كتاب البيوع من المحرر في الحديث - 08

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتاب المحرر:

باب الربا:

عن جابر -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: «هم سواء»، رواه مسلم.

 وعن مسروق عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الربا ثلاثة وسبعون بابًا»، رواه ابن ماجه، ورجاله رجال الصحيح، ورواه الحاكم وقال: على شرطهما، وزاد: «إن أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وأربى الربا عرض الرجل المسلم».

 وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورِق بالورِق، ولا تبيعوا الورق بالورق، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائبًا منهما بناجز»، متفق عليه.

 وعن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إن كان يدًا بيد»، رواه مسلم.

 وله عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الذهب بالذهب وزنًا بوزن، مثلاً بمثل، والفضة بالفضة وزنًا بوزن، مثلاً بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو ربا».

 وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلاً على خيبر فجاء بتمر جنيب فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أكل تمر خيبر هكذا؟»، فقال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فلا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا»، وقال في الميزان مثل ذلك.

 ولمسلم: وكذلك الميزان، متفق عليه.

 وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الصبرة من التمر لا يعمل مكيلتها، لا يعمل مكيلتها بالكيل المسمى من التمر.

 وعن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامًا بصاع قمح فقال: بعه، ثم اشتر به شعيرًا، فذهب الغلام فأخذ صاعًا وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمرًا أخبره بذلك فقال له معمر: لِمَ فعلت ذلك؟ انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلاً بمثل، فإني كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «الطعام بالطعام مثلاً بمثل»، وكان طعامنا يومئذ الشعير قيل له: فإنه ليس بمثله، قال: إني أخاف أن يضارع.

 وعن فضالة بن عبيد قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «لا تباع حتى تفصَّل»، رواها مسلم.

 وعن الحسن عن سمرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، وقد روي من حديث ابن عباس وابن عمر وجابر بن سمرة.

 وعن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»، رواه أبو داود، وروى الإمام أحمد نحوه من رواية عطاء عن ابن عمر، ورجال إسناده رجال الصحيح.

 وعن القاسم عن أبي أمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الربا»، رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والقاسم مختلف في توثيقه، والترمذي يصحح حديثه."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الربا" الربا في الأصل الزيادة يقول الله- جل وعلا-: {أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [سورة الحـج:5]، يعني زادت، وهو زيادة معلومة في أنواع معلومة جاء النص بتحديدها، وهي الستة وما يشاركها في العلة، الأنواع الستة التي جاء النص على جريان الربا فيها كما سيأتي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح هذه الستة مجمع على جريان الربا فيها، وجماهير أهل العلم على إلحاق ما يشاركها في العلة، فما يشارك الذهب والفضة في علته وهو النقدية فإنه يجري فيه الربا، ومن ذلكم العملات المستحدثة سواء كانت من ورق أو من غير ورق، ويشارك بقية الأنواع الطعم والقوت، ومنهم من يضيف الادخار مع الكيل والوزن على خلاف بين أهل العلم في علل هذه الأشياء، ولاختلافهم في العلل وسببه أن هذه العلل مستنبطة، إلا أنه جاء ما يشير إلى الطعم، والطعام على ما سيأتي في بعض الأحاديث منصوص عليه فيؤخذ منه الوصف المؤثر، وهو الطعم، وكونه يطعم، وجاء أيضًا الكيل والوزن كما سيأتي الإشارة إليه في بعض النصوص في بعض الأحاديث الواردة في الباب، ولاختلافهم في هذه العلل اختلفوا في بعض الأنواع من الأطعمة وغيرها من السلع، هل يجري فيها الربا أو لا يجري. وكل على مذهبه في تقرير العلة التي لاحت له من خلال هذه النصوص، على أن الظاهرية وهم لا يرون القياس، ولا يرون الإلحاق في شيء في أي باب من أبواب الدين قالوا: إنه لا يجري الربا إلا في الأنواع المنصوصة في الستة فقط، وما عداها لا يجري فيه الربا؛ لمنعهم القياس، والقياس كما يقرر أهل العلم أحد أركان الاجتهاد، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن الظاهرية لا يعتد بقوله، ولا ينقض بقولهم الإجماع؛ لأنهم لا يرون القياس.

 على كل حال عامة أهل العلم على أن الربا يجري فيما يشارك هذه الأصناف الستة في العلة، وإن كانوا يختلفون من إمام إلى آخر في تقرير هذه العلل.

 قال -رحمه الله- "عن جابر -رضي الله عنه- قال"، جابر بن عبد الله الأنصاري، جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري -رضي الله عنهما-، وهنا ما ذكر إلا جابرًا فتجدوه يقول: رضي الله عنه ولو ذكر أباه لقال رضي الله عنهما ولو ذكر جده لقال، ماذا يقول؟

طالب: .........

إلا إذا كان الجد مسلمًا صحابيًّا.

 "قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: «هم سواء»".

 لعن، اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، الدعاء على فاعل هذه الفعلة الشنيعة التي جاء تعظيم شأنها في نصوص الكتاب والسنة، وأنه حرب لله ورسوله، نسأل الله السلامة والعافية، وقرر جمع من المفسرين أن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا أخذًا من قوله- جل وعلا-: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [سورة البقرة:275].

 فأكل الربا من الموبقات، ومن عظائم الأمور، فقد تساهل فيه كثير من الناس، تساهل فيه كثير من الناس طمعًا في الدنيا وحطامها وجشعًا وغفلة عن الآخرة وما خلق الإنسان من أجله، ويعينهم على ذلك بعض الفتاوى التي تصدر من بعض المتساهلين في الباب، مع أن الباب أمره خطير جدًّا، سبب في خراب الدول وانهيار الاقتصاد، وهذا مشاهَد وملموس، وعلى مستوى الدول، وعلى مستوى الأفراد، {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [سورة البقرة:276].

 الإنسان في نظرته البدائية يقول: أضع أموالي في هذا البنك، وأستفيد كل سنة مبلغًا أنفق منه ولا ينقص، لا، هو ينقص، {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [سورة البقرة:276]، وفي مقابله الإنفاق في سبيل الله ما أوجب الله عليك في مالك، وما زدته على سبيل التطوع، «ما نقص مال من صدقة».

 قد يقول: الألف إذا أنفق منه عشرون نقص، نقول: ما هو بصحيح، أنت ما تدري كيف تبذَّر الأموال من قبل هؤلاء المتلاعبين بحدود الله من غير فائدة، وكيف يبارَك لهؤلاء الذين يهتمون ويحتاطون لدينهم وما يبنون عليه أجسادهم وأجساد من يعولونهم، وكل جسد نبت على سحت فالنار أولى به، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه ولمن يمون.

 "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا" يعني آخذه، آخذ الربا الذي يأخذه فيبيع السلع والبضائع الربوية، ويأخذ الزيادة فيها إذا كانت من جنسها، أو يبيع من غير الجنس، ولا يستلم يدًا بيد إذا كان من الربويات.

 "آكل الربا" يعني آخذ الربا، "وموكله" يعني معطيه، موكله يعني معطيه، وعُبِّر بالأكل؛ لأنه قد يقول قائل: لا يمنع أن يرابي، ولا يأكل، يبني بيتًا مثلاً، أو يشتري سيارة، ما يأكل، الرسول لعن آكل الربا، أنا ما آكل، أنشئ بيتًا نقول: لا، الآكل هو الآخذ، وعُبِّر بالأكل؛ لأنه أعظم وجوه الانتفاع عُبِّر بالأكل؛ لأنه أظهر وأعظم وجوه الانتفاع، ومثله أكل مال اليتيم يقول: أنا ما آكل مال اليتيم، أتورَّع عن أكله؛ لأنه جاء الوعيد على من أكل مال اليتيم، لكن أشتري بيتًا أو سيارة من مال هذا اليتيم، الحكم واحد، الحكم واحد.

 "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله"، والقاعدة أن ما حرم أخذه حرم دفعه، أن ما حرم أخذه حرم دفعه، ولا شك أن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان وأنت تمكن المجرم من جريمته، وتتعاون معه على مزاولة هذه الجريمة.

 "وموكله وكاتبه" أيضًا هذا معين له، "وشاهديه، وشاهديه" وفي بعض الروايات: وشاهده، ومعلوم أن المفرد المضاف يعم، ولو كان الشاهد واحدًا أو أكثر فإنه يدخل في اللعن وقال: «هم سواء»، قد يقول قائل: هذا الشاهد الذي جيء به ليشهد هذا العقد مثل آكل الربا؟! قال: «هم سواء»، والحديث في الصحيح في صحيح مسلم، وإن كان من طريق أبي الزبير عن جابر، لكن المرجح أن ما يروى في الصحيحين من أحاديث المدلسين أنها محمولة على الاتصال خلافًا لمن أعلها بذلك.

 "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: «هم سواء»وثبت لعنه -عليه الصلاة والسلام- لعدد ممن ارتكب بعض المعاصي، ولا شك أنها كبائر؛ لأن ما ورد فيه اللعن داخل في حيز الكبيرة وتعريفها من توعد عليه بلعن أو غضب أو نار أو عدم دخول الجنة أو ما أشبه ذلك فإنه في حيز كبائر الذنوب.

وزاد حفيد المجد أو جاء وعيده

 

بلعن أو طرد مبعد

"لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه"، يعني موظف في البنوك التي تزاول هذه الجريمة المنكرة الشنيعة أي موظف متعاون معهم ولو كان حارسًا على الباب ولو كان موظفًا لتسديد فواتير وما أشبه ذلك لا شك أنه متعاون معهم، فعليه من الإثم بقدر ما يزاوله.

