شرح منسك شيخ الإسلام ابن تيمية (01)

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فقد تكرر السؤال من كثير من المسلمين أن أكتب في بيان مناسك الحج ما يحتاج إليه غالب الحجاج في غالب الأوقات، على سبيل الاختصار، فإني كنت قد كتبت...

 عندكم الطبعة الأولى؟ يقول هنا: وقد تكرر السؤال من كثير من المسلمين أن أكتب في بيان مناسك الحج ما يحتاج إليه غالب الحجاج في غالب الأوقات على سبيل الاختصار" وهذا هو الحاصل، وهو واقع الكتاب، فالحاصل أن الكتاب مختصر جداً، ومع ذلكم هو في مجموع الفتاوى ستين صفحة، وهو مختصر بالنسبة لشيخ الإسلام، فقد كتب على عمدة الفقه مجلدين، وطبع في مجلدين كبيرين، وشيخ الإسلام -رحمه الله- وهو الإمام المطَّلع على النصوص، وعلى القواعد، وعلى المقاصد، وعلى مذاهب الفقهاء، معروفها وشاذِّها، بإمكانه أن يكتب الأسفار في هذا الباب؛ لأن الباب يحتمل، ففيه مسائل كثيرة جداً، وفيه إشكالات، وفيه نوازل، فالموضوع يحتاج؛ لكنه هنا يقول على سبيل الاختصار، يعني على سبيل الإيجاز.

وفي تعليقنا على هذا الكتاب الموجز المختصر لن يعدو أن يكون مجرد توضيح لبعض المسائل التي يختلف فيها شيخ الإسلام مع غيره -رحمه الله-؛ لأن الكتاب في ستين صفحة والأيام ستة، فلا بد أن نأخذ معدل عشر صفحات في اليوم، وعلى هذا لا يتسنى لنا أن نعلق، أو نشرح شرحا كما طلب، المسألة مسألة تعليق على بعض المسائل؛ لأن الوقت لا يسعف.

"فإني كنت قد كتبت منسكاً في أوائل عمري، فذكرت فيه أدعية كثيرة، وقلدت في الأحكام من اتبعته قبلي من العلماء، وكتبت في هذا ما تبين لي من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مختصراً مبيناً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

لعل قوله: "مختَصِراً" أو "مختَصَراً" يكفي عما سقط في بقية النسخ من قوله: "على سبيل الاختصار"، مختصَراً أو مختصِراً حال، فمختصراً حال من الفاعل، وهو شيخ الإسلام، الكاتب، أو مختصَراً، يعني من المكتوب، فهي حال تبين هيئة الفاعل أو هيئة المفعول، مختصراً مبيناً، "ولا حول ولا قوة إلا بالله".

شيخ الإسلام -رحمه الله- كغيره من أهل العلم كتبوا في المناسك، بل منهم من كتب أكثر من منسك، ومنهم من كتب منسكاً ثم لما باشر الحج- والخبر ليس كالعيان- أحرق المنسك الأول، فشيخ الإسلام كتب منسكاً، ثم رجع عن كثير من المسائل إلى ما آل إليه أمره من الاجتهاد المطلق، فقد كتب المنسك على سبيل التقليد، والتقليد تشم رائحته مما كتبه على العمدة؛ لأن شرح العمدة في أول الأمر والتقليد فيه ظاهر، يعني عنايته بالمذهب ورواياته والتوجيه، ولذلك لم تبرز فيه شخصية شيخ الإسلام، كما آل إليه الأمر في آخره، كما هو موجود في الفتاوى وفي هذا المنسك.

والنووي كتب منسكاً ثم أتلفه وكتب غيرَه، وغيرُه كتب ثم لما رأى حقيقة الأمر تغيرت عنده بعض الأحكام،

لا لأن الحكم تغير، وإنما نظرته إلى هذه الأحكام تغيرت، ولا شك أن التطبيق له أثر في التقعيد، فحينما يرى الإنسان أنه يترجح لديه شيء بمرجح هو مجرد استرواح وهو في بلده، فلما حج رأى الأمر يختلف تماماً عما مال إليه قبل، يميل إلى القول الآخر، ولا ضير إذا كان كل من القولين له ما يسنده من الدليل.

ولا يعني هذا أنه يتتبع في ذلك الرخص، ويسلك مسلك التسهيل بإطلاق، أو اختيار الأخف من الأقوال،  ليس هذا بمقصود، فقد يرجع العالم من الأسهل إلى الأشد؛ لأنه رأى أن ترجيحه للأسهل يعين الناس على انفلاتهم من دينهم، فلو قيل مثلاً: المبيت بمنى ليس بواجب مطلقا، كما قال بعض أهل العلم، لوجدت الناس كلهم يتركون المبيت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بات، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) ولو قيل: المبيت بمزدلفة ليس بواجب كذلك، ثم يطرد ذلك على جميع المشاعر ويرجح القول الأخف، لما حج الناس، يقفون بعرفة ويمشون، لكن إذا قيل لإنسان المبيت بمنى ركن من أركان الحج، وقد قيل به، المبيت بمزدلفة كذلك ركن، وقد قيل به، فهذا فيه تضييق وحرج شديد على الناس شديد أيضاً، فالقول الوسط في مثل هذه المسائل القول بالوجوب بحيث لا ينفلت الناس ولا يشق عليهم مشقة لا يحتملونها، مع أنه لم يدعمه الدليل، والذي يؤيده الدليل على ما سيأتي.

المقصود أن شيخ الإسلام ألف منسكاً، ثم لما تأهل للاجتهاد المطلق أعاد النظر فيه وغيره.

وابن حزم لم يحج، ومع ذلك وقع له في بعض مسائل الحج شذوذ، لم يوافق عليها من قبل عامة أهل العلم، والسبب أنه لم يحج، ولو باشر الحج لتغير رأيه، والله المستعان.

"فصل: أول ما يفعله قاصد الحج والعمرة، إذا أراد الدخول فيهما أن يحرم بذلك، وقبل ذلك فهو قاصد الحج أو العمرة، ولم يدخل فيهما بمنزلة الذي يخرج إلى صلاة الجمعة، فله أجر السعي، ولا يدخل في الصلاة حتى يحرم بها، وعليه إذا وصل إلى الميقات أن يحرم".

