كتاب الطلاق من المحرر في الحديث - 03

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن مخرمة عن أبيه قال: سمعت محمود بن الربيع" ذكرنا في الدرس الماضي أن سماع مخرمة من أبيه بكير وجادة، وذكرنا أن الوجادة إذا وجد الطالب أو المحدِّث بخط شيخه الذي لا يشك فيه فإنها معتبرة ومعتمدة عند أهل العلم.

 وقال: سمعت محمود بن لبيد، وهذا من صغار الصحابة، وأكثر رواياته، بل جل رواياته مرسلة، وعرفنا أن مرسل الصحابي فيما تقدم مقبول عند عامة أهل العلم.

 "قال أُخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام غضبان".

 بهذا استدل من يقول من أهل العلم: إن طلاق الثلاث حرام، ولذلك غضب عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما أن في طلاق ابن عمر حال الحيض تغيَّظ عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- دل على أن الطلاق البدعي محرَّم سواء كان ثلاثًا أو في الحيض كما تقدم، ومنهم من يقول: إن طلاق الثلاث خلاف الأولى، الأولى أن يتريَّث حتى تكون له فرصة أن يرجع، ولو فعل ذلك ثلاثًا فلا إثم عليه، قالوا: لأن الملاعِن طلَّق ثلاثًا، طلق امرأته ثلاثًا، وامرأته بانت بالملاعنة، امرأته بانت بالملاعنة، فلا يرد على هذا.

 "فقام غضبان ثم قال: «أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟! أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!»" هذا تلاعب بكتاب الله؛ لأنه قال: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} [سورة البقرة:229]، يعني مرة بعد مرة، ثم بعد ذلك الثالثة تأتي، فلا يكون إلا مفرَّقًا. «أيُلعب بكتاب الله؟» يعني بأحكامه.

قال ثم قال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟» يعني بأحكام الله، فكتاب الله أعم من أن يكون القرآن كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لأقضِيَن بينكم بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك» يعني في قصة العسيف، هذا ليس في القرآن، لكنه في حكم الله.

 "حتى قام رجل فقال: يا رسول الله، ألا أقتله؟ ألا أقتله؟" هذه من غيرة هذا الصحابي على هذا المتلاعِب بكتاب الله، لكن المسألة والقتل والأمر به إنما يكون بيد الحاكم، لا بد من أن يكون الذي ينفذ الحدود هو الحاكم، ولذلك استأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في قتله، ألا أقتله؟ وكثيرًا ما يقول عمر وغيره: لأضربن عنق هذا المنافق، أو شيئًا من هذا، مثل هذه الأمور تأتي على الإنسان من أهل الغيرة، لكن التنفيذ إنما هو من أولي الأمر، الحكام.

 "رواه النسائي وقال: لا أعلم أحدًا روى هذا الحديث غير مخرمة"، وعرفنا ما في روايته من أن من أنه لم يسمع من أبيه، وقال بعضهم: إنه سمع منه شيئًا يسيرًا؛ لصغر سنه، وإنما حديثه عنه وجادة، وعرفنا ما في الوجادة في كلام أهل العلم.

قال- رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد؛ النكاح والطلاق والرجعة، ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد؛ النكاح والطلاق والرجعة»الحديث فيه كلام لأهل العلم، لكن لا يقل عن درجة الحسن؛ لأن له شواهد.

 قال: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد"، لكن الحاكم كما هو معروف متساهل، متساهل في أحكامه على الرواة وعلى الأحاديث، فلا يقبل تصحيحه هنا؛ لأن الكلام ظاهر في الحديث، لكن ورد ما يشهد له من أحاديث، فيرتقي بها إلى درجة الحسن.