طالب: .........

المنصوص عليهم هؤلاء لعنوا ما فيه شك.

طالب: .........

لا، ما يأخذ اللعن لا لا، الذي يوظف بالبنك لا، ما هو آكل، الذي يوظف بالبنك من أجل تسديد الفواتير هذا متعاوِن يشمله {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة:2]، وما أشبه ذلك، لكن المنصوص عليهم آكل الربا وموكله وكاتبه الأربعة هؤلاء هم سواء وقال: «هم سواء»، لكن يبقى أنه آكل حرام المتعاون معهم آكل حرام ما يقال: إنه أمره سهل، لا، ليس بالسهل، لكن ليس مثل هؤلاء المنصوص عليهم باللعن.

 "رواه مسلم".

 قال -رحمه الله-: "وعن مسروق"، قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «ليس المؤمن باللعان»، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لعن أكثر من نوع، جاءت النصوص بلعن أكثر من عشرين صنفًا ممن يزاول هذه المنكرات، وأمر بلعن من ارتكب بعض المخالفات، والمسلم ليس باللعان ولا بالطعان ولا بالفاحش البذيء، يعني من يلعن من لا يستحق اللعن، أما من لعنهم الله ورسوله، من لعنه الله ورسوله وأمر بلعنه هؤلاء يلعنون ولا كرامة، وأما بالنسبة للمؤمن الذي لا يزاول هذه المنكرات التي جاء النص بلعن فاعله فإن «لعن المؤمن كقتله» كما في الحديث الصحيح فاللعن شأنه عظيم.

 "وعن مسروق عن عبد الله" مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الربا ثلاثة وسبعون بابًا، الربا ثلاثة وسبعون بابًا»" يعني أنواع وأضرب وأصناف وأقسام، «ثلاثة وسبعون بابًا» "رواه ابن ماجه ورجاله رجال الصحيحين، رجال الصحيحين"، وفي بعض النسخ رجال الصحيح، ورجال الصحيحين أدق وأخص؛ لأنها تختص بالصحيحين، وإذا قال: رجال الصحيح فمعناه رجال الحديث الصحيح، وقد لا يكون على شرط الشيخين.

 قال: "ورواه الحاكم وقال: على شرطهما" يعني شرط البخاري ومسلم، وذكرنا مرارًا أن المراد بشرطهما رجالهما، فإذا روي الحديث من طريق رجال خرج له الشيخان قال الحاكم: على شرط الشيخين، وإذا روي الحديث من طريق رجال روى لهم البخاري قال: على شرط البخاري، وإذا روي الحديث على رجال خرج لهم مسلم، من طريق رجال خرج لهم مسلم قال: على شرط مسلم، وإذا روي الخبر بواسطة رجال لم يخرج لهم في الصحيحين، ولكنهم ثقات يقول الحاكم: صحيح فحسب، لا يقول: على شرطهما، ولا على شرط البخاري، ولا على شرط مسلم، والمراد بشرطهما رجالهما، وهذا هو المحرر، وهو المحقق، وشرحنا هذه المسألة التي مرت علينا مرارًا وأفضنا فيها، والدليل على ذلك أن الحاكم روى حديثًا من طريق أبي عثمان التبَّان وقال الحاكم: صحيح، ما قال لا على شرط البخاري، ولا على شرط مسلم، قال: وأبو عثمان ليس هو النهدي، ولو كان النهدي لقلت :إنه على شرطهما، فدل على أنه يريد بشرطهما رجالهما، وما ذكره في المقدمة من قوله: وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلها الشيخان، فالمثلية هنا أعم من أن تكون حقيقية أو مجازية فيما قررناه ووضحناه بالأمثلة في دروس سبقت.

 "ورواه الحاكم وقال: على شرطهما وزاد «إن أيسرهما مثل أن ينكح الرجل أمه»"؛ لشناعته، والتغليظ في شأنه، وعظم عقوبة فاعله، حرب لله ورسوله، «مثل أن ينكح الرجل أمه» أيسر هذه الأبواب الثلاثة والسبعين رقم ثلاثة وسبعين مثل أن ينكح الرجل أمه، نسأل الله العافية، وفي بعض الروايات علانية، وهذا أشد، يعني كونه يزني شأنه عظيم، وكونه يزني بمحْرم شأنه أعظم، وكون هذا المحرم أمًّا فالأمر أشد، وكون هذا علانية فهذا الأمر خطير جدًّا.

 «وإنَّ أربى الربا عرض الرجل المسلم»، وفي رواية «استطالة الرجل في عرض أخيه»، أكل لحوم المسلمين وأعراض المسلمين- كما يقول ابن دقيق العيد- حفرة من حفر النار، حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها العلماء والحكام؛ لأنهم أكثر الناس يتعرضون للغيبة، يغتابهم الناس بكثرة، ولا يتورعون عن أكل لحومهم، أو أنهم قد يحتاجون إلى الكلام في الناس؛ لما يقتضيه عملهم، ثم قد لا ينضبط الإنسان بضوابط الشرع، فيتكلم فيما لا يستحق الكلام.

