شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (156)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده، ورسوله محمد، وآله، وصحبه أجمعين. أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح". مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال المصنف -رحمه الله- عن أبي مسعود الأنصاري- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله لا أكاد أُدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- في موعظةٍ أشدَ غضباً من يومئذٍ فقال: «أيها الناس، إنكم منفرون، فمن صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده، ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين. أما بعد: فراوي الحديث أبو مسعود عُقبة بن عمروٍ البدري صحابي نزل بدرًا فنُسب إليها، ولم يشهدها في قول الأكثر، قد تقدم ذكره في الحديث الحادي والخمسين، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله: باب الغضب في الموعظة، والتعليم إذا رأى ما يكره. يقول العيني في وجه المناسبة بين البابين هذا والذي قبله باب التناوب في العلم: من حيث إن المذكور في الباب الأول التناوب في العلم، وهو من جملة صفات المتعلمين يعني المتناوبين، ومن جملة المذكور في هذا الباب أيضًا بعض صفاتهم، وهو: أن المعلم إذا رأى منهم ما يكرهه يعني بعض صفاتهم المكروهة، وهو أن المعلم إذا رأى منهم ما يكرهه يغضب عليهم، ويُنكر عليهم فتناسق البابين من هذه الحيثية.

العيني ربط بين البابين باعتبار أن الباب الأول التناوب في العلم مرتبط بالمتعلمين، وهو أنهم يتناوبون، وهذا الباب أيضًا مرتبط بالمتعلمين باعتبار أنهم قد يحصل منهم ما يكره؛ فيضطر المعلم إلى أن يغضب عليهم، وفي التناوب، المعلم يغضب عليهم، ولا يرضى عليهم؟

المقدم: يرضى.

 يرضى بلا شك. يرضى عليهم بالنسبة لمن لا تسمح له ظروفه بالملازمة.

المقدم: نعم.

 أما من تسمح له ظروفه بالملازمة، ويعتمد على غيره مثل هذا لا يُرضى. مطابقة الحديث للترجمة في قوله: في موعظةٍ أشد غضبًا؛ لأنَّ الترجمة باب الغضب في الموعظة في موعظةٍ أشد غضبًا من يومئذٍ، وهي في غاية الوضوح. "قال رجل" يقول ابن حجر: قيل هو حزم بن أبي كعب، يعني في هذا الموضع قال ابن حجر: هو حزم (قيل) بصيغة.

المقدم: التمريض.

التمريض قيل: هو حزم بن أبي كعب، وجزم به في المقدمة، فقال: هو حزم بن أبي كعب. وفي كتاب الصلاة في الموضع الثاني من رواية تخريج البخاري لهذا الحديث في كتاب الصلاة يقول: لم أقف على تسميته، ووهم من زعم أنه حزم بن أبي كعب.

المقدم: مع أنه ذكره هو.

 نعم جزم به في المقدمة.

المقدم: وضعفه.

 وضعفه هنا، يعني أورده ولم يورد غيره.

المقدم: وأنكر على من قاله.

 وأنكر على من قاله، ووهم من زعم أنه حزم بن أبي كعب؛ لأنَّ قصته كانت مع معاذ لا مع أُبي بن كعب. وقال: وقصة معاذ مغايرة لحديث الباب، هو يرى أن حديث الباب فلان هذا هو أُبي بن كعب، وقصة حزم بن أبي كعب وقعت مع معاذ، وقال: وقصة معاذ مغايرة لحديث الباب؛ لأنَّ قصة معاذ كانت في العشاء، وكان الإمام فيها معاذًا، وكانت في مسجد بني سلمة، وهذه كانت في الصبح، وكانت في مسجد قباء، ووهم من فسر المبهم هنا فلان بمعاذ، بل المراد به؛ أُبي بن كعب كما جزم به أبو يعلى بإسناد حسن. الآن عندنا الإمام في هذه القصة أُبي بن كعب، والرجل الذي أنكر على هذا الإمام، شكا هذا الإمام حزم بن أبي كعب يقع في كثير من التراجم حزم بن أُبي بن كعب كأنه ولد للصحابي؛ لقرب الصورة حزم بن أبي كعب.

المقدم: مع أبي بن كعب.

 كأنها أُبي بن كعب. في التاريخ الكبير للإمام البخاري -رحمه الله تعالى- حزم بن أبي كعب، قال: موسى بن إسماعيل حدثنا طالب بن حبيب، قال: سمعت عبد الرحمن بن جابر عن حزم بن أبي كعب أنه مر بمعاذ بن جبل وهو يؤم في المغرب فطول، فانصرف فذكر حزم للنبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: «أحسنت، فقال: يا معاذ، لا تكن فتانًا» الحديث. فدل على أن قصة حزم بن أبي كعب كانت مع معاذ، لكنه قال هنا: في المغرب، وهو يؤم في المغرب، والذي جزم به ابن حجر..

المقدم: العشاء.

 أنها كانت في العشاء. ابن عبد البر في الاستيعاب نقل هذا الكلام الذي ذكره البخاري في تاريخهِ. وفي الإصابة لابن حجر، حزم بن أبي كعب الأنصاري روى أبو داود الطيالسي عن موسى بن إسماعيل نفس إسناد البخاري، عن موسى بن إسماعيل عن طالب بن حبيب سمعت عبد الرحمن بن جابر يُحدث عن حزم بن أبي كعب أنه مر على معاذ بن جبل وهو يصلي بقومه فذكر حديثه بتطويله بهم، وأمر النبي-عليه الصلاة والسلام- له بالتخفيف.

 فتبين أن المبهم ليس هو الرجل، ليس هو حزم بن أبي كعب؛ لأنَّ القصة تختلف، والإمام يختلف. وإن كانت القصتان متقاربتين، لكن هناك فروق يسيرة، هناك فروق يسيرة، حُفظ هنا خُطبة قال: يا أيها الناس، هناك ما في خُطبة إنما واجه معاذًا بالإنكار، "أفتان يا معاذ؟". وهنا قال: «أيها الناس إنكم منفرون»، ما واجه أُبي بن كعب، وسيأتي مزيد بيان لهذا. لا أكاد (كاد) من أفعال المقاربة (مثل: أوشك، وكرِب)، وهي تعمل عمل (كان) ترفع المبتدأ، وتنصب الخبر، يقول ابن مالك: ككان كاد يعني في العمل. وفي المفردات للراغب، ووُضع كاد لمقاربة الفعل، يقال: كاد يفعل، إذا لم يكن قد فعل، كاد يفعل، إذا لم يكن قد فعل، وإذا كان معه حرف نفي يكون لما قد وقع، ويكون قريبًا من ألا يكون.

المقدم: إذا كان معه حرف نفي.

 نعم، {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} هم فعلوا لكنهم.

المقدم: كانوا مترددين.

كادوا ألا يفعلوا، كاد الأمر ألا يقع لكنهم مع ذلك فعلوا؛ لأنها إذا لم تقترن بالنفي دلت على عدم وقوع الفعل، وإذا اقترنت به.

الأخ الحاضر: دل على وقوعه.

 دلت على وقوعه مع بعده، بعد التردد الطويل. يقول- جلَّ وعلا-: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [سورة الإسراء:74] هنا فعل أو ما فعل؟  ما يفعل. وقال: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ} [سورة مريم:90].

المقدم: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [سورة القلم:51]

{يَكَادُ الْبَرْقُ} [سورة البقرة:20]، يقول: ولا فرق بين أن يكون حرف النفي متقدمًا عليه، أو متأخرًا عنه نحو قوله- جلَّ وعلا-: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [سورة البقرة:71]، وقوله: {لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ} هذا ما قرره صاحب المفردات "الراغب الأصفهاني". في البصائر ماذا؟

المقدم: أولي الألباب.

 بصائر ذوي التمييز لـ "الفيروز آبادي" (كاد) وُضعت لمقاربة الشيء فُعل، أو لم يُفعل. فمجردةً تُنبئ عن نفي الفعل، ومقرونة بالجحد تُنبئ عن وقوع الفعل، وفي الحديث «كاد الفقر أن يكون كفرًا» صار، أم ما صار؟

الأخ الحاضر: ما صار.

ما صار؛ لأنها مثبتة «وكاد الحسد يغلب القدر». في قوله- جلَّ وعلا-: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [سورة طه:15]. أُخفيت، أو ما أُخفيت؟ 

المقدم: أُخفيت.

إذاً أكاد أُخفيها.

الأخ الحاضر: لكن فيه علامات، فيه إشارات، فيه دلالات.

 على إيش؟

 الأخ الحاضر: على الساعة.

المقدم: لكن إخفاءها ظاهر مع وجود العلامات مثل ما يقول الأخ، يقولون هناك علامات عليها ودلالات تدل على أنها ستحصل.

نطبق الآية على القاعدة.

المقدم: على القاعدة تستقيم.

مستقيم {أَكَادُ أُخْفِيهَا}؟

المقدم: أخفيت.

{أَكَادُ} بدون نفي؟

الأخ الحاضر: كأنها ظهر.

مع الإثبات أكاد أُخفيت، أو ما أُخفيت؟

المقدم: أُخفيت.

{تَكَادُ السَّمَوَاتُ}.

 المقدم: {يَتَفَطَّرْن}.

تفطرت السموات؟

المقدم: لا.

 لأنها بدون نفي، وهم يقولون: كاد يفعل إذا لم يكن قد فعل.

المقدم: {كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} [سورة الإسراء:74].

 وإن كان معه حرف نفي يكون لما قد وقع، ويكون قريبًا من ألا يكون. لو طبقنا هذه القاعدة على هذه الآية.

المقدم: ما تستقيم.

تكون أُظهرت.

المقدم: نعم.

لكن مع بُعد وتردد في إظهارها. {أَكَادُ أُخْفِيهَا} لو طبقناها على القاعدة تكون الساعة معلومة أم غير معلومة؟

الأخ الحاضر: معلومة.

تكون معلومة؛ لأنه كاد أن يُخفيها ولم يُخفها هذا الأصل، أي أريد أن أُخفيها، قال بعضهم: في قوله تعالى: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [سورة طه:15] أي أريد أُخفيها، كما جاز أن يوضع أريد موضع كاد، في قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} [سورة الكهف:77]، نعم {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ}، فكذلك كاد. يقول أنشد:

كادت وكدت وتلك خير إرادةٍ

 

لو عاد من له الصبابة ما مضى

المقصود أنه في هذه الآية يقول معنى (كاد) أكاد (أريد)، لكن أوضح من هذا لو حملت الآية كما جاء عن بعض السلف (أكاد أُخفيها حتى عن نفسي) يعني مبالغة في إخفائها، الله - جلَّ وعلا- لا تخفى عليه خافية، وهو الذي قدر الأمور كلها، ولا يعلم متى الساعة إلا ..

المقدم: هو.

 

الله - جلَّ وعلا- وأما من عداه لا يعلم الساعة أحد، وفي قوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [سورة طه:15] لو طبقنا القاعدة عليها لقلنا إنها معلومة، لكنها كادت أن تخفى، وهي في الحقيقة ليست بمعلومة، ولذا قال بعضهم إن معنى: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} يعني حتى عن نفسي، أما بالنسبة لجميع المخلوقات فهل يعلم بها أحد؟ لا يعلمها إلا الله- جلَّ وعلا-. شيخ الإسلام -رحمه الله- له كلام عن (كاد) وأنها قد تأتي أحيانًا مع الإثبات، وتكون مع عدم الوقوع. يقول -رحمه الله تعالى-: في منهاج السنة في الجزء الخامس، النسخة المحققة صفحة 140، و141: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [سورة النساء:78] {لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} مفهومه..

المقدم: أنهم يفقهون.

أنهم يفقهون، وقد قيل في مثل هذا لم يفقهوه، ولم يكادوا، وأن النفي مقابل الإثبات وقيل: بل معناه فقهوه بعد أن كادوا لا يفقهونه يعني على القاعدة. وكقوله: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [سورة البقرة:71]، فالمنفي بها مثبت، والمثبت بها منفي، وهذا هو المشهور، وعليه عامة الاستعمال. وقد يقال: يراد بها هذا تارة، وهذا تارة يعني حتى مع وجود الحرف وعدم الحرف يراد بها النفي أحيانًا.

المقدم: أحيانًا تفهم من السياق.

والإثبات أحيانًا. فإذا صرّحت بإثبات الفعل فقد وُجد، فإذا لم يؤت إلا بالنفي المحض، كقوله: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [سورة النور:40] و{لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [سورة النساء:78] فهذا نفي مطلق، ولا قرينة معه تدل على الإثبات، فيفرق بين مطلقها، ومقيدها. وهذه الأقوال الثلاثة لمحات، وقال بكل قول طائفة، إلى آخر كلامه- رحمه الله-.

المقدم: جيد.

وإلا كأنهم يطبقون في كتب النحو على هذا المعنى، والأدلة كلها ماشية على، أو جُلها ماشية على ما قعدوه، المنفي بها مثبت، والمثبت بها منفي هذا هو الأصل، لكن يأتي مثل {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [سورة النساء:78] في آخر سورة الكهف لما بلغ بين السدين وجد {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ}[سورة الكهف:93]، ومحاورتهم له، وعرضهم عليه المال يدل على أنهم يفقهون، أو لا يفقهون؟

الأخ الحاضر: يفقهون.

 مثل ما عندنا، فإذا جاء هذا في النفي.

المقدم: دل على الإثبات.

 وأريد به الإثبات، هنا نفي ولا إثبات؟

المقدم:{لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} هذا نفي.

الأخ الحاضر: هذا نفي.

المقدم: نفي يراد منه الإثبات.

هذا نفي، لكنه يراد منه الإثبات، الآية التي معنا {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [سورة طه:15].

المقدم: إثبات.

إثبات.

الأخ الحاضر: ويراد منه الإثبات.

 ويراد منه الإثبات.

الأخ الحاضر: لأنه أشبه...

المقصود أن الموضوع دقيق، القاعدة جارية على التخالف، المنفي مُثبت، والمُثبت منفي.

المقدم: إلا في حالات.

شيخ الإسلام -رحمه الله- قال: هذا هو المشهور، وعليه عامة الاستعمال، وقد يراد بهذا تارة، وهذا تارة، وهذا يحل الإشكال.

المقدم: صحيح.

نعم يقول: "لا أكاد أُدرك الصلاة مما يطول" وفي رواية مما يطيل، فالأولى من التطويل، والثانية من الإطالة، وكلمة (من) للتعليل، و(ما) مصدرية، يعني لا أكاد أدرك من الإطالة. يقول القاضي عياض: ظاهره مُشكل، وجه الإشكال.. ما وجه الإشكال في ظاهره؟ لا أكاد أُدرك مما يطول، الذي يطول يُدرك أم ما يُدرك؟

المقدم: يدرك.

هو الذي يُدرك، الذي لا يكاد يُدرك الذي؟

المقدم: يسرع.

 يستعجل، أو يُسرع. يقول: ظاهره مُشكل؛ لأنَّ التطويل يقتضي الإدراك لا عدمه، يقول: فكأن الألف زيدت بعد لا (لا أكاد).

المقدم: كأنها لا أكاد.

 وكأن (أُدرك) كانت أترك. إذا قلنا الألف زيدت بعد لا (لا أكاد)، (لا أكاد أُدرك الصلاة مما يطول)، لكن هل يمشي هذا على ضبط الرواة، وإتقانهم، وتحريرهم، وثقتهم، وما عُرف عنهم من تحرٍّ، وتثبت؟ هو يريد أن يحذف الألف لتكون (لا أكاد) تكون (لأكاد)، وأيضًا (أُدرك).

المقدم: تصير أترك.

 تكون أترك، يقول ابن حجر: هو توجيه حسن لو ساعدته الرواية، لكن ما في رواية بهذا. يقول أبو الزناد بن سراج فيما نقله عنه ابن بطال قول الرجل: "لا أكاد أُدرك الصلاة مما يطول بنا فلان" يدل أنه كان رجلاً مريضًا، أو ضعيفًا.

المقدم: نعم.

 فكان إذا طول به الإمام في القيام لا يكاد يبلغ الركوع والسجود إلا وقد زاد ضعفًا عن اتباعه، يعني من أول ركعة إذا وقف معه في سورة طويلة زاد الضعف على هذا الضعيف أو المريض، ثم بعد ذلك يثقل بدنه فلا يكاد يُدرك بقية الصلاة.

الأخ الحاضر:.....

 يقول أبو الزناد بن سراج- هذا ينقل عنه ابن بطال بكثرة- قول الرجل: "لا أكاد أُدرك الصلاة مما يطول بنا فلان" يدل أنه كان رجلاً مريضًا، أو ضعيفًا، فكان إذا طول به الإمام في القيام؛ لا يكاد يبلغ الركوع والسجود.

المقدم: نعم.

 الآن تعرف وترى كبار السن الآن كثير منهم يفوته الركوع، ولا يدرك السجود مع الإمام؛ لأنَّ حركته بطيئة.

المقدم: قد يكون هذا وأمثاله ممن ينتظرون مثلاً أن تنتهي الركعة الأولى لطولها.

سيأتي الكلام على هذا، فكان إذا طول به الإمام في القيام لا يكاد يبلغ الركوع والسجود؛ إلا وقد زاد ضعفًا عن اتباعه فلا يكاد يركع معه، ولا يسجد، وإنما غضب عليه؛ لأنه كره التطويل في الصلاة؛ من أجل أن فيهم المريض، والضعيف، وذا الحاجة، فأراد الرفق والتيسير بأمته، ولم يكن نهيه –عليه الصلاة والسلام- عن التطويل في الصلاة من أجل أنه لا يجوز ذلك، يعني لا لذاته، من أجل أنه لا يجوز ذلك؛ لأنه كان -عليه الصلاة والسلام- يصلي في مسجده، ويقرأ بالسور الطوال مثل: سورة يوسف، وغيرها، وإنما كان يفعل هذا؛ لأنه كان يصلي معه جلة أصحابه، ومن أكثر همه طلب العلم، والصلاة، مثل هؤلاء إذا عرفت من المأمومين حرصهم على الخير وحبهم للتطويل، طوّل؛ لأنَّ العلة التي من أجلها نُهي عن التطويل انتفت والحكم يدور مع علته وجودًا، وعدمًا لاسيما إذا كانت العلة منصوصة كهذه، ولذا قال: «إذا صلى أحدكم لنفسه فليطوّل ما شاء»، صلى لنفسه يطول ما شاء، صلى بشخص يرغب في الخير كرغبته يطوّل ما شاء، صلى بأشخاص يرغبون بالخير مثل رغبته يطوّل ما شاء. لكن إذا صلى معه الضعيف، والمريض، وذو الحاجة مثل هذا يُخفف.

يقول ابن حجر: وهو معنى حسن، لكن رواه المصنف عن الفريابي عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ: «إني لأتأخر عن الصلاة» يعني كلام ابن سراج يدل على أنه يُدرك الصلاة من أولها.

المقدم: لكنه يجلس.

 لكنه لما يتعب في القيام لطوله، يتعب في متابعة الإمام في بقية الصلاة يدل على أنه أدرك الصلاة من أولها وهنا يقول: وهو معنى حسن، لكن رواه المصنف عن الفريابي عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ: «إني لأتأخر عن الصلاة»، فعلى هذا فمراده بقوله: «إني لا أكاد أُدرك الصلاة» أي: لا أقرب من الصلاة في الجماعة، بل أتأخر عنها أحيانًا من أجل التطويل، بل أتأخر عنها أحيانًا من أجل التطويل، وفي شرح العيني، يقول: ورُدّ- يعني كلام ابن سراج- بأنه جاء في غير البخاري «إني لأدع الصلاة» يعني مع قوله: لأترك هنا في الرواية السابقة.

المقدم: لأتأخر.

«إني لأتأخر عن الصلاة»، وهنا يقول: جاء في غير البخاري «إني لأدع الصلاة»، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا، فيكون معنى إني لا أكاد أُدرك الصلاة في الجماعة وأتأخر عنها أحيانًا من أجل التطويل.

قال العيني: قلت هذا ليس فيه إشكال، والمعنى صحيح. وقد قلنا: إن الأحاديث يفسر بعضها بعضًا، وهاتان الروايتان يعني ما ذكره مع رواية الفريابي التي أشار إليها ابن حجر تُنبئان أن معنى هذا أني أتأخر عن الصلاة مع الجماعة، ولا أكاد أُدركها لأجل تطويل فلان. وقوله: يعني عياض؛ لأنَّ التطويل يقتضي الإدراك، إنما يسلم إذا طلب الإدراك، التطويل يقتضي الإدراك لمن قصد الجماعة بعد الإقامة، لكن من تأخر عن الصلاة، ومن أراد ترك الصلاة، التطويل يقتضي الإدراك، أو يقتضي الترك والتأخر؟

المقدم: من؟

 كلام القاضي عياض التطويل يقول يقتضي الإدراك؛ لأنه أشكل عليه الحديث.

المقدم: نعم، صحيح.

لكن العيني يقول: إنما يُسلَّم (هذا الكلام) بالنسبة لمن؟ لمن أراد الجماعة، أُقيمت الصلاة، وهو في بيته، والإمام يطوّل يُدرك.

المقدم: نعم صحيح.

 إنما يُسلم إذا طلب الإدراك، وأما إذا تأخر خوفًا من..

المقدم: الإطالة.

التطويل لا يكاد يُدرك مع التطويل فافهم، وفي المسألة بقية كلام.

المقدم: أحسن الله إليك، لعلنا نُرجئ ما تبقى من الكلام حول هذه المسألة، وبقية أيضًا مواضع الحديث، وما يتعلق بألفاظه بإذن الله في حلقة قادمة، وأنتم على خير.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، نستكمل بإذن الله حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- في حلقة قادمة، وأنتم على خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته