كتاب الصيام من سبل السلام (4)

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب صوم التطوع وما نُهي عن صومه:

عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صوم يوم عرفة فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية»، وسئل ذات يوم عن صوم يوم عاشوراء فقال: «يكفر السنة الماضية»، وسئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل علي فيه»، رواه مسلم".

استُشكِل استُشكل.

"قد استُشكل تكفير ما لم يقع".

أما تكفير السنة الماضية فهذا ظاهر وقع فيها شيء من الذنوب لا سيما الصغائر يكفرها صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء، السنة الباقية الآتية اللاحقة هذا مستشكل، كيف يكفَّر ما لم يقع؟ وللعلماء أجوبة عن هذا الإشكال؛ منهم من يقول: إنه يوفَّق للتخلص منها، ومنهم من يقول: إنه يعصَم من الذنوب فيها، ومنهم من يقول: إنها تقع منه هذه الذنوب، ويكون تكفيرها بسبب سابق وهو الصوم صوم يوم عرفة، على كلٍّ لا إشكال فيه، وإن استُشكل، فكونه يكفِّر ذنوب السنة الماضية فهذا ظاهر، وكونه يكفِّر ذنوب السنة اللاحقة فهذا أمر ظاهر أيضًا، فتقع هذه الذنوب من الصائم ليوم عرفة، ثم يحصل التكفير السابق، وإن كان سابقًا في وقته إلا أنه موقوف على وقوعها، فلا إشكال حينئذٍ.

"وهو ذنب السنة الآتية، وأُجيب بأن المراد أنه يوفق فيها لعدم الإتيان بذنب، وسماه تكفيرًا لمناسبة السنة الماضية، أو أنه إن أوقع فيها ذنبًا وُفِّقَ للإتيان بما يكفرِّه، وأما صوم يوم عاشوراء وهو العاشر من شهر المحرم عند الجماهير".

كيف عند الجماهير؟ صوم يوم العاشر من محرم عند الجماهير!

طالب:...

لأصومن؟

طالب: .......

يعني القول عند الجماهير يدل على أن هناك قول آخر، وأن المراد بيوم عاشوراء إيش؟ اليوم التاسع من شهر الله المحرم يوم عاشوراء هو العاشر عند الجماهير، قوله: عند الجماهير يدل على أن هناك قولاً ثانيًا وهو يوم التاسع.

"فإنه قد كان واجبًا قبل فرض رمضان، ثم صار بعده مستحبًا".

نعم بعد فرض رمضان من شاء أن يصومه فليصمه.

طالب:...

يصوم الاثنين ما الإشكال؟ يعني ما فيه من قال: إن يوم عاشوراء يوم التاسع؟ التاسع فقط التاسع هو يوم عاشوراء حتى عند الجمهور العاشر فقط هو يوم عاشوراء.

طالب:...

نعم، لكن يبدو أنك ما فهمت أصل المسألة، يوم عاشوراء أي يوم في السنة؟ عند الجماهير، القول الثاني أنه اليوم التاسع، كون المشروع أن تصوم التاسع مع العاشر أو العاشر مع الحادي عشر هذه مسألة أخرى، لكن ما المراد بيوم عاشوراء؟ هل هو اليوم العاشر أو التاسع؟ هذا محل الخلاف، فالجماهير على أنه اليوم العاشر، من شهر الله المحرم، وقيل بأنه اليوم التاسع، ودليله: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع».

"وأفاد الحديث أن صوم عرفة أفضل من صوم يوم عاشوراء".

يومُ أن صومَ؟ أن صومَ يومِ. نعم أفضلُ؟ لأن يوم عرفة يكفِّر سنتين، ويوم عاشوراء يكفِّر سنة واحدة، يكفِّر سنة واحدة، وما يكفِّر سنتين أفضل مما يكفِّر سنة.

"وعلّل -صلى الله عليه وسلم- شرعية صوم يوم الاثنين بأنه ولد فيه أو بعث فيه، أو أنزل عليه فيه، وكأنه شك من الراوي، وقد اتفق أنه -صلى الله عليه وسلم- ولد فيه، وبعث فيه".

لا يلزم أن تكون هذه أو هذه للشك، قد تكون أو هنا بمعنى الواو، وأو تأتي بمعنى الواو، وربما عاقبت الواو إذا لم يلف إلى آخر النظم، المقصود أن أو تأتي بمعنى الواو، وهذا اليوم أعني يوم الاثنين يوم ولد فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويوم بُعث فيه.

"وفيه دلالة على أنه ينبغي تعظيم اليوم الذي أحدث الله فيه على عبده نعمة بصومه والتقرب فيه".

هذا بالنسبة ليوم الاثنين، مولده -عليه الصلاة والسلام- وبعثته نعمة، كما أن صوم يوم عاشوراء؛ لأنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فيه فرعون وقومه، وهذه نعم، فمن شكر النعم أن تصوم.

"وقد ورد في حديث أمامة".

أسامة.

"وقد ورد في حديث أسامة تعليل صومه -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين والخميس بأنه يوم تعرض فيه الأعمال، وأنه يحب أن يعرض عمله وهو صائم ولا منافاة بين التعليلين".

لا منافاة؛ لأنه يوم ولد فيه، ويوم تعرض فيه الأعمال فلا منافاة.

طالب:...

يعني من باب الشكر إحداث شكر، ينبغي أن يشكَر الله -سبحانه وتعالى- على سائر النعم، ومن مظاهر الشكر العبادة، استعمال الجوارح فيما خلقت له.

طالب: ...

أي يوم؟

يشكر الله -سبحانه وتعالى- فيه، لكن يتخذه عيدًا يصوم كل يوم؟

طالب:...

تفترض أن شخصًا صار عليه حادث ونجا من هذا الحادث، أو غرق فأُنقِذ عليه أن يشكر هذه النعمة، لكن لو افترضنا أن هذه الواقعة حصلت يوم الثلاثة يصوم كل يوم ثلاثة؛ لأن الله نجاه فيه من الغرق؟ هو عليه أن يشكر الله -سبحانه وتعالى- على هذه النعمة، لكن لا يحدث فيه مثل هذه العبادة.

طالب:...

نعم، كلامه لا يطَّرد.

"وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من صام رمضان ثم اتبعه ستًا» هكذا ورد مؤنثًا مع أن مميزه أيام".

لأن الصيام في الأيام في النهار.

"وهي مذكر؛ لأن اسم العدد إذا لم يذكر مميزه جاز فيه الوجهان كما صرَّح به النحاة".

يجوز فيه التذكير والتأنيث. صحَّفه بعضهم فقال: أتبعه شيئًا من شوال، لكنها تصحيف.

"«ثم أتبع ستًا من شوال كان كصيام الدهر» رواه مسلم، فيه دليل على استحباب صوم ستة أيام من شوال وهو مذهب جماعة من الآل وأحمد والشافعي وقال مالك: يكره صومها قال: لأنه ما رأى أحدًا من أهل العلم يصومها، ولئلا يظن وجوبها".