 المقصود أن أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وأمره عظيم، وشأنه خطير، ولذا قال: «إن أربى الربا عرض الرجل المسلم»، دل على أن عرض الكافر لا حرمة له، فلا مانع من غيبته مادام كافرًا.

 قال -رحمه الله-: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال" قد يقول قائل: أيهما أشد الربا أو الزنى؟ الحديث يدل على إيش؟ أن أعظم الربا أعظم من الزنى، «ودرهم من ربا أشد من ست وثلاثين زنية»، الحديث متكلم فيه، لكنه يقبله بعض أهل العلم.

 على كل حال كل هذه الأحاديث إنما هي جاءت من باب التنفير والتشديد في أمر قد يتسامح فيه بعض الناس، وإذا نظرنا إلى الواقع وجدنا أن كثيرًا من المسلمين يتساهل في أمر الربا أكثر مما يتساهل في أمر الزنى، فمن أجل أن يُجتَثّ أو تُجْتَثّ هذه الجريمة من جذورها تأتي مثل هذه النصوص الشديدة.

 "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل»" لا بد من التساوي.

 «ولا تُشِفُّوا» يعني لا تزيدوا لا في الثمن ولا في المثمن، «ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض» يعني لا تزيدوا بعضها على بعض، «ولا تبيعوا الورق بالورق» الفضة، «إلا مثلاً بمثل»، وفي رواية: «سواءً بسواء» على ما سيأتي، «ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائبًا منها بناجز»، يعني لا بد أن يكون مع التساوي التقابض، وأن يكون يدًا بيد، خذ وادفع، خذ الثمن وادفع المثمن، وقوله: الذهب بالذهب يشمل الذهب بجميع أنواعه وبجميع درجات صفائه، فلا يجوز بيع عيار أربع وعشرين أو واحد وعشرين بثمانية عشر مع الزيادة أولاً أنا آخذ الزيادة في مقابل نقص القيمة أو نقص صفاء الذهب نقول: لا، كما أنه لا يجوز بيع الذهب المسكوك بالمصنوع والمصوغ إلا مثلاً بمثل خلافًا لمن يقول: إن المصوغ خرج عن كونه نقدًا، صار سلعة يباع بأي قيمة يُتَّفَق عليها، هذا الكلام ليس بصحيح، بل الحديث يشمل المصوغ وغير المصوغ.

 «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا»، يعني لا تزيدوا أو تفضلوا بعضها على بعض، «ولا تبيعوا الورق بالورق» سواءً كان مضروبًا مسكوكًا دراهم أو غير مسكوك كما قلنا في الذهب.

 «إلا مثلاً بمثل» مع التساوي ما يزيد شيئًا، لا بد أن يكون لسان الميزان واحدًا في الكفتين، وأن يكون هذا بما يتعارَف عليه من يوزَن به الأشياء الجرامات مثلاً واحدًا لا يزيد بعضها على بعض، وإذا كان هناك شيء يسير من الجرام فإنه مؤثِّر.

 قد يقول قائل: إذا قدَّرنا أن هذا عشرون جرامًا، وهذا عشرون بالتقدير نقول: لا، لا بد أن تعلم بالتساوي، والجهل بالتساوي عند أهل العلم كالعلم بالتفاضل، كالعلم بالتفاضل.

 «ولا تبيعوا غائبًا منها بناجز» تبيع حاضرًا تقول: أحضر القيمة غدًا أو بعد غد لا يجوز، لا بد أن يكون يدًا بيد.

 "متفق عليه.

 وعن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح» ستة أصناف هذه التي جاء فيها النص، والظاهرية يقتصرون عليها؛ لأنهم لا يرون القياس كما قدَّمْنا.

 «والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل» لا تجوز الزيادة على بعضها سواء كانت مما غلا كالذهب أو مما رخص كالملح، رخصه لا يخرج عن دائرة الربا، وكونه رخيصًا لا يعني أنه لا ترد فيه النصوص السابقة، وهناك الملح الخالص الأبيض الذي لا يخالطه شيء، والملح الذي فيه التراب، فيه نوع قتر أو غبرة، لا بد فيه أن يفصل وينقى مما يشوبه.

 قد يقول قائل: الملح ما يساوي ما يشتغل عليه وينقيه الكيس بخمس ريالات أو ما أدري بكم، الثاني المشوب بتراب ونحوه على شكل فروش قد يكون عشرة بالمائة منه ترابًا، نقول: لا يختلف القلادة لا بد أن يُفصَل الذهب عن الخرز، والملح لا بد أن يفصَل عن التراب، إذا بيع بجنسه، إذا بيع بجنسه، إذا بيع بالدراهم فالأمر سهل.

