كتاب الرجعة من سبل السلام (20)

نعم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا،

قال في البلوغ وشرحه في كتاب الرجعة باب النفقات:

 في الحديث التاسع: وهو قوله: "وعن سعيد بن المسيب -رضي الله عنه- في الرجل لا يجد ما ينفق على أهله قال: يفرق بينهما. أخرجه سعيد بن منصور عن سفيان عن أبي الزناد عنه -رضي الله عنه- قال: قلت لسعيد بن المسيب: سنة؟ فقال: سنة. وهذا مرسل قوي، ومراسيل سعيد معمول بها؛ لما عرف من أنه لا يرسل إلا عن عدل، قال الشافعي: والذي يشبه أن يكون قول سعيد سنة: سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأما قول ابن حزم: لعله أراد".

المراسيل عمومًا هي من قسم الضعيف الذي لا يُحتج به، ومراسيل سعيد لها شأن عند أهل العلم، هي أقوى المراسيل على الإطلاق، ويحتج بها الشافعية، والشافعي يقول: وإرسال ابن المسيب عندنا حسن، وقد تُتبعت أو كثير منها عن طريق صهره أبي هريرة.

"وأما قول ابن حزم: لعله أراد".

قول الصحابي: سنة، هذا لا إشكال في كونه مرفوعًا، لكن إذا قال التابعي: سنة، فيحتمل أن يريد سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو يريد سنة من بعده من الخلفاء الراشدين، أو سنة البلد أو ما أشبه ذلك، لكن إذا كانت المسألة شرعية فيبعُد بالتابعي لا سيما الكبير، لا سيما أفضل التابعين سعيد بن المسيب أن يقول: سنة، ولا يريد بذلك الشرعية.

"وأما قول ابن حزم: لعله أراد سنة عمر فإنه خلاف الظاهر. وكيف يقول له القائل: سنة؟ ويريد سؤاله عن سنة عمر –رضي الله عنه-؟ هذا مما لا ينبغي حمل الكلام عليه، وهل سأل السائل إلا عن سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟

 وإنما قال جماعة: إنه إذا قال الراوي: من السنة كذا فإنه يحتمل أن يريد سنة الخلفاء، وأما بعد سؤال الراوي فلا يريد السائل إلا سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولا يجيب المجيب إلا عنها لا عن سنة غيره؛ لأنه إنما يُسأل عما هو حجة، وهو سنته-صلى الله عليه وسلم-، وقد أخرج الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته، قال: «يفرق بينهما»، وأما دعوى المصنف إنه وهِم الدارقطني فيه، وتبعه البيهقي على الوهم فهو غير صحيح، وقد حققناه في حواشي ضوء النهار".

حواشي ضوء النهار للصنعاني مطبوعة في أربعة مجلدات كبار، لكن تداولها في بلادنا قليل ونادر؛ لأنها طبعت في اليمن، طبعت باليمن.

طالب:...

حواشي ضوء النهار، ضوء النهار على كتاب المنار من كتب الزيدية، لكن الحاشية للصنعاني، نعم.

"وسيأتي كتاب عمر إلى أمراء الأجناد في أنهم يأخذون من عندهم".

على، على.

"في أنهم يأخذون على من الأجناد أن ينفقوا أو يطلقوا، وقد اختلف العلماء في هذا الحكم، وهو فسخ الزوجية عند إعسار الزوج على أقوال:

الأول: ثبوت الفسخ، وهو مذهب علي وعمر وأبي هريرة وجماعة من التابعين، ومن الفقهاء مالك والشافعي وأحمد، وقال به أهل الظاهر، مستدلين بما ذُكِر، وبحديث «لا ضرر ولا ضرار»، وتقدم تخريجه، وبأن النفقة في مقابل الاستمتاع؛ بدليل أن الناشزة لا نفقة لها عند الجمهور، فإذا لم تجب النفقة سقط المتاع".

سقط الاستمتاع.

"سقط الاستمتاع، فوجب الخيار للزوجة، وبأنهم أوجبوا على السيد بيع مملوكه إذا عجز عن إنفاقه، فإيجاب فراق الزوجة أولى؛ لأن كسبها ليس مستحقًا للزوج كاستحقاق السيد لكسب عبده، وبأنه قد نقل ابن المنذر إجماع العلماء على الفسخ بالعنة".