نعم من آل البيت؛ لأنه المؤلف عندهم هناك في اليمن هناك مملوء بالزيدية، مذهب مالك -رحمه الله- كراهية صيام أيام الست من شوال، وعلّل ذلك بأنه ما رأى أحدًا من أهل العلم والفضل يصومها، لكن كونه ما رأى أو كونها لا تصام في وقت من الأوقات عند جماعة من الجماعات لا يعني أنها ليست مشروعة؛ لأن العبرة بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وقد صحَّ الخبر فيها، فلا قول لأحد مع قوله -عليه الصلاة والسلام-.

"والجواب أنه بعد ثبوت النص بذلك لا حكم لهذه التعليلات، وما أحسن ما قاله ابن عبد البر: إنه لم يبلغ مالكًا هذا الحديث يعني حديث مسلم، واعلم أن أجر صومها يحصل لمن صامها متفرقة أو متوالية".

لأنه يصدق عليه أن صام ستًا من شوال سواء صام الأول والثاني إلى الثاني والثالث إلى السابع، أو صام متفرقة الثالث والخامس والثامن والعشرين والحادي والعشرين إلى آخره، كله يصدق عليه أنه صام ستًا من شوال.

"ومن صامها عقيب العيد أو في أثناء الشهر، وفي سنن الترمذي عن ابن المبارك أنه اختار أن يكون ستة أيام من أول شوال".

لمفهوم الإتباع وأتبعه.

"وقد روي عن ابن المبارك أنه قال: من صام ستة أيام من شوال متفرقًا فهو جائز، قلتُ: ولا دليل على اختيار كونها من أول شوال؛ إذ من أتى بها في شوال في أي أيامه صدق عليه أنه اتبع رمضان ستًا من شوال".

بلا شك.

"وإنما شبهها بصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة أشهر".

شهر بعشرة، وستة أيام عن ستين يومًا، شهرين، اثنا عشر شهرًا كأنه صام الدهر كله.

طالب:...

لا لا لا.

طالب:...

لا بد أن تكون من شوال، لا بد أن تكون من شوال.

طالب: .......

 لكن قد يقول قائل: إن الحسنة بعشر أمثالها، فالست سواء من شوال أو من القعدة أو من الحجة أو من محرم ما الفرق؟ ما الفرق؟ الحسنة بعشر أمثالها هذا مطرد، من جاء بالحسنة مطرد في أي وقت، وفي كل زمان، وأي مكان، فقد يقول قائل: الست بشهرين في كل شهر، لماذا نخصصها بشوال؟

طالب:...

لكن إذا كانت العلة ظاهرة وهي أن الست بشهرين، والشهر بعشرة أشهر كان كمن صام الدهر، نعم.

طالب:...

نعم. كونها في غير شوال لا يكفي بلا شك عن الست من شوال، لكن ما دامت العلة ظاهرة وهي أن الستة أيام من شوال عن شهرين، فلماذا لا تكون الستة أيام من القعدة أو من الحجة أو من محرم عن شهرين؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها؟

طالب:...

ماذا يقول؟

طالب:...

كيف؟

طالب: .......

لا، ليست منصوصة، لكن تشبيهه بصيام الدهر شبه منصوص قريب من المنصوص، تشبيه رمضان مع الستة أيام من شوال بصيام الدهر كأنه صام الدهر كأنه صام اثني عشر شهرًا في السنة، وهذا هو صيام الدهر، والحسنة بعشر أمثالها، فالشهر بعشرة أشهر، والست بشهرين، نعم.

طالب:...

هذه مسألة ثانية، لكن المرجَّح عند المحققين لا تجزئ نافلة ما لم تؤدَ الفريضة، لا بد من الإتيان بالفريضة ثم النافلة، وظاهر لفظ الإتباع أنها بعد رمضان وقضائه.

طالب:...

لا لا لا، مرجوح، هذا مرجوح.

طالب:...

نعم؟

طالب: .......

 صح.

طالب:...

نعم، كما أن رمضان له من الأجر والفضل ما ليس للأشهر الأخرى.

طالب:...

صحيح، رمضان ليس بشهر عادي، قد يقول قائل: رمضان شهر، والشهر بعشرة أشهر، لماذا لا أصوم شهر الله المحرم بدل رمضان؟ والشهر بعشرة أشهر، كلها واحد، نقول: لا، رمضان عُيِّن من قِبل الشرع، وله من المزية والفضل ما ليس لغيره، وكذلك الست من شوال، فلا يقوم مقامها غيرها.

طالب:...

لأن الحسنة بعشر أمثالها، ثلاثة أيام بثلاثين يومًا.

طالب:...

من الأيام العادية غير رمضان، لكن دهر فاضل ودهر غير فاضل، رمضان مع الست دهر فاضل؛ لأن رمضان فاضل، والست فاضلة، يعني لها مزيد فضل، وثلاثة أيام من كل شهر دهر، لكنه أقل فضلًا من رمضان مع الست، قد يقول قائل: صيام الدهر مذموم، كما سيأتي، «لا صام من صام الأبد»، ونهى عن صوم الدهر، فكيف تشبَّه هذه؟ كيف يشبَّه رمضان مع الست بصوم الدهر؟ يفضَّل شيء فاضل بشيء منهي عنه، شيء مأمور به بشيء منهي عنه، مع أن الأصل في التشبيه إلحاق شيء بآخر لعلة، لوجود وجه شبه، ووجه الشبه في المشبه به أقوى منه في المشبه، إذا قلت: زيد كالأسد، زيد مشبه، والأسد مشبه به، والكاف أداة التشبيه، ووجه الشبه الشجاعة، لكن أيهما أقوى في وجه الشبه؟ الأسد أقوى، لو كان زيد أقوى من الأسد وأشجع منه لقلنا: إن الأسد كزيد، هذا الأصل، كيف نجيب عن هذا؟

طالب:...

نعم، الذي ما يفطر، هذا مأمور به أم منهي عنه؟ ما نطابقه بحديث الباب الذي معنا الآن؟

طالب:...

لا صام من صام الأبد. الجواب؟

طالب:...

يعني مخالف لهديه -عليه الصلاة والسلام-، «لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام».

طالب:...

نعم.

طالب:...

نعم. نعم.

طالب:...

الآن عندنا مشبه ومشبه به، مشبه ومشبه به، نشبه فاضلًا بمذموم، نشبه ممدوحًا بمذموم؟ الوحي شُبِّه بصلصلة الجرس، والجرس مذموم، والوحي ممدوح، كيف يشبَّه الممدوح بالمذموم؟

طالب:...

 نعم.

طالب:...

نعم. يعني لا تلزم المطابقة من كل وجه، لا تلزم المطابقة من كل وجه، حينما تُشبَّه الرؤية رؤية الباري -سبحانه وتعالى- في الآخرة كرؤية القمر، هل معنى هذا أن صورة التشبيه مطابقة من كل وجه؟

لا، صورة التشبيه ليست مطابقة من كل وجه، ومثله «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير» على ما ذكرنا مرارًا، فلا يلزم من التشبيه المطابقة من كل وجه، حينما يقال: إن هذه الصلوات الخمس بخمسين صلاة، أول ما فرضت الصلوات خمسين، ثم خُفِّف إلى خمس عن خمسين، هن خمس صلوات بأجر خمسين صلاة، لكن لو قال شخص: أنا أصلي خمسين صلاة؛ لأنه فرض علينا أول الأمر خمسين، والتخفيف رخصة، أنا أريد العزيمة، لماذا لا أصلي خمسين؟

قلنا: لا، لا تصلِّ خمسين، لك أجر خمسين، لكن لا تصلي خمسين، كذا لو قال: ما دام شُبِّه الفاضل بصيام الدهر فلماذا لا أصوم الدهر؟ نقول: لا، لا تصوم الدهر، الأجر مضمون لك، لكن لا تصوم، فلا تلزم المطابقة بين المشبه والمشبه به من كل وجه.

"وست من شوال بشهرين، وليس في الحديث دليل على مشروعية صيام الدهر ويأتي بيانه في آخر الباب، واعلم أنه قال التقي السبكي: إنه قد طعن في هذا الحديث من لا فهم له مغترًا بقول الترمذي: إنه حسن يريد في رواية سعد بن سعيد الأنصاري أخي يحيى بن سعيد، قلتُ: ووجه الاغترار أن الترمذي لم يصفه بالصحة، بل بالحسن، وكأنه في نسخة الذي رأيناه في سنن الترمذي بعد سياقه للحديث ما لفظه قال أبو عيسى: حديث أبي أيوب حديث حسن صحيح، ثم قال: وسعد بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سعد بن سعيد من قِبَل حفظه. انتهى.

 قلتُ: قال ابن دحية: إنه قال أحمد بن حنبل: سعيد ضعيف الحديث، وقال النسائي: ليس بالقوى، وقال أبو حاتم: لا يجوز الاشتغال بحديث سعد بن سعيد. انتهى. ثم قال ابن السبكي: وقد اعتنى شيخنا أبو محمد الدمياطي بجمع طرقه فأسنده عن بضعة وعشرين رجلاً رووه عن سعد بن سعيد، وأكثرهم حفاظ ثقات، منهم السفيانان، وتابع سعدًا على روايته أخوه يحيى".

وهو ثقة.

"وعبد ربه وصفوان بن سليم وغيرهم، ورواه أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثوبان وأبو هريرة وجابر وابن عباس والبراء بن عازب وعائشة، ولفظ ثوبان: «من صام رمضان فشهره بعشره ومن صام ستة أيام بعد الفطر فذلك صيام السنة»، رواه أحمد والنسائي".

نعم. على كلٍّ الحديث صحيح بلا إشكال، كلام السبكي ليس بمتجه، ولا مطعن في الحديث، الحديث مروي من طرق لها شواهد، وابن سعيد متابَع من قِبَل أخيه يحيى، وهو ثقة من الثقات، نعم.

"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله»، هو إذا أطلق يراد به الجهاد، «إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفًا»، متفق عليه، واللفظ لمسلم".

نعم في سبيل إذا أُطلق بلا شك أن المراد به الجهاد، في سبيل الله وابن السبيل يعني المجاهدين، ولذا أدخل البخاري -رحمه الله تعالى- هذا الحديث في كتاب الجهاد، في فضل الصوم في الجهاد، وحمل سبيل الله على الجهاد.

طالب:...

نعم.

طالب:...

على كلٍّ كأن السبكي قبل، هما اثنان، واحد السبكي، والثاني ابن السبكي، ماذا قال؟ السبكي أولاً؟

طالب:...

لكن هما سبكيان التاج والتقي، السبكي وابن السبكي، وعلى كلٍّ الكلام ينقله السبكي عن غيره ليس له.

"فيه دلالة على فضيلة الصوم في الجهاد ما لم يضعف بسبه عن قتال عدوه".

وكأن.

"وكأن فضيلة ذلك؛ لأنه جمع بين جهاد عدوه وجهاد نفسه في طعامه وشرابه وشهوته، وكنى بقوله باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفًا عن سلامته من عذابها، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر".

إذا بعد الإنسان عن الشيء فهو عن ملابسته أبعد، قد يقرب منه ولا يلابسه، فإذا ابتعد كان عن ملابسته أبعد، ولذا جاء: ولا تقربوا الفواحش، وهذا أبلغ من أن يقال: لا ترتكبوا الفواحش؛ لأن النهي عن قربان الشيء أحوط من النهي عن ارتكابه؛ لأن النهي عن ارتكاب لا يستلزم النهي عن قربانه، الاقتراب منه قد يقف على حده، لكن لا يرتكبه، لكن كونه يبتعد عنه بالكُلية هذا أحوط بلا شك وأبلغ.

طالب:...

في سبيل الله إذا أُطلِق المراد به الجهاد.

طالب:...

هذا إذا شقَّ، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم صام في السفر، خرج لست عشرة من رمضان صائمًا، يريد الغزو، فلما بلغ كراع الغميم كأنه شقَّ عليه فشرب، فأُخبِر أن أناسًا لم يفطروا فقال: «أولئك العصاة»، فهذا يحمل على من شقَّ عليه الصيام.

طالب:...

على كلٍّ فهم الإمام البخاري فهم أن سبيل الله الجهاد وأورد الحديث في كتاب الجهاد وفي سبيل الله إذا أُطلق فالمراد به الجهاد، لكن المراد في سبيل الله على جهة العموم كل ما يقرب إلى الله، أي طريق يوصل إلى الله هو في سبيل الله، وهو طريقه وهو صراطه.

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر ويفطر حتى نقولُ".

نقولَ.

"حتى نقولَ: لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم استكمل شهراً قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان" متفق عليه، واللفظ لمسلم. فيه دليل على أن صومه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن مختصًّا بشهر دون شهر، وأنه كان -صلى الله عليه وسلم- يسرد الصيام أحيانًا".

ويسرد الفطر، وذلك حسب التيسير وحسب الظروف، الإنسان المشغول المهتم بالأمة إذا سنحت له الظروف وواتته فإنه يحرص على الأعمال الخاصة غير المتعدية، لكن إذا تعارضت هذه الأعمال الخاصة غير المتعدية مع المتعدية قدَّم المتعدية؛ لأن النفع المتعدي أفضل من اللازم، الذي لا يتعدى فاعله، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما يتيسر له هذه الأعمال التي أجرها خاصٌّ به، وإن كان -عليه الصلاة والسلام- هو الذي دل الأمة على هذا الخير فله من الأجر مثل أجورهم، لكن لو افترض أن شخصًا آخر الخليفة، خليفة المسلمين مثلاً أو عالمًا من علماء الأمة إن صام انقطع عن النفع العام، وإن أفطر زاد نفعه. نقول: لا، مثل هذا ينشغل بالأمور العامة؛ لأن نفعه متعدٍّ، ولذا جاء في الحديث: «ذهب المفطرون بالأجر»، لماذا ذهب المفطرون بالأجر؟ لأنهم اشتغلوا بالنفع العام، وتركوا النفع الخاص.

"ويسرد الفطر أحيانًا، ولعله كان يفعل ما يقتضيه الحال من تجرده عن الأشغال، فيتابع الصوم، ومن عكس ذلك فيتابع الإفطار، ودليلٌ على أنه يخص شعبان بالصوم أكثر من غيره، وقد نبهت عائشة على علة ذلك، فأخرج الطبراني عنها: "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم ثلاثة أيام في كل شهر"، فربما أخر ذلك، فيجتمع صوم السنة فيصوم شعبان".

