الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (16)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:

"فإن كان ينفعهم قولهم حسنا ظنوننا بك أنك لن تعذب ظالما ولا فاسق فليصنع العبد ما شاء وليرتكب كل ما نهاه الله عنه وليحسن ظنه بالله فإن النار لا تمسه فسبحان الله ما يبلغ الغرور بالعبد وقد قال إبراهيم عليه السلام لقومه {أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الصافات:86-87] أي.."

وصل الحد بالمغترين إلى هذا المغترين بسعة رحمة الله يصل بهم الحد إلى هذا والمحسنين وإمام الحنفاء الذي كسر الأصنام بيده يقول {اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [سورة إبراهيم:35] خوف ولذا يقول أهل العلم يقول إبراهيم التيمي من يأمن البلاء بعدك يا إبراهيم؟! كسر الأصنام ويخشى عبادة الأصنام؟! وهؤلاء المغترون يقولون {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [سورة الأعراف:156] {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سورة الحجر:49]  ويفقون لكن ماذا بعد هذا {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [سورة الأعراف:156] تكتب للعصاة والمجرمين؟! فسأكتبها لمَن؟ للمجرمين؟! لمن ذكرت أوصاهم وهم المحسنون والله المستعان.

"وقد قال إبراهيم عليه السلام لقومه {أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الصافات:86-87] أي ما ظنكم به أن يفعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل حسن ظنه بربه أنه يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه فالذي حمله على حسن العمل حسن الظن وكلما حسن ظنه بربه حسن عمله وإلا.."

يحسن الظن بربه وأنه لن يضيع أجره وتعبه ونصبه في عبادته نعم يعمل ويحسن العمل ويحسن الظن بربه لكن من يعمل ما نهي عنه بمَ يحسِّن الظن؟! يحسن بالله جل وعلا على أي أساس؟! غرور هذا هذا غرور.

"وكلما حسن ظنه بربه حسن عمله وإلا فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز كما في حديث الترمذي والمسند من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه..»."

أتبع.

عفا الله عنك.

"«والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله» وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن فإن قيل بل يتأتي ذلك ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده وأن رحمته سبقت غضبه وأنه لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو قيل الأمر هكذا والله فوق ذلك أجل وأكرم وأجود وأرحم وإنما يضع ذلك في محله اللائق به فإنه سبحانه موصوف بالحكمة والعزة والانتقام وشدة البطش وعقوبة من يستحق العقوبة فلو كان معوَّل حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر والمؤمن والكافر ووليه وعدوه فما ينفع المجرم أسماؤه.."

مقتضى الحكمة والله جل وعلا لا يضيع أجر من أحسن عملا مقتضى الحكمة ألا يساوى الفاجر المجرم المرتكب للفواحش المعادي لأولياء الله الموالي لأعداء الله بمن اتصف بالتقوى واستقامة على أمر الله ووالى أولياء الله جل وعلا وعادى أعداءه لا يستوون {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ} [سورة السجدة:18] لا يستوون أبدا ولذا يقول جمع من أهل العلم أن الله جل وعلا إذا تاب إليه العبد توبة نصوحا تبدل سيئاته حسنات كما في آخر سورة الفرقان لكن هل معنى هذا أنه يستوي مع من اشتغل بطاعة الله طيلة عمره يعني عمل بالطاعة سبعين وذاك عمل بالمعصية سبعين سنة ثم تاب بعد أن بلغ السبعين وبدلت السيئات حسنات هل يستويان؟! مقتضى الحكمة لا يستويان.

"فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه وتعرض للعنته ووقع في محارمه وانتهك حرماته بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع وبدل السيئة بالحسنة واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ثم حسَّن الظن بعدها فهذا هو حسن الظن والأول غرور والله المستعان ولا تستطل هذا الفصل فإن الحاجة إليه شديدة لكل أحد يفرِّق بين حسن الظن."

ففرق ففرق.

"ولا تستطل هذا الفصل فإن الحاجة إليه شديدة لكل أحد ففرق بين حسن الظن بالله وبين الغرور به قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمةَ اللَّهِ} [سورة البقرة:218] فجعل هؤلاء أهل الرجاء لا البطالين والفاسقين وقد قال تعالى {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة النحل:110] فأخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها فالعالِم يضع الرجاء مواضعه والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه."

يكفي يكفي اللهم صل على محمد..