التعليق على تفسير القرطبي - سورة السجدة (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سورة السجدة.

طالب: ...........

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 قال الإمام المؤلف -رحمه الله-: "قال الله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}[السجدة:15]. هَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْ أَنَّهُمْ لِإِلْفِهِمُ الْكُفْرَ لَا يُؤْمِنُونَ بِكَ، إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِكَ وَبِالْقُرْآنِ الْمُتَدَبِّرُونَ لَهُ وَالْمُتَّعِظُونَ بِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ خَرُّوا سُجَّدًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رُكَّعًا. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى الرُّكُوعَ عِنْدَ قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}[ص: 24]. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ السُّجُودُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ".

القول الذي أشار إليه قولٌ شاذ يعني لا يعرف عن أحد ممن يُعتد بقوله من أهل العلم، إلا ما ذكر عن ابن عباس، لكنه ما من أحدٍ يسمي هذه الآيات آيات ركوع، وإنما هي آيات السجود، سجدات القرآن معروفة، هو يمكن أن يقال في قوله –جل وعلا-: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} المراد بالركوع هنا السجود لا العكس، يعني القائل يريد أن يجعل جميع آيات السجود ركوعًا، بناءً على آيات "ص"، وأهل العلم يجعلونها سجودًا حتى آيات "ص"، وتأويل آية أسهل من تأويل خمس عشرة آية أو أربع عشرة آية، القائل على هذا القول أو قائل هذا القول يريد أن يجعل آيات السجود كلها آيات ركوع؛ من أجل آية "ص"، مع أن تأويل آية وحمل الركوع على السجود، وكما جاء في الصحيح تفسير الصحابي «من أدرك ركعة»، وفي رواية و«من أدرك سجدة» قال: والسجدة إنما هي الركعة، أو الركعة، أو السجدة إنما هي الركعة، فينوب أحدهما عن الأخر، لكن أولاً لندرة القائل بهذا القول، وأنه لا يُعرف عمن يُعتد بقوله إلا ما يُذكَر عن ابن عباس، ولا أدري عن صحته.

 الأمر الثاني: أن تأويل آية واحدة، وحمل الركوع فيها على السجود أسهل من تأويل أربع عشرة آية وحمل السجود فيها على الركوع.

على أن السجود أبلغ في التعظيم، يعني الركوع لله –جل وعلا- شأنه عظيم، ويُعظَّم فيه الرب، لكن السجود أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فهو أبلغ في التعظيم.     

"وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ السُّجُودُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، أَيْ خَرُّوا سُجَّدًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى وُجُوهِهِمْ تَعْظِيمًا لِآيَاتِهِ وَخَوْفًا مِنْ سَطْوَتِهِ وَعَذَابِهِ. وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أَيْ خَلَطُوا التَّسْبِيحَ بِالْحَمْدِ، أَيْ نَزَّهُوهُ وَحَمِدُوهُ، فَقَالُوا فِي سُجُودِهِمْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ، أَيْ تَنْزِيهًا لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أَيْ صَلَّوْا حَمْدًا لِرَبِّهِمْ".

نعم؛ لأن الصلاة يطلق عليها السُبحة؛ لأن الصلاة يطلق عليها السُبحة، كثيرًا ما يأتي الصلاة يُعبَّر عنها بالتسبيح.

"وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ. النَّقَّاشُ: لَا يَسْتَكْبِرُونَ كَمَا اسْتَكْبَرَ أَهْلُ مَكَّةَ عَنِ السُّجُودِ".

يعني النقاش قال: لَا يَسْتَكْبِرُونَ كَمَا اسْتَكْبَرَ أَهْلُ مَكَّةَ، قال النقاش، يحذف القول، جرت عادته بحذف القول.

"قاله يحيى بن النقاش".

قال يحيى بن سلام انتهى.

"قال النَّقَّاشُ: لَا يَسْتَكْبِرُونَ كَمَا اسْتَكْبَرَ أَهْلُ مَكَّةَ عَنِ السُّجُودِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[السجدة:16]، قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} أَيْ تَرْتَفِعُ وَتَنْبُو عَنْ مَوَاضِعِ الِاضْطِجَاعِ. وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ مُتَجَافِيَةً جُنُوبُهُمْ. وَالْمَضَاجِعُ جَمْعُ مَضْجَعٍ".

{تَتَجَافَى}: هذه الجملة جاءت لبيان هيئة الذين إذا ذُكِّروا وهو معرفة، والجمل بعد المعارف أحوال، لكن باعتبار أنها بينت هيئته اسم موصول الذين إذا ذكروا، واسم الموصول من صيغ العموم، فيمكن أن نحتاج إلى وصف، ولذا قال جمع من أهل العلم: إنها صفة.

"وَالْمَضَاجِعُ جَمْعُ مَضْجَعٍ، وَهِيَ مَوَاضِعُ النَّوْمِ. وَيَحْتَمِلُ عَنْ وَقْتِ الِاضْطِجَاعِ، وَلَكِنَّهُ مَجَازٌ، وَالْحَقِيقَةُ أَوْلَى. وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ:

وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ

إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الصُّبْحِ سَاطِعُ

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ

إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ"

الْمَضَاجِعُ: جمع مضجَع، ومضجَع مفعل، يطلق على مكان الاضجاع، وعلى زمانه، لكنه بالمكان ألصق.

"قَالَ الزَّجَّاجُ وَالرُّمَّانِيُّ: التَّجَافِي التَّنَحِّي إِلَى جِهَةٍ فَوْقَ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الصَّفْحِ عَنِ الْمُخْطِئِ فِي سَبٍّ وَنَحْوِهِ. وَالْجُنُوبُ جَمْعُ جَنْبٍ. وَفِيمَا تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ لِأَجْلِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، إِمَّا فِي صَلَاةٍ وَإِمَّا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ.

الثَّانِي: لِلصَّلَاةِ. وَفِي الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ لِأَجْلِهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: التَّنَفُّلُ بِاللَّيْلِ، قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْمَدْحُ".

نعم؛ لأنه قدرٌ زائد على ما افترض الله على المسلم، قدرٌ زائد على ما افترض الله على المسلم؛ لأن الفرائض يؤديها كل من ينتسب إلى الإسلام، يصلى العشاء في جماعة، يصلي الصبح في جماعة هذا هو الأصل في المسلم، لكن القدر الزائد على ذلك لاسيما بعد الإخلاد إلى الراحة والنوم، فهذا الذي يحصل فيه مجاهدة النفس التي من أجلها يُمدح ويُحمد الإنسان.

"وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}؛ لِأَنَّهُمْ جُوزُوا عَلَى مَا أَخْفَوْا بِمَا خَفِيَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ".

الجزاء من جنس العمل يعني الصلاة مع الجماعة هذا ليس بأمرٍ خفي، وإنما هو ظاهر، هذا ظاهر، لكن الصلاة في جوف الليل، ومجافاة الجنب من أجلها، هذه أمور خفية يحتاجون إلى جزاء خفي؛ لأن الجزاء من جنس العمل.

"وَفِي قِيَامِ اللَّيْلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ قَالَ: ثُمَّ تَلَا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حَتَّى بَلَغَ{يَعْمَلُونَ}» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

الثَّانِي: صَلَاةُ الْعِشَاءِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا الْعَتَمَةُ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} نَزَلَتْ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةَ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ".

وصلاة العشاء انتظارها لا شك أنه يحتاج إلى جهاد، لاسيما مع العمل والجهد في النهار، النهار محل العمل، والجد، والكد، مثل هذا لا شك أن من ينتظر صلاة العشاء يجاهد نفسه؛ لأنه بعد أن يترك العمل بغروب الشمس، وينتظر الصلاة، وأحيانًا تغلبه عينه، فيجاهدها إلى أن يؤدي الصلاة، هذا لا شك أنه نوع من الجهاد، لكن المتجه في هذه المسألة أن المراد به قيام الليل. 

"الثَّالِثُ: التَّنَفُّلُ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} قَالَ: كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ ما بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.

الرَّابِعُ: قَالَ الضَّحَّاكُ".

ورد في أحاديث ضعيفة أن من صلى اثنتي عشرة ركعة، صلى ست ركعات، صلى ثمان ركعات، كلها فيها أحاديث لا تثبت، إنما الثابت فيها إضافة إلى الفريضة الرواتب، وماعدا ذلك فهو نفلٌ مطلق، له أجره عند الله –جل وعلا- من غير تحديد.

"الرَّابِعُ".

طالب:.............

لا، ما يفصل عن صلاة التسابيح، غيرها، لكن من صلى اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعشاء كان له كذا، هذا ضعيف جدًّا.

"الرَّابِعُ: قَالَ الضَّحَّاكُ: تَجَافِي الْجَنْبِ".

لكن ما يُمنع أن يكون هذا الوقت وقت غفلة مثلاً، أو بعد صلاة الظهر وقت غفلة من الناس، الناس في أعمالهم، ووظائفهم، ومدارسهم، يعمد الإنسان إلى أن يصلي ما كتب الله له، يُؤجَر عليه أجر عظيم لاسيما أوقات الغفلات، فهذا وقت غفلة يُؤجر عليه، لكن من غير تحديد للأجر ومن غير تحديد لقدر الصلاة؛ لأن هذا لم يرد به خبرٍ ثابت.

"الرَّابِعُ: قَالَ الضَّحَّاكُ: تَجَافِي الْجَنْبِ هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ. وَقَالَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةُ.

قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، وَهُوَ يَجْمَعُ الْأَقْوَالَ بِالْمَعْنَى. وَذَلِكَ أَنَّ مُنْتَظِرَ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي صَلَاةٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ -جَلَّ وَعَزَّ-، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ»".

هذا إذا كان ينتظر الصلاة، لا شك أنه في صلاة، يعني إذا تقدم إلى أو جلس بعد صلاة المغرب ينتظر العشاء، هذا الرباط كما جاء في الحديث الصحيح، لكن لا يطلق القول بأن المراد به صلاة العشاء في جماعة، والصبح في جماعة لعموم الناس الذين لا يحضرون إلى الصلاة إلا مع الإقامة، أو بعد النداء.

" وَقَالَ أَنَسٌ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ انْتِظَارُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُؤَخِّرُهَا إِلَى نَحْوِ ثُلُثِ اللَّيْلِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ يَنَامُونَ مِنْ أَوَّلِ الْغُرُوبِ، وَمِنْ أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ الْإِنْسَانُ".

لأنه ليس عندهم شيء ينظمون به أوقاتهم، إن شاء نام أول النهار، إن شاء نام أول الليل، إن شاء نام في أثنائه، في آخره، ليس عندهم شيء ينظمون به أوقاتهم، بهذا تضيع الأوقات هدرًا، بخلاف المسلمين الذين عندهم هذه الصلوات الخمس التي يجب عليهم حضورها، ولا يجوز لهم النوم في أوقاتها، هذه تنظِّم أوقات المسلم، كان المشركون ينامون إذا غربت الشمس، ومن أي وقتٍ شاء، قد يسهر الليل، وقد ينام من أول الليل، وقد يضطرب نومه، فينام ساعة ثم ينتبه، وهكذا.

 المقصود أن الصلاة من فوائدها العظيمة ترتيب وقت المسلم، والإفادة من وقته، إذا كان العمل مربوطًا بوقت صلاة؛ فإنه حينئذٍ ينتظم، ولذلك المواعيد المنتظمة هي التي تُربط بعد الصلوات، مربوطة بصلاة المغرب، صلاة العشاء، صلاة الظهر هذه تنتظم، أما المواعيد التي لا تُربط بصلاة فإنها في الغالب لا تنتظم، ويضيع من الوقت أكثر مما يستحقه العمل؛ يعني لو قلت  لشخص: تأتيني الساعة العاشرة مثلاً، وقبل الساعة العاشرة عنده ساعة ونصف ينتظر هذا الموعد، ويضيع عليه، وبعد الساعة العاشرة ما يدري متى ينتهي الوقت، لكن لو قلت: بين صلاة المغرب والعشاء انتهى الإشكال، صلى معك المغرب، وتقضون الحاجة بينكما المتفق عليها، ثم بعد ذلك إذا أُذِّن للعشاء انتهى الوقت، وهذا وقت محدد ومضبوط ومتقن، بخلاف الضياع الذي يعيشه غير المسلمين.

 مع الأسف أن المسلمين مع وجود هذا المنظّم لأوقاتهم أكثر أوقاتهم تضيع هدرًا، والكفار على أنهم لا يوجد عندهم مثل هذه الصلوات التي تنظِّم الأوقات يضبطون أوقاتهم. وهذا راجع إلى الناس أنفسهم، يعني طبائع الناس المسلمون جُل وقتهم ضياع ولهو وغفلة، لاسيما في العصور المتأخرة، وأولئك حرصوا على أمور دنياهم، فضبطوا وقتهم، وإلا فالأصل أن المسلم هو الذي يضبط وقته بخلاف الكافر.

"قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ يَنَامُونَ مِنْ أَوَّلِ الْغُرُوبِ وَمِنْ أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ الْإِنْسَانُ، فَجَاءَ انْتِظَارُ وَقْتِ الْعِشَاءِ غَرِيبًا شَاقًّا. وَمُصَلِّي الصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ لَاسِيَّمَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، كَمَا كَانَ- عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ- يُصَلِّيهَا".

نعم كان يصليها بغلس، ينصرف الواحد لا يعرف جليسه بما جلس.

"وَالْعَادَةُ أَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ يَقُومُ سَحَرًا يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي وَيَذْكُرُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَقَدْ حَصَلَ التَّجَافِي أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهَ. يَزِيدُ هَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ»، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ».

وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ (النُّورِ) عَنْ كَعْبٍ فِيمَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كُنَّ لَهُ بِمَنْزِلَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ".

مخرج؟

طالب: من يصلي المغرب ويحضر الدرس هل تُحسب له نية انتظار الصلاة؟

نعم.

طالب: ...........

كيف؟

طالب: ...........

