كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 15

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي في محرره -يرحمه الله-:

باب حكم الحدث.

عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه النطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير»، رواه الترمذي وسمويه، وهذا لفظه، وابن حبان والحاكم وقال الترمذي: وقد رُوي عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء، وقال الإمام أحمد: عطاء ثقة رجل صالح، وقال ابن معين: اختلط، فمن سمع منه قديمًا فهو صحيح، وقد رواه غير عطاء عن طاوس فرفعه أيضًا ورواه عبد الله بن طاوس وغيره من الأثبات عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- موقوفًا، وهو أشبه."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب حكم الحدث" مر بنا مرارًا أن باب مرفوع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا باب، وهو مضاف، وحكم مضاف إليه، الحدث مضاف إليه أيضًا المضاف إليه مضاف إلى المضاف إليه الثاني، لو قيل: باب حكم حدث الإنسان مثلاً أو المكلف كم يتوالى من إضافة؟

 باب حكم حدث الإنسان، توالى كم؟

 ثلاث إضافات، ولو أضيفت رابعة ضعف الأسلوب؛ لأنه كل ما تكثر الإضافات يضعف عند أهل العلم، يقول: "باب حكم الحدث" الحكم معروف وانقسامه إلى تكليفي ووضعي مشهور عند أهل العلم، وهنا من أي النوعين الحكم وضعي أم تكليفي؟

 أولاً: نريد أن نعرف الحدث، ما هو الحدث؟ يطلق الحدث ويراد به الخارج من البدن المبطل للطهارة، كما يطلق أيضًا على خروجه، ويطلق أيضًا على أثره وهو الوصف القائم بالبدن المانع مما اشترطت له الطهارة، فيطلق على الخارج وعلى خروج هذا الخارج، ويطلق أيضًا على الوصف القائم بالبدن، وهنا في بعض الأحاديث الواردة في هذه الترجمة ما يدل على أن المراد رفع الوصف، فمثلاً الحديث الأول «الطواف بالبيت صلاة»، ما الذي يريد المؤلف من إيراد هذا الحديث؟

هل يريد منه ألا يصدر منه الحدث في الطواف، أو أن يرفع الأثر المترتب على هذا الحدث ماذا يريد المؤلف؟ الثاني، وقل مثل هذا في الذي يليه حديث «لا يمس القرآن إلا طاهر».

 إذا عرفنا هذا فالحكم الذي هو رفع الوصف القائم بالبدن حكمه واجب أم شرط؟ شرط، والشروط من الأحكام الوضعية، وإن نازع بعضهم في بعض الإطلاق لأهل العلم الذين يدخلون الشروط والأسباب والموانع والرخص والعزائم في الأحكام الوضعية، بعضهم ينازع في كثير منها، وكثير منها ينتابها الأمران، فهي أحكام وضعية من وجه، وهي أحكام تكليفية من وجه.

 فمثلاً الطهارة إذا نظرنا إليها باعتبارها شرطًا لصحة الصلاة قلنا: حكم وضعي، وإذا قلنا بوجوبها، وأنها لا بد منها، وأن تاركها آثم، فهي حكم تكليفي من هذه الحيثية، وإذا نظرنا إلى النصاب في الزكاة، اكتمال النصاب شرط، لكن هل يمكن أن يقال عن هذا الشرط إنه حكم تكليفي؟ يعني هل يجب على الإنسان أن يسعى لتحصيل نصاب ليزكي؟ إذًا هو شرط وضعي محض، وهناك ما ينتابه الأمران، فالخلاف في مثل هذا ينبغي أن يتحرر، فكثير من الشروط، يعني زوال الشمس مثلاً شرط لدخول أو لصحة صلاة الظهر باعتباره وقتها، هل على الإنسان أن يسعى لتزول الشمس من أجل أن يصلي؟ لا يلزمه ذلك ولا يقال بلزومه، فهو شرط وضعي محض، وإن كان من الشروط ما يجب تحقيقه وهو الكثير الغالب ما يجب تحقيقه، لماذا؟

 لأن الواجب لا يتم إلا به، الواجب لا يتم إلا به، إذًا هو واجب، فهو حكم تكليفي من هذه الحيثية.

 بعض الإخوان يقرأ في بعض مطولات كتب الأصول في مثل هذه المسألة فيشكل عليه الأمر ويتلخبط، فالذين ينفون أنها أحكام وضعية، وليس معنى أحكام وضعية ما ينشر بين الناس يعني مفهومه العرفي عن الحكم الوضعي أنه ما سنه البشر، يعني القوانين هذا المفهوم العرفي، لكن هذا لا يرد على بال طالب علم، ينبغي ألا يرد على طالب علم؛ لأنه من أصله ممنوع، فلا يدخل في مثل هذا.

 "باب حكم الحدث" يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الأول "عن عطاء بن السائب عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه النطق»" يعني الكلام، «فمن نطق فلا ينطق إلا بخير» نحتاج إلى أولاً تقرير حكم الحديث من حيث الثبوت وعدمه، فكثير من أهل العلم يضعفه، كثير من أهل العلم يضعفه؛ لأن عطاءً اختلط، اختلط في آخر عمره، واختُلف في بعض الرواة هل رووا عنه قبل الاختلاط أو بعده ممن يروي هذا الحديث، كما أن الحديث اختُلف في رفعه ووقفه، والاستطراد في مثل هذا لا شك أنه يأخذ من الوقت ما يأخذ، لكن لا مانع.

 وخلاصة القول في هذا أن ممن روى الحديث عن عطاء سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وقد نص أهل العلم على أن سفيان ممن روى عنه قبل الاختلاط، ومثله شعبة، فأمنا من هذه الآفة.

 تبقى مسألة الرفع والوقف هل هو مرفوع أو موقوف، يقول: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحديث ثم قال: "رواه الترمذي وسمُّوْيَه" سمُّوْيَه هكذا ينطقها أهل الحديث كما يقولون: إسحاق بن راهُوْيَه، ومثله نفطُوْيَه وسيبُوْيَه، لكن أهل العربية ينطقونها بالهاء المكسورة سيبَوَيْهِ ونفطَوَيْهِ وراهوَيْهِ ومثله سموَيْهِ، وعمدة أهل الحديث حديث واهٍ، وأن ويه من أسماء الشيطان، فلا يلتفت إلى مثل هذه العلة، بل هو اسم يُتَأكَّد من سمى به علام وضعه، ولا شك أن مثل أئمة اللغة مثل سيبَوَيْه ونفطَوَيْه أتباعهم وأصحابهم أدرى بهم من غيرهم، وأهل اللغة لا ينطقونها إلا بالهاء المكسورة سيبَوَيْهِ، والجادة واحدة، وإذا كانت عمدة أهل الحديث على حديث واهٍ ضعيف، وهم يريدون أن ينزهوا هؤلاء العلماء من أن ينتسبوا إلى الشيطان، فإذا ضعف الحديث فلا معول عليه.

 "رواه الترمذي وسموَيْهِ وهذا لفظه، وابن حبان والحاكم" يعني رووه إيش؟ مرفوعًا يعني مضافًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

سم مرفوعًا مضافًا للنبي

 

.......................

ثم قال: "وقال الترمذي: وقد روي عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء" وعطاء لا بأس به إذا كانت الرواية عنه قبل الاختلاط، وهنا يتعارض الرفع مع الوقف، يتعارض الرفع مع الوقف، فإذا نظرنا إلى أقوال العلماء في هذه المسألة، مسألة تعارض الوقف مع الرفع، أو مسألة تعارض الإرسال مع الاتصال نجد أهل العلم يختلفون فيها اختلافًا بيَّنًا، ويذكرون فيها أقوالًا؛ فمنهم من يعتمد الرفع؛ لأن فيه زيادة علم خفيت على الواقف، والزيادة مقبولة، ومنهم من يقول: المعوَّل على الوقف على من وقفه؛ لأنه هو المتيقن، والرفع مشكوك فيه، ومنهم من ينظر إلى الأحفظ، ومنهم من ينظر إلى الأكثر.

 ومنشأ الخلاف، اختلاف أحكام الأئمة على أحاديث بعينها، على أحاديث بعينها؛ فمثلاً حديث رفع اليدين بعد الركعتين حكم البخاري برفعه، وحكم الإمام أحمد بوقفه، فالذي يقلد البخاري يحكم بالرفع، ويجعله قاعدة مطردة، كما يفعله المتأخرون، والذي يقلد الإمام أحمد يجعل الوقف هو الراجح، ومنهم من ينظر إلى الكثرة، ولا شك أن الكثرة، كما يقول الإمام الشافعي: الجماعة أولى بالحفظ من الواحد لها دَوْر، ومنهم من ينظر إلى الحفظ، فإذا كان الراوي أحفظ من غيره لم يلتفت إلى غيره، والحفظ ركن من أركان قبول الرواية، لكن هل يسوغ لنا أن نحكم بقاعدة مطَّردة باعتبار أن هذا الإمام حكم على حديث برفعه فنقول: كل حديث يتعارض فيه الوقف مع الرفع نحكم برفعه، أو بوقفه أو بكذا أو بكذا؟

لا، ليس الأمر كذلك، إنما المعول على ما ترجحه القرائن.

نعم، هل في هذا الكلام سد للباب في وجوه طلاب العلم، إذ كثير منهم لا يعرف القرائن التي يترجح بها مثل هذا الخلاف؟ نفترض أن راويين مثلاً شعبة وسفيان يرويان الحديث عن عطاء قال شعبة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: إن الطواف بالبيت صلاة، فيكون من قول ابن عباس، وقال سفيان عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أن الطواف بالبيت صلاة» فإلامَ نحتاج إلى أن نرجح بين شعبة وسفيان وكلاهما أئمة من أئمة المسلمين وجبال من جبال الحفظ والضبط والإتقان؟

 نحتاج إلى قرائن، هل يتأهل الطالب المتوسط فضلاً عن المبتدئ أن ينظر في هذه القرائن؟ لا يتأهل، إنما طالب في وقت التمرين يمشي على قاعدة مطردة، ثم بعد ذلك إذا تأهل بعد الإكثار من هذه التمارين، والإكثار من التخريج، والنظر في أحكام الأئمة، وتطبيق هذه الأحكام على ما يدرسه من أحاديث وما يعرضه على من هو أعلم منه في هذا الباب حينئذ يتأهل، وإلا فالمعول على أحكام المتقدمين، نعم المتأخرون وضعوا قواعد مطردة منضبطة، لكن ليست هي الراجحة التي يَعمل بها من تأهل لهذا العلم، حتى من وضعوا هذه القواعد إذا أرادوا التطبيق العملي خالفوها، تجد ابن حجر عنده قواعد منضبطة في نخبته وفي نكته وفي كتبه، لكن إذا أراد أن يطبق في تخريجاته، وجدته قد يخرج عن هذه القواعد؛ لأنه تأهل للنظر في القرائن والقواعد إنما وضعها للمبتدئين ومن في أحكامهم.

 المرجح بالنسبة لهذا الحديث هو الرفع.

 يقول: "قال الترمذي: وقد روي عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- موقوفًا ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء، وعطاء" رواه عنه شعبة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وهم ممن رووا عنه قبل الاختلاط، كما نص على ذلك الأئمة.

 "وقال الإمام أحمد: عطاء ثقة ثقة" يعني لا يكفي أن يكون ثقة مرة واحدة، مكرر، والمكرر عند أهل العلم على اختلافهم في ترتيب ألفاظ التعديل؛ فمنهم من يجعل المرتبة الأولى الصحابة، كما فعل الحافظ ابن حجر في التقريب، ومنهم من جعل المرتبة الأولى فلان لا يُسأل عن مثله، فلان إليه المنتهى في التثبت، ثم يلي ذلك فلان ثقة ثقة، ما كُرِّر فيه لفظ التوثيق سواء كان بلفظه أو بمرادفه، ثقة ثقة، أو ثقة ثبت، وهل يقوم مقام هذا اللفظ المتبَع للفظ الأصلي كقولهم: فلان ثقة نقة، أو ثقة تقة محل بحث، يعني هل وردت في أحكامه أو لم ترد يسأل عنها؟

 فمادام عطاء ثقة ثقة، ورجلًا صالحًا، كما قال الإمام أحمد، فسمع منه قبل الاختلاط، إذًا الحديث صحيح.

 "وقال ابن معين اختلط فمن سمع منه قديما فهو صحيح" يعني ومن سمع منه قبل الاختلاط حديثه صحيح؛ لأنه ثقة، ومن سمع منه بعد الاختلاط حديثه مردود، ومن جُهِل أمره هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده يتوقف فيه حتى يوجد ما يرجح.

 وقد رواه غير واحد، وقد رواه غير عطاء عن طاوس فرفعه أيضًا" وهذه متابعة، "ورواه عبد الله بن طاوس وغيره من الأثبات عن طاوس عن ابن عباس- رضي الله عنهما- موقوفًا" هذه زيادة من بعض النسخ، تكرار اللفظ ثقة ثقة زيادة من بعض النسخ، وعلى كل حال حنا يكفينا ثقة للاحتجاج، يكفينا كلمة ثقة ولو مرة واحدة.

 والحديث ضعفه جمع من أهل العلم، ضعفه جمع من أهل العلم، وأقل أحواله أن يكون حسنًا، أقل أحوال هذا الحديث أن يكون في دائرة الحسن.

 وفيه يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «إن الطواف بالبيت صلاة» يعني أنه يشبه الصلاة، وليست صلاة؛ لأن الصلاة تعريفها وحدها الشرعي الأقوال والأفعال المعروفة المفتتحة والمختتمة، المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم، هذه حقيقتها الشرعية، وإلا فالدعاء صلاة، والصلاة دعاء من حيث الحقيقة اللغوية بالمعنى الأعم.

 قوله: «إن الطواف بالبيت صلاة» يعني مثل الصلاة، والمشبَّه يعني إذا قلنا: إن الطواف بالبيت صلاة، فهل معنى هذا أننا يلزمنا أن نضيف في الحد في تعريف الصلاة لفظًا يدخل الطواف؟ هذا لو كان مثلها من كل وجه لزمنا أن ندخله في الحد، لكن استثني ما استثني حتى في الحديث، وفيه أيضًا أمور مستثناة معلومة من وضع الطواف نفسه الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- «إن الطواف بالبيت صلاة» قلنا مرارًا: إن التشبيه لا يلزم فيه مطابقة المشبَّه بالمشبَّه به، إنما يثبت ولو من وجه، لكن مثل هذا الأسلوب بعد أن أثبت أن الطواف بالبيت صلاة، ثم استثنى هل نستطيع أن نخرج من وجوه الشبه ما لم يرد في كلام الشارع؟ لا نستطيع إلا من تصرفات الشارع بالتخصيص، فمثلاً إذا جئنا إلى شروط الصلاة، هل يلزم توافرها كلها في الطواف؟

 فمثلاً الإسلام والعقل والتمييز، الإسلام، يجوز الطواف من الكافر؟ لا يجوز، كما أن الصلاة لا تصح من الكافر.

 العقل، المجنون يطوف أم ما يطوف؟ ما يطوف، كالصلاة.

 التمييز، غير المميز يطوف أم ما يطوف؟ يطوف إذًا هذه من وجوه الافتراق التي ثبتت بالأدلة الشرعية رفعت صبيًّا لها فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال «نعم، ولكِ أجر»، ومن لازم الحج الطواف، فدل على أن طواف غير المميز صحيح، بخلاف صلاته، وهذه من وجوه الاختلاف أيضًا.

 استقبال القبلة مثلاً استقبال القبلة يلزم أن يكون الطائف مستقبل القبلة؟ لا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف هكذا، جعل القبلة عن يساره، جعل الكعبة عن يساره، وطاف، وقال: «خذوا عني» إذًا هذا مستثنى، الإسلام والعقل والتمييز واستقبال القبلة.

 النية لا بد منها؛ لعموم حديث «إنما الأعمال بالنيات»، وهذا عبادة لا تصح إلا بنية.

 ستر العورة لا بد منه أولاً لدخوله في الصلاة، الأمر الثاني لحديث ألا يطوف بالبيت مشرك أن إيش؟

«ألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان» فلا بد من ستر العورة والطهارة سواء كانت من الحدث أو من الخبث، مقتضى تشبيه الطواف بالصلاة أن الطهارة شرط «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ، لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ»، إذًا نقول: من مقتضى التشبيه في هذا الحديث لا يقبل الله طواف من أحدث حتى يتوضأ، هل وجد من النصوص ما يخرج هذا الشرط؟ الآن دخل شرعًا هل وجد ما يخرجه؟ هل وجد ما يخرجه؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف على طهارة، وقال: «خذوا عني مناسككم»، وقال بالنسبة للحائض: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت» ولا يوجد ما يخرجه، إذًا الطهارة بالنسبة للطواف شرط كالصلاة، وهذا قول جمهور العلماء، هذا قول الجمهور، منهم من يجعلها واجبة، وليست بشرط، فتجبر بدم كالحنفية، ومنهم من يشترطها. المقصود أنه لا يوجد ما يخرجها. الآن دخلت بالتشبيه، فنحتاج إلى ما يخرجها، يعني هل يحفظ نص أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف على غير طهارة، أو أقر من طاف على غير طهارة؟

لا يوجد، إذًا الأصل أنه شرط كالصلاة، فعندنا هذا الحديث، وعندنا طوافه -عليه الصلاة والسلام- على طهارة، وقال: «خذوا عني مناسككم»، وعندنا أيضًا «غير ألا تطوفي بالبيت»، وهذا أقوى ما في الباب، أقوى ما في الباب «إلا أن الله تعالى أحل فيه النطق» طيب ما المراد بالنطق، هنا هل المراد به الذكر مع رفع الصوت أو المراد به الكلام العادي؟ المراد به الكلام العادي، بدليل أن الصلاة فيها نطق، الصلاة فيها نطق، فيها تكبيرات الانتقال وتكبيرة الإحرام كلها نطق مع رفع الصوت، إذًا النطق من مقتضى تشبيه الحديث الطواف بالصلاة أن المراد به قدر زائد على ما في الصلاة، وهو الكلام العادي، فمن تكلم، أو فمن نطق فلا ينطق إلا بخير، وهذا نص خاص في هذا المقام، وإلا فالأصل أن «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»، هذه حال المسلم في جميع أحواله ألا ينطق إلا بخير، لكن هنا يتأكد الأمر، هنا يتأكد الأمر من قوله -عليه الصلاة والسلام- «فمن نطق فلا ينطق إلا بخير».

 ومما يؤسَف له أنك تجد من قد يعصي في طوافه بالنطق وبغير النطق وبالقول والفعل، بالقول والفعل، وما أكثر ما يُسأَل عمن تحرش بمن أمامه أو خلفه أو نظر أو.. المقصود أنه يُسأَل كثيرًا، ويترتب على ذلك أمور يعني لا تُتصوَّر أن تصدر من مسلم فضلاً عن أن تكون ممن ظاهره الخير.

 المقصود أن مثل هذا يهتم له، والطواف عبادة، وشبه بالصلاة، فينبغي أن تحفظ، وجاء الترغيب فيمن طاف أسبوعًا يحصيه، هل معنى هذا أنه يعد عدد الأشواط واحد ثم اثنين إلى سبعة، هذا الإحصاء هل هذا هو؟ ليس هذا هو قطعًا، إنما إحصاؤه يكون بالإتيان به على الوجه المشروع.

اقرأ الحديث الذي يليه.

"وروى مالك عن عبد الله بن أبي بكر، وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم، أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم: «ألا يمس القرآن إلا طاهر»، وهذا مرسل.

 وقد رواه أحمد وأبو داود في المراسيل، والنسائي والدارقطني وابن حبان، من رواية الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده، وراويه عن الزهري سليمان بن داود الخولاني، وقيل: الصحيح أنه سليمان بن أرقم، وهو متروك."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وروى الإمام مالك عن عن عبد الله بن أبي بكر، وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم" يعني لو لم يبيَّن ويعيَّن لاحتمل أن يقول قائل: إنه عبد الله بن أبي بكر الصديق؛ لأنه هو المشهور إذا أطلق، لكن بينه المؤلِّف للمبتدئين من أمثالنا وإلا فهو لا يحتاج إلى بيان.

 "عن عبد الله بن أبي بكر، وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم، أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم: «ألا يمس القرآن إلا طاهر»"، وهذا مرسل، هذا مرسل، لماذا؟

 لأن عبد الله بن أبي بكر يحكي قصة لم يشهدها، عبد الله بن أبي بكر يروي عن جده قصة لم يشهدها، فهو مرسل، والمراد بالإرسال هنا الانقطاع، الإرسال بمعناه العموم وعدم الاتصال، وهو موجود في إطلاق كثير من أهل العلم، يطلقون المرسل ويريدون به ما لم يتصل.

وقيل ما لم يتصل وقال

 

بأنه الأكثر لا استعمالا

"أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم: «ألا يمس القرآن إلا طاهر»" يقول: "وهذا مرسل"، وعرفنا وجه الإرسال فيه، والحديث مع كونه مرسلًا عند مالك إلا أنه متلقى بالقبول بين أهل العلم، تلقاه الأئمة بالقبول، وتلقي الأمة بالقبول مما ينجبر به المرسل عند الإمام الشافعي مما ينجبر به المرسل، وله أيضًا شواهد من حديث حكيم بن حزام وعثمان بن أبي العاص وعبد الله بن عمر، شواهد تشهد له، فالمرجح ثبوته، المرجح ثبوته، الكتاب الذي كتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمعروف المقطوع به أن النبي- عليه الصلاة والسلام- أُمِّي لا يقرأ ولا يكتب، فمعنى هذا أنه أمر بكتابته، أمر بكتابته، أمر بالكتابة، وكتب إلى هرقل، يعني أمر بالكتابة إلى هرقل، والكتابة قسم من أقسام التحمل والأداء، أيضًا الكتابة والمكاتبة معروفة عند أهل العلم وثبتت بها الأحاديث مثل هذا، ووجدت بين الصحابة، وبين الصحابة والتابعين، ومن بعدهم إلى أن قال الأئمة مثل البخاري: كتب إليَّ محمد بن بشار.

 المقصود أنها طريق معتبر من طرق الرواية، وكونه -عليه الصلاة والسلام- كتب يعني أمر بالكتابة دليل على أن حديث أبي سعيد «لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» دل على أنه منسوخ وفي الصحيحين: «اكتبوا لأبي شاه»، وكتب عبد الله بن عمرو، وفي هذا يقول أبو هريرة: ليس أحد أكثر مني رواية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه يكتب ولا أكتب، فالكتابة جاء الإذن بها بعد النهي، وإن كان بعضهم يرى أن النهي لا على سبيل الإلزام، وإنما هو على سبيل الاستحباب، ومنهم من يقول: إن النهي عن الكتابة؛ لئلا تختلط بالقرآن، لكن لما أُمِن من اختلاطها بالقرآن أُذِن فيها؛ لئلا يكتب غير القرآن مع القرآن في صحيفة واحدة، فيختلط الأمر على من يقرأ، ولا شك أن النهي عن الكتابة احتياط للقرآن من جهة، والأمر الثاني احتياط للحفظ، احتياط للحفظ، فالذي يكتب ويعتمد على الكتابة لا شك أنه لا يهتم بالحفظ مثل ما يهتم في حالة عدم الكتابة، وشواهد الأحوال على هذا ما تحتاج إلى بسط.

 إذا لم يكن معك قلم وأعطيت رقمًا أو معلومة من المعلومات ترددها وتعيدها على صاحبك حتى تحفظها.

 البراء لما سمع حديث الذكر بالنوم، ذكر من أذكار النوم، أعاده على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ليتأكد من حفظه، لكن لو كان معه قلم وحفظه وكتبه يحتاج أن يعيده؟

 لا يحتاج، ثم يجعل هذه الورقة في جيبه، وهذا آخر علمه بها، ولذلك أثر الكتابة على الحفظ ظاهر، وإن كانت الكتابة نعمة من نعم الله، تحفظ العلم، وحفظت لنا مدونات، دواوين الإسلام كلها حفظت بالكتابة، لكن يبقى أنه على المستوى الفردي أن الكتابة على حساب الحفظ، الكتابة على حساب الحفظ، وذكرنا في مناسبات كثيرة أن الكتابة مع أنها على حساب الحفظ وضعف الحفظ عند كثير من الناس، وقل الحفاظ في الأمة؛ لاعتماد كثير من الناس على الكتابة، لكنها أيضًا ضبطت لنا العلم، وحفظته لنا، ومع ذلك لا يمكن أن يستغنى بها عن الحفظ، نعم من أنواع الضبط عند أهل العلم ضبط الكتاب، ويعتمد عليه، ويعوّل عليه في الرواية، بل بعضهم رجحه على الحفظ؛ لأن الحفظ خوّان، لكن يبقى أنك إذا أبعدت عن مكتبتك وكتبك تنفعك الكتب؟

 إذًا الحفظ لا بد منه، ثم جاءت الطامة الكبرى بالطباعة، الناس يكتبون إلى عهد قريب، فلما جاءت الطباعة، واعتمد الناس عليها، يعني تصوروا أن المحرر ليس بيديكم ولا طبع، وعندنا درس في المحرر، ويوجد في البلد نسخ يسيرة، كل واحد منكم يكتب لو نصيب اليوم أربعة أحاديث، خمسة أحاديث، عشرة أحاديث، كتابة هذه الأحاديث يعني في ذهن الكاتب هل هي مثل شخص وضع الكتاب بالدالوب، وجاء وحمله وجاء به هنا مباشرة فضلاً عن كون بعض طلاب العلم مع الأسف الشديد يترك الكتاب في المسجد ولا يراجع ولا.. مثل هذا قل أن يفلح، أقول: هذه الطباعة صارت على حسابها التي هي من وسائل تثبيت العلم، يعني دعونا من مسألة الحفظ الذي هو الأصل، الكتابة كتابة النص مرة واحدة عن مراجعته عشر مرات؛ لأنها معاناة تشترك فيها الحواس جاءت الطباعة فألغيت الكتابة، وصار لها من الأثر على طلاب العلم ما صار حتى صار الواحد منهم يشتري الكتاب مجلدًا مجلدين عشرة عشرين مجلدًا، وآخر علمه بهذا الكتاب وضعه في الرف، وصار عند صغار طلاب العلم مكتبات تخفى عليهم ويجهلونها.

 بعضهم لا يعرف ولا العناوين، وكان العلماء عندهم كتب ليست كثيرة، لكنهم يحيطون بما فيها، لما سهلت الطباعة، وكثرت، وانتشرت الكتب، كثرت المصنفات، وتضخمت المكتبات، وابن خَلدون يقول: كثرة التصانيف مشغلة عن التحصيل. الطباعة لما بدأت في أول الأمر استنكرها أهل العلم؛ لأنهم أوجسوا منها خيفة، وما خافوه وقع، فأفتى بعض علماء الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية، ثم أذِنوا فيما بعد، فرضت نفسها ما فيه أحد يكتب، والكتاب مطبوع فرضت نفسها، فأفتوا بالجواز، تتابع الناس عليها، وصاروا يشترون الكتب، منهم من يقرأ، ومنهم من لا يقرأ، تيسرت الأمور، وكل شيء يتيسر في الغالب، هذه من السنن الإلهية أنه يزهد فيه الناس، يزهد فيه الناس، ما هو مثل الشيء المتعوب عليه التي يتعب على شيء، يحرص عليه، ثم جاءت الآلات التي بضغطة زر، تخرج لك جميع ما قيل قدامك الحديث فيه أقوال العلماء، وفيه رجاله، وتراجمهم وأحكامهم تتصفح هذه الورقة ما الذي يثبت في ذهنك منها؟

نفترض أنك في سيارة تمشي في شارع وقدامك لوحات المحلات تستعرضها وأنت ماشٍ، ماذا يثبت؟

مثله هذا، فالعلم يحتاج إلى معاناة، فالعلم يحتاج إلى معاناة من تأهل، وطلب العلم من وجهه، وأخذه عن أهله وضاق عليه الوقت لا مانع من أن يرجع إلى هذه الأمور التي تيسر له وتختصر له وقته، أما أن يعتمد عليها طلاب علم، الآن يكررون ويقررون في مجالسهم وفي منتدياتهم أن الكتاب مصيره إلى الزوال، وأنه يمكن أن يستغنى بهذه الآلات عن جميع الكتب، والإنسان بإمكانه أن يسافر بمحفظة صغيرة معه المحمول، ومعه أشرطته، ولا يحتاج إلى كتب، نقول: لا، العلم يحتاج إلى معاناة، يحتاج إلى حفر في الذهن؛ ليثبت، وكل واحدة تأتي بعد الأخرى نترحم على التي قبلها، كان الحفظ، ثم جاءت الكتابة ضعف الحفظ، ثم الكتابة قلنا إنها من خير ما يعين على الطلب ويرسخ العلم؛ لأننا أيسنا من الحفظ، وفرضت الكتابة نفسها، وأجمع العلماء عليها، جاءت الطباعة، ثم بعد ذلك جاءت هذه الآلات، وما ندري بعد، حتى إنه الآن قد يطرح دخول هذه الآلات في أخص العبادات، تجعل شاشات في المحراب والإمام يقرأ في هذه الشاشة، والناس يسمعون، والله المستعان.

 الكتاب الذي كتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم إن في الكتاب الذي كتبه هل ما ذُكر هو جميع ما في الكتاب، أو فيه شيء من هذا الكتاب، قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ألا يمس القرآن إلا طاهر»، فالكتاب فيه أكثر من جملة، وأكثر من حكم، فيه الديات والعقول، وفيها أشياء، وفيه «ألا يمس القرآن إلا طاهر».

 المراد بالقرآن المحفوظ أو المتلوّ أو المكتوب؟ المكتوب هو الذي يمكن مسه، هو الذي يمكن مسه المكتوب، أما ما يقرأ فإنما هو يسمع ما يمس، «ألا يمس القرآن إلا طاهر» فالمقصود به المكتوب.

 هذا الحديث يدل على أن المحدِث لا يمس القرآن حتى يتطهر ويرتفع حدثه، والمراد الطهارة من الحدث، وهذا من تعظيم كتاب الله -جل وعلا- ينبغي أن يكون معظمًا في قلب كل مسلم؛ لأنه من تعظيم الله تعظيم كلامه -جل وعلا-.

هو الكتاب الذي من قام يقرأه

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلم

يناجي الله -جل وعلا-، فتعظيم هذا الكتاب لا بد أن يكون في قلب كل مسلم، «لا يمس القرآن إلا طاهر»، وفي قوله- جل وعلا-: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [سورة الواقعة:79] طاهر يعني متطهر، وهناك فرق بين طاهر متطهر وبين مُطَهَّر، بينهما فرق، إذًا هل دلالة الآية مطابقة لدلالة الخبر؟

 {فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ = 78  لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ = 79 } [سورة الواقعة:78-79] يعني الكتاب المكنون هو القرآن لا يمسه، الكتاب هو القرآن المكنون الذي هو مخفي لا يمسه لا يستطيع أن يمسه إلا المطهرون، ولذا قول جمهور أهل العلم إن الآية في الكتاب المدوَّن في اللوح المحفوظ، وأنه لا يمسه إلا المطهرون، وهم الملائكة، هم الذين طهرهم الله -جل وعلا- وهم لا يقال: إنهم متطهرون؛ لأن التطهر يقتضي سبق حدث، أما المطهر من أصله فلا يقتضي سبق حدث، وفرق بين اللفظين، إذًا الآية في الملائكة وهم مطهرون، فهل فيها دلالة على منع عند من يضعف هذا الحديث، هل فيها دلالة على منع من مس القرآن من غير طهارة؟ ما فيها دلالة، يعني إذا ضعفنا فلنا أن نمس القرآن من غير طهارة.

طالب: .............

نعم، من باب أولى، يعني شيخ الإسلام يقرر -رحمه الله تعالى-، كما نقل عنه ابن القيم في مدارج السالكين قال: يستدل بهذه الآية على أنه لا يمس القرآن إلا طاهر من باب أولى؛ لأن الأصل في المنع، الأصل المنع؛ لأن هذا الكتاب لا يمسه إلا أولئك الذين طهرهم الله- جل وعلا-، فمن اتصف بوصف مخالف لما وُصِفوا به لا يمس القرآن، فالدلالة في الآية بطريق الأولى.

 المقصود أنه من خلال هذا الحديث وما فهمه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، وكلامه ظاهر أن القرآن لا يجوز أن يمسه المحدِث، لا يمسه المحدِث.

طالب: .............

أيهم؟

طالب: .............

هو وإن كان خبرًا إلا أنه يراد به الإنشاء، يراد به الإنشاء، وهو بهذا الأسلوب أقوى من الإنشاء الصريح أقوى من النهي الصريح «ألا يمس القرآن إلا طاهر».

 القرآن المراد به المحفوظ بين الدفتين، فهل المراد بالقرآن جميع ما حواه الدفتان بما في ذلك الجلد والأوراق البيضاء التي تكون في أوله وآخره وصفحة العنوان والفهرس، أو أن المراد به كلام الله فقط؟

طالب:.........

واحد يناولني المصحف..

طالب:.........

خلاص..

هذا نسميه كله بكامله قرآنًا، ومكتوب عليه القرآن الكريم، ولا يختلف أحد في هذا الإطلاق، «ألا يمس القرآن إلا طاهر»، لو جاء شخص يريد أن يمس القرآن من جلده، البخاري نقل عن إبراهيم النخعي وغيره أنهم رخصوا في أن يُحمل المصحف بكيسه وعلاقته التي يُحمل بها، فمفهوم كلامهم أنه لا يُمَس ولا من الجلد؛ لأنه هو القرآن، هذا كله قرآن، وهذا من باب الاحتياط لكلام الله -جل وعلا-، لكلام الله -جل وعلا-، فلا يمس على هذا القول، لكن إذا كان النهي عن مس القرآن، فهل نستطيع أن نقول: هذا قرآن؟ ما في هذه الصفحة قرآن، بحيث لو انفصلت لها حرمة القرآن؟ وهذه الورقة قرآن؟ وهذه الورقة وما بعدها قرآن؟ إنما القرآن ما فيه كلام الله- جل وعلا-، وهو المقروء المتلوّ، فعلى هذا نحمل المصحف من غلافه، ونتصفح الفهرس، ونضع أصابعنا على الفهرس سورة كذا، سورة كذا، ولا مانع أن ننظر في أو نمس صفحة العنوان إذا خلت من القرآن، أما القرآن فهو الكلام المقروء المتلوّ المنزل من قِبَل الله- جل وعلا-، وما عدا هذا فليس بمنزل، فهارس ليس منزلًا، فهما قولان ويحتملهما الخبر، هما قولان يحتملهما الخبر، لكن أيهما أولى في الاحتياط لكتاب الله- جل وعلا-؟ وهل نسترسل في هذا بحيث لو جئنا بمصحف مثل هذا، وأُلحِق به الفهرس، فهرس إجمالي مثل هذا، ودعاء ختم القرآن، وتعريف بهذا المصحف، وفهرس تفصيلي لألفاظ القرآن، وكتاب ميسر لتجويد القرآن، وكتاب لآداب حملة القرآن، وصار مجلدًا كبيرًا، هل نقول: هذا كله قرآن؟

لا، من حمله ومعه مثلها أو أكثر منه ما يقال هذا كله قرآن، فالأصل أن نحتاط لكتاب الله- جل وعلا-، وأهل العلم يقولون: الحكم للغالب، ما معنى الحكم للغالب؟ يعني لو جئنا بتفسير مثلاً مطول، وفيه قرآن، آيات منفصلة، تفسير ابن كثير مثلاً في كل صفحتين ثلاثة أسطر أو ثلاث آيات مثلاً، هل نقول: إن هذا فيه قرآن، لا نمسه، أو نقول: الحكم للغالب، كما قرر أهل العلم؟

نقول: نحن نحمل تفسيرًا، الآن نمس التفسير ما هو قرآن، لكن إذا كان الغالب القرآن، يعني قرآن مثل هذا، وفي حواشيه مفردات يسيرة، نقول: الحكم للغالب، فلا يجوز مسه، فمثل تفسير ابن سعدي مثلاً طُبع على هامش القرآن، والقرآن مستقل، نحمله ونتصفحه بغير طهارة أم ما نحمله؟

لا مانع أن نمس التفسير، أما أن نمس ما في جوف هذه الصفحات من كلام الله- جل وعلا- نكون مسسنا القرآن، طيب تفسير الجلالين، القرآن بقدر التفسير، وهذه أشكلت على طالب علم من اليمن، أشكل عليه وهو يديم النظر في تفسير الجلالين، ويشق عليه أن يتوضأ ويعرف أن أهل العلم يقولون: الحكم للغالب، فذهب يعد حروف التفسير وحروف القرآن، خرج بنتيجة أيهما أكثر؟

طالب:.........

فيه دليل مستند أم فقط توقع؟

طالب:.........

لا، هو يقول: إلى سورة المزمل العدد واحد، ثم من المدثر إلى آخر القرآن زاد التفسير قليلاً، فانحلت عنده المشكلة، والحال يختلف فيما إذا طبع التفسير ممزوجًا بالقرآن ممزوجًا يعني الكلمة بين قوسين، ومعناها بجوارها، هذا يسمى ممزوجًا، أو طبع القرآن منفصلاً منفردًا، فهذا يستمر حكمه حتى لو طبع مع تفسير ابن كثير، تريد أن تمس القرآن وهو واضح المعالم، كلام الله -جل وعلا- على هيئته في صفحاته، ولو كان في تفسير ابن كثير، ولكن لك أن تمس التفسير.

 طيب القرآن في الجوَّال مثلاً في شاشة الجوال هل لنا أن نقرأ من الجوال بغير طهارة؟ وهل مسنا للجوال مس للقرآن، أو نقول: الحاجز كبير، وكأننا حملناه في كيسه أو في علاقته، كما أفتى بذلك أهل العلم؟

الشاشة التي فيها الآيات هذه حكمها حكم ورقة القرآن، وأما ما عدا ذلك من جوانبه فالذي يظهر أنه لا حرج فيه إن شاء الله تعالى؛ لأن الحاجز كبير، ويبقى أنه قرآن، فإذا وُجد على الشاشة هو موجود، لكن إذا أغلق الجوال مثلاً هل يوجد قرآن داخل الجهاز؟ يعني هل ندخل به الحمام أم ما ندخل؟ القرآن مخزن في الجهاز، إذا كان ظاهرًا على الشاشة لا يجوز أن ندخل به الدورة، لكن إذا كان الجهاز مغلقًا أو فيه كلام من كلام عادي، يعني ما فيه شيء، القرآن الآن هو في جوف الجهاز أم انتهى؟ ارتفع عن الجهاز ما هو داخل بخلاف الشريط، يعني هذا يختلف عن الشريط، الشريط، مخزَّن في الشريط، لكن في الجهاز يستمر أم انتهى؟ انتهى، هو مخزن، هل معنى تخزينه في الجوال أنك لو فككت الجوال تجد أثرًا لهذا القرآن؟ أو أثر..؟

ما تجد شيئًا، فيه مسائل كثيرة تتعلق بهذا من المحدثات فيه، جاء شيء كثير مما يتعلق بالقرآن وإدخاله في الأجهزة.

 طيب القرآن المحفوظ في الصدر، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- استدل على أن القرآن يمكن حمله من قبل المحدِث ومس المحدِث له من وراء غلاف أو من وراء حجاب، كيس أو علاقة مثلاً، استنبط ذلك من إيش؟

 النبي -عليه الصلاة والسلام- رأسه في حَجر عائشة وهو يقرآن القرآن، وهي ترجل شعره، تمسه، فجعل القرآن الذي في جوفه -عليه الصلاة والسلام- بمثابة القرآن المكتوب المحفوظ بكيس أو بعلاقة أو ما أشبه ذلك، استنباط، يعني يدل على دقة متناهية من الإمام- رحمه الله- ومن يلتفت لمثل هذا يقول: وهذا مرسل، فإذا كان القرآن لا يمسه إلا طاهر، فهل يقرأه المحدِث؟ يقرأه المحدِث عن ظهر قلب؟

المحدث حدثًا أصغر يقرأ القرآن، وإن كان محدِثًا؛ لأن الممنوع المس، فالقراءة ليست ممنوعة، طيب المحدث حدثًا أكبر لا يمنعه من القراءة إلا الجنابة، فالجنب ممنوع من قراءة القرآن، الحائض حكمها حكم الجنب عند جماهير أهل العلم، حكمها حكم الجنب عند جماهير العلماء، لا تقرأ القرآن، ولا عن ظهر قلب حتى يرتفع حدثها الأكبر، ويُفتى الآن وقد أفتى به من تبرأ الذمة بتقليده أنها إذا احتاجت إلى مراجعته، أو خشية نسيانه، أو كانت محتاجة إلى القراءة بكونها مدرسة أو طالبة، أو اختبار، أو شيء من هذا، أفتوها بالجواز، على ألا تمس القرآن، المصحف، لها أن تقرأ عن ظهر قلب، وأفتوها بهذا، لكن من باب تعظيم هذا الكلام العظيم المنزَّل من قِبَل الله -جل وعلا- ينبغي أن يحتاط له، ينبغي أن يحتاط له، وألا يمس القرآن إلا طاهر.

 قال: وهذا مرسل، هذا حكم المؤلف على الخبر أنه مرسل، وعرفنا أنه جاء ما يشهد له من حديث عبد الله بن عمر وحكيم بن حزام وعثمان بن أبي العاص، مما يجعله مقبولاً.

 "وقد رواه أحمد وأبو داود في المراسيل والنسائي والدارقطني وابن حبان من رواية الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده".

 عن أبيه عن جده، مرسل أم متصل؟ متصل، "وراويه عن الزهري" يعني في الطريق الذي فيه الاتصال "راويه عن الزهري سليمان بن داود الخولاني" وهو ثقة، لكن هذا وهم، "والصحيح أنه سليمان بن أرقم، وهو متروك، وهو متروك" فالحديث إنما صح بشواهده، وتلقي الأمة له بالقبول.

"وفي الصحيحين من حديث هرقل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم»، وفيه {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [سورة آل عمران:64]."

عندك قل؟

نعم، قل.

وهل هي في الصحيح المنقول عنه؟

طالب: .............

لا، ليست في الصحيح، الذي في الصحيح مثل ما هنا ويا أهلك الكتاب تعالوا، وأشكلت على كثير من الشراح.

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ = 64 } [سورة آل عمران:64]."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وفي الصحيحين" البخاري ومسلم، يقول: في حديث هرقل، الإضافة هذه أهل العلم إنما يضيفون الحديث إلى مخرجه الذي يكون من مسنده، فالأصل أن يقال: في حديث ابن عباس عن أبي سفيان في قصة هرقل، فهو حديث ابن عباس، ومن مسند ابن عباس عن أبي سفيان في قصة هرقل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إليه، والقصة طويلة مفصلة في الصحيح، وأن هرقل بحث عمن يعرف النبي -عليه الصلاة والسلام- معرفة تامة؛ ليسأله عن بعض الإشكالات عنده؛ ليستدل بها على صدقه، فوجدوا أبا سفيان هناك، فاستدعاه، وجعل أصحابه وراء ظهره؛ من أجل أن لو كذب كذّبوه؛ لأنه لو جعلهم وجهًا لوجه لاستحيوا منه؛ لأن الحياء في العينين، الحياء في العينين، كما يقول ابن عباس، سهل عليك أن تتصل على واحد في التلفون وتعتذر، لكن إذا قابلته وجهًا لوجه يصعب عليك، سأله عدة أسئلة، فيجيبه أبو سفيان، فوقر الإيمان في قلبه؛ لأن هذه أدلة قطعية تدل على صدقه- عليه الصلاة والسلام-، ولا مندوحة لهرقل ولا غيره عن تصديقها، وجمع بطارقته وعرض عليهم، في الحديث: فحاصوا حيص حُمُر الوحش، وبحثوا عن الأبواب، وخشي على نفسه منهم، فقال لهم: إنما قال ذلك ليختبرهم، لما سبق له من الشقاوة، نسأل الله السلامة والعافية، فآثر الدنيا على الدين.

 وفيه في كتابه: أسلِم تسلَم يؤتك الله أجرك مرتين؛ لأنه بإسلامه يسلم قومه، وهو أيضًا من أهل الكتاب، فإذا آمن بنبيه، وآمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان ممن لهم أجران، كما في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: «ثلاثة لهم أجران»، ومنهم: «رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي»، فله أجران لو أسلم، وهو أيضًا متبوع، لو أسلم لنفع الله به، وآمن قومه، ولم يحتج المسلمون إلى قتالهم، لكن لما علم الله -جل وعلا- في نفسه، وكتب عليه من الشقاوة غير ظالم له قال ما قال، ومات على نصرانيته، مات على نصرانيته، ولم يعذر بالضغط الذي أتاه من بطارقته، وهناك فرق بين أن يُضغط على كافر؛ لئلا يسلم، فهذا الأصل فيه الكفر، وبين ضغط على مسلم ليقول كلمة كفر، وقلبه مطمئن بالإيمان؛ لأن هذا الأصل فيه الإسلام، وذاك الأصل فيه الكفر.

 أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إليه في قصة طويلة، وكتاب مفصل: «بسم الله الرحمن الرحيم»، والبسملة ثابتة في مكاتباته -عليه الصلاة والسلام-، لكنها لم تحفظ في خطبه، فهي في المكاتبات، وهي أيضًا ثابتة في القرآن الكريم قبل كل سورة من القرآن سوى براءة، وكونها آية من سورة بعض آية من سورة النمل إجماع، وآية من كل سورة ذكرت قبلها محل خلاف بين أهل العلم، والخلاف يطول بسطه، لكن الاقتداء بالقرآن الكريم يقتضي وبكتبه -عليه الصلاة والسلام- يقتضي أن تصدَّر الرسائل بالبسملة، وليس هذا من باب الاعتماد على الحديث الضعيف، «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر»، لا، هي ثابتة، اتفق الصحابة على كتابتها في القرآن على خلاف بين أهل العلم هل هي منه آية من كل سورة، أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور، أو ليست بآية مطلقًا، أقوال لأهل العلم، وليس هذا محل بسطها، ستأتي إن شاء الله تعالى.

 لكن مع ذلك اتفقوا على كتابتها، فالقرآن افتُتح بها، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يفتتح رسائله بها، كما أن القرآن افتُتح بالحمد لله رب العالمين، فيُقتدى به في هذا، وبعض أهل النظرات القاصرة إذا ضعف عنده الخبر، والضعيف لا يُحتج به يقول: لماذا نبدأ بالبسملة، الحديث ضعيف لا يعتمد عليه، ولا يُحتج به؟ يعني ما عندك من الحجج غير هذا الحديث الضعيف؟! ما عندك مما يقتدى به غير هذا الحديث الضعيف؟!

 حتى كتب بعضهم، ومع الأسف أنه كتاب في علم شرعي: كانت الكتب التقليدية تُبدأ بالبسملة والحمدلة، يعني من باب يعني ردة فعل بعض الناس يستعمل الأحاديث الضعيفة والواهية، ويبني عليها القواعد، فمن باب ردة الفعل يقال هذا الكلام.

 حتى قال بعضهم في الحديث الذي جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وصححه بعضهم، وضعفه الأكثر، في أن من جلس في مصلاه ينتظر طلوع الشمس، فإذا طلعت الشمس صلى ركعتين، كان له أجر عمرة، وفي رواية: حجة. الحديث مضعف عند أهل العلم، وإن كان قابل للتصحيح عند بعضهم، وأقل أحواله أن يكون حسنًا، بعضهم من باب الثورة على الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة ماذا يقول؟

يجلس إلى أن تنتشر الشمس مع صاحب له عملاً بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وهذا ثابت كونه يجلس، لكن الركعتان من خلال هذا الحديث المضعف هو يثور على مثل هذا العمل ويقول لصاحبه: تريد أن نمشي أو نصلي صلاة الإشراق، صلاة العجائز؟ يا أخي أقل أحوالك أن تصلي صلاة الضحى إذا كنت لا ترى ثبوت هذا الخبر، لكن أقول: بعض ردود الأفعال توقع في مثل هذه التصرفات، فعلى الإنسان أن يتوسط في أموره كلها، ولا تصير تصرفاتهم ردود أفعال، إنما تكون نظرة ثاقبة شاملة لنصوص الشريعة ومقاصدها محترمًا لأهل العلم وأقوالهم، فهذه سخرية في كل من صحح الخبر أو عمل به.

 وذكرنا مرارًا أن ابن القيم- رحمه الله تعالى- ذكر في طريق الهجرتين برنامجًا يعمل به الأبرار، وبرنامجًا آخر يعمل به المقربون، من الاستيقاظ من النوم إلى مجيء النوم، برنامجًا مرتبًا إذا استيقظ من نومه ماذا يصنع، ثم بعد ذلك إلى آخر أعماله حتى يفد إليه النوم، وذكر عن الأبرار أنهم يصلون إذا ارتفعت الشمس ثم ينصرفون، وذكر عن المقربين أنهم إن شاؤوا صلوا وإن شاؤوا انصرفوا، وهذا ذكرناه أكثر من مرة، فالذي يظهر- والله أعلم- أن الأبرار ينصرفون إلى أعمالهم من أمور دنياهم، والمقربون هؤلاء ينصرفون إلى عبادات أخرى ويدخرون مثل هذه الصلاة حتى ترمض الفصال التي هي صلاة الأوابين، لكن شخص ما.. خلاص إذا خرج من المسجد لن يصلي يقول مثل هذا الكلام؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- أوصى بها جمعًا من أصحابه، وذكر في الحديث الصحيح أنه «يصبح على سلامى كل أحد منكم صدقة»، فيحتاج الإنسان أن يتصدق بثلاثمائة وستين صدقة، أو يذكر الله -جل وعلا-، وفي كل تسبيحة صدقة إلى آخره، ويكفي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى.

 «بسم الله الرحمن الرحيم» البسملة شُرِحت في مناسبات كثيرة «من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل» هذه السنة في المكاتبات أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، من فلان إلى فلان اقتداءً به -عليه الصلاة والسلام-، وبهذا قال أكثر العلماء، ومنهم من يقول: من باب احترام وتقدير من يكاتبه ويخاطبه، ومن باب التواضع يبدأ بالمكتوب إليه، ويؤخر اسمه، وهذا يُنسَب إلى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، يكون هذا من باب التواضع، ومنهم من يقول: يُنظر في الكاتب والمكتوب إليه، فإن كان المكتوب إليه أكبر يقدم، وإن كان الكاتب أكبر يقدم، من باب «كبِّر كبِّر» لكن الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- في فعله مع استحضار احترام من يُكتَب له بالألفاظ الحسنة والدعاء والثناء الجميل الذي لا يغتر به يجمع بين الحسنيين، ولذا قال النبي- عليه الصلاة والسلام-: «إلى هرقل عظيم الروم»، فأنت إذا كتبت إلى شخص اكتب له قدِّم اسمك؛ اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وصدِّر أيضًا اسمه بشيء يدل على أنك ما قدَّمت اسمك تعاليًا عليه أو ترفُّعًا عليه، إنما هو من باب الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في قوله -جل وعلا- في سورة النمل: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [سورة النمل:30] هل يقتضي هذا أن نقول: من فلان ابن فلان، بسم الله الرحمن الرحيم إلى فلان ابن فلان؟

في القرآن هذا {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [سورة النمل:30]، الذي ينظر إلى هذا الكلام بغض النظر عما ثبت يقول: يصدَّر الكلام من فلان ابن فلان، بسم الله الرحمن الرحيم، إلى فلان ابن فلان، هل الآية تفيد هذا؟

يعني مصدره من سليمان، يعني مثل ما تكتب على الظرف، يعني نظير هذا الظرف الذي فيه الخطاب عليه اسمك من الأصل، وتريد أن تكتب إلى فلان، وتريد أن تكتب أمام اسمك مِن وإلى فلان ابن فلان، وتكتب بينهما بسم الله الرحمن الرحيم، أو صدر الكتاب الذي في داخل الظرف تكتب بسم الله الرحمن الرحيم، وهي أيضًا تُخبِر عما جاءها أن هذا كتاب جاءنا من سليمان، وهذا الكتاب مصدَّر ببسم الله الرحمن الرحيم، فليس فيه دلالة على أن الاسم يقدَّم على البسملة.

 «من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم» وهرقل لقب لكل من مَلَك الروم، كما أن كِسرى لقب لكل من ملك الفرس، والنجاشي لمن ملك الحبشة، وفرعون لمن ملك مصر قبل الإسلام، هذه ألقاب تُعُوْرِف عليها، وتتابعوا عليها.

 وفيه: «ويا أهل الكتاب» كما في البخاري «ويا أهل الكتاب»، وأشكل مخالفة ما في هذا الكتاب لما في القرآن {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ} [سورة آل عمران:64] الذي في القرآن {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [سورة آل عمران:64]، والذي في الصحيح «ويا أهل الكتاب» لكن هذه الواو ليس المقصود منها إقحامها في الآية، وإنما المقصود منها العطف، عطف الآية على ما تقدم من كلام، كتب إليه كتابًا فيه من محمد عبد الله ورسوله وفيه.. تجيء؟ يعني هل الذي في البخاري: وفيه ويا أهل الكتاب أو ويا أهل الكتاب بدون وفيه؟

طالب: .............

نعم، ساق الخبر، ويا أهل الكتاب، إذًا الذي يشكل: وفيه؛ لأننا نستطيع أن نتأول الواو وفيها كلام لأهل العلم الشراح شراح البخاري حول هذه الواو وزيادتها في الآي،ة وإجماعهم على أنها ليست من الآية يمكن أن يراجَع، يعني تراجعونه «ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد الله إلا الله» يعني بيننا وبينكم أنتم على إرث من نبوة، وعندكم تحريف، وعندكم ضلال، وعندكم شرك، لكن عندنا بيننا وبينكم قدر مشترك، وهو الإقرار بالله- جل وعلا-، نأتي إلى هذا الكلام الذي نشترك فيه ثم نناقش ما وراءه، وهذا ينبغي أن يكون من أدب المناظرة، يعني إذا كان الذي تناظره تشترك معه في شيء تقدِّمه وتوافقه عليه، يعني لو جاءك شخص تجزم أن ما عنده من مخالفة الدافع إليها الخير، وأحيانًا يكون حماسًا، والغيرة على الدين مثلاً توافقه في جميع ما تتوافق معه فيما لا تتفق معه فيه سواء تدعو له، وأن ما حداك إلى هذا الأمر إنما هو الغيرة على دين الله، ولا نختلف معك في كذا ولا كذا ولا كذا علشان إيش؟

أن تدخل إلى قلبه أولاً، ثم بعد ذلك إذا دخلت إلى قلبه تملي عليه ما شئت، بعض الناس في طريقتهم في الحوار والمناظرة يبدأ بالمخالفات، الأمر الذي يختلف معه فيه، فيتصوَّر هذا المناظَر أنهم لا يشتركون في شيء، ومادامت الشُّقَّة بعيدة فنتفق على إيش؟ فتحصل النفرة وعدم الاتفاق، فينبغي أن يسلك مثل هذا الأسلوب، وهو مجرب ونافع، يعني إذا جاءك من عنده فكر مخالف لفكرك، وأداه إليه اجتهاد أو مثلاً خفاء في الاستدلال، أو شيء من هذا فترفق به، وتلطف به، وتثني عليه، وتدعو له؛ شريطة ألا يغتر أحد بهذا الثناء؛ لأنه شخص مبتدع، ثم تثني عليه أمام حضور يُظَن أنك توافقه على بدعته، أو يُظَن به خير من عظائم الأمور أن يظن بأهل الفجور خيرًا، لاسيما إذا كانت بدعته عظمى، أو يخشى من تعديها إلى غيره، فإذا كان الخلاف تدخل إلى قلبه بالموافقة، وبلين الكلام، ثم تبسط له ما تريد، وهذه مجربة، ونفعت مع كثير من الفئات.

 {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [سورة آل عمران:64] مادام نعترف أن الله -جل وعلا- هو الخالق الرازق نتفق على توحيد الربوبية، {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ} [سورة آل عمران:64] إذًا علينا أن أن نتفق على توحيد الألوهية، وهو من لازم توحيد الربوبية، {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} [سورة آل عمران:64] يعني ما نتخذ مخلوقين أمثالنا أربابًا من دون الله كما اتخذتم عيسى ومريم، واتخذ اليهود عزيرًا، واتخذ.. {وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} [سورة آل عمران:64]، ولا يلزم أن يكون هذا الرب المعبود من دون الله أن يسجد له ويصلى له ويحج له ويصام.. ما يلزم كما في حديث عَدِيّ بن حاتم قال: إنا لسنا نعبدهم، قال: «أليسوا يحرمون الحلال فتحرمونه، ويحلون الحرام فتحلونه؟» قال: بلى، قال: «تلك إذًا عبادتهم»، هذه هي عبادتهم، والأصل ألا طاعة لمخلوق، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

 {وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ} [سورة آل عمران:64]، فإن أعرضتم تتولوا، {فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:64]، وهذا من باب الاعتزاز بالدين والثبات عليه، وبعض الناس لاسيما إذا كان في مجتمع في بيئة أهل تفريط تجده لا يعتز بما عنده من التزام، وإذا كان في بيئة فيها كفار تجده لا يعتز بدينه، والله -جل وعلا- يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سورة فصلت:33]، يعتز بدينه، الدين لا مساومة عليه، قد يكون هناك ظروف يخشى فيها الإنسان على نفسه، هذه لها أحكامها، لكن يبقى أن بعض الناس من غير خشية، من غير خشية لا يُظهِر دينه، ولا يُظهِر التزامه، بل قد يُظهِر ما يوافقهم عليه، وهذا من المداهنة التي لا تجوز.

الحديث الذي يليه..

طالب: ...........

نعم، ارتباط الحديث بالباب نعم في حكم الحدث بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- لهرقل بالآية وهو كافر، وهرقل لا بد أن يمسها ويمس الآية، من يقرأ عليه، فهل مس الآية يدخل في مس القرآن أو لا يدخل؟

الآية ونحوها لا يدخل؛ لأنها آية، بعضهم يقول: بعض آية؛ لأنه ليس فيها قل، فيستثنى من ذلك بعض الآية دون الآية الكاملة، المقصود أن مثل الشيء اليسير لا يدخل في النهي، وبعض الناس ممن يزاول الدعوة يستشكل أحيانًا ويسأل عن القرآن الذي ترجم معانيه إلى اللغات الأخرى، وفيه قرآن، هل يمكَّن الكافر منه، القرآن كاملًا، أو لا يُمكَّن؟ هذه إن اقتضت المصلحة تأليفه لما يغلب على الظن من أنه إذا قرأ واقتنع وأسلم ونفع الله ،به هذا لا مانع، هذا لا مانع من تمكينه منه، أما إذا خُشي من هذا الشخص أن يمتهن القرآن فهذا لا يجوز بحال، والمسألة مسألة غلبة ظن.

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه، رواه مسلم."

هذا الحديث يقول: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يذكر الله على كل أحيانه" كان تدل على إيش؟ الاستمرار، وكل تدل على العموم، يذكر الله على كل أحيانه، ولا يحجبه شيء، هذا مقتضى النص بالنسبة للزوم المسلم لذكر الله- جل وعلا- وكونه ديدنه هذا مطلوب، فلا يزال لسانك رطبًا بذكر الله تعالى، والباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وهي غراس الجنة.

 جاء جبريل يقول: إن إبراهيم يقول: أقرئ لمحمد -عليه الصلاة والسلام- «أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»، فعلى المسلم لاسيما طالب العلم ينبغي أن يكون قدوة في هذا الباب، والغفلة عن ذكر الله -جل وعلا- من صفات المنافقين {وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [سورة النساء:142]، فلا تكون حال المسلم فضلاً عن طالب علم أن يكون مشبهًا للمنافقين، ولا يغفل عن الذكر إلا محروم؛ لأنه لا يكلف، ما الذي يضيرك أن تقول في اليوم آلافًا مؤلفة من سبحان، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.

 فعلى طالب العلم أن يلازم، ويحرص على ما ورد، والذكر المطلق لا يحرم نفسه منه؛ لأنه إذا قال الصلاة تحتاج إلى وضوء، وأحتاج أن أقوم وأجلس، والصيام يحتاج إلى كف النفس وأنا لا أطيق، طيب الذكر وفوائد الذكر كثيرة جدًّا، ذكر شيئًا منها ابن القيم- رحمه الله- شيئًا كثيرًا ابن القيم في مقدمة الوابل الصيب، فعلينا أن نُعنى بهذا الباب.

 «سبق المفردون الذاكرون الله كثيرا والذاكرات»، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله، وذكر الله أعم من أن يكون بقرآن وغير قرآن؛ لأن القرآن من أعظم، هو أعظم الأذكار.

 على كل أحيانه، وهذا عموم يُخَصّ بما جاء عن تنزيه الله، عن تنزيه ذكره من الأماكن المستقذرة كالحشوش مثلاً، محل قضاء الحاجة لا يذكر الله فيها، وأيضًا لا يذكر على حال كالجنابة مثلاً، فلا يُقرأ القرآن حال الجنابة، على ما تقدم.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"