 «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد؛ النكاح والطلاق والرجعة»، فيؤاخذ المكلف بمجرد النطق إذا قال لامرأته: طالق خلاص طلقت؛ لأن اللفظ صريح، لا يحتاج إلى نية، صريح، وليس من الكنايات التي تحتاج إلى نية على ما سيأتي، فبمجرد ما ينطق بهذا اللفظ الصريح يؤاخذ به، وكذلك النكاح لو قال شخص لآخر: زوجتك ابنتي، وقال الآخر: قبلت، ولو كان مازحًا فإنه يثبت به النكاح، والطلاق إذا طلق وقال: كنت مازحًا، فإنه عند المقاضاة يؤاخذ به، ولو قال: سبق لساني إلى اللفظ، كنتُ أريد أن أقول: أنت طاهر، فقلت: أنت طالق، نعم إذا دلت القرائن على إرادة سؤاله عن طهارتها لو دخل على امرأته ووجدها في مصلاها فأراد أن يقول: أنت طاهر، فقال: أنت طالق، أو وجدها تبحث عن المصحف مثلاً فقال لها: أنتِ طالق، ويريد أنت طاهر؛ لأن القرينة ظاهرة في أنه لا يريد ذلك، أما بدون قرائن فإنه يؤاخَذ به، ولو زعم أنه مازحٌ فإنه يؤاخذ به.

 والرجعة أيضًا إذا قال: أرجعتكِ أو أرجعت زوجتي فإنه تثبت الرجعة، ولو كان هازلاً.

 منهم من يرى أن الطلاق لا يثبت مع الهزل، أن الطلاق لا يثبت مع الهزل، وإنما لا بد أن يُقصَد، وإن عزموا الطلاق الله -جل وعلا- يقول: {وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة:227]، إن عزموا وقصدوه فإن الله سميع عليم، فهذا يستدل به من يرى أن الهازل لا يقع طلاقه، لكن المعتمَد عند جمهور أهل العلم استنادًا إلى الحديث، حديث الباب، حديث أبي هريرة أنه يقع طلاقه بمجرد النطق إذا كان نطقه بلفظ صريح.

 وعنه" عن أبي هريرة صحابي الحديث السابق، "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله- عز وجل- تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسَها»"، أو «أنفسُها» يجوز الأمران، «إن الله- عز وجل- تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسَها»، هو يحدث نفسه، النفس مفعول أو نفسُه تحدِّث، فالنفس فاعل، وحديث النفس من باب إضافة الحديث إلى فاعله أو  إلى مفعوله، بناءً على الإعراب في أنفسها، «ما لم تعمل، أو تكلم»، حديث النفس من مراتب القصد الخمس، من مراتب القصد الخمس.

مراتب القصد خمس هاجس ذكروا

 

 

 

 

فخاطر فحديث النفس فاستمعا

 

 

يليه هم فعزم كلها رفعت

 

 

 

إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا

 

 

يعني عندك الهاجس والخاطر وحديث النفس والهم كلها ليس فيها مؤاخذة، ما لم يعمل أو يتكلم، وأما العزم، وأما العزم فإنه فيه المؤاخذة؛ لحديث «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قيل: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه»، مع أن هذا الاستدلال بهذا الحديث فيه ما فيه؛ لأن المقتول عمل أخذ السيف وجرده وأراد أن يقتل.

 «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها» يعني جميع المراتب كلها متجاوَز عنها ما عدا العزم عند جمهور أهل العلم، وبعضهم يلحق به الهم، يلحق به الهم، لكن المعتمد أنه لا مؤاخذة عند جمهور أهل العلم إلا في العزم الذي.. العزم القصد تأكيد، تصميم على فعل المعصية، لكن إن تركها من أجل الله فإنه لا يأثم، بل تُكتَب له حسنة؛ «إنما تركها من جرَّائي»، يعني من أجلي.

 كثير من الناس يسترسل مع هذه الخواطر والهواجس، وتتردد في نفسه، ومنها الطلاق، هل يطلق أو لا يطلق يتردد في نفسه كثيرًا لاسيما مع كثرة المشاكل، لاسيما مع كثرة المشاكل بين الزوجين فإن هذا يتردد في النفس، هل يطلق أو لا يطلق، هل يقع أو لا يقع؟ الحديث يدل على أنه لا يقع ما لم يتكلَّم وينطق أو يعمل، أو يعمل، من أمثلة العمل لو أخذ القلم وكتب الطلاق في ورقة هذا عمل، فيقع طلاقه في الكتابة، أو أشَّر إشارة مفهمة تفهم عنه بأن يقع طلاقه؛ لأنه عمل ما لم تعمل أو تتكلم، فإذا حصل العمل أو الكلام فإنه يؤاخَذ بحديث النفس فإنه يؤاخَذ بحديث النفس، ولا شك أن الاسترسال مع الخواطر والهواجس وما يليها من مراتب القصد وإن كانت في القلب فإنها تضيع على المسلم الكثير مما يطلب منه تجده إذا قام في صلاته تتردد هذه الهواجس والخواطر، وينفتح عليه أبواب، ويسترسل معها حتى إنه يخرج، وليس له من صلاته شيء؛ لأنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، وبعض الناس ترد عليه هذه الأمور فيطردها بسرعة، ويرتاح منها، وبعضهم يسترسل معها، والله المستعان.

 وليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل، فعلى الإنسان أن يتعقَّل في صلاته، يتعقل في تلاوته، يتعقل في عباداته، يجمع همه وعزمه وقلبه على ما هو بصدده، لا يترك للشيطان مجالًا بحيث يضيع عليه ما قام، ما قام من أجله، بعضهم يقول: إن حديث النفس يؤاخَذ به؛ لأنه من عمل القلب، وعمل القلب يؤاخذ به بحيث لو أبطن الكفر كفر ولو لم ينطق به، لو أبطن النفاق نافق، وهكذا، والحسد يؤاخذ عليه، وهو في النفس، لكن هذا كله لا يرد على قول الجمهور؛ لأن هذه الأعمال من أعمال القلوب، الطلاق ليس من أعمال القلوب، الطلاق من أعمال اللسان، فلا يشبه الحسد، وإن قال بعضهم كابن الجوزي: إن الحسد إذا لم ينطق به ولم يسع  إلى الإضرار بالمحسود فيعمل فإنه لا يؤاخذ به. عامة أهل العلم على أن الحاسد يؤاخَذ بمجرد وجود هذه الصفة الذميمة في قلبه؛ لأن الحسد من أعمال القلوب.

 المقصود أن عامة أهل العلم على أن الطلاق مادام يتردد في النفس من غير نطق أو عمل فإنه لا يقع؛ لأن الله تجاوز عن هذه الأمة ما حدثت به أنفسها إلى الغاية المذكورة ما لم تتكلم أو تعمل، والحديث في الصحيحين.

 ثم قال -رحمه الله-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: إذا حرَّم امرأته ليس بشيء"، هذا موقوف على ابن عباس، موقوف صحيح على ابن عباس في صحيح البخاري. "إذا حرَّم امرأته ليس بشيء وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، رواه البخاري.

 ولمسلم: إذا حرَّم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها"، إذا قال: هي عليه حرام، إذا قال: زوجته عليه حرام ليس بشيء على الرواية الأولى، ورواية مسلم قال: "فهي يمين يكفرها"، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [سورة التحريم:1] إلى أن قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [سورة التحريم:2]، فإذا قال: هي عليه حرام، كما جاء في سبب النزول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حرم الجارية، حرم مارية، حرم مارية، وفي السبب الآخر أنه حرم العسل، فإذا حرم ما أحل الله له فالآية دليل على أنه يكفِّر كفارة يمين، ولا يقع الطلاق، قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، النبي -عليه الصلاة والسلام- جعل تحلة هذا التحريم كفارة اليمين، ولأهل العلم فيما إذا قال لزوجته: هي عليه حرام أقوال كثيرة جدًّا، أوصلها القرطبي في تفسيره إلى ثمانية عشر قولاً، إلى ثمانية عشر قولاً.

 فمنهم من يقول: إن هذا ليس بشيء؛ لأن التحريم ليس إليه، التحريم من الله -جل وعلا-، والرواية الأولى إذا حرم امرأته ليس بشيء، ما عليه ولا كفارة، هذا كلام ابن عباس، ولا كفارة، وكون مثل هذا يكفَّر بكفارة يمين كما دلت عليه الآية؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- حلف ما حرم فقط، قرن ذلك باليمين فقال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [سورة التحريم:2]، أما إذا قال: هي عليه حرام، أو العسل حرام، أو اللحم حرام فما عليه شيء ولا كفارة عند هؤلاء، والقول الثاني كما دلت عليه رواية مسلم: "إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها"، وهو ظاهر الاستدلال من قوله- جل وعلا-: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [سورة التحريم:2]، فيكون كفارته كفارة يمين سماه يمينًا، فيكفر بكفارة اليمين، وهي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ثلاث خصال يخير بينها، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.

