّا فهذا هو الأصل، لكن قال بعد ذلك: وقد تطلق الرخصة على ما استثني من أصل كلي يقتضي المنع مطلقًا، وقد تطلق الرخصة على ما استُثني من أصل كلي يقتضي المنع مطلقًا من غير اعتبار بكونه لعذر شاق، مثل ما مثلنا، يعني الأصل أن السفر قطعة من العذاب، لكن في ظروفنا التي نعيشها، أحيانًا يكون السفر أفضل من الإقامة، وكثير من الناس يؤجل بعض الأعمال إلى السفر؛ لأنه أفرغ له وأريح، المقصود أن العذر الشاق قد يكون في بداية التشريع، لكن يستمر الحكم، فيبقى الحكم مع ارتفاع السبب، والأصل في القصر أنه مقرون بالخوف.

المقدم: {إِنْ خِفْتُمْ أن يفتنكم}[النساء:101].

{إِنْ خِفْتُمْ}، ثم ارتفع السبب ووقع الحكم، والخوف فيه مشقة عظيمة، لكن ارتفعت المشقة وبقي الحكم، وقال الكرماني: الرخصة حكم ثبت لعذر مع قيام المحرم لولا العذر، يعني تحريم الفطر في رمضان «من أفطر يومًا من رمضان لم يقتضه صيام الدهر ولو صامه» يعني من غير عذر، لكن لو سافر مثلًا مسافة القصر عند الجمهور يقطعها بساعة أو أقل من ساعة.

المقدم: نعم.

ومع ذلك ترخص عندهم، لكن لا يجوز له أن يسافر ليترخص، لا يجوز له أن يسافر من أجل أن يترخص، ما المانع أن أذهب ثمانين كيلو، تسعين كيلو لمدة ساعة إلا ربعًا مثلًا أو أقل، أو أكثر.

المقدم: وأفطر.

وأطلع نزهة أو رحلة ويفطر في رمضان؟ ليس له أن يسافر من أجل أن يترخص، لكن إن وجد السبب جاز له الترخص، قلنا: إنما يقابل الرخصة العزيمة وهي الأصل، الأصل في التشريع العزائم، والرخصة على خلاف الأصل فيما قرره أهل العلم، وإن كان ثبوتها بأصل؛ لأن ما ثبت بدليل صحيح صار أصلًا برأسه، ولذلك شيخ الإسلام ينازع في كثير من المسائل ومثله ابن القيم أن هذا جاء على خلاف الأصل، ما دام فيه حكم دليل شرعي صحيح صريح، كيف يكون على خلاف الأصل؟ لكن هذه المسألة اصطلاحية، ما دام الأصل قائم المانع ثم وجد ما يبيح ارتكاب خلاف هذا الأصل فهو رخصة وهو خلاف الأصل، والمسألة اصطلاحية، فالعزيمة ما ثبت على وفق الدليل الشرعي لما عدم المعارض.

 «لقتال» أي لأجل قتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها مستدلًّا بذلك، مستدلًّا بذلك فقولوا له، ليس الأمر كذلك، «إن الله -سبحانه وتعالى- قد أذن لرسوله -صلى الله عليه وسلم-» وهذا من خصائصه-عليه الصلاة والسلام- كما تقدم، «ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي»، الله -جل وعلا- في القتال فقط لا قطع الشجر؛ لأنه منصوص عليه إن ترخص أحد لقتال رسول الله، فالترخص في القتال، هل حصل ترخص بقطع الشجر؟ «ولا يعضد به شجرة»، لم يحصل بهذا، لكن لو اضطر الإنسان لقطع الشجر كما لو اضطر إلى القتال، قوتل، {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ}[البقرة:191].

المقدم: {فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة:191].

{فَاقْتُلُوهُمْ}، اضطر إلى قطع الشجر.

المقدم: أن تؤذي أحدًا مثلًا.

إن كان في الطريق مثلًا، أو برد بردًا شديدًا فاحتاج أن يستدفئ بها، اضطر إلى ذلك، كغيرها من المحرمات المحظورات التي تُستباح بالحاجة مع ضمان البدل، مع ضمان بدلها. «فيها» أي في مكة قال القسطلاني: همزة أذن مفتوحة، إن الله قد أذن، وإنما أذن همزة أذن مفتوحة، ويجوز ضمها على البناء للمفعول، وإنما أُذن.

المقدم: أُذن لي وأذن لي.

تأتي أذن الأولى "إن الله قد أذن لرسوله"، هل يجوز أن نقول: إن الله قد أُذن لرسوله؟

المقدم: لا.

لا يجوز، الخلاف فيه إنما أذن لي «فيها ساعة» الأصل فيه إنما مفتوحة كسابقتها، ويجوز ضمها على البناء للمفعول ولأبي ذر كما في الفرع وأصله، هذا كلام القسطلاني، ولأبي ذر كما في الفرع وأصله إسقاط لفظة فيها اختصارًا للعلم به فقال: أذن لي، أكثر رواة على وجود أذن لي فيها.

المقدم: الثانية أم في الأولى يا شيخ؟

أين؟

المقدم: فإن أحد ترخص لقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها، هذه الأولى؟

لا، الثانية، وإنما أذن لي فيها.

المقدم: هنا ما فيه فيها أيضًا.

في رواية أبي ذر أكثر روايات فيها.

المقدم: والتي بين يدينا ليس فيها.

أين؟

المقدم: النسخة التي نقرأ منها وإنما أذن لي ساعة منها بدون فيها.

على رواية أبي ذر، وإنما سائر الروايات فيها موجود، يقول: ولأبي ذر كما في الفرع وأصله إسقاط لفظ فيها؛ اختصارًا للعلم به، ليس الإذن مطلقًا، وإنما في هذه البقعة فقال: أذن لي، لأبي ذر الرواية المعروفة لأبي ذر الهروي وأتقن الروايات عن الحافظ وعليها يعتمد، ويشير إلى ما عداها عند الحاجة، كما في الفرع وأصله، مر بنا مرارًا اليونينية النسخة اليونينية هي الأصل الذي ضبطها وأتقنها الحافظ اليونيني، وذكر فيها فروق روايات الصحيح، هذه هي الأصل.

المقدم: فرعها؟

فرعها نُسخ عنها، نُسخ عنها وقُوبل عليه وضُبط وأُتقن، لماذا نحتاج إلى الفرع مع وجود الأصل؟ لأنه يقول: "كما في الفرع وأصله"، مر بنا مرارًا أن القسطلاني إنما وقف على الفرع قبل وقوفه على الأصل، فضبط نسخته وقابل نسخته ستة عشرة مرة.

المقدم: على الفرع.

 على الفرع، ثم بعد مدة طويلة..

المقدم: وجد الأصل.

وجد المجلد الثاني من الأصل، فقابل الفرع على الأصل، فوجده بحروفه لا يختلف ولا بنقطة، ثم وجد المجلد الأول كذلك، فصار يعتني بالفرع؛ لأنه وقف عليه أولًا، وضبط نسخته وأتقنه عليها، ثم أضاف إليه الأصل؛ لئلا يقال: ما دام وقف على الأصل لماذا أهمل الأصل؟ أو لئلا يظن به أنه لم يقف على الأصل، فيكون عمله فيه ما فيه، معتمد على فرع مع وجود الأصل، فوقف على الفرع واعتنى به وضبط نسخته وأتقنها على الفرع، ثم كذلك وقف على الأصل، فوجد الفرع مطابقًا للأصل من كل وجه، ولذا يشير إلى الاثنين، يعني لو أن واحدًا من المحققين المتجوزين الذين يزاولون التحقيق في هذه الأيام، لا داعي لأن نشير إلى الفرع؟

المقدم: نعم.

والنزول إلى الفرع عندهم هبوط ونزول،  والعلو أفضل منه، ما دام وجد العالي لا داعي لذكر النازل، لكن من باب الأمانة، هو كتابه ضبطه وأتقنه على الفرع، ثم وجد الأصل، نظير ذلك مثلًا، أنا وقفت على كلام في شرح العيني، واستفدت منه فائدة كبيرة، ثم بعد ذلك وقفت على الكلام نفسه في شرح الكرماني، يعني ليس من الأدب أن أتجاهل العيني؛ لأني استفدت منه، وإن كان الكلام لمن سبقه الكرماني بحروفه، هذا لا شك أنه من الوفاء ومن الأمانة ومن الدقة في الأمانة، فأشير إلى الفرع وأشير إلى الأصل بعد ذلك، قد يقول قائل: لماذا ما نسب العيني إلى الأصل؟

 المقدم: لماذا لا نعاقبه بمثل فعله؟

بمثل صنعه لا نذكره، فعلى كل حال الأصل أن يبقى طالب العلم في نقوله أمينًا دقيقًا.

المقدم: أحسن الله لك شيخ، نستكمل ما تبقى بإذن الله في حلقة قادمة إن أذنتم لنا خصوصًا هذه النقطة نجعلها بداية الحديث معكم في الحلقة القادمة.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام حلقتنا على أن نستكمل بإذن الله ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.