كتاب القضاء من سبل السلام (8)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا والسامعين، أمَّا بعد،

فقال في البلوغ وشرحه، في بَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ من كتاب القضاء:

وَعَنْ جَابِرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ»، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ مِنْ حَدِيثِ.."

مما يدل على أنَّ اليمين تتأكد، ويغلظ أمرها بالنسبة للمكان والزمان، بالنسبة للمكان كمنبره- عليه الصلاة والسلام-، أو في جوف الكعبة، أو غير ذلك من الأماكن، أو عشية عرفة بعرفة، أو ما أشبه ذلك بالأماكن الفاضلة والأزمنة الفاضلة أيضًا، لا شك أنَّ مثل هذا يتغلظ، ويزداد فيه الإثم.

"وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ يَسْتَحِلُّ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا».

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَةِ إثْمِ مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَاذِبًا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَغْلِيظِ الْحَلِفِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ هَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَوْ لَا؟

وَالْحَدِيثُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، إنَّمَا فِيهِ عَظَمَةُ إثْمِ مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَذَهَبَت الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ لَا تَغْلِيظَ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَالِفِ الْإِجَابَةُ إلَى ذَلِكَ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ التَّغْلِيظُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، قَالُوا: فَفِي الْمَدِينَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَفِي مَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَفِي غَيْرِهِمَا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَكَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الزَّمَانِ يَنْظُرُ إلَى الْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ كَبَعْدِ الْعَصْرِ وَلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ."

وجاء في الوقت بعد العصر، جاء فيه نص.

"وَلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.

احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِإِطْلَاقِ أَحَادِيثَ «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»، وَبِقَوْلِهِ: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ»، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَبِفِعْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ. وَاسْتَدَلُّوا لِلتَّغْلِيظِ بِالزَّمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [سورة المائدة:106]، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: يُسْتَحَبُّ التَّغْلِيظُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلَا يَجِبُ. وَقِيلَ: هُوَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ لِلْحَاكِمِ إذَا رَآهُ حَسَنًا أَلْزَم بِهِ."

لا سيما إذا كان المحلوف عليه من المهمات.

"وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ»، هَذا كِنَايَةٌ عَنْ غَضَبِهِ تَعَالَى، وَإِشَارَةٌ إلَى حِرْمَانِهِمْ مِنْ رَحْمَتِهِ".

وفيه إثبات الصفة لله- جلَّ وعلا- النظر المستلزم للعين ففيه إثبات هذا لله- جلَّ وعلا- على ما يليق بعظمته وجلاله، كما أنَّ فيه أيضًا إثبات الكلام.

"أَيْ لَا يُطَهِّرُهُمْ عَنْ أَدْنَاسِ الذُّنُوبِ بِالْمَغْفِرَةِ".

وأمَّا ما ذكره الشارح فإنَّه لازم الصفة، هذا لازم الصفة، وليس بتفسير الصفة.

"«وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ فمنعه من ابْنَ السَّبِيلِ»".

فمنعه أم يمنعه؟

القارئ: أنا عندي: فمنعه يا شيخ.

طيب، طيب، «يمنع ابن السبيل».

عفا الله عنك.

"«رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ فيمنعه من ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ..»"

وهذا هو الشاهد تغليظ الزمان.

"«فَحَلَفَ لَهُ بِاَللَّهِ لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا، وَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إلَّا لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَّى، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: «عَلَى فَضْلِ مَاءٍ» أَيْ عَلَى مَاءٍ فَاضِلٍ عَنْ كِفَايَتِهِ، فَهَذَا مَنَعَ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ لَهُ".

من إضافة الصفة إلى الموصوف.

"فَهَذَا مَنَعَ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ لَهُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ: «فَصَدَّقَهُ» أَيْ الْمُشْتَرِي، وَضَمِيرُ (هُوَ) لِلْأَخْذِ مَصْدَرُ قَوْلِهِ: «لَأَخَذَهَا»؛ لِدَلَالَةِ فِعْلِهِ عَلَيْهِ مِثْلُ {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [سورة المائدة:8]".

يعني العدل، العدل يعني أقرب للتقوى المأخوذ من اعدلوا.