إذا استصحبها من أول أمره، يعني إذا قال: أنتظم في هذا الدرس، ولو لم يكن لي من ذلك إلا انتظار الصلاة حُسِب له استصحاب النية العامة.

طالب: ويُحسب أيضًا رباطًا؟

 يُحسب رباطًا، فضل الله واسع.  

طالب:..........

كلاهما، يعني مثل من «صلى على جنازة فله قيراط، ومن شهد حتى تُدفَن فله قيراط»، هما الاثنان وأمثال هذا.

"وَجَاءَتْ آثَارٌ حِسَانٌ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ. ذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَوِ ابْنُ أَبِي الْحَجَّاجِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الْكَرِيمِ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ رَكَعَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بُنِيَ لَهُ قَصْرٌ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِذًا تَكْثُرُ قُصُورُنَا وَبُيُوتُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَفْضَلُ -أَوْ قَالَ- أَطْيَبُ»".

في رواية أكثر، والله أكثر، يعني أكثر ثوبًا وأعظم أجرًا. لكن الخبر في

طالب:..........

نعم.

"وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ: «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ الْخَلْوَةُ الَّتِي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ حَتَّى تَثُوبَ النَّاسُ إِلَى الصَّلَاةِ». وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّي فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَيَقُولُ: «صَلَاةُ الْغَفْلَةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»".

المعروف يعني ما هو أقوى من هذا أن صلاة الأوابين إذا أرمضت الفصال؛ لأن صلاة الضحى المتأخر اشتدت حرارة الشمس.

"وَيَقُولُ: «صَلَاةُ الْغَفْلَةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ. وَرَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ جَفَتْ جَنْبَاهُ عَنِ الْمَضَاجِعِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بُنِيَ لَهُ قَصْرَانِ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةَ عَامٍ، وَفِيهِمَا مِنَ الشَّجَرِ مَا لَوْ نَزَلَهَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَأَوْسَعَتْهُمْ فَاكِهَةً".

طالب:...........

"وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَغَفْلَةُ الْغَافِلِينَ. وَإِنَّ مِنَ الدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ الَّذِي لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ».

فَصْلٌ: فِي فَضْلِ التَّجَافِي:

 ذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ، لِيَقُمِ الْحَامِدُونَ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ. ثُمَّ يُنَادِي ثَانِيَةً: سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ جُنُوبُهُمْ تَتَجَافَى عَنِ الْمَضَاجِعِ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. قَالَ: فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ. قَالَ: ثُمَّ يُنَادِي ثَالِثَةً: سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانُوا {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور:37]، فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ.

 ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَاءَ مُنَادٍ فَنَادَى بِصَوْتٍ تَسْمَعُهُ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ: سَيَعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ الْيَوْمَ مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ، فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ يُنَادِي الثَّانِيَةَ سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ، لِيَقُمِ الَّذِينَ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَيَقُومُونَ، ثُمَّ يُنَادِي الثَّالِثَةَ سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ، لِيَقُمِ الْحَامِدُونَ لِلَّهِ".

ليقم كلها مكسورة؛ لالتقاء الساكنين.

"لِيَقُمِ الْحَامِدُونَ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ فَيُسَرَّحُونَ جَمِيعًا إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَاسَبُ سَائِرُ النَّاسِ»".

واضح ضعفه.

طالب: ...........

لحظة.

طالب:...........

"وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ اللَّهُ بِهِمْ: رَجُلٌ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ وَتَرَكَ فِرَاشَهُ وَدِفْأَهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: (مَا حَمَلَ عَبْدِي عَلَى مَا صَنَعَ؟) فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، فَيَقُولُ: (أَنَا أَعْلَمُ بِهِ، وَلَكِنْ أَخْبِرُونِي)، فَيَقُولُونَ: رَجَّيْتَهُ شَيْئًا فَرَجَاهُ وَخَوَّفْتَهُ فَخَافَهُ. فَيَقُولُ: (أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَمَّنْتُهُ مِمَّا خَافَ وَأَوْجَبْتُ لَهُ مَا رَجَاهُ) قَالَ: وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ، فَلَقِيَ الْعَدُوَّ فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ وَثَبَتَ هُوَ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ مِثْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَرَجُلٌ سَرَى فِي لَيْلَةٍ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَنَامَ أَصْحَابُهُ وَقَامَ هُوَ يُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ.. وَذَكَرَ الْقِصَّةَ»".

طالب:...........

مرفوع، هذا له حكم الرفع، لا بد أن يخرج مثل هذا الخبر له حكم الرفع.

طالب:..........

لأنه له حكم الرفع.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ دَاعِينَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً مُسْتَأْنَفَةً، أَيْ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ وَهُمْ أَيْضًا فِي كُلِّ حَالٍ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ لَيْلَهُمْ وَنَهَارَهُمْ. وَ{خَوْفًا} مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا. وَ{طَمَعًا} مِثْلُهُ، أَيْ خَوْفًا مِنَ الْعَذَابِ، وَطَمَعًا فِي الثَّوَابِ.

{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} تَكُونُ (مَا) بِمَعْنَى الَّذِي وَتَكُونُ مَصْدَرًا، وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُنْفَصِلَةً مِنْ (مِنْ)، وَ{يُنْفِقُونَ}".

لكنها في الرسم متصلة بها {مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} من الذي رزقناهم، أو من رزقهم الذي رزقناهم إياه سواء كانت موصولة، أو مصدرية، وعلى هذا ينبغي أن تُكتب منفصلة من، وإلا فإنها في الرسم كتبت متصلة، ولكنها في الإملاء منفصلة.

"وَ{يُنْفِقُونَ} قِيلَ: مَعْنَاهُ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ. وَقِيلَ: النَّوَافِلُ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَمْدَحُ".

نعم؛ لأن الذي يجود بالنوافل والصدقات غير الواجبة فلا شك أنه بالواجب أجود، وحينها يكون أمدح.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:17].

قَرَأَ حَمْزَةُ: (مَا أُخْفِي لَهُمْ) بِإِسْكَانِ الْيَاءِ. وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ "مَا نُخْفِي" بِالنُّونِ مَضْمُومَةً".

وهي بمعناها {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} هذا كلام الله -جل وعلا- هو الذي يقول: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ} ما الذي أخفيه لهم. نعم تؤيدها قراءة {مَا نُخْفِي}.

"وَرَوَى الْمُفَضَّلُ عَنِ الْأَعْمَشِ {مَا يُخْفَى لَهُمْ} بِالْيَاءِ الْمَضْمُومَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ: {مِنْ قُرَّاتِ أَعْيُنٍ}. فَمَنْ أَسْكَنَ الْيَاءَ مِنْ قَوْلِهِ: {مَا أُخْفِي} فَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ".

مستقبل أخفي فعل مضارع.

"وَأَلِفُهُ أَلِفُ الْمُتَكَلِّمِ. وَ{مَا} فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ{أُخْفِيَ} وَهِيَ اسْتِفْهَامٌ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَ الْمَفْعُولَيْنِ، وَالضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى {مَا} مَحْذُوفٌ. وَمَنْ فَتَحَ الْيَاءَ فَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ".

نعم {أُخْفِيَ}.

"وَ{مَا} فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ أُخْفِيَ وَمَا بَعْدَهُ، وَالضَّمِيرُ فِي {أُخْفِيَ} عَائِدٌ عَلَى مَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَيُقْرَأُ {مَا أَخْفَى لَهُمْ} بِمَعْنَى مَا أَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ، وَهِيَ قِرَاءَةُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَ{مَا} فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. قال الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ قَرَأَ: {قُرَّاتِ أَعْيُنٍ} فَهُوَ جَمْعُ قُرَّةٍ، وَحَسُنَ الْجَمْعُ فِيهِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى جَمْعٍ، وَالْإِفْرَادُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْجِنْسِ".

نعم. المصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة، فلا يضر إفراده.

"وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّ تَاءَ قُرَّةٍ تُكْتَبُ تَاءً عَلَى لُغَةِ مَنْ يُجْرِي الْوَصْلَ عَلَى الْوَقْفِ، كَمَا كَتَبُوا "رَحْمَتَ اللَّهِ" بِالتَّاءِ".

يعني إذا كتبت قرة قرتُ بالتاء مثل رحمت لصارت القراءة بالجمع؛ لأنه إذا جمعوا قرات فهي تاء مفتوحة، وليست تاءً مغلقة مثل الهاء، وحينئذٍ ما يكون إلا الألف، والألف حذفها في الرسم كثير وحتى في الإملاء القديم تُحذف من إسماعيل، من الحارث، من غيرها، من كثير من الكلمات تُحذف الألف.

"وَلَا يُسْتَنْكَرُ سُقُوطُ الْأَلِفِ مِنْ {قُرَّاتِ} فِي الْخَطِّ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي اللَّفْظِ، كَمَا لَمْ يُسْتَنْكَرْ سُقُوطُ الْأَلِفِ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي اللِّسَانِ وَالنُّطْقِ. وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ: أَنَّهُ أَخْبَرَ تَعَالَى بِمَا لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي لَمْ تَعْلَمْهُ نَفْسٌ وَلَا بَشَرٌ وَلَا مَلَكٌ. وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ- ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ- {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}»، خَرَّجَهُ الصَّحِيحُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ: عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْأَمْرُ فِي هَذَا أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ تَفْسِيرُهُ".

وثبت عنه أنه قال: "ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء"، يعني فيها نخل، ورمان، فيها عنب، فيها كثير من أنواع الفاكهة، ذُكرت في الجنة، لكن ليس فيها مما في الدنيا إلا الأسماء، لا تشابه لا في الحجم، ولا في الطعم، ولا في اللذة، ولا في الانتفاع، بينما هو في الدنيا مع ما في الآخرة، ولذا يخطئ من يوضِّح هذه الأمور بالرسوم؛ لأنها مهما بلغ وبالغ في رسمه لن يصل إلى شيء مما يُنسب إلى ما في الآخرة. والله المستعان.

طالب: أحسن الله إليك، فيه بعض المدلسين إذا سألوهم عن الجنة: هل فيها كذا؟ فيها كذا؟ قالوا: فيها، أليس يستطيع من الأشياء التي ...

نعم، يقول هل فيها عنب؟ هل فيها رمان؟ نعم فيها، فيها عنب، وفيها رمان، وفيها نخل، لكن ليس العنب كالعنب، ولا الرمان كالرمان، ولا النخل كهذا. يبين لهم هذا، نعم.

طالب:...........

لا، الذي ما ثبت، ما يجوز إثباته، لا يجوز إثباته. لأنه لو أن البذر مثلاً قال: فيها ملاهٍ، قال له: {فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وتلذ الأعين}[سورة الزخرف:71] يؤتى بنصوص لا يقال: نعم؛ لأنه يستصحب الملاهي الموجودة الآن على ما فيها من مخالفات ومنكرات، وتضاعف فيها أيضًا الأخطار.

طالب: ما رأيك فيمن يتصور.... يوم القيامة والجنة والنار؟

على كل حال إذا كان يتخيل، أو يتأمل في النصوص، إنما هو ناتج عن تأمل النصوص، لكن لا يصوِّر ما في الآخرة بنظيره في الدنيا، إنما يتخيل ويتصوره أمرًا عظيمًا لا يحيط به، مثل ما قال ابن عباس- رضي الله عنه-، ماذا يقول؟

طالب: ...........

نعم. ابن عباس.

طالب: ...........

تقدم.

قال: الأمر أجل وأعظم من أن يُعرف تفسيره، الأمر أجل وأعظم من أن يُعرف تفسيره. أحيانًا بعض الإخوة من أهل الحرص على نفع الناس تجده يخطئ من حيث لا يشعر، يرسم رسومًا مما ذُكِر في الآخرة على نحو ما يوجد في الدنيا، ويوزِّعها على الناس، ويلصقها في المساجد، وهذا لا يجوز، هذا تهوين من شأن الآخرة، هذا تهوين من شأن الآخرة.

طالب:............  

والله كتاب المحاسبي ما قرأته، لكنه لا شك أنه صاحب تخيُّل، تخيل، وعنده التوهم وعنده غيره من الكتب فيها تخيلات، يُوافَق على بعضها، وبعضها لا يُوَافق عليه؛ لأن المسألة مسألة اتباع لا ابتداع.

"قُلْتُ: وَهَذِهِ الْكَرَامَةُ إِنَّمَا هِيَ لِأَعْلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا، كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَأَلَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- رَبَّهُ فَقَالَ: يَا رَبِّ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَأْتِي بَعْدَمَا يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيَتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيَتُ رَبِّ، فَيُقَالُ: هَذَا لَكَ، وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيَتُ رَبِّ، قَالَ: رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ- قَالَ- وَمِصْدَاقُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}»".  

لو كانت القلوب فيها شيء من حياة فما يمر هذا الكلام بدون محاسبة للنفس؛ لأنه يمضي الوقت في القيل والقال، والكلام المباح، والكلام المكروه، وقد يتطرق إلى المحرم، وتُهدر الأوقات من غير فائدة، وهذا الوعد من الذي لا يخلف الميعاد.

 والناس يتفاوتون في هذا تفاوتًا عظيمًا، يعني تجد بعض الناس مع الأسف أنه قد ينتسب إلى العلم، أو إلى طلب العلم، يمضي وقته كله في القيل والقال، وإذا قيل: نقرأ نستفيد، تجد هذا الأمر عليه أثقل من جبل، وجرَّه هذا إلى أن يستثقل الأخيار، والله -جل وعلا- يقول: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}[الكهف:28]، الإنسان إذا قيل له: لو أن الإنسان استغل وقته في الذكر، أو القراءة، أو في شيء من هذا ثقل عليه الأمر، وإنما يسهل عليه أن يجلس الساعات مع أصحابه وأحبابه يتكلمون في كل شيء، ما يعنيهم وما لا يعنيهم، والله المستعان.

يعني جاء في هذا الباب أمور مهولة، سواء كانت فيمن حرص على اكتساب الخيرات، وبالنسبة لمن أضاع الأوقات فيما حرَّم الله -جل وعلا-، فهذا له الوعد العظيم، وذاك عليه الوعيد، نسأل الله السلامة والعافية.

 وهذه الأمور يجرّ بعضها بعضًا، تجد الإنسان يسترسل في المباح، ثم يُبتلى بارتكاب الكلام الذي لا خير فيه، ولا نفع فيه، مما هو من قبيل المكروه، ثم يجرؤ على المحرم، نسأل الله السلامة والعافية.

"وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْمُغِيرَةِ مَوْقُوفًا قَوْلُهُ".

الخبر السابق رُوي عن المغيرة موقوفًا، هو مرفوع الأصل، رُوي موقوفًا قوله، لكن ما يمكن أن يقول هذا من قِبَلِه ومن كيسه، فهو مرفوع على كل حال.

"وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ- ثُمَّ قَرَأَ- {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}»".

المعلِّق يقول: بله من أسماء الأفعال وهي مبنية على الفتح مثل كيف، ومعناها دع عنكم ما أطلعكم عليه، يعني هناك ما هو أعظم مما اطلعتم عليه، وما جاء ذكره في النصوص هناك ما هو أعظم منه.

طالب:.........

نعم؟

طالب: بلهْ أم بلهَ؟

بلهَ مبني مثل كيف.

"وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: الْمُرَادُ بِهِ النَّظَرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى".

وهذا أعظم نعيم لأهل الجنة، أعظم نعيم التلذذ بالنظر إلى الله -جل وعلا-.

"وَقَالَ الْحَسَنُ: أَخْفَى الْقَوْمُ أَعْمَالًا، فَأَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ".

جزاءً وفاقًا، والجزاء من جنس العمل.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ}[السجدة:18]، فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:  

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} أَيْ لَيْسَ الْمُؤْمِنُ كَالْفَاسِقِ، فَلِهَذَا آتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْوَلِيدِ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا تَلَاحَيَا".

يعني تخاصما.

"فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: أَنَا أَبْسَطُ مِنْكَ لِسَانًا، وَأَحَدُّ سِنَانًا، وَأَرَدُّ لِلْكَتِيبَةِ- وَرُوِيَ: وَأَمْلَأُ فِي الْكَتِيبَةِ- جَسَدًا. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اسْكُتْ! فَإِنَّكَ فَاسِقٌ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ".

قال: إنك فاسق، وهو الذي نزلت فيه آية الحجرات {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ}[الحجرات:6].

"وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ وَالنَّحَّاسُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ".

طالب: ........

نعم؟

طالب: ........

نعم الوليد بن عقبة بن أبي معيط.

"قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مَكِّيَّةً؛ لِأَنَّ عُقْبَةَ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا قُتِلَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ مُنْصَرَفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَدْرٍ. ويَعترِض".

ويُعتَرض.

"وَيُعْتَرَضُ الْقَوْلُ الْآخَرُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْفِسْقِ عَلَى الْوَلِيدِ. وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي صَدْرِ إِسْلَامِ الْوَلِيدِ لِشَيْءٍ كَانَ فِي نَفْسِهِ، أَوْ لِمَا رُوِيَ مِنْ نَقْلِهِ عَنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مَا لَمْ يَكُنْ".

لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعثه أن يأتي بزكاتهم، بصدقاتهم، كان بينه وبينهم شيء، فخافهم ثم رجع، فقال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: إنهم رفضوا أن يدفعوا الزكاة، وكادوا يقتلونني، فهربْت منهم، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يغزوهم، ثم جاءوا وقالوا: ما جاءنا أحد، فتبيَّن كذبه بهذا، وأنه خافهم، ولم يصل إليهم، فنزلت الآية {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}.

"حَتَّى نَزَلَتْ فِيهِ: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْحُجُرَاتِ بَيَانُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُطْلِقَ الشَّرِيعَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى طَرَفٍ مِمَّا يَبْغِي. وَهُوَ الَّذِي شَرِبَ الْخَمْرَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَصَلَّى الصُّبْحَ بِالنَّاسِ ثُمَّ الْتَفَتَ وَقَالَ: أَتُرِيدُونَ أَنْ أَزِيدَكُمْ، وَنَحْوَ ذلك مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ".

لا شك أن التساهل معروف منه ومن غيره من بعض صغار القوم، عرف التساهل، وشرب الخمر لا شك أنه فسق، بل من كبائر الذنوب، نسأل الله العافية.

طالب: ........ لا يُطلَق عليه فاسقً استدلالًا؟

كيف؟

طالب: هو كان يوجه العبارة، أنه كان يشرب الخمر، وليس أنه كان ...

لا، هذا سبب نزول الآية، سبب النزول دخوله في النازل قطعي فاسق، وإذا ارتكب مفسِّقًا ثانيًا أيضًا يُطلَق عليه فاسق، يعني قد يفسق بأمور.

طالب:...........

بلا شك نعم؛ لأنه كاذب.

"الثَّانِيَةُ: لَمَّا قَسَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْفَاسِقِينَ الَّذِينَ فَسَّقَهُمْ بِالْكُفْرِ-؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ فِي آخِرِ الْآيَةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ- اقْتَضَى ذَلِكَ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَلِهَذَا مُنِعَ الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا؛ إِذْ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ. وَبِذَلِكَ احْتَجَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَتْلِهِ الْمُسْلِمَ بِالذِّمِّيِّ. وَقَالَ: أَرَادَ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ هَاهُنَا فِي الْآخِرَةِ فِي الثَّوَابِ، وَفِي الدُّنْيَا فِي الْعَدَالَةِ. وَنَحْنُ حَمَلْنَاهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ؛ إِذْ لَا دَلِيلَ يَخُصُّهُ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ".

يعني الله -جل وعلا- يقول: {لَا يَسْتَوُونَ}، فكيف يقال: إن الكافر الذمي يساوي، ويكافئ المسلم فيُقتَل به والله -جل وعلا- نفى الاستواء، وللحنفية مثلاً أن يقولوا: إن هذا في الفاسق، والفاسق أعم أن يكون كافرًا، أو مسلمًا عاصيًا، فإذا كنتم تقولون: إن المسلم العاصي لا يُقتَل بالمسلم الصالح التقيّ فلكم أن تحتجوا على الحنفية، لكن هل الجمهور يقول: لا يُقتَل الفاسق بالتقي؟ لا يقولون هذا، إنما لا يُقتَل المسلم بالكافر، وجاء النص بالحرف، «وألا يقتل مسلم بكافر»، وهذا هو المعوّل عليه في هذه المسألة لا الآية؛ لأن الآية تشمل الفاسق بكفره، والفاسق بمعصيته.

"الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوُونَ}، قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: (مَنْ) يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ. قال النَّحَّاسُ: لَفْظُ (مَنْ) يُؤَدِّي عَنِ الْجَمَاعَةِ".

ولذا قال: {لَا يَسْتَوُونَ}. نعم

"فَلِهَذَا قَالَ: {لَا يَسْتَوُونَ}.

يعني جماعة من المؤمنين، وجماعة من الفساق لا يستوون {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا} سواء كان واحدًا، أو جماعة يصلح، ولذا قال: لا يستوون، ولو نظر إلى لفظها لقيل: لا يستويان.