نعم، ثلاثة أيام من كل شهر إذا لم يتيسر له في بعض الأشهر صيام هذه الأيام الثلاثة ثم جاء شهر آخر ثم ثانٍ ثم ثالث اجتمع عنده عدد من الأيام فيقضيها -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه إذا عمل عملاً أثبته، ثلاثة أيام من شهر القعدة مثلاً، ثلاثة أيام من شهر الحجة، ثلاثة أيام من محرم وصفر وهكذا يجتمع عنده اثنا عشر يومًا، خمسة عشر يومًا، ثمانية عشر يومًا إذا كانت ستة أشهر، إذا لم يتيسر له أن يصوم ثلاثة أيام في كل منها فإنه إذا ضاق وقت القضاء في شعبان قضاها كلها، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقضي حتى النوافل، حتى النوافل المطلقة يقضيها، فضلاً عن النوافل المقيدة، فقد قضى راتبة الظهر بعد العصر؛ لأنه إذا عمل عملاً أثبته.

"وفيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف".

محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيئ الحفظ، القاضي.

"وقيل: كان يصوم ذلك تعظيمًا لرمضان، كما أخرجه الترمذي من حديث أنس وغيره أنه سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الصوم أفضل؟ فقال: «شعبان تعظيمًا لرمضان»، قال الترمذي: فيه صدقة بن موسى، وهو عندهم ليس بالقوي".

نعم صدقة بن موسى الدقيقي ضعيف.

"وقيل: كان يصومه؛ لأنه شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، كما أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة عن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم في شعبان، قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع فيه عملي وأنا صائم».

 قلت: ويحتمل أنه كان يصومه لهذه الحكم كلها، وقد عورض حديث أن صوم شعبان أفضل الصوم بعد رمضان بما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم»، وأورد عليه أنه لو كان أفضل لحافظ على الإكثار من صيامه، وحديث عائشة يقتضي أنه كان أكثر صيامه في شعبان، فأُجيب: بأن تفضيل صوم المحرم بالنظر إلى الأشهر الحرم، وفضل شعبان مطلقًا، وأما عدم إكثاره لصوم المحرم فقال النووي: لأنه إنما علم ذلك آخر عمره".

يمكن قال ذلك في آخر الوقت، في آخر سِنِيِّه -عليه الصلاة والسلام-، في آخر حياته، ولم يتمكن من أن يصوم في المحرم، ومنهم من يقول: إن شهر شعبان أفضل بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام-، شهر الله المحرم أفضل بالنسبة للأمة؛ لأنه إذا تعارض القول مع الفعل حمل الفعل على الخصوصية، والقول يحمل على عمومه بالنسبة للأمة.

"وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام"، وبينها بقوله: «ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة»".

البيض نعم.

"رواه النسائي والترمذي، وصححه ابن حبان، الحديث ورد من طرق عديدة من حديث أبي هريرة بلفظ: «فإن كنت صائمًا فصم الغرَّ» أي البيض، أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان، وفي بعض ألفاظه عند النسائي: «فإن كنت صائمًا فصم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة»، وأخرج أصحاب السنن من حديث قتادة بن ملحان: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا أن نصوم البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وقال: «هي كهيئة الدهر»".

قلنا: ثلاثة أيام الحسنة بعشر أمثالها يعني ثلاثين.

"وأخرج النسائي من حديث جرير مرفوعًا «صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر ثلاث الأيام البيض» الحديث، وإسناده صحيح، ووردت أحاديث في صيام ثلاثة أيام من كل شهر مطلقة ومبينة بغير الثلاثة، وأخرج أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة من حديث ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم عدة ثلاثة أيام من كل شهر. وأخرجه مسلم من حديث عائشة: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ما يبالي في أي الشهر صام"، وأما المبينة بغير الثلاث فهي ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث حفصة: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم في كل شهر ثلاثة أيام الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى".

فجاءت الثلاثة مطلقة، في حديث يا أشرف؟

طالب: .......

في أي حديث الثلاثة جاءت مطلقة؟

طالب:...

والمقيدة بقيدين مختلفين، جاءت مطلقة، وجاءت مقيدة بقيدين مختلفين..

طالب:...

نعم، من رواه هذا؟

طالب:...

نعم. أوصاني خليلي. وفيها ثلاثة أيام من كل شهر، هذا مطلق، جاء التقييد بأي شيء؟

طالب:...

الأيام البيض، هي إيش؟

طالب: .......

طيب وجاءت مقيدة بقيد ثانٍ.

طالب:...

سننظر، الاثنين والخميس من الأسبوع والاثنين من الأسبوع الذي يليه، هذه ثلاثة أيام، فيحمل المطلق على المقيد الأول أو على المقيد الثاني؟ ونظيره كفارة اليمين، من لم يجد فصيام ثلاثة أيام جاء الصيام في الكفارات مقيدًا بالتتابع شهرين متتابعين، وجاء مقيدًا بالتفريق، تذكر النص الذي فيه التقييد بالتفريق؟

طالب: .......

لا، الصيام مقيد بالتتابع في صيام شهرين متتابعين، بالتفريق.

طالب: فعدة من أيام أخر.

هذا مقيد بالتفريق؟ يعني لو قضى متتابعًا ما يجزي؟ نريد المقيد بالتفريق.

طالب:...

بغيت أن تصيب، لكن أبعدت، وسبعة إذا رجعتم، هذا فيه تفريق، فإذا ورد النصّ المطلق مقيدًا بقيدين مختلفين، فهل يعتبر القيد الأول أو القيد الثاني؟ في حديث أبي هريرة: أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث، أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، هذا مطلق، جاء التقييد بأن تكون الأيام البيض، وجاء قيد آخر بأن تكون الاثنين والخميس من أسبوع والاثنين من أسبوع آخر، أي القيدين أولى؟ أو نقول: لا هذا ولا ذاك، وتبقى على إطلاقها؟

طالب:...

هذه مسألة أخرى، لكن جاء في صيام ثلاثة أيام من كل شهر الاثنين والخميس من أسبوع والاثنين من الأسبوع الثاني.

طالب:...

عندك جواب؟ يعني من أراد أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ولا يزيد على ذلك، أقول: أنا أبغي أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر فقط، ولن أزيد على ذلك، هل نقول: اجعل هذه الثلاثة الأيام البيض؟ أو اجعلها الاثنين والخميس والاثنين من الأسبوع الذي يليه؟نعم؟

طالب:...

نحن نفترض المسألة في شخص يقول: ما أنا بصائم إلا ثلاثة أيام من كل شهر، لن أزيد ولا يومًا، نقول له: صم البيض أم صم الاثنين والخميس والاثنين من الأسبوع الثاني؟

طالب:...

أو نقول: صم السبت والأحد والاثنين من هذا الشهر، وصم الثلاثاء والأربعاء والخميس من الشهر الثاني؟ كما جاء في بعض النصوص؟

طالب:...

الآن كأن الاتجاه متجه إلى تقييد الثلاثة بالبيض، لماذا لا تقيد بالحديث الثاني؟ لأنه جاء مقيدًا بصورة أخرى.

طالب:...

فيكون لغيره، اللفظ الثاني؟

طالب: .......

وجاء مقيدًا؟

طالب:...

نعم، إذا تعارض القول والفعل حمل فعله على الخصوصية، والقول للأمة.

 اقرأ خلنا نكمل.

طالب:...

معروف أنه إذا جاء النصّ مطلقًا، وجاء مقيدًا في نصوص أخرى، واتحدت في الحكم والسبب فإنه يحمل المطلق على المقيد، لا بد من حمل المطلق على المقيد، وإذا قلنا: إنه جاء مقيدًا بأكثر من قيد، إذا قلنا: إن المطلق جاء مقيدًا بأكثر من قيد، وليس تقييده بأحدها أولى من تقييده بالآخر، وحينئذٍ يبقى على إطلاقه. وهذا له وجه.

طالب:...

كأن الأيام البيض قول، فهي أولى من غيرها.

طالب: الحديث صحيح يا شيخ الراجح؟ في البيض؟

في ماذا؟ مجموع طرقه حسن ما يبلغ الصحة.

طالب:...

إذا كانت القيود مستوية فليس التقييد بأحدها أولى من الآخر، فيبقى على إطلاقه، يبقى التقييد محل إجمال يحتاج إلى بيان.

"ولا معارضة بين هذه الأحاديث، فإنها كلها دالة على ندبية صوم كل ما ورد، وكل من الرواة حكى ما اطلع عليه، إلا أن ما أمر به وحث عليه ووصى به أولى وأفضل، وأما فعله -صلى الله عليه وسلم- فلعله كان يعرض له ما يشغله عن مراعاة ذلك، وقد عيَّن الشارع أيام البيض، وللعلماء في تعيين الثلاثة الأيام التي يندب صومها من كل شهر أقوال عشرة سردها في الشرح".

ثلاثة أيام فيها عشرة أقوال، كيف تجيء ثلاثة أيام فيها عشرة أقوال؟ يعني ليلة القدر اختلف فيها على أكثر من أربعين قولاً، أكثر من أيام الشهر، متصور أن تكون الأقوال الأكثر من الأيام، وقد تكون الأقوال أكثر من القائلين، لكن هذا لا يوجد عند المسلمين، ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أن عشرة من النصارى اجتمعوا لبحث مسألة فصدروا عن أحد عشر قولاً.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يحل للمرأة» أي المتزوجة بدليل قوله: «أن تصوم وزوجها شاهد» أي حاضر، «إلا بإذنه»، متفق عليه، واللفظ للبخاري".

نعم، وهذا بالنسبة للنفل، أما الفرض فلا إذن فيه لأحد؛ لأن النهي عن صوم الفريضة معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

"زاد أبو داود: غير رمضان، فيه دليل على أن الوفاء بحق الزواج" أو الزوج؟

الزوج؟

"فيه دليل على أن الوفاء بحث الزوج أولى من التطوع بالصوم".

لأن حقه واجب، والصوم ندب.

"وأما رمضان فإنه يجب عليها وإن كره الزوج، ويقاس عليه القضاء، فلو صامت النفل بغير إذنه كانت فاعلة لمحرم".

لكن لو القضاء موسع، القضاء وقت موسع، لا أريد أن تقضي في شوال، انتظري، إذا رحت للحج فاقضي، يلزمها قبوله أم تقضي نقول: لأنه قضاء واجب فهو واجب؟

طالب: يلزمها قبولها يا شيخ بدليل حديث عائشة.

نعم، المبادرة إلى القضاء سنَّة، المبادرة إلى القضاء سنَّة، وطاعته واجبة، ولا تعارض السُّنَّة بواجب.

طالب:...

يضعفها فيحصل بسبب هذا الضعف تقصير في حقهم؟ يعني شفقة عليها، شفقة عليها، منعها أبوها من أن تصوم الست؛ شفقة عليها أو تصوم الاثنين والخميس يقول: أنت الآن الدنيا ما تساعد حتى تصومي هذه الأيام ثلاثة أيام من كل شهر، الاثنين والخميس، والبيض وما أدري إيش ونصف شوال، يعني نصف عمرك صائمة، والبنية ما تتحمل، فمن باب الشفقة عليها يمنعها، إذا كان له وجه  وهي بالفعل يشق عليها الصيام أو يضرها يلزمها القبول وإلا فلا.

"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يومين يوم الفطر ويوم النحر"، متفق عليه. فيه دليل على تحريم صوم هذين اليومين؛ لأن أصل النهي التحريم، وإليه ذهب الجمهور، فلو نذر صومهما لم ينعقد نذره في الأظهر".

لأنه صوم معصية، فلا ينعقد، خلافًا لأبي حنيفة الذي يقول: ينعقد ويلزمه القضاء.

"لأنه نذر بمعصية، وقيل: يصوم مكانهما عنهما".

نعم.

"وعن نُبيشة بضم النون وفتح الباء الموحدة وسكون المثناة التحتية وشين معجمة يقال له: نبيشة الخير، بن عمرو وقيل: ابن عبد الله الهذلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيام التشريق»، وهي ثلاثة أيام بعد النحر، وقيل: يومان بعد النحر".

الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر نعم. والراجح أنها ثلاثة أيام، بدليل {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203]، ولا أحد يقول بأن المراد التعجل في يومين يوم النحر واليوم الذي يليه، لا، فدل على أن أيام التشريق ثلاثة بعد العيد.

"«أيام أكل وشرب وذكر الله -عز وجل-»، رواه مسلم، وأخرجه مسلم أيضا من حديث كعب بن مالك وابن حبان". وذكرٍ لله أم وذكر الله؟

إن شئت كله واحد.

"من حديث أبي هريرة، والنسائي من حديث بشر بن سُحَيم".

نعم.

"وأصحاب السنن من حديث عقبة بن عامر، والبزار من حديث ابن عمر «أيام التشريق أيام أكل وشرب وصلاة فلا يصومها أحد»، وأخرج أبو داود من حديث عمر في قصته "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرهم بإفطارها، وينهاهم عن صيامها"، أي أيام التشريق، وأخرج الدارقطني من حديث عبد الله بن حذافة السهمي: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وبعال» البعال مواقعة النساء، والحديث وما سقناه في معناه دال على النهي عن صوم أيام التشريق، وإنما اختلف هل هو نهي تحريم أو تنزيه؟ فذهب إلى أنه للتحريم مطلقًا جماعة من السلف وغيرهم".

ماذا؟

طالب:...

فيها. وغير الحاج؟ غير الحاج؟

طالب:...

هذا لغيرك.

"وإليه ذهب الشافعي في المشهور، وهؤلاء قالوا: لا يصومها المتمتع ولا غيره، وجعلوه مخصصًا لقوله تعالى: {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}[البقرة:196]؛ لأن الآية عامة فيما قبل يوم النحر وما بعده".

والحديث خاص بأيام التشريق، وهناك أيضًا عموم وخصوص من وجه آخر، وهو أن هذا النهي عام للحاج وغيره، والآية خاصة بالحاج، فالعموم والخصوص وجهي نعم.

