التعليق على تفسير القرطبي - سورة هود (07)

اشترط المؤلف على نفسه أن لا يذكر الأخبار الإسرائيلية، ويشترط على نفسه في المقدمة ووفى به غالبًا، وإن كان نقل بعض الأخبار التي هي مما أُثر عن بني إسرائيل مما لا يصح، بل بعضه مما لا يُعقل على ما سيأتي؛ ذكر أشياء لا حاجة لطالب العلم بها، وهي مُتلقاة من بني إسرائيل، وقد سكت عنها شرعُنا؛ لعدم حاجتنا إليها.

والتفاسير تذكر مثل هذه الأشياء من باب قوله -صلى الله عليه وسلم-: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، وفي رواية عند أبي بزار «فإن فيهم الأعاجيب»، لكن بحيث لا تسير على حساب شيء آخر مما لا يهم طالب العلم، والتعلق بها والافتتان بها معروف عن الناس؛ لأنها أخبار بها شيء من الغرابة، وإلا الأصل أن كلام الله يُنزه عن مثل هذا الكلام؛ لئلا يصد عما هو أهم منه، والمؤلف -رحمه الله- من أقل من كتب في التفسير في هذا الباب، هو مُقل في هذا الباب، وقد اشترط في المقدمة لكتابه ألا يذكر من ذلك شيئًا، إلا أنه غفل عن شرطه فأورد بعض الأشياء، والله المستعان.

 من التفاسير ما هو مشحون بها، الإسرائيليات، كالثعلبي، وابن كثير ما سلم -رحمه الله-، والخازن والبغوي ذكر بعض الأشياء، المقصود أن هناك تفاسير ذكرت كثيرًا منها، تفاسير اشتملت على أشياء لا يُصدقها عقل، تفاسير حُشيت مع ذلك بالأخبار الباطلة والموضوعة، ويندر أن يوجد تفسير سالم من كل وجه، وأقرب ما يوجد للسلامة هو تفسير الحافظ ابن كثير- رحمه الله-، وابن جرير، والبغوي على شيء من التأويل اليسير عنده،  المقصود أن مثل هذه التفاسير يُستفاد منها على قدر الإمكان، ويُترك ما اشتملت عليه مما لا يحتاجه طالب العلم، والله المستعان.

طالب: ...

كذلك، في كل آية يذكر التفسير الإشاري، والتفسير الإشاري معتمد عند الصوفية، لكن لا يعتمده عليه عند أهل العلم، كما هو معروف،

نعم يا شيخ.

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هود:41] أَمْرٌ بِالرُّكُوبِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نُوحٍ لِقَوْمِهِ".

 نعم هذا الأمر بالركوب، اركبوا فعل أمر من الركوب. والآمر يحتمل أن يكون الله -سبحانه وتعالى-، أي أن الله -سبحانه وتعالى- قال: اركبوا فيها. والاحتمال الثاني: أن يكون نوح قال لقومه: اركبوا، وقال اركبوا فيها، المقصود أن الأمر صدر بالركوب فهو إما عن الله -سبحانه وتعالى- مباشرة، أو بواسطة نبيه ورسوله نوح -عليه السلام-.

طالب:...

نعم، ما فيه.

"وَالرُّكُوبُ الْعُلُوُّ عَلَى ظَهْرِ الشَّيْءِ. وَيُقَالُ: رَكِبَهُ الدَّيْنُ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ".

الركوب نسبي، الركوب العلو على ظهر الشيء، وقد يكون في جوفه، لا على ظهره كالسفينة والسيارة، وما أشبه ذلك. وأما ركبه الدين فهو من باب أنه علاه، مما اضطره إلى أن ينزل ويطأطئ رأسه، فكأنه علوٌّ حسي.

"أَيِ ارْكَبُوا الْمَاءَ فِي السَّفِينَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى ارْكَبُوهَا. وَ"فِي" لِلتَّأْكِيدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف:43] وَفَائِدَةُ "فِي".

لأن الفعل (ركب) متعدٍّ بنفسه، وعُدي ب "في" للتأكيد، كما أن عبر يعبرُ متعدٍّ؛ {إن كنتم للرؤيا تعبرون} الأصل إن كنتم تعبرون الرؤيا.

" وَفَائِدَةُ "فِي" أَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَكُونُوا فِي جَوْفِهَا لَا عَلَى ظَهْرِهَا. قَالَ عِكْرِمَةُ: رَكِبَ نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الْفُلْكِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقَالَهُ قَتَادَةُ وَزَادَ وَهُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ: مَنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَلْيَصُمْهُ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي هَذَا حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ نُوحًا رَكِبَ فِي السَّفِينَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، وَصَامَ الشَّهْرَ أَجْمَعَ، وَجَرَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ إِلَى يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَفِيهِ أَرْسَتْ عَلَى الْجُودِيِّ، فَصَامَهُ نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ".

أما صيام يوم عاشوراء فمعروف، الثابت بالأحاديث الصحيحة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صامه وأمر بصيامه؛ اقتداءً بموسى -عليه السلام-، فقد نجا الله فيه موسى وقومه، ولو كان يوم النجاة لنوح في هذا اليوم لذكره النبي -صلى الله عليه وسلم-.

"وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَقَامَ عَلَى الْمَاءِ نَحْوَ السَّنَةِ ، وَمَرَّتْ بِالْبَيْتِ فَطَافَتْ بِهِ سَبْعًا".

جاء في خبرٍ موضوع أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا، وصلت خلف المقام ركعتين، كل هذا من الموضوعات.

طالب: ....

نعم يقولون: صلت.

"وَقَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ عَنِ الْغَرَقِ، فَلَمْ يَنَلْهُ غَرَقٌ، ثُمَّ مَضَتْ إِلَى الْيَمَن ِوَرَجَعَتْ إِلَى الْجُودِيِّ فَاسْتَوَتْ عَلَيْهِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود:41] قِرَاءَةُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا إِلَّا مَنْ شَذَّ، عَلَى مَعْنَى بِسْمِ اللَّهِ إِجْرَاؤُهَا وَإِرْسَاؤُهَا، فَمُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ".

ويكون خبره الجار والمجرور المتقدم.

"وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: بِسْمِ اللَّهِ وَقْتَ إِجْرَائِهَا ثُمَّ حَذَفَ وَقْتَ، وَأُقِيمَ مَجْرَاهَا مَقَامَهُ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "بِسْمِ اللَّهِ مَجْرِيهَا" بِفَتْحِ الْمِيمِ وَ"مُرْسَاهَا" بِضَمِّ الْمِيمِ. وَرَوَى يَحْيَى بْنُ عِيسَى عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ "بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا" بِفَتْحِ الْمِيمِ فِيهِمَا عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ جَرَتْ تَجْرِي جَرْيًا وَمَجْرًى، وَرَسَتْ رُسُوًّا وَمَرْسًى إِذَا ثَبَتَتْ".

نعم مجرى ومرسى كالمدخل والمخرج كما هو معروف مصدر.

"وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ جُنْدُبٍ وَعَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: "بِسْمِ اللَّهِ مُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا" نَعْتٌ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي مَوْضِعِ جَرٍّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ".

نعم في موضع جر؛ لأنها نعوت؛ لأنهما منعوتان لله -سبحانه وتعالى-، ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة، يعني كما هو الشأن في الرحمن الرحيم في البسملة.

"وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ؛ أَيْ هُوَ مُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا. وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَ نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا جَرَتْ، وَإِذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ مُرْسَاهَا رَسَتْ".

طالب: هذا نصب على الحال، حال السفينة؟

ماذا عندك؟

طالب: يقول: نصب على الحال.

الكلمة الكلمة.

طالب: حال ماذا؟ أين الموصوف يعني الذي يوصف حاله؟

 وصف هذا؟

طالب: يقول: الحال؛ على أنها حال، حال من ماذا؟

 ماذا تسميها أنت؟ الذي تُريد أن تبين هيئته، ماذا تُسميه؟ ماذا يُسمى؟

طالب: الموصوف يبين الحال.

نعم صاحب الحال؛ الذي الحال يُبيَّن هيئته سواء كان مفعولًا أو فاعلًا يُسمى صاحب الحال.

طالب: أين هو؟ السفينة؟

أين هو يا إخوان؟ من صاحب الحال؟ صاحب الحال من هو؟

طالب:.........

تجيء السفينة؟

طالب:....

صحب الحال نعم، حال كونه مجراها؛ بسم الله حال كونها مُجريها ومُرسيها.

طالب: ......

لفظ الجلالة إعرابه؟

طالب: مضاف إليه.

مضاف إليه، يجوز أن يكون صاحب الحال مضاف إليه؟

طالب: قال قبل قليل إما أن يكون مجرورًا على أنها نعت لله -سبحانه وتعالى-.

على أنها حال، انتهينا من النعت، قلنا: صاحب الحال هو لفظ الجلالة، حال كونه -سبحانه وتعالى- مُجريها ومُرسيها، هل يجوز أن يأتي الحال من الصاحب المجرور بالإضافة؟

طالب:....

كيف؟

طالب: ....

في ثلاث صور.

طالب: يجوز؟

يجوز.

من يذكر الصور؟ أين .. عندنا أحد؟

طالب: .....                                             

يقول ابن مالك -رحمه الله-:

ولا تجز حالًا من المضاف          له إلا إذا اقتضى المضاف عمله

 أو كان جزء ما له أضيف          أو مثل جزئه فلا تحيف

......................               إلا إذا اقتضى المضاف عمله

 أو كان جزء ما له أضيف           أو مثل جزئه فلا تحيف

 تبع ملة إبراهيم حنيفًا، قُطعت يد زيدٍ قائمًا.

طالب: ....

ماذا؟

طالب:.........

نعم، لكن المضاف إليه زيد، ويده جزء من المضاف إليه. ملة إبراهيم مثل الجزء منه.

طالب: إبراهيم مضاف إليه؟

نعم، حال من المضاف إليه.

طالب: لأنه حال؟

لأنه مثل الجزء؛ الملة مثل الجزء من الشخص.

طالب: ونفس الشيء قُطعت يد زيد..

هذا جزؤه؛ قطعت يده جزؤه، وهنا؟

طالب: ....

من أي الصور؟

طالب: من عمل المضاف إليه؟

سبحان الله، هو مضاف إليه، والمضاف إليه بحاجة أن يكون من هذه الصور الثلاث.

طالب: حال من المضاف إليه؟

لا، ما معنى عمله؟

المضاف يعمل في المضاف إليه، إلا إذا اقتضى المضاف عمله؛ يعني في المضاف إليه، بأن يكون اسم فاعل مُضافًا إلى فاعله أو إلى مفعوله إذا كان اسم مفعول، فالنعت هنا أقرب من الحالية.

