كتاب الجامع من سبل السلام (3)

نعم.

"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.

اللهم اغفر لشيخنا والسامعين.

أما بعد،

فقال في البلوغ وشرحه في باب الأدب من كتاب الجامع:

وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث»، المناجاة المشاورة والمسارَّة دون الآخر."

يعني بصوت منخفض.

حتى تختلطوا بالناس» وعلله بقوله «من أجل أن ذلك يحزنه». متفق عليه، واللفظ لمسلم."

ما فيه شك أنه إذا تناجى اثنان وعندهم ثالث أنه يحزنه، وقد يرتاب في الأمر، وأنهما يتآمران عليه، ومثل هذا إذا تحدث اثنان بلغة لا يحسنها الثالث، ولو ارتفعت أصواتهم في حكم المناجات.

أحسن الله إليك.

"فيه النهي عن تناجي الاثنين إذا كان معهما ثالث، لا إذا كانوا أكثر من ثلاثة؛ لانتفاء العلة التي نص عليها، وهي أنه يحزنه انفراده وإيهام أنه ممن لا يؤهل للسر، أو يوهمه أن التناجي من أجله، ودلت العلة على أنهم إذا كانوا أربعة فلا نهي عن انفراد اثنين في المناجاة؛ لفقد العلة، وظاهر الحديث عام لجميع الأحوال في سفر وحضر، وإليه ذهب ابن عمر ومالك وجماهير العلماء، وادعى بعضهم نسخه، ولا دليل عليه، وأما الآيات في سورة المجادلة، فهي في نهي اليهود عن التناجي، كما أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} [سورة المجادلة:8]، الآية أنه قال: اليهود، وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان أنه قال: كان بين اليهود وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- موادعة، فكانوا إذا مر بهم رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله، أو بما يكرهه، فإذا رآهم المؤمن خشيهم فترك طريقه عليهم، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النجوى، فلم ينتهوا، فأنزل الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} [سورة المجادلة:8].

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-.."

بعضهم خص النهي في السفر، ولا دليل على التخصيص، قالوا: إن السفر هو الذي يتمكن فيه المتناجيان من الإيقاع بالثالث، أما في الحضر فقد يجد من يساعده ويعينه، لكن لا دليل على التخصيص.

"وعن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا». متفق عليه، وفي لفظ لمسلم: «لا يقيمنَّ» بصيغة النهي مؤكَّدًا، فلفظ الخبر في هذا الحديث الذي أتى به المصنف في معنى النهي، وظاهره التحريم.."

ولو كان بصيغة الخبر؛ لأن النهي إذا جاء بصيغة النفي صار أبلغ في النهي، صار أبلغ في النهي، فإنه كأنه ألقي على أناس امتثلوه ما يحتاجون لأن ينهون عنه، لا يحتاجون أن ينهوا عنه؛ لأنهم امتثلوا، ولا يحتاج إذا جاء بصيغة النفي كأنه منتفٍ، هو يتحدث عن أن المسلم لا يتصور منه أن يقع مثل هذا الأمر، فهو أبلغ في النفي في النهي.

طالب: ...........

نعم هو الخبر، ولذلك قال: لا يقيم، ما قال: لا يقم، فلا نافية هنا، وليست ناهية، أما رواية مسلم: «لا يقيمنَّ» فهذه ناهية واضحة.

أحسن الله إليك.

"وظاهره التحريم، فمن سبق إلى موضع مباح من مسجد أو غيره لصلاة أو غيرها من الطاعات فهو أحق به، ويحرم على غيره أن يقيمه منه."

ولو كان والده، ولو كان أباه.

طالب: ..........

لا، هذا في الإيثار، هذا في الإيثار، هل للولد أن يؤثر أباه بهذا المكان؛ لأنه أفضل له الصف الأول؟ الابن والإيثار بالقُرَب عند أهل العلم معروف حكمه، لكن لو جاء الوالد أو جاء شخص له حق عليه وآثره فيه فهي مصلحة راجحة.

أحسن الله إليك.

"إلا أنه قد أفاد حديث من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به."

يعني رجع إليه قريبًا، يعني رجع إليه قريبًا، أو كان موجودًا في المكان وارتفق، معلوم أن الصف الأول يتعب لو جلس فيه مدة طويلة وذهب إلى مكان يتكئ فيه على عمود أو على جدار وهو موجود فله أن يحجز.

أحسن الله إليك.

"أخرجه مسلم أنه إذا كان قد سبق فيه حق لأحد بقعوده فيه من مصلٍّ أو غيره، ثم فارقه لأي حاجة، ثم عاد إليه وقد قعد فيه أحد كان له أن يقيمه منه."

هذا إذا عاد إليه قريبًا، أما إذا طال الفصل فلا.

طالب: ..........

ما يلزم على مقتضى الحديث، لا يلزم أنه أحق به مطلقًا.

طالب: ..........

هو ما فيه شك أن هذا أحوط وأحسن، لكن إذا شهد الحاضرون أنه قام وهو جالس بهذا المكان من صلاة الجمعة جاء من الساعة الثامنة أو التاسعة وجلس ثم خرج إلى الدورة ورجع أحق به بلا شك، لكن لو رجع إلى البيت وهو جاء التاسعة، وجلس نصف ساعة، ثم رجع البيت وأفطر ونام وجاء الحادية عشرة لا، ليس أحق به.

"وإلى هذا ذهبت الهادوية والشافعية، وقالت الشافعية: لا فرق في المسجد بين أن يقوم ويترك فيه سجادة أو نحوها أو لا، فإنه أحق به، قالوا: وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة وحدها دون غيرها، والحديث يشمل من قعد في موضع مخصوص لتجارة أو حرفة أو غيرهما قالوا: وكذلك من اعتاد في المسجد محلاًّ يدرس فيه فهو أحق به، قال المهدي: إلى العشي، وقال الغزالي: إلى الأبد ما لم يَضرب.."

أو يُضرب يا شيخ؟

لعله ما لم يُضرَب، يعني مدة معينة، يعني مدرس في الصيف يدرس في الشتاء يدرس في كذا أو في أيام من أيام الأسبوع دون غيرها.

طالب: ..........

أو كذلك، لكن الظاهر أنه ما لم يُضرَب مدة معينة للدرس، دروسه في ثلاثة أيام أو في يومين، ما يكون أحق به في بقية الأيام.

أحسن الله إليك.

"وأما إذا قام القاعد من محله لغيره، فظاهر الحديث جوازه، وروي عن ابن عمر أنه كان إذا قام له الرجل من مجلسه لا يقعد فيه، وحُمل على أنه تركه تورعًا؛ لجواز أنه قام له حياءً من غير طيبة نفس.

 وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أكل أحدكم طعامًا فلا يمسح يده حتى يَلعَقها» بنفسه «أو يُلعِقها» غيره، الأول بفتح حرف المضارعة من لَعَق، والثاني بضمه من ألعَق رباعي، والأول ثلاثي.

 متفق عليه.

 والحديث دليل على عدم تعيين غسل اليد من الطعام، وأنه يجزئ مسحها، وفيه دليل على أنه يجب لعق اليد أو إلعاقها الغير، وعلله في الحديث بأنه لا يدري في أي طعامه البركة، كما أخرجه مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: «إنكم لا تدرون في أيٍّ البركة»، وكذلك أمر -صلى الله عليه وسلم- بالتقاط اللقمة من الأرض ومسحها وأكلها، كما في رواية لمسلم أيضًا.."

لا تدعها للشيطان إذا وقعت، لا تدعها للشيطان، وهذه أمور مهجورة في هذا الوقت، هذه أمور مهجورة، يعني لو مع الترف يستقذر، لكن لو كان هناك حاجة ما استقذرها، الناس إلى وقت قريب يتناوبون الإناء الواحد، ويشربون منه كلهم، ما عندهم مشكلة، الآن لا، تأتي بأوانٍ مؤقتة شربت بواحد ما تشرب به ثانية خلاص.

طالب: ..........

ما المانع؟!

نعم، ما عندهم مانع، ما عندهم مشكلة.

طالب: ..........

بلا شك هذا شيء مؤكد، وهذا يتبع التوكل لما الناس بالغوا في مثل هذه الأمور أصيبوا بأمور ما كانت توجد في السابق.

طالب: ..........

لا لا، إذا تركها فما عليه شيء، إذا استقذرها وصارت نفسه لا تطيقها {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [سورة البقرة:286] لو أمره والده بأكل طعام لا يشتهيه فهل يلزمه الطاعة؟ الطاعة بالمعروف.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

والله حتى لو كانت حبات، لو كانت حبات فهذه نعم لا بد من تقديرها واحترامها وشكرها، الذي ما أدرك الزمن السابق، وكلنا ما أدركناه، ولله الحمد، يتردد في مثل هذا الكلام، لكن أناس يعني سافروا إلى بلد من البلدان؛ لطلب العيش، ورجعوا إلى بلدهم، ثم سافروا بعد سنة إلى ذلك البلد، ثم بعدوا عن طريقهم في العام الماضي، واضطروا أن يرجعوا إليه عشرات الكيلومترات رجاء أن يجدوا في مكانهم الذي جلسوا في العام الماضي شيئًا إما تمرة يابسة أو شيئًا، وتنازعوا في أكل بعضهم البعض، كل يدرء عن نفسه، وأكلوا الميتة، وأكلوا.. أشياء، أكلوا الكلاب من الجوع، اللهم لا نحصي ثناءً عليك.

أحسن الله إليك.

"وكذلك أمر -صلى الله عليه وسلم- بالتقاط اللقمة من الأرض، ومسحها، وأكلها، كما في رواية لمسلم.."

يعني إذا نظرنا إلى وضعنا الآن وإسراع الأمراض إلى الناس وإلى الأجسام سببه ضعف التوكل، ولذا تجدون أسرع من تكون العين إليه أخوف الناس منها، الذي يخاف من العين هذا هو الذي يصاب، والذي ما يهتم لها، ولا يلقي لها بالًا هذا في الغالب ما يصاب بالعين، انظر الآن ذكرنا في مناسبات أسماء بنت عميس أصابها الطلق وهي في بيتها، وولدت في المحرم عشرة كيلو كم باقية على مكة؟ أربعمائة كيلو، وحجت مع الناس، تتصورون على سيارة مريحة فارهة فاخرة؟ لا، على جمل، وبعد يمكن نصف الوقت مشيًا، وحجت ورجعت ولا.. ما فيه مشكلة، أخبرنا بعض من سبقنا في السن أن النساء وهي في التاسع، في الشهر التاسع من الحمل تجذ العيادين من النخل اللت ما يرى رأسها وهي في التاسع، وما صار بهم شيء، وهي في طريقها من بلد إلى بلد تلد، وتقطع السرة وتحمله معها ولا صار شيء، لكن الآن إذا ظهرت نتيجة التحليل موجب فيه حمل قال: على ظهرك إلى الولادة! والله صحيح!

هذا كله سببه الترف، الترف يولِّد مثل هذه الأمور، والله أمور يذكرها الذين سبقونا، وأدركوا بعض الشيء من شظف العيش، شيء لا تقبل النفس سماعه، والله ما تقبل النفس سماعه، ما هو تصوره.

 واحد يقول من أهل الشمال جاءنا ما أدري الملك سعود أو ما أدري إيش، وخيم في مكان في البر، ولما راح صاروا الناس من البادية يترددون على هذا المكان ويأكلون من الذي سقط وما أدري من بقية الطعام، ويقول واحد: والله أنا عيالي محتاجين، ونظرت إلا ما معي شيء إلا السروال ماذا تقول؟ سروال يمكن له سنة ما غسل، وعباه من بعض الأشياء، وراح به لعياله ماذا تفعل؟ فنخن نعيش في نعم ما توفرت لأحد قبلنا.

طالب: ..........

أجل ما فيه شك، لكن أيضًا على الإنسان أن يمرن نفسه، ويستحضر مثل هذه الأمور، ويشكر، مثل هذه النعمة لا تقر إلا بالشكر {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [سورة إبراهيم:7].

أحسن الله إليك.

"وكذلك أمر -صلى الله عليه وسلم- بالتقاط اللقمة من الأرض ومسحها وأكلها، كما في رواية لمسلم أيضًا بلفظ: «إذا وقعت لقمة أحدكم، فليمط ما بها من الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان»، وهذه الأمور من اللعق والإلعاق ولعق الصحفة وأكل ما يسقط ظاهر الأوامر وجوبها، وإلى هذا ذهب أبو محمد بن حزم، وقال: إنها فرض، والبركة هي النماء والزيادة والخير، والمراد هنا ما يحصل به التغذية، وتسلم عاقبته من أذى، والتقوي على طاعة الله وغير ذلك، وهذه البركة قد تكون في لعق اليد أو لعق الصحفة، أو أكل ما سقط على الأرض، وإذا كان علل أكل الساقط بأنه لا يدعها للشيطان، والمراد من قوله: يده وأصابع يده الثلاثة كما ورد أنه -صلى الله عليه وسلم-.."

نعم؛ لأنه كان يأكل بثلاث أصابع، يأكل بثلاث أصابع، وهذا فيما يمكن حمله في الأصابع الثلاثة، أما ما لا يمكن.

طالب: ..........

الأرز ممكن.

طالب: ..........

هذه التي تراها نعم، هذه لكن إذا لم يمكن، صار لينًا جدًّا فما تقدر، صار الطعام ليِّنًا.

طالب: ..........

على كل حال واحد من أهل العلم يقول: إن الأكل بالملعة أقرب إلى تطبيق السنة؛ لأنك تمسك الملعقة بثلاث أصابع، قال واحد من العلماء: إن كان يأكل الملعقة صحيح؛ لأنه رفعها بثلاث أصابع.

طالب: ..........

فهمت؟

طالب: ..........

يقول: تحمل الملعقة بثلاث أصابع، فهي أقرب إلى تطبيق السنة، هذا من أهل العلم، قال الثاني من أهل العلم أيضًا: إن كان يأكل الملعقة فصحيح، رفعها بثلاث أصابع.

طالب: ..........

ابن عثيمين -رحمه الله-.

أحسن الله إليك.

"والمراد من قوله: يده هو أصابع يده الثلاث، كما ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يأكل بثلاث أصابع، ولا يزيد الرابعة والخامسة إلا إذا احتاجهما، بأن يكون الطعام غير مشتد."

يعني إذا كان الطعام رخوًا إذا حملته بثلاث أصابع فما تحمل شيئًا فتزيد.

"بأن يكون الطعام غير مشتد أو نحو ذلك، وقد أخذ سعيد بن منصور أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أكل أكل بخمس، وهو مرسل، وفي الحديث دلالة على أنه لا بأس بإلعاق الغير أصابعه من زوجة وخادم وولد وغيرهم."

يعني ممن لا يتقذر ذلك، لكن الذي يتقذره لا يجوز إكراهه عليه.

أحسن الله إليك.

"فإن تنجست اللقمة الساقطة فيزيل ما فيها من نجاسة إن أمكن، وإلا أطعمها حيوانًا، ولا يدعها للشيطان، كما قاله النووي، بناءً على جواز إطعام الحيوان الطعام المتنجس، وهو إجماع الأمة خلفًا عن سلف، وتقدم الكلام في ذلك."

إطعام الحيوان الطعام المتنجس لاسيما غير المأكول، وأما المأكول فإنه يدخل في حكم الجلالة، أما غير المأكول فيدل له حديث المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وخشاش الأرض فيها الطاهر والنجس.

 والله أعلم.

طالب: ..........

والله هذا الأصل في الأوامر الوجوب، لكن الجمهور يحملونها على مثل هذه الأوامر في باب الأدب أنها للندب.

طالب: تناجي الأطباء يا شيخ في المستشفيات بلغات أخرى هل يعتبر تناجيًا؟

والله يعتبر إذا خاف، غلب على الظن أن هذا يخاف..

طالب: ..........

لا، هم بعضهم مثل ما ذكر الشيخ يقول: أحيانًا حاجة المريض تدعو إليه يتكلم بكلام لو علم به ما فيه شك أنه يقلقه.

طالب: ..........

لا لا، ما يلزم ما يلزم.

طالب: ..........

أسقطها عنوة؟

طالب: ..........

 

على كل حال إذا كانت ما هي ذاهبة هدرًا، ولا تعرضت لامتهان فالأمر سهل، إن شاء الله.