 «إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد» «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل، مثلاً بمثل سواءً بسواء»، يعني لا يزيد ولا شيء يسير، لا يتسامح ولا في الشيء اليسير في باب الربا.

 «يدًا بيد» يدًا بيد، لا بد من التقابض في مجلس العقد، «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد»، ذهبت إلى محل الذهب واشتريت بالريالات أو بأي عملة أخرى لا بد أن يكون يدًا بيد، سلم واستلم.

 قد يقول قائل: الشيك المصدَّق أو بطاقة الصراف أو شيك أو ما أشبه ذلك هل هي تقبض هذه الأموال فورًا حتى بطاقة الصراف أحيانًا يتأخر إيداعها في حساب المحوَّل عليه، نعم فورًا تحسم من مال المشتري هذا، لكن الطرف الثاني قد يتأخَّر دخولها في حسابه لاسيما في أوقات الضغط في يوم خمس وعشرين مثلاً أيام الرواتب تجد الرسائل ما تصلك فورًا بدليل أنه ما دخل الحساب إلى الآن تحتاج العملية ولذا نقول: إنه ليس يدًا بيد، فلا يجوز، ما المانع أنك تسحب دراهم وتعطيه مباشرة والأمر ليس بالسهل، تقول: والله الأمر سهل، أحضر شيكًا مصدقًا، ومتى ما صرف يوم الخميس أو يوم السبت نقول: لا.

طالب: .........

المهم قبض الحساب مثل قبض اليد سهل، إذا حول إلى الحساب مثل قبضه، لكن نتأكد أنه بالفعل حسم من حساب المشتري، حسم من حساب المشتري، وأودع في حساب البائع «سواءً بسواء يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم» شريطة أن يكون يدًا بيد، لا بد من التقابض على أي حال بين الربويات، لكن التفاضل يجوز إذا اختلفت الأصناف، فإذا اتحدت الأصناف فلا بد من توافر الشرطين: التساوي والتقابض، إذا اختلفت الأصناف فلا مانع من التفاضل، ولكن لا بد من التقابض في الذهب أحيانًا يكون صرفه عشرة دراهم الدينار وأحيانًا يكون صرفه اثني عشر درهمًا، لا مانع، أو قد يكون خمسة عشر أو خمسة دراهم على حسب توفر الذهب والفضة وغلاء النوعين.

 على كل حال إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، طيب ذهب ببر، ذهب ببر، الذهب والفضة صنفان من جنس واحد، والبر والشعير صنفان من جنس واحد، أو صنف واحد على الخلاف، والتمر والملح بالملح يجوز فيها التفاضل إذا بيعت بغير جنسها إذا كان يدًا بيد، فأنت تشتري بالذهب والفضة التمر، وتشتري الشعير، وتشتري البر، وتشتري الملح بدون شرط، تشتريها متفاضلة، وتشتريها ناجز بناجز، وتشتريها بآجل، لكن إذا اتحد الجنس فإنه لا بد أن يوجَد الشرط الثاني وهو التقابض.

 «وإن اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد»، رواه مسلم.

 وله عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الذهب بالذهب وزنًا بوزن، مثلاً بمثل، الذهب بالذهب وزنًا بوزن مثلاً بمثل والفضة بالفضة وزنًا بوزن مثلاً بمثل، فمن زاد أو استزاد، زاد أو استزاد فهو ربا»".

 اشتريت ذهبًا بذهب ثمانية جرامات بتسعة، أعطيته تسعة، أنت زدت، فهذا ربا أو قال: لك ثمانية بثمانية، زدني واحدًا تصير لي تسعة، يكون استزاد، يعني طلب الزيادة هذا أيضًا ربا يدخل فاعله في حديث اللعن الذي تقدم، فهو ربا، لكن إذا كانت الزيادة غير مشروطة، بل هي من حسن القضاء، من حسن القضاء، شخص يطلبك، أنت مدين لشخص بألف ريال، ثم لما جاء السداد أعطيته من غير مشارطة ألفًا ومائة من حسن القضاء، فإن هذا لا بأس به إذا لم يكن مشروطًاـ «فمن زاد أو استزاد فهو ربا».

 قال -رحمه الله-: "وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلاً على خيبر، استعمل رجلاً على خيبر"، خيبر كانت بيد اليهود، فأجلاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- عنها، وجعل مصيرها في مصالح المسلمين، وفي نفقته -عليه الصلاة والسلام-.

 "فجاءه بتمر جنيب" جاء للنبي -عليه الصلاة والسلام- من تمر خيبر بتمر جيِّد نوع فاخر من التمور.