"والحديث خاص بأيام التشريق، وإن كان فيه عموم بالنظر إلى الحج وغيره، فيرجح خصوصها؛ لكونه مقصودًا بالدلالة على أنها ليست محلاً للصوم، وأن ذاتها باعتبار ما هي مؤهلة له كأنها منافية للصوم، وذهبت الهادوية إلى أنه يصومها المتمتع الفاقد للهدي، كما يفيده سياق الآية، ورواية ذلك عن علي- عليه السلام- قالوا: ولا يصومها القارن والمحصر إذا فقد الهدي، وذهب آخرون إلى أنه يصومها المتمتع ومن تعذر عليه الهدي، وهو المحصر".

ومن في حكمه، في حكم المتمتع القارن.

"والقارن؛ لعموم الآية، ولما أفاده: وعن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما- قالا: "لم يرخص" بصيغة المجهول "في أيام التشريق أن يصمن".

يُصَمن يُصَمن.

"أن يصَمنَ إلا لمن لم يجد الهدي"، رواه البخاري. فإنه أفاد أن صوم أيام التشريق جائز رخصة لمن لم يجد الهدي وكان متمتعًا أو قارنًا أو محصرًا لإطلاق الحديث بناءً على أن فاعل يرخص هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه مرفوع، وفي ذلك أقوال ثلاثة: ثالثها أنه إن أضاف ذلك إلى عهده -صلى الله عليه وسلم- كان حجة وإلا فلا".

إذا قال الصحابي: رخص لنا أو أُبيح لنا أو أُمرنا أو نُهينا لا شك أن الفعل وإن لم يذكر فاعله فهو منسوب إلى من له الترخيص وله الأمر وله النهي وله الإباحة، وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فهو مرفوع.

"وقد ورد التصريح بالفاعل في رواية للدارقطني والطحاوي إلا أنها بإسناد ضعيف، ولفظها: رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق إلا أنه خص المتمتع، فلا يكون حجة لأهل هذا القول".

المتمتع والقارن في حكمه؛ لأنه متمتع.

"وقد روي من فعل عائشة وأبي بكر وفتيًا لعلي- عليه السلام-".

لكن قد يقول قائل: كيف يكون قارنًا وهو لم يجد الهدي؟ كيف يقرن وهو ما وجد هديًا؟

طالب:...

وأنه يلزم القران متى؟ إذا ساق الهدي، وهذه مسألة، هذا ما وجد هديًا أصلاً.

طالب:...

لكن أليس له ابتداءً قارنًا ولو لم يسق الهدي؟ يعني لا يؤمر أن يفسخ الإحرام بعمرة يكون متمتعًا لأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة.

طالب:...

باب إن شاء الله.

"وذهب جماعة إلى أن النهي للتنزيه، وأنه يجوز صومها لكل واحد، وهو قول لا ينهض عليه دليل".

لأن الحديث صريح في النهي.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم»، رواه مسلم".

ليس للجمعة في هذا الباب مزية، لا تخص بصيام نهار ولا بقيام ليل، بل ورد النهي عن تخصيص الجمعة بالصيام إلا أن يصام يوم قبله ويوم بعدها.

طالب:...

يأتي الحديث الذي يليه إن شاء الله.

"الحديث دليل على تحريم تخصيص ليلة الجمعة بالعبادة معتادة إلا ما ورد به النص على ذلك كقراءة سورة الكهف".

على ضعف فيه بالنسبة لليلة الجمعة، النص ضعيف، الحث على قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة حسن بمجموع طرقه.

"فإنه ورد تخصيص ليلة الجمعة بقراءتها، وسور أخر وردت بها أحاديث فيها مقال، وقد دل هذا بعمومه على عدم مشروعية صلاة الرغائب في أول ليلة الجمعة من رجب".

الإكثار من الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة الجمعة وفي يومها ثابت. صلاة الرغائب حديثها ضعيف جدًّا، وحكم بعضهم بوضعه.

"ولو ثبت حديثها لكان مخصصًا لها من عموم النهي، لكن حديثها تكلم العلماء عليه وحكموا بأنه موضوع، ودل على تحريم النفل بصوم يومها منفردًا، قال ابن المنذر: ثبت النهي عن صوم الجمعة كما ثبت عن صوم العيد، وقال أبو جعفر الطبري: يفرق بين العيد والجمعة بأن الإجماع منعقد على تحريم صوم العيد، ولو صام قبله أو بعده".

بخلاف الجمعة لو صام يومًا قبلها وبعدها فلا بأس.

"وذهب الجمهور إلى أن النهي عن إفراد الجمعة بالصوم للتنزيه مستدلين بحديث ابن مسعود "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وقلما كان يفطر يوم الجمعة" أخرجه الترمذي وحسنه، فكان فعله -صلى الله عليه وسلم- قرينة على أن النهي ليس للتحريم، وأجيب عنه بأنه يحتمل أنه كان يصوم يومًا قبله أو بعده، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال، واختلف في وجه حكمة تحريم صومه على أقوال: أظهرها أنه يوم عيد، كما روي من حديث أبي هريرة مرفوعًا «يوم الجمعة يوم عيدكم»، وأخرج ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي -عليه السلام- قال: "من كان منكم متطوعًا من الشهر فليصم يوم الخميس، ولا يصم يوم الجمعة، فإنه يوم طعام وشراب وذكر"، وهذا أيضًا من أدلة تحريم صومه، ولا يلزم أن يكون كالعيد من كل وجه، فإنه ينعقد حرمة صومه بصيام يوم قبله ويوم بعده، كما يفيده قوله".

لا شك أن المحرمات متفاوتة في قوة التحريم وضعفه، كما أن الواجبات متفاوتة في قوة الوجوب وخفته، تشترك في أن المحرمات يأثم فاعلها، لكن هذا الإثم متفاوت، الإثم المرتب على فعل المحرمات متفاوت، وهكذا الواجبات.

طالب:...

نعم؟

طالب: .......

كيف؟

طالب: .......

الوفاة؟ نعم بلا شك، جاء الأثر بذلك.

"وعنه أيضًا -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده» متفق عليه، فإنه دال على زوال تحريم صومه لحكمة لا نعلهما، فلو أفرده بالصوم وجب فطره، كما يفيده ما أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود من حديث جويرية "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها في يوم جمعة وهي صائمة فقال لها: «أصمت أمس؟» قالت: لا، قال: «تصومين غدا؟» قالت: لا، قال: «فأفطري»، والأصل في الأمر الوجوب".

الأمر بالنسبة للفطر أمرها بالفطر والأصل فيه الوجوب، والله أقل ما فيها الكراهة الشديدة.

"وعنه أي أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»، رواه الخمسة، واستنكره أحمد".

وهو ضعيف، يخالفه ما جاء من أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر ما يصوم في شعبان، نعم.

"وصححه ابن حبان وغيره، وإنما استنكره أحمد؛ لأنه من رواية العلاء بن عبد الرحمن، قلت: وهو من رجال مسلم، قال المصنف في التقريب: إنه صدوق وربما وهِم، والحديث دليل على النهي عن الصوم في شعبان بعد انتصافه، ولكنه مقيد بحديث «إلا أن يوافق صومًا معتادًا» كما تقدم، واختلف العلماء في ذلك؛ فذهب كثير من الشافعية إلى التحريم لهذا النهي، وقيل: إنه يكره إلا قبل رمضان بيوم أو يومين فإنه محرم".

نعم، لكن تقدّم تضعيف الحديث، تقدم من قِبل الشارح أنه ضعّف الحديث.

"وقيل" لا يكره، وقيل" إنه مندوب، وأن الحديث مؤول بمن يضعفه الصوم/ وكأنهم استدلوا بحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصل شعبان برمضان، ولا يخفى أنه إذا تعارض القول والفعل كان القول مقدمًا".

طالب: .......

نعم؟

طالب:...

أن الصيام خاص به -عليه الصلاة والسلام-/ والنهي على الأمة.

طالب:...

لكنه ضعّفه سابقًا، ضعّف الحديث.

طالب:...

قضاء الواجب؟

قضاء الواجب ما يدخل في هذا، المقصود النهي عن النوافل، التنفل في يوم الجمعة.

"وعن الصماء بالصاد المهملة بنت بسر بالموحدة مضمومة وسين مهملة اسمها بُهية بضم الموحدة".

وقيل: بُهيمة، وقيل: بهيمة بزيادة الميم.

"وفتح الهاء وتشديد المثناة التحتية وقيل: اسمها بُهيمة بزيادة الميم، هي أخت عبد الله بن بسر، روى عنها أخوها عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء»".

لحاء عنب، لحاء عنب، يعني قشر العنب.

"بفتح اللام فحاء مهملة ممدودة، عنب بكسر المهملة وفتح النون فموحدة الفاكهة المعروفة والمراد قشره، «أو عود شجرة فليمضغها» أي يطعمها للفطر بها. رواه الخمسة ورجاله ثقات إلا أنه مضطرب، وقد أنكره مالك، وقال أبو داود: هو منسوخ، أما الاضطراب فلأنه رواه عبد الله بن بسر عن أخته الصماء، وقيل: عن عبد الله، وليس فيه ذكر أخته، قيل: وليست هذه بعلة قادحة؛ فإنه صحابي، وقيل: عنه عن أبيه بسر، وقيل: عن الصماء عن عائشة، قال النسائي: هذا حديث مضطرب".

نعم؛ لأنه روي على أوجه مختلفة، وهذه الأوجه المختلفة متساوية لا يمكن الترجيح بينها، فحينئذٍ يكون الحديث مضطربًا، لكن لو قيل بأنه روي على هذه الأوجه، يرويه مرة بسر عن أخته ومرة عن عائشة بغير واسطة، ومرة بغير واسطة يرويه أيضًا، فيروى على هذه الأوجه يمكن توجيه بعضها وحملها على بعض.

"قال المصنف: يحتمل أن يكون عند عبد الله عن أبيه وعن أخته وعند أخته بواسطة، وهذه طريقة صحيحة، وقد رجح عبد الحق الطريق الأولى".

وإذا أمكن الترجيح بين الأوجه المختلفة لم تكن متساوية، فإذا انتفى التساوي انتفى الاضطراب، نعم.

"وتبع في ذلك الدارقطني، لكن هذا التلون في الحديث الواحد بإسناد الواحد مع اتحاد المخرج يوهي الرواية، وينبئ بقلة الضبط إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث".

يعني لو كان من طريق الزهري مثلاً يحتمل منه هذا الاختلاف؛ لكثرة وسعة روايته، فيكون رواه على هذه الأوجه كلها، أما شخص مقِل يرويه على هذه الأوجه ما يحتمل منه هذا الصنيع.

"فلا يكون ذلك دالاًّ على قلة الضبط، وليس الأمر هنا كذلك، بل اختلف فيه على الراوي أيضًا عن عبد الله بن بسر، وأما إنكار مالك له فإنه قال أبو داود عن مالك: إنه قال هذا كذب، أما قول أبي داود إنه منسوخ فلعله أراد أن ناسخه قوله: وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد، وكان يقول: «إنهما يوما عيد للمشركين، فأنا أريد أن أخالفهم»، أخرجه النسائي وصحصحه ابن خزيمة وهذا لفظه، فالنهي عن صومه كان أول الأمر حيث كان -صلى الله عليه وسلم- يحب موافقة أهل الكتاب، ثم كان آخر أمره -صلى الله عليه وسلم- مخالفتهم، كما صرح به الحديث نفسه، وقيل: بل النهي كان عن إفراده بالصوم إلا أنه صام ما قبله أو ما بعده، وأخرج الترمذي من حديث عائشة قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين".

والأحد والاثنين.

"ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس"، وحديث الكتاب دالٌّ على استحباب صوم السبت والأحد مخالفة لأهل الكتاب، وظاهره صوم كلٍّ على الانفراد والاجتماع".

نعم، إذا كانت العلة المخالفة فكما تحصل هذه المخالفة بالاجتماع بصوم اليومين مخالفة للطائفتين تحصل العلة بصوم أحدهما دون الآخر مخالفة لإحدى الطائفتين.

طالب:...

ماذا فيه؟

طالب:...

مخرّج عندك؟ مخرّج؟

طالب:...

صححه ابن حبان؟

طالب: .......

لا، غيره، ابن خزيمة؟ قال عنه حسن؟

طالب:...

يعني صححه مجرد إخراج ، ما قال: إنه صحيح، قالوا: صححه ابن خزيمة.

طالب:...

يعني بمجموع طرقه لا بأس به.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة" رواه الخمسة غير الترمذي وصححه ابن خزيمة والحاكم، واستنكره العقيلي؛ لأن في إسناده مهديًا الهُجري".

الهَجري، الهَجري.

"لأن في إسناده مهديًا الهَجري ضعفه العقيلي، وقال: لا يتابع عليه الراوي عنه مختلف فيه".

نعم، النهي ضعيف، النهي عن صيام يوم عرفة في عرفة ضعيف، لكن ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أفطر في يوم عرفة، فالفطر لا شك أنه أقوى وأعون على العبادة، كونه أفطر لا يعني أن الصيام لا يجوز في يوم عرفة بعرفة، وإن كان الاختيار لدى جمع من أهل التحقيق تحريمه، وأن صائمه آثم.

طالب:...

نعم؟

وما صام يومًا قبله. ولن يصوم يومًا بعده؛ لأنه يوم العيد، أفطره؛ لأنه يوم الجمعة لا لأنه يوم عرفة.

طالب: .......

نعم؟

طالب: .......

لماذا؟

طالب:...

هو ما صام، ما صام إنما شرب؛ ليبين للصحابة أنه لم يصم، لا، ما صامه.

طالب:...

التحريم للنهي في الحديث.

طالب:...

معروف أنه ضعيف، لكن من قال بالتحريم استنادًا على هذا النهي، ومن قال بالكراهة قال: لأنه يضعف، يضعف الحاج عن الدعاء، وأقل أحوال ذلك الكراهة، المقصود أن صوم يوم عرفة أقل أحواله أنه خلاف الأولى، والمرجح عند كبار الصحابة أنه لا يُصام، وما ثبت عنهم أنهم صاموه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي هو القدوة والأسوة ثبت عنه أنه شرب، ففي صيامه مخالفة لفعله -عليه الصلاة والسلام-، مخالفة لما اختاره الله له.

"قلت: في الخلاصة أنه قال ابن معين: لا أعرفه، وأما الحاكم فصحح حديثه، وأقره الذهبي في مختصر المستدرك، ولم يعده من الضعفاء في المعنى".

ماذا؟

طالب:...

يعني الذهبي، المغني في ضعفاء الرجال.

"وأما الراوي عنه فإنه حوشب بن عبدل، قال المصنف في التقريب: إنه ثقة، والحديث ظاهر في تحريم صوم يوم عرفة بعرفة وإليه ذهب يحيى بن سعيد الأنصاري، وقال: يجب إفطاره على الحاج، وقيل: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء، ونقل عن الشافعي، واختاره الخطابي والجمهور على أنه يستحب إفطاره، وأما هو -صلى الله عليه وسلم- فقد صح أنه كان يوم عرفة بعرفة مفطرًا في حجته، ولكن لا يدل تركه الصوم على تحريمه، نعم يدل أن الإفطار هو الأفضل؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يفعل إلا الأفضل إلا أنه قد يفعل المفضول؛ لبيان الجواز، فيكون في حقه أفضل؛ لما فيه من التشريع والتبليغ بالفعل، ولكن الأظهر التحريم؛ لأنه أصل النهي".

نعم.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

عبد الله بن عمروٍ، نعم.

"وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا صام من صام الأبد»، متفق عليه. اختلف في معناه، قال شارح المصابيح: فسِّر هذا من وجهين أحدهما أنه على معنى الدعاء عليه؛ زجرًا له عن صنيعه".

من شارح المصابيح؟

طالب:...

من شارح المصابيح؟

طالب: .......

من هو؟

طالب:...

شارح المصابيح. ماذا فيه؟

طالب:...

والطيبي شرح المشكاة، والقاري شرح المشكاة، شرح المشكاة، كذلك.

طالب:...

ماذا؟

طالب: .......

التوربشتي نعم صاحب الميسر في شرح المصابيح.

طالب:...

ماذا؟ هذا شرح المصابيح له ميزة أو ما له ميزة، هذا كتاب مطلوب.

طالب:...

ما فيه غيره شارح للمصابيح التوربيشتي هذا.

طالب:...

هو ما طُبع إلى الآن. لكن محقق وجاهز.

"والآخر على سبيل الإخبار، والمعنى أنه بمكابدة صُورة".

صَورة صَورة. صَورة إي، يعني شدة شدة الجوع نعم نعم.

"صَورة الجوع وحر الظمأ؛ لاعتياده الصوم حتى خف عليه، ولم يفتقر إلى الصبر على الجهد الذي يتعلق به الثواب، فكأنه لم يصم، ولم تحصل له فضيلة الصوم، ويؤيد أنه للإخبار قوله".

لكن هل هذا وجيه؟ هل هذه العلة وجيهة أنه لما كابد الصيام صار سجية، طبيعة عنده، الصيام أسهل عليه من الإفطار.

طالب:...

يعني أداء العبادة مع المشقة أفضل من أدائها مع اللذة والفرح والسرور بها؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- جُعلت قرة عينه في الصلاة، مع أن بعض الناس إذا دعي إلى الصلاة كأنما حُمِّل جبلًا، أيهما أفضل: من يأتي العبادة وهي عليه شاقة، أو من يأتيها وهو فرح مسرور، وهي خفيفة على نفسه؟

طالب:...

نعم؟

طالب: .......

كيف؟

طالب: .......

بلا شك أن الثاني أفضل؛ لأنه ما وصل إلى المرتبة الثانية حتى تجاوز الأولى، وعرف عن السلف أنهم جاهدوا أنفسهم من أجل الصيام ومن أجل القيام، ولما تعدوا هذه المرحلة تمتعوا واستمتعوا بالصيام والقيام، فالعلة التي أبداها الشارح عليلة.

"ولمسلم من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه-: «لا صام ولا أفطر»، ويؤيده أيضًا حديث الترمذي عنه بلفظ: «لم يصم ولم يفطر»، قال ابن العربي: إن كان معناه الدعاء فياويح من أصابه دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-! وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يصم! وإذا لم يصم شرعًا فكيف يكتب له ثواب؟".

جاء وصف- نسأل الله العافية- أهل النار أنهم وجوه يومئذ خاشعة. عاملة ناصبة، تاعبة، نسأل الله العافية، ناصبة شاقية بعملها، لا يوصلها إلى نتيجة، هكذا من يعبد الله -سبحانه وتعالى- على خلاف ما شرعه الله، من يبتدع في الدين يتعب بلا شك، لكن مع ذلك هذه العبادة مردودة عليه، وبال عليه هذه العبادة إن لم يشرعها الله -سبحانه وتعالى-، «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، كل بدعة ضلالة، نسأل الله العافية.

"وقد اختلف العلماء في صيام الأبد؛ فقال بتحريمه طائفة، وهو اختيار ابن خزيمة، لهذا الحديث وما في معناه، وذهب طائفة إلى جوازه، وهو اختيار ابن المنذر، وتأولوا أحاديث النهي عن صيام الدهر بأن المراد من صامه مع الأيام المنهي عنها من العيدين وأيام التشريق".

كالعيدين مثلاً والتشريق.

"وهو تأويل مردود بنهيه -صلى الله عليه وسلم- لابن عمرو عن صوم الدهر".

وإخراج خمسة أيام من السنة لا يخرجه عن كونه صام الدهر.

"وتعليله بأن لنفسه عليه حقًّا، ولأهله ولضيفه حقًا".

إن كنت فاعلًا ولا بد فصيام داود، يصوم يومًا ويفطر يومًا. «لا صيام أفضل من صيام داود»، نعم.

"ولقوله: «أما أنا فأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني»، فالتحريم هو الـأوجه دليلاً، ومن أدلته ما أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة من حديث أبي موسى مرفوعًا: «من صام الدهر ضُيقت عليه جهنم وعقد بيده» قال الجمهور: ويستحب صوم الدهر لمن لا يضعفه عن حق، وتأولوا حديث النهي تأويلاً غير راجح".

أخذًا بعموم: «من صام يومًا في سبيل الله باعده الله عن النار سبعين خريفًا» على ما مرّ.

"واستدلوا بأنه -صلى الله عليه وسلم- شبه صوم ست من شوال مع رمضان وشبه صوم ثلاثة أيام من كل شهر بصوم الدهر، فلولا أن صاحبه يستحق الثواب لما شبه به".

تقدّم بأن وجه الشبه لا يلزم أن يكون من كل وجه، التشبيه لا يلزم أن يكون من كل وجه.

"وأجيب بأن ذلك على تقدير مشروعيته، فإنها تغني عنه كما أغنت الخمس الصلوات عن الخمسين الصلاة التي قد كانت فرضت، مع أنه لو صلاها أحد لوجوبها لم يستحق ثوابًا، بل يستحق العقاب".

بلا شك.

"نعم أخرج ابن السني من حديث أبي هريرة مرفوعًا «من صام الدهر فقد وهب نفسه من الله- عز وجل-» إلا أنا لا ندري ما صحته".

اللهم صل على عبدك ورسولك.