يعني عدم القدرة على الجماع، العنة: عدم القدرة على الجماع، ويضرب له أمد سنة لتمر عليه الفصول الأربعة، فإن حصل منه شيء وإلا أُلزم بفراقها، ومن باب أولى أن يفرق بينهما إذا عجز عن إطعامها وشرابها وكسوتها، إذا عجز عن النفقة عليها.

"والضرر الواقع من العجز عن النفقة أعظم من الضرر الواقع بكون الزوج عنِّينًا، وبأنه تعالى قال: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ}[الطلاق:6]، وقال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}[البقرة:229]، وأي إمساك بمعروف وأي ضرر أشد من تركها بغير نفقة؟

 الثاني: ما ذهب إليه الهادوية والحنفية، وهو قول الشافعي أنه لا فسخ بالإعسار من النفقة، مستدلين بقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق:7]".

لكن فرق بين من عجز عن النفقة بالكلية، وبين من قُدر عليه رزقه ويستطيع أن ينفق على قدر عسره ويسره، فرق واضح؛ لأنه قال هنا: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ}[الطلاق:7]، هذا يجد ما ينفق، لكن المسألة مفترضة فيمن لا يجد ما ينفق، فهذا يفرق بينه وبين زوجته.

"قالوا: وإذا لم يكلفه الله الزوج النفقة في هذه الحال فقد ترك ما لا يجب عليه".

كيف لم يكلف الله النفقة وهو يقول: فلينفق؟ كلفه بالنفقة لكن على حسب قدرته واستطاعته.

"وإذا لم يكلف الله الزوج النفقة في هذه الحال فقد ترك ما لا يجب عليه، ولا يأثم بتركه، فلا يكون سببًا للتفريق بينه وبين سكنه، وبأنه قد ثبت في صحيح مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- لما طلب أزواجه منه النفقة قام أبو بكر وعمر إلى عائشة وحفصة، فوجئا أعناقهما، وكِلاهما يقول".

وكُلاهما وكُلاهما.

 

"وكِلاهما؟"

فوجئا أعناقهما ماذا؟

طالب: وكِلاهما.

وكِلاهما يعني أبا بكر وعمر؟

طالب: نعم يا شيخ؟

كلاهما يقول: أتسألن؟

طالب: نعم يا شيخ.

طيب.

"وكلاهما يقول: تسألين رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ما ليس عنده؟ الحديث".

النبي -صلى الله عليه وسلم- عنده شيء من النفقة، وكان يدخر قوت سنة لأهله، لكن لا يلزم أن تكون هذه النفقة وافية بجميع ما يُطلب، فرقٌ بين من لا ينفق أصلاً، أو ليس عنده ما ينفقه، وبين من يجد ما ينفقه، لكن فيه شيء من الشُح، لا يفي بجميع المتطلبات، كحاله -عليه الصلاة والسلام-.

"قالوا: فهذا أبو بكر وعمر يضربان بنتيهما بحضرته -صلى الله عليه وسلم- لما سألتاه النفقة التي لا يجدها، فلو كان الفسخ لهما وهما طالبتان للحق لم يقر النبي -صلى الله عليه وسلم- الشيخين على ما فعلا، ولبيَّن أن لهما أن تطالبا مع الإعسار حتى يثبت على تقدير ذلك المطالبة بالفسخ؛ ولأنه كان في الصحابة المعسر بلا ريب، ولم يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدًا منهم بأن للزوجة الفسخ، ولا فسخ لأحد".

يعني فرق بين أن يكون الزوجة لها الحكم، وتترك هذا الحكم، وتتنازل عنه، لا أحد يلزمها، الأمر لا يعدوها، وفرقٌ بين أن تُلزَم بالبقاء مع شخصٍ لا يستطيع النفقة عليها.

"قالوا: ولأنها لو مرضت الزوجة، وطال مرضها حتى تعذر على الزوج جماعها، لوجبت نفقتها، ولم يُمكَّن من الفسخ، وكذلك الزوج، فدلّ أن الإنفاق ليس في مقابلة الاستمتاع، كما قلتم، وأما حديث أبي هريرة، فقد بيّن أنه من كيسه، وحديثه الآخر، لعله مثله، وحديث سعيد مرسل".

أما قوله: من كيسه، يعني من تلقاء نفسه قاله، ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا لا يمكن أن يُظن بأبي هريرة، قد يقول شيئًا من اجتهاده، لكن لا يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:...

منهم من قال: إن المراد بالكيس على ما تقدم الوعاء، حفظتُ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعاءين، فهو حفظه من النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو سماه وعاءً أو كيسًا، ومنهم من يقول: إن الكيس هذا هو الثوب الذي بسطه ثم ضمه إليه، فلم ينس بعده شيئًا، وعلى كل حال لا يمكن أن يُظن بأبي هريرة أن ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- شيئًا من تلقاء نفسه.

"وأجيب بأن الآية إنما دلت على سقوط الوجوب عن الزوج وبه نقول، وأما الفسخ فهو حق للمرأة تطالب به، وبأن قصة أزواجه- صلى الله عليه وسلم - وضرب أبي بكر وعمر إلى آخر ما ذكرتم هي كالآية دلت على عدم الوجوب عليه-صلى الله عليه وسلم- وليس فيه أنهن سألن الطلاق أو الفسخ، ومعلوم أنهن لا يسمحن بفراقه، فإن الله تعالى قد خيرهن فاخترن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والدار الآخرة، فلا دليل فى القصة، وأما إقراره لأبي بكر وعمر على ضربهما فلما عُلِم من أن للآباء تأديب الأبناء إذا أتوا ما لا ينبغي، ومعلومٌ أنه-صلى الله عليه وسلم-".

يعني ولو كانوا كبارًا، ولو خرجوا من ذمته بالزواج، فالأب له سلطان على ولده، لكن بما لا يضر بهم.

"ومعلومٌ أنه -صلى الله عليه وسلم- لا يفرط فيما يجب عليه من الإنفاق، فلعلهن طلبن زيادة على الواجب، فتخرج القصة عن محل النزاع بالكلية، وأما المعسرون من الصحابة فلم يُعلَم أن امرأة طلبت الفسخ أو الطلاق لإعسار الزوج بالنفقة، ومنعها عن ذلك حتى تكون حجةً، بل كان نساء الصحابة كرجالهن يصبرن على ضنك العيش وتعسره، كما قال مالك- رضي الله عنه-: إن نساء الصحابة كن يردن الآخرة، وما عند الله، ولم يكن مرادهن الدنيا، ولم يكن يبالين بعسر أزواجهن، وأما نساء اليوم فإنما يتزوجن رجاء الدنيا من الأزواج والنفقة والكسوة.

 وأما حديث ابن المسيب فقد عرفتَ أنه من مراسيله، وأئمة العلم يختارون العمل بها كما سلف، وهو موافقٌ لحديث أبي هريرة المرفوع الذي عاضده مرسل سعيد، ولو فُرِضَ سقوط حديث أبي هريرة لكان فيما ذكرناه غُنيةٌ عنه.

القول الثالث: أنه يُحبس الزوج إذا أعسر بالنفقة حتى يجد ما ينفق، وهو قول العنبري".

يُحبس إذا امتنع، إذا امتنع من الإنفاق، أما إذا أعسر، وثبت صدق دعواه فلا يجوز حبسه، لا يجوز حبسه، فإذا كان لا يحبس بحقوق الآخرين، فنظرة إلى ميسرة، فلئلا يُحبس بالنفقات من باب أولى، ولأنه يتضرر بالحبس، ويتضرر غيره، لا يستفيد أحد من حبسه، ولا يُحقق المصلحة هذا الحبس، نعم إن امتنع من الإنفاق وهو قادرٌ عليه يُحبس حتى ينفق.

"وقالت الهادوية: يحبس للتكسب، والقولان مشكلان؛ لأن الواجب إنما هو الغداء في وقته والعشاء في وقته فهو واجب في وقته، فالحبس إن كان في خلال وجوب الواجب فهو مانع منه فيعود الغرض".

على.

"فيعود على الغرض المراد بالنقض، وإن كان قبله فلا وجوب، فكيف يحبس لغير واجب؟ وإن كان بعده صار كالدين ولا يحبس له مع ظهور إعساره اتفاقًا، وفي هذه المسألة قال محمد بن داود لامرأة سألته عن إعسار زوجها فقال: ذهب ناس إلى أنه يكلف السعي والاكتساب، وذهب قوم إلى أنها تؤمر المرأة بالصبر والاحتساب، فلم تفهم منه الجواب، فأعادت السؤال وهو يجيبها بذلك، ثم قال: يا هذه، قد أجبتك، ولست قاضيًا فأقضي، ولا سلطانًا فأمضي، ولا زوجًا فأرضي، وظاهر كلامه الوقف في هذه المسألة، فيكون قولا رابعًا.