 "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «أكل تمر خيبر هكذا؟»" إذا كان والله تمر خيبر كله هكذا فهو تمر طيب وجيد، قال: لا، فيه الجيد من هذا النوع، وفيه الأقل، وفيه الرديء، والتمر لا شك أنه أنواع كثيرة جدًّا، ذكر ابن الجوزي في وقته أن بالمدينة أكثر من ستمائة نوع من التمر، والآن التمر أضعاف مضاعفة عما كان عليه في السابق، والحمد لله، وهو من خير ما يُحرَص عليه من الأقوات، «بيت لا تمر فيه أهله جياع، بيت لا تمر فيه أهله جياع»، يعني وإن شبعوا من الأنواع الأخرى، فالتمر لا شك أنه غذاء مفيد، غذاء كامل، وهو أيضًا فاكهة، يستطعمه الناس ويتغذون به، وإن كان يتضرر به بعض المرضى، لكن يبقى أنه من خير ما يدَّخر في البيوت، ومن خير ما يأكله الناس، والآن ولله الحمد بلادنا غنية بهذا النوع من الطعام، وكان يقال عن العراق: بلد المليون نخلة، بلد المليون نخلة، وعندنا في منطقة من المناطق خمسة ملايين نخلة، وأنواع، أنواع منها الفاخر جدًّا الذي أقيامه قد لا يطيقها كثير من الناس، ومنه المتوسط، ومنه الذي دونه، ومنه الرديء الذي يطيقه جميع الناس، وهو مع ذلك نافع ومقبول، ويأكله الناس، وهذا التنوع من نعم الله -جل وعلا- هذا التنوع نعمة من نعم الله، وهذا الشاهد..

طالب: .........

نعم، هذا الشاهد لكن...

طالب: .........

الشرق؟ روسيا؟

طالب: .........

ما أنتم شرق، أنتم شمال شرق.

طالب: .........

نعم؛ لأنها بلاد باردة، البلاد الباردة في الغالب ما ينبت فيها النخل، ما ينبت إلا في البلاد الحارة، كما أن الزيتون ما ينبت في البلاد الحارة، ينبت في البلاد الباردة، الله -جل وعلا- نوَّع وقسم الأرزاق، وأعطى كل أناس ما يناسبهم، واختصم شامي مع عراقي يقول الشامي: الزيتون أفضل من التمر، قال العراقي: لا، التمر أفضل، قال: ما الدليل؟ قال: الدليل أننا نشتري بنوى التمر زيتونًا.

 "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أكل تمر خيبر هكذا؟» فقال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين"، يعني يأخذون الصاع من الجيد بالصاعين من الأقل، وقد تصل المفاضلة في وقتنا إلى أن يشترى الصاع من الجيد بخمسين صاعًا من الرديء؛ لأنها تتفاوت أقيامه من مائة وخمسين إلى أكثر النوع الفاخر جدًّا إلى خمسة، أربعة، ستة إلى قريب من هذا أضعاف.

 "إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تفعل» لأن هذا ربا، الصاع بالصاعين يعني ضعفًا، والصاعين بالثلاثة نصف الضعف، نصف الضعف فدل على أن الربا محرَّم ولو قلَّت نسبته، ولو قلت نسبته، وأما ما جاء في قوله -جل وعلا-: {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً} [سورة آل عمران:130]، بعضهم يقول: ما يصير ربا إلا أن يكون أضعافًا صاعًا وصاعين وثلاثة لا يلزم وإنما هذا مثال مفهومه معارَض بمنطوقات مفهومه، معارَض بمنطوقات، بل هو غير مراد، المفهوم غير مراد.

 "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تفعل، بع الجمع»" الرديء، النوع الرديء من التمر أو المختلط المجتمع نقيّه برديئه بعه بالدراهم، بع هذه السلعة الرديئة واشترِ بقيمتها الجيِّد، «بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا».

 وقال في الميزان مثل ذلك وقال في الميزان مثل ذلك «بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا»" قال: أعطيك أو صاحب التمر الجيد قال: أعطيك صاعًا وتعطيني صاعين من التمر الذي معك أو أعطيك صاعين وتعطيني ثلاثًا أو أعطيك صاعين وتعطيني ثلاثة، قال صاحب التمر الرديء: لا، أنا أبيع عليك تمري وأشتري منك تمرًا، البائع ما فرق، سهل، يعني تصير المسألة خذ دراهم ورجعها، هل يجوز مثل هذا أو لا يجوز؟ نقول: هذه حيلة أو تطبيق لقوله: «بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا»، أو هل يلزم أن يبيع على شخص ويشتري من شخص آخر؟

الحديث ما فيه ما يدل على ذلك، وإن كان قد يتخذ حيلة ووسيلة، لكن هو تطبيق للحديث، «بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا»، وقال في الميزان مثل ذلك"، وهذا يحصل من كثير النساء عند تبديل الذهب عندهم القديم يريدون أن يشتروا جديدًا، صاحب المحل صاحب الجديد ما يرضى أن يعطي ذهبًا بذهب سواءً بسواء؛ لأن هذا مستعمل، وهذا جديد، وقيمتها تختلف. يقول: بعني الذي معك، واشتر مني جديدًا، هل نقول: إن هذه مجرد حيلة للوصول إلى المراد، أو مثل ما عندنا في الحديث؟

مثله، المقصود أنه ما فيه ما يمنع منها إن شاء الله تعالى.

 "قال: وكذلك الميزان" لأن التمر في المكيل وكذلك الميزان، يعني فيما يوزَن، إذا كان مما يوزَن فبعه وزْنًا، وإن كان مما يكال فبعه كيلاً، ولا يجوز بيع المكيل وزنًا ولا بيع الموزون كيلاً بجنسه، أما بالدراهم فبيعوا كيف شئتم، يجوز جزافًا، يجوز كيلًا، يجوز وزنًا، ما فيه إشكال؛ لأنه لا يشترط التساوي، أما إذا بيع بجنسه فلا بد أن يباع المكيل كيلاً والموزون وزنًا؛ لأن هذه السلعة الربوية يختلف حجمها فيما إذا بيعت كيلًا، وفيما إذا بيعت وزنًا تبعًا لحجمها من جهة، وتبعًا لثقلها، فالحجم له صلة بالكيل، والثقل له صلة بالوزن.

 وقوله: "ولمسلم وكذلك الميزان"، والحديث فيما يُكال دل على أن الوزن والكيل له مدخل في العلة، له مدخل في العلة، فيُنظَر إليه إذا كان مما يكال أو يوزن مع كونه مطعومًا أو مدخرًا على خلاف بين أهل العلم فإنه يجري فيه الربا، أما ما لا يكون مكيلاً ولا موزونًا فإنه لا يجري فيه الربا. "متفق عليه.

 وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الصبرة بالتمر، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الصبرة" الطعام الكثير الذي يجتمع بعضه إلى بعض يقال لها: صبرة، وقد يقال لها: كومة، ومنه ناقة كوماء يعني كثيرة اللحم، فالصبرة والكومة من التمر نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيعها التي لا يُعلَم مكيلتها.

 "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها" لكن لو كيلت وعرف كيلها، هذه الصبرة مائة صاع، عرفت وجمع بعضها إلى بعض، بيعت بمائة صاع يجوز أم ما يجوز؟ يجوز؛ لأن التساوي موجود، لكن لا يعلم مكيلها، جاء واحد وقدَّر هذه الصبرة بمائة صاع، فكل لي في مقابلها مائة صاع من هذا النوع، نقول: لا، حتى تكال قد يقول قائل: إن الخرص ماشٍ في باب الزكاة، الخرص في باب الزكاة على ما تقدم شرعي، فتقدر الثمرة في هذا البستان بخمسة آلاف صاع مثلاً، وزكاتها كذا خرصًا، ويصح ذلك ويُقبَل إذا كان من خبير لا يختلف نظره أو لا يكاد يخطئ إلا في القليل النادر إذا.. قال: خمسة آلاف صاع صارت خمسة آلاف، قد تزيد قليلًا أو تنقص قليلًا، هذا شيء أمره سهل، لماذا لا نأتي بخبير ينظر لنا الصبرة ويقدرها؟

نقول: لا، الباب هذا يختلف عن باب الزكاة، باب الزكاة أمرها مبني على المسامحة، ويترك لصاحب التمر الربع ما يخرص له ولأولاده ولأضيافه فالأمر سهل، لكن هنا باب الربا باب دقيق، لا يجوز أن يختلف التساوي ولا بشيء يسير.

 "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر" مثل ما قلنا قال هذه الصبرة تقدر بمائة صاع، أعطني بها مائة، نقول: لا، لا يجوز حتى تكال، حتى تكال، وينظر كم مقداره لو نقصت صاع أو نصف صاع فلا بد أن ينقص ما يقابلها نفس المقدار.

 "وعن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامًا بصاع قمح، أرسل غلامًا بصاع قمح فقال: بعه ثم اشتر به شعيرًا فذهب الغلام فأخذ صاعًا وزيادة بعض صاع" صاع بر، قمح بصاع وربع شعير قد تكون القيمة متقاربة، يكون صاع البر بعشرة، وصاع الشعير بسبعة، بثمانية، تكون متقاربة في هذا التقدير، لكن هل يجوز أن يبيع صاع بر، صاع قمح بصاع وربع شعير أو لا يجوز؟ قال: "فذهب الغلام فأخذ صاعًا وزيادة بعض صاع" يعني من الشعير، "فلما جاء معمرًا أخبره بذلك فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟! انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلاً بمثل، فإني كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الطعام بالطعام مثلاً بمثل الطعام بالطعام مثلاً بمثل»وهذا يدل على أن الوصف وهو الطعم له مدخل في هذا الباب، فيكون جزءًا من العلة، «الطعام بالطعام مثلاً بمثل» ومادام الشعير طعامًا، وطعامهم يومئذ الشعير والبر طعام لا يجوز إلا مثلاً بمثل، هكذا فهم الصحابي من الإطلاق، إطلاق لفظ الطعام.

 «الطعام بالطعام مثلاً بمثل» وكان طعامنا يومئذ الشعير قيل له: فإنه ليس بمثله قال: «فإني أخاف أن يضارع»" إني أخاف أن يماثل، إني أخاف أن يشابه فمن باب الورع لا تأخذ إلا مثلاً بمثل، والمسألة بين أهل العلم فيها خلاف هل يجري الربا بين البر والشعير أو لا يجري؟ لا بد أن يكون سواءً بسواء، المسألة خلافية بين أهل العلم، والجمهور على أنهما صنفان لا صنف واحد، وحينئذ لا مانع من التفاضل شريطة أن يكون يدًا بيد.

طالب: .............

لأنه نص عليه طعام «الطعام بالطعام مثلاً بمثل» يعني ما تستشف من اللفظ أن الطُّعم والطَّعم له دخل في الباب؟

طالب: .............

خلاص.

طالب: .............

جزء؛ لأن فيه الكيل والوزن الذي تقدم في الحديث السابق فالعلة مركبة من نصوص.

 "قيل له: فإنه ليس بمثله، قال: إني أخاف أن يضارع، وعن فضالة بن عبيد قال: اشتريت يومئذ يوم خيبر، اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا، اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز" ليست بذهب خالص، وهذا موجود في الذهب المصوغ يُجعَل معه غيره، مما يزيده جمالاً من الخرز والجواهر الأخرى.

 "اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا" يعني من الذهب، وهذه القلادة "فيها ذهب، وخرز ففصلتها أو ففصَّلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «لا تباع حتى تفصل أو تفصَّل»، رواه مسلم أو رواها" يعني الأحاديث السابقة مسلم، لماذا لا تباع حتى تفصَّل؟

لأنه لا يُعلَم التساوي بين الذهب المبيع والذهب المشترى إلا بالتفصيل، لا بد أن تفصل هذه من هذه؛ لأنك إذا وزنت هذه القلادة فصارت عشرين جرامًا، وقدَّرت أن ما فيها من خلط من خرز أو غيره جرامان أو أكثر، أو ثلاثة بثمانية عشر جرامًا خالصًا لا بد أن تفصل وينظر مقدار الذهب الخالص، فيشترى بقدره من الذهب الخالص سواءً بسواء مثلاً بمثل يدًا بيد، ثم يشترى الخرز على حدة أو كان بعد الخلط فضة مثلًا يعني ذهب وفضة بذهب.

 "فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: «لا تباع حتى تفصل» رواها مسلم"؛ لأنه لا تتحقق المساواة إلا بفصل الذهب وتخليصه مما يشاركه من غير الذهب.

 قال -رحمه الله-: "وعن الحسن عن سمرة -رضي الله عنه-" رواية الحسن عن سمرة مختلف فيها بين أهل العلم، والمؤكَّد صحة سماع الحسن من سمرة في حديث العقيقة؛ لما في صحيح البخاري عن حبيب بن الشهيد قال لي محمد بن سيرين: سَلِ الحسن ممن روى حديث العقيقة، قال: من سمرة. ممن سمع حديث العقيقة، قال: من سمرة، فدل على أنه سمع حديث العقيقة، وهذا لا خلاف فيه، هذا لا ينبغي أن يكون فيه خلاف، وإن كان من أهل العلم من يرى أن الحسن لم يسمع من سمرة مطلقًا لكن هذا في البخاري، ومنهم من قال: إنه يُحمَل على أن أي سماع أو أي خبر يرد عن الحسن عن سمرة مادام ثبت سماعه له فيُطْرَد، لكن سماعه لحديث العقيقة لا إشكال فيه، وما عدا ذلك محل خلاف بين أهل العلم هذا الحديث.

 "عن الحسن عن سمرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الحيوان بالحيوان، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة". الحيوان المراد به الحي وإلا لو كان لحم حيوان بلحم حيوان آخر، واللحم مما يكال أو يوزَن، يوزن نعم وهو أيضًا مطعوم فهذا لا إشكال فيه أنه يجري به الربا اللحم باللحم، لكن حيوان بحيوان حي فيه لحم، وفيه جلد، وفي بطنه أشياء، وفيه شحم وشعر وغير ذلك هل يجري فيه الربا أو لا يجري، قال: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة" يعني ما تشتري جملًا حاضرًا بجمل إلى مدة سنة.

 "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، وقد روي من حديث ابن عباس وابن عمر وجابر بن سمرة" وجابر بن عبد الله، أربعة، فالحديث وإن كان مختلفًا في اتصاله فالخلاف في سماع الحسن من سمرة إلا أن له ما يشهد له من حديث ابن عباس وابن عمر وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله -رضي الله عنه- فهو محسَّن عند أهل العلم، وقابل للاحتجاج، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- استسلف بكرًا.

"