"أَيْ وَالْأَخْذُ عَلَى غَيْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَهَذَا ارْتَكَبَ أَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ: الْحَلِفَ بِاَللَّهِ، وَالْكَذِبَ فِي قِيمَةِ السِّلْعَةِ، وَخَصَّ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ لِشَرَفِ الْوَقْتِ، وَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ مَنْ غَلُظَ بِالزَّمَانِ.

 وَقَوْله: «بَايَعَ إمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إلَّا لِلدُّنْيَا» أَيْ لَمَّا يُعْطِيه مِنْهَا. وَالْوَعِيدُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُبَايَعَةِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا نِيَّةٌ غَيْرُ صَالِحَةٍ، وَلِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْخُرُوجِ عَنْ الطَّاعَةِ وَتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ".

هم ثلاثة، ثلاثة لا يكلمهم الله وكل واحد من الثلاثة اتصف بصفة من الصفات الثلاث، فيكفي لتحقيق وتحقق الوعيد صفة واحدة من هذه الصفات.

"وَالْأَصْلُ فِي بَيْعَةِ الْإِمَامِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا إقَامَةَ الشَّرِيعَةِ، وَيَعْمَلُ بِالْحَقِّ، وَيُقِيمُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِإِقَامَتِهِ وَيَهْدِمُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهَدْمِهِ". أو يُهدم يا شيخ؟

نعم؟

القارئ: المبني للمجهول.

يُقيم ويهدم، يعني الإمام.

القارئ: عفا الله عنك.

"وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ «وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»"،

يعني الغموس، الغموس من أصلها، هي في الأصل مغلظة، وتزداد غلاظًا بهذا الوقت.

"فَيَكُونُ مَنْ تُوُعِّدَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْوَعِيدِ أَرْبَعَةٌ. وَفِي مُسْلِمٍ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «وَشَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ»، وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إلَّا مِنَّةً، وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ، وَالْمُسَبِّلُ إزَارَهُ»، فَيحصل مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ تِسْعُ خِصَالٍ إنْ جَعَلْنَا الْمُنْفِقَ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَاَلَّذِي حَلَفَ بَعْدَ الْعَصْرِ لَقَدْ أَعْطَى كَذَا وَكَذَا: شَيْئًا وَاحِدًا، وَإِنْ جَعَلْنَاهُمَا شَيْئَيْنِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّ الْمُنْفِقَ سِلْعَتَهُ بِالْكَذِبِ أَعَمُّ مِنْ الَّذِي يَحْلِفُ لَقَدْ أَعْطَى فَتَكُون عَشْرًا.

وَعَنْ جَابِرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا.."

هذا يدل على أنَّ هذه الخصال من كبائر الذنوب، ومن عظائمها.

طالب: .........

كيف؟

طالب: .........

أعطى إذا كان اشترى، إذا كان يحلف اشترى بكذا ويكون أعطى، فإذا كان سيمت منه كذا يكون أُعطي، يحتمل الأمر كلاهما.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: .........

لقد أعطى، يعني اشتراها بكذا.

"وعن جابر- رضي الله عنه- أنَّ رجلين اختصما فِي نَاقَةٍ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: نَتَجَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ عِنْدِي، وَأَقَامَا أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن هِيَ فِي يَدِهِ.

سَيَأْتِي مَنْ أَخْرَجَهُ، وَأَخْرَجَ الَّذِي بَعْدَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْبَيْهَقِيُّ، وَلَمْ يُضَعِّفْ إسْنَادَهُ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّ فِيهِ "تَدَاعَيَا دَابَّةً"، وَلَمْ يُضَعِّفْ إسْنَادَهُ أَيْضًا.

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَدَ مُرَجَّحَةٌ لِلشَّهَادَةِ الْمُوَافِقَةِ لَهَا. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ لَهُمَا: قَدْ اسْتَوَيْتُمَا فِي الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةِ وَلِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ سَبَبٌ بِكَيْنُونَتِهِ فِي يَدِهِ هُوَ أَقْوَى مِنْ سَبَبِك فَهُوَ لَهُ الفضل قُوَّةِ سَبَبِهِ، وَذَكَرَ هَذَا.."

فهو له بفضل قوة سببه.

القارئ: فهو له؟

يعني المُدَّعى بفضل قوة سببه، يعني هو بيده.

عفا الله عنك.

