كتاب الجهاد من سبل السلام (3)

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

قال -رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه في كتاب الجهاد:

"وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قال: كَانَ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، هُمْ الْجُنْدُ أَوْ السَّائِرُونَ إلَى الْحَرْبِ أَوْ غيره، أَوْ سَرِيَّةٍ- هِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ تُغِيرُ عَلَى الْعَدُوِّ وَتَرْجِعُ إلَيْهِ- أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأوصاه بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ يقول: «اُغْزُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تعالى، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا». (بِالْغَيْنِ) الْمُعْجَمَةِ، وَالْغُلُولُ الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ أو مُطْلَقًا. «وَلَا تَغْدِرُوا» الْغَدْرُ ضِدُّ الْوَفَاءِ، «وَلَا تُمَثِّلُوا» مِنْ الْمُثْلَةِ."

الخيانة في المغنم غلول، والخيانة فيما اؤتمن عليه غلول، «من استعملناه على شيء فليأتنا بقليله وكثيره»، وبعض الناس يتساهل في الأموال العامة، يؤتمن عليها، ثم بعد ذلك يُفرِّط، سواء كان أمينًا على توزيع، فتجده يوزع بغير قيد، وبدون نظر إلى الشروط المشترطة، وتجد بعضهم أيضًا يعكس الأمر، فيمنع المستحق ويُعطي من لا يستحق، وقد تجده موظف يستعمل الأموال العامة في شؤونه الخاصة، كل هذا خيانة، ويدخل في الغلول، وإن كان الإطلاق إطلاق الغلول إنَّما هو الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها، هذا هو الغلول الخاص. وأمَّا الغلول بمعناه العام فهو الخيانة في الأموال وغيرها، كما أنَّ التطفيف يكون في الأموال وفي غيرها، بالإمكان أن يُطفف الإنسان صلاته، يطفف صيامه، يطفف فيما أوجب الله عليه، والأصل في التطفيف أنَّه في المكاييل والموازين، هذا أصل الإطلاق، لكن عمومه يشمل ما هو أعم من ذلك.

"«وَلَا تُمَثِّلُوا» مِنْ الْمُثْلَةِ، يُقَالُ: مَثَّلَ بِالْقَتِيلِ إذَا قَطَعَ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ مَذَاكِيرَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ. «وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا»."

الفرق بين التمثيل والمماثلة، التمثيل تقطع الأطراف، يُجدع الأنف، تُقطع الأذان، تسمل العيون ابتداءً، لكن إذا فعل الجاني بالمجني عليه هكذا يُفعل به أو لا يُفعل؟ النبي- عليه الصلاة والسلام- فعل بالعرنيين مثل ما فعلوا بالراعي فليست هذه مُثلة، وإنَّما هي مماثلة، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [سورة النحل:126] على خلاف بين أهل العلم أيضًا في الفعل بنفس ما فعله الجاني، وبعضهم يطرد ذلك، حتى لو كان ما فعله الجاني محرمًا فعل نظيره مما يُباح، إذا الجاني فَعل فِعل مُحرم، فيمثلون مثلًا مثال، لو لاط بفلان فمات، ماذا يصنع به من باب المماثلة؟

طالب: ..........

نعم، يُدخل في دبره خشبة حتى يموت، هذا من باب المماثلة لكن إلى هذا الحد يحتاج إلى تأمل. أمَّا بالنسبة للأمور المباحة فهي مماثلة كما فعل النبي- عليه الصلاة والسلام- في العرنيين لمَّا فعلوا بالراعي ما فعلوا.

أحسن الله إليك.

طالب: ..........

القتل، القتل إنَّما يكون بقطع الرأس، إنَّما يكون بقطع الرأس، يعني بالسيف لابد أن يقطع.

طالب: .........

من أجل، إذا كان هناك مصلحة راجحة ليُتأكد أنَّه هو المطلوب بعينه، ولتُشفى منه صدور المؤمنين لتأثيره في الجهاد ما يضر.

طالب: ..........

حربي، لكن بعض الناس ماله داعي إنك تقطع رأسه، هذا ما له أدنى داعي، لكن شخص أثَّر في المسلمين، ونكايته فيهم ظاهرة، وأراد من قتله أن يُطلع الناس عليه وأنَّه قُتل بالفعل هذه مصلحة راجحة بلا شك.

أحسن الله إليك.

"«وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» الْمُرَادُ غَيْرُ الْبَالِغِ سِنَّ التَّكْلِيفِ، «وَإِذَا لَقِيت عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ» أَيْ إلَى إحْدَى ثَلَاثِ كما يدل له قوله: «فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوك إلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ» أَيْ الْقِتَالَ وبين الثلاث خصال بِقَوْلِهِ: «اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبِرْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ»، وبين حُكْمِ أَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ.."

وبيان حكم أعراب المسلمين تضمنه قوله.

أحسن الله إليك.

"وبيان حكم أعراب المسلمين تضمنه قوله: «وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ» الْغَنِيمَةُ مَا أُصِيبَ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، «وَالْفَيْءِ» هُوَ مَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا جِهَادٍ. «شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا» أَيْ الْإِسْلَامَ «فَاسْأَلْهُمْ الْجِزْيَةَ» هِيَ الْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الثَّلَاثِ، «فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ» وَهَذِهِ هي الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ، «وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوك أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَك»، عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: «فَإِنَّكُمْ إنْ تُخْفِرُوا» (بِالْخَاءِ) الْمُعْجَمَةِ (وَالْفَاءِ) (وَالرَّاءِ) مِنْ أَخْفَرْتَ الرَّجُلَ إذَا نَقَضْت عَهْدَهُ وَذِمَامَهُ.."

من أخفرتُ.

أحسن الله إليك.

"من أخفرتُ الرَّجُلَ إذَا نَقَضْت عَهْدَهُ وَذِمَامَهُ، «ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ. وَإِذَا أَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تَفْعَلْ بَلْ عَلَى حُكْمِك» عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: «فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ."

يعني إذا سئل الإنسان عن مسألة اجتهادية يبين الحكم، يبين إنَّ هذا اجتهاد منه إن أصاب فمن الله، وإن أخطأ فمنه ومن الشيطان، ولا يجزم بأنَّ هذا حكم الله، كما يرتكب بعضهم من أساليب مفادها الجزم بأنَّ هذا هو القول الصواب الذي لا يحتمل الخطأ، وأنَّ هذا حكم الله في هذه المسألة.

ومن الكتب التي تُباع للأسف في المكتبات كتب فتاوى في حقيقتها كثير منها اجتهادي، ويقول أنت تسأل والإسلام يجيب، الإسلام يجيب، هذا مجزوم بصوابه أنَّ هذا رأي الدين، رأي الإسلام. بعضهم يكتب بالنص رأي الدين، رأي الدين في كذا، إذا كان الجواب بنص يعني سئل من سئل أي الذنب أعظم؟ فأجاب بالنص كما قال النبي- عليه الصلاة والسلام- هذا رأي الدين صحيح، وهذا الإسلام يجيب، لكن أنت إذا كانت المسألة اجتهادية، وبعض الناس واسع الخطو في الاجتهاد، وتجد عنده من الألفاظ ما عنده، والأساليب التي يحور فيها ويدور بما لا يؤدي إلى نتيجة ثم يقول: الإسلام يجيب، وهنا يقول النبي- عليه الصلاة والسلام-: «وَإِذَا أَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تَفْعَلْ، بَلْ عَلَى حُكْمِك»، عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: «فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا». هل المطلوب حكم هذا القائد أم حكم الله في المسألة؟ المطلوب حكم الله، لكن لا تجزم بأنَّ هذا حكم الله.

طالب: .........

الجزية حكم شرعي مقرر بالنصوص ما تسقط إلا إذا رأى الإمام أنَّها مسألة، رأى الإمام أنَّ مثل هذا بعينه له من النفع أكثر مما يبذله من الجزية يمكن أن يدخلها النظر، وإلا فالأصل أنَّ الجزية لا تسقط، حكم منصوص.

طالب: ..........

أعوذ بالله.

طالب: ........

هذا كأنَّه ادَّعى النبوة، هذا مفاده أنّه يدَّعي النبوة لنفسه، كل هذا من باب الثقة الزائدة بالنفس، وإذا رأى الإنسان أنَّه صار إلى هذا الحد من العلم بهذه المثابة، إذا رأى أنَّه صار عالمًا فهو جاهل، مثل من رأى نفسه أنَّه استغنى، استغنى يعني لا يمنع أن يكون الإنسان غنيًّا، ويرى أنَّه غني، لكنه كونه يستغني فهذه مشكلة، كما أنَّ من رأى نفسه عالمًا رأى أنَّه استغني عن التعلم.

طالب: في شرح حديث جبريل، واسمه أنت تسأل والنبي، أو جبريل يسأل والنبي يجيب هل تصح هذه الصيغة؟

إن اقتصر عليه صار كلامه مجرد توضيح ما تخلله أسئلة وأجوبة غير ما جاء في الحديث إذا كان يصح.

طالب: ..........

هو الأصل أن يُرد العلم إلى عالم، يعني كما قال، كما جاء في حديث قصة موسى مع الخضر لمَّا سُئِل موسى هل يوجد أعلم منك؟ قال: لا، لو قال: الله أعلم ردَّ العلم إلى عالمه؛ ولذلك أهل العلم العلماء عمومًا تجدهم يختمون الفتاوى بقولهم: والله أعلم، وكذلك مسائل العلم كثيرًا منها يُختم بقولهم: والله أعلم.

طالب: .........

إيش فيه؟

طالب: .........

نقول: إذا اقتُصر في البرنامج على أسئلة جبريل وأجوبة النبي- عليه الصلاة والسلام- الكلام صحيح، أو تخلله شيء من التوضيح الذي يُعرف أنَّه ليس بسؤال ولا جواب، وإنَّما هو مجرد توضيح للكلام هذا يثبت تبعًا ما فيه إشكال، لكن إذا تضمنت الحلقات أسئلة وأجوبة غير ما جاء من أسئلة جبريل وأجوبة النبي- عليه الصلاة والسلام- هذا لا يجوز.

طالب: .........

لكن هو يقول: إنَّه في حديث جبريل.

طالب: جبريل يسأل والنبي يجيب.

انتهينا من هذا وقلنا هذا، لكن نقول في فتاوى ثانية تحت هذا العنوان.

طالب: ....

لا لا، ما يصير.

طالب: سؤال وجواب.

لا لا ما يصح.

أحسن الله إليك.

"فِي الْحَدِيثِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَعَثَ الْأَمِيرُ مَنْ يَغْزُو أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِمَنْ يَصْحَبُهُ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ خَيْرًا، ثُمَّ يُخْبِرُهُ بِتَحْرِيمِ الْغُلُولِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَتَحْرِيمِ الْغَدْرِ.."

نعم، بحيث لا يشق عليهم، ولا يكلفهم ما لا يطيقون، ويجعل لهم من وقت الراحة ما يكفيهم؛ لأنَّ بعض الناس إذا وُلِّي على أحد شق عليه، وقد دُعيَ عليه «اللهم من شقَّ على أمتي فاشقق عليه» مثل هذا يحتاج إلى يُنبه إلى مثل هذا التوجيه، أن لا يشق هو يوصى بمن معه خيرًا، وهذا في جميع الولايات؛ لأنَّ بعض المسؤولين يسوم من تحته سوء العذاب، ويتمنى له زواله، بل يتمنى له الموت، وبعض المسؤولين يُضيِّع من تحت يده، فلا هذا ولا هذا. الحزم لابد منه، والمشقة والتكليف فوق الطاقة لا يجوز؛ لأنَّ هناك أعمالًا اتُفِق عليها لابد من إيفائها، لكن لا يشق على الناس. لكن بعض الناس يشق عليه ما لا يشق على غيره، بعض الناس يتحمل العمل عشرين ساعة، وبعضهم ما يتحمل عشر ساعات، يحتاج إلى أن ينام عشر ساعات ويرتاح، ويؤدي بعض ما أوجب الله عليه من عبادات، ثم بعد ذلك عشر ساعات يؤديها عملًا، وبعضهم مستعد أن يعمل عشرين ساعة، النظر في المتوسط، النظر إلى أوساط الناس، لا أجلد الناس الذي يتحمل ما لا يتحمله غيره، ولا من استرخى وأخلد إلى الراحة، وأراد أن ينام نومًا كثيرًا ويترك المصالح تفوت، لا سيما في مثل الجهاد، مع أنَّ الجهاد بحاجة إلى شيء من التؤدة والرفق والطمأنينة بالنفس وبمن تحت يده من الرعية، والدواب أيضًا لها نصيب أخرى؛ ولذا قال النبي- عليه الصلاة والسلام- لعلي: «انفذ على رسلك».

 يعني بعض الناس يظن أنَّ الذي يأتي بالانتصارات وغيرها العجلة، وهي ما تأتي بانتصار، لا بد من الروية، هناك أمور تفوت لا بد من مبادرتها، لكن الأصل «انفذ على رسلك»، يعني يترسل.

أحسن الله إليك.

وبعض الناس في أموره العادية كأنَّه وراءه جيش، الناس يتفاوتون لكن على الإنسان أن يوطن نفسه، والعجلة من الشيطان، ورُبَّ عجلة تهب ريثًا.

أحسن الله إليك.

"دلَّ على أنَّه إذا بعث الأمير من يغزو أوصاه بتقوى الله وبمن يصحبه من المجاهدين خيرًا، ثم يخبره بتحريم الغلول من الغنيمة، وتحريم الغدر، وَتَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ وَتَحْرِيمِ قَتْلِ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ، وَهَذِهِ مُحَرَّمَاتٌ بِالْإِجْمَاعِ، ويدل عَلَى أَنَّهُ يَدْعُو الْأَمِيرُ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ قِتَالِهِمْ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ، لَكِن مَعَ بُلُوغِهَا يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، كَمَا دَلَّ لَهُ إغَارَتُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ."

يعني كما جاء في الدرس الماضي أغار على بني المصطلق وهم غارون، غافلون، ومقتضاه أنَّه ما دعاهم، لكن مجزوم بأنهم بلغتهم الدعوة.

أحسن الله إليك.

"كَمَا دَلَّ لَهُ إغَارَتُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَإِلَّا وَجَبَ دُعَاؤُهُمْ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى دُعَائِهِمْ إلَى الْهِجْرَةِ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ نَدْبًا، بِدَلِيلِ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْإِذْنِ لَهُمْ فِي الْبَقَاءِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ وَالْفَيْءَ لَا يَسْتَحِقُّهُمَا إلَّا الْمُهَاجِرُونَ، وَأَنَّ الْأَعْرَابَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهما إلَّا أَنْ يَحْضُرُوا الْجِهَادَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى خِلَافِهِ، وَادَّعَوْا نَسْخَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَأْتُوا بِبُرْهَانٍ عَلَى نَسْخِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ كِتَابِيٍّ وغَيْرِ كِتَابِيٍّ، عربي وغَيْرِ عَرَبِيٍّ؛ لِقَوْلِهِ: «عَدُوَّك» وَهُوَ عَامٌّ،.."

لأنَّه مفرد مضاف، فيفيد العموم.

"وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَدٍ} [سورة التوبة:29]، بَعْدَ ذِكْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِقَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»."

يعني التنصيص على بعض أفراد العام يعني الحديث جاء بالعموم، ونُصَّ في القرآن على أهل الكتاب، التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، والمجوس جاء فيهم «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»، فالمطلوب الجميع، تؤخذ الجزية من الجميع.

أحسن الله إليك.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ....

والله البلوغ بلغ، لكن هذه الدعوة تتفاوت من بلد إلى بلد، بعضهم لا يعرف، بعضهم يتكلمون بلغات نادرة، نعم، يتكلمون بلغات نادرة فمثل هؤلاء ما بلغتهم على الوجه المطلوب، فإن كان يوجد فيهم أفراد يتكلمون اللغات العالمية من الإنجليزية وغيرها، لكن عموم الشعوب يتكلم بلغات نادرة ما يكون بلغها، يعني سمعوا عن الإسلام، وأنَّ هناك دينًا، لكن مقتضى قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [سورة الإسراء:15]، يبلغون.

طالب: ....

 نعم يبلغون، والبلدان تتفاوت.

"وذهب الشافعي إلى أنَّها لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَدٍ} [سورة التوبة:29] بَعْدَ ذِكْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِقَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»، وَمَا عَدَاهُمْ دَاخِلُونَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [سورة البقرة:193]، وَقَوْله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [سورة التوبة:36]،  واعتذر عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ وَارِدٌ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِالتَّحَوُّلِ وَالْهِجْرَةِ وَالْآيَاتِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ مَنْسُوخٌ، أَوْ مأوَّل بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدُوِّك: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.

قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عُمُومُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ هذا. وَأَمَّا الْآيَةُ فَأَفَادَتْ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِأَخْذِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَا لِعَدَمِ أَخْذِهَا، وَالْحَدِيثُ بَيَّنَ أَخْذَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وحُمِلَ عَدُوِّك عَلَى.."

وحَمْلُ.

أحسن الله إليك.

"وحَمْلُ عدوك على أَهْلِ الْكِتَابِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ: إنَّ آيَةَ الْجِزْيَةِ إنَّمَا نَزَلَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ نُزُولِهَا إلَّا أَهْلَ الْكِتَابِ، قَالَهُ تَقْوِيَةً لِمَذْهَبِ إمَامِهِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا يَخْفَى بُطْلَانُ دَعْوَاهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْجِزْيَةِ إلَّا أَهْلَ الْكِتَابِ، بَلْ بَقِيَ عُبَّادُ النِّيرَانِ مِنْ أَهْلِ فَارِسٍ وَغَيْرِهِمْ وَعُبَّادُ الْأَصْنَامِ مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ.

وَأَمَّا عَدَمُ أَخْذِهَا مِنْ الْعَرَبِ؛ فَلِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَّا بَعْدَ الْفَتْحِ، وَقَدْ دَخَلَ الْعَرَبُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عدو يُحارب، فَلَمْ يَبْقَ منهم بَعْدَ الْفَتْحِ مَنْ يُسْبَى، وَلَا مَنْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، بَلْ مَنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ فَلَيْسَ إلَّا السَّيْفُ أَوْ الْإِسْلَامُ، كَمَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَقَدْ سَبَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْعَرَبِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ، وَهَلْ حَدِيثُ الِاسْتِبْرَاءِ إلَّا فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ، وَاسْتَمَرَّ هَذَا الْحُكْمُ بَعْدَ عَصْرِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفَتَحَتْ الصَّحَابَةُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- بِلَادَ فَارِسَ وَالرُّومِ وَفِي رَعَايَاهُمْ الْعَرَبُ خُصُوصًا الشَّامُ وَالْعِرَاقُ، وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ عَرَبِيٍّ مِنْ عَجَمِيٍّ، بَلْ عَمَّمُوا حُكْمَ السَّبْيِ وَالْجِزْيَةِ عَلَى جَمِيعِ مَنْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ.

وَبِهَذَا تعرف أَنَّ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ فَرْضِ الْجِزْيَةِ، وَفَرْضُهَا كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَكَانَ فَرْضُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ من الفتح عِنْدَ نُزُولِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ، ولهذا نُهيَ فِيهِ عَنْ الْمُثْلَةِ، وَلَمْ يَنْزِلْ النَّهْيُ عَنْهَا.."

فكان فرضها.

"فَكَانَ فَرْضُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ من الفتح."

طالب: ...........

الثامنة ولا نحتاج إلى فتح.

أحسن الله إليك.

نزولها في السنة الثامنة، ولا نحتاج من الفتح؛ لأنَّك قلت: الثانية تقول من الفتح؛ لأنَّ هي الثامنة، الثامنة هي الثانية بعد الفتح.

طالب: .........

أين؟

طالب: فرضها كان بعد الفتح، بل كان فرضها في السنة الثامنة يعني الثانية.

الثامنة، كلامه صحيح، الثانية من الفتح هي الثامنة، نعم، وإذا قلت: الثامنة فما تحتاج إلى أن تقول.

طالب: والثانية من الفتح.

أين؟

القارئ: فتح مكة.

لا، فتح مكة، فتح مكة.

طالب: .........

أين؟

فتح مكة السابعة، ثم تكون الثامنة هي الثانية بعد الفتح.

طالب: ..........

خيبر في السابعة.

طالب: .........

ماذا؟

طالب: ....

الثامنة نعم، يكون إذًا الثامنة سنة الفتح.

طالب: بعد الفتح في السنة الثامنة؟

أين؟

طالب: يعني بعد الفتح في السنة الثامنة.

يمكن الفتح في رمضان، نزلت بعد ذلك بالثامنة من نفس السنة.

أحسن الله إليك.

"ولهذا نُهيَ فِيهِ عَنْ الْمُثْلَةِ، وَلَمْ يَنْزِلْ النَّهْيُ عَنْهَا إلَّا بَعْدَ أُحُدٍ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى جَنَحَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ، وَلَا يَخْفَى قربه.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: يتَضَمَّنَ الْحَدِيثُ.."

قربه أم قوته؟

نعم.

طالب: ....

طالب: قربه.

كلاهما قريب، ما فيه إشكال قوته وقربه ماشٍ.

أحسن الله إليك.

"المسألة الثالثة: يتضمن الحديث النهي عَنْ إجَابَةِ الْعَدُوِّ إلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ الْأَمِيرُ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم-، بَلْ يَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّتَهُ، قَدْ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأَمِيرَ وَمَنْ مَعَهُ إذَا خفروا ذِمَّتَهُمْ أَيْ نَقَضُوا عهودهم فَهُوَ أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يخفر ذِمَّتَهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ نَقْضُ الذِّمَّةِ مُحَرَّمًا مُطْلَقًا.

قِيلَ: وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، وَلَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ، وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ لَا تَتِمُّ، وَكَذَلِكَ تَضَمَّنَ النَّهْيَ عَنْ إنْزَالِهِمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ أَمْ لَا، فَلَا يُنْزِلُهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَا يَدْرِي أَيَقَعُ أَمْ لَا، بَلْ يُنْزِلُهُمْ عَلَى حُكْمِهِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ مَعَ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ لِلْحَقِّ، وَقَدْ أَقَمْنَا أَدِلَّةَ.."

مصيبًا.

القارئ: ما هو مضاف ومضاف إليه بالجملة يا شيخ؟

وليس كل مجتهد مصيبًا للحق.

أحسن الله إليك.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ....

ما المعنى؟

"وليس كل مجتهد مصيبًا للحق، وقد أقمنا أدلة أَحَقِّيَّةِ هَذَا الْقَوْلِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ.

وعن كعب بن مالك أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم-.."

مسألة كل مجتهد مصيب، نعم كل مجتهد إذا كان من أهل الاجتهاد فله نصيب ومصيب من الأجر ما يصيب، لكن إصابة الحق مع واحد، بدليل أنَّه «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد الحاكم فأخطأ»، فدلَّ على أنَّ الحاكم المجتهد الذي بلغ حد الاجتهاد يُمكن أن يُخطئ، ويُمكن أن يصيب.

قف على هذا.

 اللهم صلِّ على محمد.