لا يدخل في النسك حتى يحرم، وإن كان قاصداً له من بلده، فلو أن شخصا أراد أن يحج فلما وصل إلى الطائف رجع، هل نقول: دخل في النسك؟   ((وأتموا الحج والعمرة لله)) البقرة: ١٩٦ لا، لكنه قاصد الحج من بلده، ولا يدخل فيه إلا بالإحرام، والمقصود بالإحرام: التلبية بالنسك من الميقات.

"المواقيت خمسة: ذو الحليفة، والجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وذات عرق".

هذه المواقيت الخمسة ثبتت فيها النصوص الصحيحة، أما المواقيت الأربعة ذو الحليفة، والجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، هذه متفق على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي وقتها، وأحاديثها في الصحيح، وأما توقيت ذات عرق لأهل العراق فالخلاف فيه بين أهل العلم معروف، هل وقتها النبي -عليه الصلاة والسلام- أو وقتها عمر؟ لكن المرجح وما تدل عليه الأدلة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقتها كغيرها.

"ولما وقت النبي -صلى الله عليه وسلم- المواقيت قال: ((هن لأهلهن، ولمن مر عليهن من غير أهلهن، لمن يريد الحج والعمرة، ومن كان منزله دونهن فمهله من أهله، حتى أهل مكة يهلون من مكة)).

نعم، لما وقت النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه المواقيت قال -عليه الصلاة والسلام-: ((هن)) يعني هذه المواقيت ((لأهلهن)) لأهل تلك الجهات المذكورة مع هذه المواقيت، ((ولمن مر عليهن من غير أهلهن)) فالنجدي مثلاً إذا ذهب إلى مكة عن طريق المدينة فإنه يحرم من ذي الحليفة، والشامي إذا جاء إلى نجد ثم مر بقرن المنازل يحرم من قرن المنازل، وهكذا في جميع الجهات ((هن لهن، ولمن مر عليهن من غير أهلهن)) فإذا مر المدني بذي الحليفة ولم يحرم منها وأخر إحرامه إلى الجحفة، خالف الجملة الأولى: ((هن لأهلهن)) لكنه وافق الجملة الأخرى: ((ولمن مر عليهن من غير أهلهن))، فلو أن شخصاً من أهل نجد أراد الحج، وقال: أنا لي حاجة في جدة لمدة أسبوع مثلاً، ويشق علي أن أحرم مروراً بالمدينة، من ذي الحليفة وأمكث بالإحرام أسبوعا، أقضي حاجتي في جدة لمدة أسبوع، وأحرم من قرن المنازل؛ لأنه أقرب من ذي الحليفة إذا قيل له: ارجع؛ لأنه هو من وقت له هذا الميقات: ((هن لأهلهن)) وهو من أهلهن، من أهل قرن المنازل، لكنه مر بالميقات الفرعي الذي مر به، وإن كان في الأصل ليس له، نقول: هذا وافق الجملة الأولى وخالف الجملة الثانية.

في الصورة الأولى فيما إذا جاء النجدي من طريق المدينة وأحرم من ذي الحليفة، وأكمل إحرامه، وذهب إلى مكة من هذا الطريق هذا بالإجماع إحرامه صحيح، ولا يلزمه شيء؛ لكن إذا مر بذي الحليفة، وتجاوزها، ثم أحرم من ميقاته الأصلي، وقد وافق الجملة الأولى وخالف الثانية، هذا محل خلاف بين أهل العلم، عامة أهل العلم يلزمونه بدم؛ لأنه تجاوز الميقات من دون إحرام، ومالك يقول: "ما دام أحرم من ميقاته فلا شيء عليه"، فمثلا لو أن هذا النجدي الذي ذهب إلى مكة عن طريق المدينة تجاوز ذي الحليفة، وقضى حاجته بجدة، مكث أسبوعا ثم أحرم من رابغ- وهو قريب من الجحفة على ما سيأتي-، أحرم من رابغ، هذا وافق الجملتين أو خالف الجملتين؟ هذا خالف الجملتين، فهل يلزمه شيء أو ما يلزمه شيء؟ نعم عند الأربعة يلزمه دم، ومقتضى قول مالك -رحمه الله- قريب من أنه لا يلزمه شيء، وإن كان رجع إلى ميقات ليس بميقاته الأصلي؛ تحديد المواقيت لهذه الجهات إنما هو من أجل التيسير عليهم، لئلا يؤمروا أن يسلكوا طريقاً غير طريقهم، وما دامت المسألة شرعيتها بهذه الكيفية من أجل التيسير، فإذا أحرم من رابغ فالذي يظهر أنه ليس عليه شيء، بناءً على قول مالك، هو تجاوز الميقات على كل حال، وعلى المسألة الأخيرة تجاوز الميقات الذي مر به، وخالف الجميع، فكونه يذهب إلى ميقاته، وهو جور عليه، ورابغ أقرب له، لا شك أن هذا ما صرح به الإمام مالك، لكنه قريب من قوله -رحمه الله-، فلو أعفي الإنسان الذي يفعل مثل هذا، يعني ارتياحاً وميلاً إلى قول مالك -رحمه الله- واستئناساً به لما بعد -إن شاء الله تعالى-؛ لأن هذه  المواقيت إنما حددت لأهل هذه الجهات؛ لئلا يضطروا إلى سلوك طريق غير طريقهم، فإذا كان الطريق جورا عليهم، يذهب إلى السيل أو إلى قرن المنازل ثم يعود ورابغ بجواره وهو ميقات محدد شرعي لا إشكال في إحرامه من الميقات القريب، النص الصحيح ثبت به، فما المانع أن يحرم منه؟ وهذا المتجه -إن شاء الله تعالى-.

قال: "ومن كان منزله دونه" يعني دون المواقيت، جدة مثلاً أو بحرة أو الشرايع، يقول: "من كان منزله دونهن فمهله من أهله" يعني من بيته، "حتى أهل مكة يهلون من مكة" من كان له بيت بعيد وبيت قريب، بيت بالطائف وبيت بالشرايع، وأنشأ الحج في هذه السنة، فهل يحرم من البعيد أو القريب؟ أو نقول: يحرم من البيت الذي هو فيه إذا أراد الانطلاق إلى مكة؟ وكلاهما بيت له على حد سواء؟.

طالب: البيت التي يعقد فيه النية.

هو منشئ النية من الأصل، هو يريد أن يحج هذه السنة.

طالب: المحل الأبعد.

الفقهاء يقولون: الأبعد أحوط؛ لكن نفترض أن عنده زوجتين واحدة بالطائف واحدة بالشرائع، اليوم يريد أن يمشي إلى مكة وهو في نوبة صاحبة الشرائع، نقول: اذهب إلى الطائف وأحرم؟ ومنزله دون الميقات؟

طالب: على قول الإمام مالك يتجه تقريباً.

الثاني.

طالب: لو عملنا بقول الإمام مالك .... أي من البيتين.

وكلاهما دون الميقات، حتى أهل مكة يهلون من مكة، الجمهور على أن أهل مكة يهلون من مكة في الحج خاصة، وأما في العمرة فلا بد أن يخرجوا إلى أدنى الحل، يخرجوا إلى الحل، وعموم اللفظ يشمل الحج والعمرة؛ لكن عامة أهل العلم يرون أنه لا بد في النسك من الجمع بين الحل والحرم، وحينئذ في مسألة في الحج لا بد أن يخرج إلى الحل من أجل عرفة، أما في العمرة فتنتهي جميع أفعالها في الحرم، فلا بد أن يخرج إلى أدنى الحل، وهذا قول عامة أهل العلم، ومنهم من رجح أن العمرة كالحج تدخل في عموم هذا الحديث.

عائشة -رضي الله عنها- لما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أخاها عبد الرحمن أن يعمرها بعد حجها، هل أعمرها من مكانها؟ أو قال: اذهب بها إلى التنعيم؟ قال اذهب بها إلى التنعيم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينتظر منتهي يريد أن يغادر، والصحابة كلهم ينتظرون، فحبسهم من أجلها، هذا دليل على وجوب الخروج إلى الحل، هذا العمرة، أما بالنسبة للحج فلا.

"فذو الحليفة هي أبعد المواقيت بينها وبين مكة عشر مراحل، أو أقل أو أكثر بحسب اختلاف الطرق، فإن منها إلى مكة عدة طرق، وتسمى وادي العقيق، ومسجدها يسمى مسجد الشجرة، وفيها بئر تسميها جهال العامة "بئر علي" لظنهم أن علياً قاتل الجن بها وهو كذب، فإن الجن لم يقاتلهم أحد من الصحابة، وعلي أرفع قدراً من أن يثبت الجن لقتاله، ولا فضيلة لهذا البئر ولا مذمة، ولا يستحب أن يرمي بها حجراً ولا غيره".

هذا الميقات الأول: ذو الحليفة، ميقات أهل المدينة، يقول: "هي أبعد المواقيت" هذا هو الواقع، بعيدة جداً يعني أربعمائة كيلو عن مكة، وهي عشر مراحل، وبقية المواقيت مرحلتان إلا الجحفة أو لا تتجاوز ثلاث مراحل، وسيأتي بيانها، المقصود أنها أبعد المواقيت، وتبعد عن مكةعشر مراحل، أربعمائة كيلو، والمرحلة تقدر بأربعين كيلاً، ومسافة القصر يومان قاصدان، يعني المسألة مطردة؛ لكن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: "أو  أقل أو أكثر" يتجه هذا؛ لأن الطرق كثيرة منها المستقيم الذي هو أقرب طريق يصل بين المكانين أو بين النقطتين كما يقولون، هذا المستقيم أكثر من غيره؛ لكن إذا سلك طريقاً آخر واعتراه في طريقه جبل، ثم تنكب عنه، أو مكاناً وعر لا يمكن المشي فيه، زاد عليه الطريق، وإذا جاء المكان السهل الذي يمكن أن يطرقه سهل عليه الطريق وقصر، ولذا قال أو أقل أو أكثر، وكان الطريق مثلاً من الرياض إلى القصيم عن طريق شقراء خمسمائة كيلو، أو خمسمائة وعشرين، ثم نزل عن طريق السديري إلى أربعمائة وستين، ثم نزل إلى أن صار ثلاثمائة وعشرين أو ثلاثمائة وثلاثين، كل الطرق تؤدي إلى ذلك منها القريب، ومنها البعيد، بحسب اختلاف الطرق، فإن منها إلى مكة عدة طرق، وتسمى وادي العقيق، وتعرف بأبيار علي، "ومسجدها يسمى مسجد الشجرة" لأن هناك الشجرة التي أحرم من عندها النبي -عليه الصلاة والسلام-، في بعض الروايات، أحرم من الوادي، أحرم من المسجد، أحرم حينما استقلت به راحلته، على ما سيأتي عند ذكر هذه روايات.

"وفيها بئر تسميه العامة بئر علي"  وما زالت تسمى بأبيار علي، وهذه التسمية موجودة في كتب أهل العلم، "وفيها بئر تسميه العامة بئر علي؛ لظنهم أن علياً -رضي  الله تعالى عنه وأرضاه- قاتل الجن بها، وهو كذب، فإن الجن لم يقاتلهم أحد من الصحابة، وعلي -رضي الله عنه- أرفع قدراً من أن يثبت الجن لقتاله، إذا كان عمر -رضي الله عنه- إذا قابله الشيطان في فج أو في طريق تنكب عنه إلى طريق آخر، فالجن لا شك أنهم لم يثبتوا لعلي  -رضي الله عنه-، وهو المعروف بالشجاعة، وعلي أرفع قدراً من أن يثبت الجن لقتاله، ولا فضيلة لهذا البئر بل هي بئر تستعمل، يستقى ويتوضأ منها كغيرها من الآبار، لا فضيلة لها ولا مذمة، ليست كبئر الناقة وليست كبئر زمزم، كغيرها من الآبار، لكن مثل هذه البئر إذا اعتقد الناس فيها مثل هذا الاعتقاد وأن لها فضيلة ولها مزية، وعلي قاتل الجن إلى آخره، فإنه ينبغي أن تغيب معالمها، حماية لجناب التوحيد، هذا الأصل تغير معالمها، كما قطعت الشجرة؛ لكن الحاجة قائمة إلى الاستقاء منها، فهل نقول: ينبغي أن تردم، وهل هي موجودة الآن أو غير موجودة؟ يظهر أنها غير موجودة الآن؛ لكنها كانت موجودة في وقت العلماء الذين يسمون الميقات باسمها، وقد وجد من يتبرك بمائها، ووجد من يستشفي به؛ لأن البئر لها شأن فهي بجانب الميقات، وألصق بها ما ألصق من قتال علي للجن بها، فمثل هذه لا بد من تغيير معالمها، وتغيير مكانها، نعم الحاجة داعية إلى الماء، لكن إذا كان وجود الماء يسبب قدحاً في التوحيد، فلا بد من تغيير مكانه وطمس معالمه، وإلا فالناس لا بد لهم من الماء، "ولا يستحب أن يرمي بها حجر ولا غيره"؛ لأن الجهال يفعلون هذا، يفعلون هذا لماذا؟ لأنهم يقتدون بعلي الذي يزعمون أنه قاتل الجن، فيرمون حجراً عله أن يصيب جنياً، فيقتدي بعلي -رضي الله عنه-، والمسألة كلها كذب في كذب.

"وأما الجحفة: فبينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل، وهي قرية كانت قديمة معمورة، وكانت تسمى مهيعة، وهي اليوم خراب؛ ولهذا صار الناس يحرمون قبلها من المكان الذي يسمى رابغاً، وهذا ميقات لمن حج من ناحية المغرب كأهل الشام ومصر وسائر المغرب؛ لكن إذا اجتازوا بالمدينة النبوية كما يفعلونه في هذه الأوقات، أحرموا من ميقات أهل المدينة، فإن هذا هو المستحب لهم بالاتفاق، فإن أخروا الإحرام إلى الجحفة ففيه نزاع".

يقول الميقات الثاني فهو الجحفة، وبينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل، يعني مائة وعشرين كيلاً، وهي قرية كانت قديمة معمورة، يعني على وقت النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يعمرها ويسكنها اليهود، ولذا لما هاجر النبي -عليه الصلاة والسلام- والمدينة موبوءة، دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينقل حماها إلى الجحفة،  وكان يسكنها اليهود وكانت عامرة ثم خربت بعد ذلك فصار الناس يحرمون من رابغ.

يقول: "وهذا الميقات لمن حج من ناحية المغرب كأهل الشام ومصر وسائر المغرب؛ لكن إن اجتازوا بالمدينة النبوية" هذا إذا اجتاز الحاج على ميقات غير ميقاته، وهي المسألة التي قدمناها؛ لكن إذا اجتازوا بالمدينة النبوية، وهذا اسمها المدينة النبوية، وأما تسميتها بالمدينة المنورة، وقد شاع هذا واستفاض، وعرف على ألسنة الناس بحيث لا يعرف غيره فلا أصل له، إنما هي المدينة النبوية نسبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ويميزها هذا الاسم من بين سائر المدن، فإذا قلت: أذهب إلى المدينة فُهم أن المراد المدينة النبوية، فهذا الاسم علم على المدينة النبوية، ولذا يدلس بعضهم إذا أراد أن يبيع بضاعةً قال: هذه بضاعة المدينة؛ لأن فيها ميزة، النعناع مثلاً يحرج عليه ويقول: نعناع المدينة، وهو متميز عن غيره فإذا شم بان، ثم إذا اكتشف قال: يا أخي الرياض مدينة ما كذبت، هذا تدليس قبيح، نسأل الله العافية.

طالب:.........

النبوة نور بلا شك؛ لكن هم يقصدون أن وجود القبر منور لهم، ولا شك أن هذه التسمية في الأصل لا تعرف في عهد السلف؛ لأنها جاءت متأخرة، والتسمية الشرعية أولى بلا شك.

طالب: الميقات الأول يا شيخ، أبيار علي أليس في وادي العقيق.

((صلِ في هذا الوادي المبارك)) نعم كلها منطقة واحدة.

طالب:...........

ما أدري والله لكن تواريخ المدينة تذكر هذا.

يقول: "لكن إذا اجتازوا بالمدينة النبوية" يعني أهل مصر والمغرب" إذا اجتازوا بالمدينة النبوية، كما يفعلونه في هذه الأوقات أحرموا من ميقات أهل المدينة، الحجاج من نجد لا سيما القصيم وما والاها بعد سلوك الطريق الجديد إلى المدينة صار أيسر لهم أن يذهبوا إلى مكة عن طريق المدينة، فإذا اجتازوا بها يعني أهل المغرب ومصر والشام اجتازوا في المدينة كما يفعلونه في هذه الأوقات أحرموا من ميقات أهل المدينة ((هن لأهلهن ولمن مر عليهن)) فهؤلاء مروا على هذا الميقات، فإن هذا هو المستحب، قوله: "هذا هو المستحب" أنه لو أخر الإحرام إلى ميقاته الأصلي وقد مر بميقات شرعي معتبر قبله أنه لا شيء عليه، كما هو قول مالك، فإن هذا هو المستحب له بالاتفاق، يعني القدر المشترك بين الأئمة الأربعة الاستحباب؛ لكن الثلاثة يقولون بالوجوب، ومالك يقول بالاستحباب، القدر المشترك هو الاستحباب بالاتفاق؛ لأنه يجوز له التأخير اتفاقاً، أو مجرد استحباب ولا يلزمه شيء اتفاقاً، لما عرفنا من أن الجمهور على أنه يلزمهم دم.

فإن أخر الإحرام إلى الجحفة ففيه نزاع، وذكرنا هذا النزاع بين الإمام مالك وبين غيره،  إذا أحرموا من غير ميقاتهم الأصلي، يعني رجعوا إلى السيل مثلاً، وأحرموا من قرن المنازل، أو النجدي أحرم من الجحفة، يعني من رابغ، هل يلزمه شيء أو لا يلزمه؟ هذا لا يدخل في مذهب مالك دخولاً واضحاً، وإن كان مما يقتضيه.

طالب:..........

منير بوجوده -عليه الصلاة والسلام- وحياته.

طالب: سمعت بعض المشايخ .... يقول: من زمان وسمعة المدينة المنورة معروفة ولم تنكر.

من زمان، أي زمان؟

طالب: ..... ولم تنكر إلا في هذه الأزمنة.

لكن أي زمان، زمان السلف أو متأخر؟

طالب: لم يرد تاريخ للمدينة النبوية.

لكن النسبة ليس فيها إشكال، المدينة هاجر إليها النبي -عليه الصلاة والسلام- ونسبت إليه، فليس هناك إشكال لا يقتضي تخصيص ولا شيئا آخر.

طالب: .. نور، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين لا يقال أنها نور، احتمال .............

هو نور -عليه الصلاة والسلام- في حياته، ففي حياته لا إشكال في كونه نورا، ولا ينازع في هذا أحد، لكن هم يطردون المسألة فبعض المتصوفة يرى أن القبر يشع نورا، وأن المدينة أنيرت بقبره -عليه الصلاة والسلام-، فمثل هذا حسمه مطلوب.

طالب: المشايخ المتأخرين ذكروا هذه التسمية، هي لم تكون معلومة عند السلف والمتأخرون ذكروها ..........

ما فيها دليل، لا سيما إذا استصحبنا أنها تسمية قد تمس شيئا من جناب التوحيد، والألفاظ المحتملة لها احتمال صحيح واحتمال باطل، وإذا وجد مثل هذا الاحتمال فإنه يجتنب هذا اللفظ.

طالب: السبب التسمية يا شيخ.........

السبب التسمية لكن إذا كان اللفظ محتملاً فأهل العلم لا شك أنهم يوصون بترك مثل هذا اللفظ المحتمل، وهذا يمر كثيراً في كتب العقائد.

طالب: هل يستفاد من قول عائشة أنار فيها كل شيء؟

أنار، طيب في حياته -عليه الصلاة والسلام-؟

طالب:..........

 هذا مقرون بوجوده -عليه الصلاة والسلام-، فالنور مقرون بوجوده، ولا شك في شرفه وفضله -عليه الصلاة والسلام- لكن الألفاظ التي تؤدي أو تخدش جناب التوحيد لا بد من اجتنابها.

"وأما المواقيت الثلاثة فبين كل واحد منها وبين مكة نحو مرحلتين، وليس لأحد أن يجاوز الميقات إذا أراد الحج أو العمرة إلا بإحرام".

لا يجوز له أن يتجاوز الميقات إذا أراد الحج أو العمرة إلا بإحرام، ، لكن إذا تجاوز بنية الرجوع يجوز أو ما يجوز؟ ، أنا لي حاجة في بلد كذا، أقضي هذه الحاجة وأرجع إلى الميقات، ترك الإحرام من الميقات بعد أن مر به مريداً للحج أو العمرة عمداً.

طالب:.........

لكن هل يجوز أن يتركه عمداً؟ وقد أراد الحج أو العمرة ليقضي حاجته، ثم يرجع إلى الميقات نفسه؟ يعني ارتكب المحظور عمداً، تعمد في ارتكابه، أو نقول: ارتكبه لحاجة؟

نعم ارتكبه لحاجة، والحاجة ترفع الإثم وتبقى التبعة، فإما أن يذبح أو يرجع، يعني كما لو احتاج إلى ارتكاب أي محظور، الحاجة ترفع الإثم، كما في حلق الشعر، لكن لما كان الشعر لا يمكن إعادته تعينت الفدية، لكن هذا ممكن تداركه، فمثل هذا يجوز مع الحاجة -إن شاء الله تعالى- على أن يرجع إلى الميقات.

"ممن أراد الحج أو العمرة" دليل على أن الذي لا يريد الحج والعمرة، لا يلزمه الإحرام، وإن كان أكثر أهل العلم على أنه يلزمه، إذا قصد مكة يلزمه أن يحرم، وهذا هو المعروف عند الحنابلة، وغيرهم أنه لا بد أن يحرم، لكن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ممن أراد الحج أو العمرة)) يدل على أنه لا يلزمه إلا إذا كان مريداً للنسك، ولذا قال الشيخ بعد ذلك: "وإن قصد..."

"وإن قصد مكة لتجارة أو لزيارة فينبغي له أن يحرم وفي الوجوب نزاع".

قصد مكة لتجارة أو لزيارة، من قصد مكة لغرض لا يخلو إما أن يكون متكرراً أو غير متكرر، المتكرر كالحطاب مثلاً، يحطب ويعرض ما يبيع في مكة يومياً يلزمه أن يحرم؟ قالوا: مثل هذا لا يلزمه؛ لكن إذا كان لا يتكرر كثيراً، ولا يشق عليه يلزمه الإحرام، لا بد أن يحرم، فيدخل مكة محرماً، وهذا قول كثير من أهل العلم وجوباً عليه، ولذا قال: "وإن قصد مكة لتجارة أو لزيارة فينبغي له أن يحرم" هذا من أجل الخروج من الخلاف، وفي الوجوب نزاع، ولا شك أن الحديث ظاهر في كونه لا يلزمه إلا إذا أراد الحج أو العمرة.

طالب:.........

الآن هو دون الميقات يحرم من بيته.

طالب:.........

ولو كان المقصود أنه يحرم من منزله؛ لأنه دون الميقات، أنت تقول: أنه دون ذي الحليفة وقبل الجحفة؟ يعني دون ذي الحليفة وقبل الجحفة.

طالب: تمشي إلى عند .... في مكة إذا مشيت مئتين وعشرين كيلو تجد لوحة مكتوب عليها محاذاة؟

وهو دون المدينة؟

 ما الحكم؟ الأصل أنه دون الميقات، دون ذي الحليفة، فاللفظ يشمله، يحرم من منزله.

"ومن وافى الميقات في أشهر الحج فهو مخير بين ثلاثة أنواع وهي التي يقال لها: التمتع والإفراد والقران إن شاء أهل بعمرة، فإذا حل منها أهل بالحج، وهو يخص باسم التمتع، وإن شاء أحرم بهما جميعاً أو أحرم بالعمرة، ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف، وهو القران، وهو داخل في اسم التمتع في الكتاب والسنة، وكلام الصحابة، وإن شاء أحرم بالحج مفرداً وهو الإفراد".

يقول -رحمه الله تعالى- ومن وافى الميقات في أشهر الحج، وأشهر الحج شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة، أو ذي الحجة كامل، أو إلى آخر أيام التشريق على خلاف بين أهل العلم، من وافى الميقات في هذه الأشهر فهو مخير بين ثلاثة أنواع، والمقصود بذلك من؟ يعني إن قلنا: عشر ذي الحجة فإنه وإن وافاها في وقت لا يمكن فيه أن يدرك الوقوف، فإنه لا يحرم بحج لا مفرد ولا مجموع، إذا كان بحيث يفوته الوقوف، يعني نفترض أنه وافى ذي الحليفة، وبقي عليه على مكة عشر مراحل، عشرة أيام، وهو في الثالث أو الرابع من ذي الحجة فما تستطيع أن تدرك الوقوف فتحرم بعمرة فقط؛ لكن إذا كان يدرك الوقوف في آخره يفرد، وإذا كان يدرك الوقوف ويدرك قبله أداء عمرة كاملة، يعني جاء وقت العصر مثلاً أو الظهر إلى قرن المنازل، يقول: والله يمديني أطوف وأسعى عمرة، وأتحلل وأذهب إلى عرفة، نقول: إذا كان يدرك الوقوف في وقته الأصلي وهو النهار فلا مانع أن يتمتع، بحيث لو دخل مكة الضحى مثلاً وطاف وسعى وقصر، ثم أحرم بالحج وخرج إلى عرفة يدرك، فلا مانع أن يتمتع، لكن إذا كان لا يدرك الوقوف في وقته الأصلي، يعني غابت عليه الشمس وهو في الميقات، يقول: أنا أستطيع أذهب إلى الحرم وأطوف وأسعى وأقصر وأهل بالحج وأخرج إلى عرفة بعد نهاية الوقوف الأصلي الذي هو النهار، نقول: لا، لا بد أن تفرد، لا يسن في حقك التمتع، ولذا يقول: "ومن وافى الميقات في أشهر الحج فهو مخير بين ثلاثة أنواع، وهي التي يقال لها: التمتع، والإفراد، والقران، إن شاء أهل بعمرة، فإذا حل منها أهل بالحج، وهو يخص باسم التمتع، يعني التمتع الخاص، في الاصطلاح العرفي عند أهل العلم، وإن شاء أحرم بهما جميعاً أو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف، وهو القران، يعني يحرم بهما جمعياً، أو يحرم بعمرة ثم يدخل عليها الحج، يدخل عليها الحج قبل الطواف، يعني لعارض كحيض مثلاً، أو ضيق وقت، فإنه يدخل الحج على العمرة ويصير قارناً، وهو القران وهو داخل في الاسم العام للتمتع،التمتع يعني التوسع بترك أحد السفرين، وهذا شامل للتمتع والقران، الاسم اللغوي يشمل، لكن الاسم العرفي الخاص يخص التمتع بمن يأتي بالعمرة كاملة، ثم يهل بالحج من عامه، هذا التمتع الخاص، والتمتع العام يشمل التمتع الخاص مع القران، ولذا يلزم كل منهما الدم، وقد قيل: بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم قارناً، وأحرم متمتعاً، وأحرم مفرداً، جاءت هذه الأوصاف في إحرامه -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع وكلها صحيحة، فمن قال: متمتعاً أراد التمتع باسمه العام الذي يشمل القران، ومن قال: قارناً، فلا شك أنه القران هو المطابق لفعله -عليه الصلاة والسلام- ومن قال: مفرداً نظر إلى أول الأمر، فقد جاء ما يدل على أنه أحرم مفرداً، ثم قيل له: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: تكون حجة في عمرة، أو حجة وعمرة، فصار قارناً، أو أنه نظر إلى الصورة، نظر من قال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج مفرداً نظر إلى الصورة، صورة حجه -عليه الصلاة والسلام-، والقارن في صورة حجه لا يختلف بشيء عن صورة المفرد.

طالب: القلب من التمتع إلى الإفراد؟

القلب من التمتع إلى الإفراد، يعني أحرم بعمرة، ثم بعد ذلك أراد القلب من الأدنى إلى الأعلى لا يصح؛ لأن هذا يريد الفرار من الهدي، لكن أحياناً قد يفر من التمتع إلى العمرة فقط، ويرجع إلى أهله، مثل هذا إذا قلنا: أن قلب الإحرام من التمتع إلى الإفراد لا يجوز، فماذا عن قلب التمتع إلى العمرة فقط؟ يعني شخص جاء ليحج تمتعاً فلما جاء إلى الميقات أحرم بالعمرة وفي نيته مما لم يلزم به أنه يحج من عامه، لما تحلل ولبس الثياب بعد العمرة أُخبر بخبر يلزم رجوعه بسببه، يقول: والله أديت العمرة، وما أحرمت بالحج ما الذي يلزمني؟ هل يلزم بالحج أو لا يلزم؟ هو ما نطق بشيء، وإنَّما جاء واعتمر عمرة كاملة، وتحلل ومشى، هذا إن كان قصده التخلص من الحج فيعاقب بنقيض قصده، نقول: لا يجوز؛ لكن إذا كان قصده صحيح، ولم يدخل الآن في الحج، ويفعل جميع ما يفعله المتحلل، يطأ زوجته بين النسكين، فما الذي يمنعه من الرجوع لا سيما إذا كان تطوعاً.

طالب: هذا حصل قبل العام، تأخر الإعلان عن الحج، كان بعض الحملات حاجزين على يوم سبعة في الليل صار يوم ثمانية في الليل ووصلوا صباح عرفة فذهبوا مباشرة إلى عرفة، وكان أكثرهم محرم بنية التمتع...

ماذا؟ ما وصلوا إلاَّ متأخرا.

طالب: وصلوا يوم عرفة الصباح، الحجر كان يوم سبعة وتأخر الإعلان، فصارت رحلتهم يوم ثمانية في الليل، الأصل كانت سبعة في الليل فصارت ثمانية في الليل وصلوا صباح عرفة.

لكن متى أحرموا؟ هم أحرموا قبل الإعلان أو بعده؟ هم أحرموا بعد الإعلان.

طالب: أكثرهم أحرم على أساس أنه يتمتع.

هذه نيته من بلده، لكن لما وصل الميقات يعرف أنه يمكنه أو ما يمكنه.

طالب: أكثرهم أحرموا على أنهم متمتعون ثم وصلوا...

لكن ما يعرف أنه ما يتمكن؟

طالب: ....الحملة .... قالوا ما يمكن نروح منى ثم نذهب إلى عرفة ثم عمرة .... ثم عرفة ثم الحج.... وهذه كثير صار.

هذه سببها الجهل، لكن العدول من الأعلى إلى الأدنى لا يجيزه أهل العلم، إلا لحاجة قهرية مثل الحيض مثلاً، يعني التمتع إلى القران بسبب الحيض لا إشكال، لكن شخص أحرم بعمرة لا بد أن يأتي بها، ضاق عليه الوقت يدخل عليه الحج فيصير قارنا، وحينئذ لا ينوي الإفراد، هؤلاء صاروا في حقيقة الأمر قارنين، ويلزمهم الدم؛ لأنهم الآن رفضوا العمرة، والعمرة لا ترفض، لكن يدخلون عليها الحج ما دام الظرف والعذر قائما فيصيرون قارنين فيلزمهم الدم.

يعني مسألة الدم ملازمة لهم، لكن هل يضمن الدم من غرهم كصاحب الحملة مثلاً، هل يلزمه الدم أو لا يلزمه؟ المسألة تحتاج إلى نظر.

طالب: ....قضية الخطوط السعودية.........

لكن هو الذي يوجههم يقول: الآن ما يمديكم تعتمرون.

طالب:.........

على كل حال مسألتهم واضحة كمن جاءها الحيض ولا تتمكن من طواف العمرة إلا بعد فوات الحج، حينئذ تدخل الحج على العمرة فتصير قارنة، وهؤلاء مثلها.

طالب: الذي ما أهدى وقلبها إلى إفراد.

لا ما ينقلب، الإحرام ما يرفض، العمرة ثابتة في حقهم، ودخلت في الحج إلى يوم القيامة، إذاً هم قارنون ويلزمهم الهدي.

طالب: يهدي ولو بعد سنة.

نعم، ولو بعد مدة  ما زال في ذمته

طالب:..........

إذا كان يمكنهم الوقوف في وقته الأصلي، وإلاَّ فأهل العلم يقولون لا يصح التمتع إذا ضاق الوقت، لا بد أن يحرم بالحج، من أهل العلم من يقول هذا، ومنهم من يطلق ولا يحدد بوقت، المهم إمكان الوقوف لكن لا بد من تقييده بوقته الأصلي، لأن الليل ليس بوقت أصلي للوقوف.

طالب: أحسن الله إليك الأنساك الثلاثة عندما حج أبو بكر في السنة التاسعة هل يعرفون التمتع والقران والإفراد؟

قبل حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعرفون الأنساك الثلاثة، ولذلك أحرموا بالحج فأمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجعلوها عمرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم ثم قيل له: صل في هذا الوادي المبارك، فدل على أن الإشكال ما استقر، لكن يشكل على هذا  حديث من أحرم بالجبة متضمخاً بالطيب، فقيل له: ((اصنع في عمرتك ما كنت صانعاً في حجك)) هذا قبل الحج بسنين، فيدل على أن المعالم الكبرى للحج واضحة، وحج النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل الهجرة وبعد الهجرة قبل حجة الوداع، ولما رآه جبير بن مطعم واقفا مع الناس بعرفة استغرب من الحمس ويخرج إلى الحل! هذه قبل حجة الوداع، وهي في الصحيح.

"فصل: في الأفضل من ذلك، فالتحقيق في ذلك أنه يتنوع باختلاف حال الحاج""

فصل في الأفضل من ذلك يعني من الأنواع الثلاثة.

"فالتحقيق في ذلك أنه يتنوع باختلاف حال الحاج، فإن كان يسافر سفرة للعمرة، وللحج سفرة أخرى أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم بها حتى يحج فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة الأربعة".

شخص اعتمر في رمضان ثم رجع إلى أهله فأراد الحج يقول: ما الأفضل في حقي؟ رجع إلى أهله،

الشيخ يقول: "فإن كان يسافر سفرة للعمرة والحج سفرة أخرى، أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج -في رمضان مثلاً- ويعتمر ويقيم بها حتى يحج فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة الأربعة" يعني أراد أن يحج،

 من اعتمر في رمضان، هل نقول: الإفراد أفضل في حقه باتفاق الأئمة الأربعة، أو نقول:

 التمتع أفضل في حقه؟

طالب: إذا رجع إلى أهله التمتع.

يعني كلام شيخ الإسلام يحمل على صورة واحدة.

طالب: اعتمر في أشهر الحج ورجع إلى أهله.

لا حتى هذا لا يعتبر متمتعا، شيخ الإسلام يفترض المسألة في شخص يقول: أنا لن أحج إلا مرة واحدة ولن أعتمر إلا مرة واحدة، هذا كونه يأتي بالعمرة بسفرة والحج في سفرة هذا أفضل باتفاق الأئمة الأربعة، لكن إذا اعتمر بسفرة مستقلة، ثم تيسر له أن يعتمر ويحج معاً هذا لا شك أنه أفضل له، ويكون قول العلماء مطردا في تفضيل التمتع والقران عند بعضهم، وتفضيل الإفراد عند بعضهم؛ لأن الإكثار من النسك من الحج والعمرة لا شك أنه أفضل، وجاء الأمر بالمتابعة ((تابعوا بين الحج والعمرة )) ((والعمرة إلى العمرة)) جاء هذا كله، فكيف يقال له: لا تعتمر أنت اعتمرت في رمضان، الإفراد أفضل لك؟ لا، هذا شخص يقول: أنا لن أعتمر غير عمرة الإسلام وحجة الإسلام، نقول: نعم تعتمر في وقت متقدم ثم بعد ذلك تأتي بالإفراد، وهذا أفضل في حقك من أن تجمعهما بسفرة واحدة.

"والإحرام بالحج قبل أشهره ليس مسنوناً بل مكروه، وإذا فعله فهل يصير محرماً بعمرة أو بحج؟

فيه نزاع، وأما إذا فعل ما يفعله غالب الناس...."

الإحرام بالحج قبل أشهره ليس مسنوناً، بعض الناس يقول: من باب الاحتياط، وما دام حج بعض الصحابة أو أحرم بعض الصحابة من بيت المقدس، وبعضهم من الكوفة مثلاً متعدين أو متقدمين في ذلك على الميقات المكاني، فلا مانع من أن يتقدم الميقات الزماني قياساً عليه، يعني ثبت عن بعض الصحابة أنهم أحرموا قبل الميقات، منهم من أحرم من بيت المقدس، ومنهم من أحرم من البصرة مثلاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وقت المواقيت بأهلها، لأهل الجهات ولمن أتى عليهن، فلا تتعدى، كما وقت عرفة للوقوف، ووقت مزدلفة للمبيت، وهكذا، فالأصل أن لا يتعدى ما حدد، الأمر محدد شرعاً، لا يجوز تعديه، لا في الزمان، ولا في المكان، لكن الصحابة حصل منهم هذا، فدل على أن فيه سعة، ويبقى أن الإحرام من الميقات أفضل؛ لأنه هو التحديد الشرعي والميقات الشرعي، وفعله -عليه الصلاة والسلام- أحرم من الميقات، ما أحرم من بيته لنقول أفضل.

وأما بالنسبة للميقات الزماني فجمع من أهل العلم لا يصححون النسك، إذا أحرم بالحج في رمضان مثلاً، كما لو أحرم بصلاة الظهر قبل الزوال، لا يصح، ومنهم من يقول: ما المانع؟ ما دام الصحابة أحرموا قبل الميقات المكاني إذاً يجوز الإحرام قبل الميقات الزماني، ولا شك أن هذا ليس بمستحب، ولا مطلوب، ولو قيل بعدم صحة الإحرام قبل ميقاته لما بعد، ولذلك قال الله -جل وعلا: ((الحج أشهر معلومات)) البقرة: ١٩٧ (الحج أشهر) هذا أسلوب حصر، فعلى كل حال الإحرام بالميقات قبل مكانه مكروه وخلاف الأولى، وفعله بعض الصحابة، لكن الإحرام قبل الميقات الزماني لا يجوز، ولو بطل الحج بسببه لما بعد.

بالنسبة للإحرام قبل الميقات المكاني، فالذي يسكن المدينة مثلاً، ويريد أن يحج، والميقات عشرة كيلو، يقول: أتنظف وألبس في بيتي، أو مثلاً مطار الرياض يقول: في الطائرة يصعب أغير وأبدل ملابسي، يلبس في بيته أو في المطار لكنه لا ينوي حتى يحاذي الميقات، بعض من يقدم إلى المدينة يحرم من مسجده ثم يدخل المسجد النبوي بإحرامه، وهذا يوقع في إشكال وحرج؛ لأن بعض العامة وبعض الجهال يظنون أن الزيارة تحتاج إلى إحرام، فمثل هذا ينبغي أن يمنع، فلا يدخل المسجد محرماً ؛ لأن هذا يوقع في حرج، ولأن القلوب مشرئبة لمثل هذا، لا سيما من عنده شوب بدعة، فيظن أن الزيارة لا بد لها من إحرام كزيارة البيت، فمثل هذا ينبغي أن يمنع.

"وأما إذا فعل ما يفعله غالب الناس، وهو أن يجمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة، ويقدم مكة في أشهر الحج، وهن شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فهذا إن ساق الهدي فالقران أفضل له".

كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ساق الهدي، ولولا سوق الهدي لكان متمتعاً، كما تمنى ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)) تمنى هذا، وأمر الصحابة أن يجعلوها عمرة، ثم من ساق الهدي الأفضل في حقه القران، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن من ساق الهدي هل يستطيع أن يتمتع ؟

طالب:.........

نعم ولا يبلغ الهدي محله إلا يوم العيد، فهذا يمتنع في حقه التمتع.

طالب:........

لا بد أن يخل بالتمتع، هو في حقيقته قارن ما أحرم مرتين، يعني سواءً قلنا هذا أو هذا، حتى لو قلنا مثلاً بجواز ذبح الهدي قبل وقته، يعتمر ويذبح الهدي ثم يحرم بالحج يجوز أو ما يجوز؟ على قول من يجيز ذبح الهدي قبل وقته، وهذا قول معروفٌ عند بعض أهل العلم تبعاً للقاعدة: (إذا كان للعبادة سبب وجوب ووقت وجوب جاز فعلها بينهما) سبب الوجوب الإحرام بالعمرة مع نية التمتع، المقصود أن على هذا القول وهو قول مرجوح، لا يذبح الهدي إلا في وقت الأضحية، كما هو معلوم ومقرر، وقد ألف في هذا رسائل (القول اليسر في جواز نحر الهدي قبل يوم النحر) كتاب مطبوع من أربعين سنة،

رد عليه: (إيضاح ما توهمه صاحب اليسر في يسره من تجويزه نحر الهدي قبل وقت نحره) كتب معروفة متداولة، المقصود أن القول بجواز نحر الهدي قبل وقته قول مرجوح.

طالب: الإحرام قبل الميقات قيل بمنعه أولى.

نعم لكن فعله الصحابة، لولا فعل الصحابة....

طالب: هي مشكلة يا شيخ في بعض المسائل يقال بالتحريم والمنع مع أن بعض الصحابة فعلها، مثل الأخذ.....

لا، لا، جاء أن ما يدل على أن العمرة من بيت المقدس تعدل كذا.

طالب: صحيح.

محسن عند أهل العلم، لكن اختلفوا في تأويله، يعني عمرة تنشأ من بيت المقدس، ويحرم من الميقات يحمل عليها الحديث، ولو فهم أحد أنه يحرم بها من بيت المقدس الاحتمال واقع، فمثل هذا يوقع في مثل هذا الإشكال.

طالب: الحج أشهر معلومات، هل هو وقت أداء أعمال الحج أو وقت الدخول في الحج؟

الدخول هو الأداء.

طالب: تنتهي بعشر ذو الحجة الأعمال.

نحن قلنا: لا بد أن يقيد بالإمكان وهو الوقوف.

طالب: أعمال ذي الحجة.

الأعمال، بقية أعمال ذي الحجة تنتهي بنهاية أيام التشريق.

طالب: يعني يقال شوال وذو القعدة وثلاث عشرة.

لكن قال به أحد؟ هو قول، على كل حال لكن على خلافه، منهم من يقول: وهم الثلاثة إلى عشر ذي الحجة، ومنهم من يرى أنه إلى آخر ذي الحجة، كقول مالك.

نقف على هذا...

"