شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (327)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيها المستمعون الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في بداية هذه الحلقة نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: ما زال الحديث مستمرًا في الحديث مائة وثلاثين بحسب المختصر، مائة واثنين وستين بحسب الأصل، لمتابعة الإخوة والأخوات توقفنا عند مجموعة من الأحكام منها في الأحكام المتعلقة بقوله – صلى الله عليه وسلم –: «وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه» الحديث.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

المقدم: اللهم صل عليه وسلم.

أما بعد،

فقد مضى ما يتعلق بمفردات الحديث، وبقي ما يستنبط من عمومه من أحكام، فيقول الكرماني: في الحديث أن غسل النجاسة سبعًا مخصوص ببعض النجاسات، وأن ما دونها من العدد كافٍ لإزالة سائر الأنجاس؛ لأنه ليس فيه تحديد الحديث، قال: في الحديث أن غسل النجاسة سبعًا مخصوص ببعض النجاسات، وأن ما دونها من العدد كافٍ لإزالة سائر الأنجاس.

المقدم: هو على احتمال أن في يده نجاسة يعني إذا استيقظ.

غلبة ظن؛ لأنه لا يدري، قال: وفيه أن موضع النجاسة مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة مع بقاء أثر النجاسة عليه، في أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة مع بقاء أثر النجاسة عليه؛ لأنه الآن اليد أمر بغسلها، لاحتمال أن يكون فيها نجاسة مع أنه في حال الاستنجاء هل الاستجمار بالأحجار هل نجزم بأن المحل حصل له..

المقدم: طهارة كاملة.

الطهارة كاملة.

المقدم: لا نجزم.

نعم؛ لأن ضابط الاستجمار المجزي أن لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، فمعنى هذا أنه يبقى فيه أثر، ولذا قال: وفيه أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة مع بقاء أثر النجاسة عليه، يعني الأثر الذي لا يزيله إلا الماء، قال: وفيه أن العمل بالاحتياط في باب العبادات أولى؛ لأنه قال: «فإن أحدكم لا يدري» فيكون الغسل من باب الاحتياط، لماذا لا يكون من باب الإلزام؟ والخلاف فيه كما تقدم، منهم من يقول بالوجوب، ومنهم من يقول بالاستحباب، هذا تقدم، والجمهور على أنه للاستحباب، إذًا ما الفرق بين غسل اليد هنا بالنسبة للمستيقظ، وبين غسل اليد بالنسبة لعموم المتوضئين، حتى غير المستيقظين.

المقدم: قلنا هناك: يستحب، ولا يحصل عليه كراهة لو تركه.

نعم، لو تركه لم يكره، وهنا لو تركه يكره، لماذا؟ لأن هناك ثبت الفعل من غير أمر، وليس فيه نهي عن الترك، وهنا فيه أمر بالفعل ونهي عن الترك.

 وفيه أن النجاسة المتوهَّمة يستحب فيها الغسل، ولا يؤثر فيها الرش، ما معنى هذا؟ أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل، ولا يؤثر فيها الرش، يعني المتوهم ما يكفي أن ترشه، الرش إنما هو للنجاسة المخففة مثل المذي مثلًا، «انضح فرجك وتوضأ»، ومثل بول الصبي.

المقدم: إذا لم يطعم.

هذا نجاسة مخففة يؤثر فيها الرش، لكن النجاسة المغلظة لا يؤثر فيها الرش، لكن كونها متوهمة ليست محققة يستحب غسلها، فالاستحباب؛ لأنها متوهمة، وإلا لوجب غسلها، لأنها متوهمة، وكونه لا يؤثر فيها الرش؛ لأنها نجاسة الكلام في النجاسة المغلظة، أما المخففة فيؤثر فيها الرش.

 هنا مسألة، مسألة قوله: المتوهمة، الوهم هو الاحتمال المرجوح، والظن هو الاحتمال الراجح، والشك هو الاحتمال المساوي، إذا شك في النجاسة، والأصل الطهارة، هل يستحب له أن يغسل؟ لأن عندنا المعلوم متفاوت، منه المتوهم وهو الاحتمال المرجوح، والشك وهو الاحتمال المساوي، والمظنون وهو الاحتمال الراجح، يعني كونه يستحب في المظنون، والأحكام مبنية على غلبة الظن، هذا ما فيه إشكال، بل إذا غلب على الظن يجب الغسل، في الشك والأصل الطهارة، والشك لا يزيل اليقين، فماذا عن الوهم؟ لأنه يقول: إن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل، ولا يؤثر فيها الرش، يعني إذا طرأ أدنى احتمال على وقوع نجاسة، يعني لو رأى لونًا وشك فيه أو توهمه نجاسة هل نقول: يغسله؟ يغسله أم لا؟ لأنه هنا يقول: يستحب فيها الغسل.

المقدم: مع التوهم.

مع التوهم، مع الاحتمال المرجوح، الأصل أنه لا يستحب، لاسيما إذا تكرر، مخافة أن يوصل إلى الوسواس.

المقدم: مخافة الوسواس.

نعم، قال: وفيه استحباب استعمال الكنايات فيما يتحاشى من التصريح به، استحباب استعمال الكنايات، استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى من التصريح به، فإنه –صلى الله عليه وسلم– قال: «فإنه لا يدري أين باتت يده» ولم يقل: فلعل يده وقعت على دبره، فإنه قال: لا يدري، ولم يقل: فلعل يده وقعت على دبره، وهذا إذا علم أن السامع يفهم المقصود منها، يعني الكنايات تمشي على ناس دون أناس، يعني الذي فهمه يفهم من الكلام هذا استعمال الكناية معه أفضل من التصريح، لكن بعض الناس ما يفهم.

المقدم: صحيح، وهو الأصل.

إذًا لابد من التصريح، إذا لم يفهم بالكناية لابد من التصريح، يعني في قاعة الدرس والقاعة فيها خليط من العرب والأعاجم وغيرهم.

المقدم: هذا الأصل التصريح.

الأستاذ يشرح الوضوء من مس الذكر، عموم الطلاب فهموا المقصود، لكن طالب أعجمي قال: ماذا يعني؟ جاء بما يحتمل من ألفاظ، كل ما يحتمله من ألفاظ، وما يطلق عليه..

المقدم: ما فهم.

ما فهم، ما فهم، ماذا بقي؟ ما بقي إلا الإشارة، فاستعمال الكنايات لا شك أنه هو الأدب، استعمال الكنايات هو الأدب، وهو أسلوب الكتاب والسنة ما لم تقع الحاجة تكن الحاجة داعية إلى التصريح، فمثلًا من الأدب ألا ينسب الإنسان لنفسه شيئًا قبيحًا وهو يحكيه عن غيره، فمثلًا في حديث وفاة أبي طالب كل الرواة يقولون..

المقدم: أنه قال كذا.

هو هو على ملة عبد المطلب.

المقدم: في الآية { والْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا } [سورة النور: 9].

نعم، كلهم يقولون هو على ملة عبد المطلب، لكن في حديث ماعز لما كانت الحاجة داعية إلى مثل هذا التصريح فقال ماعز: إني زنيت، ما قال الراوي فقال ماعز: إنه زنى، لماذا؟ لأن النسبة الفعل إليه مطلوبة في إقامة الحد؛ لأنه لو قال: إنه زنى احتمال أن يكون ماعز لفظ بهذه اللفظة، وحينئذ يدرأ عنه الحد، فمثل هذا لابد من التصريح، وجاء التصريح بألفاظ في حديث ماعز يستدعيها إقامة الحد، ويتطلبها ذلك لا يحسن النطق بها في غير هذا الموضع، وهذا إذا علم أن السامع يفهم المقصود منها وإلا فلابد من التصريح به، يعني باللفظ الصريح لينتفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب.

 وقال ابن عبد البر فيما نقله ابن حجر: فيه إيجاب الوضوء من النوم، من أين في الحديث؟ «وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده».

المقدم: «قبل أن يدخلها في وضوئه».

نعم، في الماء الذي يتوضأ فيه.

المقدم: مما يدل على أنه سيتوضأ جزمًا.

الآن الماء الذي يعد للوضوء يقال له وَضوء، فهذا أمر بالغسل..

المقدم: قبل أن يدخلها في الوَضوء.

بالغسل وسيلة إلى الوضوء، فمادامت الوسيلة مأمورًا بها، تنظيف الآلة التي هي اليد وسيلة فمادامت الوسيلة مأمورًا بها، إذًا الغاية مأمور بها من باب أولى، ولذا قال فيه إيجاب الوضوء من النوم.

طيب هل هذه دلالة أصلية أم دلالة تبعية.

المقدم: تبعية.

دلالة تبعية؛ لأن الحديث لم يسق من أجلها، يعني لو لم يرد في الباب إلا هذا الحديث.

المقدم: ما اعتبر دليلًا.

لو لم يرد في الباب إلا هذا الحديث ليس له موافق ولا معارض قلنا بالدلالة التبعية، وإذا ورد له معارض ألغينا الدلالة التبعية هنا، واعتمدنا الدلالة الأصلية فقط، في مثل هذا، هذا يدعم دلالات أصلية أخرى فيستأنس به، ولذلك قال: فيه إيجاب الوضوء من النوم، وفيه تقوية من يقول بالوضوء من مس الذكر، حكاه أبو عوانة في صحيحه عن ابن عيينة.

 قال العيني: وفيه بعد جدًّا، فيه تقوية من يقول بالوضوء من مس الذكر، حكاه أبو عوانة في صحيحه، يعني ابن عيينة، قال العيني: وفيه بعد جدًّا، هل الأمر في الحديث بالوضوء أو بالغسل؟

المقدم: الأمر بالغسل قبل الوضوء.

قبل الوضوء، الغسل من أجل ماذا؟ من مس الذكر؟ وهل يلزم غسل اليدين من مس الذكر؟ يلزم الوضوء، لكن هل فيه دلالة على غسل اليدين من مس الذكر؟

المقدم: ليس بالضرورة.

إنما الأمر والتعليل فإنه لا يدري أين باتت يده، ليس المراد به احتمال أن يكون مس ذكره؛ لأن مس الذكر لا يلزم منه غسل اليدين، ظاهر أم ليس بظاهر؟

المقدم: ظاهر.

ولذلك يقول العيني: وفيه بعد جدًّا، والمسألة فيها حديثان، حديث طلق بن علي، وحديث بسرة، حديث بسرة فيه الأمر بالوضوء من مس الذكر، وفي طلْق: «إنما هو بضعة منك»، والخلاف معروف عند أهل العلم، وحديث بسرة أقوى.

 وفيه أنه لا يلزم الغسل ثلاثًا إذا لم يدخل يده في الإناء، يعني إذا أراد أن يدخل يده في الإناء جاء التقييد بالثلاث، فليغسلها ثلاثًا، لكن إذا لم يرد إدخال اليد في الإناء يغسل أم ما يغسل؟

المقدم: يغسل.

 المقدم: إذا لم يرد.

لم يرد.

المقدم: يعني صار الماء يسكب، من صنبور مثلًا.

يلزم أن يغسل ثلاثًا؟

المقدم: يكون استحبابًا كغيره من..

نعم، لكن الآن فيه الأمر ثلاثًا، جاء في بعض روايات الحديث: «فليغسلها ثلاثًا» نعم. والعلماء يقولون: وفيه أنه لا يلزم الغسل ثلاثًا إذا لم يرد أن يدخل يده في الإناء، ولذلك يقول: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه»، إذا لم يرد أن يدخلها بأن كان الماء ينزل عليه من أعلى، أو يسقي الإناء فيصب على يمينه فيغسل يساره به، فلو صب على يديه من إناء لم يلزمه الغسل ثلاثًا، وقال ابن حزم: يلزمه ذلك، نقله العيني، لماذا يلزمه ذلك؟

المقدم: لأنه ينتقل إلى أجزاء وجهه مثلًا، ويخشى انتقال النجاسة إليه.

لأن النجاسة المظنونة في اليدين التي يلزم من غسلها ثلاثًا إذا أراد أن يدخل يده الإناء هو يريد أن يباشر بها لاسيما إذا صارت رطبة بغسلها مرة مثلًا أن يباشر بها أعضاء الوضوء.