القول الخامس: أن الزوجة إذا كانت موسرة وزوجها معسر كلفت الإنفاق على زوجها، ولا ترجع عليه إذا أيسر؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}[البقرة:233]، وهو قول ابن حزم، ورُدَّ بأن الآية سياقها في نفقة المولود الصغير، ولعله لا يرى التخصيص بالسياق، القول السادس لابن القيم".

يعني هذا عكس القوامة، القول الخامس أن الزوجة إذا كانت موسرة وزوجها معسر كلفت الإنفاق على زوجها، وهذا الآن موجود، تكون المرأة عاملة، والزوج عاطلًا، يعني في تقدير الناس مثلاً المرأة عاملة، مدرسة أو موظفة، والزوج عاطل، هل تكلف بالإنفاق عليه؟ تجب عليها نفقته؟ أبدًا، موجب القوامة أن ينفق عليها وإلا يفسخ، مع الأسف أن المفاهيم كلها انقلبت، يعني يسمون المرأة التي تعمل في خدمة زوجها وولدها عاطلة، والتي تعمل في خدمة الناس عاملة. يعني لو قيل: لو جلست في البيت تربي أطفالها يسمونها إيش؟

عاطلة. ولو قالت: أربي أولاد الناس في حضانة مثلاً سُميت عاملة، وهذا يبين أنه ليس القصد الإصلاح، وإلا فاهتمامها بزوجها وولدها وتربيتهم فهذا هو عين الصواب، وعين الحكمة، وأولاد الناس يربيهم أهلوهم، فهذا يدل على أن الحث على عمل المرأة وإخراجها من منزلها ليس المراد منه الإصلاح، والله المستعان.

 يعني تترك صبيتها للخادمة، تستقدم عاملة تعمل في بيتها، وهي تعمل عند غيرها، تروح تشتغل في حضانة أو في غيرها، تسمى عاملة، وليس الهدف من ذلك إلا أن تُخرج من بيتها.

"القول السادس لابن القيم: وهو أن المرأة إذا تزوجت عالمة بإعساره أو كان موسرًا ثم أصابته جائحة فإنه لا فسخ لها، وإلا كان لها الفسخ، وكأنه جعل علمها رضاء بإعساره، ولكن حيث كان موسرًا ثم تزويجه، ثم أعسر للجائحة، لا يظهر وجه عدم ثبوت الفسخ لها".

كأن ابن القيم يذهب إلى أن الجائحة مثل الإعسار القديم، وأنها مصيبة كسائر المصائب، يعني لو مرض تطلب الفسخ؟ أو مرضت يُطلق من أجل أنها مرضت؟

لا، فهذه الجوائح لا شك أنها مصيبة من المصائب على الجميع أن يصبر عليها ويحتسب ويؤجر عليها الثواب العظيم.

"إذا عرفت هذه الأقوال عرفت أن أقواها دليلاً وأكثرها قائلاً هو القول الأول، وقد اختلف القائلون بالفسخ في تأجيله بالنفقة؛ فقال مالك: يؤجل شهرًا، وقال الشافعي: ثلاثة أيام، وقال حماد: سَنة، وقيل: شهرًا أو شهرين. قلتُ: ولا دليل على التوقيت، بل ما يحصل".

التعيين التعيين.

طالب: التوقيت يا شيخ.

التوقيت؟

طالب: نعم.

هو التعيين، نفسه، تعيين الوقت.

طالب:...

أما إذا كانت عالمة بعسره فلا يحق لها.

طالب:...

نعم. إذا كانت عالمة فليس لها أن تفسخ، أقدمت عليه، قالوا: فقير ما عنده شيء، قالت: ولو، وإن كان فقيرًا معدمًا قالت: وإن، وإن.

طالب:...

ليس لها الفسخ نعم؛ لأنها أقدمت على بينة، أقدمت على بينة، لكن إن أدى ذلك إلى ضرر بليغ يضر بها، إلى أن يصل بها إلى حد أن تموت جوعًا عنده فليست بأقل شأنًا من الهرة التي حُبست فلم تُطعم ولم تترك تأكل من خشاش الأرض، هذه إما أن يطعمها وإما أن تذهب إلى أهلها يطعمونها، يعني إذا وصل الأمر إلى هذا الحد.