"قال: هَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَسْتَوُونَ لِاثْنَيْنِ، لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْعٌ، لِأَنَّهُ وَاحِدٌ جُمِعَ مَعَ آخَرَ. وَقَالَهُ الزَّجَّاجُ أَيْضًا. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: نَزَلَتْ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا، فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

أَلَيْسَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا سَوَاءً             إِذَا مَاتُوا وَصَارُوا فِي الْقُبُورِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[السجدة:19-20].

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى} أَخْبَرَ عَنْ مَقَرِّ الْفَرِيقَيْنِ غَدًا، فَلِلْمُؤْمِنِينَ جَنَّاتُ الْمَأْوَى، أَيْ يَأْوُونَ إِلَى الْجَنَّاتِ، فَأَضَافَ الْجَنَّاتِ إِلَى الْمَأْوَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ يَتَضَمَّنُ جَنَّاتٍ. {نُزُلًا} أَيْ ضِيَافَةً. وَالنُّزُلُ: مَا يُهَيَّأُ لِلنَّازِلِ وَالضَّيْفِ. وَقَدْ مَضَى فِي آخِرِ (آلِ عِمْرَانَ)، وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْجَنَّاتِ، أَيْ لَهُمُ الْجَنَّاتُ مُعَدَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ".

مفعول لأجله. نعم.

"وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا أَيْ خَرَجُوا عَنِ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ أَيْ مُقَامُهُمْ فِيهَا. كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا أَيْ إِذَا دَفَعَهُمْ لَهَبُ النَّارِ إِلَى أَعْلَاهَا رُدُّوا إِلَى مَوْضِعِهِمْ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَطْمَعُونَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي (الْحَجِّ). {وَقِيلَ لَهُمْ}، أَيْ يَقُولُ لَهُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ. أَوْ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} وَالذَّوْقُ يُسْتَعْمَلُ مَحْسُوسًا وَمَعْنًى. وَقَدْ مَضَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ بَيَانُهُ".

يعني مضى قريبًا في آخر الدرس الماضي.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[السجدة:21].  

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى} قَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْعَذَابُ الْأَدْنَى مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَأَسْقَامُهَا مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْعَبِيدُ حَتَّى يَتُوبُوا، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ".

حتى يتوبوا هو معنى قوله: {لعلهم يرجعون}. فدلّ على أن هذا العذاب الأدنى قبل الموت، يعني مع إمكان الرجوع، خلاف من أن يقول: إنه عذاب القبر.

"وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ الْحُدُودُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ: هُوَ الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْجُوعُ سَبْعَ سِنِينَ بِمَكَّةَ حَتَّى أَكَلُوا الْجِيَفَ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا: الْعَذَابُ الْأَدْنَى عَذَابُ الْقَبْرِ، وَقَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ. قَالُوا: وَالْأَكْبَرُ عَذَابُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقِيلَ: عَذَابُ الْقَبْرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِقَوْلِهِ: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. قَالَ: وَمَنْ حَمَلَ الْعَذَابَ عَلَى الْقَتْلِ قَالَ: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، أَيْ يَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ عَذَابُ جَهَنَّمَ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ خُرُوجُ الْمَهْدِيِّ بِالسَّيْفِ. وَالْأَدْنَى غَلَاءُ السِّعْرِ".

هذا بعيد. نعم.

"وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَالْبَرَاءِ: أَيْ لَعَلَّهُمْ يُرِيدُونَ الرُّجُوعَ وَيَطْلُبُونَهُ كَقَوْلِهِ: {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا}. وَسُمِّيَتْ إِرَادَةُ الرُّجُوعِ رُجُوعًا كَمَا سُمِّيَتْ إِرَادَةُ الْقِيَامِ قِيَامًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}[المائدة:6]. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: {يَرْجِعُونَ} عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ".

لأن الفعل لاسيما الماضي يُطلَق ويراد به الفراغ منه كما هو الأصل، ويطلق ويراد به الشروع فيه، ويُطلَق ويراد به إرادة الفعل إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ يعني إذا أردتم القيام، وإذا قرأت القرآن إذا أردت القراءة، إذا دخل أحدكم الخلاء إذا أراد الدخول.

طالب: العذاب المذكور مخصوص بقريش؟

وما في حكمهم؛ {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}؛ يعني ينالهم شيء من العذاب من أجل أن يراجعوا أنفسهم، مصائب، ومشاكل.

"قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}[السجدة:22].

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ} أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَم لِنَفْسِهِ. {مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ} أَيْ بِحُجَجِهِ وَعَلَامَاتِهِ. {ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} بِتَرْكِ الْقَبُولِ. {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} لِتَكْذِيبِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ}[السجدة:23] أَيْ فَلَا تَكُنْ يَا مُحَمَّدُ فِي شَكٍّ مِنْ لِقَاءِ مُوسَى، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَدْ لَقِيَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. قال قَتَادَةُ: الْمَعْنَى فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ أَنَّكَ لَقِيتَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقِيلَ: فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ لِقَاءِ مُوسَى في القيامة، وستلقاه فيها، وقيل: فلا تكن في شكل من لقاء موسى الْكِتَابَ بِالْقَبُولِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالزَّجَّاجُ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَاهُ: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ، فَأُوذِيَ وَكُذِّبَ، فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ أَنَّهُ سَيَلْقَاكَ مَا لَقِيَهُ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالْأَذَى، فَالْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى مَخْذُوفٍ، وَالْمَعْنَى مِنْ لِقَاءِ مَا لَاقَى. قال النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ. وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْمَعْنَى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ".

الاستثناء هنا قول غريب إلا أنه من رواية عمرو بن عبيد، يعني رواية عمرو بن عبيد تزيده قوة أو ضعفًا؟

طالب: ........

تزيده ضعفًا نعم.

طالب: ولكن كأنه يقويه يا شيخ؟

السياق سياق تقوية، لكن لعل إلا أنه كأنها لأنه من روايته أو بمعنى لأنه.

"وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْمَعْنَى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ، فَجَاءَ مُعْتَرِضًا بَيْنَ {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} وَبَيْنَ {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}. وَالضَّمِيرُ فِي: وَجَعَلْنَاهُ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: جَعَلْنَا مُوسَى، قَالَهُ قَتَادَةُ.

الثَّانِي: جَعَلْنَا الْكِتَابَ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً".

وسواءً كان موسى أو الكتاب، فكلاهما سبب الهداية، والهادي هو الله -جل وعلا- إن هذا الكتاب يهدي، وإنك لتهدي، والهادي هو الله -جل وعلا-.

"{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} أَيْ قَادَةً وَقُدْوَةً يُقْتَدَى بِهِمْ فِي دِينِهِمْ. وَالْكُوفِيُّونَ يَقْرَءُونَ: {أَئِمَّةً} قال النَّحَّاسُ: وَهُوَ لَحْنٌ عِنْدَ جَمِيعِ النَّحْوِيِّينَ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ هَمْزَتَيْنِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مِنْ دَقِيقِ النَّحْوِ. وَشَرْحُهُ: أَنَّ الْأَصْلَ (أَأْمِمَةٌ)، ثُمَّ أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْمِيمِ عَلَى الْهَمْزَةِ وَأُدْغِمَتِ الْمِيمُ، وَخُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ؛ لِئَلَّا يَجْتَمِعُ هَمْزَتَانِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَمْزَتَيْنِ فِي حَرْفَيْنِ بَعِيدٌ، فَأَمَّا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا تَخْفِيفُ الثَّانِيَةِ نَحْوَ قَوْلِكَ: آدَمُ وَآخَرُ. وَيُقَالُ: هَذَا أَوَمُّ مِنْ هَذَا وَأَيَمُّ، بِالْوَاوِ وَالْيَاءِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي (التوبة)، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ".

عندك أنها في التوبة، أو فِي (بَرَاءَةٌ)؟

ماذا عندك؟

طالب: عندي التوبة.

قد مضى هذا؟

طالب: في التوبة.

ما النسخة التي معط؟

طالب: دار الكتب العلمية.

هي نفسها التوبة هي براءة، لكن العبرة في الأصل.

"قوله: {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} أَيْ يَدْعُونَ الْخَلْقَ إِلَى طَاعَتِنَا. بِأَمْرِنَا أَيْ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: بِأَمْرِنَا أَيْ لِأَمْرِنَا، أَيْ يَهْدُونَ النَّاسَ لِدِينِنَا. ثُمَّ قِيلَ: الْمُرَادُ الْأَنْبِيَاءُ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ. {لَمَّا صَبَرُوا} قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ (لَمَّا) بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، أَيْ حِينَ صَبَرُوا. وَقَرَأَ يَحْيَى وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ: {لِمَا صَبَرُوا} أَيْ لِصَبْرِهِمْ جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً".

ولا يمكن أن تحصل إمامة إلا بصبر، لا يمكن أن تحصل إمامة إلا بصبر، صبر على الوسائل، ثم صبر على الغايات وما ينتج عنها، والله المستعان.

"وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ اعْتِبَارًا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (بِمَا صَبَرُوا) بِالْبَاءِ. وَهَذَا الصَّبْرُ صَبْرٌ عَلَى الدِّينِ وَعَلَى الْبَلَاءِ. وَقِيلَ: صَبَرُوا عَنِ الدُّنْيَا.

 قوله: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَيْ يَقْضِي وَيَحْكُمُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ، فَيُجَازِي كُلًّا بِمَا يَسْتَحِقُّ. وَقِيلَ: يَقْضِي بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَبَيْنَ قَوْمِهِمْ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ".

والفصل يحصل بين هؤلاء وهؤلاء، يحصل بين المؤمنين والكفار، بين المظلوم والظالم، يحصل بين الحاكم والمحكوم، والله المستعان.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ}[السجدة:26].

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو زَيْدٍ عَنْ يَعْقُوبَ: (نَهْدِ لَهُمْ) بِالنُّونِ، فَهَذِهِ قِرَاءَةٌ بَيِّنَةٌ. قال النَّحَّاسُ: وَبِالْيَاءِ فِيهَا إِشْكَالٌ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: الْفِعْلُ لَا يَخْلُو مِنْ فَاعِلٍ، فَأَيْنَ الْفَاعِلُ لِـ(يَهْدِ)"؟

إذا كان الفاعل معلومًا لدى القارئ والسامع، فلا حاجة إلى ذكره، فالأصل أن يُذكر لكن لا يضر حذفه، {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}[ص:32]، ما الذي تورات بالحجاب؟ (الشمس) ما جرى لها ذكر، لكن السامع يعرف أنها الشمس {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} يعرف أن الهادي هو الله -جل وعلا-، فلا إشكال في مثل هذا.

"فَتَكَلَّمَ النَّحْوِيُّونَ فِي هَذَا، فَقَالَ الْفَرَّاءُ: كَمْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِـ(يَهْدِ)، وَهَذَا نَقْضٌ لِأُصُولِ النَّحْوِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ وَلَا فِي كَمْ بِوَجْهٍ، أَعْنِي مَا قَبْلَهَا. وَمَذْهَبُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ يَهْدِ يَدُلُّ عَلَى الْهُدَى، وَالْمَعْنَى أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمُ الْهُدَى. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَوَ لَمْ يَهْدِ اللَّهُ لَهُمْ".

وعلى كل حال الهدى يدل على هادي، والفاعل هو الهادي، وهو الله –جل وعلا-، نعم.

"وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَوَ لَمْ يَهْدِ اللَّهُ لَهُمْ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْيَاءِ وَالنُّونِ وَاحِدًا، أَيْ أَوَ لَمْ نُبَيِّنْ لَهُمْ إِهْلَاكَنَا الْقُرُونَ الْكَافِرَةَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كَمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ(أَهْلَكْنَا).

قوله {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} يَحْتَمِلُ الضَّمِيرُ فِي يَمْشُونَ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْمَاشِينَ فِي مَسَاكِنِ الْمُهْلَكِينَ، أَيْ وَهَؤُلَاءِ يَمْشُونَ وَلَا يَعْتَبِرُونَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْمُهْلَكِينَ فَيَكُونُ حَالًا، وَالْمَعْنَى: أَهْلَكْنَاهُمْ مَاشِينَ فِي مَسَاكِنِهِمْ. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ} آيَاتِ اللَّهِ وَعِظَاتِهِ فَيَتَّعِظُونَ".

التفكر والاعتبار في مخلوقات الله والاستدلال بها على قدرة الله -جل وعلا- من أفضل العبادات، لكن أين أين المدكر؟

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ}[السجدة:27] أَيْ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا كَمَالَ قُدْرَتِنَا بِسَوْقِنَا الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا لِنُحْيِيَهَا. قال الزَّمَخْشَرِيُّ: الْجُرُزُ الْأَرْضُ الَّتِي جُرِزَ نَبَاتُهَا، أَيْ قُطِعَ، إِمَّا لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ رُعِيَ وَأُزِيلَ. وَلَا يُقَالُ لِلَّتِي لَا تُنْبِتُ كَالسِّبَاخِ: جُرُزٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ أَبْيَنُ".

أبين دائمًا تقرن بعدن (عدن أبين).

 "وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ الْأَرْضُ الظَّمْأَى. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ الْعَطْشَى. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ لِأَرْضٍ بِعَيْنِهَا لِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ".

هو المبرد نعم.

يريدها جنسية، يريد الألف واللام جنسية التي تدل على العموم.

"إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْعَبَّاسُ وَالضَّحَّاكُ".

أل فيها للمح الأصل، لمح الصفة الأصلية، يعني هذه ليست جنسية ولا عهدية ولا تفيد تعريفًا إنما هي تفيد لمح الصفة الأصلية.

"وَالْإِسْنَادُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ".

إلا أنهم –السلف- جرت عادتهم على التفسير بالمثال، ومن أمثلة الأرض الجرز (أرض اليمن) كما قال ابن العباس.

"وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ نَعْتٌ وَالنَّعْتُ لِلْمَعْرِفَةِ يَكُونُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ جَرُوزٌ إِذَا كَانَ لَا يُبْقِي شَيْئًا إِلَّا أَكَلَهُ. قَالَ الرَّاجِزُ:

خِبٌّ جَرُوزٌ وَإِذَا جَاعَ بَكَى وَيَأْكُلُ التَّمْرَ وَلَا يُلْقِي النَّوَى

وَكَذَلِكَ نَاقَةٌ جَرُوزٌ: إِذَا كَانَتْ تَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ تَجِدُهُ. وَسَيْفٌ جُرَازٌ: أَيْ قَاطِعٌ مَاضٍ. وَجَرَزَتِ الْجَرَادُ الزَّرْعَ: إِذَا اسْتَأْصَلَتْهُ بِالْأَكْلِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُقَالُ: أَرْضٌ جُرْزٌ وَجُرُزٌ وَجَرْزٌ وَجَرَزٌ. وَكَذَلِكَ بُخْلٌ وَرُغْبٌ وَرُهْبٌ".

كلها على زنتها.

"فِي الْأَرْبَعَةِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ لَا أَنْهَارَ فِيهَا، وَهِيَ بَعِيدَةٌ مِنَ الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا يَأْتِيهَا فِي كُلِّ عَامٍ وِدَانٌ".

يعني شيء يسير.

"فَيَزْرَعُونَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ عَامٍ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: أَنَّهَا أَرْضُ النِّيلِ. فَنُخْرِجُ بِهِ أَيْ بِالْمَاءِ. زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ مِنَ الْكَلَأِ وَالْحَشِيشِ. وَأَنْفُسُهُمْ مِنَ الْحَبِّ وَالْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ. أَفَلَا يُبْصِرُونَ هَذَا فَيَعْلَمُونَ أَنَّا نَقْدِرُ عَلَى إِعَادَتِهِمْ. وَ(فَنُخْرِجُ) يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى (نَسُوقُ) أَوْ مُنْقَطِعًا مِمَّا قَبْلَهُ. تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى النَّعْتِ ".

ولذا المعتبر والمتعظ الذي يستدل بالأشياء على أشباهها ونظائرها.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}[السجدة:28].

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} مَتَى فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِ".

في موضع رفع؛ لأن مقول القول لا بد أن يكون جملة، وهنا جملة (متى هذا) متى هذا يعني متى يقع هذا؟ يعني متى يقع هذا فهذه جملة، ومتى حين على هذا فإنها مرفوعة؛ لأنها مبتدأ؛ لأن مقول القول لا بد أن يكون جملة.

"قَالَ قَتَادَةُ: الْفَتْحُ الْقَضَاءُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْقُتَبِيُّ: يَعْنِي فَتْحَ مَكَّةَ. وَأَوْلَى مِنْ هَذَا مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَيُرْوَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا: سَيَحْكُمُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بَيْنَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُثِيبُ الْمُحْسِنَ وَيُعَاقِبُ الْمُسِيءَ. فَقَالَ الْكُفَّارُ عَلَى التَّهَزِّئِ. مَتَى يَوْمُ الْفَتْحِ؟ أَيْ هَذَا الْحُكْمُ. وَيُقَالُ لِلْحَاكِمِ: فَاتِحٌ وَفَتَّاحٌ، لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تَنْفَتِحُ عَلَى يَدَيْهِ وَتَنْفَصِلُ. وَفِي الْقُرْآنِ: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ}[الأعراف:89]، وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي (الْبَقَرَةِ) وَغَيْرِهَا. قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى الظَّرْفِ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ الرَّفْعَ".

أجاز الفراء الرفع مثل ما قلنا؛ لأن مقول قل لا بد أن يكون جملة، والجملة يكون صدرها مرفوعًا على الابتداء، أو تكون جملة من فعل وفاعل وإذا قلنا بهذا قلنا إنه مرفوع على ما تقدم.

"قوله: {لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} أَيْ يُؤَخَّرُونَ وَيُمْهَلُونَ لِلتَّوْبَةِ، إِنْ كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ يَوْمَ بَدْرٍ أَوْ فَتْحَ مَكَّةَ. فَفِي بَدْرٍ قُتِلُوا، وَيَوْمَ الْفَتْحِ هَرَبُوا فَلَحِقَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَتَلَهُمْ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ}[السجدة:30].

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} مَعْنَاهُ فَأَعْرِضْ عَنْ سَفَهِهِمْ، وَلَا تُجِبْهُمْ إِلَّا بِمَا أُمِرْتَ بِهِ. {وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} أَيِ انْتَظِرْ يَوْمَ الْفَتْحِ، يَوْمَ يَحْكُمُ اللَّهُ لَكَ عَلَيْهِمْ. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أَيْ عَنْ مُشْرِكِي قُرَيْشِ مَكَّةَ، وَأَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِالسَّيْفِ فِي (بَرَاءَةٌ) فِي قَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ".

نعم، هذه آية السيف التي يقول أهل: إنها نسخت أكثر من سبعين آية التي فيها المهادنة، والمهاودة، والإعراض، نُسِخت بآية السيف، والله المستعان.

"وَانْتَظِرْ أَيْ مَوْعِدِي لَكَ. قِيلَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ. {إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} أَيْ يَنْتَظِرُونَ بِكُمْ حَوَادِثَ الزَّمَانِ. وَقِيلَ: الْآيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ؛ إِذْ قَدْ يَقَعُ الْإِعْرَاضُ مَعَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ كَالْهُدْنَةِ وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ: أَعْرِضْ عَنْهُمْ بَعْدَمَا بَلَّغْتَ الْحُجَّةَ، {وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ}. إِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَنْتَظِرُونَ الْقِيَامَةَ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ؟ فَفِي هَذَا جَوَابَانِ".

يعني انتظر هلاكهم، كما أنهم ينتظرون هلاكك.

"أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْقِيَامَةِ، فَيَكُونُ هَذَا مَجَازًا. وَالْآخَرُ: أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَشُكُّ وَفِيهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْقِيَامَةِ، فَيَكُونُ هَذَا جَوَابًا لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

يعني مجتمعين.

"وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ: (إِنَّهُمْ مُنْتَظَرُونَ) بِفَتْحِ الظَّاءِ. وَرُوِيَتْ عَنْ مُجَاهِدٍ وَابْنِ مُحَيْصِنٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَصِحُّ هَذَا إِلَّا بِإِضْمَارٍ، مَجَازُهُ: إِنَّهُمْ مُنْتَظَرُونَ بِهِمْ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الصَّحِيحُ الْكَسْرُ، أَيِ انْتَظِرْ عَذَابَهُمْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ هَلَاكَكَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قِرَاءَةَ ابْنِ السَّمَيْقَعِ (بِفَتْحِ الظَّاءِ) مَعْنَاهَا: وَانْتَظِرْ هَلَاكَهُمْ، فَإِنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ يُنْتَظَرَ هَلَاكُهُمْ، يَعْنِي: إِنَّهُمْ هَالِكُونَ لَا مَحَالَةَ، وَانْتَظِرْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ فِي السَّمَاءِ يَنْتَظِرُونَهُ، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم