كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 43

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعنه" يعني عن صحابي الحديث السابق وهو أبو هريرة "-رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا))" ينشد: يعني يسأل ويرفع صوته في السؤال عنها، الضالة التي ذهبت فلم يدرِ أين توجهت؟ أو غابت عن نظره ولو كانت قريبة منه، فيسأل عنها، هذا في المساجد لا يجوز، بل إذا نشدها وسأل عنها فإنه يقال له معاملة له بنقيض قصده: لا ردها الله عليك؛ لأنه حينما نشدها إنما ينشد ردها إليه، فيقال له: لا ردها الله عليك.

الضالة في الأصل تشمل جميع ما يفقد، ولكنهم خصوها بالدواب التي يمكن أن تذهب عن صاحبها وتضل، أما المفقودات من الجمادات فإنها تسمى لقطة، لكن تسميتها لقطة بالنسبة لواجدها وملتقطها، أما بالنسبة لصاحبها فقد ضلت عنه، وخفيت عليه، فالذي يظهر أن اللفظ شامل لكل مفقود، إلا أنهم خصوا بعض الأشياء بأسماء ببعض أفرادها تخصيصاً عرفياً، فجعلوا الضالة للدواب، وجعلوا المفقود لبني آدم، وجعلوا اللقطة لغيرها من الأموال، وهناك أيضاً اللقيط وهو ما يلتقط هذا ليس بمفقود، إنما وضع عن قصد، فآخذه ملتقط، وهو لقيط، فعيل بمعنى مفعول يعني ملقوط، واللقطة ما يوجد من الأموال مما لا يعرف صاحبه، ولها أحكام سنأتي عليها في بابها -إن شاء الله تعالى-.

((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك)) رجلاً، يعني لو سمعت امرأة ما تقول؟ الحكم واحد، لكن بناءً على أن الغالب غالب من يرتاد المساجد، وغالب من يرفع صوته إنما هم الرجال، من رأى كذا، من وجد كذا، هذا في الغالب في الرجال، لكن لو قدر أن الضالة طفل، وجاء أبوه أو أمه تبحث عنه، هل نقول: لا رده الله عليكِ فإن المساجد لم تبنَ لهذا؟ يمكن نقول؟ أحضرت ولدها أو أحضر ولده أو ابنته إلى المسجد الحرام، ثم بعد ذلك لما التفت إذا به ليس حوله، يميناً شمالاً قام وجرى يميناً وشمالاً ومع الجهات ما وجده، فإذا قال: من رأى الولد أو من وجد الولد أو البنت؟ هل نقول: لا رده الله عليك؟ نعم؟

طالب: ظاهر النص يعني يقال؟

لكن هل الولد يقال له: ضالة؟

طالب: مفقود.

إيه مفقود، هو مفقود، لكن ليس بضالة، الضالة من الدواب.

طالب: أليس هو مما يدب على الأرض لأن البشر يمشي على الأرض؟

إيه لكن ما يقال له: دابة، باعتبار أنه ضل، ضل الطريق يقال له: ضال، ومن الرواة معاوية ابن؟

طالب:.......

لا، يقال له: الضال، معاوية ابن إيش؟

طالب:.......

إيه أبوه ويش اسمه؟ أعرف أنه الضال؟

طالب:.......

أظن اسمه على اسمي، معاوية بن عبد الكريم الضال، وهو ليس ضلال فكر، لا، إنما هو ضل في طريق مكة، فقيل له: الضال، وهذا من الألقاب التي لا تطابق حال الملقب، مثل الضعيف ومثل الطويل، الطويل ليس بطويل بائن، وإنما هو متوسط في مقابل حُميد الثاني القصير، فمعاوية هذا الضال مثله لو أن واحداً فقط ابنه في المسجد الحرام يقال له: ضال، وينشده يبحث عنه، من رأى الولد، من رأى البنت، ضال، بمعنى أنه ضل المكان الذي وجد فيه أبوه، فهل يجوز أن ينشده؟ عموم الحديث يتناوله، لكن هل مثل هذا على عظم المصيبة فيه يدخل فيه مثل هذا؟ يعني أمور الدنيا لا يجوز مزاولتها في المساجد؛ لأنها لم تبنَ لهذا، فلعل المراد بنشدان السلع..، أنت وضعت كتابك في الحلقة حلقة الدرس ورحت تبي تجدد الوضوء يوم جيت ما وجدته، جاء واحد من الإخوان مؤخره عن مكانه وجلس فيه، تقول: من رأى الكتاب؟ من شاف الكتاب؟ وإلا ما تقوله بناءً على هذا الحديث: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة))؟ أو المقصود بالحديث ما يتعلق بأمور الدنيا؟ يعني إذا جيت ما وجدت الكتاب في مكانه وقد يكون عن مترين أو ثلاثة عن مكانه اختفى بين الطلاب الجالسين، ما تسأل عنه؟ نعم؟

طالب:.......

لماذا؟ لأنه ليس من أمور الدنيا، مما يعني على أمر الآخرة، والمساجد بنيت من أجل ما يعين على أمر الآخرة.

((لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبنَ لهذا)) طيب أقيمت الصلاة وفقد المحرم رداءه، وقد أمر بستر منكبه يسأل عن هذا الرداء وإلا ما يسأل؟ من أجل أن يستر المنكب، لا من أجل أنه مال يخشى أن..؛ لئلا يذهب فيشتري غيره يسأل وإلا ما يسأل؟ من أجل إيش؟ لأنه يعين على أمر من أمور الآخرة وهو الصلاة، طيب المساجد لم تبنَ لهذا إنما بنيت لذكر الله وإقام الصلاة وذكر الله، ومضى شيء مما كان يزاول في المساجد من تعليم وإفتاء وقضاء، كل هذه كانت تزاول في المسجد إلى وقت قريب، العلماء يقضون في المسجد، ويفتون في المسجد، وينظمون أمور الدين في المسجد، وكان المسجد منطلقاً لكل أمر من أمور المسلمين حتى أن بعث السرايا والجيوش وعقد الألوية إنما يكون في المسجد، يأتي بعض الأعمال التي لا يجوز مزاولتها في المسجد، الآن المسجد لا يؤدي الرسالة كاملة التي كانت تؤدى فيها قبل، أحياناً بعض المساجد أو جميع المساجد تغلق بعد الصلاة، من أراد أن يجلس في المسجد ليقرأ أو يذكر أو يصلي أو ينتظر ارتفاع الشمس قد يُخرج من المسجد؛ لأن هناك أمر يقضي بإغلاق المساجد بعد الصلوات، ويعاني بعض من اعتاد الجلوس في المساجد بعد صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس يعاني في بعض البلدان، يعني في بلده في مسجده الأمر معتاد ومعروف ويجلس، لكن في غير بلده، يعني مراراً نتعرض إلى بعض الإحراجات من خدم المساجد، هم مؤتمنون ومأمورون بإغلاق المساجد، ولا شك أن هذا خلاف ما جاء به الشرع من الحث على البقاء والمكث في المسجد إلى أن تنتشر الشمس، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، لكن يبقى أن هذا النظام وهذا الأمر مبني على مصالح ودرء مفاسد، ووجد من يتسبب لمثل هذا الأمر، أسيء إلى المساجد، أسيء إلى المصاحف، سُرقت بعض محتويات المساجد، كُتب على حيطان المساجد كتابات بذيئة قبيحة شنيعة، مما جعل المسئولين عن المساجد يصدرون مثل هذا الأمر، فهذا الأمر له ما يبرره، فلا يلامون إذا فعلوا مثل هذا، لكن ينبغي أن يُنزل الناس منازلهم، وينبغي أن يولى أمور المساجد من يحسن التعامل مع الناس، يعني واحد من طلاب العلم جلس بعد صلاة الجمعة يقرأ في المسجد، فجاءه العامل فما امتثل، فجاء له بشرطي وأخرجه من المسجد، وعامل المسجد من شرق آسيا لا يحسن من العربية شيء، يتعرض لشيخ يُخرجه بالقوة من المسجد؛ لماذا؟ لأن عنده أمر، وهو مؤتمن على هذا، لكن يبقى أن الذي أصدر الأمر لا بد أن يوجد مخارج لمثل هذه التصرفات، يعني إذا وجد إنسان بالفعل يعني جالس يتعبد هذا ما يمكن أن يخرج من المسجد، ولا بد أن يوجد للأبواب أغلاق يمكن أن تقفل من الداخل ومن الخارج، ويكون المسجد على مسئولية هذا الشخص الذي أراد أن يجلس، أو يجعل العامل أيضاً من وظيفته أن يحرس مثل هذا الداخل في المسجد أثناء بقاء مثل هذا، يعني يكون فيه فسحة، يقال: بعد صلاة الصبح انتظر ساعة حتى تنتشر الشمس، الآن وفي المسجد الحرام إذا بدأ الناس يقرءون ويذكرون الله وقبل أن تطلع الشمس يجيك من يضف الفرشات، طيب انتظر ساعة إلى أن يخرج الناس، ويش المانع؟ العامل ويش له من الشغل غير هذا؟ ينتظر زيادة ساعة، بدل ما تضف الساعة سبع، والسنة انتشار الشمس سبع وربع ينتظر إلى ثمان، المسألة مسألة دوام، وهو مربوط منوط بهذا العمل، لكن كثير من عمال المساجد يريد أن يتخلص من المسجد، يغلق المسجد وأنوار المسجد يروح يذهب يغسل سيارات، فالأمور لا بد أن تدرس من جميع الجهات، يعني الأمر له ما يبرره، الأمر بإغلاق المساجد له ما يبرره، ووجد تصرفات إساءة إلى المسجد، إساءة إلى القرآن، إساءة إلى الذات الإلهية، كتب في محراب المسجد أشياء، ووضع فيه أشياء، ووضع في المصاحف نجاسات، هذه تبرر الأمر بإغلاق المساجد، لكن يبقى أن الأمور تقدر بقدرها، يعني يأتي شخص عُرف من عادته أنه يجلس يومياً إلى أن تنتشر الشمس ثم يُخرج! هذا ليس له ما يبرره، لكن لا بد أن يوجد وسيلة تحفظ المسجد، وتحفظ لهذا أيضاً ما كان مراعياً له ومحافظاً عليه.

قال -رحمه الله-: "وعن بريدة -رضي الله عنه- أن رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له)) رواه مسلم، ورواه النسائي متصلاً مرسلاً".

"وعن بريدة -رضي الله عنه- أن رجلاً نشد في المسجد" يعني رفع صوته، أصل النشيد رفع الصوت "رفع صوته في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟" هذا هو صاحب الجمل أو الذي وجده؟ يعني من خلال العبارة "من دعا إلى الجمل الأحمر"؟ كأن هذا هو الذي وجد الجمل الأحمر، أو عنده خبر عن مكانه، أليس اللفظ يدل على هذا؟ "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت))" يعني ما معنى قوله: "من دعا إلى الجمل الأحمر؟" نعم؟

طالب:.......

هو يمكن أن تأتي العبارة متسقة إذا جعلنا واجد الجمل دعا صاحبه أين صاحب الجمل الأحمر؟ ثم جاء بعد ذلك صاحبه يعني ما سمع الكلام، إنما بُلّغ أن في واحد وجد جمل أحمر، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر بمعنى أنه وجده، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت)) يعني ترتيب الجمل إذا قلنا: إن صاحب الجمل الذي أضاعه وضل عنه جمله دعا إلى الجمل، أو دعا إلى معرفة مكان وجوده، لا بد من تقدير، أو نقول: إن الذي وجده أو وجد خبر عنه دعا صاحبه ليخبره عن مكان وجوده فأخبر صاحبه فقال: "من دعا إلى الجمل الأحمر" يعني إلى معرفة مكان وجوده؛ لأنه يعرف مكان وجوده فأنا صاحبه، على كل حال العبارة يعني ما يلزم أن تكون بلفظها، لكن هذا مفادها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت)) لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يخاطب صاحب الجمل، ((لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له)) يعني من إقام الصلاة، وذكر الله، والاعتكاف، والعلم والتعليم، والذكر وما أشبه ذلك.

رواه مسلم، ورواه النسائي متصلاً مرسلاً.

طالب:.......

متصلاً ومرسلاً عندك؟

طالب:.......

وهذا أولى؛ لأنه ما يجي، تناقض الاتصال مع الإرسال تضاد، ومن..، إيش يقول العراقي:

ومن يقابله بذي الإرسال..، يعني الاتصال، فقد عنا به يعني المسند، أسنده فلان، وأرسله فلان.

ومن يقابله بذي الإرسالِ
 

 

فقد عنى بذاك ذا اتصالِ

المقصود أن العبارة هنا: "ورواه النسائي متصلاً مرسلاً" فيه شيء من التضاد وإلا إذا قيل: متصلاً ومرسلاً، يعني رواه من طريقين طريق متصل وطريق مرسل هذا ما فيه إشكال، وعلى كل حال الحديث في صحيح مسلم، ولا كلام.

قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع))".

أولاً: في الحديث السابق "إلى الجمل الأحمر" الجمل الأحمر ما لونه؟ هل لونه مثل الفرش أو مثل كرتون المناديل أو مثل الشماغ؟ نعم؟ يعني مثل ما قلنا في: {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] لو أقسم شخص صاحب إبل منذ سبعين سنة يقول: ما رأيت جمل أصفر، ويريد بذلك الحقيقة العرفية للون ما قلنا: إن هذا مكذب للقرآن، ولو قال: أنا ما رأيت جمل أحمر بناءً على أن الأحمر مثل لون الدم، ومثل لون الفرش، ومثل لون المناديل، ما يقال: إنك عارضت ما جاء في الحديث؛ لأن هذه حقائق عرفية تتفاوت من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ولون واحد تغير خلال ثلاثين سنة تغير يمكن ثلاث أو أربع مرات، لون كان يسمى قرمزي، كنا نظنها تسمية محلية عامية فمرت بنا في تفسير القرطبي قرمزي، ثم صار بنفسجي، وواحد يقول: عنابي، وواحد يقول موف، وواحد يقول..، يعني المسألة الألوان عرفية، وتغيرها من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان هذا يخضع للعرف يعني ما يتعارف عليه الناس، فلو قال: أنا والله ما شفت جمل أحمر، طيب، وواحد يقول: شفت جمل بيج، يعني كبار السن يضحكون عليه، نعم لا سيما إذا كان لهم يد في الإبل ورعايتها وامتلاكها، فهنا يقول: الجمل الأحمر، وفي الآية {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] الألوان لا سيما في المواشي تختلف حقائقها عن حقائق الألوان في الأمور الأخرى، نعم؟

طالب:.......

لا هو في الأصل أمر دنيوي، يستطيع أن يبيعه، ويستطيع أن يذبحه ويأكل لحمه، وهذا الأصل فيه، يعني الإفادة منه في أمور... طارئة ما هو الأصل.

يقول: بعض الطلاب في الدرس يُغلق بسيارته على رجل فيأتي صاحب السيارة للمسجد يسأل: من أغلق علي سيارته هل يقال بهذا: لا وجدت؟

لا، لا لا، هذا لا يبحث عن السيارة، السيارة موجودة، هو لا يبحث عن السيارة إنما يبحث عن شخص أغلق عليه.

طالب:.......

لا، لا الأمر يختلف.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك))" الأول صاحب الضالة يريد أن ترد عليه ضالته، فيقال له: ((لا رد الله عليك ضالتك)) ((لا وجدت)) وهذا يريد البائع والمشتري يريدان الربح من وراء هذه السلع.

((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع)) يعني يشتري ((في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك)) يعني دعاءً عليه بنقيض قصده؛ لأنه إنما باع أو ابتاع إنما يطلب الرزق ويطلب الربح، فيدعى عليه بنقيض قصده؛ لأنه استعمل المسجد في غير ما بني له.

((لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة، فقولوا: لا رد الله عليك)) ((لا رد الله عليك)) وفي هذا دليل على تحريم البيع والشراء وتحريم نشدان الضالة في المسجد، وإذا حصل البيع والشراء في المسجد فإن العقد صحيح وإلا باطل؟ النهي هنا يقتضي البطلان وإلا لا؟ نعم قيل به، وهو عند الحنابلة كذلك البيع غير صحيح، وغيرهم يقول: إن النهي يعود إلى أمر خارج عن ذات العقد وشرطه وركنه، فيبقى البيع صحيحاً مع التحريم، يكون العقد صحيح مع التحريم، وفي حكم البيع الإجارة وجميع عقود المعاوضات.

يسأل كثيراً عن المعتكف، المعتكف قد يحتاج إلى طعام فيتصل بصاحب مطعم ويطلب منه طعاماً، معلوم أنه إنما يطلبه بالبيع، لكنه لا يتفق معه على قيمة، وإذا جاء به ومعه الفاتورة دفع الثمن، يقول: هذا بيع لا يجوز وإلا ليس ببيع؟ يعني المعاطاة أعطاه السلعة وأخذ الثمن، هذا بيع وإلا ليس ببيع؟ بيع، فماذا يصنع إذا لم يوجد من يخدمه؟ نقول: يباح له أن يخرج من المسجد وهذه حاجة أصلية تبيح له الخروج، ويتصل بصاحب المطعم ويتفق معه خارج المسجد، يبرم العقد خارج المسجد، ثم يعود إلى معتكفه، كما يجوز له أن يخرج، أن يأكل إذا منع من دخول الطعام إلى المسجد، ويجوز له أن يخرج لما لا بد منه للإنسان وهذا منه، لكن لا يبرم العقد مع المطعم داخل المسجد، ولو لم يحصل بيع وشراء واتفاق هذا معروف، بيع وشراء بالمعاطاة، لا يلزم فيه اللفظ، هو داخل في مسمى البيع.

الصرف حكمه حكم البيع، إذا وجد سائل في المسجد وأردت أن تعطيه شيئاً يسيراً وجدت في جيبك مائة ريال وأنت تريد أن تعطيه عشرة، فتقول: خذ المائة وأعطني تسعين، هذا ويش يصير؟ نعم؟ لا إن قلت له: خذ المائة وأعطني مائة عشرات هذا صرف بلا إشكال، إذا أعطيته المائة الكاملة وأعطاك عشرات مائة، ثم دفعت له عشرة هذا صرف لا يجوز، لكن إذا دفعت له المائة ورد عليك القدر الزائد التسعين هذا بيع وإلا ليس ببيع؟ صرف وإلا ليس بصرف؟ هذا ليس بصرف فلا يظهر فيه ما يمنع -إن شاء الله تعالى-، لكن إذا قلت: هذه مائة أعطني مائة عشرات، هذا صرف لا يجوز في المسجد.

"رواه النسائي في اليوم والليلة، والترمذي وقال: حسن غريب" وعلى كل حال له طرق يثبت بمجموعها.

قال -رحمه الله تعالى-:

"وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المساجد ولا يستقاد فيها)) رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده انقطاع".

"وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المساجد))" إقامة الحدود من أعظم الواجبات الشرعية المنوطة بالإمام، وتعطيلها من عظائم الأمور، فهل تقام باعتبارها مطلباً شرعياً في المسجد أو لا؟ قال في الحديث: ((لا تقام الحدود في المساجد)) لأنه لا يؤمن من المحدود أن يلوث المسجد، وأيضاً يحصل من التصرفات في أثناء إقامة الحد ما لا يليق بالمسجد، فلا تقام فيه الحدود ((ولا يستقاد فيها)) لا في النفس ولا في الطرف، لا يقتل القاتل في المسجد لا يستقاد فيه، لا بالنفس الكاملة بقتله، ولا في الطرف في القصاص فيما دون النفس، ولا في الحدود التي تقتضي تلويثاً للمسجد كالقتل والرجم وقطع اليد وما أشبه ذلك.

قد يقول قائل: في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، والحديث في الصحيحين، قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، قال: ((اقتلوه)) وإذا جاز هذا في المسجد الحرام يجوز في مثله أو لا يجوز؟ يجوز في غيره وإلا ما يجوز من المساجد؟

طالب: هذا ما هو حد؟

هاه؟

طالب: على حد؟

حد ردة إيه.

طالب: هذا رجل كافر هذا.

حد ردة، هو مرتد، نعم؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

إيش؟

طالب:.......

يعني أحلت له ساعة من نهار، يعني هو في هذه الساعة التي أحلت له كغيره من البلدان التي لم تحرم عليه، مكة حرام بحرمة الله إلى قيام الساعة، أحلت للنبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الساعة فصارت كغيرها من البلدان التي يجوز فيها القتال المشروع، الآن فيه معارضة بين حديثنا وبين حديث قتل النبي -عليه الصلاة والسلام- لابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة؟

طالب:.......

فيه تعارض وإلا ما فيه؟

طالب: فيه تعارض، وأيضاً الرسول أطلق "من وجد" ما قال: هذه الساعة التي أحلت له "من وجد" هذا مطلق، من وجد اليوم بكرة بعد بكرة.

لا، لا هو في الساعة التي أبيحت له ((وإنما أحلت لي ساعة من نهار)).

طالب:.......

إيه.

طالب:.......

طيب لو أن محدثاً قتل وأوى إلى المسجد، واعتصم به، وأغلق الأبواب عليه، ولم يستطع الدخول عليه، ماذا يصنع به؟ هاه؟

طالب:.......

يعني يهدم المسجد عليه؟

طالب:.......

لا، هو أغلق الأبواب ما يستطيع أحد يدخل عليه.

طالب: يُضرب هو.

من يضرب؟

طالب: يضرب هذا المعتصم بالمسجد.

يضرب بإيش؟

طالب:.......

ما يمكن، مسجد مغلق، وهو جالس بالقبو، قبو المسجد.

طالب:.......

هو يضيق عليه، يعني إقامة الحدود في مكة الخلاف فيها بين أهل العلم من يرى أن من ارتكب الحد في مكة يقام عليه في مكة، ومن ارتكب الحد خارج مكة يضيق عليه حتى يخرج، ومنهم من يقول: يضيق عليه فلا يمكن من الأكل والشرب حتى يخرج من مكة فيقام عليه الحد، لكن عندنا مسجد ليس في مكة، واعتصم به من يخشى شره، وافترض أنه جالس في المسجد بجوار نافذة ومعه آلة يصطاد بها من مر مثلاً، يترك هذا؟ ما يترك، مثل هذا ما يترك؛ لأن ضرره متعدٍ، لكن لو قدر أنه زبن المسجد وقفل عليه الأبواب وجلس ينتظر الناس ينصرفون، مثل هذا يترك يضيق عليه حتى يخرج، وإن أمكن دخول المسجد وإخراجه منه هذا هو الأصل، لكن إذا لم يمكن إلا بهدم المسجد مثلاً، إذا كان يخشى أن يتعدى شره وضرره إلى آخرين، هذا لا بد من مباغتته، لا بد من مهاجمته، ومعلوم أن إزهاق نفس عند الله أمرها عظيم، أشد من هدم الكعبة، إزهاق نفس مسلمة، فمثل هذا لا مانع من أن يقتحم المسجد ولو أدى إلى هدم جزء منه ليتمكن منه، وما عدا ذلك تحفظ حرمة المساجد عن أن تلوث أو تصاب بشيء من الأذى، أو يتصرف فيها تصرفات لا تليق بالمسجد.

"رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده انقطاع" وله شواهد ذكرها المخرج، وصّلها به إلى الصحيح لغيره.

بعد هذا قال -رحمه الله تعالى-:

"وعن مبارك بن فضالة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟)) فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة خبز بين يدي عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه" رواه أبو داود، ومبارك وثقه ابن معين في رواية، وقال النسائي: ضعيف" فالخبر مضعف بمبارك بن فضالة الراوي، ووثقه ابن معين في رواية، لكن في روايات أخرى لينه.

المؤلف -رحمه الله تعالى- حينما أورد هذا الحديث في هذا الباب ليبين أن الصدقة في المسجد، السؤال في المسجد، ثم الصدقة على السائل كلها مما يباح.

"((هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟)) فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا أنا بسائل" وما أكثر من يسأل في المساجد، ويشغلون المصلين عن الأذكار، مجرد ما يسلم الإمام يقوم السائل ويتكلم بكلام طويل، وبعضهم من كثرة ما سأل تعود الخطابة في هذا الباب، يتكلم بكلام طويل، ويورد نصوص وأدلة ويشغل المصلين.

((هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً)) لكن لو أن مسكيناً جلس عند باب المسجد لتعرف حاله، وتصدق الناس عليه، هذا لا إشكال فيه، حصل في عهده -عليه الصلاة والسلام- أنهم تصدقوا على السائل في المسجد، لكن لم يسأل صراحة، وإنما جلس في مكان بحيث يعرف وضعه وحاجته فيتصدق عليه، لكن من قام ليسأل، بعد أن سلم الإمام قام، وذكر أن عليه دية أو ديات، والمعلوم أن الدية على العاقلة ليست عليه، ومع ذلك يشغل المصلين عن أذكارهم، وإذا كان الذي يسأل عن حق له ضل عنه يرد عليه بـ(لا وجدت) أو (لا رد الله عليك ضالتك) فكيف بمن يسأل شيئاً ليس له في الأصل وإنما يسأل من أموال الناس؟! فرق بين هذا وهذا، وبعض الناس يغلظ على مثل هؤلاء ويمنعهم، ويشدد عليهم، وكلٌ مطالب بما يخصه من خطاب الشرع، يعني هذا السائل لا يجوز له أن يقاطع الناس ويشوش على الناس في أذكارهم، ويؤذيهم في مثل هذا، وبعض الذين قد فاتهم شيء من الصلاة يتشوش عليهم ما يريدون قضاءه من صلاتهم، وأيضاً غير هذا السائل مطالب بقوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] يعني يمكن أن يوجه ويعلم برفق، بدون نهر وبدون إغلاظ في القول إنما يوجه، يقال له: لو جلست عند الباب، لو فعلت كذا، لو انتظرت قليلاً حتى ينتهي الناس، المقصود أنه بدون نهر، ويحصل من بعض الأئمة أو من بعض المصلين وهذا من باب الغيرة لا نحسبهم إلا كذلك، لكن يبقى أن عندنا نصوص تحكم تصرفاتنا، فهذا السائل له ما يخصه، وغيره ممن أراد أن ينكر عليه أيضاً له ما يخصه.

"دخلت المسجد" والحديث ضعيف كما عرفنا، مضعف بمبارك بن فضالة "فقال أبو بكر: "دخلت المسجد فإذا أنا بسائل، فوجدت كسرة خبز بين يدي عبد الرحمن" عبد الرحمن بن أبي بكر، كسرة خبز في المسجد وإلا في البيت؟ يعني كأنه رجع إلى بيته فوجد كسرة بين يدي عبد الرحمن فأخذها فدفعها إلى السائل؛ لأن بيت أبي بكر على المسجد، خوخته تفتح على المسجد، فهو ملاصق للمسجد، ويحتمل أن تكون هذه الكسرة أيضاً بين يدي عبد الرحمن في المسجد، المقصود أن المؤلف أورد هذا الحديث ليبين أن السؤال والصدقة على السائل في المسجد لا شيء فيه، والحديث فيه ما فيه.

قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أصيب سعد" سعد بن معاذ، سيد من سادات الأنصار "أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل" وهو عرق في اليد، أصيب، قطع هذا العرق "فضرب عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيمة في المسجد ليعوده من قريب" كأن بيت سعد بعيد عن المسجد فضرب له خيمة في المسجد؛ ليعوده النبي -عليه الصلاة والسلام- من قرب "فلم يرعهم وفي المسجد معه خيمة من بني غفار" قوم من الغفاريين "فلم يرعهم... إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟" القوم من بني غفار في خيمتهم، في خيمة مستقلة عن خيمة سعد، فجرى الدم من عرق سعد ومضى إلى خيمة بني غفار، فكلموا من في خيمة سعد، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ دم هذا، هل هذا قتيل؟ أم ماذا؟ هذا يورث سؤال من أين هذا الدم؟ "فإذا سعد يغذ جرحه دماً" يعني يسيل جرحه دماً "فمات فيها" مات في هذه الجرحة -رضي الله عنه وأرضاه- في غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة.

والمؤلف -رحمه الله تعالى- إنما ساق هذا الحديث ليبين أنه لا مانع من اتخاذ مكان خاص في المسجد للحاجة عندما تدعو إليه الحاجة، لو قال قائل: هذه الغرفة وهذه الغرفة ما الداعي...؟ وجودها يعني شرعي وإلا غير شرعي في المسجد؟ غرفة عن اليمين وغرفة عن الشمال، هل يجوز اتخاذ غرف أو خيام في المسجد؟ نقول: نعم للحاجة لا بأس إذا لم تضيق على المصلين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- اعتكف واحتجر حجيرة، اتخذ مكان يعتكف فيه، ويخلو فيه عن الناس، فلا مانع من وجوده، وجود هذا المكان المخصص لهذا المريض، أو لهذا المعتكف، أو لهؤلاء الغرباء، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ولم يضيق على المصلين؛ لأن المصلين أولى بالمسجد من غيرهم.

تجدون في المساجد التي بنيت حديثاً غرف كثيرة موضوعة لاحتياجات من يقومون على المسجد، أو لاحتياجات المصلين، أو لاحتياجات طلاب العلم الذين يحضرون الدروس في المسجد، أو ما أشبه ذلك، تجد في المسجد مكتبة، وتجد فيه غرفة للاعتكاف، وتجد فيه غرفة يأوي إليها الإمام إذا جاء قبل الصلاة، وما أشبه ذلك، وغرفة مكتب إداري، وهذا موجود في بعض المساجد؛ لإدارة حلقات التحفيظ، والإشراف على الدروس وحلق العلم، كل هذه إذا دعت إليها الحاجة ولم تسبب ضيقاً أو تضييقاً على المصلين فإنها حينئذٍ لا بأس بها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجر حجيرة للاعتكاف، واتخذ نساؤه الخيام والأخبية في المسجد من أجل الاعتكاف، وضرب النبي -عليه الصلاة والسلام- خيمة في المسجد ليعود سعداً من قريب، وفي المسجد أيضاً خيمة لأناس غرباء من بني غفار لا مأوى لهم اتخذوا خيمة، وبعض الناس يأتي غريب يجاور في مسجد لا يتعداه، وهذا موجود في بعض الأماكن المجاورة في مسجد من مساجد، لا سيما إذا كان في هذا المسجد من يعينه على العبادة، يعينه على تحصيل العلم، يعنيه على..، موجود في كثير من المساجد، وهو في الحرمين أظهر.

"فلم يرعهم... إلا والدم يسيل" وقوله: "وفي المسجد معه خيمة من بني غفار" جملة معترضة "فلم يرعهم... إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟" ما هذا الدم الذي وصلنا من قبلكم؟ "فإذا سعد يسيل جرحه دماً، فمات" فمات بسبب ذلك -رضي الله عنه وأرضاه- "متفق عليه، واللفظ لمسلم".

قال -رحمه الله تعالى-:

"وعنها" يعني عن عائشة "-رضي الله عنها-" صحابية أو راوية الحديث السابق "قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر -رضي الله عنه-، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((دعهم، أمناً بني أرفدة)) يعني من الأمن، متفق عليه، واللفظ للبخاري".

قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة" وعائشة -رضي الله عنها- حديثة السن، صغيرة، يسرها أن تنظر إلى مثل هذا، كما يصحب الإنسان أولاده الصغار وبناته، ويذهب بهم إلى أماكن الملاعب والملاهي المباحة التي لا يصل بها الحد إلى المحظور، لا سيما في أيام الفرح في الأعياد، ففي ديننا في مثل هذه الظروف فسحة ولله الحمد، فعائشة صبية حدثة السن، يسترها النبي -عليه الصلاة والسلام- لترى ولا تُرى، يعني فرق بين أن ترى وبين أن ترى، فرؤية المرأة للرجال على سبيل العموم لا على سبيل التحديد في شخص بعينه لا مانع منه، كما تنظر إليهم إذا خرجوا من المسجد، أو تنظر إلى جماعة المصلين لا مانع، لكن لا يجوز للمرأة أن تحدد في رجل بعينه، بل حينئذٍ يجب عليها أن تغض البصر عنه، فقد أمرت النساء كما أمر الرجال، أمر المؤمنات كما أمر المؤمنين بغض البصر، وفرق بين أن ينظر إلى العموم، وبين أن ينظر إلى شخص على وجه الخصوص، هي تنظر إليهم، تنظر إلى المجموع، وتنظر إليهم أثناء اللعب، ويلعبون في المسجد، وفي بعض الروايات: بالحراب، بما يعين على الجهاد، وليس هذا من باب العبث واللعب الذي لا فائدة فيه؛ لئلا يقول قائل: ما دام هؤلاء الحبشة يلعبون في المسجد؛ لماذا لا يصير المسجد ملعب للأطفال؟ الآن المسجد مغلق إذا كان المسجد بجوار مدرسة، والمدرسة ليس فيها فناء، والمسجد مغلق خمس ساعات متوالية؛ لماذا لا يلعب هؤلاء الطلاب في المسجد في حصة الرياضة؟ نقول: مثل هذا اللعب الذي في المسجد إنما هو مما يعين على الجهاد، والأمور بمقاصدها، والوسائل لها أحكام المقاصد، أما لعب وعبث لا فائدة منه ولا فيه فإن المسلم في الأصل لا يركن إليه ولا يزاوله، الأصل في حياة المسلم الجد، وأن ينشغل بتحقيق ما خلق له من الهدف العظيم، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك ينشغل بما يعين على تحقيق الهدف، فاللعب بالحراب مما يعين على ما أمر به من جهاد، ومن باب العبودية لله -جل وعلا-، أما العبث واللهو الذي يجر إلى أمور ممنوعة محرمة تنظرون أنتم من يزاول هذه الألعاب ماذا تجر عليهم من البغضاء والشحناء، وتصد عن ذكر الله، وأحياناً عن الصلاة، فهذه العلل الموجودة في كثير من الألعاب التي تزاول الآن هي علل تحريم الخمر والميسر، فرق بين أن يلعب الشباب أو يلعب من يريد الرياضة بألعاب تعينه على تحقيق ما خلق من أجله، وبين ألعاب تبعده عما خلق من أجله.

يعني متى سمعنا شباب يلعبون في حي من الأحياء بكرة مثلاً وانتهوا من اللعب فأخذوا كتاب يتدارسونه بينهم؟ يقولون: نحن نستجم باللعب، يستجمون باللعب، هذا استجمام؟! شوف الآثار المترتبة على هذه الألعاب وانظر تعرف حكمها بدقة، ولا يستدل بمثل هذا الحديث وهم يلعبون في المسجد، وعمر على طريقته وما جبل عليه من حزم وعزم، يعني مثلما مر في إنكاره على حسان إنشاد الشعر، زجرهم عمر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((دعهم)) يعني يا عمر ((أمناً بني أرفدة)) يعني أنتم آمنون من سطوة عمر، ومما تخافونه وتخشونه من شدة عمر وقوة عمر في الحق، فاستمروا يلعبون، ويوجد الآن ألعاب في أوقات المناسبات في الأعياد في غيرها، ولا مانع منها إذا كانت في حدود المباح، لكن أن يتجاوز ذلك إلى أمور محظورة، وتصرفات يتقطع القلب لها أسى، ويقال: ليعلم يهود أن في ديننا فسحة! نحن لا نغيظ اليهود بمثل هذه التصرفات التي فيها المباح والحرام، إنما نغيظهم إذا امتثلنا ما أمرنا به، واجتنبنا عما نهينا عنه، أما أن نرتكب المحظور فإننا نفرحهم بذلك، ومن رائهم الشيطان، ومطلوب إغاظة الشيطان، وإغاظة اليهود، وإغاظة الأعداء، والشيطان لا يغيظه أن نرتكب المحرمات، كما أن من ورائه اليهود وغيرهم من طوائف الكفر لا يغيظهم أننا نرتكب محرمات، بل يفرحون بذلك؛ لأن ارتكابنا للمحرمات من أعظم ما يعينهم علينا، ويضعفنا أمامهم، يعني إذا كان اللعب بالحراب في يوم العيد ليعلم اليهود مثلاً أن في ديننا فسحة لمثل هذه التصرفات وهذا اللعب المباح، لكن لا يعني أننا نتمادى في مثل هذا حتى نتجاوز المباح إلى الحرام.

قال -رحمه الله-...

يعني المؤلف لما ساق حديث عائشة السابق ليبين أن اللعب المباح بحدود المباح لا يتجاوزه إذا كان الهدف منه الاستجمام والإعانة على الطاعة لا بأس به، لكن مع الأسف أن بعض المشرفين على الشباب يتجاوزون، وسئلنا مراراً من قبل بعض المشرفين يقول: عندنا شباب صغار يعتكفون في العشر الأواخر، ويحتاجون إلى شيء من الترويح؛ لأن الوقت كله صلاة وتهجد وقراءة قرآن وذكر، وهؤلاء الشباب الصغار ما يتحملون كل هذا، ويريدون أن يدخلوا لهم أجهزة كمبيوترات وألعاب وأشياء، لكن هل هذه مما يستعان بها على الطاعة؟ يعني إذا كانت هذه الأجهزة فيها برامج علمية مثلاً مع أن السلف في الاعتكاف بل في رمضان كله يعطلون النشاط العلمي، ويقبلون على القرآن، وبعض المشرفين يقول: هؤلاء الشباب لا بد لهم من أن يصرفوا بعض الأوقات في اللعب والمرح واللعب في المسجد ما فيه إشكال إذا كان مباح، ونحن نعينهم على الطاعة بمثل هذه التصرفات، ونجيب لهم أجهزة وكمبيوترات، وأشياء يلعبون بها، وأشياء يمتحن بعضهم بعضاً فيها، فلا شك أن مثل هذا توسع غير مرضي، وهؤلاء الشباب بالتدريج على الطاعة والتمرين عليها يمكن أن يتعلموا ويتمرنوا على هذه الطاعات من غير ارتكاب وسائل ممنوعة، هذه الأجهزة فيها الصور، وفيها ما يخالف الحقيقة أحياناً، في الألعاب وفي المباريات وغيرها، هذه فيها محظورات، فكيف يقال: اعتكف؟! مثل هذا لا يعتكف، إذا كان لا يستطيع الاعتكاف إلا بارتكاب مثل هذه الأمور لا يعتكف حتى يربي نفسه على الاعتكاف ويجي؛ لأن القصد من الاعتكاف والهدف منه كما قرر ابن القيم -رحمه الله تعالى- جمعية القلب، وتفريغ القلب من الشواغل، تفريغ القلب من الخواطر، تفريغ القلب من الهواجس؛ ليرتبط هذا القلب بالله -جل وعلا-، لكن إذا جبت له آلات هل يمكن أن يفرغ قلبه؟ ما الفرق بين أن ينظر في الآلة في بيته أو في المسجد؟ في فرق؟ ما في فرق، فمثل هذه الأمور..

أيضاً التوسع في مسائل..، دخلت مسجد فيه فئام من الشباب معتكفين، ونظرت إلى الصف الأول فإذا به مطوق بحزام أسود من أوله إلى آخره، جوالات تشحن، والناس يصلون، وهي أمامهم، يعني التوسع في أمور الدنيا -وإن كانت مباحة-، وإذا كانت تليق في الأماكن كلها فليحترم في المسجد، إذا كانت تليق في الأوقات كلها فعلى الأقل في العشر الأواخر من رمضان، يعني هذه فيها تشتيت للقلب، تشتيت لقلوب المصلين، والهدف من الاعتكاف انجماع القلب على الهدف الذي من أجله شرع الاعتكاف، الاعتكاف شرع للصلاة، شرع للذكر، شرع للتلاوة، وعرفنا من هدي السلف أن كثيراً منهم يترك كل شيء حتى العلم حتى الحديث يترك من أجل أن يجتمع القلب، والارتباطات كلها تلغى إلا ما لا بد منه، وبعضهم إذا دخلت عليه في معتكفه أحياناً قد يوفر له ما لا يتوفر له في بيته، هذا خلل، هذا لا يحقق الهدف الشرعي من الاعتكاف، أنت افترض أنه عالم اعتكف ووفر له تلفون يرد على الأسئلة، ويحل المشاكل، ولا يفتر هذا التلفون من الرنين، يجيب على سؤال، ثم يسأل عن مشكلة، ثم عن قضية ثم كذا، هذا اعتكاف؟! إذا كانت الأمة بحاجة إليه إلى هذا الحد وإلى هذا المستوى فنفعه للأمة خارج المسجد أفضل من الاعتكاف، لا بد أن يكون الاعتكاف على وجهه، يكون بالفعل مجاورة، اعتكاف، فعلينا أن نهتم لهذا الأمر.

بعض الناس إذا دخل رمضان عطل عن كل شيء، ويقول: إن السلف -وهو عنده دروس ما شاء الله نفع الله به في طيلة العام- لكن إذا دخل رمضان قال: السلف يعطلون الدروس فلا يدرس، يعني الاقتداء في الترك سهل كل يستطيعه، كل يستطيع أن يترك، نقول: السلف ما يدرسون، لكن هل تفعل مثل السلف؟ كم تقرأ القرآن؟ كم تختم من مرة في رمضان إذا عطلت الدروس؟ يعني يسهل الاقتداء في الترك، يعني أمره يسير، بل قد يكون من تلبيس الشيطان، يريد الشيطان أن يعطل الانتفاع به باسم الاقتداء بالسلف، لكن السلف لهم أعمال في رمضان، فإذا اقتديت بهم في الترك فاقتدِ بهم في الفعل، يعني يوجد من السلف من يختم القرآن كل يوم، أما تترك الدروس وقراءتك في رمضان كقراءتك في شعبان! العلم وتعلمه وتعليمه عبادة، فلا يترك إلى غير بدل، إنما يترك لعبادة أفضل منه. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"