طالب:...

إذا وصل الحد إلى أن عليها خطرًا من بقائها عنده، تموت من الجوع فهذا الفسخ ما ينكر أبدًا.

طالب:...

إذا لم تصل فحال كثير من بيوت السلف على هذا.

طالب:...

ليس ابن القيم هذا، هذا تعقيب الصنعاني.

"قلت: ولا دليل على التوقيت بل ما يحصل به التضرر الذي يُعلم، ومن قال: إنه يجب عليه التطليق قال: ترافعه الزوجة إلى الحاكم؛ لينفق أو يطلق، وعلى القول بأنه فسخ ترافعه إلى الحاكم؛ ليُثبِتَ الإعسار، ثم تفسخ هي، وقيل: ترافعه إلى الحاكم، فيجبره على الطلاق، أو يفسخ عليه، أو يأذن لها في الفسخ، فإن فسخ، أو أذن في الفسخ فهو فسخ لا طلاق، ولا رجعة له، وإن أيسر في العدة فإن طلّق كان طلاقه رجعيًّا له فيه الرجعة، والله أعلم".

ولا يتم شيءٌ من الفسخ أو الطلاق إلا على يد حاكم، لا يتم إلا على يد حاكم، وليس بيد المرأة بمجرد إعساره تأخذ متاعها، وتخرج إلى أهلها، ثم تتزوج بعد ذلك وتقول: إنه فسخ النكاح بإعساره، أبدًا، فإنه لو ترك مثل هذا الأمر للنساء ما استقام بيت من البيوت، وما من يوم إلا ويحصل فيه مشكلة، وشهرٌ فيه إعسار، وشهرٌ فيه يسر، شهر فيه امتناع، وشهر فيه إنفاق، موجود هذا في بيوت الناس عامة.

"وعن عمر -رضي الله عنه- أنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا. أخرجه الشافعي ثم البيهقي بإسناد حسن، تقدم تحقيق وجه هذا الرأي من عمر، وأنه دليل على أن النفقة عنده لا تسقط بالمَطل في حق الزوجة، وعلى أنه يجب أحد الأمرين على الأزواج إما الإنفاق أو الطلاق".

يعني هل النفقة مؤقتة بوقتها اليومي بمعنى أنها إذا فاتت لا تُقضى، أو أنها حقٌ ثابت كالدين في ذمة الزوج؟ يعني لو قُدِّر أن الزوجة دُعيت إلى وليمة مثلاً وذهبت، وأكلت عند من دعاها وجبة من الوجبات، هل نقول: إن هذه الوجبة ثابتة في ذمة الزوج يقضيها لها، أو نقول: إن هذا يسقط بالوقت والتقادم ولا يحتاج أن يُقضى؟ يعني يكون تكون النفقة بمثابة مثل ما ذكرنا سابقًا مثل التقويم، ذهب يوم خلاصك ما فيه فائدة، سقط حقها.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه جاء رجل إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله عندي دينار قال: «أنفقه على نفسك» قال: عندي آخر، قال: «أنفقه على ولدك»، قال: عندي آخر قال: «أنفقه على أهلك» قال عندي آخر، قال: «أنفقه على خادمك»، قال: عندي آخر، قال: «أنت أعلم به». أخرجه الشافعي وأبو داود واللفظ له، وأخرجه النسائي والحاكم بتقديم الزوجة على الولد، وفي صحيح مسلم من رواية جابر بتقديم الزوجة على الولد من غير تردد، قال المصنف: قال ابن حزم: اختُلف على يحيى القطان والثوري، فقدّم يحيى الزوجة على الولد، وقدّم سفيان الولد على الزوجة، فينبغي أن لا يقدم أحدهما على الآخر، بل يكونان سواء؛ لأنه قد صح أنه-صلى الله عليه وسلم- كان إذا تكلم تكلم ثلاثًا، فيحتمل أن يكون في إعادته قدم الولد مرة ومرة قدم الزوجة، فصارا سواء.

 قلتُ: هذا حَمْلٌ بعيد، فليس تكريره -صلى الله عليه وسلم- لما يقوله ثلاثًا بمطرد، بل عدم التكرير هو الغالب، وإنما يكرر إذا لم يُفهم عنه، ومثل هذا الحديث جواب سؤال لا يجري فيه التكرير؛ لعدم الحاجة إليه؛ لفهم السائل للجواب، ثم رواية جابر التي لا تردد فيها تقوي رواية تقديم الأهل، والحديث قد تقدّم.

