تعليق على تفسير سورة المائدة من أضواء البيان (02)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين:

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-:

"قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، في قوله: وأرجلكم ثلاث قراءات: واحدة شاذة، واثنتان متواترتان. أما الشاذة: فقراءة الرفع، وهي قراءة الحسن، وأما المتواترتان: فقراءة النصب، وقراءة الخفض. أما النصب: فهو قراءة نافع، وابن عامر، والكسائي، وعاصم في رواية حفص من السبعة، ويعقوب من الثلاثة".

شذوذ قراءة الحسن أوّلًا: لعدم ثبوتها بما يثبت به القرآن المتواتر، الأمر الثاني: أنه ليس فيما تقدم المعطوف مرفوع، ليس هناك مرفوع يعطف عليه، اللهم إلا إذا كانت الواو استئنافية، ولا وجه لذلك، وما تقدم إما منصوب أو مخفوض، فالعطف على منصوب أو على مخفوض.

طالب:...

ثم بعد ذلك؟

طالب:...

أو اغسلوها تبقى مجملة.

طالب:...

الشيعة يجرونها، يجرونها عطفًا على الممسوح فهم يمسحون.

"وأما الجر: فهو قراءة ابن كثير، وحمزة، وأبي عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر. أما قراءة النصب: فلا إشكال فيها؛ لأن الأرجل فيها معطوفة على الوجوه، وتقرير المعنى عليها: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برءوسكم.

وإنما أُدخل مسح الرأس بين المغسولات محافظة على الترتيب؛ لأن الرأس يمسح بين المغسولات، ومن هنا أخذ جماعة من العلماء وجوب الترتيب في أعضاء الوضوء حسبما في الآية الكريمة".

لأنهم يقولون: أدخل الممسوح بين المغسولات وقطع النظير عن نظائره وهذا لا تفعله العرب إلا لحكمة، والحكمة هنا هي مراعاة الترتيب.

"وأما على قراءة الجر: ففي الآية الكريمة إجمال، وهو أنها يفهم منها الاكتفاء بمسح الرجلين في الوضوء عن الغسل كالرأس، وهو خلاف الواقع للأحاديث الصحيحة الصريحة في وجوب".

يعني لو لم يرد البيان منه -عليه الصلاة والسلام- من فعله وقوله لكان المسح له وجه؛ لأن عطف الرجلين على الرأس وهو الأقرب مُتجه، والقراءة المتواترة تؤيد ذلك، لكن يرده ويبعده الأحاديث الصحيحة الصريحة والوعيد الشديد على من ترك شيئًا من الرجل بدون غسل، والطبري الذي ينسب إليه القول بالاكتفاء بالمسح، وفي كلامه في تفسيره ما يلتبس على طلاب العلم، لكنه في حقيقته واضح غير ملتبس، أما الطبري الذي ينسب إليه المسح فهو غير الإمام محمد بن جرير الطبري أبو جعفر المعروف صاحب التفسير والتاريخ، شخص يقال له أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري، وهو من الروافض، فلا يستبعد أن يقول بالمسح، أما الإمام المفسر إمام المفسرين فأشار إلى المسح، ولكنه يريد بذلك الغسل؛ لأن من معاني المسح وقد جاءت به العربية الغسل، يقال: تمسحتُ بمعنى توضأت، فهل معنى تمسحت مسحت وجهي ومسحت يدي؟ لا، غسلت.

 إضافة إلى أنه وهو يقررُ ذلك ذكر حديث: «ويل للأعقاب من النار» من طرق كثيرة بسنده هو إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بأسانيد وطرق كثيرة، فهل يتصور أن الإمام الطبري يقول بالمسح الذي يقول به الشيعة، وهو يسوق أحاديث ويل للأعقاب، وفي بعض الروايات: «وبطون الأقدام من النار» ويكتفي بالمسح؟ لا يمكن.

"وهو خلاف الواقع للأحاديث الصحيحة الصريحة في وجوب غسل الرجلين في الوضوء والتوعد بالنار لمن ترك ذلك، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ويل للأعقاب من النار». اعلم أوّلاً، أن القراءتين إذا ظهر تعارضهما في آية واحدة لهما حكم الآيتين، كما هو معروف عند العلماء، وإذا علمت ذلك فاعلم أن قراءة: وأرجلكم، بالنصب صريح في وجوب غسل الرجلين في الوضوء".

