كتاب الصيد والذبائح من المحرر في الحديث - 01

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم

..

الصيد والذبائح.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا وللحاضرين والمستمعين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

كتاب الصيد والذبائح.

 عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من اتخذ كلبًا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط»، قال الزهري: فذُكِر لابن عمر قول أبي هريرة فقال: يرحم الله أبا هريرة، كان صاحب زرع.

 وعن عدي بن حاتم قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه، فإن أمسك عليك فأدركته حيًّا فاذبحه، وإن أدركته قد قُتل ولم..»"

قد قَتل قَتل..

"«قد قَتل ولم يأكل منه شيئًا فكله، وإن وجدت كلبك..»"

مع.

"«وإن وجدت مع كلبَك..»"

كلبِك، مع كلبِك، مع كلبِك..

"«وإن وجدت مع كلبِك كلبًا غيره وقد قَتل فلا تأكله، فإنك لا تدري أيُّهما قتله..»"

أيَّهما.

"«أيُّهما قتله»".

أيَّهما.

"«أيَّهما قَتله، وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه، فإن غاب عنك يومًا فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل»، متفق عليهما، واللفظ لمسلم.

 وله عن أبي ثعلبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكله ما لم ينتن».

 وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيًّا يقال له: أبو ثعلبة، قال: يا رسول الله، إن لي كلابًا مكلبة، فأفتني في صيدها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن كان لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكن عليك»، قال: ذكي وغير ذكي؟ قال: «ذكي وغير ذكي» قال: وإن أكل منه؟ قال: «وإن أكل منه!» قال: يا رسول الله، أفتني في قوسي؟ قال: «كل ما ردت عليك قوسك» قال: ذكي وغير ذكي؟ قال: «ذكي وغير ذكي» قال: وإن تغيب عني؟ قال: «وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرًا غير سهمك»، رواه أبو داود والدارقطني، وإسناده صحيح إلى عمرو، وقد أعل.

 وعن عائشة- رضي الله عنها-: أن قومًا قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن قومًا يأتوننا بلحم، لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: «سموا عليه أنتم وكلوه»، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر، رواه البخاري.

 وعن سعيد بن جبير أن قريبًا لعبد الله بن مغفل خذف قال: فنهاه وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الخذف، وقال: «إنها لا تصيد صيدًا، ولا تنكأ عدوًّا، ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين»، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عنه ثم تخذف؟! لا أكلمك أبدًا، متفق عليه. وهذا لفظ مسلم.

 وعن عبد الله بن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا».

 وعن جابر -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُقتَل شيء، أن يُقتَل شيء من الدواب صبرًا، رواهما مسلم.

 وعن رافع بن خديج قال: قلت: يا رسول الله، إنا لاقو العدو غدًا، وليس معنا مُدَى؟ قال: «أعجل أو أرني ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل، ليس السن والظفر، وسأحدثك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمُدَى الحبشة»، قال: وأصبنا نهب إبل وغنم، فنَدَّ منها بعير، فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا» متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 قال زائدة: يرون ما في الدنيا حديث في هذا الباب أحسن منه.

 وعن كعب بن مالك أن امرأة.."

ابنِ، عن كعب ابنِ..

"وعن كعب بنِ مالك أن امرأة ذبحت شاة بحجر، فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأمر بأكله، رواه البخاري.

 وعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته»، رواه مسلم.

 وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ذكاة الجنين ذكاة أمه».."

ذكاةُ..

"«ذكاة الجنين ذكاةُ أمه»، رواه الإمام أحمد وأبو حاتم وابن حبان."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب الصيد والذبائح" الكتاب مَرَّ التعريف به مرارًا في هذا الكتاب وفي غيره من كتب أهل العلم، فلا داعي لتكرير الكلام فيه.

 وأما ما أضيف إليه من الصيد والذبائح فالصيد يطلق ويراد به الاصطياد، ويطلق ويراد به المصِيد، يعني ما يُصاد، {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [سورة المائدة:96]، هل المراد به الاصطياد، أو الصيد، أو المصيد، أو كلاهما؟ لأننا إذا قلنا: المراد الاصطياد حُرِّم الاصطياد، فنأكل الصيد ولو صِيد من أجلنا، نأكل صيد المحْرِم ولو صِيْد من أجلنا، وإذا قلنا: المراد به تحريم المصِيْد امتنعنا من أكله، وحَلَّ لنا الاصطياد ونحن محرمون، هذا حرام بلا شك، فالمراد بالصيد هنا أيهما؟ أو كلاهما؟

طالب: .......

نعم، الأمران، الأمران، لكن يُطلَق الصيد على الاصطياد الذي هو الفعل، ويُطلَق أيضًا على المصيد، إذا جاء مثل هذا في مَعْرِض المنع.

 هو إذا قلنا: إن الكلمة تحتمِل أمرين فإذا جاءت في مَعْرِض الأمر أو الإباحة أو المنع فشيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- في مثل النكاح، النكاح المأمور به هل هو العقد أو الوطء؟ والمنهي عنه هل المراد به العقد أو الوطء؟ لأنه يطلق ويراد به هذا، ويطلق ويراد به هذا، يقول شيخ الإسلام: النكاح المنهي عنه يشمل الأمرين معًا، والمأمور به قد يراد به هذا، وقد يراد به هذا، وهنا الصيد المباح المأذون به هل المراد به الاصطياد، أو المصيد؟ وقل مثل هذا في الممنوع المنهي عنه، {حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [سورة المائدة:96]، طيب إذا صِيْد من قِبَل حلال وأنت محْرِم فهو صيد، لكنه ما صاده من أجلك حرام أم حلال؟

حلال؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أكل من حمار الوَحْش؛ لأنه ما صِيْد من أجله، ورَدَّ على أبي قتادة ما أهداه له؛ لأنه غلب على الظن أنه صاده من أجله، المقصود أن الصيد يُطلَق ويراد به الفعل الذي هو الاصطياد، ويُطلَق ويراد به المصِيْد، وفي كل نَصٍّ من النصوص الآتية يُبَيَّن المراد إن شاء الله تعالى، وأما الذبائح فهي جمع ذبيحة، ذبائح أو ذبايح بالياء؟ وما الفرق بينها وبين معايش التي حصل فيها الخلاف الطويل؟

طالب:.........

فيه فرق؟

طالب: .......

الياء أصلية في مَعِيْشَة، فتُجمَع على معايش، ولذا شنعوا على مَن قال: تُجمَع على معائش ثم تُسَهَّل، وفي المثَل السائر لابن الأثير، وما كُتِب عليه مِن ردود كلام طويل في معايش، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لابن الأثير الذي قال: إنه ما كَتَبه حتى حفظ القرآن وخمسة آلاف حديث، وبَيَّن طريقته في الكتاب، هو من كتب الأدب التي يُحرَص عليها، وإن كان عليه ملاحظات، لكن ما يسلم عليه ردود، الفَلَك الدائر على صاحب المثل السائر، ونصرة الثائر على صاحب المثل السائر، إلى آخره.

 المقصود جاء بهذه الكلمة وقال: معائش، فردوا عليه عن قوس واحدة، فذبائح الهمزة زائدة، ليست من أصل الكلمة؛ لأنها جمع ذبيحة، طيب هذه ذبيحة الياء أصلية أم زائدة؟

طالب:.........

ومعيشة؟

طالب: .......

طيب، ما الفرق بينهما؟

طالب: .......

من الذبح ليس فيها ياء؛ لأن الكلمة يرجع فيها إلى أصلها، وهو المصدر، فإذا رجعنا الذبيحة إلى الذبح الذي هو المصدر أصل الكلمة، ما وجدنا الياء، وإذا رجعنا المعيشة إلى العيش، وجدنا أن الياء أصلية، الذبائح جمع ذبيحة، مثلها منايح أو منائح؟

منائح مثل ذبائح جمع مَنِيْحَة، مَنِيْحَة العنز وشبهه الذبائح جمع ذَبِيْحَة وهي ما يُذْبَح، هل نقول: إن الذبيحة تطلق على الذبح مثل ما قلنا: الصيد يطلق على الاصطياد؟ لا، الذبح شيء، والذبيحة شيء آخر فَعِيْلَة بمعنى مَفْعُوْلَة يعني مَذْبُوْحَة أي مُذَكَّاة، الصيد لما لا يُقْدَر على تذكيته يعني مع عدم القدرة على تذكيته، لكن لو وُجِد صَيْد طائر أو حيوان مُتَوَحِّش وفي قدرتنا أن نذبحه هل يكون من الصيد أو من الذبائح؟

من الذبائح؛ لأن الأصل في الباب الذبح، فالصيد لما لا يُقدَر عليه على تذكيته والذبح لما يُقدَر على تذكيته، وبالمقابل لو توحَّش إنسي فلم نقدر على تذكيته عاملناه معاملة الصيد كما سيأتي في البعير الذي نَدّ.

 قال -رحمه الله-: "عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم"- جرت عادة المؤلف وغيره من المؤلفين من مؤلفي المختصرات أنهم يقتصرون على الصحابي، وهنا ذكر التابعي، وذكر من بعده، ذكر ثلاثة في رواية الحديث، هذا كلام ثلاثة من الرواة، والأصل في هذا الكتاب وفي غيره من المختصرات أن يقتصر على الصحابي مَخْرَج الحديث لماذا؟

لأنه احتاج لذِكْر الزهري؛ لأنه قال في الأخير: قال الزهري، فذُكِرَ لابن عُمَر، فذُكِرَ لابن عمر قول أبي هريرة لو ترك الزهري قال من أين جاء الزهري، لكن ليُبَيِّن أن الزهري من رواة الحديث، طيب الزهري احتجنا إليه فذكرناه، فلماذا ذُكِر أبو سلمة؟

لئلا يُظَن أن في إسناده انقطاعًا، لئلا يُظَن أن في إسناده انقطاعًا.

 "عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم"-: «من اتخذ كلبًا، من اتخذ كلبًا»، كلب نكرة في سياق الشرط فيعم جميع أنواع الكلاب إلا ما استُثْنِي، «من اتخذ كلبًا» يعني من اقتناه، اقتناه، اتخذه يعني اقتناه، طيب اقتناه وجعله في مكان بعيد عنه، يتناوله الوعيد أو لا؟ نعم، يتناوله الوعيد.

 «من اتخذ كلبًا إلا كلب ماشية» استثناء بإلا تخصيص يُخرِج المستثنى من عموم النَّص، والتخصيص بالاستثناء أمر معروف عند أهل العلم، «من اتخذ كلبًا إلا كلب ماشية» يعني يتبع الماشية، ويذود عنها، ويرد من أرادها بسوء، إلا كلب ماشية، والماشية تشمل الإبل والغنم التي هي الغالب في أموال العرب، ويلتحق بها أيضًا البقر.

 «إلا كلب ماشية» تخصيص الماشية ببهيمة الأنعام تخصيص شرعي أم عُرْفِي؟ أم أن كل ما يمشي يقال له: ماشية؟

طالب: .......

تخصيص عرفي شرعي؟

طالب: .......

لغوي ماشية، {فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} [سورة النــور:45] يقول: أنا أتخذ الكلب للماشية الذين هم أولادي وأسرتي، هؤلاء يمشون.

طالب: .......

يعني هل التخصيص مثل تخصيص الدابة، الدابة تخصيص عرفي وهل الماشية من عموم من يمشي ببهيمة الأنعام تخصيص لغوي أو شرعي أو عرفي؟

طالب: .......

اللغة تمنع من تسمية الإنسان ماشيًا، والجمع مشاة أو ماشية؟!

طالب: .......

{فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [سورة النــور:45]، الزواحف ماشية.

طالب: .......

إذًا تخصيص لغوي أم عرفي مثل الدابة؟ الأصل في الدابة كل ما يدب على الأرض، والأصل في الماشية كل من يمشي أو كل ما يمشي أعم.

طالب: .......

شرعي؟ يعني ورد من الشرع ما يبين أن الماشية في هذا النص يراد به الإبل والبقر والغنم؟

طالب: .......

من؟

طالب: ...........

كان صاحب زرع هذا، ليس بصاحب ماشية، أبو هريرة؟ صاحب زرع.

طالب: ...........

أنا في هذه اللحظة لا يظهر لي فرق بين الماشية والدابة، هنا تخصيص عرفي.

 «إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع» الصيد يتخذ هذا الكلب؛ ليصطاد به ما يحتاج إليه، وإباحة اتخاذ الكلب للصيد مقرر في الكتاب والسنة، مقرر في الكتاب والسنة، ولكن للكلب شروط، الكلب المتَّخَذ للصيد له شروط، أن يكون مُعَلَّمًا، كلاب مُكَلَّبَة، يعني مُعَلَّمَة، ومكَلِّبِيْن يعني مُعَلِّمِيْن، وكونه معلَّما وتعليمه يكون بحيث إذا أُشْلِيَ أغار على المصيد وإذا زُجِرَ امتنع، وألا يأكل، وعدم الأكل هل هو من حقيقة التعليم ومن شرطه أو لا؟

 هل هو من حقيقة التعليم أم لا؟ قد يكون مُعَلَّمًا، ويحتاج في وقت من الأوقات أن يأكل، جاع جوعًا شديدًا.

طالب: .......

يأكلون، ما عندهم ما يأكلون، ما وجدوا شيئًا لأنفسهم.

 أقول: هل كون الكلب المعلَّم هو فقط إذا أُشْلِيَ أغار، وإذا زُجِر امتنع هذه حقيقة التعليم فقط، أو يضاف إليه قيد ثالث أو قيد ثانٍ، وهو بحيث لا يأكل مما يصيد، فإذا أكل فليس بمعلَّم؛ لأنه ستأتي الإشارة ولم يأكل منه شيئًا هي داخلة في الحقيقة، أو قيد زائد في حِلّ هذا المصِيْد بعينه؟ أظن أن الفرق بين الأمرين ظاهر.

 يعني افترض أن هذا أكل، هل نقول: إنه غير معلَّم بمعنى أنه لو صاد مرة ثانية ولا أكل ما نأكل، أو نقول: هو معلَّم، لكن هذا الذي أكل منه لا نأكل منه؛ لأن الذي يغلب على الظن أنه صاده لنفسه، {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [سورة المائدة:4]، هذا أمسكه لنفسه، ولذا التنصيص على قوله: «ولم يأكل منه شيئًا» يدل على أن عدم الأكل قدر زائد على اشتراط أن يكون معلَّمًا، ويأتي بيانه في الحديث اللاحق إن شاء الله تعالى.

 «أو صيد أو زرع» شخص عنده مزرعة، ويخشى عليها من السُّرَّاق، فيضع كلبًا أو أكثر من ذلك بحسب ما تقتضيه الحاجة، فإذا كانت الحاجة تندفع بواحد فلا يجوز أن يقتني آخر، وإذا كانت الحاجة تندفع باثنين فلا يجوز أن يقتني ثالثًا؛ لأن الحاجة إنما تُقَدَّر بِقَدْرها، والأصل في الباب المنع، الأصل في الباب المنع، لكنَّ الحاجة أباحت له اقتناء كلب أو اثنين على حسب ما تقتضيه حاجته أو زرع.

 الآن المنع من اقتناء الكلب بالنص بالنص، «انتقص من أجره كل يوم قيراط»، وما ذُكِر مما يبيح اقتناء الكلب من الثلاثة حاجات، أو ضرورات، أو تحسينات؟

طالب: .......

نعم، حاجات، ليست ضرورات، ليست ضرورات، وأهل العلم يقررون أن الذي يُمنَع بالنَّص لا يُبِيْحه إلا الضرورة، وما أُبِيْح بعمومات أو بقواعد تبيحه الحاجة، وهنا المنع بالنَّص، وأُبِيْح بالحاجة لا بالضرورة، لا تصل إلى حد ضرورة، فكيف نجيب عما قرره أهل العلم؟

نقول: إن ما نُصَّ عليه ولو لم يصل إلى حد الضرورة هذا نص الشارع، الذي استثنى هو الشارع، طيب لو استثنى كمالًا، مثلاً قال: إلا كلبًا يُتَّخَذ لأمر أدنى من هذه الثلاثة، لا يُحتَاج إليه، كمالي، ممكن أم غير ممكن؟

الشارع هو الذي، هو الذي يبدأ الأمور، وتُبنَى عليها القواعد والأحكام، يعني كلام الشارع ما يُنَزَّل على القواعد، وإنما القواعد تُنَزَّل على كلام الشارع؛ لأنه هو الأصل، لو قال: من اتخذ كلبًا إلا كلب زينة، اضطررنا أن نقول: إن المنع للكراهة لا يصل إلى التحريم؛ لأنه رُخِّص فيه من غير حاجة ولا ضرورة، ومادام الترخيص لحاجة فيبقى أن المنع للتحريم، وكون الحاجة أباحت ما مُنِع بالنص؛ لأن الشارع هو الذي استثنى ما ذُكِر.

 المرأة ممنوعة من بعض الزينة، مُنِعَت وحُرِّم عليها النَّمْص مثلاً، هل نقول: إن حاجتها للتزيُّن لزوجها يُبِيْح هذا المنع وهذا التحريم؟ هي حاجة، حاجة، نقول: لا، نقتصر بإباحة المحظورات بالحاجة على ما ورد فيه النص، وإلا فالأصل أن المحرمات بالنصوص لا يبيحها إلا الضرورة، لا يبيحها إلا الضرورة.

 «إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع» طيب القياس على الثلاثة اتخاذ الكلاب لحفظ الدور والأموال والمحلات التجارية التي قد يكون فيها من الأموال أضعاف أضعاف ما في المزارع، هل نقول: إن هذا من باب قياس الأولى، أو نقول: نقتصر على ما ورد به النص؟

 الكلاب التي تستعمل في كشف المجرمين، يسمونها البوليسية، هل نقول: إنها تباح من باب أولى؛ لأن المصلحة التي تكون بسببها أعظم من مصلحة حفظ زرع أو صيد أو ماشية؟

 يعني لو أن شخصًا عنده ثلاث من الإبل، وعشر من الغنم قيمتها خمسة آلاف ريال، قلنا: يَتَّخِذ كلبًا؛ لأنها ماشية، والذي عنده في محله وتجارته الملايين، هل نقول: إن هذا من باب قياس الأولى، وقل مثل هذا وأهم منه كشف المجرمين، من أهل العلم من يرى أن هذا سائغ وجائز ومن القياس الجلي قياس الأولى، ومنهم من يقول: إن هذا على خلاف الأصل، فنقتصر فيه على مورد النَّص، على مورد النَّص، والمسألة قابلة للاجتهاد.

 وعلى كل حال إذا ترتبت المصالح العظمى في مثل الكلاب البوليسية التي تكشف المجرمين فالقول بجواز اقتنائها وجيه.

 «انتقص من أجره كل يوم قيراط»، في رواية في الصحيح «قيراطان»، فجاء قيراط، وجاء قيراطان، وكلها صحيحة، وأهل العلم- للتوفيق بين الروايتين- لهم مسالك؛ منهم من يقول: إن القيراط أو التفاوت المذكور في الحديثين الصحيحين سببه عِظَم الأثر المرتَّب على اقتناء الكلب، لا شك أن اقتناء الكلب بالنسبة للبادية أثره أقل من اقتناء الكلب بالنسبة للحاضرة، البادية يسمعون نباح الكلاب ليل نهار، والحاضر لو يسمع نباح كلب فالواحد منهم ينزعج، لاسيما النساء والأطفال، فالأثر المترتب على الاقتناء في الحاضرة أشد من الأثر المترتب عليه في البادية، فيكون الحضري إذا اقتنى كلبًا ينقص من أجره قيراطان، والبدوي إذا اقتنى كلبًا ينقص من أجره قيراط تبعًا للأثر المترتب على هذا، ومنهم من يقول: إنه قيراط من عمل النهار، وقيراط من عمل الليل، فمن أفرد نظر إلى الليل، أو النهار، ومن جمع نظر إلى الليل والنهار معًا، ومنهم من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر بالأقل أولاً، ثم زِيْد في عقوبة المقتني ثانيًا كما قيل في حديث: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة»، وفي حديث ابن عمر «بسبع وعشرين درجة»، أخبر أولاً بالأقل، ثم أخبر ثانيًا بالأكثر إلى آخر ما قيل فيما مضى.

 القيراط، يعني حده جزء من أربعة وعشرين جزءًا، يعني شيء يسير قيراط، وجاء في حديث الصلاة على الميت واتباع الجنائز تفسير القيراط بمثل الجبل العظيم، وفي بعض الروايات بمثل جبل أحد، فهل نقول: إنه ينقص من أجر متخذ الكلب من أجره مثل جبل أحد؛ لأن النصوص أولى ما تُفَسَّر به النصوص، أولى ما يُفَسَّر الحديث به الحديث إذا جاء مفسَّرًا في موضع آخر حملناه عليه ما لم يمنع من ذلك مانع، فهل نقول: إنه ينقص من أجره في كل يوم مثل الجبل العظيم أو مثل جبل أحد، أو نقول: إن القيراط المرَتَّب على صلاة الجنازة واتباع الجنائز قيراط فضل من الله- جل وعلا-، وفضله لا يحد، وهذه عقوبة من الله -جل وعلا- بصدد التخفيف والتجاوز والمسامحة إلا أنه يبقى الأمر محرَّمًا، لكن هل هذا القيراط مماثِل لقيراط الجنائز، أو نقول: إن ذاك فضل، وهذه عقوبة، ورحمته -جل وعلا - سبقت غضبه، فيبقى كما هو لا يُفَسَّر ولا يُجزَم بأنه كالجبل العظيم، إنما يكون أوقع في النفس وأبلغ في الزجر أن يبقى غير مفسَّر، ولا نقول: إنه جزء يسير من أربعة وعشرين جزءًا؛ لئلا لا يقع الحديث موقعه من نفس المكلَّف وعلى كل حال إذا لم توجد الحاجة لاقتناء الكلب والكلب من الخسَّة والحقارة بمنزلة معروفة عند كل أحد، فلا يليق بمن يقتنيه إلا مماثلته بهذه الخسة في هذه الخسة، وإلا فما المعنى أنك تقتني كلبًا لاسيما والمخاطَب مسلم؟

 أما غير المسلمين فما بعد الكفر ذنب، ما بعد الكفر ذنب، لكن مسلم يتديَّن، ويدين لله بأنه ربه، وأنه خالقه والمنعِم عليه، وأن محمدًا نبيّه -عليه الصلاة والسلام-، والإسلام دينه، ثم بعد ذلك يسمع مثل هذه النصوص وتشبَّه بالكفار ويقتني الكلاب.

 لا يجوز اقتناء الكلب؛ لأنه رتب عليه عقوبة، منهم من يطلق الكراهة في اقتناء الكلب، لكن هذا القول لا وجه له، ولا حظ له من النظر بعد أن رُتِّبَت هذه العقوبة على مقتنيه، وهي نقص أجره؛ لأن نقص الأجر يكون في مقابل مُقاصَّة، ما ينقص الأجر إلا بمقاصَّة في مقابل ذنوب رُتِّبَت على أعمال، فلا وجه لقول من قال: إنه للكراهة، بل التحريم هو الظاهر؛ لأنه المكروه لا يترتب على فعله إثم، إنما الذي يترتب على فعله الإثم فهو المحرَّم.

 "قَالَ الزُّهْرِيّ: فذُكر لابن عمر قول أبي هريرة فقال: يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع" يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع، هل ابن عمر يطعن في اللفظة التي ذكرها أبو هريرة، أو يؤكِّد حفظ أبي هريرة لهذه الجملة؟

يُؤكِّد حفظ أبي هريرة لهذه الجملة، لماذا؟ لأنه صاحب زرع يحتاج هذه الجملة، يحتاج هذه الجملة، يعني بعض من يَكْتُب ويَطْعَن في الصحابة وخيار الأمَّة يقول: إن ابن عمر يشكك في هذه الزيادة؛ لأن أبا هريرة صاحب زرع، لكن هذا الكلام باطل؛ لأن العلة تُؤَيِّد أنه حفظ هذه الجملة، ولم يحفظها غيره، وهو حافظ الأمة؛ لأنه يحتاجها.

 وقلنا في مناسبات كثيرة: إنه لو أُلْقِيَ محاضرة عن مرض من الأمراض، جاء طبيب وألقى محاضرة عن مرض السكري مثلاً أو الضغط ضغط الدم، وقال: إن الأسباب كذا، وعدَّد عشرة أسباب، وينبغي أن يفعل كذا، والعلاج في كذا، وذكَر أمورًا تؤكَل، وأمورًا يمتنع منها، تحافظ على أكل عشرة أنواع من الطعام، وتترك عشرة أنواع، والأسباب عشرة، والحمية كذا إلى آخره، الآن عندنا ثلاثون مفردًا ما بين أسباب وما يدخل في ضمن العلاج مما يؤكل ومما يترك، وسألنا الجميع عن هذه الثلاثين تجد المصاب بهذه الداء يفوته شيء منها؟ ما يفوته شيء من هذه الثلاثين، لماذا؟

لأنه يحتاج أن يحفظ هذه الأشياء ليفعل ويترك، لكن غير المصاب بهذا الداء الذي يحفظ واحدًا اثنين ثلاثة، أكثر، أقل، لكن لأنه لا يهمه فالمحتاج للشيء لا شك أنه يحرص على ضبطه وحفظه، أبو هريرة صاحب زرع، يحتاج إلى هذه الجملة، فهذا مدح لأبي هريرة أنه ضبط هذه الجملة دون غيره، والسبب في ذلك أنه محتاج إليها.

لو يُعرَض اسم دواء يقضي على الأرضة التي تأكل الكتب يعلن عنه في الجرائد والصحف والجرائد يقرؤها العامة والخاصة، من الذي يخرج القلم ويكتب اسم هذا الدواء ورقم الشركة، ويسأل عنه أصحاب الكتب الذين يعتنون بها؟

وقل مثل هذا في جميع الأحوال، شخص يبحث عن سيارة بمواصفات معيَّنة، فيُعلَن عنها في صحيفة ماذا يفعل؟ يأخذ القلم، ويكتب الرقم، ويتصل فورًا دون غيره من الناس، فكل من احتاج شيئًا اهتم به، واعتنى به، وضبطه، وأما الذين لا يهمهم، فما يحتاجون إليه، والدِّين محفوظ، الدِّيْن محفوظ، والأمَّة معصومة من أن تفرِّط من شيء من دِينها.

 قال -رحمه الله-: "وعن عدي بن حاتم قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم"- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه هو الذي سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض أحكام الصيد، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام- وخاطبه، والخطاب وإن كان متجهًا في الأصل لعَدِي بن حاتم، لكنه موجَّه أيضًا لكل من يصح أن يخاطَب به.

 قال: لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل هناك فرق بين قال، وقال لي في الرواية، في الرواية؟ هناك فرق؟

طالب: .......

هم يقولون قال مثل عن، مثل عن محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم في العنعنة، لكن إذا قال: قال لي، قال لي، هل هي أقوى من مجرد قال أو أقل؟

طالب: .......

المسألة مفترضة في شخص غير موصوف بالتدليس، ولقي من يروي عنه بقال، هذا محمول على الاتصال عند أهل العلم، لكن إذا قال: قال لي لاسيما في البخاري فمن أهل العلم من يُقرِّر أنه إذا قال: قال لي فهي مذاكرة، وهي دون الرواية، لكن ابن حجر يقول: ما وجدت ما يدل على ذلك من منهج الإمام -رحمة الله عليه- مع مَن يحكي عنه بقال لي وهنا عدي يقول: قال لي؛ لأنه سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني ما سمعه يقول كلامًا مرسلاً له ولغيره، وإنما سأله فأجابه فقال: «إذا أرسلت كلبك المعَلَّم، أرسلت كلبك المعلَّم» بهذا الشرط، وإن كانت لا توجد في بعض النسخ، لكنها ثابتة في الصحيح، «إذا أرسلت كلبك المعلَّم فاذكر اسم الله عليه»، اذكر اسم الله عليه.

 التسمية على الذبيحة النسيكة والمصيد، على الصيد أمر لا بد منه، والذي لا يُذكَر اسم الله عليه لا يجوز أكله، فمن أهل العلم من يرى اشتراط التسمية، وأن ما لم يُذكَر اسم الله عليه فحكمه حكم الميتة مُطْلَقًا، سواء كان الترك سهْوًا أو عمدًا، وعليه تدل أحاديث الباب مع الآية، ومنهم من يقول: واجبة مع الذِّكْر، وتسقط بالنسيان، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سورة البقرة:286]، مع أن المقَرَّر عند أهل العلم أن النسيان ينزِّل الموجد منزلة المعدوم، ولا ينزِّل المعدوم منزلة الموجود، يعني صلى الظهر ثلاثًا ناسيًا نقول: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سورة البقرة:286]، صلاته صحيحة؟!

ما يمكن، لكن صلى الظهر خمسًا ناسيًا صحيحة أم باطلة؟ صحيحة؛ لأن النسيان ينزِّل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزِّل المعدوم منزلة الموجود.

 وحينئذ يكون عدم المؤاخذة المذكورة في الآية إنما يراد بها الإذن المرتب على المخالفة مع النسيان يرتفع الإثم، لكن لا بد أن يأتي بما ترك، فالاستدلال بالآية لا يتم على مثل هذا، منهم من يقول: إن التسمية سنة كالتسمية على الوضوء، وجاء ما يدل على أن المسلم يكفيه اسمه سمى اللهَ أو لم يسمِّ، لكنه حديث ضعيف جدًّا لا يقاوِم ما جاء في أحاديث الباب مع قوله- جل وعلا-: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [سورة الأنعام:121]، فالمتجه أن التسمية شرط لا تسقط لا بالنسيان ولا بغيره.

 «إذا أرسلت كلبك المعلَّم فاذكر اسم الله عليه» يعني وأنت ترسله إلى الفريسة إلى الصيد تقول: بسم الله، مثل ما تقول: بسم الله، وأنت تذبح الذبيحة، وهل يناسب تكميل البسملة أو لا يناسب في هذا الموضع؟ محل كلام لأهل العلم، هل تقول: الرحمن الرحيم؟ منهم من يقول: لا تقول الرحمن الرحيم؛ لأن هذين الاسمين لا يناسبان الحال، لا يناسبان الحال، على كل حال إذا قال: بسم الله وذكر اسم الله عليه كفى.

طالب: .......

كيف؟

طالب: .......

مع إطلاقه يقول: بسم الله.

طالب: .......

بسم الله، نعم.

طالب: .......

وإذا أطلقه ولم يسمِّ حتى يَصِلْ إلى الفريسة وقبل أن يَشْرَع في صيدها يقول: بسم الله، ما فيه إشكال، يقول: «فإن أمسك عليك فأدركته حيًّا فاذبحه»؛ لأن الحي حياة مستقرة لا بد من تذكيته؛ لأنه الآن وإن كان في الأصل صيدًا إلا أنه صار مقدورًا عليه كالأهلي، فتجب تذكيته، وهنا يستوي الكلب المعلَّم وغير المعلَّم، إذا أدركته حيًّا، ولو كان الكلب غير معلَّم فأدركته حيًّا، فذكيته، خلاص انتهى الإشكال، لكن الذي يختلف فيه الحكم بين المعلَّم وغير المعلَّم ما إذا جاء به الكلب ميِّتًا، فإن كان معلَّما حل أكله، وإن كان غير معلَّم لم يحلّ أكله.

 «فاذبحه، وإن أدركته وقد قتل» يعني مات الصيد، قد مات ولم يأكل منه شيئًا فكلْه، لم يأكل منه شيئًا فكلْه، مفهومه أنه إن أكل منه شيئًا فإنك لا تأكل، فإنك لا تأكل، لماذا؟ لأنه إنما أمسكه لنفسه، والشرط {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [سورة المائدة:4]، فإذا أمسكه لنفسه ما صار صيدًا، فلا يجوز الأكل منه، وعلامة ذلك أنه أكل منه. قال: «وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه شيئا فكلْه»، وسيأتي ما يعارض هذا في حديث أبي ثعلبة الذي يلي هذا.

 «فكله، وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قتل فلا تأكل» أرسلت كلبك المعلَّم إلى هذا الصيد، ورآه كلب آخر فانطلق يريد هذا الصيد، واجتمعا عليه، ولا تدري أيهما قتله، أنت سميت على كلبك، ما سميت على الكلب الثاني، يقول: «وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قَتَل فلا تأكل»، مفهوم الجملة أنه ولو كان الكلب الثاني معلَّمًا، ولو سمى عليه صاحبه، يعني لما انطلق الكلبان إلى هذا الصيد وقتلاه أو قتله أحدهما من غير تعيين، النص يقول: «وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قَتَل فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله»، ما تدري هل هو كلبك أم غير كلبك، هب أنك لا تدري، فسألت صاحب الكلب، وذكر أن كلبه معلَّم ككلبك، وذكر اسم الله عند إرساله، نأكل أم ما نأكل؟ ويكونان فيه شركاء؟

مفهوم الجملة ما نأكل، لكن ما المانع من عدم الأكل؟ قال: فإنك لا تدري أيهما قتله، فيما إذا لم تعلم أيهما قتله، وإذا علمت أن كلبك هو الذي قتله فما فيه إشكال، وإذا علمت أن كلب غيرك قتله، ولم تطَّلِع على حقيقة الحال، حال الكلب وحال صاحبه، هل سمى أو لم يسمِّ، فإنك حينئذ لا تأكل؛ لأن الأصل المنع أو الجواز؟

الأصل المنع، الأصل التحريم إلا المذكَّى أو المصيد، وهذا مشكوك فيه، وهذا الشك لا يرفع الأصل. «فإنك لا تدري أيهما قتله، وإن رميت سهمك» الآن عندنا الصيد بالكلاب والطيور والآلات المحدَّدَة.

 «وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله» صوَّبْتَ السهم وسدَّدْتَه نحو الصيد، ثم لا تدري هل أصاب السهم أو لم يُصِب، وتعلَّق هذا الصيد بغصن شجرة ولم ينزل ثم جئت من الغد فوجدْتَه أصابه السهم ومات، قال: فإن غاب عنك يومًا فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، غاب عنك يومًا فكل إن شئت؛ لأن الأمر الأصل فيه للوجوب، لكن قال: إن شئت؛ لئلا تُلزِم نفسَك بالأكل منه وقد تعافه نفسك بعد يوم، تظهر عليه علامات التغيُّر، فقال: إن شئت، وفي بعض الأحاديث على ما سيأتي: «فكله ما لم يُنْتِن»، تتغير رائحته، فكُلْه ما لم ينتن.

 «فكل إن شئت، وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل»، سدَّدْتَ السهم إلى الصيد وأطلقته فأصابه فوقع في بئر، فوقع في بئر، يقول: وإن وجدْتَه غريقًا في الماء فلا تأكل، احتمال أن يكون الموت بالغَرَق لا بالسَّهْم، وإن كان الاحتمال الآخر موجودًا أنه مات بالسهم، لكن الشك لا يرفع هذا الأصل الذي الأصل فيه المنع، الآن موته مشكوك فيه، هل مات بالسهم أو مات بالغرق؟ وهذا الشك لا يرفع الأصل.

 قد يقول قائل: إننا إذا صدْنا بالسهم طائرًا محَلِّقًا في الجوّ أو على شجرة مرتفعة فسقط على الأرض وارتطم بها، ما ندري هل موته بسبب السهم أو بسبب ارتطامه بالأرض، واحتمال أنه يوم وقع على الأرض مات، الإنسان إذا وقع من الدور الثاني أو الثالث احتمال أن يموت، فلعل هذا الصيد موته بسبب ارتطامه بالأرض، هل نقول: إن هذا مثل الماء؟ هل هذا مثله؟

 طيب وقع في نار، وقع في ماء عرفنا أنه لا يؤكل، طيب وقع في نار، أو وقع على الأرض من قوة نزوله على الأرض مات، احتمال، وقع في نار هل موته بسبب السهم أو بالنار؟ احتمال قوي أم ضعيف؟

قوي مثل الماء، لكن مجرد وقوعه على الأرض وارتطامه بالأرض لا يكفي، والذي يغلب على الظن أن الأثر للسهم، ولو قلنا بأن الاحتمال هذا معتبر لألغي الصيد بالكلِّية إلا إذا تلقفه الإنسان قبل أن يقع على الأرض، يمكن أن يعلق حكم بمثل هذا؟!

ما يمكن أن يعلق حكم أنه لا يجوز إلا إذا أمسكته وهو في الجو بين السماء والأرض، لا، فهذا الوصف ملغى غير ملتفَت إليه في الشرع، ولو كان له أثر لبُيِّن، مع أنه يقتضي المنع من الصيد بالكلية، يعني لا بد أن يقع الصيد على الأرض، والنصوص القطعية دلت على الجواز، فمثل هذا لا يُلتَفت إليه.

 "متفق عليهما، واللفظ لمسلم".

 قال -رحمه الله-: وله، أي لمسلم أقرب مذكور، "وله لمسلم عن أبي ثعلبة الخشني" أبو ثعلبة اختُلف في اسمه كثيرًا، لكن الأكثر على أنه جرثوم، جرثوم بن ناشب أو ناشر، يعني الإنسان أول ما يسمع هذه الكلمة، وشاع استعمالها في إيش؟

في الجراثيم الضارة يتعجب كيف يُسمى بهذا الاسم، لكن الجرثوم في الأصل غير هذا، قد يطلق على أصل الشيء، له إطلاقات كثيرة، المقصود أنه أحيانًا يهجم على القلب المعنى المتبادر العرفي الذي يشاع أو استعمله الناس، فيتعجب الإنسان كيف يسمي ولده جرثوم؟ الإنسان إذا أصيب بجرثوم تستنفر القوى لمكافحته، المقصود أنه أولاً العرب لا يهتمون بالأسماء، ويرون أن التسميات تسميات الأولاد من أجل إخافة الأعداء وما أشبه ذلك، على ما شاع عندهم، فأبو ثعلبة الخشني أعرابي.

 "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال" «إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكلْه ما لم ينتن فكلْه ما لم ينتن»، يعني تتغير رائحته، النبي -عليه الصلاة والسلام- أضافه اليهودي على خبز شعير وإهالة سَنِخَة يعني متغيِّرة منتنة، كيف نجمع بين هذا وهذا؟ هل نقول: إن هذا من خواصه- عليه الصلاة والسلام-، له أن يأكل ما شاء، وينهى الأمة عما شاء؟!

نقول: هذا مستحيل؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- أولى من الأمة بالكمال، ما نقول: إنه أكل من الإهالة السنخة، وهذا خاص به، «وكلْه ما لم ينتن» ينزِّه الأمة عنه ويفعله من باب الاختصاص؟ لا يمكن أن يتجه مثل هذا القول، يعني نظير ما قلناه في حديث ابن عمر حينما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في بيت حفصة يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، منهم من قال: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ونقول: تنزيه الجهة المشرفة المكرمة كمال، فلا يمكن أن يطلب الكمال من الأمة، ولا يطلب من نبيها الذي هو أولى بهذا الكمال، ونظيره ما قلناه سابقًا في: «غطِّ فخذك، فإن الفخذ عورة»، مع حديث أنس حسر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فخذه، قال بعضهم: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.

 نقول: ستر الفخذ كمال، وكل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بهذا الكمال، وقلنا فيما سبق: إن حديث أنس: حسر النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني وهو راكب على الدابة، والدابة لها أحكامها، قد ينحسر من غير قصد، وقد يحصل ما يحصل مع الركوب والنزول.

 المقصود أن مثل هذه الأمور لا يمكن أن يقال: إنها من باب الخصائص، ما نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- يأكل الإهالة السنخة وينهى أبا ثعلبة، أعرابي من الأعراب، نعم هو من من المسلمين ومن صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن يبقى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بهذا الكمال.

 ويجاب عن مثل هذا بأن التغير متفاوت ودرجات، منه ما يصل إلى حد الضرر، فمثل هذا لا يجوز أكله، ومنه التغير اليسير الذي لا يصل إلى حد الضرر، فهذا لا مانع من أكله.

 «إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكلْه ما لم ينتن».

 "وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" الكلام في هذه السلسلة مضى مرارًا، وذكرنا الخلاف في الاحتجاج بهذه السلسلة، وسبب الخلاف، وهو الضمير في جده هل يعود على جد عمرو أو على جد الأب، فإن كان جد عمرو فالمراد به محمد، وإن كان جد الأب عن أبيه عن جده جد الأب فهو عبد الله بن عمرو، وهذا هو المرجح؛ لأنه جاء مصرَّحًا به مبيَّنًا في مواضع عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، ويبقى الخلاف في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، والمرجَّح سماعه منه، والقول الوسط في هذه السلسلة على ما قررناه مرارًا أنه إذا صح السند إلى عمرو فإنها لا تنزل عن درجة الحسن.

 وعلى كل حال فالحديث حسن إلا ما فيه من مخالفة بعض الجمل المعارِضة لحديث عدي وهو أقوى منه، "عن جده أن أعرابيًّا يقال له: أبو ثعلبة" يقال له: أبو ثعلبة، يعني لما نقول: إن أبا ثعلبة أعرابي استنادًا لمثل هذه الرواية، لكن هل لك أن تقول لأي صحابي تسمع اسمه لأول مرة: فلان أعرابي؛ لأن التعرّب كمال أم نقص؟

نقص، من بدا جفا، ما تقول: والله مثلاً أبو عبيدة أعرابي وفلان وفلان من الصحابة، لكن الذي جعلنا نقول: إنه أعرابي: أن أعرابيًّا يقال له أبو ثعلبة، فليس هذا من باب التنقص، وإنما هو من باب الوصف الذي قد يكون له أثر في الحكم؛ لأن الإنسان يجاب على حسب ما تقتضيه حاله، على حسب ما تقتضيه حاله، ولذلك جاءت الأجوبة النبوية عن أفضل الأعمال، وهو سؤال واحد محدد، جاءت الأجوبة متفاوتة لماذا؟

لأن كل سائل يجاب على حسب ما تقتضيه حاله، هذا أعرابي يقال له: أبو ثعلبة الخشني، راوي الحديث السابق قال: يا رسول الله، الحديث السابق له عن مسلم، عن أبي ثعلبة الخشني، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث هذا من مسند مَن؟

طالب: .........

هذا عن أبي ثعلبة ما فيه.. مِن مسند مَن؟

 وله عن أبي ثعلبة الخشني، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، من مسند أبي ثعلبة، الحديث الذي يليه "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيًّا يقال له: أبو ثعلبة" من مسند مَن؟

طالب: .........

نعم؛ لأن أبا ثعلبة صار من المتن لا من السند، ويبقى أن الرواية بأنّ أن أعرابيًّا محمولة على الاتصال كالعنعنة بالشرطين المعروفين.

.......................

 

وحكم أنَّ حكم عن فالجل

سووا وللقطع نحى البرديجي

 

حتى يبين الوصل في التخريج

لأن من أهل العلم من يرى بأن الرواية مثل ما عندنا لا تُحمَل على الاتصال، الجمهور على أن حكم أنَّ حكم عن إذا توافر الشرطان المعروفان حكم لها بالاتصال.

.........................

 

وحكم أن حكم عن فالجلُّ

سووا وللقطع نحى البرديجي

 

حتى يبين الوصل في التخريج

جعل الأصل الانقطاع حتى يبين الوصل، ونسب القول بالانقطاع ابن الصلاح إلى الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة، أحمد ويعقوب بن شيبة، لكن الحافظ العراقي لما ذكر كلام ابن الصلاح قال:

..........................

 

كذا له ولم صوِّب صوْبه

لماذا حكى ابن الصلاح عن الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة أن (أنَّ) منقطعة وليست متصلة كعن وأطلق هكذا؟

لأنهما حكما على حديث عن محمد بن الحنفية عن عمار بن ياسر قال: مَرَّ بِيَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، قالا متصل، والرواية الأخرى عن محمد بن الحنفية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أن عمارًا مر به النبي -صلى الله عليه وسلم- قالا: منقطعة، قالا منقطعة، فابن الصلاح رأى أن الحكمين اختلفا لاختلاف الصيغة، الحافظ العراقي يقول:

..........................

 

كذا له ولم يصوِّب صوْبه

ما وقف على السبب الحقيقي للتفريق بين الحكمين، لماذا؟ حينما يقول محمد بن الحنفية عن عمَّار هو أدرك عمارًا، أدرك عمارًا، فالرواية متصلة، لكن لما يقول محمد بن الحنفية أن عمارًا مَرَّ به النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون محمد بن الحنفية يحكي قصة لم يدركها، يحكي قصة لم يدركها، فهي منقطعة.

.........................

 

كذا له ولم يصوب صوبه

قال: "أنَّ أعرابيًّا يقال له أبو ثعلبة" وعبد الله بن عمرو بن العاص أدرك أبا ثعلبة، فهو يحكي قصة أدركها، فهي متصلة، ولو حكى القصة وهو لم يدركها قلنا: إنها من مراسيل الصحابة، فهي محمولة على الاتصال.

أما الذي أرسله الصحابي

 

فحكمه الوصل على الصواب

"أن أعرابيًّا يقال له: أبو ثعلبة قال: يا رسول الله، إن لي كلابا مكلَّبة" مكلَّبة، وصاحبها مُكلِّب الكلاب مُكلَّبة؛ لأنها مُعلَّمة مفعول، وصاحبها مُكلِّب؛ لأنه فاعل التَّكْلِيْب، طيِّب ما الفرق بين محْصَنات ومحْصِنين؟

طالب: .........

يعني هل يصح في المرأة أن يقول: مُحْصِنَة، وفي الرجل أن يقال: مُحْصَن أو لا؟ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [سورة النــور:4]، {مُّحْصِنِينَ} [سورة النساء:24] يعني ما عندنا ظاهر، يعني الذي عندنا الكلاب مكلَّبة؛ لأنها مفعول، ولا يمكن أن يأتي العكس وصاحبها مكلِّب؛ لأنه هو الذي فعل التكليب الذي هو التعليم، ولا يمكن أن يتصور العكس، لكن بالنسبة للزوج محصِن لزوجته، وفي الوقت نفسه هو محصَن، والزوجة محصَنة، وهي تحصِن زوجها، والإحصان يتأتَّى من هذا لهذا ومن هذا لهذا إلا أن الذي ينبغي في التعبير أن يفرَّق بين الفاعل والمفعول به الفاعل والمفعول به فالرجل هو الفاعل، فيقال: محصِن، والمرأة محصَنة، وإن كان الإطلاق الثاني لا إشكال فيه، يعني يقال في المحصَن حكمه لا يلزم أن نقول: المحصِن المحصَن حكمه الجلد والرجم فيقال: فلان محصَن فحكمه كذا على الخلاف في الجلد مع الرجم.

 المقصود أن الأمر في هذا يسير لتأتي الفعل من الطرفين لا من طرف واحد، يعني مثل ما تقول في المكاتَبة وفي المقاتَلة المفاعَلة التي تكون من طرفين يصح أن يكون أحدهما مكاتِبًا، والثاني مكاتَبًا، والعكس، وأحدهما مقاتِل، والآخر مقاتَل، وبالعكس، ومثله المضارَبة، وكل ما يقتضي فعله من طرفين.

 "إن لي كلابا مكلَّبة فأفتني في صيدها" أفتني في صيدها، الفتوى بيان الحكم، بيان الحكم الشرعي من غير إلزام، بخلاف القضاء فإنه بيان الحكم الشرعي مع الإلزام به، فهل هذا التعريف يصدق على قول أبي ثعلبة: فأفتني، يعني بيِّن لي الحكم ولا تلزمني؟

لا؛ لأن هذا التعريف يُشْكِل، وبعض الناس يسمع مثل هذا التعريف ويقول: أنت اسأل الشيخ، ولا عليك، خله يبين لك الحكم وأنت حر، هل هذا المقصود من قولهم من غير إلزام؟ لا، مقصودهم من غير إلزام أن المفتي لا يتابِع ما يتصل عليك من الغد ماذا فعلت، ثم بعد ذلك يتابع، وإن لم تفعل عاقبك، لا، ليست وظيفة المفتي هذي، لكن القاضي يتابع، ويلزمك، ويلزم بالتنفيذ.

 "فأفتني في صيدها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم"-: «إن كان لك كلابًا مكلَّبة» يعني معلَّمة «فكلْ مما أمسكن عليك فكلْ مما أمسكن عليك» "قال: ذكي وغير ذكيّ؟" ما معنى ذكي؟ فَعِيْل بمعنى مفعول مُذَكَّى ليس المراد ذكي في مقابل غبي لا، إنما ذكي فعيل بمعنى مفعول، يعني مُذَكَّى وغير مُذَكَّى «فكل مما أمسكن عليك»، وهذا محمول على ما إذا قَتَل، أما إذا أدركته حيًّا فلا بد من تذكيته قال: «ذكي وغير ذكي»، "قال: وإن أكل منه؟" قال: «وإن أكل منه» في حديث عَديّ السابق، «وإن أكل منه فلا تأكل» وإن قتل فلا.. وإن وإن..

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

«وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه شيئا فكلْه» مفهومه أنه إذا أكل منه شيئًا فلا تأكل، فلا تأكل، هل نقول: إن مفهوم هذه الجملة في حديث عَدي وهو مخرَّج في الصحيحين مقدم على منطوق حديث أبي ثعلبة، عندنا تعارض بين مفهوم ما جاء في حديث عدي وهو في الصحيحين قال: «وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه شيئًا فكله» مفهوم هذه الجملة أنه إن أكل منه شيئًا فلا تأكله، وهذا المفهوم معارَض بمنطوق حديث أبي ثعلبة قال: «وإن أكل منه»، فهل نقول: إن حديث عدي بن حاتم في الصحيحين، وهذا في السنن حديث أبي ثعلبة في السنن، وما في الصحيحين مقدَّم على ما في السنن، فنحكم على هذه الجملة بأنها شاذة، أو نقول: إن المنطوق مقدَّم على المفهوم، وحينئذ يكون مفهوم حديث عدي بن حاتم ملغى، معارَض بمنطوق، أو نجمع بينهما إن أمكن الجمع فعندنا إما الترجيح وفيه مسلكان:

الأول: ترجيح ما في الصحيحين على ما في غيرهما أو ترجيح المنطوق على المفهوم، وهذا معروف عند أهل العلم أو يقال: إنه بالإمكان أن نجمع بينهما فيُحمَل على حديث عدي أنه إن أكل فلا تأكل، مفهوم حديث عدي أنه أكل فلا تأكل، أنه إن أكل أثناء الصيد؛ لأنه إنما أمسكه على نفسه، لكن إن صاده وأزهق روحه ثم تركه أو جاء به إليك ثم أكل منه؛ لأنه أمسكه لك، ما أمسكه لنفسه، ثم بعد ذلك احتاجه وأكل منه، كما لو جئت بشاة مذبوحة ووضعتها فجاء كلب وأكل منها يُمنَع من أكلها أم لا؟

ما يُمنَع من أكلها، فهو إن أكل أثناء الصيد عرفنا أنه إنما أمسكه لنفسه، وإن أكل بعد ذلك عرفنا أنه أمسكه لك أو عليك ثم احتاج إلى الأكل فأكل، وهذا لا شك أن الجمع عند أهل العلم أولى من الترجيح؛ لأن الجمع عمل بالنصوص كلها، والترجيح إلغاء لبعض النصوص.

طالب: .........

ناسخ حديث ابن عمرو؟! ما الدليل على التأخر؟

نحتاج إلى معرفة التاريخ؛ لنعرف المتقدم من المتأخر للقول بالنسخ الجمع الذي ذكرناه آنفًا يقول به ابن القيم -رحمه الله-، ومعلوم أنه إذا أمكن الجمع لم يُعدَل إلى غيره لا إلى النسخ ولا إلى الترجيح، "قال: يا رسول الله، أفتني في قوسي" أفتني في قوسي، هل المراد الفتوى بالقوس أو في القوس أو فيما يصيده القوس؟

طالب: .........

لأن الباب أو الكتاب للصيد "قال: يا رسول الله، أفتني في قوسي" قال: «كل ما ردت عليك قوسك، كل ما ردت عليك قوسك»، يعني ما نفذ قوسك فيه وجرحه بحده وأخرج منه من الدم ما يخرج، «كل ما ردت عليك قوسك»، "قال: ذكي وغير ذكي؟" قال: «ذكي وغير ذكي» يعني مذكى أو غير مذكى، «إذا لم تدركه حيًّا»؛ لأنك إذا أدركته حيًّا فلا بد من تذكيته، "قال: ذكي وغير ذكي؟" قال: «ذكي وغير ذكي»،  قال: وإن تغيب عني قال: «وإن غاب عنك ما لم يَصِل» ما معنى يَصِل؟

طالب: .........

نعم، إلى حد تغير رائحته أو طعمه، المقصود أنه لم يتغير بنتن، «فكله، وإن غاب عنك ما لم يصل أو تجد غير سهمك» يعني لو وجدت فيه سهمين وأنت ما أرسلت إلا واحدًا مثل ما لو صاده كلبان فإنك إنما سميت على كلبك، وهنا إنما سميت على سهمك أو تجد أثر غير سهمك قل مثل هذا لو وقع في ماء أو وقع في نار أو وقع فيما يتلفه، طيب أنت في محل مسقوف، وفيه مراوح مثل هذه، يعني الصيد لا يتصور في هذا المكان، لكن في مكان مشابه من الحل دخل طائر، ووقف أو على خشب السقف مثلاً فأرسلت سهمك وفي طريقه إلى الأرض ضربته المروحة ثم سقط ميتًا تأكل أم ما تأكل؟ تأكل أم ما تأكل؟

طالب: .........

ما تأكل؛ لأنك لا تدري أيهما قتله هل هو السهم مثل ما لو وقع في ماء.

طالب: .........

سقط على الأرض.

طالب: .........

صادها بسهمه.

طالب: .........

الشوزن.. نعم هذا يحصل فيه خَلْط؛ لأن الاسم المستعمل الذي هي البندقية تغيرت حقيقته عند المتأخرين عن حقيقته عند المتقدمين، يعني ما يصاد بالبندق حرام عند أهل العلم، الكتب قاطبة تقول: حرام، ماذا تقول أنت؟!

لأن البندق الذي يتحدثون عنه غير البندق التي نتحدث عنه، البندق يصيد بثقله ولا يجرح، الذي يستعملونه هم يصيد بثقله ولا يجرح، أما البندقية التي يستعملها الناس فإنما تصيد بحدها وتجرح، فالصيد فيها حلال؛ إذ يحصل خلط كبير، يعني يذهل الإنسان كل الناس الآن قاطبة تصيد بالبنادق، ويرى كلام أهل العلم القول بالتحريم، وهو المعروف عندهم، فكيف يخالف الناس كلهم؟!

نقول: لا، البندق المعروف عندهم يختلف عن البندق التي تعرفها، وهذا سببه الخلط في الحقائق، الخلط وعدم تمييز الحقائق، فلا بد من تحرير هذه الحقيقة هل هي المرادة عند المتقدمين أو غيرها.

يقول: "رواه أبو داود والدارقطني وإسناده صحيح إلى عمرو، وقد أُعِلّ" وقد أُعِلّ بأي شيء؟

طالب: .........

نعم بمخالفة حديث عدي بن حاتم «وإن أكل منه» هذه علة، لكن إذا أمكن الجواب عنها ارتفعت العلة، وقد يعود الإعلال إلى السند عند من يضعف هذه السلسلة.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"