"وَرَوَى مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَمَانٌ لِأُمَّتِي مِنَ الْغَرَقِ إِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]»"

خرج هذا؟ خرجوا الحديث؟

طالب:.........

نعم.

طالب: ....

فيه طبعة مخرج فيه الحديث؟

طالب: ....

ماذا يقول؟

طالب: ....

نعم.

طالب: ....

أنا ما تيسر لي المراجعة.

"و{بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود:41]. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ، عَلَى ذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ كُلِّ فِعْلٍ؛ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. {إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود:41] أَيْ لِأَهْلِ السَّفِينَةِ".

دليلٌ على ذكر البسملة؛ وقال هنا: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ} [هود:41]، والتقدير: بسم الله أركب، وعند الأكل تقول: بسم الله، يعني بسم الله آكل، وعند القراءة بسم الله، بسم الله أقرأ، وهكذا. وجاء في ذلك خبر وهو ضعيف عند أهل العلم، «كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر»، معروف أن حكمه الضعف، لكن العمل على الابتداء بالبسملة؛ كالابتداء بها في الأكل والشرب وغيرها والقراءة وما أشبه.

"وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَثُرَتِ الْأَرْوَاثُ وَالْأَقْذَارُ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ اغْمِزْ ذَنَبَ الْفِيلِ، فَوَقَعَ مِنْهُ خِنْزِيرٌ وَخِنْزِيرَةٌ فَأَقْبَلَا عَلَى الرَّوْثِ، فَقَالَ نُوحٌ: لَوْ غَمَزْتُ ذَنَبَ هَذَا الْخِنْزِيرِ! فَفَعَلَ، فَخَرَجَ مِنْهُ فَأَرٌ وَفَأْرَةٌ فَلَمَّا وَقَعَا أَقْبَلَا عَلَى السَّفِينَةِ وَحِبَالِهَا تَقْرِضُهَا، وَتَقْرِضُ الْأَمْتِعَةَ وَالْأَزْوَادَ حَتَّى خَافُوا عَلَى حِبَالِ السَّفِينَةِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ أَنِ امْسَحْ جَبْهَةَ الْأَسَدِ فَمَسَحَهَا، فَخَرَجَ مِنْهَا سِنَّوْرَانِ فَأَكَلَا الْفَأْرَةَ. وَلَمَّا حَمَلَ الْأَسَدَ فِي السَّفِينَةِ قَالَ: يَا رَبِّ مِنْ أَيْنَ أُطْعِمُهُ؟ قَالَ: سَوْفَ أُشْغِلُهُ، فَأَخَذَتْهُ الْحُمَّى، فَهُوَ الدَّهْرَ مَحْمُومٌ".

هذا كله من الإسرائيليات التي لا تثبت، مما أخذ المؤلف على نفسه أن لا يُرد مثلها، كما تقدم قريبًا؛ المؤلف اشترط أن لا يُورد شيئًا من الإسرائيليات، وقد غفل عن شرطه، فأورد منها مثل ما ذكرنا آنفًا ما لم يثبت، بل أثبت ما لا يقبله عقل.

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَوَّلُ مَا حَمَلَ نُوحٌ مِنَ الْبَهَائِمِ فِي الْفُلْكِ حَمَلَ الْإِوَزَّةَ، وَآخِرُ مَا حَمَلَ حَمَلَ الْحِمَارَ، قَالَ: وَتَعَلَّقَ إِبْلِيسُ بِذَنَبِهِ، وَيَدَاهُ قَدْ دَخَلَتَا فِي السَّفِينَةِ، وَرِجْلَاهُ خَارِجَةٌ بَعْدُ فَجَعَلَ الْحِمَارُ يَضْطَرِبُ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَ، فَصَاحَ بِهِ نُوحٌ: ادْخُلْ وَيْلَكَ فَجَعَلَ يَضْطَرِبُ، فَقَالَ: ادْخُلْ وَيْلَكَ! وَإِنْ كَانَ مَعَكَ الشَّيْطَانُ، كَلِمَةٌ زَلَّتْ عَلَى لِسَانِهِ، فَدَخَلَ وَوَثَبَ الشَّيْطَانُ فَدَخَلَ. ثُمَّ إِنَّ نُوحًا رَآهُ يُغَنِّي فِي السَّفِينَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا لَعِينُ مَا أَدْخَلَكَ بَيْتِي؟! قَالَ: أَنْتَ أَذِنْتَ لِي، فَذَكَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَاخْرُجْ. قَالَ: مَا لَكَ بُدٌّ فِي أَنْ تَحْمِلَنِي مَعَكَ، فَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ فِي ظَهْرِ الْفُلْكِ. وَكَانَ مَعَ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- خَرَزَتَانِ مُضِيئَتَانِ، وَاحِدَةٌ مَكَانَ الشَّمْسِ، وَالْأُخْرَى مَكَانَ الْقَمَرِ. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: إِحْدَاهُمَا بَيْضَاءُ كَبَيَاضِ النَّهَارِ، وَالْأُخْرَى سَوْدَاءُ كَسَوَادِ اللَّيْلِ، فَكَانَ يَعْرِفُ بِهِمَا مَوَاقِيتَ الصَّلَاةِ، فَإِذَا أَمْسَوْا غَلَبَ سَوَادُ هَذِهِ بَيَاضِ هَذِهِ، وَإِذَا أَصْبَحُوا غَلَبَ بَيَاضُ هَذِهِ سَوَادِ هَذِهِ، عَلَى قَدْرِ السَّاعَاتِ".

وهذا كسابقه، والشيطان إبليس أبو الشياطين قد حُكم له بالخلود، فلو لم يركب معهم ما تناوله الموت، وبإمكانه أن يركب على هذه، أو يطفو على الماء، والشياطين معروف، كثيرٌ منهم على وجه الماء لا يضرهم مثل هذا، ولا يلزم أن نورد مثل هذه القصص؛ لكي نُخرج إبليس من كونه أو الشيطان من كونه لا بُد أن يغرق، والله حكم له بالخلود إلى يوم يُبعثون، ما يلزم هذا كله، وهو خالدٌ باقٍ ما بقي الناس، وما بقيت وظيفته فهو باقٍ؛ لأمرٍ يُريده الله -سبحانه وتعالى- لامتحان الناس، واختبارهم، وبقاؤه على أي وجهٍ يُريده الله -سبحانه وتعالى-، ولا يلزم أننا إن لم نثبت مثل هذه الأخبار أننا نقول: إذًا إبليس كيف بقي؟ لماذا لم يغرق؟ لماذا؟ كل هذا لا داعي له. ولو كان مما لنا به حاجة لبيَّنه الله -سبحانه وتعالى- في كتابه، أو على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لكن لا حاجة لنا بمثل هذا، ولهذا سكت الله عنه، وسكت عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-. في نظائر لذلك كثيرة جدًّا حُشيت وملئت بها كُتب التفسير.

طالب: طيب يا شيخ.

نعم.

طالب: أحسن الله إليك، بالنسبة للحديث الأول حديث الخنزير والخنزيرة؟

هذه كلها من نفس الشيء، تحتاج إلى نقل، تحتاج إلى نقل صحيح.

طالب: لكن.

لكن أنت تحتاج أنت..

طالب: لا، ما أحتاج، لكن هل نوح حمل معه الدواب المُفسدة؟

من كل زوجين اثنين.

طالب: ما آذتهم هذه الدواب؟

الله أعلم. ماذا حدث، احمل، قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} [هود:42]، الْمَوْجُ جَمْعُ مَوْجَةٍ، وَهِيَ مَا ارْتَفَعَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الرِّيحِ. وَالْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ خَفْضِ نَعْتٍ لِلْمَوْجِ. وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمَاءَ جَاوَزَ كُلَّ شَيْءٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا".

يعني جاوز الجميع بخمسة عشرن يعني جاوز أعلى ما على الأرض بخمسة عشر ذراعًا، ليس معناه أنه جاوز كل شيء بحسبه خمسة عشر ذراعًا من الطويل والقصير، لا.

طالب: ....

نعم نعم.

طالب: ....

أين؟ يعني جاء ما روي من التفاسير، والمقصود من جنس التفسير.

"{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} [هود:42] قِيلَ: كَانَ كَافِرًا وَاسْمُهُ كَنْعَانُ. وَقِيلَ: يَامٌ. وَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ بِحَذْفِ الْوَاوِ مِنَ ابْنِهِ فِي اللَّفْظِ، وَأَنْشَدَ:

لَهُ زَجَلٌ كَأَنَّهُ صَوْتُ حَادٍ

فَأَمَّا "وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهَا وَكَانَ" فَقِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ، وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ- وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ"

نصب الضمير إتباعًا للواو {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ} [هود:42].

طالب: ....

نعم، بنصب الضمير إتباعًا للواو التي بعدها، لكنها قراءة شاذة.

"وَزَعَمَ أَبُو حَاتِمٍ أَنَّهَا تَجُوزُ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ "ابْنَهَا" فَحَذَفَ الْأَلِفَ كَمَا تَقُولُ: "ابْنَهُ"، فَتَحْذِفُ الْوَاوَ".

والمقصود بالواو الحاصلة من إشباع الضمة؛ لأن الضمير مبني على الضم. وزعم أبو حاتم من هو؟

طالب: السجستاني.

نعم، السجستاني كما مر بنا مرارًا.

"وَقَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ خَفِيفَةٌ فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهَا، وَالْوَاوَ ثَقِيلَةٌ يَجُوزُ حَذْفُهَا، {وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} [هود:42] أَيْ مِنْ دِينِ أَبِيهِ. وَقِيلَ: عَنِ السَّفِينَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ نُوحًا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ابْنَهُ كَانَ كَافِرًا، وَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ: {وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود:42]، وَسَيَأْتِي".

أما الحذف يقول: لأن الألف خفيفة لا يجوز حذفها، والواو ثقيلة يجوز حذفها، إن كان قصده لا يجوز حذفها في الكتابة فهذا شيء، أما حذفها في النطق لا سيما إذا أُضيفت الكلمة فهو الأصل، كلتا الجنة، دعو الله، لا يلزم أن تقول دعوا الله، وهذا مثني، وهذه الألف على خفتها تُحذف في مثل هذا.

"وَكَانَ هَذَا النِّدَاءُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَيْقِنَ الْقَوْمُ الْغَرَقَ، وَقَبْلَ رُؤْيَةِ الْيَأْسِ، بَلْ كَانَ فِي أَوَّلِ مَا فَارَ التَّنُّورُ، وَظَهَرَتِ الْعَلَامَةُ لِنُوحٍ .وَقَرَأَ عَاصِمٌ: "يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا" بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا".

يا بُنيّ على الأصل.

"وَأَصْلُ يَا بُنَيَّ أَنْ تَكُونَ بِثَلَاثِ يَاءَاتٍ، يَاءُ التَّصْغِيرِ، وَيَاءُ الْفِعْلِ، وَيَاءُ الْإِضَافَةِ، فَأُدْغِمَتْ يَاءُ التَّصْغِيرِ فِي لَامِ الْفِعْلِ، وَكُسِرَتْ لَامُ الْفِعْلِ مِنْ أَجْلِ يَاءِ الْإِضَافَةِ، وَحُذِفَتْ يَاءُ الْإِضَافَةِ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَ التَّنْوِينِ، أَوْ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الرَّاءِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، هَذَا أَصْلُ قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ الْيَاءَ، وَهُوَ أَيْضًا أَصْلُ قِرَاءَةِ مَنْ فَتَحَ؛ لِأَنَّهُ قَلَبَ يَاءَ الْإِضَافَةِ أَلِفًا لِخِفَّةِ الْأَلِفِ، ثُمَّ حَذَفَ الْأَلِفَ؛ لِكَوْنِهَا عِوَضًا مِنْ حَرْفٍ يُحْذَفُ، أَوْ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الرَّاءِ.

قَالَ النَّحَّاسُ: أَمَّا قِرَاءَةُ عَاصِمٍ فَمُشْكِلَةٌ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُرِيدُ يَا بُنَيَّاهُ ثُمَّ يُحْذَفُ، قَال َالنَّحَّاسُ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ خَفِيفَةٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّحْوِيِّينَ جَوَّزَ الْكَلَامَ فِي هَذَا إِلَّا أَبَا إِسْحَاقَ؛ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْفَتْحَ مِنْ جِهَتَيْنِ، وَالْكَسْرَ مِنْ جِهَتَيْنِ، فَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّهُ يُبْدَلُ مِنَ الْيَاءِ أَلِفًا، قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِخْبَارًا: {يَا وَيْلَتَا} وَكَمَا قَالَ الشَّاعرُ:

فَيَا عَجَبًا مِنْ رَحْلِهَا الْمُتَحَمَّلِ

فَيُرِيدُ يَا بُنَيَّا، ثُمَّ حَذَفَ الْأَلِفَ، لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، كَمَا تَقُولُ: جَاءَنِي عَبْدَا اللَّهِ فِي التَّثْنِيَةِ. وَالْجِهَةُ الْأُخْرَى أَنْ تَحْذِفَ الْأَلِفَ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ مَوْضِعُ حَذْفٍ. وَالْكَسْرُ عَلَى أَنْ تُحْذَفَ الْيَاءُ لِلنِّدَاءِ. وَالْجِهَةُ الْأُخْرَى عَلَى أَنْ تَحْذِفَهَا؛ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ".

المضاف إلى ياء المتكلم إذا نودي، مُضاف إلى ياء المتكلم إذا نودي، كم يجوز فيه من وجه؟

طالب: ....

نعم. خمسة أوجه.

طالب:.........

ماذا؟

طالب: ....

طيب، طيب

في عبدي، يا بُنيَّ.

هات البيت أضبط لك؟

طالب: ....

نعم.

طالب: ......

كمل يا هشام.

طالب: ....

نعم.

طالب:.........

 عبدُ آخر شيء، يجوز يا عبدُ، يجوز ذلك.

طالب: ....

يعني إذا..

طالب: ....

لا لا طلعت، المهم أنه يجوز فيه خمسة أوجه، يجوز في المضاف إلى ياء المتكلم خمسة أوجه وهذا منه.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ سَآوِي} [هود:43] أَيْ: أَرْجِعُ وَأَنْضَمُّ. {إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي} [هود:43] أَيْ: يَمْنَعُنِي مِنَ الْمَاءِ فَلَا أَغْرَقُ. {قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود:43] أَيْ لَا مَانِعَ".

قد يقول أو يُلاحظ بعض الإخوان أن بعض المسائل التي تُثار لا تُكمل، صح؟ أو لا توضح، وهذا فيه شحذ هِمم للأخوة أن يَرجعوا بأنفسهم لما فُتح لهم الباب فيلجوا بأنفسهم، ويكملوا هم، وليس من الضروري أن الطالب يأخذ كل شيء في الدرس.

 المقصود أن يفتح له الباب ويلج هو بنفسه؛ لأنكم كلكم- ولله الحمد- مؤهلون للمراجعة، والفهم، وإذا أشكل بعد المراجعة شيء فالأمر سهل يعني، أما أن يُبين كل شيء ويُوضح كل شيء أمام الطالب فيصبح مجرد آلة ما يستفيد ولا ينفع.

طالب:.........

نعم يبرد عن البحث، لكن إن سمع طرف الخبر وبحاجة إلى مثل هذا الخبر يبحث عن باقيه، فيصل إلى المعلومة بنفسه، وبهذه الطريقة يستطيع أن يواصل تعليمه. وهذا قد تشاهدونه، أحيانًا نأتي بالشيء ونُمره كما جاء، باعتبار أن الأخوة إذا أشكل عليهم، وقد فُتح لهم الباب، وعرفوا طرف المسألة، وعرفوا مظنتها من الكتب، يبحثون عنها بأنفسهم، أنا عارف إن أشرف يقول: ما وضحت الخمس اللغات، نعم الخمسة أوجه ما يلزم، ما يلزم أن كل شيء يوضح.

طالب: المسائل النحوية يا شيخ قد...

لا لا، ترجع إليها بنفسك، وتثبت في ذهنك، والحمد لله، وكل شيء، وأنت عرفت أن هذه المسألة في باب النداء، وأوجه المضاف إلى ياء المتكلم معروفة، ومتكلم عليها باستفاضة، وغيره وغيره مما تقدم، يعني ورود الصور الثلاثة التي ذكرنها فيما يجوز في مجيء الحال من المضاف إليه، ترجع إليها، وتثبت عندك.

طالب: جزاك الله خيرًا.

نعم.

"{قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود:43] أَيْ لَا مَانِعَ، فَإِنَّهُ يَوْمٌ حَقَّ فِيهِ الْعَذَابُ عَلَى الْكُفَّارِ. وَانْتَصَبَ "عَاصِمَ" عَلَى التَّبْرِئَةِ".

ما معنى على التبرئة؟

أولًا: عاصم الآن الذي عليه علامة إعراب، يقول: انتصب أم انفتح؟

انتصب من علامات الإعراب، كيف يقول: انتصب، والأصل أن يقول: انفتح؟ وانتصب عاصم على التبرئة.

 أولًا: الفتحة فتحة بناء؛ لأن مدخول لا النافية للجنس مبني، مبني على الفتح في محل نصب. على التبرئة؛ ما معنى على التبرئة؟

طالب: ....

نعم.

طالب:.........

الأصل في الكلمة أنها منصوبة؟

طالب: ....

كيف؟

لا، إذا كانت تقصد البراءة الأصلية قبل دخول العوامل الأصلية فهذا شيء، إن كان يقصد هذا،

وليست الكلمة منصوبة، الأصل في الكلمات؟

طالب: ....

الأصل قبل دخول العوامل على الأسماء وعلى الأفعال ايش؟ الرفع، قبل دخول العوامل، إن كان يقصد هذا فلا محل له ولا وجه له، وليس يقصد على الأصل، على براءة الكلمة الأصلية من دخول العوامل، لا. ومر وسيمر اصطلاحات لا توجد عند النُحاة المتأخرين وتسميات لبعض الأبواب لا توجد في كتب المتأخرين، لكن لا بُد من مراجعة كُتب المتقدمين في مثل هذا، هو يستعمل مثل هذه الألفاظ في كتابه، يستعمل التفسير مكان التميز، يستعمل مثل هذا الكلام، فإذا أردنا أن نفهم مثل هذا الكلام، في تفسير الطبري أكثر النحو ما يُفهم، وموجود النحو فيه بكثرة، لكن ما يُفهم؛ لأنه بالمسميات القديمة، فإذا قلنا: إنه منصوب على التبرئة صار عندنا طرف خبر على ما انفتح؛ لأنه اسم لا النافية للجنس، والنافية للجنس تنفي جنس العامل، دخول العامل.

طالب: ....

نعم.

تنفي جنس العاصم، لا عاصم، لا حول..

طالب: تنفي العصمة.

فرق بين نفي الجنس ونفي الوحدة.

طالب: ....

نعم، فرق بين نفي الجنس ونفي الوحدة، فهذه تنفي نفيًا باتًّا؛ تنفي كل عاصم إلا ما استثني، وهل المراد بالعاصم على حقيقته اسم الفاعل؟ أو المراد به المعصوم؟ لا عاصم يعني لا معصوم من أمر الله؟ لا معصوم من أمر الله إلا من رحم، يجوز دخول الاستثناء بعد لا النافية للجنس؟

طالب: ....

نعم

طالب: .....

كلمة التوحيد، كلمة التوحيد.

"وَيَجُوزُ "لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ" تَكُونُ لَا بِمَعْنَى لَيْسَ. {إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود:43] فِي مَوْضِعِ نَصْبِ اسْتِثْنَاءٍ لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ، أَيْ لَكِنْ مَنْ رَحِمَهُ اللَّهُ فَهُوَ يَعْصِمُهُ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ".

في موضع نصب على الاستثنا،ء الآن الاستثناء تام موجب لكي يُنصب المستثنى، أو لا تام ولا موجب، أو تام لكنه ليس بموجب؟

نعم.

طالب: ....

يعني ذُكر المستثنى منه. ذُكر المستثنى منه، هذا إذا قلنا: إن الاستثناء متصل، إذا قُلنا: الاستثناء متصل قُلنا ذُكر المستثنى منه، لكن إذا كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه، قلنا الاستثناء منقطع.

طالب: ....

يكون في محل نصب.

يجوز فيه الوجهان؛ لأنه قال هنا في موضع نصب استثناء ليس من الأول، يعني مُنقطعًا، فإذا قُلت: قام القوم إلا حمارًا، فالحمار ليس من القوم، وإذا قلت: قام القوم إلا فاطمة، منهم أم ليست منهم؟ منهم؟

طالب: ....

كيف؟

طالب: ...

يدخل أم ما يدخل؟

طالب: ....

لا يسخر قومٌ من قومٍ ولا

طالب: نساء من نساء.

من باب العطف هذا من باب التخصيص، الخاص بعد العام.

طالب:.........

نعم، ماذا؟

طالب: ....

يعني هل النساء من القوم أم لا؟

طالب: من جنس....

إذًا منهم؟

طالب:.........

نعم هات.

طالب: ....

كيف؟

طالب: ....

هذا يؤيد الآية، يؤيد.

عندهم أن النساء ليست من القوم، القوم خاص بالرجال، فعلى هذا إذا صحت كلمة لكن بدل إلا فهو مُنقطع، قام القوم إلا حمارًا يعني قام حمارٌ، أو لكن القائم حمار.

أي: لكن من -رحمه الله- فهو يعصمه، فعلى هذا الاستثناء منقطع، ولذا قال: ليس من الأول، يعني أن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه.

 "وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، عَلَى أَنَّ عَاصِمًا بِمَعْنَى مَعْصُومٍ، مِثْلُ: {مَاءٌ دَافِقٌ} [الطارق:6] أَيْ مَدْفُوقٌ، فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا مُتَّصِلٌ".

{عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} يعني: مرضية، كما أنه يجيء اسم المفعول ويُراد به اسم الفاعل، هنا اسم فاعل يُراد به اسم مفعول، العكس، {حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء:45] يعني ساترًا.

"قَالَ الشَّاعِرُ:

             بَطِيءُ الْقِيَامِ رَخِيمُ الْكَلَامِ                    أَمْسَى فُؤَادِي بِهِ فَاتِنَا 


أَيْ مَفْتُونًا. وَقَالَ الآخَرُ:

          دَعِ الْمَكَارِمَ لَا تَنْهَضْ لِبُغْيَتِهَا                 وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي


أَيِ الْمَطْعُومُ الْمَكْسُوُّ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ "مَنْ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، بِمَعْنَى لَا يَعْصِمُ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا الرَّاحِمُ، أَيْ إِلَّا اللَّهُ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. وَيُحَسِّنُ هَذَا أَنَّكَ لَمْ تَجْعَلْ عَاصِمًا بِمَعْنَى مَعْصُومٍ فَتُخْرِجُهُ مِنْ بَابِهِ، وَلَا " إِلَّا" بِمَعْنَى "لَكِن".

يعني يقوي هذا الاختيار، اختيار الطبري، لا عاصم من أمر الله إلا الله، إلا من رحم يعني الراحم، وليس المراد به المرحوم. يقول: يقوي هذا اختيار أنك أجريت اسم الفاعل على بابه، وإلا على بابها أيضًا، فيكون عاصم، لا عاصم إلا الراحم، فتكون عاصم على بابها، ولا تحتاج إلى أن تؤول باسم المفعول، وإلا أيضًا على بابها ولا تحتاج أن تؤول بــ "لكن".

"{وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ} [هود:43] يَعْنِي بَيْنَ نُوحٍ وَابْنِهِ. {فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:43] قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ رَاكِبًا عَلَى فَرَسٍ قَدْ بَطِرَ بِنَفْسِهِ، وَأُعْجِبَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَى الْمَاءَ جَاءَ قَالَ: يَا أَبَتِ فَارَ التَّنُّورُ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا، فَمَا اسْتَتَمَّ الْمُرَاجَعَةَ حَتَّى جَاءَتْ مَوْجَةٌ عَظِيمَةٌ فَالْتَقَمَتْهُ هُوَ وَفَرَسُهُ، وَحِيَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ فَغَرِقَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْ زُجَاجٍ يَتَحَصَّنُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، فَلَمَّا فَارَ التَّنُّورُ دَخَلَ وَأَقْفَلَهُ عَلَيْهِ مِنْ دَاخِلٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَغَوَّطُ فِيهِ وَيَبُولُ حَتَّى غَرِقَ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْجَبَلَ الَّذِي أَوَى إِلَيْهِ "طُورُ سَيْنَاءَ".

كان من المغرقين، كان من جملة المغرقين، والأصل أن الغرق حصل بالماء، أنه حصل بالماء، ونقل، يقول: قيل على ما تقدم من نقل عن أهل الكتاب أنه اتخذ بيت من زجاج صار لا يستطيع الخروج منه، فيأكل فيه ويقضي حاجته فيه إلى أن غرق فيه، مثل هذا خلاف الأصل.

طالب: ...

{وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:43] والغرق إنما حصل بالماء.

طالب: بيت من زجاج.

يعصم من الغرق؟

 ألا ينزلون البحار بزجاج أو شيء؟

طالب:.........

ما فيه بيوت زجاجية ومصاعد زجاجية بالبحار؟

طالب: ....

موجودة هذا، لكن أنت ما جربت.

طالب: ...

نعم.

طالب: لما يكون فيضان يطلع لك بيت من زجاج، الفيضان ما يحمله؟

لما تدخل قارورة ما يدخل عليك الماء؟ يعني القارورة ما يمتنع الماء من دخولها إذا أُحكم أغلقها؟

طالب: ممكن، لكن تفرغ من الهوا، ما يكون فيها هواء.

هذا كلام تسمعه واتركه، مثل هذا الكلام هو ما أشرنا إليه سابقًا مما اشترط المؤلف عدم ذكره في كتابه وقد ذكره.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} [هود:44] هَذَا مَجَازٌ؛ لِأَنَّهَا مَوَاتٌ".

يعني كيف تُنادى وهي موات؟! لا تعقل، كيف تُنادى والأصل في النداء أنه لمن يعقل؛ لكي يُجيب، {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} [هود:44]، لكن ما الذي يمنع أنها تسمع وتُطيع وتمتثل؟ وجاء عنهما أنهما قالتا: أتينا طائعين، القدرة الإلهية تجعل مثل هذه الجمادات تنطق. وسوف تنطق الجوارح، والجوارح في حكم الجمادات، ولا مانع من ذلك، والشمس تسجد تحت العرش، ولا مانع يمنعها من ذلك، تسجد تحت العرش وهي في مسارها، ولا يقول قائل: كيف؟ الآن هي هبطت ونزلت وكيف تسجد تحت العرش؟ الحديث صحيح في ذلك، الذي جاء في ذلك، وهذا فوق ما تدركه العقول، فعلينا الرضا والتسليم، كما جاء في القول الصحيح عند أهل العلم: أن الله -سبحانه وتعالى- ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، والذي قرره شيخ الإسلام وغيره أن العرش لا يخلو منه، لكن الذي يدخل ذهنه وعقله القاصر في كل شيء يستشكل، والقدرة الإلهية فوق هذا كله.

"وَقِيلَ: جُعِلَ فِيهَا مَا تُمَيِّزُ بِهِ. وَالَّذِي قَالَ إِنَّهُ مَجَازٌ قَالَ: لَوْ فُتِّشَ كَلَامُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مَا وُجِدَ فِيهِ مِثْلَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى حُسْنِ نَظْمِهَا، وَبَلَاغَةِ رَصْفِهَا، وَاشْتِمَالِ الْمَعَانِي فِيهَا. وَفِي الْأَثَرِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُخْلِي الْأَرْضَ مِنْ مَطَرٍ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ، وَأَنَّهُ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءٌ قَطُّ إِلَّا بِحِفْظِ مَلَكٍ مُوَكَّلٍ بِهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَاءِ الطُّوفَانِ، فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ مَا لَا يَحْفَظُهُ الْمَلَكُ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] فَجَرَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ إِلَى أَنْ تَنَاهَى الْأَمْرُ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَاءَ الْمُنْهَمِرَ مِنَ السَّمَاءِ بِالْإِمْسَاكِ، وَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ بِالِابْتِلَاعِ. وَيُقَالُ: بَلَعَ الْمَاءَ يَبْلَعُهُ".

بلع يبلَع.

 "مِثْلُ مَنَعَ يَمْنَعُ وَبَلِعَ يَبْلَعُ مِثْلُ حَمِدَ وَيَحْمَدُ، لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَالْبَالُوعَةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَشْرَبُ الْمَاءَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْتَقَى الْمَاءَانِ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، مَا كَانَ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، فَأَمَرَ اللَّهُ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ بِالْإِقْلَاعِ، فَلَمْ تَمْتَصَّ الْأَرْضُ مِنْهُ قَطْرَةً، وَأَمَرَ الْأَرْضَ بِابْتِلَاعٍ مَا خَرَجَ مِنْهَا فَقَطْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ} [هود:44]، وَقِيلَ: مَيَّزَ اللَّهُ بَيْنَ الْمَاءَيْنِ، فَمَا كَانَ مِنْ مَاءِ الْأَرْضِ أَمَرَهَا فَبَلَعَتْهُ، وَصَارَ مَاءُ السَّمَاءِ بِحَارًا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَغِيضَ الْمَاءُ} [هود:44] أَيْ نَقَصَ".

لأنه قال: {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} [هود:44]، فابتلعت ماءها، والماء النازل من السماء ليس من ماء الأرض، أين ذهب؟

طالب: ....

نعم

طالب:.....

نعم

طالب:....

ابلعي ماءك؛ {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} [هود:44].

طالب:....

منهم من يقول: إن البحار موجودة من ماء الطوفان فقط، منهم من يرى ذلك، ومنهم من يقول: إن البحار موجودة مع خلق الأرض.

على كل حال الآية ظاهرة في أن ماء السماء لم تبتلعه الأرض، وكون الأرض ابتلعت ماءها وبقي ماء السماء على الأرض، فوجدت منه البحار أو جنس البحار أو شيء منها دون شيء، وإن كان بعضه موجودًا قبل، ولا يمتنع أن يكون تبخر جزء منه إلى آخر ما هو معروف في هذا الباب.

 "يُقَالُ: غَاضَ الشَّيْءُ وَغِضْتُهُ أَنَا، كَمَا يُقَالُ: نَقَصَ بِنَفْسِهِ وَنَقَصَهُ غَيْرُهُ، وَيَجُوزُ "غُيِضَ" بِضَمِّ الْغَيْنِ {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [هود:44] أَيْ أُحْكِمَ وَفُرِغَ مِنْهُ، يَعْنِي أُهْلِكَ قَوْمُ نُوحٍ عَلَى تَمَامٍ وَإِحْكَامٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْقَمَ أَرْحَامَهُمْ أَيْ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ قَبْلَ الْغَرَقِ بِأَرْبَعِينَ سَنَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ فِيمَنْ هَلَكَ صَغِيرٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَهْلَكَ الْوِلْدَانَ بِالطُّوفَانِ، كَمَا هَلَكَتِ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ. وَلَمْ يَكُنِ الْغَرَقُ عُقُوبَةً لِلصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ، بَلْ مَاتُوا بِآجَالِهِمْ".

وليس في هذا ظلم لأحد؛ لأن الخلق خلق الله، ومشيئته وإرادته نافذة في الكبير والصغير، والعقوبات إذا جاءت عمَّت، العقوبات إذا جاءت عمَّت، تحمل إثم مثل هؤلاء من كان سببًا في العقوبة، وأما هم فبأجلهم ماتوا، فالحروب والفيضانات وغيرها التي تحدث من الكوارث العامة بأسباب الذنوب والمعاصي، إذا جاءت لا تُفرق بين صغير وكبير، بين رفيعٍ وحقير، لكن التبعة على المتسبب، {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، فالذي يتحمل هذه المسؤوليات المتسبب.

"وَحُكِيَ أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ الْمَاءُ فِي السِّكَكِ خَشِيَتْ أُمُّ صَبِيٍّ عَلَيْهِ؛ وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، فَخَرَجَتْ بِهِ إِلَى الْجَبَلِ، حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ اسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ رَقَبَتَهَا رَفَعَتْ يَدَيْهَا بِابْنِهَا حَتَّى ذَهَبَ بِهَا الْمَاءُ، فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَحَدًا لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ".

طالب: ما جاء في هذا الحديث؟

نعم.

طالب: ....

معلق عليه عندك؟

على كلٍّ ما حصل كان بجنايتها؛ لأنها لو آمنت بنوح لركبت معه، لأنه أُمِر بإركاب من كل زوجين اثنين ومن آمن، لكنها لم تؤمن، فجنت على نفسها وعلى ولدها.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود:44] أَيْ هَلَاكًا لَهُمْا. الْجُودِيُّ جَبَلٌ بِقُرْبِ الْمَوْصِلِ، اسْتَوَتْ عَلَيْهِ فِي الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَصَامَهُ نُوحٌ وَأَمَرَ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ وَالْوَحْشِ وَالطَّيْرِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرَهَا فَصَامُوهُ، شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى. وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ. وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْجِبَالِ أَنَّ السَّفِينَةَ تُرْسَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا فَتَطَاوَلَتْ، وَبَقِيَ الْجُودِيُّ لَمْ يَتَطَاوَلْ تَوَاضُعًا لِلَّهِ، فَاسْتَوَتِ السَّفِينَةُ عَلَيْهِ: وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ أَعْوَادُهَا. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ أَدْرَكَهُ أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ»".

عندك تخريج الحديث؟

طالب: .....

لا بُد أن يكون قائل هذا الكلام من المتأخرين؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لقد بقي منها شيءٌ أدركه أوائل هذه الأمة، فيه أحد قبله من هذه الأمة، قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ كان يقول: أدركته.

"وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَشَامَخَتِ الْجِبَالُ وَتَطَاوَلَتْ لِئَلَّا يَنَالُهَا الْغَرَقُ، فَعَلَا الْمَاءُ فَوْقَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، وَتَطَامَنَ الْجُودِيُّ، وَتَوَاضَعَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَغْرَقْ، وَرَسَتِ السَّفِينَةُ عَلَيْهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْجُودِيَّ اسْمٌ لِكُلِّ جَبَلٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ.

              سُبْحَانَهُ ثُمَّ سُبْحَانًا يَعُودُ لَهُ           وَقَبْلَنَا سَبَّحَ الْجُودِيُّ وَالْجَمَدُ 


وَيُقَالُ: إِنَّ الْجُودِيَّ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ، فَلِهَذَا اسْتَوَتْ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: أَكْرَمَ اللَّهُ ثَلَاثَةَ جِبَالٍ بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ: الْجُودِيَّ بِنُوحٍ، وَطُورَ سَيْنَاءَ بِمُوسَى، وَحِرَاءَ بِمُحَمَّدٍ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ- أَجْمَعِينَ.

[مَسْأَلَةٌ]: لَمَّا تَوَاضَعَ الْجُودِيُّ وَخَضَعَ عَزَّ، وَلَمَّا ارْتَفَعَ غَيْرُهُ وَاسْتَعْلَى ذَلَّ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، يَرْفَعُ مَنْ تَخَشَّعَ، وَيَضَعُ مَنْ تَرَفَّعَ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:

             وَإِذَا تَذَلَّلَتِ الرِّقَابُ تَخَشُّعًا              مِنَّا إِلَيْكَ فَعِزُّهَا فِي ذُلِّهَا 


وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ نَاقَةٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ، وَكَانَتْ لَا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: سُبِقَتِ الْعَضْبَاءُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَلَّا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ»".

نعم، وهذا شيءٌ مشاهد ومُلاحظ، حتى من أهل الفضل والخير والصلاح ممن ليس بمعصوم، إذا بلغ الغاية في رأي الناس، وفي عُرفهم من الفضل، فلا بُد أن يقع منه ما يكون سببًا في عدم الغلو فيه، لا بُد أن يحصل منه شيء مما يُنقم عليه، وإلا لو استمر في علوه وارتفاعهِ لصار سببًا في فتنة بعض الناس، وقد يَفتتن بنفسه ما ارتفع شيء إلا وضعه الله هذه سنة إلهية، ولما انتصر خالد بن الوليد في معاركه الانتصارات الباهرة الظاهرة عزله عمر -رضي الله عنه-؛ خشية أن يفتتن به الناس، وهذا شواهد الحال عليه ظاهره، تجدون الإمام الكبير العالم الجبل لا بُد أن يقع منه شيء يجعل الناس يثقون ويعتقدون أنه لا معصوم إلا من عصمه الله، مثل هذا تقع منه الذلة، وتقع منه الهفوة، وإلا لو استمر على علمه وفضله وخيره وعباداته وعمله لافتتن به الناس، وقد يفتتن به من لا يُرد الله تعالى هدايته، من يُرد الله فتنته ويُعميها عما يحصل له من الأخطاء، لكن من نظر بعين البصيرة عرف أن هذا مهما بلغ من العلم والفضل والخير والصلاح؛ لأنه ليس بمعصوم، وهكذا نجد لكبار العلماء والأئمة من المتقدمين والمتأخرين نجدهم يرتفعون في أعين الناس، وهم أهل لذلك لاقتران العلم بالعمل، إلا أنهم يحصل منهم الهفوة؛ رحمةً بهم، وبمن يقتدي بهم، وإلا لو استمروا على هذا الارتفاع وهذا العلو وهذا الخير والفضل والصلاح صار خطرًا عليهم وعلى غيرهم، وهذه الهفوة يَعرفون فيها الحق فيما بعد، ويرجعون عنها، فتصير من حسناتهم. وهم أيضًا إنما وقعت منهم عن اجتهاد، وهم معذرون إذا بذلوا وسعهم وجهدهم، وهم مأجورون -إن شاء الله-، وإن كانت في الواقع خطأً، لكن هذه من حكمة الله -سبحانه وتعالى-، ومن لطفه بالعلماء وبغيرهم ممن يقتدي بهم، ولذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَلَّا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ».

 مثل أيضًا ما هو موجود في الحضارات، ما يوجد عند الأمم من رقي وتقدم تجده يصل إلى مبلغ، ثم فجاءةً يهبط، وهذا معروف في الأزمنة الغابرة القديمة والحديثة أن حقًّا على الله أن لا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه، وبهذا تبين منزلة الآخرة، وأن النقص ملازم لهذه الحياة، ولذا قال: أن لا يرفع شيئًا من الدنيا، أمور الدنيا مهما بلغت وارتفعت لا بُد لها من نقصان، ولو اعتبر الإنسان في نفسهِ {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]، تجده أول ما ولد عريان، طفل لا يستطيع طرد البعوض عن نفسه، ثم بعد ذلك ينمو ويشب إلى أن يصير غلامًا، ثم شابًّا، ثم كهلًا، ثم ينزل، يبدأ في العد التنازلي؛ لأن هذا من أمور الدنيا. لكن في الآخرة 33 سنة ما تزيد ولا تنقص،

هذا وسنهم ثلاث مع ثلاثين التي            هي قوة الشبان غاية ثلاثة وثلاثين، لا بعد مليون سنة ولا أكثر ولا أقل ما فيه، هذا ثلاثة والثلاثين انتهى.

طالب: ما الحكمة في ثلاثة وثلاثين، أليس الشاب؟

قوة الشبان، خلاص في ثلاثة وثلاثين مكتمل الشباب

طالب: أليس قوة الشباب صاحب ثلاثة وعشرين، وخمسة وعشرين؟

لا لا، أنت تنظر إلى قوة واحدة، انظر إلى جميع القوى، متى تكتمل؟ متى تكتمل جميع القوى؟ بثلاثة وثلاثين.

طالب: ......

نعم، يبدأ فيه النقص. لكن ثلاثة وثلاثين هي الغاية.

"وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ». وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ». خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ.

[مَسْأَلَةٌ]: نَذْكُرُ فِيهَا مِنْ قِصَّةِ نُوحٍ مَعَ قَوْمِهِ وَبَعْضَ ذِكْرِ السَّفِينَةِ ، ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي التَّارِيخِ لَهُ عَنِ الْحَسَنَ: أَنَّ نُوحًا أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت:14]، وَكَانَ قَدْ كَثُرَتْ فِيهِمُ الْمَعَاصِي، وَكَثُرَتِ الْجَبَابِرَةُ، وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا، وَكَانَ نُوحٌ يَدْعُوهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا، سِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَكَانَ صَبُورًا حَلِيمًا، وَلَمْ يَلْقَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَشَدَّ مِمَّا لَقِيَ نُوحٌ، فَكَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فَيَخْنُقُونَهُ حَتَّى يُتْرَكَ وَقِيذًا".

يعني على حسب ظنهم إن صح الخبر، وقيل" يعني منتهيًا.

"وَيَضْرِبُونَهُ فِي الْمَجَالِسِ وَيُطْرَدُ، وَكَانَ لَا يَدْعُو عَلَى مَنْ يَصْنَعُ بِهِ، بَلْ يَدْعُوهُمْ وَيَقُولُ: "رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" فَكَانَ لَا يَزِيدُهُمْ ذَلِكَ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُكَلِّمُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ فَيَلُفُّ رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ، وَيَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ؛ لِكَيْلَا يَسْمَعَ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:7]. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: كَانُوا يَضْرِبُونَهُ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ فَإِذَا أَفَاقَ قَالَ: "رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ".

 وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ نُوحًا كَانَ يُضْرَبُ ثُمَّ يُلَفُّ فِي لِبَدٍ فَيُلْقَى فِي بَيْتِهِ، يَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَدْعُوهُمْ، حَتَّى إِذَا يَئِسَ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِ جَاءَهُ رَجُلٌ وَمَعَهُ ابْنُهُ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ انْظُرْ هَذَا الشَّيْخَ لَا يَغُرَّنَّكَ، قَالَ: يَا أَبَتِ أَمْكِنِّي مِنَ الْعَصَا، فَأَمْكَنَهُ فَأَخَذَ الْعَصَا ثُمَّ قَالَ: ضَعْنِي فِي الْأَرْضِ فَوَضَعَهُ، فَمَشَى إِلَيْهِ بِالْعَصَا فَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ شَجَّةً مُوضِحَةً فِي رَأْسِهِ، وَسَالَتِ الدِّمَاءُ، فَقَالَ نُوحٌ: "رَبِّ قَدْ تَرَى مَا يَفْعَلُ بِي عِبَادُكَ، فَإِنْ يَكُ لَكَ فِي عِبَادِكَ خَيْرِيَّةٌ فَاهْدِهِمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرُ ذَلِكَ فَصَبِّرْنِي إِلَى أَنْ تَحْكُمَ وَأَنْتَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ"، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ وَآيَسَهُ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَلَا فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ مُؤْمِنٌ. قَالَ: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هود:36]؛ أَيْ لَا تَحْزَنُ عَلَيْهِمْ، {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود:37] قَالَ: يَا رَبِّ، وَأَيْنَ الْخَشَبُ؟ قَالَ: اغْرِسِ الشَّجَرَ. قَالَ: فَغَرَسَ السَّاجَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَفَّ عَنِ الدُّعَاءِ، وَكَفُّوا عَنِ الِاسْتِهْزَاءِ. وَكَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَ الشَّجَرَ، أَمَرَهُ رَبُّهُ فَقَطَعَهَا وَجَفَّفَهَا: فَقَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَتَّخِذُ هَذَا الْبَيْتَ؟ قَالَ: اجْعَلْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ صُوَرٍ، رَأْسُهُ كَرَأْسِ الدِّيكِ، وَجُؤْجُؤُهُ كَجُؤْجُؤِ الطَّيْرِ، وَذَنَبُهُ كَذَنَبِ الدِّيكِ، وَاجْعَلْهَا مُطْبَقَةً، وَاجْعَلْ لَهَا أَبْوَابًا فِي جَنْبِهَا، وَشُدَّهَا بِدُسُرٍ، يَعْنِي مَسَامِيرَ الْحَدِيدِ. وَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ فَعَلَّمَهُ صَنْعَةَ السَّفِينَةِ، وَجَعَلَتْ يَدُهُ لَا تُخْطِئُ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ دَارُ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- دِمَشْقَ، وَأَنْشَأَ سَفِينَتَهُ مِنْ خَشَبِ لُبْنَانَ بَيْنَ زَمْزَمٍ وَبَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، فَلَمَّا كَمُلَتْ حَمَلَ فِيهَا السِّبَاعَ وَالدَّوَابَّ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ".

الخشب من لبنان، والصناعة وقعت في هذا المكان بين زمزم وبين الركن والمقام، ومعروف أن هذا مما يرويه الحسن عن أهل الكتاب.

طالب: .....

كل هذا على ما تقدم سابقًا من نقله واعتماده على الإسرائيليات، وإن كانت قليلة بالنسبة لحجم الكتاب.

"وَجَعَلَ الْوَحْشَ وَالطَّيْرَ فِي الْبَابِ الثَّانِي، وَأَطْبَقَ عَلَيْهِمَا/ وَجَعَلَ أَوْلَادَ آدَمَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَأَرْبَعِينَ امْرَأَةً فِي الْبَابِ الْأَعْلَى وَأَطْبَقَ عَلَيْهِمْ، وَجَعَلَ الذَّرَّ مَعَهُ فِي الْبَابِ الْأَعْلَى< لِضَعْفِهَا أَلَّا تَطَأَهَا الدَّوَابُّ.

 قَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- بَعَثَ رِيحًا فَحُمِلَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، مِنَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ وَالْوَحْشِ وَالْبَهَائِمِ.

وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. بَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ فَحَشَرَهُمْ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فَتَقَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى الذَّكَرِ، وَالْيُسْرَى عَلَى الْأُنْثَى، فَيُدْخِلُهُ السَّفِينَةَ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: اسْتُصْعِبَتْ عَلَى نُوحٍ الْمَاعِزَةُ أَنْ تَدْخُلَ السَّفِينَةَ، فَدَفَعَهَا بِيَدِهِ فِي ذَنَبِهَا، فَمِنْ ثَمَّ انْكَسَرَ ذَنَبُهَا فَصَارَ مَعْقُوفًا وَبَدَا حَيَاؤُهَا. وَمَضَتِ النَّعْجَةُ حَتَّى دَخَلَتْ فَمَسَحَ عَلَى ذَنَبِهَا فَسُتِرَ حَيَاؤُهَا. قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نُوحًا حَمَلَ أَهْلَ السَّفِينَةِ، وَجَعَلَ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، وَحَمَلَ مِنَ الْهُدْهُدِ زَوْجَيْنِ، فَمَاتَتِ الْهُدْهُدَةُ فِي السَّفِينَةِ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ الْأَرْضُ. فَحَمَلَهَا الْهُدْهُدُ فَطَافَ بِهَا الدُّنْيَا لِيُصِيبَ لَهَا مَكَانًا، فَلَمْ يَجِدْ طِينًا وَلَا تُرَابًا، فَرَحِمَهُ رَبُّهُ، فَحَفَرَ لَهَا فِي قَفَاهُ قَبْرًا فَدَفَنَهَا فِيهِ، فَذَلِكَ الرِّيشُ النَّاتِئُ فِي قَفَا الْهُدْهُدِ مَوْضِعُ الْقَبْرِ، فَلِذَلِكَ نَتَأَتْ أَقْفِيَةُ الْهَدَاهِدِ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَانَ حَمْلُ نُوحٍ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ مِنْ جَمِيعِ الشَّجَرِ وَكَانَتِ الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَرُوسِ وَغَيْرُهُ: أَنَّ نُوحًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَأْتِيهِ بِخَبَرِ الْأَرْضِ قَالَ الدَّجَاجُ: أَنَا، فَأَخَذَهَا وَخَتَمَ عَلَى جَنَاحِهَا".

العرائس ممكن العرائس في قصص الأنبياء، نعم. العروس، على كلٍّ كل هذه الأخبار لا قيمة لها، من المؤسف أن يسود الورق بمثلها.

طالب: ......

نعم، نعم

طالب: ......

لا، لا أصل.

طالب:...

نعم ماذا؟

ارفع صوتك، عندك الحديث المرفوع.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندك؟

طالب: ....

ماذا يقول؟

طالب: ....

ظاهر عليها النكارة، ظاهرة، من قال لك؟ تحقيق من هذا؟

طالب: .....

نعم، العراس الثعلبي، عرايس المجالس ثم قصص الأنبياء.

"فَأَخَذَهَا وَخَتَمَ عَلَى جَنَاحِهَا وَقَالَ لَهَا: أَنْتِ مَخْتُومَةٌ بِخَاتَمِي لَا تَطِيرِي أَبَدًا، أَنْتِ يَنْتَفِعُ بِكِ أُمَّتِي، فَبَعَثَ الْغُرَابَ فَأَصَابَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَاحْتَبَسَ فَلَعَنَهُ، وَلِذَلِكَ يُقْتَلُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ، فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ. وَبَعَثَ الْحَمَامَةَ فَلَمْ تَجِدْ قَرَارًا فَوَقَعَتْ عَلَى شَجَرَةٍ بِأَرْضِ سَيْنَاءَ فَحَمَلَتْ وَرَقَةَ زَيْتُونَةٍ، وَرَجَعَتْ إِلَى نُوحٍ فَعَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَسْتَمْكِنْ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ بَعَثَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَطَارَتْ حَتَّى وَقَعَتْ بِوَادِي الْحَرَمِ، فَإِذَا الْمَاءُ قَدْ نَضَبَ مِنْ مَوَاضِعِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ طِينَتُهَا حَمْرَاءَ، فَاخْتَضَبَتْ رِجْلَاهَا، ثُمَّ جَاءَتْ إِلَى نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقَالَتْ: بُشْرَايَ مِنْكَ أَنْ تَهَبَ لِيَ الطَّوْقَ فِي عُنُقِي، وَالْخِضَاب فِي رِجْلِي، وَأَسْكُنُ الْحَرَمَ؛ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى عُنُقِهَا وَطَوَّقَهَا، وَوَهَبَ لَهَا الْحُمْرَةُ فِي رِجْلَيْهَا، وَدَعَا لَهَا وَلِذُرِّيَّتِهَا بِالْبَرَكَةِ.

وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّهُ بَعَثَ بَعْدَ الْغُرَابِ التُّدْرُجَ، وَكَانَ مِنْ جِنْسِ الدَّجَاجِ، وَقَالَ: إِيَّاكَ أَنْ تَعْتَذِرَ، فَأَصَابَ الْخُضْرَةَ وَالْفُرْجَةَ فَلَمْ يَرْجِعْ، وَأَخَذَ أَوْلَادَهُ عِنْدَهُ رَهْنًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".

نعم.

طالب: ....

نعم، ينسبون السلام إلى الحمام، والحمام السلام.

طالب: ...

استنادًا لمثل هذه الإسرائيليات، لعله منهم جاء، لعله جاء من بني إسرائيل من اليهود والنصارى، ولا يبعد أن يكون من تصرفاتهم.

"قَوْلُهُ: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ(47)} [هود: 45-47].

 فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ} [هود:45] أَيْ دَعَاهُ. {فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:45] أَيْ مِنْ أَهْلِي الَّذِينَ وَعَدْتُهُمْ أَنْ تُنَجِّيَهُمْ مِنَ الْغَرَقِ، فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ. {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:45] يَعْنِي الصِّدْقَ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَإِنَّمَا سَأَلَ نُوحٌ رَبَّهُ ابْنَهُ لِقَوْلِهِ: "وَأَهْلَكَ" وَتَرَكَ قَوْلَهُ: {إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [هود:40] فَلَمَّا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِهِ".

وظن أنه لن يسبق عليه القول، فكان في ظنه أنه لم يسبق عليه القول، فهو من أهله، لكن هو مما سبق عليه القول.

"قَالَ: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:45] يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود:42] أَيْ لَا تَكُنْ مِمَّنْ لَسْتَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مُؤْمِنًا فِي ظَنِّهِ، وَلَمْ يَكُ نُوحٌ يَقُولُ لِرَبِّهِ: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:45] إِلَّا وَذَلِكَ عِنْدَهُ كَذَلِكَ، إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَسْأَلَ هَلَاكَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ يَسْأَلُ فِي إِنْجَاءِ بَعْضِهِمْ، وَكَانَ ابْنُهُ يُسِرُّ الْكُفْرَ، وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى نُوحًا بِمَا هُوَ مُنْفَرِدٌ بِهِ مِنْ عِلْمِ الْغُيُوبِ، أَيْ عَلِمْتُ مِنْ حَالِ ابْنِكَ مَا لَمْ تَعْلَمْهُ أَنْتَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ مُنَافِقًا، وَلِذَلِكَ اسْتَحَلَّ نُوحٌ أَنْ يُنَادِيَهُ.

 وَعَنْهُ أَيْضًا: كَانَ ابْنُ امْرَأَتِهِ، دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ: "وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهَا". {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود:45] ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. أَيْ حَكَمْتَ عَلَى قَوْمٍ بِالنَّجَاةِ، وَعَلَى قَوْمٍ بِالْغَرَقِ.

الثَّانِيَةُ: {قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:46] أَيْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الَّذِينَ وَعَدْتُهُمْ أَنْ أُنَجِّيَهُمْ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِكَ وَلَا وِلَايَتِكَ، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الِاتِّفَاقِ فِي الدِّينِ أَقْوَى مِنْ حُكْمِ النَّسَب".

العلاقة في الدين والقوة في الدين أقوى من قوة النسب إذا لم يوجد الدين، يعني الدين بلا نسب أقوى من النسب بلا دين، لكن إذا اجتمع النسب مع الدين فهما قوتان.

"{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةُ وَعِكْرِمَةُ وَيَعْقُوبُ وَالْكِسَائِيُّ: "إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ" أَيْ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: "عَمَلٌ" أَيِ ابْنُكَ ذُو عَمَلٍ غَيْرِ صَالِحٍ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ.

قَالَ:

تَرْتَعُ مَا رَتَعْتَ حَتَّى إِذَا ادَّكَرْتَ          فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ

 أَيْ: ذَاتُ إِقْبَالٍ وَإِدْبَارٍ.

وَهَذَا الْقَوْلُ وَالَّذِي قَبْلَهُ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ لِلسُّؤَالِ، أَيْ إِنَّ سُؤَالَكَ إِيَّايَ أَنْ أُنَجِّيَهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ؛ قَالَ قَتَادَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَى "عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ" أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَمْ يَكُنِ ابْنَهُ. وَكَانَ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ، وَقَالَهُ أَيْضًا مُجَاهِدٌ. قَالَ قَتَادَةُ سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَانَ ابْنَهُ، قُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ نُوحٍ أَنَّهُ قَالَ: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:45]، فَقَالَ: لَمْ يَقُلْ مِنِّي، وَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:45]، {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} [هود:42]، وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ أَنَّهُ ابْنُهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَنْ يَأْخُذُ دِينَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ! إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ. وَقَرَأَ: "فَخَانَتَاهُمَا". وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَادَاهُ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَكَانَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خَانَتْهُ فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ: "فَخَانَتَاهُمَا" وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، وَأَنَّهُ كَانَ ابْنُهُ لِصُلْبِهِ".

نعم، هذا هو الصحيح كان ابنه، ولذا قال: {إِنَّ ابْنِي} [هود:45]، {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} [هود:42]، وهذا الأصل في البنوة إذا كانت للصلب، وأما قوله تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم:10] يعني في غير الفراش، وما زنت امرأة نبيٍ قط؛ صيانة لعرض الأنبياء، كرامة لهم. وأما ما تقدم مما يروى عن الحسن وغيره، وأنه كان لغير رشدة، وأنه ابن زنا، وأنه ولد على فراشه، وابن امرأته، كل هذا لا أصل له ولا قيمة له.

طالب: ...

لكن الزنا، فعلن ما يتعلق بهن لا ما يتعدى ضرره إلى غيرهم، إلى النبي نفسه. الكفر والشرك ضرره عليهن.

طالب: ....

نعم ضرره عليها، بخلاف -نسأل الله العافية- انتهاك الأعراض، فالضرر متعدٍّ إلى الزوج في الدرجة الأولى، وإلى أقاربه، وإلى أقاربها.

المقصود أن مثل هذا لا يقع من امرأة نبي.

"وَكَذَلِكَ قَالَ الضَّحَّاكُ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَأَنَّهُ كَانَ ابْنُهُ لِصُلْبِهِ. وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: يَقُولُ نُوحٌ: {إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:45]، أَكَانَ مِنْ أَهْلِهِ؟ أَكَانَ ابْنَهُ؟ فَسَبَّحَ اللَّهَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ! يُحَدِّثُ اللَّهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ابْنُهُ، وَتَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ ابْنُهُ! نَعَمْ كَانَ ابْنَهُ، وَلَكِنْ كَانَ مُخَالِفًا فِي النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَالدِّينِ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:46]؛ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِجَلَالَةِ مَنْ قَالَ بِهِ، وَإِنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:46] لَيْسَ مِمَّا يَنْفِي عَنْهُ أَنَّهُ ابْنُهُ.

وَقَوْلُهُ:{فَخَانَتَاهُمَا} يَعْنِي فِي الدِّينِ، لَا فِي الْفِرَاشِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ تُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، وَذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: أَمَا يَنْصُرُكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ لَهَا: نَعَمْ. قَالَتْ: فَمَتَى؟ قَالَ: إِذَا فَارَ التَّنُّورُ، فَخَرَجَتْ تَقُولُ لِقَوْمِهَا: يَا قَوْمُ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ، يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَنْصُرُهُ رَبُّهُ إِلَّا أَنْ يَفُورَ هَذَا التَّنُّورُ، فَهَذِهِ خِيَانَتُهَا. وَخِيَانَةُ الْأُخْرَى أَنَّهَا كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْأَضْيَافِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 وَقِيلَ: الْوَلَدُ قَدْ يُسَمَّى عَمَلًا، كَمَا يُسَمَّى كَسْبًا، كَمَا فِي الْخَبَرِ: «أَوْلَادكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ»، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ.

الثَّالِثَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَسْلِيَةٌ لِلْخَلْقِ فِي فَسَادِ أَبْنَائِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا صَالِحِينَ".

لأن الرجل الصالح إذا حرص وبذل جهده في تربية أولاده، ثم خرجت النتائج على عكس ما يُريد يتسلى بمثلها، نوح ما قصَّر، ألف سنة إلا خمسين وما استفاد ابنه، الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما يقرب من ربع قرن وما استفاد بعض أعمامه، النتائج بيد الله -سبحانه وتعالى-، أنت مأمور بأن تبذل جهدك وتسعى، تأمر، وتنهى، وتوجه، والنتائج ما عليك إلا البلاغ فقط، وأما هداية التوفيق والقبول فهذه بيد الله -سبحانه وتعالى- لا يملكها أحد، ولا الأنبياء. ولهذا ما أسلمت زوجته ولا ولده، أقرب الناس إليه، ولهذا قال: في الآية تسلية للخلق في فساد أبنائهم وكذلك زوجاتهم، وكذلك زوجاتهم، لكن على الشخص أن يبذل الأسباب، بدأً من اختيار الزوجة التي تُعينه في إصلاحه وإصلاح بيتها وولدها. ولا يقول: أنا أختار الشيء الثابت الذي يدَّعي كثير من الناس، يختار الشيء الثابت وهو الجمال، والدين يأتي بالدعوة، ويأتي بالقدوة، ويأتي بكذا، كلامه، كلام كثير من الناس يقول هذا الكلام؛ إذا أخذت دَيَّنة لكن الجمال متى يجيء؟

أنت، الدين يجيء بالدعوة، يجيء بالصبر، يجيء بالقدوة، يجيء بالمعاملة، هو لا يدري أن عمران بن حطان أخذ الخارجية لجمالها، زعمًا منه أنه يأخذ الأجر من الله -سبحانه وتعالى- بدعوتها، فما لبث أن صار من دعاة الخوارج -نسأل الله العافية-.

وهذه دعوة، كثير من الناس يقول: أنا، كثير من الناس يقول: نعتني بالأمر الذي لا يُدرك، وأما ما يأتي به الوقت والدعوة والقدوة وغير ذلك فسهلة هذه، والمرأة تبع لزوجها؛ المرأة تبع لزوجها، كثير من الناس يقول هذا الكلام، المرأة خام تشكلها على ما تريد، لا، على العكس كثيرٌ من الرجال وقع، لا سيما إذا كان من منطلق الضعف، وهي أقوى منه في الشخصية، أو أمكن منه في الباب، بعض الناس لا يحسب العواقب، ولذا جاء في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-: «تُنكح المرأة لأربعة لمالها ولجمالها ولحسابها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، نعم إن وجد مع الدين شيء آخر لا بأس، لكن الأصل هو الدين، الأصل هو الدين.

"وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ نَزَلَ مِنْ فَوْقٍ وَمَعَهُ حَمَامٌ قَدْ غَطَّاهُ، قَالَ: فَعَلِمَ مَالِكٌ أَنَّهُ قَدْ فَهِمَهُ النَّاسُ، فَقَالَ مَالِكٌ: الْأَدَبُ أَدَبُ اللَّهِ لَا أَدَبَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَالْخَيْرِ خَيْرُ اللَّهِ لَا خَيْرَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ. وَفِيهَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِابْنَ".

يوجد في البيوت، بيوت أهل العلم والفضل من هو أفسق الناس، والعكس يوجد في بيوت الفُساق بنين وبنات من أصلح الناس، نعم الوسائل لا بُد أن تُبذل، لا بُد أن تُبذل، لكن النتائج بيد الله، قال: كيف يهتدي هذا الولد وليس عنده من يدعوه؟ الهادي هو الله -سبحانه وتعالى-، قلوب العباد بين أصعبين من أصابع الرحمن.

"وَفِيهَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِابْنَ مِنَ الْأَهْلِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَمَنْ وَصَّى لِأَهْلِهِ دَخَلَ فِي ذَلِكَ ابْنُهُ، وَمَنْ تَضَمَّنَهُ مَنْزِلُهُ، وَهُوَ فِي عِيَالِهِ. وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ(76)} [الصافات:75-76] فَسَمَّى جَمِيعَ مَنْ ضَمَّهُ مَنْزِلُهُ مِنْ أَهْلِهِ".

كما أن الشخص يدخل في الأهل ويدخل في الآل؛ الشخص نفسه، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} [غافر:46]، والمقصود به فرعون بالدرجة الأولى وأهله، وجاء في آية الأكل من بيوت الأقارب فبدأ بالنفس فقال: {مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور:61]، ما ذكر الأبناء لماذا؟

طالب:.........

 نعم.

طالب:.........

  لأنها داخلة في بيوته؛ بيت الابن بيتك فلا يحتاج إلى ذكر، ولا يحتاج إلى تنصيص، لكن من عداه يحتاج إلى ذكر؛ بيت الأب، بيت الأخ، بيت كذا ولا جناح في الأكل منه، لكن بيت الابن لا يحتاج إلى ذكر؛ لأنه بيتٌ للشخص نفسه.

"الرَّابِعَةُ: وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ نُوحٌ مَا قَالَ آخِذًا بِظَاهِرِ الْفِرَاشِ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: نَرَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ؛ مِنْ أَجْلِ ابْنِ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرو".

أبو عمر.

 "ذكره أبو عمر فِي كِتَابِ "التَّمْهِيدِ". وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «الْوَلَدُلِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» يُرِيدُ الْخَيْبَةُ. وَقِيلَ: الرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ".

الخيبة أقوى؛ لأنه قد يكون العاهر غير محصن، فلا يستحق الحجارة، وللعاهر الحجر يعني الخيبة، وليس له شيء مما يُنتجه هذا السفاح؛ لأن له الخيبة، والرجم إنما هو للمحصن.

"وَقَرَأَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهَا" يُرِيدُ ابْنَ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ تَفْسِيرُ الْقِرَاءَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهِيَ حُجَّةٌ لِلْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ؛ إِلَّا أَنَّهَا قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ، فَلَا نَتْرُكُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا لَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:46] أَيْ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ، وَأُحَذِّرُكَ لِئَلَّا تَكُونَ، أَوْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، أَيِ الْآثِمِينَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} [النور:17] أَيْ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ وَيَنْهَاكُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَرْفَعُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذِهِ زِيَادَةٌ مِنَ اللَّهِ وَمَوْعِظَةٌ يَرْفَعُ بِهَا نُوحًا عَنْ مَقَامِ الْجَاهِلِينَ، وَيُعْلِيهِ بِهَا إِلَى مَقَامِ الْعُلَمَاءِ وَالْعَارِفِينَ، فَ "قَالَ" نُوحٌ: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود:47] الْآيَةَ، وَهَذِهِ ذُنُوبُ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- فَشُكْرُ اللَّهِ تَذَلُّلُهُ وَتَوَاضُعُهُ {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي} [هود:47]: مَا فَرَطَ مِنَ السُّؤَالِ.

{وَتَرْحَمْنِي} [هود:47] أَيْ بِالتَّوْبَةِ {أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:47] أَيْ أَعْمَالًا. فَقَالَ: {يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا} [هود:48]. قَوْلُهُ تَعَالَى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا} [هود:48] أَيْ قَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ".

في الآية السابقة إني أعظك عن مثل هذه المقالة؛ لئلا تكون، أو خشية أن تكون من الجاهلين؛ لأن من يُعيد الطلب في شيءٍ قد نُهي عنه، وأخبر عن مغبته بالتفصيل، لا شك أنه جاهل، وإلا فالذي يُدرك ما يُنهى عنه وينتهي؛ حذرًا من مغبته هذا قد أحسن من ينتهي إلى ما سمع، هذا انتهى، لكن إن عاد لا شك أنه باستحقاق اسم الوصف بالجهل أقرب وأولى.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا} [هود:48] أَيْ قَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ، أَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: اهْبِطْ مِنَ السَّفِينَةِ إِلَى الْأَرْضِ، أَوْ مِنَ الْجَبَلِ إِلَى الْأَرْضِ، فَقَدِ ابْتَلَعَتِ الْمَاءَ وَجَفَّتْ {بِسَلَامٍ مِنَّا} [هود:48] أَيْ بِسَلَامَةٍ وَأَمْنٍ. وَقِيلَ: بِتَحِيَّةٍ {وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ} [هود:48] أَيْ نِعَمٍ ثَابِتَةٍ، مُشْتَقٌّ مِنْ بُرُوكِ الْجَمَلِ وَهُوَ ثُبُوتُهُ وَإِقَامَتُهُ. وَمِنْهُ الْبِرْكَةُ لِثُبُوتِ الْمَاءِ فِيهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: نُوحٌ آدَمُ الْأَصْغَرُ، فَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ الْآنَ مِنْ نَسْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، عَلَى قَوْلِ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ، حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات:77]، {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} [هود:48] قِيلَ: دَخَلَ فِي هَذَا كُلِّ مُؤْمِنٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود:48] كُلُّ كَافِرٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ،  وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا: وَعَلَى ذُرِّيَّةِ أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ، وَذُرِّيَّةِ أُمَمٍ سَنُمَتِّعُهُمْ. وَقِيلَ: "مِنْ" لِلتَّبْعِيضِ، وَتَكُونُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ". {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} [هود:48] ارْتَفَعَ وَ"أُمَمٌ" عَلَى مَعْنَى وَتَكُونُ أُمَمٌ. قَالَ الْأَخْفَشُ سَعِيدٌ كَمَا تَقُولُ: كَلَّمْتُ زَيْدًا وَعَمْرٌو جَالِسٌ".

الأخفش سعيد ما يحتاج أن نقول: سعيد؛ لأن الأخفش إذا أُطلق المراد به سعيد بن مسعدة الأوسط كما هو معروف، وإذ أُريد غيره قُيِّد، وأما إذا أُطلق فينطلق إلى الأوسط؛ سعيد بن مسعدة المجاشعي، وإن كان الأخافش ثلاثة عشر، ثلاثة عشر، لكن أشهرهم هذا، فإذا أُطلق وهو المراد هنا لزيادة البيان والإيضاح قال: الأخفش سعيد.

"وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ فِي غَيْرِ الْقِرَاءَةِ وَأُمَمًا، وَتَقْدِيرُهُ: وَنُمَتِّعُ أُمَمًا. وَأُعِيدَتْ "عَلَى" مَعَ "أُمَمٌ"؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْكَافِ مِنْ "عَلَيْكَ" وَهِيَ ضَمِيرُ الْمَجْرُورِ، وَلَا يُعْطَفُ عَلَى ضَمِيرِ الْمَجْرُورِ إِلَّا بِإِعَادَةِ الْجَارِ عَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "النِّسَاءِ" بَيَانُ هَذَا مُسْتَوْفًى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء:1]. بِالْخَفْضِ".

فعطف على مجرور من غير إعادة الجار، عند سيبويه لا يجوز العطف على مجرور، إلا مع إعادة الجر، تقول: الله الذي تسألون به والأرحام، تسألون به وبالأرحام هذا الأصل، على القراءة الأخرى واتقوا الله الذي تسألون به والأرحامَ يعني: اتقوا الله واتقوا الأرحام، فالمنصوب يجوز العطف عليه بغير إعادة الناصب، بخلاف المجرور لا بُد من إعادة الخافض.

"وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: "بِسَلَامٍ" مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيِ اهْبِطْ مُسَلَّمًا عَلَيْكَ. وَ"مِنَّا" فِي مَوْضِعِ جَرٍّ مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ، لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْبَرَكَات. {وَعَلَى أُمَمٍ} [هود:48] مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ "عَلَيْكَ"، لِأَنَّهُ أُعِيدَ مِنْ أَجْلِ الْمَعْطُوفِ عَلَى الْكَافِ. وَ "مِنْ" فِي قَوْلِهِ: {مِمَّنْ مَعَكَ} [هود:48] مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ جَرِّ نَعْتٍ لِلْأُمَمِ. وَ"مَعَكَ" مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ لِ "مَنْ" أَيْ مِمَّنِ اسْتَقَرَّ مَعَكَ، أَوْ آمَنَ مَعَكَ، أَوْ رَكِبَ مَعَكَ".

لأن "مَن" موصول تحتاج إلى صلة، أما "مِن" التي دخلت على "مَن" فهي حرف جر تحتاج إلى متعلق.

"نعم قَوْلُهُ: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] قَوْلُهُ تَعَالَى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} [هود:49] أَيْ تِلْكَ الْأَنْبَاءُ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ " ذَلِكَ " أَيْ ذَلِكَ النَّبَأُ وَالْقَصَصُ مِنْ أَنْبَاءِ مَا غَابَ عَنْكَ. {نُوحِيهَا إِلَيْكَ} [هود:49] أَيْ لِتَقِفَ عَلَيْهَا {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [هود:49] أَيْ كَانُوا غَيْرَ عَارِفِينَ بِأَمْرِ الطُّوفَانِ، وَالْمَجُوسُ الْآنَ يُنْكِرُونَهُ".

نعم؛ لأنهم لا يتدينون بدين، ولا بلغهم عن معصوم، فهم ينكرونه، {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [هود:49]، للدلالة على نبوته -عليه الصلاة والسلام- لا يقرأ الكتاب ولا يتلقها عن غيره من أهل الكُتب، ومع ذلك جاء بهذه الأخبار، من أين جاءته؟ إذا كان لا يوجد له مصدر يمكن أن يستقي منه هذه المعلومات، فدل على أن الله -سبحانه وتعالى- أوحى إليه.

"{مِنْ قَبْلِ هَذَا} [هود:49] خَبَرٌ أَيْ مَجْهُولَةٌ عِنْدَكَ وَعِنْدَ قَوْمِكِ. {فَاصْبِرْ} [هود:49] عَلَى مَشَاقَّ الرِّسَالَةِ وَإِذَايَةِ الْقَوْمِ كَمَا صَبَرَ نُوحٌ. وَقِيلَ: أَرَادَ جَهْلَهُمْ بِقِصَّةِ ابْنِ نُوحٍ وَإِنْ سَمِعُوا أَمْرَ الطُّوفَانِ فَإِنَّهُ عَلَى الْجُمْلَةِ . "فَاصْبِرْ".

يعني وإن سمع قومه خبر الطوفان عن أهل الكتاب، فإنما سمعوا أخبارًا مجملة لا على مثل هذا التفصيل الذي جاء به القرآن.

"فَاصْبِرْ" أَيِ اصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى الْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ، وَمَا تَلْقَى مِنْ أَذَى الْعَرَبِ الْكُفَّارِ، كَمَا صَبَرَ نُوحٌ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ {إِنَّ الْعَاقِبَةَ} [هود:49] فِي الدُّنْيَا بِالظَّفَرِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْفَوْزِ {لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] عَنِ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصي".

لا شك أن في نوح قدوة وأسوة، ضرب أروع الأمثلة في الصبر والتحمل، ولا يوجد له نظير في طول المدة لا من الأنبياء ولا من غيرهم، مثل هذا الصبر ألف سنة يصبر على أذى قومه، ويدعوهم إلى الله، ومع ذلك حصل له من الأذى ما حصل، ثم بعد ذلك في النهاية يدعو عليهم لما أُخبر بأنه لن يؤمن أحد، وأنه لا فائدة من بقائهم، فقد دعا عليهم، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- تحمل الأذى في سبيل الدعوة، وإن قصرت مدته، وتأخر وقته وعصره إلا أنه السابق يوم القيامة، وهذا وصف هذه الأمة، «نحن الآخرون السابقون»، يعني يوم القيامة، جاءوا في الزمن المتأخر، وسبقوا الناس، لم يسبقوهم بكثرة عمل، وإنما بفضل الله -سبحانه وتعالى- على هذه الأمة، وتشريفها بهذا النبي الذي هو أكرم مخلوقٍ على الله -سبحانه وتعالى-، والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 الأسبوع القادم، أنا غير موجود -إن شاء الله- ما فيه درس، الذي يليه فيه درس.

"