هذا إذا كانت الآيتان متواترتين، أما إذا صح سندهما ولم يبلغ حد التواتر قالوا: لهما حكم الأحاديث البنوية، حكم الأحاديث النبوية.

"فهي تُفهَم أن قراءة الخفض إنما هي لمجاورة المخفوض مع أنها في الأصل منصوبة بدليل قراءة النصب، والعرب تخفض الكلمة لمجاورتِها للمخفوض، مع أن إعرابها النصب، والرفع".

أو.

طالب: أو الرفع؟

نعم. هي في الأصل منصوبة أو مرفوعة، لكنها تخفض لمجاورتها للمخفوض. من أشهر الأمثلة التي يذكرونها هذا حجر ضبٍ خربٍ، الأصل خربٌ، ولكنه جُرّ؛ لمجاورته للمجرور.

"وما ذكره بعضهم من أن الخفض بالمجاورة معدود من اللحن الذي يُتحمَّلُ لضرورة الشعر خاصة، وأنه غير مسموع في العطف، وأنه لم يجز إلا عند أمن اللبس، فهو مردود بأن أئمة اللغة العربية صرحوا بجوازه. وممن صرّح به الأخفش، وأبو البقاء، وغير واحد. ولم ينكره إلا الزجاج، وإنكاره له، مع ثبوته في كلام العرب، وفي القرآن العظيم، يدل على أنه لم يتتبع المسألة تتبعًا كافيًا. والتحقيق: أن الخفض بالمجاورة أسلوب من أساليب اللغة العربية، وأنه جاء في القرآن؛ لأنه بلسان عربي مبين.

فمنه في النعت قول امرئ القيس:

كأن ثبيرًا في عرانين ودقه

 

كبير أناس في بجادٍ مزمل

طالب:...

أين؟

طالب:..

هذا الأصل تكون ودقه.

كأن ثبيرًا في عرانين ودقه

 

كبير أناس في بجادٍ مزمل

"بخفض "مزمل" بالمجاورة، مع أنه نعت "كبير" المرفوع بأنه خبر "كأن" وقول ذي الرمة:

تريك سنة وجه غير مقرفة

 

ملساء ليس بها خال ولا ندب

إذ الرواية بخفض "غير"، كما قاله غير واحد للمجاورة، مع أنه نعت "سنة" المنصوب بالمفعولية.

ومنه في العطف قول النابغة:

لم يبق إلا أسير غير منفلت

 

ومُوثقٍ في حبال القد مجنوب

بخفض "موثق"؛ لمجاورته المخفوض، مع أنه معطوف على "أسير" المرفوع بالفاعلية".

حبال القد، ما هو القد؟ الجلد؟ نعم صرِّح كالحبال، فإذا طوي على شيء ويبس يكون أقوى، يكفي ولو لم يربط. يستمسك ولو لم يربط. وما زال مستعملًا إلى الآن.

وقول امرئ القيس:

وظل طهاة اللحم ما بين منضج

 

صفيف شواء أو قدير معجل

بجر "قدير"؛ لمجاورته للمخفوض، مع أنه عطف على "صفيف" المنصوب بأنه مفعول اسم الفاعل الذي هو "منضِج"، والصفيف: فعيل بمعنى مفعول، وهو المصفوف من اللحم على الجمر لينشوي، والقدير: كذلك فعيل بمعنى مفعول، وهو المجعول في القدر من اللحم؛ لينضج بالطبخ. وهذا الإعراب الذي ذكرناه هو الحق؛ لأن الإنضاج واقع على كل من الصفيف والقدير، فما زعمه "الصبان" في حاشيته على "الأشموني" من أن قوله: "أو قدير" معطوف على "منضج" بتقدير المضاف أي وطابخ قدير... الخ، ظاهر السقوط؛ لأن المنضج شامل لشاوي الصفيف، وطابخ القدير، فلا حاجة إلى عطف الطابخ على المنضج؛ لشموله له، ولا داعي لتقدير "طابخ" محذوف.

وما ذكره العيني من أنه معطوف على "شواء"، فهو ظاهر السقوط أيضًا، وقد رده عليه "الصبان"؛ لأن المعنى يصير بذلك: وصفيف قدير، والقدير لا يكون صفيفًا. والتحقيق: هو ما ذكرنا من الخفض بالمجاورة، وبه جزم ابن قدامة في المغني".

للصبان حاشية على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، والأشموني من أوسع الشروح، وحاشية الصبان من أوسع الحواشي، من أوسع الحواشي، والعيني له كتابٌ على شواهد شروح الألفية، جميع الشواهد في شروح الألفية جمعها وشرحها، وهذه الكتب تفيد لا سيما ما ذكر في هذا الباب، الأشموني شرح مفصل، وواضح، وحاشية الصبان عليه حلّت كثير من الإشكالات، والعيني في شواهده أحاط بشواهد الألفية وشرحها.

والذي يقرأ في شروح الألفية وحواشيها وتمرّ عليه الشواهد وتبيّن، توضح سواء في الشرح أو في الحاشية لا يستغني عن شرح شروح الشواهد، فيفهم القاعدة العربية طردًا وعكسًا، طردًا وعكسًا، يفهم القاعدة بمثالها، وما قيل فيها، ومن قِبل الشارح، ثم التوضيح من قِبل المُحشِّي هذا طرد، لكن باب العكس كونه يقرأ الشواهد وشروح الشواهد ليفهم القاعدة لا شك أنه تتضح له أكثر، ولذا قراءة كتب شروح الشواهد في غاية الأهمية، وفيها من المخزون اللغوي والأدبي ومعرفة الشعراء وأحوال الشعراء والقصائد التي فيها هذه الشواهد، ومناسبات هذه القصائد يفيد طالب العلم فائدة كبيرة في أبواب كثيرة.

 ومن أوسع ما كُتب في الشواهد: خزانة الأدب، خزانة الأدب في شرح شواهد شروح الكافية، طُبع في أربعة مجلدات كبار في بولاق، وطُبع أيضًا بتحقيق عبد السلام هارون في ثلاثة عشر مجلدًا. قراءتها مملة، لكن الصبر، وفيها تنوع إذا ذكر الشاهد ذكر قائله وترجم له، وذكر أبيات من هذه القصيدة وقد يذكر القصيدة كاملة إذا كانت أبياتها قليلة، ويشرح هذا الشاهد، ويبين ما فيه من وجه استشهاد، فهذه تذكره بالعلم إذا كان بعيد العهد عنه. مع ما فيها من هذه الطرائف والفوائد.

طالب:...

من القائلين، هو من أهل العلم، والعلماء ما يسمى فقيهًا إلا إذا كان عالم بالعربية ولا يسمى مفسرًا إلا إذا كان عالمًا بالعربية، فلا بد من علم العربية لجميع فنون العلم الشرعي. الآن لا يرد على الصبان ابن قدامة، الذي يرد عليه الشنقيطي –رحمة الله عليه-، وهو إمام في العربية، يعني إذا قيل إنه أفضل من الصبان فما هو ببعيد.

"ومن الخفض بالمجاورة في العطف، قول زهير:

لعب الزمان بها وغيَّرَها

 

بعدي سوافي المور والقطر

بجر "القطر"؛ لمجاورته للمخفوض مع أنه معطوف على "سوافي" المرفوع، بأنه فاعل غير.

ومنه في التوكيد قول الشاعر:

يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم

 

أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب

بجر "كلهم" على ما حكاه الفراء؛ لمجاورة المخفوض، مع أنه توكيد "ذوي" المنصوب بالمفعولية. ومن أمثلته في القرآن العظيم في العطف -كالآية التي نحن بصددها- قوله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [ الواقعة: 22 ]، على قراءة حمزة، والكسائي.

ورواية المفضل عن عاصم بالجر؛ لمجاورته لأكواب وأباريق، إلى قوله: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [ الواقعة: 21 ]، مع أن قوله: {وَحُورٌ عِينٌ}، حكمه الرفع، فقيل: إنه معطوف على فاعل "يطوف" الذي هو {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [ الواقعة: 17 ].

وقيل: هو مرفوع على أنه مبتدأ خبره محذوف، دل المقام عليه. أي: وفيها حور عين، أو لهم حور عين. وإذن فهو من العطف بحسب المعنى.

وقد أنشد سيبويه للعطف على المعنى قول الشماخ، أو ذي الرمة:

بادت وغير آيهن مع البلا

 

إلا رواكد جمرهن هباء

ومُشجَّج أما سواء قَذاله

 

فبدا وغيب ساره المعزاء

لأن الرواية بنصب "رواكد" على الاستثناء، ورفع مشجج عطفًا عليه؛ لأن المعنى: لم يبقَ منها إلا رواكد ومُشجَّج، ومراده بالرواكد أثافي القدر، وبالمُشجَّج وتد الخباء، وبه تعلم أن وجه الخفض في قراءة حمزة، والكسائي هو المجاورة للمخفوض، كما ذكرنا خلافًا لمن قال في قراءة الجر: إن العطف على أكواب، أي يطاف عليهم بأكواب، وبحور عين، ولمن قال: إنه معطوف على جنات النعيم، أي هم في جنات النعيم، وفي حور على تقدير حذف مضاف، أي في معاشرة حور. ولا يخفى ما في هذين الوجهين؛ لأن الأول يرد، بأن الحور العين لا يطاف بهن مع الشراب؛ لقوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [ الرحمن: 72 ].

والثاني فيه أن كونهم في جنات النعيم، وفي حور ظاهر السقوط كما ترى، وتقدير ما لا دليل عليه لا وجه له. وأجيب عن الأول بجوابين، الأول: أن العطف فيه بحسب المعنى؛ لأن المعنى: يتنعمون".

إذا كانت في المقدرة للظرفية في جنات النعيم، هذا وجهه ظاهر، لكن ماذا يكون معناها في حور عين؟ كما قال الشيخن ظاهر السقوط.

"وأجيب عن الأول بجوابين، الأول: أن العطف فيه بحسب المعنى؛ لأن المعنى: يتنعمون بأكواب وفاكهة ولحم وحور. قاله الزجاج وغيره. الجواب الثاني: أن الحور قسمان:

1 - حور مقصورات في الخيام.

2 - وحور يطاف بهن عليهم.

قاله الفخر الرازي وغيره، وهو تقسيم لا دليل عليه، ولا ُيعرف من صفات الحور العين كونهن يطاف بهن كالشراب، فأظهرها الخفض بالمجاورة، كما ذكرنا. وكلام الفراء، وقطرب، يدل عليه، وما رد به القول بالعطف على أكواب من كون الحور لا يطاف بهن يُرَدُّ به القول بالعطف على ولدان مخلدون، في قراءة الرفع".

يعني من باب الفائدة يقول: وحور يطاف بهن عليهم، قاله الفخر الرازي، يعني في تفسير سورة ماذا؟

طالب: ........

 الواقعة نعم. لكن هل الرازي وصِل إلى سورة الواقعة في تفسيره، أو من التكملة؟ يعني لو نقول في آخر التفسير أضواء البيان الذي معنا يعني في تفسير سورة من جزء عم مثلًا، قاله الشنقيطي في تفسيره، والشنقيطي ما وصل إلى هذا المكان من تفسيره، يسوغ أم ما يسوغ؟ ما يسوغ، أقول: هل الرازي وصل إلى هذه السورة في تفسيره أو قصر دونها؟ لأن الرازي قطعًا ما أكمل التفسير، لكن يختلفون في الموضع الذي وصل إليه، وبعضهم يرجح بتشابه الأسلوب في الآخر مع الأول، وإلا ما فيه دليل قطعي على أن الرازي وصل إلى هذا أو وصل إلى ذاك، فيحقق ويدقق فيما قاله الشيخ. الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون أشار إلى شيء من هذا، وأشار إلى الاختلاف في الموضع الذي وقف عليه الرازي في تفسيره، مجرد ما نجد الكلام في تفسير؛ لأن المطبوع كله يكتب عليه تفسير الرازي، كله يكتب عليه تفسير الرازي، وأضواء البيان كله يكتب عليه أضواء البيان، لكن إضافة القول إلى قائله بدقة؛ لأنه قد ينسب قول إلى غير قائل، وتحمله ما لا يحتمل؛ لأنه ما قال هذا الكلام، فيحتاج والشيخ مظنة للتحقيق، الشيخ المؤلف –رحمة الله عليه- مظنة للتحقيق لا ينقل أي كلام، لكن هذا من باب التنبيه على مثل هذه المسألة.

طالب:...

لا لا، في الآية، {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} في الآية.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ظلموه في هذا، فيه تفسير، ظلموه فيه تفسير.

طالب:...

هو فيه تفسير، فيه تفسير واستنباطات عجيبة وغريبة، لكنه تفسير بالرأي، تفسير بالرأي.

"وما رُدَّ به القول بالعطف على أكواب من كون الحور لا يطاف بهن يُرَدُّ به القول بالعطف على ولدان مخلدون، في قراءة الرفع؛ لأنه يقتضي أن الحور يطفن عليهم كالولدان، والقصر في الخيام ينافي ذلك".

قولهم- وقاله الذهبي، نقله عنهم- إن تفسير الرازي فيه كل شيء إلا التفسير، فيه ظلم وجور على الرازي، ولما جاء إلى تفسير الجواهر طنطاوي جوهري الذي فيه كل العلوم فيه الطب، وحتى الهندسة فيه، وفيه علوم الكلام بأنواعها، وفيه علوم العلوم الطبيعية وفيزياء علوم كثيرة، هو مجموع خليط من هذه العلوم كلها، وهو يصوِّر، كل صفحة ما تخلو من صُور، الحشرات وحيونات وآلات، قالوا: فيه كل شيء إلا التفسير، وهذا أقرب لهذه الكلمة من تفسير الرازي، أقرب لهذه الكلمة من تفسير الرازي، مع أني قرأت، قال لي الشيخ ابن باز: اقرأ علي منه، اقرأ علي منه، ثم قرأت عليه شيئًا يسيرًا؛ لأنه يبدأ بالتفسير، الجوهري يبدأ بتفسير الكلمات والغريب، قرأت عليه صفحة قال: ظلموه، فيه تفسير، فعلى طالب العلم أن يكون دقيقًا في حكمه، كونه ينقل لا بأس ينقل، لكن ينقد.

طالب:...

أعد أعد.

طالب:...

معروف هذا كله.

طالب:...

سبحان الله، أنت فهمت قصدي؟ هم قالوا: فيه كل شيء إلا التفسير، يعني ما فيه تفسير إطلاقًا هذا المفهوم من العبارة، لكن من يقرأ يجد تفسيرًا، في هذا الكتاب وفي هذا الكتاب، فالمسلم فعمومًا طالب العلم يجب أن يكون دقيقًا في حكمه، قد يصدر كلمات مبالغًا فيها، والمبالغة معروفة في لغة العرب تقول: فلان ما فيه خير، هو صحيح ما فيه خير؟

طالب:...

معروف، كل هذا مفهوم، لكن أنت ما فهمت قصدي، حينما يقال: فيه كل شيء إلا التفسير يعني ما فيه تفسير ألبتة، تقرّ هذا؟

طالب:...

ما هو بالحكم الغالب، هذا نفي، وهذا في حق العباد، ما هي مسألة مهدرة، لكن يعني إذا كان من باب المبالغة مثل ما يقول: فلان ما فيه خير، وهو يصلي ويصوم مع الناس هذا شيء ثانٍ.

"وممن جزم بأن خفض وأرجلكم؛ لمجاورة المخفوض البيهقي في "السنن الكبرى"، فإنه قال ما نصه: باب قراءة من قرأ "وأرجلكم" نصبًا، وأن الأمر رجع إلى الغسل، وأن من قرأها خفضًا، فإنما هو للمجاورة، ثم ساق أسانيده إلى ابن عباس، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وعروة بن الزبير، ومجاهد، وعطاء، والأعرج، وعبد الله بن عمرو بن غيلان، ونافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم القارئ، وأبي محمد يعقوب بن إسحاق بن يزيد الحضرمي أنهم قرؤوها كلهم: وأرجلكم، بالنصب. قال: وبلغني عن إبراهيم بن يزيد التيمي أنه كان يقرؤها نصبًا، وعن عبد الله بن عامر اليحصبي، وعن عاصم برواية حفص، وعن أبي بكر بن عياش من رواية الأعمش، وعن الكسائي، كل هؤلاء نصبوها.

ومن خفضها فإنما هو للمجاورة، قال الأعمش: كانوا يقرءونها بالخفض، وكانوا يغسلون، اهـ كلام البيهقي".

لو لم يكن للمجاورة، وأن محلها النصب لما غسلوا، اكتفوا بالمسح، كما كانوا يمسحون الرأس.

طالب:...

قال الأعمش.

طالب:...

أين؟

طالب: ..

من رواية الأعمش، من رواية الأعمش.

طالب:...

هذا أبو عمر يقول: عن أبي بكر بن عياش من رواية الأعشى، معك الكتاب؟

طالب: مكتوب الأعشى عندي.

والصواب؟

طالب:...

عندك، أنا أسألك الصواب؟

طالب:...

الأعشى يروي في القراءات؟ هو من القُراء الأعمش له قراءات.

طالب:...

الأعمش تذكر عنه قراءات.

طالب:...

لكن هنا من رواية الأعمش.

طالب:...

لا. يروي، الأعمش يروي عن أبي بكر بن عياش.

"ومن أمثلة الخفض بالمجاورة في القرآن في النعت قوله تعالى: {عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هود: 84]، بخفض محيط مع أنه نعت للعذاب. وقوله تعالى: {عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: 26]، ومما يدل أن النعت للعذاب، وقد خفض للمجاورة، كثرة ورود الألم في القرآن نعتًا للعذاب. وقوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22]، على قراءة من قرأ بخفض محفوظ كما قاله القرطبي، ومن كلام العرب: "هذا جحر ضبٍ خربٍ" بخفض خرب لمجاورة المخفوض مع أنه نعت خبر المبتدأ؛ وبهذا تعلم أن دعوى كون الخفض بالمجاورة لحنًا لا يُتحمل إلا لضرورة الشعر باطلة.

 والجواب عما ذكروه من أنه لا يجوز إلا عند أمن اللبس، هو أن اللبس هنا يزيله التحديد بالكعبين، إذ لم يرد تحديد الممسوح، وتزيله قراءة النصب، كما ذكرنا، فإن قيل: قراءة الجر الدالة على مسح الرجلين في الوضوء هي المبينة لقراءة النصب".

يعني عكس الدعوى السابقة، نعم.

"بأن تجعل قراءة النصب عطفا على المحل؛ لأن الرؤوس مجرورة بالباء في محل نصب على حد قول ابن مالك في الخلاصة:

وجر ما يتبع ما جر ومن

 

راعى في الاتباع المحل فحسن

وابن مالك وإن كان أورد هذا في "إعمال المصدر" فحكمه عام، أي وكذلك الفعل والوصف، كما أشار له في الوصف بقوله:

واجرر أو انصب تابع الذي انخفض

 

كمبتغي جاه ومالاً من نهض

فالجواب أن بيان قراءة النصب بقراءة الجر، كما ذكر، تأباه السُّنة الصريحة الصحيحة الناطقة بخلافه، وبتوعد مرتكبه بالويل من النار بخلاف بيان قراءة الخفض بقراءة النصب، فهو موافق لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه قولاً وفعلاً؛ فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: تخلف عنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفرة سافرناها فأدركنا، وقد أرهقتنا الصلاة، صلاة العصر ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: «أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار»، وكذلك هو في الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار»، وروى البيهقي والحاكم بإسنادٍ صحيح عن عبد الله بن حارث بن جُزْء".

جَزْء.

"أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ويل للأعقاب، وبطون الأقدام من النار»، وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن جرير، عن جابر رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «ويل للأعقاب من النار».

وروى الإمام أحمد عن مُعَيقِيب، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ويل للأعقاب من النار»، وروى ابن جرير عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ويل للأعقاب من النار»، قال: فما بقي في المسجد شريف ولا وضيع إلا نظرت إليه يقلب عرقوبيه ينظر إليهما".

هل يجتمع المسح مع هذه النصوص المتضمنة للوعيد الشديد على ترك شيء من العقبين أو من بطون الأقدام؟ يحتمل؟ لا يحتمل.

"وثبت في أحاديث الوضوء عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعلي، وابن عباس، ومعاوية، وعبد الله بن زيد بن عاصم، والمقداد بن معدي كرب: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غسل الرجلين في وضوئه، إما مرة أو مرتين أو ثلاثًا" على اختلاف رواياتهم.

وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ فغسل قدميه". ثم قال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به».