 وقال النووي: إذا كان الماء في إناء كبير بحيث لا يمكن الصب منه، وليس معه إناء صغير يغترف به، فطريقه أن يأخذ الماء بفيه، ثم يغسل به كفيه أو يأخذ بطرف ثوبه النظيف، أو يستعين.. نعم تأتي إلى محل إناء من حجارة، تريد أن تتوضأ، ما يوجد هذا يوجد إناء من حجارة، وليس فيه أكثر من قلتين لنخرج على قول من يقول: إنه إذا زاد عن القلتين على ما سيأتي أنه لا يؤثر فيه شيء، لم يحمل الخبث، كما في حديث ابن عمر، إذا كان إناءً من حجارة أو إناء من غير الحجارة لكنه مثبت، لا تستطيع أن تصغيه إلى جهة فتغترف، وليس معك إناء صغير تأخذ به، ما الحيلة؟

بعضهم وهذه ظاهرية محضة يقول: يتحايل على الماء، بدل من أن يدخل يديه في الإناء وهو ساكن، وقد نهينا أن نغتسل الماء الدائم إلى آخره، يقول: يلقي عليه شيئًا يلقي فيه حصاة أو خشبًا يجعله يتحرك؛ لئلا يكون دائمًا، هذه ظاهرية محضة.

 قالوا: يأخذ بفيه ثم يغسل به كفيه؛ لأن بعض الناس يسمع مثل هذه المسألة يتعجب يقول: كيف، نحتاج إلى الفم، ونحتاج طرف الثوب، ما الداعي؟ لأنه عاش في ظرف تيسرت فيه الأمور فيستغرب أن يكون إناء في حجر مثلًا، فيه إناء من حجارة.

 أو يأخذ بطرف ثوبه النظيف أو يستعين بغيره، يستعين بغيره، بشخص غير مستيقظ من النوم، وقال العيني: قلت: لو فرضنا أنه عجز عن أخذه بفمه ولم يعتمد على طهارة ثوبه، ولم يجد من يستعين به فماذا يفعل؟ ضاقت المسالك، عجز عن أخذه بفمه، لا يستطيع الوصول إليه بفمه، ولم يعتمد على طهارة ثوبه، احتمال أن يكون فيه ما فيه، ولم يجد ما يستعين به، ماذا يفعل؟ قال العيني: وما قاله أصحابنا أوسع، وأحسن، يشير إلى قوله: إن النهي في الإناء الكبير محمول على المبالغة، يقول: وما قاله أصحابنا -يعني الحنفية- أوسع وأحسن، يشير إلى قوله: إن النهي في الإناء الكبير محمول على المبالغة، نعم إذا كان الإناء كبيرًا.

المقدم: الأمر أيسر.

الأمر سهل؛ لأن تأثره أقل من الماء القليل، لكن يبقى إذا كان الماء قليلًا في إناء كبير، أو في إناء لا يمكن تحريكه، يبقى أن ما قاله النووي له وجه.

 وقال العيني أيضًا: الحكم لا يختلف بينه- يعني الماء- وبين غيره من الأشياء الرطبة، يعني إذا أراد أن يأكل، قام من النوم فأراد أن يأكل، يغسل يده ثلاثًا قبل أن يضعها في المأكول منه؟ نعم. يقول: لا يختلف الحكم بينه وبين غيره من الأشياء الرطبة.

 وقوله: «فإن أحدكم» خطاب للعقلاء البالغين المسلمين. «فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده»، قال: وقوله: «فإن أحدكم» خطاب للعقلاء البالغين المسلمين، فإن كان القائم من نومه صبيًّا، أو مجنونًا أو كافرًا، فذكر في المغني أن فيه وجهين:

أحدهما: أنه كالمسلم البالغ العاقل؛ لأنه لا يدري أين باتت يده، العلة موجودة في الكبير، في الصغير، في العاقل، في المجنون، في المسلم، في الكافر، نعم؛ لأن المحظور وصف حقيقي، ما هو بوصف حكمي مثل الحدث يؤثر، لا، وصف حقيقي، قال: فذكر صاحب المغني وجهين:

أحدهما: أنه كالمسلم البالغ العاقل؛ لأنه لا يدري أين باتت يده، ولو قيل: إن المسلم البالغ العاقل أخف ممن ذكر لما بعد؛ لأنه يتحرى في الاستجمار أكثر من غيره، أكثر من الصبي، أكثر من المجنون، أكثر من غير المسلم.

والثاني: أنه لا يؤثر غمسه شيئًا؛ لأن المنع من الغمس إنما ثبت بالخطاب «فإن أحدكم» ولا خطاب في حق هؤلاء، لكن على القول الأول إنه كالمسلم أنه يكون من باب قياس الأولى، قياس الجلي.

