التعليق على تفسير القرطبي - سورة الفتح (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

 يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى-:

"{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً}.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَه} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ. إِنَّهَا الْمَغَانِمُ الَّتِي تَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ مَغَانِمُ خَيْبَرَ." {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ} أَيْ خَيْبَرَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجَّلَ لَكُمْ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ. {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، كَفَّهُمْ عَنْكُمْ بِالصُّلْحِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَفَّ أَيْدِي الْيَهُودِ عَنِ الْمَدِينَةِ بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَخَيْبَرَ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ؛ لِأَنَّ كَفَّ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ بِالْحُدَيْبِيَةِ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} [الفتح: 24]. وقال ابن عَبَّاسٍ: فِي " كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ" يَعْنِي عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ وَعَوْفَ بْنَ مَالِكٍ النَّضْرِيَّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا، إِذْ جَاءُوا لِيَنْصُرُوا أَهْلَ خَيْبَرَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مُحَاصِرٌ لَهُمْ، فَأَلْقَى اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ وَكَفَّهُمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ {وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أَيْ وَلِتَكُونَ هَزِيمَتُهُمْ وَسَلَامَتُكُمْ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحْرُسُهُمْ فِي مَشْهَدِهِمْ وَمَغِيبِهِمْ.

وقيل: أي ولتكون كَفُّ أَيْدِيهِمْ عَنْكُمْ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: أَيْ وَلِتَكُونَ هَذِهِ الَّتِي عَجَّلَهَا لَكُمْ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِدْقِكَ حَيْثُ وَعَدْتَهُمْ أَنْ يُصِيبُوهَا. وَالْوَاوُ فِي " وَلِتَكُونَ" مُقْحَمَةٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ. وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: عَاطِفَةٌ عَلَى مُضْمَرٍ، أَيْ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ لِتَشْكُرُوهُ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ." {وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً} أَيْ يَزِيدُكُمْ هُدًى، أَوْ يُثَبِّتُكُمْ عَلَى الهداية".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 يمتن الله جل وعلا- على عباده أن أباح لهم الغنائم، وأباحها لهم. وهذه من خصائص هذه الأمة، والغنائم تعم ما يأتي بعد هذا الوعد وما حكمه معروف، لكن الحل شامل لما كان في عهده عليه الصلاة والسلام- وما سيكون بعده إلى يوم القيامة؛ لأن الله أباح لهم الغنائم، وهذا من خصائص هذه الأمة.

 { فعجل لكم هذه} التي حصلت في عهده عليه الصلاة والسلام- وأخر ما يرد بعدها إلى قيام الساعة، وأيضًا مما امتن الله به على صحابة النبي عليه الصلاة والسلام- كف أيدي الناس عنهم؛ لأنهم انشغلوا، انشغلوا بأمور، وتركوا المدينة، لكن الله -جل وعلا- حفظها، وكف أيدي الناس عنهم عن أعراضهم، عن أموالهم، عن أولادهم.

 المقصود أن الله جل وعلا- يمتن بهذا على عباده المخلصين الذين خرجوا معه عليه الصلاة والسلام-. هذه المنة تحتاج إلى شكر، فالشكر مقدر في كل نعمة ومن أفضلها نعمة الأمن على الأهل والمال والأعراض والممتلكات، لتشكروه ولتكون؛ لأن هذه الواو معطوفة على مقدر كما يقول البصريون، كما يقول البصريون، هذه الواو عاطفة على مقدر، لتشكروه، ولتكون آية للمؤمنين، يعني ما حصل آية للمؤمنين.

 {ويهديكم صراط مستقيم} هم على الصراط المستقيم، لكن الهداية إنما هي زيادة في الهداية، وثبات على هذه الهداية، وإلا فهم قد هداهم الله على الصراط المستقيم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُخْرى}" أُخْرَى" مَعْطُوفَةٌ عَلَى" هذِهِ"، أَيْ فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ الْمَغَانِمَ وَمَغَانِمَ أُخْرَى. {لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْفُتُوحُ الَّتِي فُتِحَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَأَرْضِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَجَمِيعِ مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالضَّحَّاكِ وَابْنِ زَيْدٍ وَابْنِ إِسْحَاقَ: هِيَ خَيْبَرُ، وَعَدَهَا اللَّهُ نَبِيَّهُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَحَهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَرْجُونَهَا حَتَّى أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ بِهَا. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا وَقَتَادَةَ: هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حُنَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها}. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ مُحَاوَلَةٍ لَهَا، وَفَوَاتِ دَرْكِ الْمَطْلُوبِ فِي الْحَالِ، كَمَا كَانَ فِي مَكَّةَ."

نعم؛ لأن النبيعليه الصلاة والسلام- لما انتصر في حنين وفتح مكة أبقى ما في أيديهم لهم، جمعوا الغنائم في حنين، ثم امتن بها على أصحابها، فهذه لم يقدر عليها الصحابة بعد أن حصلوا عليها، امتن بها النبيعليه الصلاة والسلام- على أهلها، وأما أهل مكة فالنبيعليه الصلاة والسلام- عفا عنهم، وجعل لهم ما في أيديهم، فهذه لم يقدر عليها الصحابة قدرة شرعية ،وإن كانوا حصلوا على أسبابها التي يستحقونها بها، أدركوا الاسباب التي يستحقونها بها، فالغنائم للمقاتلين، وقد قاتلوا وانتصروا فاستحقوا هذه الغنائم، أما القدرة الشرعية بمعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام- منعهم منها بعد تطييب نفوسهم وقلوبهم لم يقدروا عليها؛ لأنها فاتتهم، فاتهم وجودها في أيديهم بالحكم الشرعي؛ لأن النبيعليه الصلاة والسلام- تركها لأصحابها وأربابها.

" قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ مَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَعْنَى {قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها} أَيْ أَعَدَّهَا لَكُمْ، فَهِيَ كَالشَّيْءِ الَّذِي قَدْ أُحِيطَ بِهِ مِنْ جَوَانِبِهِ، فَهُوَ مَحْصُورٌ لَا يَفُوتُ، فَأَنْتُمْ وَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا فِي الْحَالِ فَهِيَ مَحْبُوسَةٌ عَلَيْكُمْ لَا تَفُوتُكُمْ. وَقِيلَ: {أَحاطَ اللَّهُ بِها} عَلِمَ أَنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ، كَمَا قَالَ: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق: 12]. وَقِيلَ: حَفِظَهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ. لِيَكُونَ فَتْحُهَا لَكُمْ. {وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً}.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبار} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ فِي الْحُدَيْبِيَةِ. وَقِيلَ:" وَلَوْ قاتَلَكُمُ" غَطَفَانُ وَأَسَدٌ وَالَّذِينَ أَرَادُوا نُصْرَةَ أَهْلِ خَيْبَرَ، لَكَانَتِ الدَّائِرَةُ عَلَيْهِمْ. {ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً}. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ" يعني طريقة الله وعادته السَّالِفَةُ نَصْرُ أَوْلِيَائِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ. وَانْتَصَبَ" سُنَّةَ"عَلَى الْمَصْدَرِ. وَقِيلَ:" سُنَّةَ اللَّهِ" أَيْ كَسُنَّةِ اللَّهِ."

يعني نصبه على نزع الخافض، نصبه على نزع الخافض، السنة الإلهية أن الله جل وعلا- ينصر من ينصره، والنصر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، لكن قد يحصل في بعض الأوقات بسب مخالفة شرعية لبعض المقاتلين أن يهزموا في الظاهر، وإن كان النصر في الباطن حقيقة لهم، فهذه السنة الإلهية والطريقة المتبعة التي لا تتغير ولا تتبدل.

" وَالسُّنَّةُ الطَّرِيقَةُ وَالسِّيرَةُ. قَالَ:

فَلَا تَجْزَعَنَّ مِنْ سِيرَةٍ أَنْتَ سِرْتَهَا ... فَأَوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا

وَالسُّنَّةُ أَيْضًا: ضَرْبٌ مِنْ تَمْرِ المدينة. {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} ".

لأن السنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، فمن استقام على دين الله، ولزم التقوى فالنصر له، ومن حاد عن الصراط المستقيم لا بد أن يوجد له عقوبة ترده إليه، بقدر انحرافه عن هذا الصراط المستقيم، فإذا انحرف الإنسان جاءه من المصائب ما يرده إلى الطريق السوي، وإن انحرفت أمة من الأمم جاءت قارعة تردها ،أو بدلت بغيرها، إن لم ترجع. السنن لا تتغير ولا تتبدل، ولن تتغير إلا ما استثني منها، إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم العذاب، أما غيرهم فإذا حقت عليهم كلمة العذاب فلا تتغير ولا تتبدل.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} وَهِيَ الْحُدَيْبِيَةُ." {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} رَوَى يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مِنَ جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ، يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وَأَصْحَابَهُ، فَأَخَذْنَاهُمْ سِلْمًا فَاسْتَحْيَيْنَاهُمْ".

يعني تمكنوا منهم من غير حرب، سِلمًا وسَلمًا بغير حرب تمكنوا عليهم، ثم منوا عليهم، وأطلقوهم، نعم.

"فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بِالْحُدَيْبِيَةَ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ فَثَارُوا فِي وُجُوهِنَا فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فَأَخَذَ اللَّهُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «هَلْ جِئْتُمْ فِي عَهْدِ أَحَدٍ أَوْ هَلْ جَعَلَ لَكُمْ أَحَدٌ أَمَانًا». قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا، فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الْآيَةَ."

طالب: .......

 خُرِّج؟

طالب: قال: أخرجه النسائي في الكبرى، والحاكم من طريق عبد الله بن..... وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد، قال في المجمع: رجاله رجال الصحيح، انتهى كلامه، وقال الأرناؤوطي في تحقيقه لمسند أحمد: هو صحيح.

طالب: مكان الشجرة هو معروف على التحقيق.

المكان موجود ومعروف، لكن الآن بعد قطعها انطمست معالمها وانتهت.

طالب: المسجد ...............

على كل حال بعد أن أزيلت وأزيلت معالمها وأخفيت ما تعرف.

" وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ عَنْ وَكِيعٍ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَ مِنْهُمْ نَحْوُ سَبْعِينَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانِينَ رَجُلًا لِلْإِيقَاعِ بِالْمُسْلِمِينَ وَانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ فِي أَطْرَافِهِمْ، فَفَطِنَ الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ فَأَخَذُوهُمْ أَسَرَى، وَكَانَ ذَلِكَ وَالسُّفَرَاءُ يَمْشُونَ بَيْنَهُمْ فِي الصُّلْحِ، فَأَطْلَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فَهُمُ الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ الْعُتَقَاءَ، وَمِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ وَأَبُوهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَقْبَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مُعْتَمِرًا، إِذْ أَخَذَ أَصْحَابُهُ نَاسًا مِنَ الْحَرَمِ غَافِلِينَ، فَأَرْسَلَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فَذَلِكَ الْإِظْفَارُ بِبَطْنِ مَكَّةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-يُقَالُ لَهُ زُنَيْمٌ، اطَّلَعَ الثَّنِيَّةَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَرَمَاهُ الْمُشْرِكُونَ بِسَهْمٍ فَقَتَلُوهُ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-خَيْلًا فَأَتَوْا بِاثْنَيْ عَشَرَ فَارِسًا مِنَ الْكُفَّارِ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «هَلْ لَكُمْ عَلَيَّ ذِمَّةٌ؟» قَالُوا: لَا؟ فَأَرْسَلَهُمْ فَنَزَلَتْ."

أرسلهم يعني أطلقهم، منَّ عليهم وأطلقهم -عليه الصلاة والسلام-.

" وَقَالَ ابْنُ أَبْزَى وَالْكَلْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ، كَفَّ اللَّهُ أَيْدِيَهُمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى وَقَعَ الصُّلْحُ، وَكَانُوا خَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ، وَقَصَدُوا الْمُسْلِمِينَ، وَكَفَّ أَيْدِيَ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَانَ فِي خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: فَهَذِهِ رِوَايَةٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَقَدْ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ: كَانُوا فِي أَمْرِ الصُّلْحِ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ."

هذا الذي صححه القشيري ليس بصحيح، الصحيح أن خالدًا في الصلح قبل الحديبية كان مع المشركين قبل أن يسلم.

 "وَقَدْ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ: كَانُوا فِي أَمْرِ الصُّلْحِ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ فَإِذَا الْوَادِي يَسِيرُ بِالرِّجَالِ وَالسِّلَاحِ، قَالَ: فَجِئْتُ بِسِتَّةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَسُوقُهُمْ مُتَسَلِّحِينَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، فَأَتَيْتُ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-. وَكَانَ عُمَرُ قَالَ فِي الطَّرِيقِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَأْتِي قَوْمًا حَرْبًا وَلَيْسَ مَعَنَا سِلَاحٌ وَلَا كُرَاعٌ؟ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- إِلَى الْمَدِينَةِ مِنَ الطَّرِيقِ فَأَتَوْهُ بِكُلِّ سِلَاحٍ وَكُرَاعٍ كَانَ فِيهَا، وَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ خرج إليك فِي خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: «هَذَا ابْنُ عَمِّكَ أَتَاكَ فِي خَمْسِمِائَةٍ». فَقَالَ خَالِدٌ: أَنَا سَيْفُ اللَّهِ وَسَيْفُ رَسُولِهِ، فَيَوْمئِذٍ سُمِّيَ بِسَيْفِ اللَّهِ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ خَيْلٌ وَهَزَمَ الْكُفَّارَ، وَدَفَعَهُمْ إِلَى حَوَائِطِ مَكَّةَ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ بِالْحِجَارَةِ، وَقِيلَ: بِالنَّبْلِ والظُّفْرِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِكَفِّ الْيَدِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ فَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِمْ، فَخَرَجَ أَقْوَامٌ مِنْ مَكَّةَ مُسْلِمُونَ، وَخَافُوا أَنْ يَرُدَّهُمُ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَى الْمُشْرِكِينَ فلحقوا بِالسَّاحِلِ، وَمِنْهُمْ أَبُو بَصِيرٍ، وَجَعَلُوا يُغِيرُونَ عَلَى الْكُفَّارِ وَيَأْخُذُونَ عِيرَهُمْ، حَتَّى جَاءَ كِبَارُ قُرَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وَقَالُوا: اضْمُمْهُمْ إِلَيْكَ حَتَّى نَأْمَنَ، فَفَعَلَ. وَقِيلَ: هَمَّتْ غَطَفَانُ وَأَسَدٌ مَنْعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حُلَفَاءَهُمْ، فَمَنَعَهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، فَهُوَ كَفُّ الْيَدِ."

الخبر السابق مخرج؟

طالب: قال: أخرجه الطبري عن .... وقال الحافظ في تخريج الكشاف: وفي صحته نظر؛ لأن خالدًا لم يكن أسلم في الحديبية، انتهى كلامه.

نعم هذا كلامه، وقد تقدم أن خالدًا رضي الله عنه- كان معه على جيش المشركين لما خرجوا لصد النبي عليه الصلاة والسلام-، القول الذي اختاره القشيري وصححه ليس بصحيح، وإن كان تبع فيهم من قبله كابن عبد البر، لكن الوهم حاصل حتى على ابن عبد البر.

طالب: ..الصحابي.....شيخ الإسلام....

يترضى عنه باعتبار المآل، باعتبار ما آلت إليه حاله.

طالب:.....هذا الرواية أصح، هذا من كلام القشيري أم من كلام القرطبي؟

قال القشيري هذه الراوية والصحيح أنه كان..

طالب:....آخر..

أخر الكلام لا هذا كلام القرطبي.

طالب: ......

نعم، والقشيري تابع لابن عبد البر في هذا.

"{بِبَطْنِ مَكَّةَ} فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَ: يُرِيدُ بِهِ مَكَّةَ. الثَّانِي: الْحُدَيْبِيَةَ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا مُضَافٌ إِلَى الْحَرَمِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ" {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} " بِفَتْحِ مكة"

تقدم ذكر التلازم بين مكة والحرم، هل هناك تلازم، أو هناك اشتراك اتفاق وافتراق؟ يعني من مكة ما هو من الحرم، ومنها ما هو خارج الحرم فيما إذا اتسعت وزادت، ومنها ما هو من الحل فيما إذا انحصر بنيانها.

" قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} بِفَتْحِ مكة تكون هَذِهِ نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ صُلْحًا؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" {كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ}.

قُلْتُ: الصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، حَسْبَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ ثَمَانِينَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وَأَصْحَابِهِ مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، فَأُخِذُوا أَخْذًا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ}، الْآيَةَ".

يعني ما حصل منهم قتل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما قتل أحدًا منهم، فكف اليد من الطرفين.

" قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَمَّا فَتْحُ مَكَّةَ فَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ أَنَّهَا إِنَّمَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي " الْحَجِّ" وَغَيْرِهَا.

{وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}".

الخلاف بين أهل العلم في فتح مكة هل كان عنوة أو صلحًا معروف، الأقوال كثيرة، والذي يظهر من خلال ما جاء في الأخبار الصحيحة أنها فتحت عنوة؛ لأن خالدًا دخلها من جهة، والنبي-عليه الصلاة والسلام- على رأسه المغفر، دخل مقاتلًا، وحصل شيء من المناوشة والقتل، ثم استسلموا، لكن الذي يقول: إنه فتحت صلحًا وليست عنوة قال: لو كانت عنوة لقسمت بين الغانمين، فدل على أنها فتحت صلحًا؛ لأنها لم تقسم بيوتها على الغانمين.

 ويجيب من يقول: إنها فتحت عنوة مع عدم قسمة رباعها يجيب بأن النبي -عليه الصلاة والسلام-امتن على أهلها بأنفسهم، وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وامتن عليهم أيضًا بأموالهم، وحصل نظير هذا بالنسبة لغنائم حنين تركها النبي-عليه الصلاة والسلام- لأصحابها.

"قَوْلُهُ تَعَالَى:" {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} ". فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى-قَوْلُهُ تَعَالَى:" {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}" يَعْنِي قُرَيْشًا، مَنَعُوكُمْ دُخُولَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أَحْرَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-مَعَ أَصْحَابِهِ بِعُمْرَةٍ، وَمَنَعُوا الْهَدْي وَحَبَسُوهُ عَنْ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ. وَهَذَا كَانُوا لَا يَعْتَقِدُونَهُ، وَلَكِنَّهُ حَمَلَتْهُمُ الْأَنَفَةُ وَدَعَتْهُمْ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى أَنْ يَفْعَلُوا مَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ دِينًا، فَوَبَّخَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَدْخَلَ الْأُنْسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-بِبَيَانِهِ وَوَعْدِهِ."

كانوا يعظمون البيت، ويعظمون من يفد إلى البيت، ويخدمونهم؛ لأنهم هم أهل البيت، لما جاء النبي- عليه الصلاة والسلام- لا يريد حربًا، وإنما يريد أن يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، يعتمر، صدوه؛ لأنهم يرون أن دخوله -عليه الصلاة والسلام- فيه شيء من المراغمة لهم، وأنه يدخل بغير رضاهم، فحصل منهم الصد، وإن كانوا لا يعتقدون ذلك ديانة، وإنما صدوه أنفة وكبرياء، أخبر عنهم الرب جل وعلا- أنهم صدوا عن المسجد الحرام، وصدوا عن الهدي، صدوا الهدي أن يبلغ محله من باب الأنفة والكبرياء، وإن كانوا يعتقدون تعظيم البيت، وتعظيم من يفد إلى البيت، وخدمة من يفد إلى البيت.

" الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} أَيْ مَحْبُوسًا. وَقِيلَ: مَوْقُوفًا، وَقَالَ أَبُو عمرو بن الْعَلَاءِ: مَجْمُوعًا. الْجَوْهَرِيُّ: عَكْفُهُ أَيْ حَبْسُهُ وَوَقْفُهُ، يَعْكِفُهُ وَيَعْكُفُهُ عَكْفًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً}، يُقَالُ: مَا عَكَفَكَ عَنْ كَذَا. وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ. {أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} أَيْ مَنْحَرَهُ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: الْحَرَمُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، الْمُحْصَرُ مَحِلُّ هَدْيِهِ الْحَرَمُ. وَالْمَحِلُّ (بِكَسْرِ الْحَاءِ): غَايَةُ الشَّيْءِ. (وَبِالْفَتْحِ): هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَحِلُّهُ النَّاسُ. وَكَانَ الْهَدْيُ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَلَكِنَّ اللَّهَ بِفَضْلِهِ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَهُ مَحِلًّا. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي " الْبَقَرَةِ" عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عن جابر بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْهُ قَالَ: اشْتَرَكْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ. فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: أَيَشْتَرِكُ فِي الْبَدَنَةِ مَا يَشْتَرِكُ فِي الْجَزُورِ؟ قَالَ: مَا هِيَ إِلَّا مِنَ الْبُدْنِ. وَحَضَرَ جَابِرٌ الْحُدَيْبِيَةَ قَالَ: وَنَحَرْنَا يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ بَدَنَةً، اشْتَرَكْنَا كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مُعْتَمِرِينَ، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بَدَنَةً وَحَلَقَ رَأْسَهُ. قِيلَ: إِنَّ الَّذِي حَلَقَ رَأْسَهُ يَوْمئِذٍ خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الْعِيصِ الْخُزَاعِيُّ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْحَرُوا وَيَحِلُّوا، فَفَعَلُوا بَعْدَ تَوَقُّفٍ كَانَ مِنْهُمْ أَغْضَبَ."

ترددوا في أول الأمر؛ رجاء أن تتيسر لهم العمرة التي خرجوا من أجلها، لكن لما حلق النبي -عليه الصلاة والسلام- رأسه ونحر هديه ما فيه احتمال، الآن تتابعوا على الحلق حتى كاد أن يقتتلوا، فليس ترددهم في أول الأمر من باب عدم امتثال أمره -عليه الصلاة والسلام- بقدر ما هو رغبة في تحقيق ما خرجوا من أجله مما يرضى به الله -جل وعلا-.

 " فَفَعَلُوا بَعْدَ تَوَقُّفٍ كَانَ مِنْهُمْ أَغْضَبَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-. فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ: لَوْ نَحَرْتَ لَنَحَرُوا، فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- هَدْيَهُ، وَنَحَرُوا بِنَحْرِهِ، وَحَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- رَأْسَهُ، وَدَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً. وَرَأَى كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ وَالْقَمْلُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةَ. خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ والدارقطني. وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَةِ".

الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْهَدْيَ} الهدى والهدى لغتان. وقرئ: " حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، الْوَاحِدَةُ هَدِيَّةٌ. وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَةِ" أَيْضًا."

طالب: ......البدنة.

لا، تكفي سبعة.

طالب: ........ الرسول -عليه الصلاة والسلام-..

عدلها بعشر؛ لأنه عدلها بعشر في المغانم هذه، في المغانم البدنة عن عشر؛ لأن في القتال وفي الأسفار نفعها ظاهر، البدنة نفعها أكثر من نفعها في البلدان، في الأسفار تحمل الناس، تحمل أمتعتهم، هي في هذه الموطن لا شك أنفع من سبع، بل من ثمانٍ، بل من تسع من الغنم، فعدلها بعشر في باب الغنائم، وفي باب الهدي والأضاحي السبعة معادلة للبدنة، وهذا حكم شرعي، وإلا قد يكون في يوم من الأيام الثلاث من الغنم تعدل بدنة في بعض الأوقات، في بعض الأوقات الخمسة تعدل بدنة، لكن التشريع عام لكل زمان ومكان ما يحتاج إلى أن يؤتى بثلاثة، أو اثنين ذوي عدل منكم يؤتى بهم؛ ليقيموا هذه البدنة كم تستحق من الغنم، أو هذه الشاة كم تستحق من كذا، لا؛ لأن هذا أمر لا ينضبط. فيه فرصة للاختلاف والنزاع، لكن الشرع ثابت في باب الهدي والأضاحي، البدنة بسبع، وفي الغنائم البدنة بعشر.

طالب: ......

قبله وإلا فما كان يلزمه هدي، ما يلزمه بدن لو كانت بعده.

طالب: الحديبية....

الوقوف بالحديبية مخرج كلامه.

طالب: قال: أخرجه البخاري، ذكر الأرقام......أربعة عشر، خمسة عشر...من حديث كعب بن عجرة.....

 " الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: " وَالْهَدْيَ" الهدى والهدى لغتان. وقرئ" حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ " بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، الْوَاحِدَةُ هَدِيَّةٌ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" أَيْضًا، وَهُوَ معطوف على الكاف والميم من " صَدُّوكُمْ". و" مَعْكُوفاً" حَالٌ."

يعني صدوكم وصدوا الهدي.

" وَمَوْضِعُ " أَنْ" مِنْ قَوْلِهِ: " أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ" نُصِبَ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَمْلِ عَلَى " صَدُّوكُمْ" أَيْ صَدُّوكُمْ وَصَدُّوا الْهَدْيَ عَنْ أَنْ يَبْلُغَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَصَدُّوا الْهَدْيَ؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ. قال أَبُو عَلِيٍّ: لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْعَكْفِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ " عَكَفَ" جَاءَ مُتَعَدِّيًا، وَمَجِيءُ " مَعْكُوفاً" فِي الْآيَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى، كَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَبْسًا حُمِلَ الْمَعْنَى على ذلك، كما حمل الرَّفَثُ عَلَى مَعْنَى الْإِفْضَاءِ فَعُدِّيَ بِإِلَى."

يعني يضمن الفعل معنى فعل آخر يتعدى بالحرف المذكور، هذا تضمين الأفعال، وهو عند شيخ الإسلام وغيره أفضل من تقارض الحروف أن يبقى الفعل على معناه، والحرف يكون معناه معنى حرف آخر، شيخ الإسلام يرجح أن الحرف معناه باقٍ على أصله، والفعل الذي تعدى به هذا الحرف يُضمن معنى فعل آخر يتعدى بالحرف نفسه.

"فَإِنْ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مَوْضِعُهُ نَصْبًا عَلَى قياس قول سيبويه، وجرًّا على قياس قَوْلِ الْخَلِيلِ. أَوْ يَكُونُ مَفْعُولًا لَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَحْبُوسًا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ."

أو خشية أن يبلغ محله مفعول لأجله.

" وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ الْجَرِّ فِي " أَنْ"؛ لِأَنَّ عَنْ تَقَدَّمَتْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَصَدُّوا الْهَدْيَ" عَنْ" أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ. وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنْ يُونُسَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ إِنْ زَيْدٍ وَإِنْ عَمْرٍو، فَأُضْمِرَ الْجَارُّ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ".

مررت برجل إن زيد وإن عمروِ، يقدر فعل وحرف تعلق بذلك الفعل، والحرف تقدم ذكره وهو الباء، فلا نحتاج إلى تكلفه، نحتاج إلى فعل يتعلق به الحرف المقدر مع مدخوله.

"قوله تعالى: {وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ}.

 فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ} يَعْنِي الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ وَسَطَ الْكُفَّارِ، كَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ وَعَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أبي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ، وَأَشْبَاهِهِمْ. {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ} أَيْ تَعْرِفُوهُمْ. وَقِيلَ: لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ. {أَنْ تَطَؤُهُمْ} بِالْقَتْلِ وَالْإِيقَاعِ بِهِمْ، يُقَالُ: وَطِئْتُ الْقَوْمَ، أَيْ أوقعت بهم. و" أن" يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ" رِجَالٍ."

وهذا يجعل المسلمون يحسبون لإخوانهم المسلمين الحساب المناسب؛ لأن قتل واحد من المسلمين أعظم من زوال الدنيا، فلولا خشية أن يقتل رجل من هؤلاء المسلمين الذين لا يعلم بهم، ولا يدرى عنهم بعضهم أسلم خُفية، وبعضهم أسلم وصُد، ومع ذلك لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم، فالجواب سيأتي.

 المقصود أنه لابد أن يحسب لهؤلاء المؤمنين وإن كانوا قلة، اللهم إلا إذا ترتب على تركهم وتترس الكفار بهم مفسدة أعظم.

 " يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ" رِجَالٍ وَنِسَاءٍ" كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَوْلَا وَطْؤُكُمْ رِجَالًا مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً مُؤْمِنَاتٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي " تَعْلَمُوهُمْ"، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَمْ تَعْلَمُوا وَطْأَهُمْ، وَهُوَ فِي الْوَجْهَيْنِ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ. و" لَمْ تَعْلَمُوهُمْ" نَعْتٌ لِ" رجال" و" نساء". وجواب "لَوْلا" مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْ أَنْ تَطَئُوا رِجَالًا مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً مُؤْمِنَاتٍ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ لَأَذِنَ اللَّهُ لَكُمْ فِي دُخُولِ مَكَّةَ، وَلَسَلَّطَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّا صُنَّا من كان فيها يكتم إيمانه. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَوْلَا ما فِي أَصْلَابِ الْكُفَّارِ وَأَرْحَامِ نِسَائِهِمْ مِنْ رِجَالٍ مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءٍ مُؤْمِنَاتٍ لَمْ تَعْلَمُوا أَنْ تَطَئُوا آبَاءَهُمْ فَتُهْلَكُ أَبْنَاؤُهُمْ".

لكن هذا الكلام ضعيف، ولو قلنا بهذا لما جاهدنا أبدًا؛ لأنه ما من كافر من الكفار يستحق القتال والقتل إلا وفي صلبه من يحتمل أن يؤمن، فنكف من أجله، إنما لولا رجالٌ مؤمنون موجودون محققون اتصفوا بهذا الوصف المانع الذي يحقن الدم، ونساء مثلهم مؤمنات معصومات الدم لسلطوا على مكة، أما احتمال أن في أصلبهم من يحتمل أن يكون مؤمنًا فمثل هذا لا يصد عن الجهاد.

طالب: ............

لابد أن يتأكد.

طالب:

ماذا؟

طالب: .......

ما عرف، ما عرف المسألة، مسألة غلبة ظن.

طالب: ......المؤمنين الوجودين المختفين بين الكفار ......

نعم، مختفٍ؛ لأنه في الصلح من جاء منهم من المسلمين سوف سيرد إلى الكفار، وسوف يجعل الله لهم فرجًا كما في الحديث.

" الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الْمَعَرَّةُ الْعَيْبُ، وَهِيَ مَفْعَلَةٌ مِنَ الْعُرِّ وَهُوَ الْجَرَبُ، أَيْ يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ قَتَلُوا أَهْلَ دِينِهِمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يُصِيبُكُمْ مِنْ قَتْلِهِمْ مَا يَلْزَمُكُمْ مِنْ أَجْلِهِ كَفَّارَةُ قَتْلِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ هَاجَرَ مِنْهَا وَلَمْ يُعْلَمْ بِإِيمَانِهِ الْكَفَّارَةَ دُونَ الدِّيَةِ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] قَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُمَا."

لأن هذه الدية سوف يرثها أقاربه، ولا توارث بينهم؛ لأنه مؤمن، وهم كفار، ولا توارث بينهم، ولا داعي لهذه الدية وإلا فالأصل في قتل المؤمن المسلم خطـأً الدية والكفارة إذا كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن تجب الكفارة، لكن الدية لا تلزم؛ لأن مآلها إلى كفار يستعينون بها على قتالنا، ولا توارث بينهم، يعنى لو أعطوا هذه الدية استعانوا، وهم لا يستحقونها في الأصل؛ لأنهم لا يرثونه.

"وَقَدْ مَضَى فِي " النِّسَاءِ" الْقَوْلُ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: " مَعَرَّةٌ" إِثْمٌ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ إِسْحَاقَ: غُرْمُ الدِّيَةِ. قُطْرُبٌ: شِدَّةٌ. وَقِيلَ غَمٌّ.

الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: " بِغَيْرِ عِلْمٍ" تَفْضِيلٌ لِلصَّحَابَةِ وَإِخْبَارٌ عَنْ صِفَتِهِمُ الْكَرِيمَةِ مِنَ الْعِفَّةِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالْعِصْمَةِ عَنِ التَّعَدِّي، حَتَّى لَوْ أَنَّهُمْ أَصَابُوا مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا لَكَانَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ".

لأنه لما نص على أنهم يحصل منهم ما يحصل بغير علم، ومنعوا؛ لئلا يحصل منهم ما يحصل بغير علم، فدل على أنهم لم يقدموا على هذه المخالفة مع العلم، مادام منعوا أن يحصل منهم ما يحصل ولو كان من غير علم، فدل على أنهم لن يحصل منهم ما يحصل مع العلم من باب أولى.

"وَهَذَا كَمَا وَصَفَتِ النَّمْلَةُ عَنْ جُنْدِ سُلَيْمَانَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي قَوْلِهَا: {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18]."

لأنها برأتهم أن يحصل منهم ما يحصل عن قصد للأذى، وإنما قد يحصل منهم ما يحصل وهم لا يشعرون.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا} فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاء} اللَّامُ فِي " لِيُدْخِلَ" مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ لَوْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَأَدْخَلَهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْإِيمَانِ. وَلَا تُحْمَلُ عَلَى مُؤْمِنِينَ دُونَ مُؤْمِنَاتٍ وَلَا عَلَى مُؤْمِنَاتٍ دُونَ مُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَدْخُلُونَ فِي الرَّحْمَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ لَكُمْ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ لِيُسْلِمَ بَعْدَ الصُّلْحِ مَنْ قَضَى أَنْ يُسْلِمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ كَانَ أَسْلَمَ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَدَخَلُوا فِي رَحْمَتِهِ، أَيْ جَنَّتَهُ.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَوْ تَزَيَّلُوا} أَيْ تَمَيَّزُوا، قَالَهُ الْقُتَبِيُّ. وَقِيلَ: لَوْ تَفَرَّقُوا، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ. وَقِيلَ: لَوْ زَالَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ الْكُفَّارِ لَعُذِّبَ الْكُفَّارُ بِالسَّيْفِ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَلَكِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِالْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْكُفَّارِ. وَقَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ " لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا" فَقَالَ: «هُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَجْدَادِ نَبِيِّ اللَّهِ وَمَنْ كَانَ بَعْدَهُمْ وَفِي عَصْرِهِمْ كَانَ فِي أَصْلَابِهِمْ قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ، فَلَوْ تَزَيَّلَ الْمُؤْمِنُونَ عَنْ أَصْلَابِ الْكَافِرِينَ لَعَذَّبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا».

 الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى مُرَاعَاةِ الْكَافِرِ فِي حُرْمَةِ الْمُؤْمِنِ، إذ لا يمكن أذائه الْكَافِرِ إِلَّا بِأَذِيَّةِ الْمُؤْمِنِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي حِصْنٍ مِنْ حُصُونِهِمْ."

صيانة دم المسلم ومال المسلم وعرض المسلم واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يعني إذا لم يتمكن من صيانة دماء المسلمين إلا بارتكاب ما لا يدخل في هذه الصيانة لوجبت علينا الصيانة احترامًا وصيانة دماء المسلمين؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

طالب:..الكفار.....ويخرجوا.......فلو قتلوا ......أبي بكر..

 قتل المسلم لابد فيه من الكفارة، لكن الكلام في الدية، الدية إذا كانت تؤول إلى مسلم لزمت، وإذا كانت تؤول إلى كافر لا.

طالب:.... الخروج قبل القتال وما خرج .....

أصل بقائهم بين الكفار مع القدرة على الخروج حرام، أصل بقائهم مع القدرة تكثير سواد الكفار محرم لا يجوز بحال. الكلام في الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.

طالب: ..... الكلام عمن لا يستطيع من كان يستطيع...

الذي يستطيع يلزمه الخروج، لا يجوز له أن يكثر سوادهم، وإذا قتل لا يلزم شيء.

طالب: ......

لا، ما يلزم شيء أبدًا، هو الذي أهدر قيمته.

طالب: يدخل ليكون بالابتعاث اربعة سنين ثمان سنين.... بعض المواد والشهادات موجودة.... يأخذون...بعض الدول

على كل حال مسألة الابتعاث خطره معروف، والحاجة إليه الآن خفت كثيرًا.

طالب: يعتبر ..............

{يدخل من يشاء في رحمته}؟

طالب: .......

 {وأما الذين ابيضت وجوههم} أين يصيرون؟

طالب: ........

أين؟

طالب: .......

خلاص.

"قَالَ أَبُو زَيْدٍ: قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي حِصْنٍ مِنْ حُصُونِهِمْ".

إذا حصل هذا الاشتباك وهذا الاختلاط الذي لا يمكن تمييزه، وللمختلطين أحدهما أحكام وللثاني أحكام، يعني إذا ماتت كتابية في بطنها مسلم تبعًا لخير أبويه، أبوه مسلم، أين تدفن؟ مسائل المشتركة في مثل هذه لها أحكامها عند أهل العلم.

" حَصَرَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، وَفِيهِمْ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُسَارَى في أيديهم، أَيُحْرَقُ هَذَا الْحِصْنُ أَمْ لَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ مالكا وسئل عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي مَرَاكِبِهِمْ أَنَرْمِي فِي مَرَاكِبِهِمْ بِالنَّارِ وَمَعَهُمُ الْأُسَارَى فِي مَرَاكِبِهِمْ؟ قَالَ: فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِأَهْلِ مَكَّةَ: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيمًا}. وَكَذَلِكَ لَوْ تَتَرَّسَ كَافِرٌ بِمُسْلِمٍ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ. وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَاعِلٌ فَأَتْلَفَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا عَلِمُوا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْمُوا."

فرق بين أن يتترس الكافر بالمسلم؛ لئلا يقتل، وبين أن يتترس بالمسلم ليقتل. يتترس بالمسلم ليقتل واشتد ضرره على المسلمين فلابد من قتله بأي وسيلة؛ للتخلص من ضرره الزائد على مصلحة بقاء المسلمين، وإن تترس بالمسلم؛ لئلا يُقتل فإنه حينئذ لا يقتل بكل حال.

"وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا عَلِمُوا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْمُوا. فَإِذَا فَعَلُوهُ صَارُوا قَتَلَةَ خَطَأٍ وَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا فَلَهُمْ أَنْ يَرْمُوا."

لو وجد في مركب أو على ما ذكر هنا لو تترس.. يقول: سئل عن قوم من المشركين في مراكبهم: أنرمي في مراكبهم بالنار ومعهم الأسارى في مراكبهم؟ على ما يغلب على الظن، إذا كان هؤلاء الكفار سوف يرشقون المسلمين بالنار وبالنبل أو بالسلاح، وينكون في المسلمون نكاية عظيمة فالمسألة تحتاج إلى نظر في المصالح والمفاسد، لكن إذا غلب أيضًا على أن هؤلاء الكفار سوف يقتلون هؤلاء الأسرى، جرت عاداتهم أنهم لا يتركون أحدًا من الأسرى إلا ويقتلوهم، فهؤلاء المسلمون مقتولون، مقتولون، لكن كونهم بأيدي المسلمين لا شك أن هذا يحز في النفس، يبقى النظر في المصلحة والمفسدة التي تترتب على ذلك، وعلى الإنسان ألا يقدم على شيء إلا ببينة؛ لئلا يندم، كما فعل أسامة حينما قتل من قال: لا إله إلا الله.

" وَإِذَا أُبِيحُوا الْفِعْلَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِمْ فِيهَا تِبَاعَةٌ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ إِنَّ مَعْنَاهُ لَوْ تَزَيَّلُوا عَنْ بُطُونِ النِّسَاءِ وَأَصْلَابِ الرِّجَالِ. وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ مَنْ فِي الصُّلْبِ أَوْ فِي الْبَطْنِ لَا يُوطَأُ وَلَا تُصِيبُ مِنْهُ معرة."

هؤلاء الذين في الأصلاب والذين في الأرحام هؤلاء لا حكم لهم، إنما هم تبع لأهليهم.

طالب:.....بعض المعالم كما دعا نوح عليه السلام-..

ماذا فيه؟

طالب: {إنك إن تذرهم يضل عبادك ولا يلد إلا فاجر كفار}.

فاجرًا كفارًا، كما أن الله جل وعلا أخبره بذلك أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، إذا علم العاقبة انتهى الإشكال.

" وهو سبحانه قد صرح فقال: {وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ}، وَذَلِكَ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَنْ فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَصُلْبِ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى مِثْلِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ."

ومنهم من أسلم وأقام بين ظهراني المشركين عجزًا عن الهجرة.

" وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ حَاصَرْنَا مَدِينَةَ الرُّومَ فَحُبِسَ عَنْهُمُ الْمَاءُ، فَكَانُوا يُنْزِلُونَ الْأُسَارَى يَسْتَقُونَ لَهُمُ الْمَاءَ، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى رَمْيِهِمْ بِالنَّبْلِ، فَيَحْصُلُ لَهُمُ الْمَاءُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِنَا. وَقَدْ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ الرَّمْي فِي حُصُونِ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطْفَالِهِمْ. وَلَوْ تَتَرَّسَ كَافِرٌ بِوَلَدٍ مُسْلِمٍ رُمِيَ الْمُشْرِكُ، وَإِنْ أُصِيبَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا دِيَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِنَا. وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ التَّوَصُّلَ إِلَى الْمُبَاحِ بِالْمَحْظُورِ لَا يَجُوزُ، سِيَّمَا بِرُوحِ الْمُسْلِمِ، فَلَا قَوْلَ إِلَّا مَا قَالَهُ مَالِكٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. وَاللَّهُ أَعْلَمُ."

هذا مثل ما ذكرنا سابقًا فرق بين أن يتترس الكافر ليقتل، وبين أن يتترس خشية أن يُقتل.

" قُلْتُ: قَدْ يَجُوزُ قَتْلُ التُّرْسِ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ اخْتِلَافٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً كُلِّيَّةً قَطْعِيَّةً. فَمَعْنَى كَوْنِهَا ضَرُورِيَّةً، أَنَّهَا لَا يَحْصُلُ الْوُصُولُ إِلَى الْكُفَّارِ إِلَّا بِقَتْلِ التُّرْسِ. وَمَعْنَى أَنَّهَا كُلِّيَّةٌ، أَنَّهَا قَاطِعَةٌ لِكُلِّ الْأُمَّةِ، حَتَّى يَحْصُلَ مِنْ قَتْلِ التُّرْسِ مَصْلَحَةُ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يُفْعَلْ قَتَلَ الْكُفَّارُ التُّرْسَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى كُلِّ الْأُمَّةِ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا قَطْعِيَّةً، أَنَّ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ حَاصِلَةٌ مِنْ قَتْلِ التُّرْسِ قَطْعًا.

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَهَذِهِ الْمَصْلَحَةُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي اعْتِبَارِهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ التُّرْسَ مَقْتُولٌ قَطْعًا، فَإِمَّا بِأَيْدِي الْعَدُوِّ، فَتَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي هِيَ اسْتِيلَاءُ الْعَدُوِّ عَلَى كُلِّ الْمُسْلِمِينَ".

يعني مثل ما ذكرنا سابقًا في مسألة المركب إذا كان فيه أسارى مسلمون، وكان من عادة هؤلاء الكفار الذين أسلموهم أنهم لا يطلقون أحدًا من الأسارى، بل هم مقتولون على كل حال، الذي يظهر أنه لا مانع من قتلهم ما دام مآلهم إلى الموت، وإن كان القتل بيد الكافر يختلف عن القتل بيد المسلم، لكن على حسب ما يترجح من مصلحة ومفسدة.

طالب: القاعدة التي ذكرها.................

ماذا.

طالب: قال إذا أبيح الفعل لم .....

إذا أبيح شرعًا القتل، فما فيه لا كفارة ولا دية.

طالب: ...............

المسألة، مسألة إباحة مستوية الطرفان من كل وجه، هذه ليس عليها أثر، وأما بالنسبة للإباحة نظرًا إلى المصلحة أنه ما زالت النفس معصومة، لكن المصلحة تقتضي هذا، لا شك أن مثل هذا نفسه معصومة ومحترمة.

طالب: .........رمي المسلمين.....ولم يعلم.....

قتل مسلم، الأصل يلزم.

طالب: شيخ، بعض الناس يكونون في منصب مهم جدًّا ففي أثناء الحرب يعطى بعض المواد السمية يعني إذا مسك يبتلعها فيموت ..............أسرار خطيرة...

على كل حال مثل ما ذكرنا مرارًا أنه لا يوجد في الشرع ما يدل على أن المسلم يجوز له أن يباشر قتل نفسه، يعني يوجد ما يدل على التسبب، ما يوجد هذه المسألة، مسألة فيما إذا أُسر المسلم وعندها أسرار المسلمين وعورات المسلمين التي يمكن أن يزيد منها العدو في النكاية بالمسلمين، هذا أفتى من أفتى بجوز أن يأكل ما يأكل لينتحر أو ما أشبه ذلك، يجوز له أن يقتل نفسه في هذه الحالة الخاصة وعلى هذا النطاق الضيق إذا خُشي الضرر اللاحق بعموم المسلمين أفتاه من أفتاه.

" وَإِمَّا بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَيَهْلِكُ الْعَدُوُّ وَيَنْجُو الْمُسْلِمُونَ أَجْمَعُونَ."

يعني في غير الحرب والقتال قد تقتضي المصلحة الراجحة العامة الشاملة قتل مسلم في حال ما إذا ضاق المركب، وخشي على الجميع الغرق، فاستهموا على أن يلقوا واحدًا منهم على أن يخف الحمل على المركب، ولو كان لا يعرف السباحة هذا مآله إلى القتل؛ نظرا للمصلحة العامة؛ لأن المصلحة راجحة يغرق واحد ولا يغرق الجميع.

طالب:....يشتركون في الدية......

يشتركون نعم.

" وَلَا يَتَأَتَّى لِعَاقِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يُقْتَلُ التُّرْسُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ ذَهَابُ التُّرْسِ وَالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ غَيْرَ خَالِيَةٍ مِنَ الْمَفْسَدَةِ."

لكن إذا عرفنا أن هذا الترس قال له الكفار: نريد أن من تترس بك، ولك علينا الأمان أنك لا تقتل، إنا لا نقتلك، إذا عرفنا مثل هذا الاتفاق فهذا يتردد في قتله؟ ما يتردد في قتله.

 " لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ غَيْرَ خَالِيَةٍ مِنَ الْمَفْسَدَةِ نَفَرَتْ مِنْهَا نَفْسُ مَنْ لَمْ يُمْعِنَ النَّظَرَ فِيهَا، فإن تلك المفسدة بالنسبة إلى ما يحصل مِنْهَا عَدَمٌ أَوْ كَالْعَدَمِ."

هي مفسدة، مفسدة مغمورة جدًّا في جانب المصلحة العظمى التي رعيت.

 "وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعَةُ: قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" لَوْ تَزَيَّلُوا" إِلَّا أَبَا حَيْوَةَ فَإِنَّهُ قَرَأَ " تَزَايَلُوا"، وَهُوَ مِثْلُ" تَزَيَّلُوا" فِي المعنى. والتزايل: التباين. و" تزيلوا" تَفَعَّلُوا، مِنْ زِلْتُ. وَقِيلَ: هِيَ تَفَيْعَلُوا، {لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا} قِيلَ: اللَّامُ جَوَابٌ لِكَلَامَيْنِ، أَحَدِهِمَا:" لَوْلا رِجالٌ" والثاني: " لَوْ تَزَيَّلُوا". وقيل: جواب " لَوْلا" مَحْذُوفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ." ولَوْ تَزَيَّلُوا" ابْتِدَاءُ كَلَامٍ."

يعني هذه المسائل لها نظائر كثيرة، يعني في السلم والحرب، يعني لو اختطف شيء اختطفه شخص وهو يريد إطلاق النار عليه، وخاف من تلف الشيء الذي بيده فلابد أن نحسب لهذا حسابًا. المقصود أن مثل هذه المور تترتب عليها مفاسد عظمى ومصالح عظمى تدرس في حالها وظرفها ووقتها، لا يمكن أن يقال بقول يشمل جميع الصور؛ لأن هذه الصور تتفاوت فيها المصالح والمفاسد.

قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} الْعَامِلُ فِي "إِذْ" قَوْلُهُ تَعَالَى: " لَعَذَّبْنَا" أَيْ لَعَذَّبْنَاهُمْ إِذْ جَعَلُوا هَذَا. أَوْ فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ وَاذْكُرُوا." الْحَمِيَّةَ" فَعِيلَةُ وَهِيَ الْأَنَفَةُ. يُقَالُ: حَمِيتُ عَنْ كَذَا حَمِيَّةً (بِالتَّشْدِيدِ)، وَمَحْمِيَّةً إِذَا أَنِفْتَ مِنْهُ، وَدَاخَلَكَ عَارٌ وَأَنَفَةٌ أَنْ تَفْعَلَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:

أَلَا إِنَّنِي مِنْهُمْ وَعِرْضِي عِرْضُهُمْ ... كَذِي الْأَنْفِ يَحْمِي أَنْفَهُ أَنْ يُكَشَّمَا

أَيْ يَمْنَعُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَمِيَّتُهُمْ أَنَفَتُهُمْ مِنَ الْإِقْرَارِ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بِالرِّسَالَةِ وَالِاسْتِفْتَاحِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ."

طالب: ........يكشما..

يكشما.

طالب: بالشين.

الكشم قطع الأنف باستئصال. 

" وَمَنْعِهِمْ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ. وَكَانَ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ كِتَابَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ: سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ: حَمِيَّتُهُمْ عَصَبِيَّتُهُمْ لِآلِهَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَنَفَةُ أَنْ يَعْبُدُوا غَيْرَهَا. وَقِيلَ: " حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ" إِنَّهُمْ قَالُوا: قَتَلُوا أَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا ثُمَّ يَدْخُلُونَ عَلَيْنَا فِي مَنَازِلِنَا، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا يَدْخُلُهَا أَبَدًا. {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ} أَيِ الطُّمَأْنِينَةَ وَالْوَقَارَ. {عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}. وَقِيلَ: ثَبَّتَهُمْ عَلَى الرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ، وَلَمْ يُدْخِلْ قُلُوبَهُمْ مَا أَدْخَلَ قُلُوبَ أُولَئِكَ مِنَ الْحَمِيَّةِ. {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى} قِيلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-."

مخرج؟ مرفوع؟

طالب: قال: أخرجه الترمذي والطبري من حديث أبي بن كعب وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن قزعة، سألت أبا زرعة عنه فلم يعرفه إلا من هذا الوجه، انتهى كلام الترمذي، والحسن بن قزعة صدوق، لكن بإسناده فهير بن أبي فاختة، وهو ضعيف، وله شواهد واهية، ذكرها في الدر، وقد صح موقوفًا عن علي وابن عباس وغيرهما، وهو أصح من المرفوع، انتهى كلام المحقق، وهو حديث صححه الألباني، وأما الأرناؤوط في المسند فإنه حكم بضعفه؛ لضعف....

يضعف المرفوع، يضعف المرفوع. والذي يقوي المرفوع بالآثار يمكن أن يصحح.

" وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَالضَّحَّاكِ، وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، وَالرَّبِيعِ وَالسُّدِّيِّ وَابْنِ زَيْدٍ. وَقَالَهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَزَادَ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ". وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ أَيْضًا: هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. يَعْنِي أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُقِرُّوا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، فَخَصَّ اللَّهُ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ. و"كَلِمَةَ التَّقْوى" هِيَ الَّتِي يُتَّقَى بِهَا مِنَ الشِّرْكِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا أَنَّ "كَلِمَةَ التَّقْوى".

يتقى بها من الشرك والآثار المترتبة عليه، يعني من القتل في الدنيا، والخلود في النار يوم القيامة، نعم.

 " وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا أَنَّ كَلِمَةَ التَّقْوى الْإِخْلَاصُ.

 {وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها} أَيْ أَحَقَّ بِهَا مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَهُمْ لِدِينِهِ وَصُحْبَةِ نَبِيِّهِ.

 {وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}".

اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

"