والأحاديث في الباب كثيرة جدًّا، وهي صحيحة صريحة في وجوب غسل الرجلين في الوضوء، وعدم الاجتزاء بمسحهما. وقال بعض العلماء: المراد بمسح الرجلين غسلهما، والعرب تطلق المسح على الغسل أيضًا، وتقول: تمسحت بمعنى توضأت، ومسح المطر الأرض أي غسلها، ومسح الله ما بك أي غسل عنك الذنوب والأذى، ولا مانع من كون المراد بالمسح في الأرجل هو الغسل، والمراد به في الرأس المسح الذي ليس بغسل، وليس من حمل المشترك على معنييه، ولا من حمل اللفظ على حقيقته ومجازه؛ لأنهما مسألتان كل منهما منفردة عن الأخرى، مع أن التحقيق جواز حمل المشترك على معنييه، كما حققه الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرآن، وحرّر أنه هو الصحيح في مذاهب الأئمة الأربعة -رحمهم الله-".

لكن حمل اللفظ على حقيقته ومجازه عامة أهل العلم لا يجيزونه، لا يجيزونه، القول عند الشافعية معروف، لكن الجمهور لا يجيزون حمل اللفظ على حقيقته ومجازه في آن واحد، لكن حمل المشترك على معنييه لا مانع منه عندهم.

"وجمع ابن جرير الطبري في تفسيره بين قراءة النصب والجر بأن قراءة النصب يراد بها غسل الرجلين؛ لأن العطف فيها على الوجوه والأيدي إلى المرافق، وهما من المغسولات بلا نزاع، وأن قراءة الخفض يراد بها المسح مع الغسل، يعني الدلك باليد أو غيرها".

يعني يجمع بين المسح والغسل، يجمع بينهما، فتغسل الرجل على قراءة النصب، وتمسح أيضًا على قراءة الجر، وسبق تقرير المؤلف أن القراءتين المتواترتين في حكم الآيتين.

"والظاهر أن حكمة هذا في الرجلين دون غيرهما أن الرجلين هما أقرب أعضاء الإنسان إلى ملابسة الأقذار؛ لمباشرتهما الأرض، فناسب ذلك أن يجمع لهما بين الغسل بالماء، والمسح أي الدلك باليد ليكون ذلك أبلغ في التنظيف. وقال بعض العلماء: المراد بقراءة الجر: المسح، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أن ذلك لا يكون إلا على الخف.

وعليه فالآية تشير إلى المسح على الخف في قراءة الخفض، والمسح على الخفين، إذا لبسهما طاهرًا، متواتر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لم يخالف فيه إلا من لا عبرة به، والقول بنسخه بآية المائدة يبطل بحديث جرير".

لم يُعرف القول بإنكار المسح على الخفين إلا عن أهل البدع كالروافض، ولذا أدخله العلماء من أهل السُّنَّة في كتب العقائد؛ لأنه خلاف مع المبتدعة لا مع أهل السُّنَّة.

"أنه بال ثم توضأ، ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل هكذا؟ قال: نعم، رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بال، ثم توضأ، ومسح على خفيه، قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة، متفق عليه.

ويوضح عدم النسخ أن آية المائدة نزلت في غزوة "المريسيع". ولا شك أن إسلام جرير بعد ذلك، مع أن المغيرة بن شعبة روى المسح على الخفين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، وهي آخر مغازيه -صلى الله عليه وسلم-. وممن صرح بنزول آية المائدة في غزوة "المريسيع" ابن حجر في "فتح الباري"، وأشار له البدوي الشنقيطي في "نظم المغازي" بقوله في غزوة المريسيع:

والإفك في قولهم

 


 

نعم والإفك.

والإفك في قولهم ونقلا

 

أن التيمم بها قد أنزلا

 

"والتيمم في آية المائدة، وأجمع العلماء على جواز المسح على الخف الذي هو من الجلود، واختلفوا فيما كان من غير الجلد إذا كان صفيقًا ساترًا لمحل الفرض، فقال مالك وأصحابه: لا يُمسح على شيء غير الجلد؛ فاشترطوا في المسح أن يكون الممسوح خفًّا من جلود، أو جوربًا مجلدًا".

أو، إما خفًّا أو جوربًا.

"أو جوربًا مجلدًا ظاهره وباطنه، يعنون ما فوق القدم وما تحتها لا باطنه الذي يلي القدم.

واحتجوا بأن المسح على الخف رخصة، وأن الرخص لا تتعدى محلها، وقالوا: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يمسح على غير الجلد فلا يجوز تعديه إلى غيره، وهذا مبني على شطر قاعدة أصولية مختلف فيها، وهي: هل يُلحق بالرخص ما في معناها، أو يقتصر عليها ولا تُعدى محلها؟

 ومن فروعها اختلافهم في بيع "العرايا" من العنب بالزبيب اليابس، هل يجوز إلحاقًا بالرطب بالتمر أو لا؟ وجمهور العلماء منهم الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وأصحابهم على عدم اشتراط الجلد؛ لأن سبب الترخيص الحاجة إلى ذلك وهي موجودة في المسح على غير الجلد، ولما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنه مسح على الجوربين، والموقين.

قالوا: والجورب: لفافة الرجل، وهي غير جلد. وفي القاموس: الجورب لفافة الرجل، وفي اللسان: الجورب لفافة الرجل، معرب وهو بالفارسية "كورب".

وأجاب من اشترط الجلد بأن الجورب هو الخف الكبير، كما قاله بعض أهل العلم، أما الجُرموق والموق، فالظاهر أنهما من الخفاف. وقيل: إنهما شيء واحد، وهو الظاهر من كلام أهل اللغة. وقيل: إنهما متغايران، وفي القاموس: الجُرموق: كعصفور الذي يُلبس فوق الخف، وفي القاموس أيضًا: المُوق خف غليظ يلبس فوق الخف، وفي اللسان: الجُرموق، خف صغير، وقيل: خف صغير يلبس فوق الخف، في اللسان أيضًا: الموق الذي يُلبس فوق الخف، فارسي معرب، والموق: الخف اهـ".

خف صغير يُلبس فوق الخف، خفٌّ صغير يلبس فوق الخف، يعني ينزل عن الكعبين؟

طالب:...

ماذا يصير؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

يعني الخف يسعه؟

طالب:...

والخف الأصل فيه أنه من جلد. قالوا: الجرموق اللفظة ليست عربية، وذكروا من الضوابط أن الجيم والقاف لا تجتمع في كلمة عربية، ذكروا الجرموق.

"في اللسان أيضًا: الموق الذي يلبس فوق الخف، فارسي معرب، والموق: الخف اهـ. قالوا: والتساخين: الخفاف".

لأنها تدفئ الرجل يسخنها، فسميت تساخين.

"فليس في الأحاديث ما يبين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على غير الجلد، والجمهور قالوا: نفس الجلد لا أثر له، بل كل خف صفيق ساتر لمحل الفرض يمكن فيه تتابع المشي، يجوز المسح عليه، جلدًا كان أو غيره".

لأن المسح رخصة ترفع المشقة، فإذا وُجدت هذه المشقة حلّت الرخصة، وكونه جلدًا وصفٌ لا أثر له في الحكم، وصف غير مؤثر، حتى لو لم يثبت أنه مسح على غير الجلد، فإن الوصف بالجلد غير مؤثر، وإنما ينظر إلى العِلة في وجود هذه الرخصة.

طالب:...

نعم.

طالب:...

ما فيه شفاف ولا في مُخرّق، الذي لا يستر محل الفرض لا يُمسح عليه؛ لأن ما ظهر من المفروض فرضه الغسل.

طالب:...

أبو يوسف؟

طالب:...

تعرفه يا أبا عمر، من الرواة عن أبي بكر بن عياش أبو يوسف الأعشى.

طالب:...

ما تعرفه؟

طالب:...

نعم، لكنه من القرّاء يذكر من القراءات، قرأ الأعمش: نِستعين بكسر النون، نعم معروف.

طالب:...

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

طالب:...

أنت تراهم في الحرم عليهم جوارب جلد كثير هذا.

طالب:...

من العصبة. مع أنه قد لا يكون يعرفهم من قريب ولا من بعيد، يكون من أبعد الناس إليهم، والخال أحيانًا يكون أقرب من بعض الإخوة لأب، واقع الناس، خال لقربه من الأم يكون لديه من الشفقة والحنو أكثر ممن صلتهم بالأب، على كل حال عندهم العصبة أقرب من غيرهم.

طالب:...

هو الأصل، حيازة حظ لهذه البنت المعقود عليها، فالذي يحقق هذا الحظ هو الأولى. نعم. مثل ما قالوا في الحضانة.