 وفي قوله: «أحدكم» يخرج نومه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن المخاطِب هل يدخل في خطابه ؟ قوله: «فإن أحدكم» يخرج نومه -عليه الصلاة والسلام- فإنه تنام عينه دون قلبه، فإن قيل: إذا كان الأمر للندب فما الفرق بين المستيقظ وغيره؟ الجواب: عند من يقول بذلك أن غسلهما من غير القائم من نومه مستحب، ولا يكره ضده كما تقدمت الإشارة إليه، وغسلهما من المستيقظ مستحب، ويكره تركه.

 يقول ابن دقيق العيد في شرح العمدة: وليعلم الفرق هذه مهمة جدًّا؛ لأنه في الحد في التعريف، تعريف المستحب مقابل تمامًا لتعريف المكروه، المستحب يقابل المكروه، والسنة والمندوب مقابل للمكروه، فالمستحب والمندوب والسنة ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، وفي المكروه ما يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله، فهما متقابلان، فهل يتعاقبان؟ إذا قلنا: إنهما متقابلان هل يتعاقبان؟ يعني إذا ارتفعت السنة ثبت المكروه، أو العكس؟

المقدم: ليس بالضرورة.

لماذا؟ لأنه جاء الأمر بسنن..

المقدم: ولم يفعلها النبي – صلى الله عليه وسلم -.

جاء الأمر بسنن، مثلاً إنسان دخل المسجد مأمور بأن يصلي ركعتين، صلى ركعتين فلا يجلس حتى يصلي ركعتين جلس، هل نقول له: إنه يستحب لك أن تصلي ركعتين أخريين؟ نعم يستحب، كلما أكثر من الصلوات أصاب سنة، يعني له أجرها، لكن إذا جلس نقول: فعلت مكروهًا؟ لم يفعل مكروهًا.

 يقول: وليعلم الفرق بين قولنا: يستحب فعل كذا، وبين قولنا: يكره تركه، فلا تلازم بينهما، فقد يكون الشيء مستحب الفعل، ولا يكون مكروه الترك؛ كصلاة الضحى مثلًا، وكثير من النوافل، فغسلهما لغير المستيقظ من النوم قبل إدخالهما الإناء من المستحبات، وترك غسلهما من النوم من المكروهات، وقد وردت صيغة النهي عن إدخالهما في الإناء قبل الغسل في حق المستيقظ من النوم، وذلك يقتضي الكراهة على أقل الدرجات، لكن من قال: إن الأمر للوجوب فتركه محرم أم غير محرم؟ لأن الوجوب يقابل التحريم، لأن الواجب تركه يأثم به، والمكروه فعله يأثم به، والعكس فهما متقابلان.

المقدم: المحرم.   

المحرم نعم، الواجب يقابل المحرم، وهما متعاقبان ترك الواجب محرم، وترك المحرم واجب، بخلاف التقابل بين السنة والمكروه، وهذه التفرقة هي الأظهر.

 يقول ابن دقيق العيد: وهذه التفرقة هي الأظهر، قلت: ونظير ذلك تحية المسجد مستحبة عند الجماهير، ويكره تركها؛ لأنه جاء الأمر بها، وجاء النهي عن تركها؛ لورود النهي المحمول على التنزيه، وإذا صلى بعدهما ركعتين استحب له ذلك، ولا يكره ترك ما عدا التحية وهكذا، وإلا فيلزم على قول من يقول ذلك، على قول من يقول: يلزم من ترك المستحبات الوقوع في المكروهات، وهو مقتضى التقابل بين تعريفيهما أن الذي لا يعمر جميع وقته في المستحبات واقع في المكروهات باستمرار.

 والحديث خرجه الإمام مسلم أيضًا، فهو متفق عليه.

المقدم: وله طرف الذي قبله.

الذي قبله.

المقدم: مائة وواحد وستون. وأشرنا إليه.

هنا أشرنا في الحديث السابق أن طرفه الذي يليه.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

 نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة مع الحديث مائة وواحد وثلاثين بحسب المختصر، مائة وستة وستين بحسب الأصل، وأنتم على خير.

 شكرًا لطيب المتابعة.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.