شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1428 هـ) - 04

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: في الحلقة الماضية كنا توقفنا عند مسألة الدعاء بطول العمر، وذكرتم -أحسن الله إليكم- كلامًا للإمام النووي، والمازري، وغيرهما، لعلنا نستكمل في هذه الحلقة هذه المسألة قبل أن نبدأ في الحديث.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد،

ففي نهاية الحلقة السابقة، وبمناسبة رواية البخاري في الأدب المفرد للحديث، ورواية ابن سعد زيادة: «وأطل عمره»، مع ما جاء في صحيح مسلم من حديث أم حبيبة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- قالت: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، قالت: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حله، أو يؤخر شيئًا عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر كان خيرًا وأفضل».

في شرح النووي قال: هذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك، وأما ما ورد في حديث صلة الرحم، وأنها تزيد في العمر ونظائر ذلك، فقد سبق تأويله -يقول النووي- في باب صلة الأرحام واضحًا -وكلامه الذي تقدم وأشار إليه ذكر الخلاف في المراد بالزيادة، وهل هي زيادة حقيقية يعني أنه يضرب للمرء أجل محدد سبعون، ستون سنة مثلًا؛ لأنه يؤمر بكتب أجله عند نفخ الروح يؤمر الملك بذلك، فيؤمر بكتب الأجل المحدد، ستين، سبعين، لكن إن وصل رحمه زيد في عمره كذا، وهذا في علم الله -جل وعلا- لا يتغير، أما الذي تغير فهو ما في علم الملك، وهذا على قول بأن الزيادة حقيقية، والقول الآخر وهو معتبر أيضًا عند أهل العلم، وهو أن الزيادة معنوية.

المقدم: يعني ما يحصل من البركة؟

نعم، البركة، وأما عمره ستون لا يمكن أن يزيد ولا ينقص عن الستين، { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [الأعراف: 34]، لكن هذه الستون أو الخمسون أو الأربعون ينجز فيها من الأعمال الصالحة التي تنفعه في دنياه وأخراه ما لا ينجز في مائة سنة، وهذا ظاهر في حال كثير من أهل العلم حتى في عامة الناس تجد البركة هذه في العوام، الذي تحقق الوصف الذي هو الصلة.

المقدم: اليوم عنده يمكن بخمسة أيام عند غيره، ما ينجزه من الأعمال والزيارات وغير ذلك.

بلا شك، نعم.

المقدم: وبعض أهل العلم مات وهو ابن ثلاثين، وهو ابن أربعين، وذكره لا يزال موجودًا، وكتبه تملأ الآفاق.

يعني انتفعت به الأمة على مر القرون.

المقدم: عمر بن عبد العزيز في مجال الحكم مثلًا -رحمه الله-، مات صغيرًا.

نعم، أربعون سنة، أربعون سنة.

المقدم: ومع ذلك أنجز في هذا الوقت القصير ما لم ينجزه غيره.

بلا شك، عمر، الحافظ الحكمي، النووي، وغيرهم أمثلة كثيرة من المتقدمين ومن المتأخرين.

قال المازري: هنا قد تقرر بالدلائل القطعية أن الله تعالى أعلم بالآجال والأرزاق وغيرها، وحقيقة العلم معرفة المعلوم على ما هو عليه -يعني مطابقًا للواقع-، فإذا علم الله تعالى أن زيدًا يموت سنة خمسمائة استحال أن يموت قبلها أو بعدها؛ لئلا ينقلب العلم جهلًا، فاستحال أن الآجال التي علمها الله تعالى تزيد وتنقص، فيتعين تأويل الزيادة بأنها بالنسبة إلى ملك الموت أو غيره ممن وكله الله بقبض الأرواح وأمره فيها بآجال ممدودة أو محدودة -مكتوب ممدودة في شرح النووي-، فإنه بعد أن يأمره بذلك أو يثبته في اللوح المحفوظ يُنْقَص، يَنْقُص ويزيد على ما سبق في علمه في الأزل، وهو معنى قول الله -جل وعلا-: { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } [الرعد: 39]، وعلى ما ذكرناه يحمل قوله تعالى: { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ } [الأنعام: 2].

قال: واعلم أن مذهب أهل الحق أن المقتول مات بأجله، وقالت المعتزلة: قطع أجله، والله أعلم، واعلم أن مذهب أهل الحق أن المقتول مات بأجله، وقالت المعتزلة: قطع أجله، والله أعلم.

يعني اخترم دون أن يكمل الأجل الذي حُدد له بسبب هذا القاتل، لذلك يحمل القاتل التبعة، يعني لو مات بأجله على حد زعم، وجهة نظر المعتزلة، أنه لو مات بأجله ما يؤاخذ الذي قتله، لا يؤاخذ الذي قتله، لكن هذه حقوق العباد، وأمور مبنية على ربط الأسباب بالمسببات وإن كان هذا أجلًا.

المقدم: يعني الطبيب الذي يخطئ عند المعتزلة ما عليه شيء؟

الدهس، حتى لو قتل عمد، حتى لو قتله عمدًا، ما عليه شيء، والنصوص القطعية من دلائل الكتاب والسنة كلها تهدم هذا القول.

فإن قيل: ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل؛ لأنه مفروغ منه، وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب مع أنه مفروغ منه أيضًا كالأجل -لأنه قال في الحديث: «ولو كنتِ سألتِ الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر كان خيرًا وأفضل»، نفس الإشكال، هذا أيضًا مفروغ منه، قال: فالجواب أن الجميع مفروغ منه، لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة.

المقدم: أمور آخرة.

يعني مأمور بها، مأمور بها شرعًا، { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60].

المقدم: بينما طول العمر ليس عبادة.

غير مأمور، ليس بعبادة، لكن قد يقول قائل: إنه مع النية الصالحة ينقلب عبادة، إذا طلب زيادة العمر ليكثر مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- صار عبادة؛ كالنوم الأصل فيه عادة، لكن إذا نوى به التقرب إلى الله -جل وعلا-، والاستعانة به على ما يرضي الله -جل وعلا- صار عبادة، وهكذا سائر العادات تنقلب عبادات بالنية الصالحة، نقول: ينظر في ذلك إلى أصل الشيء، فإن كان الأصل عبادة كان مأمورًا به، إن كان الأصل عبادة، عادة ليس بمأمور به.

قال: فالجواب أن الجميع مفروغ منه لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة، وقد أمر الشرع بالعبادات فقيل: أفلا نتكل على كتابنا، يعني ما سبق لنا من القدر، فقال: «اعملوا، فكل ميسر لما خلق له» مع أنها مفروغ منها، يعني { فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } [الشورى: 7]، { فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } [الشورى: 7]، مفروغ من هذا، فقالوا: أفلا نتكل، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «اعملوا، فكل ميسر لما خلق له»؛ لأن الذي يتكل على حد زعمه، فإما أن يتكل ويترك العمل بالكلية، والعاقبة غيب، ما يدري ما كُتب له في الأزل، قد يكون هو السبب في كتابته شقيًّا؛ لأنه اتكل وترك، وحقيقة الاتكال على القدر، والاستدلال به، هذه طريقة المشركين { لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا } [الأنعام: 148]-، فقال: «اعملوا، فكل ميسر لما خلق له»، أما الدعاء بطول الأجل فليس عبادة، وكما لا يحسن ترك الصلاة والصوم والذكر اتكالًا على القدر، فكذا الدعاء بالنجاة من النار ونحوه، والله أعلم.

جواب سديد؛ لأن بعضهم أورد كما ذكر ابن القيم في أوائل الجواب الكافي أن بعض المتصوفة قالوا: ما دامت الأمور مكتوبة ومفروغًا منها، فلماذا ندعو؟ يعني مع أن الأمر صريح بالدعاء، «الدعاء هو العبادة»،
{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } [غافر: 60]، يعني دعائي وغيره، المقصود حتى في آخر سورة الفرقان: { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ } [الفرقان: 77]، وإن كان المراد بالعبادة الدعاء هنا، «دعاؤكم إيمانكم»؛ كما تقدم في  كتاب الإيمان من التجريد، ومع ذلك قال بعضهم: إن المراد به الدعاء، فالدعاء محبوب لدى الله -جل وعلا-، وهو الذي يظهر حاجة العبد وفقره وانكساره بين يدي الله -جل وعلا-.

لما قال بعض المتصوفة: إن هذه الأمور مفروغ منها ولا داعي للدعاء أورد ابن القيم -رحمه الله- أن كون الإنسان أيضًا يكتب له ولد أو يحرم من الولد، هذا أمر مفروغ منه، فلماذا يتزوج؟ فهذا سبب، والدعاء سبب.

المقدم: قال -رحمه الله تعالى-: عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- قال: سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا فقال: «يا أبا فلان! أما صمت سرر هذا الشهر؟»، قال الرجل: لا يا رسول الله، قال: «فإذا أفطرت فصم يومين»، وفي رواية عنه قال: «من سرر شعبان».

راوي هذا الحديث هو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي أبو نجيد، أسلم عام خيبر، من فضلاء الصحابة، وكان يُسلم عليه في مرض موته، يسلم عليه بصوت يسمع، تسلم عليه الملائكة، يقول: فاكتوى، فانقطع التسليم، ثم ندم، فعاد التسليم، وهذه مسألة استطرادية، في حديث السبعين الألف أن من وصفهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب أنهم لا يكتوون، فعلى هذا من اكتوى ثم ندم يدخل في السبعين أو لا يدخل؟ هل نقول: إن هذا، عمران بن حصين ندم فعاد التسليم؟ فهل إذا ندم من الاكتواء يعود له الوصف أنه يدخل الجنة بغير حساب؟ هذا محل بحث، لكن يرجى لا سيما إذا لم يعرف الحديث قبل ذلك، يعني رجل اكتوى، مرض فاكتوى ثم قيل له: إنه جاء في الحديث -حديث السبعين الألف- من وصفهم أنهم لا يكتوون، فندم، فمثل هذا يرجى، فضل الله لا يُحد.

المقدم: حصين تثبت له الصحبة؟

على كل حال؛ نأتي إلى حصين؛ لأنه عندك يقول: رضي الله عنهما.

قضى بالكوفة -يعني عمران-، مات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة.

حصين، اختلف في صحبته لكن الحافظ ابن حجر قال: أبوه حصين بن عبيد الخزاعي، صحابي لم يصب من نفى إسلامه؛ كما في التقريب، لم يصب من نفى إسلامه.

وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب الصوم من آخر الشهر.

الآن عندك من سرر هذا الشهر -يعني شعبان-.

المقدم: في رواية قال: «من سرر شعبان».

نعم، في رواية عنه قال: «من سرر شعبان»، سرر شعبان، الترجمة هنا: الصوم من آخر الشهر، البخاري- رحمه الله تعالى- أطلق الشهر، يعني قال الزين بن المنير، كما في فتح الباري: أطلق الشهر؛ لأنه قال: الصوم من آخر الشهر، وإن كان الذي يتحرر من الحديث أن المراد به شهر مقيد.

المقدم: الذي يتحرر من الحديث، من زيادة «سرر شعبان»؟

نعم، في رواية عنه قال: «من سرر شعبان»؛ لأن المطلق يحمل على المقيد.

وإن كان الذي يتحرر من الحديث أن المراد به شهر مقيد، وهو شعبان، إشارةً منه إلى أن ذلك لا يختص بشعبان، إشارة إلى أن ذلك لا يختص بشعبان بل يؤخذ منه -من الحديث- الندب إلى صيام أواخر كل شهر، يؤخذ من الحديث الندب إلى صيام أواخر كل شهر، لماذا؟ ليكون عادة للمكلف، فلا يعارضه النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، فلا يعارضه النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، لماذا؟ لأنه جاء فيه الاستثناء «إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه».

انظر دقة الإمام البخاري ليجعل هذا الحديث لا يعارض حديث النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين.

الآن، صار الحديث.

المقدم: موضع الدقة أين يا شيخ؟

الآن قال البخاري: باب الصوم من آخر الشهر، فيريد أن تصوم من آخر محرم، وآخر صفر، وآخر ربيع، وآخر جمادى.

المقدم: فلم يحدد الشهر؟

آخر الشهر، وأخذ هو من قوله: «أما صمت سرر هذا الشهر؟»؛ لأن هذا الشهر ليست له مزية على غيره، إذًا؛ المطلوب السرر، صيام السرر الذي هو آخر الشهر، أي شهر كان، فمن دقة البخاري أخذ منه الإطلاق.

المقدم: لكنه لما اختار الرواية الثانية ما يعتبر أنه يرجح؟

وفي رواية عنه: «من سرر شعبان».

المقدم: يعني كأنه يرجح أن المراد سرر شعبان فقط؟

لا، هذا المختصِر، البخاري -رحمه الله تعالى- ذكر الرواية.

المقدم: ذكر الحديثين.

ذكر الحديثين؛ لأنه في رواية قال: أظنه يعني رمضان، على ما سيأتي بعد، ويزيد الإشكال، فالخروج من التعارض بين هذا الحديث «من سرر شعبان».

المقدم: والنهي عن التقدم.

والنهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إلا من كانت له عادة أن يحمل على الإطلاق، ويكون «من سرر شعبان»، و«من سرر رمضان» كله من كلام الرواة، لكن قوله: «أما صمت سرر هذا الشهر؟»، قال: أظنه يعني رمضان، وفيها كلام طويل سيأتي -إن شاء الله تعالى-، وهنا قال أبو عبد الله في نهاية الحديث: وقال ثابت عن مطرف عن عمران عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من سرر شعبان»، هذا معارض لحديث تقدم رمضان بيوم أو يومين.

وللعلماء مسالك: إما أن يقال كما قال الإمام البخاري: الصوم من آخر الشهر، فيكون جميع الأشهر ليكون عادة له، فيدخل في الاستثناء «إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه»، وهنا ينتفي الإشكال، أو يقال: إن السرر -يعني على قول الجمهور: السرر آخر الشهر؛ على ما سيأتي-، وبعضهم قال: لا، السرر منتصف الشهر؛ ليرتفع هذا الإشكال على ما سيقرر -إن شاء الله تعالى-.

في عمدة القاري يقول: أي: هذا باب في بيان فضل الصوم في آخر الشهر، وفي بعض النسخ: من آخر الشهر، وقوله: هذا يطلق على آخر كل شهر من الأشهر، آخر كل شهر من الأشهر -يعني إطلاق البخاري- رحمه الله- ينصرف إلى آخر كل شهر من الأشهر، ومع هذا الحديث مقيد بشهر شعبان، والوجه إطلاقه، يقول العيني: والوجه إطلاقه -يعني على ما اختار البخاري- إشارةً إلى أن ذلك لا يختص بشعبان، بل يؤخذ من الحديث الندب إلى صيام أواخر كل شهر ليكون عادة للمكلف -يعني فلا يعارض حديث التقدم-، فإن قلت: يعارض هذا النهي بتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، قلت: لا معارضة لقوله في حديث النهي: «إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه» -يعني فإذا كان عادة، فإنه حينئذ لا يعارض الحديث-.

مطابقة الحديث للترجمة تؤخذ مما ذكرنا الآن الذي هو ما يفيد الإطلاق من رفع التعارض بين الحديثين.

قوله: سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا، في الأصل أنه سأله، يعني سأل عمران أو سأل رجلًا وعمران يسمع، وهذا شك من مطرف، فإن ثابتًا رواه عنه بنحوه على الشك أيضًا أخرجه مسلم، وأخرجه من وجهين آخرين عن مطرف بدون شك على الإبهام أنه قال لرجل، زاد أبو عوانه في مستخرجه: من أصحابه، ورواه أحمد من طريق سليمان التيمي، به، قال لعمران بغير شك قال: «يا أبا فلان، يا أبا فلان»، ماذا عندك؟

المقدم: «يا أبا فلان».

«يا أبا فلان»، يعني كذا في نسخة من رواية لأبي ذر، الكنية لأبي فلان، «يا أبا فلان»، وللأكثر: «يا فلان»، نسخة من رواية أبي ذر: الكنية «يا أبا فلان»، ورواية الأكثر؟

المقدم: «يا فلان».

«يا فلان! أما صمت سرر هذا الشهر؟»، «أما صمت سرر هذا الشهر؟».

قال الخطابي في أعلام الحديث: السَّرر والسِّرار آخر الشهر، وسمي سررًا لاستمرار القمر فيه، هذا قول الأكثر.

المقدم: لاستمرار ولاستسرار؟

لاستسرار، السَّرر والسِّرار آخر الشهر، وسمي سررًا لاستسرار القمر فيه، وقد يتأول معنى ذلك على أن هذا الرجل كان قد أوجبه على نفسه بنذر، فأمره بالوفاء به، أو كان ذلك عادة له قد اعتادها، فأمره أن يحافظ عليها، وإنما تأولناه على هذا المعنى لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستقبل الشهر -يعني رمضان- بصوم يوم أو يومين.

فامتثال هذا التوجيه «أما صمت سرر هذا الشهر؟»، والمقصود شعبان، معارض للحديث، لكن الخطابي حمله على أن ذلك أوجبه على نفسه بنذر أو كانت له عادة.

في شرح الكرماني: السرر، قال النووي: ضبطوه بفتح السين وكسرها، وحكي ضمها، ويقال أيضًا: سرار، بكسر السين وفتحها وكله من الاستسرار، قال الجمهور: المراد به، قال الجمهور: المراد به آخر الشهر لاستسرار القمر فيه، وقال بعضهم: هو وسط الشهر، وسرر كل شيء وسطه، والسرة الوسط، وهو أيام البيض، وروى أبو داود عن الأوزاعي أن سرره هو أوله.

يعني الأقوال ثلاثة:

الآخر، قول الجمهور.

الوسط، ويؤيده الحث على صيام البيض وبه يرتفع الإشكال بالكلية.

روى أبو داود عن الأوزاعي أن سرره أوله، ولكن هذا القول مضعف عند أهل العلم.

وقال أبو عبيد: الاستسرار قد يكون ليلة وقد يكون ليلتين، وبين المؤلف المراد بالشهر بقوله في رواية عنه: «من سرر شعبان»، واقتصر عليها المختصر، وفي الأصل عندك في الأصل في البخاري قال: أظنه يعني رمضان، قال ابن حجر: هذا الظن من أبي النعمان لتصريح البخاري في آخره بأن ذلك لم يقع في رواية الصلت؛ لأن البخاري قال: حدثنا الصلت بن محمد قال: حدثنا مهدي بن غيلان وحدثنا أبو النعمان قال: حدثنا مهدي، فالحديث يرويه البخاري من طريق الصلت وأبي النعمان، الأول الصلت، والثاني أبو النعمان، لفظ الصلت؟

المقدم: أظنه قال.

لم يقل الصلت: أظنه يعني رمضان، ينفيه في، قال أظنه قال: يعني، يعني رمضان، لم يقل الصلت: أظنه رمضان، والحديث من طريق اثنين، إذًا؛ يتعين أنه من؟

المقدم: أبو نعمان.

من أبي النعمان، من أبي النعمان؛ لأنه البخاري بين أن..، صرح البخاري في آخره بأن ذلك لم يقع في رواية الصلت، إذًا يكون من رواية...

المقدم: أبو النعمان.

أبي النعمان، يتعين أن يكون من رواية أبي النعمان.

طيب، الحافظ ابن حجر حينما يقرر هذا الكلام بناءً على قول البخاري وتصريحه بأن الصلت لم يقل، هل نحن بحاجة إلى تصريح البخاري؟ يعني لو لم يقل البخاري: أن الصلت، لم يقل الصلت: أظنه يعني رمضان، نحن بحاجة أن نقول مثل هذا؟ أو نجزم بأنه من أبي النعمان؟ ولو لم يقل البخاري: لم يقل الصلت: أظنه يعني رمضان؛ لأن الحافظ ابن حجر قرر أنه ظهر له بالاستقراء أن البخاري إذا روى الحديث عن اثنين، فاللفظ للآخر منهما، واللفظ..، والآخر منهما أبو النعمان، الآخر منهما أبو النعمان، إذًا هذا لفظه على حسب ما ظهر.. لابن حجر بالاستقراء من صنيع البخاري مع أن هذا الاستقراء يعني اختل في مواضع يسيرة، ويبقى أن هذا التصريح لا بد منه، وإن كان تصريحًا بما هو مجرد توضيح للاستقراء.

يقول ابن حجر: هذا الظن من أبي النعمان لتصريح البخاري في آخره بأن ذلك لم يقع في رواية الصلت، وكأن ذلك وقع من أبي النعمان لما حدث به البخاري، وإلا؛ فقد رواه الجوزقي من طريق أحمد بن يوسف السلمي عن أبي النعمان بدون ذلك، وهو الصواب، ونقل الحميدي عن البخاري أنه قال: إن شعبان أصح، وقيل: إن ذلك ثابت في بعض الروايات في الصحيح.

في شرح الخطابي قال: هكذا جاء في الحديث أظنه يعني رمضان، وجاءت الأحاديث كلها بخلافه.

ما معنى قول: «أما صمت سرر هذا الشهر؟»، ويريد به رمضان، يعني أول رمضان، وأثناء رمضان، وآخر رمضان مستوٍ في الفرضية.

المقدم: فكيف يقول هذا؟!

نعم، هكذا جاء في الحديث أظنه يعني رمضان، وجاءت الأحاديث كلها بخلافه، وإنما هو شعبان، إذ لا معنى لأمره إياه بصيام سرر رمضان، إذ كان ذلك مستحقًّا عليه -مستحق فرض- نحو الفرض في جملة الشهر، وكذلك رواه حماد عن ثابت عن مطرف، والجريري عن أبي العلاء عن مطرف قال: «هل صمت من سرر شعبان»، قال، هكذا قالا، وذكر رمضان وهم، والله أعلم.

وأطال ابن حجر -رحمه الله تعالى- في تقرير هذا الوهم، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

المقدم: شيخ، فيه إشكال في مسألة قوله: أظنه رمضان أيضًا، لعلنا يكون مبتدأ حلقتنا القادمة -بإذن الله- نربط هذه الروايات مع بعضها -بإذن الله تعالى- بالحديث عنها -إن شاء الله-.

نعم، كلهم يقررون أن هذا وهم، وسيأتي في كلام العيني أنه صواب.

المقدم: إذًا نبدأ الحلقة القادمة -بإذن الله- بهذه المسألة، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح، لقاؤنا بكم -بإذن الله- في حلقة قادمة وأنتم على خير.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.