منهم من يقول: إذا قال هي عليه حرام هذا ظهار والمعروف في المذهب عند الحنابلة أن هذا ظهار يكفَّر بكفارة الظهارة بعتق رقبة أو بصيام إن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا على الترتيب منهم من يقول على حسب نيته ماذا يقصد بهذا التحريم؟ ماذا يقصد بهذا التحريم إن كان يقصد تهديد فكفارة يمين وإن كان يقصد الطلاق فهو طلاق وإن كان يقصد الظهار فهو ظهار وعلى كل حال الآية صريحة في أن مثل هذا الكلام يكفر بكفارة يمين.

 "وعنه -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان»"، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سورة البقرة:286] «قال: قد فعلت»، كما في الحديث الصحيح: «وما استكرهوا عليه»،{إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [سورة النحل:106]، يعني الحديث فيه كلام، قال أبو حاتم: لا يصح، وغيره قال مثل هذا الكلام، لكن شواهده في الكتاب والسنة القطعية يعني في الكتاب {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سورة البقرة:286]، «قال قد فعلت»، «وما استكرهوا عليه» إذا كان الإكراه على الشرك على كلمة الكفر لا يؤاخذ عليه {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[سورة النحل:106]، عامة أهل العلم على أن الطلاق في الخطأ والنسيان وسبق اللسان والإكراه لا يقع.

 وبعض أهل العلم قالوا: إن المكرَه يقع طلاقه؛ لأنه طلَّق قاصدًا للطلاق، قاصدًا للطلاق، لكن الإكراه إذا أكرهه من يقدر على أذاه أكره بشيء يشق عليه بأن كان يضرب مثلاً، أو يهدد بقتل أو بأخذ ماله أو إيذاء ولده، هذه الأمور تبيح له أن ينطق بما لا يعتقد، ومن ذلكم كلمة الكفر شريطة أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان، الإكراه لا شك أنه درجات متفاوتة، درجات متفاوتة، منه الإكراه على شيء يحتمل، يسير، يطيقه ولا يتضرر به كأخذ مال يسير أو ضربة خفيفة أو ما أشبه ذلك، هذا لا يبرر له أن ينطق بكلمة كفر، ولا بطلاق ولا بغيره.

بعض الحكام يُلزِم بأخذ البيعة له أو لولده لاسيما من أهل العلم بالطلاق، بالطلاق وإلا سوف يتعرَّض من أبى للتعذيب أو ما أشبه ذلك، فهذا إكراه، وعند الحنفية أن الإكراه لا أثر له في الطلاق، الطلاق يقع؛ لأنه تلفَّظ به صريحًا قاصدًا له، لكن جمهور أهل العلم إذا كان الإكراه له وقع ممن يقدر عليه، ويغلب على الظن أنه ينفِّذ فإنه يتلفَّظ ولا يضره.

 قال: "رواه ابن ماجه من رواية عطاء عنه" يعني عن ابن عباس، "ورواته صادقون، وقد أُعِلّ، رواته صادقون" يعني ما عُرِف في ألفاظ التعديل عند أهل العلم صادق، ما عرف عندهم كلمة صادق، إنما المعروف صدوق، المعروف عندهم صدوق، قد يقولون: موثَّقون أو موثوقون ويقولون: صدوق، لكن صادق، الصدق وحده لا يكفي في قبول الرواية، الصدق وحده لا يكفي في قبول الرواية؛ لأن الرواية تحتاج إلى ثقة الراوي، وثقة الراوي لا بد فيها من عدالته التي تقتضي أن يكون صادقًا، ومن ضبطه وحفظه؛ لأنه قد يكون صادقًا لكن ليس بضابط، فالثقة مبنية على الأمرين معًا العدالة والضبط.

 "ورواته صادقون، وقد أعل، قال أبو حاتم: لا يصح هذا الحديث، ولا يصح إسناده، لا يصح هذا الحديث، ولا يصح إسناده"، وعرفنا أنه له ما يشهد له في القرآن، يعني يغنينا عنه لو لم يصح مع أنه مصحَّح عند أهل العلم بطرقه، واعتمده أهل العلم، وبنوا عليه الأحكام، بناءً على ما يشهد له، ومن ذلكم ما ذكرنا من الآيات.

 "ورواه الحاكم بنحوه من رواية عطاء عن عبيد بن عمير عنه، وقال :على شرطهما"، الآن العلة التي ذكرت في الحديث في رواية ابن ماجه من رواية عطاء عن ابن عباس، من رواية عطاء عن ابن عباس، وهناك واسطة بين عطاء وابن عباس، وقد أسقطت وبُيِّنَت في رواية الحاكم، لكنه ليس بلفظه، بنحوه، قال: من رواية عطاء عن عبيد بن عمير عنه، يعني عن ابن عباس، ففي سند ابن ماجه سقط، وبهذا السقط أعل الحديث، ومثل ما ذكرنا {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سورة البقرة:286] في الحديث الصحيح: «قال: قد فعلت»، فالخطأ والنسيان مرفوع، وما استكرهوا عليه كذلك، طيب الخطأ والنسيان قتل الخطأ مرفوع أم غير مرفوع؟

ما فيه دية وكفارة كيف أجل، «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان»، يعني رفع عنه الإثم يعني بالنسبة لحقوق الله -جل وعلا- ما فيه، الحديث مطابق بالنسبة لحقوق الآدميين، يرتفع الإثم إذا لم يقصد، وإنما أخطأ أو نسي، لكن الآثار تترتب عليه من باب ربط الأسباب بالمسبَّبات، فيكون من باب الأحكام الوضعية، لا من الأحكام التكليفي،ة النائم مرفوع عنه القلم، لكن لو نام في مكان، وانقلب على يمينه أو شماله فبجواره شيء ثمين، فضربه برجله فانكسر يضمن، يضمن، كما تُضمَن البهيمة، كما تُضمَن جناية البهيمة فهو من باب ربط الأسباب بالمسببات، لا من باب الأحكام التكليفية، فهو حكم وضعي، فكون قاتل الخطأ يحمل دية أو كفارة لا يعني لا يعارض هذا الرفع، وكذلك الناسي، والنسيان عند أهل العلم ينزِّل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، هذا نسي ما توضأ وصلى بغير طهارة ناسيًا، واستدل بهذا الحديث: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان»، نقول له: أعد، يقول: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان» نقول: لا، النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، فعليك أن تتوضأ وتصلي، وقل مثل هذا فيما لو نقص ركعة صلى الظهر ثلاثًا قلنا: لا بد أن تأتي بهذه الركعة قال: ناسي قلنا: لا بد أن تأتي بهذه الركعة؛ لأن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، يعني لو زاد خامسة ما قلنا له: أعد الصلاة؛ لأنها في حكم العدم، وإذا نقص الرابعة قلنا له: لا بد أن تأتي بها، ولا ينزِّل المعدوم منزلة الموجود.

 "وعن عائشة أن ابنة الجَوْن لما أدخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك، قال لها: «لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلكِ»، رواه البخاري، «الحقي بأهلكِ»، رواه البخاري".

 ظاهر هذه الرواية أنها أُدخِلت عليه -عليه الصلاة والسلام-، ودنا منها، قَرُب منها، وأراد أن يضع يده عليها، ظاهر هذه الرواية وهي في البخاري أنه عقد عليها، أنه تم العقد عليها، وفي بعض الروايات أن أباها ذكرها له -عليه الصلاة والسلام-، فذهب ليخطبها فقالت: هل المَلِكَة تصلح للسوقة؟ تعني النبي -عليه الصلاة والسلام-، "أعوذ بالله منك، قال: «لقد عذت بعظيم»"، هذا يدل على أن الحادثة قبل العقد عليها، والحديث الذي معنا وهو في البخاري: "لما أُدخلت، لما أدخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك فقال لها: «لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلكِ» رواه البخاري".

 بعضهم يقول في بعض سياق الحديث: إن النساء لما رأينها ورأين من جمالها قلن لها: لن تكون حظيَّة عنده -عليه الصلاة والسلام- حتى تقولي: أعوذ بالله منك، لن تكوني حظيَّة عنده حتى تقولي: أعوذ بالله منك، فقالت هذه الكلمة، غُرَّت بذلك فقال: «لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك»، وهذه من كنايات الطلاق، الحقي بأهلك، هذه من كنايات الطلاق، فيقع الطلاق بها إذا قصد، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال لها ذلك كان قاصدًا به الطلاق لاسيما وقد استعاذت بالله منه، وأما كعب بن مالك لما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: «اعتزل امرأتك» قال لها: الحقي بأهلكِ، لم يقع طلاق؛ لأنه ما قصد طلاقًا، يعتزل أهله حتى يحكم الله له، وهو خير الحاكمين، ولما انتهت الخمسون يومًا وتاب الله عليهم ردَّها، فمثل هذا اللفظ كناية، وليس بصريح في الطلاق، فإن قصده كما في حديث الباب حصل الطلاق؛ لأنه لم يذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صرح بطلاقها، وإن أجاب بعضهم بأن هذا قبل العقد، كما في الرواية الأخرى. وعلى كل حال الكنايات عند أهل العلم لا بد فيها معها من النية، ولا يكفي مجرد التلفظ بخلاف اللفظ الصريح.

 قال- رحمه الله-: "وعن جابر -رضي الله عنه– قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا طلاق إلا بعد نكاح، لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد مِلْك، لا طلاق إلا بعد نكاح» رواه أبو داود الطيالسي وأبو يعلى وهذا لفظه، والحاكم وصححه، وله علة" قالوا: إن هذه العلة؛ لأن ابن أبي ذئب لم يسمعه من عطاء، بل سمعه ممن سمعه منه، ولكن له شواهد من حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود والترمذي وأحمد في المسند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، وهو أصح ما جاء في هذا الباب، كما قال البخاري، وله شاهد أيضًا عن المسور بن مخرمة عند ابن ماجه، وبهذا يكون الحديث صحيحًا لغيره وإلا مجرد الرواية الأولى التي عند أبي داود الطيالسي وأبي يعلى الموصلي فيها الانقطاع؛ لأن ابن أبي ذئب لم يسمعه من عطاء، وإنما سمعه من رجل لم يسمه.

 البخاري- رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه لا طلاق قبل نكاح، لا طلاق قبل نكاح، وعلَّق فيه عن علي -رضي الله عنه- وابن عباس من قولهما، ولم يذكر فيه حديثًا مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يعني أنه يضعِّف كل ما جاء في الباب؛ لأن التضعيف شيء، وكونه يخرج في صحيحه شيئًا لا ينطبق عليه شرطه شيء آخر، فلم يقف على شيء ينطبق عليه شرطه، وقال في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إنه أصح شيء في هذا الباب علمًا بأن كلمة أصح، وهي أفعل التفضيل لا تقتضي الصحة؛ لأن أهل الحديث يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها، فإذا كان أمثل حديث في الباب ولو لم يكن صحيحًا قالوا: أصح، وإذا كان أضعف أو أقل ما في الباب ولو كان صحيحًا قالوا: أضعف، فيمكن أن يقال: نافع أضعف من سالم، يمكن، وكلاهما في أعلى درجات التوثيق؛ لأن أفعل التفضيل ليست على بابها، ويمكن أن يقال: ابن لهيعة أوثق من الإفريقي، ممكن، وكلاهما ضعيف؛ لأن أفعل التفضيل ليست على بابها عند أهل العلم، فلا يلزم من قول البخاري: أصح إلا أنه يعني أجود ما في الباب، ولذا ما ذكر حديثًا مرفوعًا، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ليس من شرطه.

 «لا طلاق إلا بعد نكاح» يعني قبل أن يعقد على المرأة لا يصح طلاقه سواء كان مطلقًا أو مقيَّدًا سواء قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، أو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق؛ لأنه لا يصادف محلًّا؛ لأن الطلاق حال اللفظ لا يصادف محلاًّ.

 ومنهم من يفرق بين العام والخاص إذا قال: كل زوجة أتزوجها فهي طالق معناه أنه سد على نفسه باب النكاح، فلا يقع، وإذا قال: إن تزوجت فلانة فغيرها كثير منهم من يفرق، والأصل لا طلاق إلا بعد نكاح؛ لأنه لا يصادف محلاًّ.

 ولا عتق، لو قال: عبد فلان حر، يملك؟ أو زوجة فلان طالق لا يملك، هذا متفق عليه، ولو قال: إن اشتريت عبد فلان فهو حر، كذلك لا يقع إلا بعد ملك، كما نص في الحديث.

نعم.

 "وعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رفع القلم عن ثلاث»" عن ثلاث أو عن ثلاثة؟ عن ثلاث أم عن ثلاثة؟

طالب: ..........

نعم.