 وفيه حثٌ على إنفاق الإنسان ما عنده، وأنه لا يدخر؛ لأنه قال له في الآخر بعد كفايته وكفاية من يجب عليه: «أنت أعلم»، ولم يقل له: ادخره لحاجتك، وإن كانت هذه العبارة تحتمل ذلك.

وعن بهزٍ".

السائل، هذا الرجل السائل يحتمل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعرف أنه ليس عنده أبوان، ولذا ما تُعرض للأم ولا للأب، ومنهم من يقول: إن هؤلاء المذكورين النفس والزوجة والولد والخادم مقدمون على الأبوين، وهذا قول جمع من أهل العلم، هذا من حيث النفقة الواجبة اللازمة، لكن من حيث البرّ لا شك بتقديم الوالدين على غيرهما، وجاء في حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار منهم رجل كان برًّا بوالده، يأتي من إبله أو من ماشيته باللبن، فيجد الأب قد نام فيقف على رأسه باللبن إلى الصباح، والصبية يتضاغون، فكونه قدّم مراد الله على مراد نفسه؛ لأن نفسه تنازعه، كل إنسان تنازعه نفسه، كثير من الناس، بل غريزة الناس المغروزة فيهم أن الولد مُقدم من حيث الغريزة، ومن حيث المحبة الجبلية، مقدم على الوالد، هذا في حال كثير من الناس، لكن الحكم الشرعي أن الوالد مقدم على الولد، مقدم على الولد، ولذا مُدح بكونه ترك الصبية يتضاغون، وانتظر الوالد حتى استيقظ، لكن لو قيل مثلاً: لماذا لا يعطي الأولاد ما يكفيهم، ويترك الباقي للوالد حتى يستقيظ بما لا يضر به؟ لا شك أنه بصنيعه هذا أهدر حظ نفسه وحظ ولده في مقابل ما يريده الله منه، وهو بر الوالد، فكونه قدم مراد الله على مراده مُدح من هذه الحيثية، وإلا فلا يجوز له في شرعنا أن يترك الصبية يتضاغون جوعًا وعطشًا، واللبن بيده مهما كان المبرر.

"وعن بهز- بفتح الموحدة وسكون الهاء فزاي- ابن حكيم عن أبيه حكيم عن جده معاوية بن حيدة- القشيري تقدم ضبطه".

صحابيٌ تقدم ضبطه.

طالب: صحابي يا شيخ؟

صحابي تقدم ضبطه.

 "قال: قلت: يا رسول الله من أبِر؟".

أَبَرُّ.

 "من أَبّرُّ؟ قال: «أمُّك» قلت: ثم من؟ قال: «أمُّك» قلت: ثم من؟ قال: «أمُّك» قلت: ثم من؟ قال: «أباك ثم الأقرب فالأقرب»".

الأصل أمَّك ثم أمَّك ثم أمك، كأنه قال له: برَّ أمَّك.

"قال: «أباك، ثم الأقرب فالأقرب». أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه، وأخرجه الحاكم، وتقدّم الكلام عليه، وأنه يقتضي تقديم الأم بالبِرّ، وأنها أحق به من الأب".

نظرًا لكثرة حقوقها، نظرًا لكثرة حقوقها، ولا شك أن هذا عند التعارض، عند تعارض حق الأم مع حق مع حق الأب، وهذا إنما يكون في حال الفراق وعند المشاحة والمشاحنة تُقدّم الأم، لكن إذا كانت الأم في عصمة الأب، وطاعة الأم جزءٌ من طاعة الأب؛ لأنه يجب عليها طاعته، فإن المقدم عندئذ الأب، ولذا عندما سُئل الإمام مالك قال: أمرني أبي، ونهتني أمي، قال: أطع أباك ولا تعص أمك، كيف يحصل له أن يطيع أباه في تنفيذ أمره، ولا يعصي أمه وقد نهته؟ يعني كأنه يقول له: اسع بالإصلاح بينهما، وسدد وقارب، وليكن طاعتك لأبيك على عدم علمٍ من أمك؛ ليتم لك تحقيق الأمرين، وأنت مأجور على كل حال.

والله أعلم.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.