"فهو لك بفضل قوة سببه، وذكر هذا الْحَدِيثَ. وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْآلِ وَابْنُ حَنْبَلٍ إلَى أَنَّهَا تَرْجَحُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ قَالُوا: إذْ شُرِعَتْ لَهُ.."

نعم، عكس ما يدل عليه الحديث، تُرجح بينة الخارج، يعني الذي ليس بيده المُدَّعَى.

"قالوا: إذ شرعت له وَلِلْمُنْكِرِ الْيَمِينُ، وَلِقَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي»، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تُفِيدُ بَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ- عليه السلام- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَبَيِّنَتُهُ لَا تَعْمَلُ لَهُ شَيْئًا" ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ".

لماذا؟

لأنَّ البينة قد تكون قد تتأثر بوجود العين في يده، البينة تشهد أنَّها له؛ لأنَّهم يرونه في يده منذ أمد، فيشهدون أنَّه له، لكن البينة التي تشهد أنَّ هذه العين لشخص لم يروها في يده، فلا شك أنَّها أقوى، عرفنا الفرق؟

طالب: ..............

نعم، العين التي بيد شخص يدَّعيها قد يجد من يشهد له أنَّها له، رآها في يده مرارًا لا سيما أنَّ بعض الناس يتأثر، يتأثر بما يُشاهد ويقبل التلقين، بعض الناس يقبل التلقين في الشهادة، لكن الخارج الذي ما بيده شيء، يجيء يشهد له واحد ما فيه تأثر بوجود العين بيده، وهذا الذي جعل الحنابلة يرجحون بينة الخارج. شخص جلس عنده شخص من هذا النوع وقال له: إني اشتريت الأرض الفلانية بمبلغ كذا، كلام، هذا يسمع، فقال له: على البركة، وأرض طيبة وممتازة، وموقعها زين. ثم يجيئه مرة ثانية بعد أسبوع يقول: والله دفعنا بعض القيمة، وعجزنا ونريد أن نتسلف الباقي، وما فيه أرض ولا شيء، ولا اشترى ولا شيئًا، ثم يجيئه بعد أسبوع يقول: والله الحمد لله، تدبرت الأمور واشتريناها، ثم يجيئه بعد أسبوع ويقول: والله إني محتار أنا الآن هل أعمرها سكنًا أو تجارة أو أعرضها للبيع ولا كذا، هذا من كثرة ما يردد عليه الكلام يقتنع، ثم بعد ذلك أسبوع رابع وخامس وسادس، ثم بعد ذلك يطلب منه الشهادة فيشهد له، من كثرة ما كرر عليه الكلام قَبِل التلقين، فمثل هذا النوع الذي يقبل التلقين لا تُقبل شهادته، تُرد شهادته.

"وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ خَاصٌّ، وَحَدِيث «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» عَامٌّ، وَالْخَاصُّ مُخَصِّصٌ مُقَدَّمٌ، وَأَثَرُ عَلِيٍّ- عليه السلام- لَمْ يَصِحَّ، وَعَلَى صِحَّتِهِ فَمُعَارَضٌ بِمَا سَبَقَ.

وَعَنْ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقَسّمُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُقَوِّيَةٌ لِبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، فصارت بَيِّنَةَ الْخَارِجِ. وَيُرْوَى عَنْهُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ.

رَوَاهُمَا أَيْ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِي إسْنَادِهِمَا ضَعْفٌ."

يُقسم بينهما، هل يُمكن أن يُستدل للقسمة بحكم داود- عليه السلام-؟ يعني نفترض أن المُدَّعى بين المرأتين بدل الولد متاع، الولد ما يُمكن قسمته، لكن لو كان متاعًا أمكنت قسمته، وترجيح حكم سليمان- عليه السلام وعلى والده وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- ترجيح حكم سليمان؛ لأنَّه توصل إلى ما يُمكن تطبيقه من حق، استدل بشفقة الأم على أنَّه لها، ولو لم يكن بيدها. لكن لو كان متاعًا ألا يُمكن أن يتجه حكم سليمان ويُقسم بينهما كما قال؟ نعم، يُقسم بينهما، الكلام الأخير.

