شرح مختصر الخرقي - كتاب أدب القاضي (02)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "ولا يقبل هديةً" أو هديةَ يعني القاضي.

"لا يقبل هدية مَن لم يكن يُهدى له قبل ولايته" وإن كان الذي يُهدي إليه قبل ولايته يستمر في الهدية، والقاضي يقبل لأن التهمة منتفية؛ لأنه كان يُهدي إليه قبل أن كان يرجوه، وأما بعد أن تولى القضاء وصار يُرجى باستمالة قلبه بالهدية ونحوها، ومثلها الولائم لا شك أنها بها تُستمال القلوب، لكن إذا كان هذا معروفًا قبل توليه الولاية فالذي يُهدي إليه أو يدعوه إلى وليمة فالتهمة مُنتفية.

ومن الناس من يدور مع الدنيا، فتجده لا حاجة له بهذا القاضي، لا يحتاجه، وليست له خصومات، وما كان يُهدي إليه قبل القضاء، ولا يدعوه إلى الولائم قبل القضاء؛ لأنه يرى أن شأنه أقل من أن يُدعى، ثم إذا تولى القضاء صار له شأن، فصار يدعوه ويُهدي إليه من غير أن يقصد استمالة قلبه ليميل معه في الحكم، فأهل العلم أرادوا سد الباب في هذا المجال؛ لأنه ما يُمكن أن تُميز بين هذا الذي أهدى له بعد الولاية أنه له خصومة أو ليست له خصومة، أو كان قصده استمالة قلب القاضي أو لم يكن ذلك قصده، فأرادوا سد الباب ولم يُفصِّلوا في هذا الباب.  

"ويعدل بين الخصمين في الدخول عليه والمجلس" يعدل بين الخصمين في الدخول عليه فلا يأذن لأحدهما أن يدخل قبل الثاني قصدًا، وإلا قد يكون الباب ضيقًا، ما يستوعب إلا واحدًا، فنقول: لا بُد أن يدخل الرجلان معًا والباب ما يستوعب؟ المقصود أنه لا يقصد تقديم أحدهما على الآخر، لكن لو دخلوا هكذا من غير ترتيب ولا إذن، دخل أحدهما قبل الآخر فما يُلام القاضي.

"في الدخول عليه"

فلا يأذن لأحدهما قبل الآخر قصدًا، بل يترك الدخول لرغبتهما أحدهما يُقدم الثاني أو يتأخر عن الثاني هذا ما له دخل، الكلام أنه لا يقول: ادخل يا فلان قبل فلان.

ومن قضاتنا من له صهر أبو زوجته، أبو زوجته له خصومة عنده، فجاء أبو الزوجة فدخل مع باب الحريم، ودخل خصمه مع باب الرجال، هذا جلس في المجلس مع باب الرجال، وجلس في المجلس، وذاك دخل مع باب الحريم، ومر عليهم، ثم جاء إلى المجلس، فلما شرعا في قضيتهما، قال الشيخ: اليوم يوم سلام وغدًا خصومة، وأنت تدخل مع خصمك، في قضيةٍ معروفة من قاضٍ معروف، اليوم سلام وغدًا خصومة، تدخل مع خصمك مع الباب الذي دخل معه خصمك.

"ويعدل بين الخصمين في الدخول عليه والمجلس" والمجلس لا يجعل أحدهما أقرب إليه من الثاني، قد يقول: طيب والخطاب؟

"والمجلس والخطاب" ما يتجه بخطابه إلى واحد دون الثاني، قد تحتجون علينا أنتم يا من على اليد اليمنى، وإن أكثر خطابك ووجهك لهذه الجهة، لماذا؟ لأن القارئ في هذه الجهة، السبب أن القارئ في هذه الجهة، فالإنسان إذا تعود على شيء ومشى عليه يصعب عليه.

والأمر الثاني: أن هذه من الفضائل ليست من الواجبات المتعينة في العدل، هذه من الفضائل، ولا أخال أحدًا من إخواننا يحمل في نفسه شيئًا لأمرٍ حصل من غير قصد، وإلا الأصل أن الواحد يتجه إلى تلقاء وجهه ويميل يمينًا، ويميل شمالاً، ومثله الخطيب، يعني يعدل بينهم من باب الفضل والإحسان، لا من باب الوجوب واللزوم.

"والمجلس والخطاب.

 وإذا حكم على رجلٍ في عمل غيره وكتب بإنفاذ القضاء عليه إلى قاضي ذلك البلد قبِل كتابه" شخص في بلد بعيد، ويشق عليه الحضور، تُسمع القضية أو بين يديهم وهو في بلده حكم بينهما لفلان على فلان، فهرب المحكوم عليه إلى بلدٍ آخر، حينئذٍ يُترك ولا يُكتب إلى قاضي البلد الثاني بمقتضى الحكم؛ ليُنفَّذ عليه؟

 يُكتب، وهذا ما يُسمى عند أهل العلم بكتاب القاضي إلى القاضي، وهو مفرد عند بعض المصنفين، وهو مُدمج مع هذه المسائل في هذا الكتاب.

"وإذا حكم على رجلٍ في عمل غيره" الأنظمة تنص على أن الدعوى إنما تُقام في بلد المدعى عليه، الدعوى تُقام في بلد المدعى عليه، لكن مسألتنا متصورة فيمن حُكم عليه عند القاضي، فغاب المحكوم عليه، يُكتب إلى قاضي البلد الذي ذهب إليه بالشروط الآتية:

وهي نفسها الشروط التي يذكرها المحدثون في كتابة الحديث في الرواية، في كتابة الرواية المُحدِّث يكتب بحديثه إلى من يطلب منه الرواية عنه بطريق الكتابة، الرواية بطريق الكتابة موجودة وثابتة في الصحيحين وغيرهما، الصحابي يكتب إلى صحابي، صحابي يكتب إلى تابعي، من بعد التابعين يكتب إلى من فوقه يطلب منه أن يكتب له بحديثٍ ما إلى شيوخ الأئمة.

ففي البخاري في أكثر من موضع كتب إلي محمد بن بشار.

الشروط التي تُطلب هنا هي الشروط التي تُطلب هناك، بحيث يؤمَن معها التزوير.

يقول: "وكتب بإنفاذ القضاء عليه إلى قاضي ذلك البلد قبِل كتابه" لكن بالشروط المعروفة.  

"وأُخِذ المحكوم عليه بذلك الحق" نُفِّذ عليه.

ولا يُقبل الكتاب إلا بشهادة عدلين" لا بُد أن يُشهد على الكتاب، وعلى كتابة الحديث المكتوب، وأنه من رواية فلان، لكن الرواية تختلف عن الشهادة، الرواية يكتفون بها بواحد، يكتفون فيها بواحد، والشهادة لا بُد من اثنين، هل لأن الأموال والحقوق أهم من الحديث؟ لا؛ لأن الأموال يدخلها ما يدخلها من التزوير، ولا يُحتاط لها مثل ما يُحتاط للدين، الرواية دين، فالتهمة فيها أقل، والاحتياط لها أكثر، فصححوا الواحد، مثل ما تقدم في التزكية، في التزكية في هذا الباب لا بُد من اثنين، وهناك ذكرنا عن أهل العلم أنهم:

وَصُحِّحَ اكْتِفَاؤُهُمْ بِالْوَاحِدِ جَرْحَاً وَتَعْدِيْلاً خِلاَفَ الشَّاهِدِ

يعني في الرواية يُكتفى بواحد.

 "إلا بشهادة عدلين يقولان: قرأه علينا" يعني كتبه القاضي وقرأه على هذين الشاهدين

 

"يقولان: قرأه علينا أو قرئ عليه بحضرتنا" يعني فأقر ولم  يُنكر شيئًا منه.

"فقال: اشهدا علي أنه كتابي إلى فلان" ولا بُد من شد الكتاب، ولا بُد من ختمه؛ لئلا يُزوَّر، لا بُد من شده، ولا بُد من ختمه؛ ليؤمن التزوير، وفي الأيام أو في الوقت الحاضر عندهم ما يُسمى بالشمع الأحمر الذي لا يقبل أن يُفتح، ثم يُعاد ثانية.

"ولا يقبل الترجمة عن أعجميٍّ حاكم إليه، إذا لم يعرف لسانه" أحد الخصوم أعجمي أو الخصمان أعجميان، والقاضي عربي.

"ولا يقبل الترجمة عن أعجميٍّ حاكم إليه، إذا لم يعرف لسانه" لا بُد أن يفهم من لسانه.

"إلا من عدلين يعرفان لسانه" يعني مترجمين، ولا بُد أن يكونا عدلين، فكم من مترجمٍ حرَّف في الكلام، وهذا يحصل بل حصل في تراجم، تراجم بين يدي أهل العلم، فيه تراجم بين يدي أهل العلم ضُبط على مترجم أنه حرَّف في مسألةٍ عقدية يختلف فيها المترجم مع الشيخ، فلا بُد أن يكون ثقة، هذا الذي حرَّف ليس بثقة، والترجمة كما تكون بين لسانين مُختلفين عربي وأعجمي، تكون أيضًا باللسان الواحد، وتكون بمعنى التبليغ، التبليغ يتكلم العالم بباب الحديث أو بغيره، كما حصل لابن عباس في صحيح البخاري: كان أبو جمرة نصر بن عمران الضُّبعي يترجم بين يدي ابن عباس، ما معنى يُترجم؟

يُبلغ كلامه لمن لا يسمعه، يُسمونه مترجمًا، وحينئذٍ لا بُد أن يكون المترجم عدلاً؛ لأنه لا يؤمَن أن يُحرِّف.  

طالب:.......

إذا أُمن التحريف واللبس وكذا؛ لأن الآن في الغالب أن البريد يذهب كما هو، يعني إذا تصرفوا فالخطاب مختوم ومشدود، وإذا حصل فيه أدنى خلل يُعرف.

طالب:.......

أعد أعد ما أسمع.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

ما يكفي؛ لأنها ليست رواية، هذه شهادة، ليست رواية، من فروق الرواية عن الشهادة أنه يُكتفى بواحد، وتُقبل رواية المرأة، وتُقبل رواية العبد والأمة، الرواية، وأما الشهادة فلا.

التزكية كذلك يُكتفى بها بواحد، كما تقدم، ولو كان امرأة، ولو كانت أمة، فقد سأل النبي– صلى الله عليه وسلم- بريرة عن عائشة كما في الصحيح.

"وإذا عُزل فقال: قد كنت حكمت في ولايتي لفلان على فلان بحق قُبل قوله وأُمضي ذلك الحق" هذا الكلام ليس على إطلاقه، يُنظر في سبب العزل يمكن أن يكون عزله لحيف، وظلم، وجور، فحينئذٍ تُنظر القضية من جديد.

وكثيرًا ما يُعزل القاضي، ويُنظر في صكوكه يُعاد فيها النظر؛ لأنه تبين عدم أهليته أو ظلمه أو حيفه.

لا، هذا الكلام ليس على إطلاقه.

وليس كل من عُزِل إنما عُزِل لعدم الأهلية أو...العزل مثل التولية، يرى ولي الأمر أن هذا أنفع، وهذا أصلح، وابن حجر عُزِل كم مرة من القضاء؟ ثمان أو سبع مرات ويُعاد، ما يرون في هذ بأس، ولي الأمر يعزل ويُعين ما الذي صار؟ كأنه ما صار شيء.

"قُبل قوله وأُمضي ذلك الحق، ويحكم على الغائب إذا صح الحق عليه" يحكم على الغائب إذا صح الحق عليه إذا لم يمكن حضوره ولا إحضاره، وثبت حق المدعي بالبينة فإنه حينئذٍ يُحكم عليه ويُبلَّغ القاضي قاضي البلد الذي هو فيه بكتابٍ على نحو ما تقدم مثل المحكوم عليه الهارب.

طالب:.......

ماذا؟

طالب:.......

في ماذا؟

طالب:.......

في كل الاختصاص، القاضي يجب أن يكون عنده مستشارون في التخصصات كلها أو يكونون قريبين منه بحيث إذا احتاج منهم أحدًا، يعني في مسائل الجروح والشجاج لا بُد تقدرها الأطباء، والهندسة مثلاً هذا دخل على جاره، ادعى على جاره أنه دخل عليه في أرضه كذا، فلا بُد من المسح، من يُسمون المساحين لا بُد يكون هذا حاضرًا.

طالب:.......

ماذا؟

طالب:.......

التقارير الطبية لاسيما في الأمور المُشكِلة الكبيرة يشترطون ثلاثة ما هم اثنان فقط؛ لأنه يترتب عليها أحيانًا أخطاء تزهق فيها أرواح، فمن باب الاحتياط يُشترط ثلاثة.

طالب:.......

ماذا؟

طالب:.......

يعني النظر في الحكم من جديد لمحكمةٍ أعلى يعني استئناف بدء الحكم من جديد؛ لأن المحكوم عليه لم يرضَ، وأبدى اعتراضات على هذا الحكم، فإنه يُرفع إلى محكمة الاستئناف التي هي أعلى فيُستأنف ويُنظر في القضية من جديد.

ماذا كان يُسمى الاستئناف؟ التمييز، تمييز الأحكام.

طالب:.......

الثلاثة تراهم في القتل، الثلاثة في القتل وإلا الأموال واحد ويُستأنف بعده الحكم، الثلاثة المشترك يُسمونه في القتل.

هذا القاضي الذي عُزِل، ثم طُلِب مرة ثانية، ثم عُزِل، ثم طُلِب مرة ثانية إلى أن بلغ خمسة، وستة، وسبعة، وعشر مرات، كونه يُعامل بهذه المعاملة ويقبل دليلٌ على أي شيء؟ إخلاص بلا شك، دليل إخلاص، والذي يغضب يقول: لا.

دليل إخلاص، وأن المسألة منوطة بالمصلحة، صلح للقضاء فعُيِّن، وُجد غيره من هو أولى منه أو لوحظ عليه شيء عُزِل خلاص.

الإمام النووي –رحمة الله عليه- كان يشفع كل من جاء يشفع له شفاعات، ويُرد صراحة من قِبل الوالي في الشام، وكتب له الوالي: لا تشفع لأحد، ويشفع من باب امتثال «اشفعوا تؤجروا» فقال الوالي: أشهد بالله إن هذا صادق، صار يقبل شفاعاته، مخلص، وإلا فما معنى أنه يكتب ويرد، يكتب ويرد؟ هذا دليل على إخلاص، وأنه يرجو ما رُتِّب على هذه الشفاعة، وما وراء ذلك لا يهمه.

"وإذا آتاه شريكان في ربعٍ" يعني عقار.

ماذا عندكم؟

طالب:.......

ما قُرئ هذا؟

طالب:.......

نعم، كتاب القسمة.