شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (225)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

 في بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.   

المقدم: قال المصنف -رحمه الله تعالى-: وعنه -رضي الله عنه- قال: «حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- وعاءين فأما أحدهما، فبثثته، وأما الآخر، فلو بثثته قُطع هذا البلعوم».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده، ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد،

 فراوي الحديث، وصاحب الخبر؛ هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي سبق ذكره مرارًا.

 وهذا الحديث ضمن الترجمة السابقة (باب حفظ العلم)، باب حفظ العلم، وسبق في كلام العيني أن دلالة هذا الخبر على الترجمة بالمطابقة؛ لأن أبا هريرة لم يُحدِّث بجميع محفوظه، وما حدث به كثير يدل على حفظ واسع يمتاز به عن غيره، دلالة الخبر على الترجمة بالمطابقة؛ لأن أبا هريرة لم يُحدث بجميع محفوظه نعم؛ لأنه حفظ وعاءين حدث بواحد، ولم يُحدث بالآخر، فكيف لو حدث بالآخر يعني؛ مع كثرة ما رُوي عنه يدل على حفظٍ.

المقدم: كبير.

نعم، وما حدث به كثير يدل على حفظٍ واسع يمتاز به عن غيره، يقول: حفظت، «حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم-» «حفظت من» هذه رواية الكشميهني (مِن)، وفي رواية (عن)، والأولى أصرح «حفظت من» أصرح في تلقيه مِن النبي -عليه الصلاة، والسلام- بلا واسطة؛ لأنه لو حفظ (عن)، (عن) هذه لا  تدل على المباشرة على عدم الواسطة، بخلاف (مِن) من تدل على أنه تلقى بالنبي -عليه الصلاة، والسلام- بلا واسطة، أما في الرواية الأخرى (حفظت عن)، فهذه ليست صريحة بنفي الواسطة.

المقدم: نعم.

 وإن كانت عند أهل العلم محمولة على الاتصال شريطة ألا يكون الراوي مُدلسًا، فهي محمولة على الاتصال، لكن (مِن) أصرح منها.

المقدم: لكن في حق الصحابة ما يسقط هذا الشرط يا شيخ؟

 بلا شك أقول الشروط متوافرة الشرطان متوافران، كذا في الفتح، وعَكَسَ العيني؛ عَكَس العيني، فجعل (عن) هي التي لا تحتمل واسطة بخلاف (مِن) عَكَسْ العيني «حفظت عن رسول الله» قال: هكذا رواية الكشميهني، وابن حجر يقول: «حفظت مِن» هذه رواية الكشميهني، وفي رواية الباقين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي أصرح لتلقيه من النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا واسطة، والقسطلاني، وعنايته بالروايات معروفة يعني؛ هو في هذا الباب في الروايات أدق من غيره؛ أدق الشراح كلهم في ضبط الروايات يقول القسطلاني: لا شك أن.. أقول عناية القسطلاني بالروايات معروفة، فقوله في هذا مُقدم على غيره يعني؛ إذا عرفنا أنه ضبط نسخته من البخاري على فرع اليونينية ستة عشرة مرة، من يصبر على مثل هذا؟ لا لو..، لا شك أن قوله مُقدم، وهو موافق لابن حجر، موافق لابن حجر.

وعاءين تثنية الوعاء بكسر الواو، وبالمد، وهو الظرف الذي يُحفظ فيه الشيء.

 وأطلق المحل، وأراد الحال أي؛ نوعين من العلوم، أي نوعين من العلوم، قاله الكرماني، وقال ابن حجر: بهذا التقرير يعني؛ تأويل الوعاءين بالنوعين بهذا التقرير يندفع إيراد من زعم أن هذا يعارض قوله في الحديث الماضي: «كنت لا أكتب»؛ نعم «كنت لا أكتب»، وإنما مُراده أن محفوظه من الحديث لو كُتِب لملأ وعاءين، يعني لو كان، لو كان أبو هريرة يقصد حقيقة الوعاء ما الوعاء المناسب للكلام؟ الكتابة، الأوراق.

المقدم: نعم.

 والأوراق بإمكانها أن توضع في وعاء؛ يعني لابد أن يُكتَبْ العلم، ثم يوضع في.....

المقدم: في وعاء.

 في وعاء، وهذا غير مناسب لقوله: «كنت لا أكتب»، لكن تأويل الوعاءين بنوعين من العلوم.

المقدم: نعم. 

 نعم، بنوعين من العلوم مناسب جدًّا يقال، وبهذا التقرير يندفع إيراد من زعم أن هذا يُعارض قوله في الحديث الماضي: «كنت لا أكتب»، وإنما مُراده أن محفوظه من الحديث لو كُتِبَ لملأ وعاءين، ويحتمل أن يكون أبو هريرة أملى أحاديثه على من يثق به، فكتبه له، وتركه عنده، والأول أولى يعني مسألة تقدير.

المقدم: نعم.

 أو نوعية نوع كذا، ونوع كذا نعم إما أن يُقدر أن محفوظه يملأ وعاءين، أو أن نوع من العلوم، ونوع آخر من هذه المعارف نوعٌ بثه، ونوعٌ لم يبثه، وعاءٌ بثه، ووعاءٌ لم يبثه، وقال العيني: يُجمع الوعاء على أوعية، ويؤخذ منه الفعل يقال: أوعيت الزاد، والمتاع إذا جعلته في الوعاء؛ إذا جعلته في الوعاء قال عبيد بن الأبرص:

الخير يبقى ولو طال الزمان به

والشر أخبث ما أوعيت من زاد

 والوعاء: هو الإناء الوعاء يعني الفقهاء يقولون: باب الآنية، باب الآنية من أبواب كتاب الطهارة عندهم؛ لأنه هو الظرف الذي يُجمع فيه الماء، فالإناء؛ هو الوعاء، والوعاء؛ هو الإناء لغةً، وشرعًا، وعرفًا يعني الحقائق الثلاث اجتمعت، فاجتمعت في ذلك الحقائق الثلاث، فأما أحدهما يعني: أحد الوعاءين، وهو الوعاء الأول الذي بثه في الناسسس؛ أي نشره، وأشاعه في الناس، وأما الوعاء الآخر فلو بثثته أي نشرته في الناس، وأشعته بينهم قُطع، وفي رواية: «لقُطِعَ هذا البلعوم»، هذا البلعوم بضم الموحدة مرفوعًا؛ لكونه ناب عن الفاعل؛ لكونه ناب عن الفاعل قُطِعَ البلعوم، نعم لكونه ناب عن الفاعل؛ لأن الفعل يُبنى للمجهول لأسباب: إما للعلم به خُلق الإنسان ضعيفًا ما يشك أحد.

المقدم: أن الله الخالق.

 أن الخالق هو الله -جل وعلا-، أو للجهل به كسُرق المتاع.

المقدم: نعم.

 ما يعرف من السارق، وأحيانًا للخوف من التصريح به.

المقدم: قُطع البلعوم.

 قُطع البلعوم.

المقدم: معروف أن المقصود بها الحكام.

 نعم على ما سيأتي؛ المقصود؛ أن بناء الفعل للمجهول له أهداف مذكورة في كتب أهل العلم، وهنا البلعوم ناب عن الفاعل، وكنَّى به عن القتل، وزاد في رواية ابن عساكر، والأصيلي، وأبي الوقت ، وأبي ذر والمستملي بعد الخبر قال: أبو عبد الله أي البخاري: «البلعوم مجرى الطعام»، البلعوم مجرى الطعام؛ أي في الحلق، وهو المريء قاله القاضي، والجوهري، وابن الأثير، هنا مجرى الطعام، وعند الفقهاء: الحلقوم مجرى النفس خروجًا، ودخولًا، والمريء مجرى الطعام، والشراب، وهو تحت الحلقوم، كذا في إرشاد الساري.

 وفي شرح ابن بطال قال ثابت في شرح ابن بطال، قال ثابت: البلعوم؛ هو الحلقوم، وهو مجرى النفس إلى الرئة، قال أبو عبيد: البلعم، والبلعوم، وقال ثابت: والمريء مجرى الطعام الآن البلعوم هو الحلقوم، وهو مجرى النفس إلى الرئة، ثم قال ثابت: والمريء مجرى الطعام والشراب إلى المعدة متصل بالحلقوم؛ وهو المبتلع، والمسترط يعني آلة الابتلاع، وآلة الاستراط، نعم في شرح ابن بطال قال ثابت، قال ثابت من ثابت هذا؟ اسمه ثابت بن حزم أبو القاسم السَرَقُسْطِي صاحب (الدلائل في الغريب) كتاب في غريب الحديث مما ليس عند أبي عبيد، ولا عند غيره من أصحاب الغريب.

المقدم: نعم.

 اسمه الدلائل.

المقدم: ومطبوع يا شيخ؟

 وأصل الكتاب للابن قاسم بن ثابت؛ أصل الكتاب للابن قاسم بن ثابت مات قبل إكماله، فأكمله أبوه.

مطبوع طُبع جزء منه محققًا برسالة علمية.

المقدم: نعم.

 طُبع جزء منه، فأكمله أبوه، وفي السِيَّر للحافظ الذهبي مات الابن قبل الأب ابتدأ المشروع الابن، ثم أكمله.

المقدم: الأب.

 الأب يعني على هذا خلاف الجادة يعني؛ الأصل أن الابن هو الذي يُكمل.

المقدم: يُكمل عن الأب.

 لكن هذا على الخلاف مثل: شرح المشكاة للطيبي المشكاة للتلميذ التبريزي، والشرح للطيبي الشيخ.

المقدم: نعم.

 في السِيَّر للحافظ الذهبي ذكروا أنه عُرِض قضاء بلده عليه -قاسم هذا الابن- عُرض قضاء بلده عليه يعني قاسمًا الابن، فأباه، فأراد أبوه الحمل عليه، أراد أن يُصِر على أن يقبل القضاء، فأراد أبوه الحمل عليه في ذلك، فسأله إنظاره ثلاثًا، فتُوفي فيها، فكانوا يرون أنه دعا على نفسه بالموت، وكان معروفًا بإجابة الدعوة، لا شك أن القضاء وغيره من الولايات فتنة قد ينجو منها الإنسان، وقد لا ينجو، فهو مُعرض للخطر في مثل هذا، وأصحاب التحري والورع لا شك أنهم لا يقبلون مثل هذه الأعمال إلا إذا تعينت عليهم، وكتابه الدلائل قال أبو عليٍ القالي: لم يوضع بالأندلس مثله، كتاب عظيم في غريب الحديث الذي هو الدلائل، وهذا استطراد؛ لأن الدلائل كتاب نفيس يُوصى به طلاب العلم، ويحرصون عليه، وذكره لابد من بيانه لتتم الفائدة في فتح الباري يقول ابن حجر في رواية الإسماعيلي: «لقُطع هذا» يعني رأسه؛ لقُطع هذا يعني رأسه، وحمل العلماء الوعاء الذي لم...

المقدم: يُبَث.

 أرفق بها الضمير.

المقدم: لم يَبُثَه هو.

 يَبُثَه، أو يَبُثُه.

المقدم: على القاعدة الماضية يَبُثُه.

 يَبُثُه الذي لم يَبُثُه على الأحاديث التي فيها تبين أسامي أمراء السوء؛ على الأحاديث التي فيها تبين أسامي أمراء السوء، وأحوالهم، وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يُكَّنِي عن بعضه، ولا يُصرح به خوفًا على نفسه منهم كقوله أعوذ بالله من رأس الستين، وإمارة الصبيان يشير بذلك إلى خلافة يزيد بن معاوية؛ لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بسنة.

المقدم: الله أكبر...

 وفي شرح ابن بطال قوله: «وأما الآخر لو بثثته قُطع هذا البلعوم» قال المهلب، وأبو الزناد المهلب؛ الشارح ابن أبي صفرة، وأبو الزناد بن سراج ينقُل عنه ابن بطال بكثرة، قال المهلب، وأبو الزناد أنها كانت يعني؛ أنها كانت أحاديث أشراط الساعة، وما عَرَّفْ به -عليه السلام- من فساد الدين، وتغير الأحوال، والتضييع لحقوق الله تعالى  كقوله -عليه السلام-: «يكون فساد هذا الدين على يدي أغَيلِمَةٍ سفهاء من قريش»، وكان أبو هريرة يقول: «لو شئت أن أسميهم بأسمائهم»، فخشي على نفسه، فلم يُصرح قال: « وكذلك ينبغي لكل من أمر بمعروف إذا خاف على نفسه في التصريح أن يُعرِّض»، ولو كانت الأحاديث التي لم يُحدث بها من الحلال، والحرام ما وَسِعه تركها، ما وسعه تركها؛ لأنه قال: لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم، ثم يتلو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة:159] يعني قد يقول قائل: إن أبا هريرة كتم...

المقدم: نعم.

 ما بث، كتم...

المقدم: نقول ما كتم..

 ما كتم شيئًا .

المقدم: في الحلال، والحرام.

 نعم مما يحتاجه الناس.

المقدم: نعم.

 مما يحتاجه الناس لم يكتم شيئًا، وتصديره كثرة التحديث بالآية يدل على أنه لم يكتم شيئًا مما يحتاجه الناس؛ لأنه لو كتم لدخل في الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة:159]، وكثرة تحديثه الذي لِيمَ من أجله، نوقش من أجله، وعوتب من أجله؛ إنما هو للخروج من الآية، فكيف يقال: إنه كتم؟ إنما كتم شيئًا لا يحتاجه الناس، وفي شرح الكرماني يقول هذا الحديث؛ هو قطب مدار استدلالات الصوفية في الطامات، والشطحات؛ في الطامات، والشطحات يأتون بأمور، ويذكرون أشياء تخالف العقل والنقل، تخالف العقل والنقل، ومع ذلك يقولون: إن هذا من العلم اللدنّي الذي لا يُبث عند من لا يحتمله، ولا يُطيقه؛ لأن أبا هريرة له شأن عندهم؛ لأنهم على حد زعمهم أن أهل الصفة هم قدوتهم، وشيوخهم في الطريقة وزعيمهم أبو هريرة.

المقصود في شرح الكرماني؛ يقول: هذا الحديث هو قطب مدار استدلالات الصوفية في الطامات، والشطحات يعني لا يريد واحد منهم أن يقول شيئًا إلا قاله من تلقاء نفسه من غير تأييد؛ لا من كتاب ولا سنة، ويبتدع ما شاء مما يتعبد به، ويجعل هذا من الوعاء الذي لم يبثه أبو هريرة؛ طيب أبو هريرة ما بث، فكيف اطلعت عليه؟ إذا كان زعيمكم على حد زعمكم ما بث، فكيف اطلعت؟ يمكن يطلع، وهو ما بُث؟ ما يمكن أن يطلع.

 من باب الطرائف الشيخ علي الطنطاوي كان يجيب على أسئلة، وفي نفس البرنامج قرأ سؤالًا، وفي آخره تبين أنه من امرأة، وحَرَّجَتْ الشيخ مرارًا، وأصرت على ألا يذكر اسمها، ثم قال الشيخ: هل تعرفون اسمها؟ هي ما ذكرت اسمها كيف يطلع عليه الشيخ، ويبوح به، وتُحَرِّجَه ألا يذكر الاسم، وهي ما ذكرته؟ وهؤلاء كيف يقتدون بأبي هريرة في مثل هذا، ويزعمون أن عندهم من العلوم ما لا يوجد عند غيرهم، وأبو هريرة ما بث شيئًا منه؟ أبو هريرة حفظ عن النبي -عليه الصلاة، والسلام- ، لكن أنتم حفظتم مِن مَن؟ لا سبيل لكم إلا عن طريق النبي- عليه الصلاة والسلام-، وسبيلكم إليه -عليه الصلاة والسلام- هو سبيل غيركم الرواية، فإذا لم يكن عند من هو أعلم، وأورع، وأتقى، وأخشى لله -جل وعلا- منكم، وأحرص على الحديث منكم، فالموجود عندكم ليس عن طريقه-عليه الصلاة، والسلام-  ولا علم مُوصل إلى الله -جل وعلا- إلا ما كان عن طريقه -عليه الصلاة، والسلام-.

 يقول: هذا الحديث هو قطب مدار استدلالات الصوفية في الطامات والشطحات يقولون: هذا هو أبو هريرة عريف أهل الصُفة الذين هم شيوخنا في الطريقة عالم بذلك قائل به، كيف قال به؟ لم يقل به، إنما عرف أشياء لو بثها تضرر، وهي مما لا يحتاجه الناس، وإذ لو كانت مما يحتاجه الناس لدخل في الكتمان.

المقدم: نعم.

 أمور لا يحتاجها الناس، فكتمها، ومادام كتمها عن أقرانه من الصحابة، وعمن يليهم من التابعين ممن أدركوا أبا هريرة، فكيف يصل إليكم مثل هذا العلم؟ عالم بذلك قائل به قالوا: والمراد بالأول علم الأحكام، والأخلاق، وبالثاني علم الأسرار المصون عن الأغيار المختص بالعلماء بالله -سبحانه وتعالى- من أهل العرفان، ثم قال: نِعم ما قال يعني هذا القائل، لكن بشرط ألا تدفعه القواعد الإسلامية، ولا تنفيه القوانين الإيمانية، يعني يكون منتزع من الكتاب والسنة...

المقدم: نعم.

 نعم للإنسان أن يستنبط من الكتاب والسنة، وقد يكون عنده من الوعي والفهم ما يستنبط به، ويسبق إليه دون غيره، رُبَّ مُبلغ أوعى من سامع، لكن لابد أن يكون قائده النصوص، يكون عمدته النصوص لا على خواطر، وهواجس.

المقدم: نعم.

وإيحاءات شيطانية نِعم ما قال، لكن بشرط ألا تدفعه القواعد الإسلامية، ولا تنفيه القوانين الإيمانية؛ إذ ما بعد الحق إلا الضلال، يعني تأتون بعلوم لا توجد بالكتاب والسنة هذا هو الضلال بعينه، ثم نقل عن الغزالي، ثم نقل عن الغزالي قوله: متصوفة أهل الزمان إلا من عصمه الله تعالي اغتروا بالزي، والمنطق، والهيئة من السماع، والرقص، والطهارة، والجلوس على السجادات، وإطراق الرأس، وإدخاله في الجيب كالمتفكر، ومن تنفس الصعداء، وخفت الصوت في الحديث إلى غير ذلك الغزالي عنده تصوف، عنده تصوف.

المقدم: نعم.

 لكنه مع ذلك له عناية بعلم ما يسمونه علم الظاهر، له عناية بالحلال والحرام والأحكام، له عناية، فهو فقيه من فقهاء الشافعية.

المقدم: هذا الكلام في أي كتاب له يا شيخ؟

 مَن؟

المقدم: الغزالي.

 هو نقله الكرماني عن الغزالي.

المقدم: نعم.

 والظاهر أنه في الإحياء.

المقدم: إلا أنه قد يقال إن الغزالي وتصوفه الشديد ظهر في بعض كتبه دون الأخرى.

 على كل حال تصوف الغزالي لا شك أنه يصل إلى حد الذم؛ لأنه تصوف متأثر بالفلسفة.

المقدم: نعم.

نعم فهو ليس من التصوف الذي هو الزهد، والعزوف عن الدنيا الذي يقول بعض من هذا نوعٌ من التصوف المحمود، لا ليس من هذا النوع، وإنما هو إيغالٌ في التعبد بما لم يشرعه الله -جل وعلا- ، لكنه دون مرتبة من يزعمون أن الشريعة لها ظهر وبطن، ونحن ما لنا علاقة بالظاهر، والظاهر للعوام، ولا يتعبدون لله -جل وعلا.

المقدم: ولكن يُصرح بهذا في المظنون به لغير أهله يُصرح بأن الشريعة لها ظاهر وباطن، يُصرح به في مواضع.

 أيِ، لكنه يعمل بالظاهر، ما يعطل الظاهر مثل كثير من الصوفية، كثير من الصوفية من غلاتهم إذا وصل إلى حد سقطت عنه التكاليف؛ لا شك أن عنده تصوفًا مذمومًا أيضًا، لكنه لا يصل إلى حد تسقط عنه التكاليف؛ بل هو متعبد بالتكاليف إلى أن مات، وإن كان تصوفه من النوع المذموم، لكنه ليس من الموغل مثل ما يزعمه من يُسْقِط التكاليف.

 وقال ابن المنير فيما نقله ابن حجر: جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم، حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرًا وباطنًا، وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين؛ الله -جل وعلا- يقول: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إلى آخر لحظة من لحظاته يتعبد الله -جل وعلا- وهؤلاء يقولون إذا وصل الولي إلى منزلة تسقط عنه التكاليف، والتكاليف لا تسقط إلا برفع القلم، فإن كانوا وصلوا إلى حد جنون سقطت التكاليف، والله المستعان.

قال: وإنما أراد أبو هريرة بقوله: «قُطِع» أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وَسعه كتمانها؛ لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم، وقال غيره: يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور يعني ما يتعلق بالولاة، ما يتعلق بأشراط الساعة، وتغير الأحوال، والملاحم في آخر الزمان، فينكر ذلك من لم يألفه، ويعترض عليه من لا شعور له به.

 فائدة: وقع في المسند عن أبي هريرة: «حفظت ثلاثة أجربة»، وفي الحديث الصحيح...

المقدم: وعاءين.

 وعاءين «ثلاثة أجربةٍ بثثت منها جرابين»، و لم يبث الثالث قال ابن حجر: وليس هذا مخالفًا لحديث الباب، وليس هذا مخالف لحديث الباب؛ لأنه يُحمل على أن أحد الوعاءين كان أكبر من الآخر.

المقدم: نعم.

 بحيث يجيء ما في الكبير.

المقدم: جرابين.

 في جرابين.

المقدم: نعم.

 يعني؛ كأنه اثنان، والصغير واحد، فتكون بمنزلة ثلاثة، وما في الصغير واحدٌ، وجمع العيني بين الحديثين، فقال: يُحمل على أن الجرابين منهما كانا من نوع واحد، وهو الأحكام، من نوع واحد، وهو الأحكام، وما يتعلق بظواهر الشرع، والجراب الآخر: الأحاديث التي لو نشرها لقطع بلعومه، ولا شك أن النوع الأول كان أكثر من النوع الثاني، فلذلك عبر عنه بالجرابين، والنوع الثاني بجراب واحد، فبهذا حصل التوفيق بين الحديثين، يقول العيني: ولقد أبعد بعضهم، يعني ابن حجر في قوله: يُحمل على أن أحد الوعاءين كان أكبر من الآخر بحيث يجيء ما في الكبير في جرابين، وما في الصغير في وعاء واحد، أنا أقول: لا فرق بين كلام العيني، ولا كلام ابن حجر.

المقدم: نعم.

 نعم ابن حجر يقول: أحد الوعاءين أكبر، والثاني صغير، والعيني يقول: أحد العلمين أكثر، وهو علم الأحكام.

المقدم: ما فيه فرق.

 والثاني قليل.

المقدم: ما فيه فرق.

 إذًا لا فرق.

المقدم: نعم.

 لأن التكنية بالوعاء هو كناية عن العلم، وأنواعه، قال ابن حجر: وقع في المُحدث الفاصل للرامهرمزي من طريق منقطعة عن أبي هريرة« خمسة أجربة»،« خمسة أجربة»، وهو إن ثبت محمول على نحو ما تقدم، فيكون أربعة مما بثه، والخامس.

المقدم: يكون أمسكه.

 نعم يكون واحد يعادل أربعة، والخامس يعادل الثاني، وعُرف من هذا أن ما نشره من الحديث أكثر مما لم ينشره.

المقدم: -رضي الله عنه- طيب، اسمح لي يا شيخ في سؤالٍ كنا وعدنا به في الحلقة الماضية، إذا أذنت- أحسن الله إليك-.

تفضل.

المقدم: في حديث الحاكم في المستدرك من حديث زيد بن ثابت قال:« كنت أنا وأبو هريرة وآخر عند النبي- صلى الله عليه وسلم-، فقال: ادعوا، فدعوت أنا، وصاحبي، وأمَّن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ودعا أبو هريرة» إلى آخره.

بعض الناس يُضيق يا شيخ على مسألة طلب الدعاة في المجالس في نهايتها، يعني لما يجتمع قوم يقول: نجعل واحدًا يدعو ونحن نؤمن، وترفع الأيدي في المجالس، بعض الناس يُضيق جدًّا على هذه المسألة، ويقول: هذه بدعة مع أن كأن لها أصلًا يا شيخ.

 هذه لها أصول شرعية، لها أصول شرعية، لكن لا تُتَخذ عادة، لا تُتَخذ عادة.

المقدم: كيف عادة؟

 حيث يكون كل...

المقدم: كل مجلس.

 كلما جلسوا في مجلس قال: ارفعوا أيديكم ندعو ونؤمن واحد يدعو، ونحن نؤمن؛ لأن هذا ما عُرِف من ديدنه، وعادته -عليه الصلاة، والسلام- الاستمرار عليه .

المقدم: نعم.

 لكن لو حصل في موقف في وقت حاجة، في وقت مطر مثلًا، أو وقت استجابة ما فيه ما يمنع أبدًا.

المقدم: لكن المجالس يا شيخ كما في الحديث التي لا يذكر فيها اسم الله إذا انصرف عنها أصحابها؛ انصرفوا على غير خير، فلماذا؟

 على مثل جيفة.

المقدم: على مثل جيفة.

 نعم لكن الذكر يكون ما هو أعم من الدعاء.

المقدم: نعم.

 أعم من الدعاء، فيُلَفَت نظر الحاضرين إلى الذكر، ولو ذكر بعضهم رافعًا صوته ليُذَكِر الناس، ليُذكر من غفل، لا مانع من ذلك إن شاء -الله تعالى-.

المقدم: لكن أقصد استغلال بعض المجالس إذا وُجِدَ في بعضها الخير، وهؤلاء يعني قليل أن يمر على الإنسان مجالس باستمرار في مثل هذا الحال، إذا مر عليك مجلس، مجلسان في الأسبوع، وفيها بعض الخير وطلبت منهم أن يدعوا، والناس يُؤَّمِنُون تُرفع الأيدي.

 مرة يدعو، ومرة يُذَكِّر، ومرة يَذْكُر، ومرة يبين مسألة علمية، ومرة يطرح إشكالًا وسؤالًا، ثم يجاب عنه؛ تتنوع.

المقدم: نعم.

 وكذا كانت مجالس -عليه الصلاة، والسلام-.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل، وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.