وَعَنْ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقَسّمُ بَيْنَهُمَا إذا تساوت البينات. الآن حكم داود مرجوح، وحكم سليمان راجح، فهل يُمكن أن يُحكم للمرجوح ببعض الصور الممكنة؟ أو نقول: مادام مرجوحًا، خلاص، ما يُلتفت إليه؟

طالب: ...........

يعني الحكم المحكوم أو القضية المحكوم ببطلان حكمها؛ لعم إمكان تحقيقها وتطبيقها هل يُحكم ببطلانها مطلقًا؟ الولد ما يُمكن قسمته، لكن لو كان متاعًا يُمكن قسمته تساوت البينات ما المانع من القسمة بينهما؟

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

 نعم، حكم به للكبيرة؛ لأنَّه بيدها. لكن لو افترضنا أنَّه يُمكن قسمته، لماذا عدل سليمان عن القسمة؛ لأنَّها غير ممكنة، داود عدل عن القسمة؛ لأنَّها غير ممكنة، فحكم به للكبيرة التي هو في يدها.

 على كل حال هو دليل لمن يقول على مقتضى الحديث السابق أنَّه يُحكم لمن هو بيده، وحكم سليمان مرجح لمذهب الحنابلة يقولون: المرجح قول اليد الخارجة، وإن كان استنباطه لا لهذا، لا لكونها خارجة، وإنَّما لكمال الشفقة، لكن لو كان متاعًا آخر فما فيه كمال شفقة يُمكن أن يستنبط منه حكم آخر.

طالب: ...........

المتاع يُمكن قسمته، فإذا تساوت البينات لا..

طالب: ..........

استدلال بحديث سليمان نقول: ما الذي منع سليمان من القسمة؟ عدم الإمكان، فإذا كان من الممكن قسمته، ما لا يُمكن قسمته يُمكن.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: .............

والله الذي يظهر وجوده بيدها.

"وجه ضعف هذا الحديث؛ لِأَنَّ مَدَارَهُمَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ الْفُرَاتِ، وَمُحَمَّدٍ لَا يُعْرَفُ، وَإِسْحَاقُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْكَشَّافِ: إنَّ إِسْحَاقَ بْنَ الْفُرَاتِ قَاضِي مِصْرَ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الِاعْتِمَادُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى أَحَادِيثِ الْقَسَامَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ: «أَتَحْلِفُونَ؟»، فَأَبَوْا، فَقَالَ: «فَتَحْلِفُ يَهُود»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ."

يعني ردَّ اليمين على المُدَّعَى عليه.

"وهو حديث صحيح، وَسَاقَ الرِّوَايَاتِ فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهَا رَدُّ الْيَمِينِ، قَالَ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ فِي رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

 قُلْت: وَهَذَا مِنْهُ قِيَاسٌ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُقَاسُ عَلَى مَا خَالَفَ الْقِيَاسَ. وَقَد اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْكِتَابِ عَلَى ثُبُوتِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهَا تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ شَيْءٌ إلَّا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي.

وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِالنُّكُولِ مِنْ دُونِ تَحْلِيفٍ لِلْمُدَّعِي. وَقَالَ الْمُؤَيَّدُ: لَا يُحْكَمُ بِهِ، وَلَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ. اسْتَدَلَّ الْهَادَوِيَّةُ بِأَنَّ النُّكُولَ كَالْإِقْرَارِ. ورُدَّ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَمَرُّدٍ عَنْ حَقٍّ مَعْلُومٍ وجوابه عَلَيْهِ".

معلوم وجوبه عليه.

"ورُد أنَّه مجرد تمرد عن حق معلوم وجوبه عليه، وهُوَ الْيَمِينُ، فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يُوَفِّيَهُ أَوْ يُسْقِطَهُ بِالْإِقْرَارِ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ حَكَمَ بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مُوسَى، وَأُجِيبُ بأنَّ ذلك ليس بحجة؛ إذ هو فعل صحابي، نَعَمْ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كَانَ الْحُجَّةُ فِيهِ".

قف على هذا.

 اللهم صلِّ على محمد.

نعم.

طالب: ..........

 سبق أن ذكرنا قول الإمام مالك أنَّه لا يعلم أحدًا قال من أهل العلم برد اليمين، وأنَّ قضاة عصره كابن شبرمة، وابن أبي ليلى قالوا بهذا، قالوا برد اليمين على المُدَّعِي.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد.