بلوغ المرام - كتاب الجامع (06)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في كتابه بلوغ المرام: باب الترهيب من مساوئ الأخلاق عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب كما تأكل النارُ الحطب» أخرجه أبو داود ولابن ماجه من حديث أنس رضي الله تعالى عنه نحوه وعنه رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» متفق عليه وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «الظلم ظلمات يوم القيامة» متفق عليه وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم» أخرجه مسلم وعن محمود بن لبيد رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء» أخرجه أحمد بسند حسن وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» متفق عليه ولهما من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما «وإذا خاصم فجر» وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» متفق عليه وعن معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» متفق عليه وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه» أخرجه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه» متفق عليه وعنه رضي الله تعالى عنه أن رجلاً قال يا رسول الله أوصني قال «لا تغضب فردد مرارًا قال لا تغضب» أخرجه البخاري.

حسبك يكفي.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: باب الترهيب من مساوئ الأخلاق باب الترهيب من مساوئ الأخلاق الترهيب التحذير والتنفير ومساوئ الأخلاق قبائحها وسيئها يقابله محاسن الأخلاق وبدلاً من أن يكون هنا في الترهيب ففي محاسن الأخلاق يكون مقابله وهو الترغيب الذي هو الحث والأمر بدلاً من التحذير والتخويف من هذه المساوئ والأخلاق ما يتخلق به المرء الأخلاق ما يتخلق به المرء باختياره فمنه ما هو حسن ومنه ما هو قبيح والشرع المطهر جاء بالحث على ما هو حسن والتنفير والتحذير مما هو قبيح من الأخلاق ما هو غريزي جبلي ومنها ما هو مكتسب فلا شك أن الجبلي الغريزي الخارج عن إرادة الإنسان أنه لا يُكَلَّف به لكن هو مطالب بما يستطيع من تخفيفه وهو قادر على ذلك لأنه ما من خلق غريزي جبلي إلا وله جانب مكتسب إلا وفيه جانب مكتسب لئلا يخلو منه التكليف فكما أن العلم بالتعلم كذلكم الحلم بالتحلم لا يزال الإنسان يأطر نفسه على الحلم فإنه لا يلبث إلا أن يكون حليمًا كمن جبل وطبع على الحلم بخلاف من استرسل في ضده فإنه لن يحصل له الحلم لأنه لم يجبل عليه نعم قد يجبل الإنسان على خصال يحبها الله ورسوله وقد يجبل على خصال يبغضها الله ورسوله لكن مع ذلك يعطى فرصة ولا معنى أنه جبل ختم عليه قد يكون سيئ الخلق قد يكون سريع الغضب لكنه مع التحلم وضبط النفس وقهر النفس يكون حليمًا وإذا فلت منه شيء من غير إرادة فإنه لا يؤاخذ عليه الإشكال أن يهمل نفسه ويسترسل مع نفسه وشيطانه وينفذ ما جبل عليه من خلق سيئ هذا الذي يؤاخذ عليه بلا شك الحلم بالتحلم أيضًا العقل منه ما هو غريزة والناس يتفاوتون في هذا تفاوتًا كبيرًا لكن إذا تشبه بالعقلاء وبحث عما ينمي عقله من علوم ومعارف وحرص عليها فإنه يكتسب شيئًا من ذلك المكتسب القسم المكتسب يكتسبه إذا جبل الإنسان على خلق يحبه الله ورسوله هذا من فضل الله عليه من فضل الله جل وعلا عليه كما هو في قيس بن عاصم والأحنف وجمع وسيدهم وإمامهم وقدوتهم قدوة الجميع هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-    القلم: ٤  والناس في هذا متفاوتون تفاوتًا بيِّنًا والرفق واللين ما دخل في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانه العجلة من الشيطان نعم خُلق الإنسان من عجل لكن على الإنسان أن يوطن نفسه ويتخلق بالرفق واللين ثم يحصل ذلك له الجانب المكتسب ولو فقد الجانب الغريزي في الأصل فمساوئ الأخلاق لا بد أن يجتنبها الإنسان لأنه جاء الترهيب منها والتحذير منها وأجره أجر من جُبِل على عليها إذا قهر نفسه وجاهد نفسه على ضدها لكن لا شك أن أجره مضاعف فله أجر ذلك الخلق وله أجر جهاد نفسه وأهل العلم يختلفون في من تسهل له العبادة ويتلذذ بها ومن هي عليه شاقة ويجاهد نفسه ويقاوم نفسه وشيطانه حتى يأتي بها شخص يوتر ساعتين أو ثلاث وهو يطرب لذلك ومنشرح الصدر له أُنس بمناجاة الله جل وعلا وآخر يجاهد يقوم يصلي من الليل كأنه يذهب إلى قتال العدو وبعضهم أشد أيهما أفضل؟ لا شك أن الذي وصل إلى المرحلة الأولى التي هي الأنس والتلذذ بالطاعة إنما وصل إليها بعد المجاهدة ولذا يقرر أهل العلم أنه أفضل وهي طريقته -عليه الصلاة والسلام- الذي يقول «أرحنا يا بلال بالصلاة» وأما الذي مازال في مرحلة المجاهدة فيمكن أن يقال له لك الأجر مرتين وإن لم يكن مثل الأول كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لمن أعاد الوضوء «لك الأجر مرتين» على الوضوء والصلاة وقال للثاني «أصبت السنة» والذي له الأجر مرتين دون الذي أصاب السنة بلا شك «الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة» فالذي له أجران نعم يؤجر على المشقة ويؤجر على فعل العبادة لكن ليس مثل الذي مع السفرة الكرام البررة وليس مثل الذي أصاب السنة وليس مثل الذي أشبه النبي -عليه الصلاة والسلام- بالتلذذ بالصلاة على الإنسان أن يجاهد ما يستسلم يقول أنا والله هذا هذا ما جبلت عليه ولا أستطيع غير ذلك لما طلب النصيحة من النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي قال «لا تغضب» بعض الناس يقول لك كيف لا تغضب؟ هذا شيء ليس بيدي؟ نقول بيدك جزء منه بيدك وإذا كان العلم بالتعلم والحلم بالتحلم فالغضب بالتغضب أيضًا وذُكر عن بعض المحدثين أنه كان من أحسن خلقًا فمازال به الطلبة حتى صار من أسوأ الناس خلقًا يضجرونه ويتعبونه بكثرة الأسئلة ولا يتركون له فرصة يرتاح ولا يتركون له وقت يأنس به صحيح هو كغيره من لحم ودم ومن عواطف ومشاعر لا شك أن الإنسان إذا استُغضب يغضب والرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يغضب انتصارًا لنفسه وإنما يغضب إذا انتهكت محارم الله لأن الغاية رضى الله جل وعلا وليس الانتصار للنفس ويخلط بعض الناس إذا أساء إليه أحد غضب وانتقم فيقال له الرسول ما ينتقم لنفسه فيقول أنا ما أنتقم لنفسي أنتقم لموقعي لأنني إذا أهنت أهين جميع أقراني من طلاب العلم مثلاً فلا بد أن يوقف هذا الإنسان عند حده نعم ينتقم له غيرك ولا تنتقم أنت على غيرك أن ينتقم منه ممن له ولاية انتصارًا للعلم وأهل العلم أما أنت تكون تنتصر لنفسك ويحصل في هذا خلط كبير والله المستعان يقول رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» أخرجه أبو داود ولابن ماجه من حديث أنس نحوه وبالطريقين أو بحديث أبي هريرة وما يشهد له من حديث أنس يصل إلى درجة الحسن «إياكم والحسد» حرف تحذير منصوب على التحذير إياكم، والحسد هو المحذر منه المرهب فيه وحقيقته تمني زوال النعمة عن الغير تمني زوال النعمة عن الغير إذا رأى شخصًا أنعم الله عليه بأي نعمة فإنه يتمنى زوالها نسأل الله العافية وهذا من دخَل ودغل في قلبه وإلا فماذا يستفيد وما يضيره أن يكون أخوه المسلم في سعة من العيش وفي صحة ورغد وراحة بال ما الذي يضيرك؟ اسأل الله جل وعلا اسأل الله جل وعلا أن يهبك مثله أو أفضل منه خزائن الله جل وعلا لا تنفد أما أن تسعى وتحرص على زوال النعمة عن هذا فإن هذا هو الحسد المذموم فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب يقضي على الحسنات، الحسد تمني زوال النعمة عن الغير والغبطة سماها النبي -عليه الصلاة والسلام- حسد «لا حسد إلا في اثنتين» فذكرهما والمراد بذلك الغِبطة وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما للغير من غير تمنٍّ لزوال ما عند الغير الحسد عمل قلبي إذا ورد على الخاطر فطرد أو مجرد هاجس لا مؤاخذة عليه وقد يتردد ويكون حديث نفس وكل هذا لا مؤاخذة عليه لكن المؤاخذة فيما بعد ذلك أن يكون هم وأن يكون هناك عزم حينئذٍ يؤاخذ عليه بعضهم يقول إن الحسد داخل في حديث النفس المعفو عنه ما لم يتكلم أو يعمل ما لم يتكلم أو يعمل النصوص ما فَرقت في هذا جاء العفو عن حديث النفس «عفي لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل» لكن الحسد من أدواء القلوب الذي جاء التنفير عنه فليس بداخل في حديث النفس بل هو مذموم مطلقًا ويلتبس على الناس التفريق بين الحسد والعين التفريق بين الحسد والعين فبعضهم يقول للمعيون محسود الحسد مرتبة لا تضر المحسود وإنما تضر الحاسد وإنما العين يتعدى ضررها وشرها إلى هذا المغبوط وأما الحسد فإنه لا يضر إلا صاحبه يضره في دنياه وفي أخراه في الدنيا يقول بعضهم.

ألا قل لمن كان لي حاسدًا    .

 

أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في فعله  

 

لأنك لم ترض لي ما وهب.

هذا يعترض على القدر نسأل الله العافية وحسده وجيشان صدره بهذا الحسد يضر نفسه ويعوقه عن كثير من الأمور التي تحتاج إلى سلامة الصدر وسلامة الصدر مطلب شرعي         الشعراء: ٨٨ - ٨٩  وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- «يدخل عليكم رجل من أهل الجنة أو يدخل رجل المسجد من أهل الجنة» فدخل رجل يقطر من آثار الوضوء ونعلاه في يديه فلما خرج تبعه ابن عمر أو ابن عمرو تبعه ولما أراد دخول بيته قال إني ضيف لك لأنه حصل بيني وبين أبي مشادّة ومشاحنة فأنا ضيف لك فنام عنده وسبر حاله فما وجد عنده يتميز به من العبادات الظاهرة المهم أنه لما انتهى قال له لم يكن بيني وبين أبي شيء وإنما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول كذا فأردت أن أعرف العمل الذي تميزت به فأعمل مثله قال والله ما عندي إلا ما رأيت إلا أني أبيت وليس في قلبي غل على أحد هذا الأمر يعني وإن كان في بادئ أمر يسير لكنه من أشق القلوب.. من أشق الأمور على القلوب التي تحتاج إلى معاناة ومعالجة لأن بلاء كثير من الناس في قلبه تجده ما شاء الله في أموره الظاهرة مغبوط ومسارع ومبادر إلى الخيرات وله نصيب من التعبد وله نصيب من النفع المتعدي لكن تجد في نفسه شيء فسلامة القلب وسلامة الصدر هذا أمر منحة إلهية وبالإمكان أن يتمرن عليها الإنسان وعلاج القلب في كتاب الله جل وعلا وفي تدبر آياته المقروءة في كتابه وآياته الكونية        آل عمران: ١٩٠  تدبر هذه الآيات الكونية وتدبر الآيات المتلوة هي علاج القلب من جميع الأدواء فلا داء إلا وفي كتاب الله علاجه فعلى الإنسان أن يلزم هذا الكتاب الذي:

هو الكتاب الذي من قام يقرأه    .

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلم  

أيضًا يردد ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وما قاله أهل العلم ويتأمل ويدقق ويحقق في حقيقة الأمر أنه إذا حسد أحدًا ماذا يدرك؟ يمكن أن ينتهي الليل وهو أرِق يتقلب في فراشه لماذا فلان عنده كذا وأنا ما عندي هل هو خير مني؟ الزخرف: ٣٢  ليس لأحد كلام الله هو المعطي لا يمكن أن تدرك مما كتب لغيرك شيئًا ولا يمكن أن يفوتك شيء مما كتب لك فارض بقَسْم الله وبتقديره لك فالحديث دليل على أن الحسد الذي هو تمني زوال النعمة هذا محرم لأنه يأكل الحسنات ولا يأكل الحسنات إلا المُحرم وهو من عظائم الأمور نسأل الله السلامة والعافية وهو ضد سلامة القلب الذي نص الله جل وعلا أنه لا ينتفع إلا من جاء بقلب سليم قال رحمه الله وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ليس الشديد بالصُّرَعة» ليس الشديد يعني القوي القوة الحقيقية التي تنفع صاحبها ليس الشديد بالصُّرَعة الذي يصرع الناس نعم هذا هذا النوع يُحتاج إليه في مواطن في الجهاد وفي الدفاع عن المسلمين ودفع الصائل عنهم والباغي وما أشبه ذلك لكن هذه أمور ليست هي الأصل هو الأصل في سائر حياة الإنسان السِّلْم فهو لا يحتاج قوة البدن بقدر ما يحتاج إلى قوة الإرادة وضبط النفس «ليس الشديد بالصرعة» يعني الذي يصرع الناس مثل الهُمَزة الذي يهمز الناس واللمُزة «وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» يملك نفسه عند الغضب ما قال الذي لا يغضب نعم الذي لا يغضب امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام- «لا تغضب» هذا أكمل لكن إذا غضب لا يرتب الآثار على هذا الغضب فينتقم ممن غضب عليه وإنما لا يرتب الآثار ويعفو ويصفح ويراجع نفسه ويبذل الأسباب التي تزيل عنه هذا الغضب «وإنما الشديد» القوي إنما هو الذي يملك نفسه عند الغضب فصاحب الإرادة القوية والعزيمة الصادقة الذي يحسب لكل شيء يقدم عليه حسابه ما يقدم على قول أو على فعل إلا وقد تأمله هل فيه مصلحة لا مفسدة فيها؟ أو فيه مفسدة لا مصلحة فيها؟ أو فيه المصلحة والمفسدة؟ ثم بعد ذلك يرجح فإذا نظر إليه بهذا المنظار فإنه قوة الغضب تخف عنده ويرجع إلى رشده وإلى عقله فيتصرف على مقتضى الشرع والعقل بخلاف من إذا غضب ثار مباشرة ونفذ ما يمليه عليه غضبه من إرادة للانتقام فإن هذا لا يتمكن من النظر الصحيح ولا يحكِّم عقله في هذه الأمور ثم بعد ذلك يندم وجميع المشاكل والمصائب أو جل هذه المشاكل وهذه المصائب إنما تنشأ من الغضب القتل الذي هو من عظائم الأمور ينشأ من غضب، الضرب والسب والشتم الذي يأتي بسببه المسلم مفلسًا بعد أن عمل الأعمال التي هي كالجبال إنما سببه الغضب والله المستعان يعني الشديد الذي يصرع العدو والشديد الذي يملك نفسه عند الغضب نفى الشدة عن الذي يصرع العدو وإن كان في حقيقته شديد الشدة الحسية وأثبت الشدة الحقيقية للشدة المعنوية فدل على أن مجاهدة النفس أعظم من مجاهدة العدو لأن مجاهدة العدو كم نسبتها في حياة الإنسان وكم نسبة مجاهدة النفس من حياة الإنسان؟ يعني الشديد الذي يصرع العدو هذه حقيقة شرعية ولُغوية وعرفية لكنها بالنسبة للشدة التي الشدة المعنوية التي يقهر بها الإنسان نفسه ويملك نفسه من تنفيذ ما تميله عليه هذه تصاحبه في سائر عمره وجميع أوقاته ولذلك نفى الشدة عن الأول وأثبتها للثاني نظير «أتدرون من المفلس؟» قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال «لا» لو قال شخص المفلس من لا درهم له ولا متاع أو من كانت ديونه أكثر من موجوداته وأمواله يكون جوابه خطأ والا لا؟ من وجد ماله عند رجل قد أفلس هل نقول أن هذا الرجل هو الذي يأتي بأعمال كالجبال وشتم هذا وضرب هذا إلى آخر الحديث؟ لا، حقيقة شرعية للفَلَس وهو أنه من كانت ديونه أكثر من موجوداته أو لا درهم له ولا متاع كما قال الصحابة لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الموضع يريد أن يؤكد على فلس الآخرة لا على فلس الدنيا وإلا كلاهما فلس في الحقائق الشرعية وهنا هذا شديد الذي يصرع العدو لكن نفي عنه الشدة في مقابل الشدة التي يحتاجها في جميع أحواله وسائر حياته قال رحمه الله وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «الظلم ظلمات يوم القيامة» وفي الحديث الذي يليه حديث جابر قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم» «الظلم ظلمات يوم القيامة» الظلم أعظمه الشرك بالله جل وعلا   لقمان: ١٣        الأنعام: ٨٢  لما قال هنا.. لما قال الصحابة أينا لم يظلم نفسه قال «ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح   لقمان: ١٣ » وهل هذا ينفي أن يكون ظلم الإنسان لنفسه أو لغيره داخل في مسمى الظلم؟ لا، ما ينفي لكن أعظمه الشرك بالله جل وعلا وأي ظلم أعظم من أن تقابل من خلقك ورزقك وأحسن إليك وأوجدك من العدم تقابله بصرف العبادة لغيره هذا أعظم الظلم لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ثم بعد ذلك يليه الظلم في حقوق الناس وهو من الديوان الذي لا يغفر ثم بعد ذلك ظلم الإنسان نفسه وولده ومن تحت يده لأنه راعٍ ومسؤول عن رعيته فالظلم ظلمات يوم القيامة الجزاء من جنس العمل لما أظلم لما ظلم تجده في الدنيا مظلم القلب تجده في الدنيا مظلم القلب وفي يوم القيامة تحفه وتحيط به الظلمات من كل جانب «اتقوا الظلم» يعني اجتنبوه اجعلوا بينكم وبينه وقاية ما يقيكم منه «فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم» الشح والبخل ﯿ الحشر: ٩  يفلح ويكون من المفلحين إذا اتقى الشح إذا وقاه الله الشح فإنه يكون من المفلحين ويقابله إذا اتصف بالشح الهلاك والدمار في الدنيا والآخرة والشح بعضهم يقول هو البخل وبعضهم يقول هو أعظم من البخل لأنه بخل مع حرص بخل مع حرص يحرص على الجمع ويمنع الإنفاق في وجوه الخير وفيما أوجب الله عليه فيه الإنفاق فإذا اجتمع الحرص على الجمع والمنع من بذل الواجب صار الشخص شحيحًا نعم بعض الناس يتساهل في كسب الأموال تجده كسول لا يحرص على جمع الأموال لكنها إذا وصلت إليه لا ترى النور هذا بخيل هذا بخيل لكن الذي يحرص ويكسب الأموال من جميع الوجوه ثم بعد ذلك يبخل بها ويمنعها مستحقها هذا شحيح نسأل الله السلامة والعافية «فإنه أهلك من كان قبلكم» والشح كما يكون بالأموال يكون بالصفات والمعاني الذي يبخل بماله والذي يبخل بجاهه والذي يبخل بإعارة متاعه لمن يحتاجه الماعون: ٧  هذا البخل أنواع نعم قد يبخل الإنسان بشيء نفيس يخشى عليه من التلف لكن إن جاد به هو الأولى وإن خشي عليه فالأمر لا يعدوه لكن الأمور العادية التي لا يُخشى عليها من التلف جاء ذم من بخل بها في قوله جل وعلا: الماعون: ٧  وأعظم من ذلك البخل بالواجبات كالزكوات والنفقات الواجبة على الولد والأهل والرقيق والحيوان هذا نسأل الله العافية ظلم لهؤلاء «واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن يسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم حملهم على أن يسفكوا دماءهم» ولا شك أن هذا هلاك دنيوي يترتب عليه الهلاك الأخروي قد يبخل الإنسان بالأموال تحسبًا للمستقبل عليه وعلى ولده ولا شك أن هذا سوء ظن بالله جل وعلا الذي خلقك وأوجدك وكتب لك من الرزق ما كتب لن يؤثر فيه الإمساك نعم الإنسان منهي عن التبذير وأن يتصدق بجميع ماله كما في حديث سعد «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» الإنسان ليس بمطالب أن يتخلص بجميع أمواله لكن يقدمه ما ينفعه يقدم ما ينفعه من ماله «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟» قالوا كلنا مالنا أحب إلينا من مال الوارث قال ما تقدمه وما تنفقه في وجوه البر هو مالك الحقيقي وما تُخلفه وتتركه للورثة هذا مال الوارث عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد لم يترك لورثته شيئًا فعوتب في ذلك فقال الورثة أحد شخصين شخص صالح هذا لن يُضيعه الله وشخص غير صالح هذا لا أترك له ما يعينه على فساده وكثير من الناس يتمنى طول الحياة لا لأجله ولا لذاته وإنما ليتمكن من تربية هؤلاء الصغار ونفعهم وتنشئتهم وتهيئتهم للمستقبل وتزويج البنات خشية أن يزوجن من أناس لا يرضاهم أنت اعتني بنفسك واحرص على نفسك أكثر من غيرك والله جل وعلا لن يضيع من خلق فالذي تكفل بك يتكفل بأولادك واحد من الصالحين يقول والله ما أتمنى طول الحياة إلا من أجل تزويج البنات ممن أرضاهم فلما بقيت واحدة مات رحمه الله وهو من خيار الصالحين مات وقد بقيت واحدة وتزوجت هذه الأخيرة رجل أفضل من جميع أصهاره الذين زوجهم في حياته فالأمر كله لله نعم الإنسان يبذل السبب يبذل السبب والنتائج كلها بيد الله جل وعلا والله المستعان ويحرص ويلهج بالدعاء له ولذريته ولإخوانه المسلمين بوالديه هو يكل الأمر إلى الله جل وعلا ويثق بوعده ويحرص على بذل الأسباب ويبذل من نفسه ما يكون سببًا لصلاحهم حتى قال بعض السلف إني لأزيد في صلاتي ركعتين من أجل فلان يعني ولده ليصلحه الله وفي قصة اليتيمين في آخر سورة الكهف الكهف: ٨٢  فالإنسان يحفظ اللهُ ذريته بسبب صلاحه المقصود أن وجود الأولاد ليس بمبرر للبخل والشح كما أن التصرف بجميع المال وترك الأولاد عالة يتكففون الناس ليس بشرعي ولذا نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- سعد أن يتصدق بجميع ماله بعد هذا يقول المؤلف رحمه الله تعالى وعن محمود بن لبيد رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» كأنه قيل له ما هو يا رسول الله؟ قال «الرياء» فالرياء بدل من الشرك الأصغر محمود بن لبيد الأشهلي الأنصاري ولد على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- واختلف في إثبات الصحبة له فأثبته البخاري قال له صحبة وقال أبو حاتم لا تعرف له صحبة إن كان له صحبة فالاحتمال أنه مع صغر سنه أنه سمع الحديث من النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة لأن هذا جل ما يرويه صغار الصحابة أكثر ما يرويه ابن عباس وابن الزبير بالواسطة وكذلك الحسن والحسين يروون بالواسطة لأنهم صغار وهذا واحد منهم محمود بن لبيد على من أثبت له الصحبة كالبخاري وعلى هذا يكون الخبر من مرسل الصحابي ومرسل الصحابي حجة عند جماهير الأمة.

أما الذي أرسله الصحابي    

 

فحكمه الوصل على الصواب  .

ونقل عليه الاتفاق، وأما من يقول إنه ليس بصحابي بل هو معدود من كبار التابعين يكون مرسله من مرسل التابعين الذي يقبله الشافعي ومالك وأبو حنيفة لأن الشافعي لا يقبل المراسيل إلا بشروط إلا أن يكون من كبار التابعين وهذا منهم فهو مقبول عند الجمهور ولو لم يكن صحابيًا لأن مثل هذا في الغالب لا يروي إلا عن صحابة هذا إذا لم نقل إنه صحابي وعلى كل حال الحديث يقول الحافظ أخرجه أحمد بإسناد حسن بإسناد حسن على إثبات الصحبة أو على نفي الصحبة؟ على إثبات الصحبة على كل حال لا ينزل عن درجة الحسن وفي معناه أحاديث وفي معناه أحاديث «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» يعني الشرك الأكبر أيس الشيطان أن يُعبد في جزيرة العبد ورضي بدلاً من ذلك بالتحريش الذي نراه على أشده في هذه الأيام بين أفراد المسلمين وبين أفراد المتعلمين موجود لكن الشرك الأكبر أيس الشيطان أن يُعبد في جزيرة العرب مع أنه بعد عهده -عليه الصلاة والسلام- ارتد بعض العرب ورجعوا إلى شركهم لكن الحديث محمول على الغالب لكن الشرك الأصغر الذي يخفى على كثير من الناس الشرك الأكبر قد يكون واضح لكن الشرك الأصغر الذي هو في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل الشرك الخفي الأصغر كأنه قيل ما هو يا رسول الله؟ قال: «الرياء» الرياء شرك أصغر والشرك الأصغر داخل في قوله جل وعلا   ﮮﮯ النساء: ٤٨  فهذا الفرق بينه وبين الذنوب أنه لا يُغفر والفرق بينه وبين الشرك الأكبر أن الشرك الأكبر صاحبه مخلد في النار وهذا يعذب بقدر شركه، الرياء مصدر راء رياءً ومراءاة وهو ملاحظة الغير بفعل الخير ملاحظة الغير بفعل الخير وهو في الأصل من عمل المنافقين الذي يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ودب هذا إلى قلوب بعض المسلمين ملاحظةً لمصالح دينية مصالح دنيوية حسية كانت أو معنوية فتجد الإنسان إذا رأى زيدًا من الناس له نفوذ أو له جاه يمكن أن ينتفع به إن صلى من أجله فعمله حابط وآثم وعلى خطر عظيم وإن صلى لله جل وعلا لكنه بسبب وجوده أطال أو تخشع في صلاته مراءاة له طمعًا فيما عنده أو خشية من ضرره هذا إن استمر معه أبطل العبادة وإن جاهد نفسه وطرده في مدة يسيرة هذا لا يضره إن شاء الله تعالى والحكم للغالب على كل حال هذا الشرك الأصغر الذي هو الرياء وهو أخفى من دبيب النمل يلتبس أمره على كثير من الناس ولذا يسمى الشرك الخفي يسمى الشرك الخفي ويقع فيه كثير من الناس وهو لا يشعر وهو لا يشعر المنافقون يراؤون الناس من صفتهم أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً فالذي يقوم إلى الصلاة وهو كسلان هذا فيه شبه من المنافقين والذي يرائي الناس في صلاته وإن كان يصلي لله لكنه يزيد فيها كمَّاً أو كيفًا هذا مشبه للمنافقين والذي لا يذكر الله إلا قليلاً أيضًا فيه شبه من المنافقين فعلى الإنسان أن ينشط لعبادة الله جل وعلا وأن يخلص لربه جل وعلا الذي بيده أمره وليس لأحد فيه أدنى تصرف وأن يكون لسانه رطبًا بذكر الله لينفك عن مشابهة المنافقين من كل وجه قد يقول قائل إننا نلاحظ في أنفسنا وفي غيرنا أننا إذا قمنا إلى الصلاة قمنا كسالى هذا يلاحظه الإنسان من نفسه في بعض الأوقات والعبادة شاقة على النفوس هذا هو الأصل وحفت الجنة بالمكاره هل نقول إن هذا منافق أو لا؟ هذا فيه شبه من المنافقين لكن لا يقال إنه منافق لماذا؟ لأن المنافق مع كسله عن الصلاة لو لم يكن بحضرة أحد ما صلى أصلاً لأنه يبطن الكفر وهذا المسلم الذي يقوم إلى الصلاة وهو كسلان ليس في نيته أن يترك الصلاة إنما هو عازم على فعلها مهما كلفه الأمر لكنه لا ينشط نشاط من يقول «أرحنا يا بلال بالصلاة» من يرتاح بالصلاة فهذا هو الفرق المسلم وإن قام إلى الصلاة وهو كسلان إلا أنه في قرارة نفسه أنه لن يترك الصلاة والمنافق في قرارة نفسه يقوم إلى الصلاة وهو كسلان لما يراه من نظر غيره ولذلك هو يرائي الناس ولولا رؤية الغير ما صلى أما المسلم فهو في نيته وفي عزيمته ألا يترك الصلاة سواء بحضرة أحد أو بغيبتهم ولما كان الرياء من الأمور المقررة عند المنافقين وعليها وعليه يبنون سائر أعمالهم لأنهم لا يعملون أعمال الخير إلا من أجل الناس ولذلك هم يبطنون الكفر قال رحمه الله وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «آية المنافق ثلاث» يعني ثلاث علامات آيته علامته والدليل على نفاقه ثلاث علامات «إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» متفق عليه ولهما من حديث عبد الله بن عمرو «وإذا خاصم فجر» أربع علامات وهناك علامة خامسة جاءت بها الأحاديث الصحيحة «وإذا عاهد غدر» «إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر» هذه العلامات من كانت فيه علامة واحدة ففيه خصلة من خصال المنافقين وحينئذٍ يقال فيه نفاق ولا يقال فيه منافق ومن كانت فيه جميع هذه العلامات كان منافقًا خالصًا وقل ندر أن تجتمع هذه العلامات الخمس في شخص غير منافق خالص النفاق نعم قد تكون خصلة في مسلم وأخرى في مسلم آخر أو خصلتين أو ثلاث لكن اجتماع هذه الخصال كلها في مسلم في في شخص مسلم لا تكاد أن توجد إلا في منافق خالص النفاق «إذا حدث كذب» يكون ديدنه الكذب كل ما حدث كذب لا يتحدث بصدق يوجد الكذب في المسلمين لكن ليس ديدنهم وشأنهم يعني في جميع أحاديثهم يوجد في حديثهم الكذب لكن ليس كل حديثهم كذب «وإذا وعد أخلف» في جميع مواعيده يخلف ويبيت الإخلاف أثناء إبرام الوعد أما من وعد وفي نيته أن يفي ثم أخلف لسبب من الأسباب فإنه لا يدخل في مثل هذا «وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» إذا أودع وديعة أو أمانة سواء كانت حسية أو سر اؤتمن على هذا السر يخون نسأل الله العافية أو اؤتمن على هذا المال أو هذه العين يخونها ويجحدها نسأل الله العافية هذه الصفات هي صفات المنافقين «وإذا خاصم فجر» إذا خاصم فجر سواء خاصم لمصلحته أو لمصلحة غيره كالمحامين مثلاً فليتق الله جل وعلا الإنسان في حال خصومته لا ينطق إلا بالحق له أو عليه وكذلك المحامي الذي هو بصدد كسب القضية لكسب المال عليه أن يتقي الله جل وعلا والدنيا لا تغني من الآخرة شيئًا عليه أن يبين الحق سواء كان لموكله أو لغيره نعم الإشكال أن يكون تكون الأجرة على النجحان على ما قالوا يعني إذا كسب القضية استحق الأجرة فتجده يجلب على القضية بكل ما أوتي من بيان وحِيَل ليكسبها ومن ثَمّ يكسب الأجرة على الإنسان أن يتحلى بالورع ويبتعد كل البعد عن صفات المنافقين ولا يكون ممن إذا خاصم فجر ولا ممن إذا عاهد غدر والنبي -عليه الصلاة والسلام- من صفته كما في حديث ابن عباس في قصة هرقل سأله سأل هرقل أبا سفيان هل يغدر؟ قال لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها أراد أن يدخل شيئًا مما يرضي به نفسه لكنه لا يستطيع لا يمكن أن ينطق بشيء استفاض خلافه أول من يُكذبه نفسه وصحبه الركب الذين معه فالوفاء بالعهود مأمور به شرعًا ﮎﮏ المائدة: ١  فعدم الوفاء بالعهود والغدر فيها من صفات المنافقين نسأل الله السلامة والعافية فقال بعد هذا وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» «سباب المسلم» شتمه «فسوق» «ولعن المسلم كقتله» كما في الحديث الصحيح شأنه عظيم إذا لعن المسلم مسلمًا نُظر هل هو مستحق للّعن وإلا رجعت إلى صاحبها ومن عظم شأن السب واللعن أنه فسوق وأيضًا لعنه كقتله وهذا من باب التشديد في شأن السباب والشتم والوقوع في أعراض الناس وسبهم وسب ذويهم وأهليهم حتى جاء النهي عن سب الأموات «لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء» فأذية المسلم حرام الأحزاب: ٥٨  نسأل الله العافية وهذا منه «وقتاله كفر» قتال المسلم كفر نسأل الله العافية إن استحله لا شك أنه كفر مخرج من الملة وإن لم يستحله فهو كفر دون كفر وشأنه عظيم وقد قُرن بالشرك             ﭡﭢ الفرقان: ٦٨  هذه عظائم الأمور نسأل الله العافية «وقتاله كفر» سباب المسلم قد يسب المسلم بما هو فيه مما لا يستطيع أن يخفيه يعني شخص مسبل إزاره فيقال له يا مسبل أو حالق للحيته فيقال يا حليق وهكذا هذا سب بلا شك لكن هو المتسبب لأن يسب فتسببه لا شك أنه آثم والمباشر للسب أيضًا لا يعذر لا يعذر بأن يطلق لسانه فيتكلم في الناس ولو كانت أمورهم ظاهرة وجاء في الحديث «كل أمتي معافى إلا المجاهرون» أخذ منه بعض أهل العلم أن الذي يجاهر في معصيته أنه لا حرمة له يمكن أن يُنبز به في حضرته وغيبته لأنه مجاهر وليس بمعافى لكن «ليس المسلم باللعّان ولا بالطعان ولا بالفاحش البذيء» يعني الواجب أن تسدى لمثل هذا النصيحة وإذا خشي من انتشار ضرره وتعديه إلى غيره أو خشي أن يتورط معه من لا يعرفه من باب النصيحة لعامة المسلمين أن يبين ما عند هذا من من فساد وضلال نسأل الله العافية قال رحمه الله وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» الظن هو ما يخطر على النفس والبال من مجرد رؤية شخص لا تدل الأدلة ولا القرائن على اتهامه بشيء فيهجم على قلبه ويخطر على باله أنه مرتكب لكذا يظن به هذا الظن السيء وجاء التحذير من ذلك «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» وفي الغالب أنه إذا لم تقم أدلة ولا قرائن بل هو مجرد خطرة نفس خطر على باله أن هذا يرتكب كذا أو يرتكب مفسق أو ما أشبه ذلك أنه بريء من هذا الاتهام لأن مثل هذا النوع من الظن أكذب الحديث لأن هذا النوع من الظن أكذب الحديث وليس المراد به جميع صور الظن أنها داخلة في «أكذب الحديث» الظن يطلق ويراد به الشك كما هنا يطلق ويراد به الاحتمال الراجح في مقابل الوهم والظن متعلق أكثر الأحكام الشرعية فإنها مبنية على غلبة الظن ويطلق الظن ويراد به الاعتقاد الجازم كما في قوله جل وعلا البقرة: ٤٦  هل يكفي الظن الذي فيه تردد؟ لا بد من الاعتقاد الجازم فالظن يعني جاء ذمه ﮒﮓ يونس: ٣٦  وجاء وصفه بأنه أكذب الحديث جاء إطلاقه على الظن الغالب الراجح وجاء أيضًا إطلاق بإزاء الاعتقاد الجازم فليس في مرتبة واحدة وعلى مستوى واحد بل هو مراتب ومستويات منه ما هو أكذب الحديث ومنه ما لا يغني من الحق شيئًا ومنه الاحتمال الراجح ومنه الاعتقاد الجازم.

كم باقي؟ ربع ساعة؟

طالب: ..............

لعلنا نترك ما بقي من الوقت ليستغله الإخوان في الدعاء لأن هذه وقت استجابة نسأل الله جل وعلا أن يمن على الجميع بالعلم النافع والعمل الصالح المتقبل.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"