طالب: .............

ثلاث نساء أم ثلاثة رجال؟

طالب: .............

لا هذا ولا هذا أعم يُقصد به الرجال والنساء، وإذا لم يُذكَر المميز فإنه يصح التذكير والتأنيث، «من صام رمضان وأتبعه ستًّا»، والمقصود أيام من شوال؛ لأنه لم تذكر الأيام، فلا مانع من التذكير والتأنيث.

 «عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ، عن النائم حتى يستيقظ، والصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يُفِيْق».

 رفع القلم عن الصغير، ولم يجرِ عليه قلم التكليف بمعنى أنه لا يُكتَب عليه شيء، لا أنه رفع بعد أن وضع، والنائم يرفع بعد أن وضع عليه، يختلف هذا عن هذا، والمجنون الذي من أصله مجنون هو مثل الصبي الصغير لم يجر عليه قلم التكليف حتى يُرفَع، وإنما المقصود به أنه لا يُكتَب عليه شيء، وعن المجنون حتى يعقل أو يُفِيْق.

 «النائم حتى يستيقظ»، والمقصود به المستغرق الذي لا يعلم ما يدور حوله بحيث يفوته، بحيث يفوته ما أُمِرَ به حال نومه لا يُكتَب عليه إثم إلا إذا فرط؛ لأنه بإمكانه أن يستيقظ، ولم يفعل، لم يرصد أحدًا يوقظه، ولا ركب منبهًا ولا شيئًا، هذا لا شك أنه يأثم؛ لأنه فرط؛ لأن هذه أمور واجبة؛ لأنها مما لا يتم الواجب إلا بها، فهي واجبة.

 النبي -عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاة الصبح بعد أن وكل الإيقاظ إلى بلال، فعل السبب ونام حتى أيقظهم حر الشمس، مادام السبب مبذولاً فإنه لا يأثم، رُفِع عنه القلم، «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك»، ومعلوم أن بذل السبب واجب؛ لأنه لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب فعليه أن يكل الأمر إلى من يوقظه أو يركب منبهًا أو ما أشبه ذلك مما تجري العادة باستيقاظه به.

 «والصغير حتى يكبر، والصغير حتى يكبر»، ومراد المؤلف من إيراد هذا الحديث أن النائم لا يقع منه طلاق ولو تكلم به بعض الناس إذا نام، إذا نام بعض الناس يتكلم بكلام كثير ومنتظم كأنه مستيقظ، كأنه مستيقظ، شخص من الأشخاص تزوج بزوجة ثانية وجحد عن زوجته ومن شدة حرصه على عدم علمها بالزوجة الثانية يعني اهتم اهتمامًا بالغًا لهذا الأمر فنطق به وهو نائم، فلما استيقظ وجد المرأة خارج البيت من شدة حرصه، فكثير من هذا الكلام إنما يحصل من شدة الحرص عليه.

 المقصود أن النائم لا يقع طلاقه، ولو صرَّح به؛ لأنه رُفِع القلم  عنه، والصغير حتى يكبر، كذلك الصبي لا يقع طلاقه غير المميِّز متفق عليه، والمميِّز محل خلاف بين أهل العلم، لكن عموم الحديث يشمل المميز ما لم يقع عليه قلم التكليف.

 «وعن المجنون حتى يعقل» وعن المجنون حتى يعقل، المجنون رفع عنه القلم، والعقل هو مناط التكليف، هو مناط التكليف، فإذا وجد كلف، وإذا ارتفع رفع عنه التكليف؛ ليشمل الجنون المطبِق والمتقطِّع، فالجنون المطبِق مرفوع باستمرار حتى يمن الله عليه بالشفاء، والجنون المتقطع الذي ينتابه وقتًا دون وقت فإنه إذا عقل يؤاخَذ.

 قال: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والحاكم، وقال البخاري: وقال عثمان ليس لمجنون ولا لسكران طلاق"، فالسكران ملحَق بالمجنون على قول عثمان- رضي الله عنه-. "وقال ابن عباس: طلاق المجنون" والذي يدل عليه الحديث "والمستكرَه ليس بجائز"، «وما استكرهوا عليه» في الحديث الماضي، "وقال علي: كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه" العته نوع من الجنون إلا أنه أخف بحيث لا يعتدي على الناس، مسالم، لكن العقل زائل، طلاق المعتوه. "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه.

 وقال ابن عباس: الطلاق عن وَطَر" يعني عن قضاء الشهوة، بيد من يقضي شهوته، إنما الطلاق لمن أخذ بالساق.

 "والعتاق ما أريد به وجه الله، والعتاق ما أريد به وجه الله" يعني الأجر المرتب عليه إذا أريد به وجه الله من أعتق رياءً مثلاً لا يؤجر على هذا العتق، وأجر العتق عظيم يُعتَق به من النار إذا كان ذكرًا وإن كانتا امرأتين أعتق بهما من النار.

 المقصود أن طلاق السكران هنا نقل عن عثمان -رضي الله عنه- أنه لا يقع؛ لأنه ملحق بالمجنون؛ لزوال عقله، وجمهور أهل العلم على أنه يقع؛ لأن زوال عقله بسببه، بسببه، فيعاقب بفوات زوجته، والجواب عن هذا عند من يقول بأنه يقع يقول: السكر له حد، ولا يجوز أن يتجاوز به الحد وتعدي الأثر إلى غير السكران من زوجته وأولاده وما أشبهه يتضررون، هذا زيادة في الحد عليه، فالمرجح عند جمع من المحققين أن طلاق السكران لا يقع؛ لأن السكر شيء له حده في الشرع، ولا يجوز أن يزاد عليه.

 وقال: ولا لسكران طلاق، ليس لمجنون ولا لسكران طلاق، النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث ماعز لما جاءه واعترف عنده بالزنا وقرره طول معه قال له: «أشربت خمرًا قال له: أبك جنون؟» قال: لا، وسأل عنه قومه قالوا: ما علمنا إلا أنه وَفِيُّ، وَفِيُّ العقل من صالحينا، يعني ليس بمجنون، ثم قال: «أشربت؟»؟ كل هذا؛ ليدرأ عنه الحد، هذا رجل صالح قدَّم نفسه، مثل هذا يدرأ عنه، أما من تتابع..

في حديث ماعز حينما زنا وجاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مقدِّمًا نفسه لإقامة الحد، إقامة الحد عليه حصلت له محاورة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، واستثبات منه -عليه الصلاة والسلام- من حاله، من عقله، من كيفية الفعل، هل هو حقيقي أو دونه، فلما انتفت جميع الشبه عنه أمر برجمه إلى أن قال له -عليه الصلاة والسلام-: «هل شربت خمرًا؟» قال: لا، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «استنكهوه، استنكهوه» يعني شموه إن كانت فيه رائحة الخمر، كل هذا من أجل أن يدرأ عنه الحد، فدل على أن الشرب له أثر في العقل، وهذا واضح {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} [سورة النساء:43].

 والمقصود أنه إذا سكر زال عقله، وإذا زال عقله ارتفع عنه التكليف كالمجنون، وهذه حجة من يقول: إنه لا يقع طلاقه، لا يقع طلاقه، وأما من يقول: إنه يقع، وهو أكثر أهل العلم قالوا: إن هذا هو تسبب في رفع عقله؛ ليرتفع التكليف عنه، فلا يرتفع، بل يعاقَب بنقيض قصده، ويشدَّد ويغلَّظ عليه؛ لأنه وقع منه ذلك بسببه، وحينئذ يكون وقوع الطلاق عليه ليس من أحكام التكليف، وإنما يكون من باب ربط الأسباب بالمسبَّبات، فيكون حكمًا وضعيًّا، هو الذي تسبب، فيتحمل كما لو تسبب في إتلاف مال أو كسر أو عيب سلعة، فتلحقه الديات وأروش الجنايات، وهذا منه من باب ربط الأسباب بالمسببات، وهو بصدد أن يشدد عليه، لا أن يخفَّف عنه.

 والذين يقولون: إنه لا يقع قالوا: يكفيه الحد كما جاء في الحديث: «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد، ولا يثرِّب عليها»، فليجلده الحد، يكفي الحد، ولا يزد على ذلك، ولو بالكلام، ولو بالكلام، لما جيء بشارب الخمر وحُد قال رجل: لعنه ما أكثر ما يؤتى به، قال: «لا تكن عونًا للشيطان على أخيك»، خلاص المسألة حد وانتهى، والحدود كفارات، فيكفيه الحد.