كيف يبني طالب العلم مكتبته - الحلقة (1)

المقدم: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

مستمعينا الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، أهلًا ومرحبًا بكم على الهواء مباشرة من هنا، من استوديوهاتنا من إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية، ثلاث دقائق بعد الرابعة عصرًا من هذا اليوم الأحد الثامن من شهر ربيع الآخر من عام (1424) للهجرة النبوية المباركة، أهلًا ومرحبًا بكم في كل مكان، ونحن نتحدث في هذا البرنامج معكم على الهواء حول موضوع مهم وهو:

كيف يبني طالب العلم مكتبته؟

متى بدأ التدوين والتصنيف؟

ما هي عناية المسلمين بالمكتبات الرسمية والشعبية والجماعية والفردية؟

ونقدم أيضًا نماذج لما يقتنيه طالب العلم من كتب في شتى العلوم؟

سوف نتعرض -بإذن الله- إلى مواضيع هامة، حول هذا الموضوع، وهو مكتبة طالب العلم.

معنا في الأستوديو وعلى الهواء مباشرة، صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

أشكر لفضيلته قبول دعوتنا، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله وبارك فيكم، وفي الأخوة المستمعين.

المقدم: أقول: يا شيخ نحن عندما أعلنا الحقيقة عن هذا الموضوع الناس في شوق إلى معرفة جوانب عديدة خصوصًا أنه يتعلق بطلب العلم الشرعي، العلم المهم الذي به يحمي الإنسان نفسه من كل زلل، أرى أنه من المهم أن نبدأ بمقدمة حول هذا الموضوع، نتحدث فيها عن بداية التدوين والتصنيف، متى بدأ هذا العمل؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

المقصود بالتصنيف والمصنفات والكتب والمكتبات سوى القرآن الكريم المحفوظ من التغيير والتبديل، الذي أنزله الله على نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام-، وتكفل بحفظه، فلسنا بصدد الحديث عن القرآن، وكيفية نزوله، وكتابته في عهد النبي –عليه الصلاة والسلام-، وفي عهد أبي بكر، وفي عهد عثمان والحاجة الداعية إلى ذلك، إنما المقصود بالحديث ما سوى القرآن، ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، ومن كتب شيئًا غير القرآن فليمحه)) جاء النهي عن الكتابة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر؛ خشية أن يعتمد الناس عليها، وينسوا الحفظ الذي هو أولى ما ينبغي أن يهتم به طالب العلم، أو أهم المهمات فيما يعتني به طالب العلم، فإذا اعتمد على الكتابة نسي الحفظ، وضعف الحفظ، ومن أهل العلم من يرى أن النهي متجه إلى كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة؛ لئلا يختلط القرآن بغيره، فلما دُوّن القرآن، كتب القرآن في الصحف، وأمن ذلك، وزال خشية اللبس، أذن في الكتابة إذنًا عامًّا.

ثبت أيضًا في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بالكتابة ((اكتبوا لأبي شاة)) وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "ما كان أحد أكثر مني حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب" ولعل هذا على حسب وهمه -رضي الله عنه وأرضاه-، وأنه كان يتوقع أن عبد الله بن عمرو أكثر منه؛ لأن المكتوب الذي يُرى ليس كالمحفوظ، المحفوظ موجود في الأذهان، لا وجود له في الأعيان، فلا يمكن بيان حجمه، ما دام موجودًا في الأذهان، أو كانت مقولة أبي هريرة قبل الدعوة النبوية، لما طلب منه أن يبسط رداءه فبسطه، ثم ضمه بعد أن دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينسَ شيئًا قط، فصار بذلك أحفظ الصحابة، وأجمع الصحابة، وأكثرهم رواية، ولا يقاربه ولا يدانيه أحد منهم، ولجمعه هذا الكم الهائل من السنة، وهو صحابي جليل، دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحببه إلى الناس، ويحبب الناس إليه، ولذا لا يبغضه إلا منافق، نسأل الله السلامة والعافية، ولا يطعن فيه وفي حفظه وفي علمه إلا من يطعن في الدين، في السنة على وجه الخصوص؛ لأنه لم نرَ أحدًا طعن في المقلين من صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الطعن في المقل الذي لا يروي إلا حديثًا أو حديثين، هذا ليس له من الأثر ما لأثر الطعن في المكثر، فنسف مثل أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- نسف لقدر كبير من السنة، ومن ثم من الدين، أبيض بن حمال الذي لا يروي إلا حديثًا واحدًا ما وجدنا أحدًا يطعن فيه؛ لأن تتبع مثل هؤلاء متعب، بينما الطعن في واحد يحمل السنة، أو جل السنة هذا يريح الخصم، والله المستعان.

المقصود أن الكتابة أُذن فيها بعد المنع، وأجمع العلماء على جوازها، ولا شك أن للكتابة أثر في الحفظ، الإنسان الذي يعتمد على الحفظ دون الكتابة تستمر حافظته قوية، ويستذكر متى شاء، والناس يتفاوتون في هذا الباب، لما أذن بالكتابة صار الناس يكتبون كتابات فردية في المائة الأولى، ثم لما جاء عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الثانية أمر ابن شهاب الزهري بتدوين السنة، وهنا جاء التدوين الرسمي للسنة، فصنفت المصنفات في السنة، ثم أخذت تزيد قليلًا قليلًا إلى أن جُمع ما في الصدور، ما تفرق في البلدان، فصارت المؤلفات، هذا بالنسبة للسنة.

المقدم: يعني ما كتب عن الصحابة كانت كتابات فردية؟

كتابات فردية، كل يكتب لنفسه، ثم بعد ذلك أمر عمر بن عبد العزيز محمد بن مسلم بن شهاب الزهري بالكتابة الرسمية، ثم تتابع الناس في التأليف والتصنيف، فألفت المصنفات والموطئات والمسانيد والجوامع والسنن وغيرها من فنون الحديث الشريف، هذا بالنسبة لعلم الحديث.

علم اللغة بعد أن فتحت البلدان، واختلط العرب بغيرهم، وخيف أن وجدت مظاهر اللحن، احتيج إلى التدوين في اللغة، العلوم الأخرى كلها سبب التدوين فيها الحاجة الماسة إليها، ثم بعد أن جُمعت الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين، ودُوّن فقه الصحابة، وفقه التابعين، بعد ذلك احتاجوا إلى مسائل وحوادث نازلة، فاضطر الناس إلى أن يقيسوا على ما جاء في الكتاب والسنة، وما جاء عن الصحابة والتابعين، وتوسعوا في هذا الباب، فاحتيج إلى تدوين المسائل الفقهية في كتب الفقه على شتى المذاهب، المذاهب الأربعة المتبوعة وغيرها، ثم احتيج أيضًا إلى علوم تخدم الكتاب والسنة، تخدم أيضًا ما ثبت عن السلف في أبواب الدين، احتيج إلى ما يسمى بعلوم أصول الفقه، ومصطلح الحديث، وعلوم القرآن وغيرها من العلوم التي تخدم الأصلين الكتاب والسنة، فدُونت المصنفات وتشعبت، وكثرت كثرة بحيث يستحيل الإحاطة بها، وبالتدريج ما من عالم إلا ولديه مكتبة، وما من عالم إلا وله مصنفات إلا ما ندر، إلا ما ضاع منها.

المقدم: هذا بالنسبة إلى ما يتعلق بالنسبة باللغة العربية وما بعدها أيضًا..؟ 

نعم وما بعدها من العلوم، كل العلوم احتيج إليها ألفت الكتب الاصطلاحية التي تعين على فهم الكتاب والسنة، كما ذكرنا في علوم القرآن، ومصطلح الحديث، وأصول الفقه، ظهرت الفرق المخالفة للمنهج السليم الصافي المستمد من الكتاب والسنة، فظهرت الطوائف والبدع بعد أن ترجمت الكتب فاحتيج إلى التصنيف في العقائد، والرد على هؤلاء المخالفين.

المقدم: لكن نستطيع أن نقول: أن هذا التصنيف هو البداية الحقيقية لعناية المسلمين بالمكتبات على شتى...؟

لا، هذه بداية التصنيف، أما لما كثرت هذه المصنفات، واحتاج الناس إليها، ممن يطلب هذا العلم بدأت العناية بالمكتبات الفردية والجماعية، الرسمية والشعبية.

المقدم: يعني نستطيع نبين هذه المكتبات أشهرها وأين هي؟

على كل حال كثرة الكتب التي أشرنا إليها لا يمكن الإحاطة بها، وجدت محاولات قديمة وحديثة لجمع أسماء الكتب والمصنفات، صنف ابن النديم كتابه (الفهرست) فجمع أسماء كتب ومدونات كثيرة جدًّا، لا يتجاوز مبلغ علمنا بها حدود عناوينها، لا نعرف عنها إلا العناوين، ثم بعد ذلك ألف حاجي خليفة كتابه الشهير (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) فذكر فيه الألوف من أسماء الكتب التي وصلت إلى علمه، ثم ذُيل عليه بذيول، والكل لا يفي بالمقصود، وإن أسقط بعض الواجب، (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) كتاب نافع في هذا الباب، مع ذيوله، على أوهام فيه، ما يسلم من أوهام.

وفي تراجم أهل العلم ذكر منهم من عني بجمع الكتب، وهم كثير جدًّا، هذا أخٌ للقاضي الفاضل الكاتب المشهور جمع من الكتب ما يملأ البيوت حتى كان عنده من صحاح الجَوهري ستة عشر نسخة، الوزير القفطي المتوفي سنة (646هـ) اشتهر بحبه الشديد للكتب، وكَلَفه بجمعها، ووصف بأنه جمّاعة للكتب، حريص عليها جدًّا، كما وصفه بذلك عصرِّيه ياقوت الحموي، من كبريات خزائن الكتب القديمة التي طال صيتها خزانة الصاحب بن عباد، وخزانة القاضي الفاضل، فقد تجاوز عدد كتب كل منها مائة ألف مجلد، يعني تصور هذا الكم الهائل، يعني مطابع تضخ؟ لا، كلها كتب قلمية، مخطوطات.

المقدم: وهذا شخص واحد الذي يملك مائة ألف كتاب؟!

نعم شخص واحد، والآن يوجد من المعاصرين من يملك ما يقرب من هذا العدد، لكنها مطبوعات، يقتني كتابًا عشرة مجلدات عشرين مجلد في لحظة، أما مثل هذه الكتب متى تكتب؟ متى تصحح؟ متى تقابل؟ متى تجمع؟

المقدم: لكن يعرف مثلًا أن هذه النسخة في مكتبة فلان، وكتبها فلان معروفة؟ معروف تاريخها؟

نعم معروفة. 

المقدم: وإذا أراد شخص أن يأخذ منها نسخة يأتي وينقلها نقلًا؟

إما أن يستعير، ويأخذ منها ما يحتاج، ويفيد منها، والمتقدمين -أهل العناية بالكتب- يشددون في مسألة الإعارة.

ألا يا مستعير للكتب دعني

 

فإن إعارتي للكتب عارُ

وضاع كثير من الكتب، وتشتت شمل كثير من الموسوعات بهذه الطريقة، نظير ما ذكرت من مكتبة أو خزانة الصاحب بن عباد، والقاضي الفاضل، ما يوجد عند أبي مُطرّف القاضي بقرطبة، جمع من الكتب في أنواع العلم ما لم يجمعه أحد من أهل عصره في الأندلس، وكان عنده ستة وراقين، ينسخون له باستمرار، بمثابة المطابع عنده، ستة أشخاص ينسخون.

المقدم: لكن يوزعون يا شيخ؟

لا لمكتبته.

المقدم: يحتفظون بها؟

نعم يحتفظون بها.

المقدم: إذًا يمكن يكون في مكتبته أكثر من نسخة من كتاب واحد؟

إيه، لكنه في آن واحد يجد كتابًا عند فلان، أو في المكتبة كذا وكذا، يُحضِرُه للوراقين، إما بإعارة، أو بإجارة، فينسخون له نسخة من هذا الكتاب، إما أن يقتسموا الأجزاء، أو كل واحد ينسخ من كتاب معين.

أقول: لا يخلو عالم أو طالب علم من مكتبة؛ لأنه لا يمكن أن يستغنى عن الكتب؛ حتى زاد هذا الاهتمام ووصل إلى حد التكاثر والتفاخر، في نفح الطيب للمقرِي في وصف قرطبة قال: "وهي أكثر بلاد الأندلس كتبًا، وأشد الناس اعتناء بخزائن الكتب" صار ذلك عندهم من آلات التعين والرئاسة، حتى أن الرئيس منهم الذي لا تكون عنده معرفة يحتفل ويهتم في أن تكون في بيته خزانة كتب، قد يكون لا يقرأ ولا يكتب، وينتخب فيها، ليس إلا لأن يقال: فلان عنده خزانة كتب، الكتاب الفلاني لا يوجد إلا عند فلان، لا يوجد عند غيره، والكتاب التي بخط فلان قد حصل عليه فلان، وظفر به فلان، يعني صارت المسألة تفاخرًا وتكاثرًا.

المقدم: حتى هذا وجد في هذا العصر يعني أحيانًا بعض العلية علية القوم من الكبار مثلًا في بعض الدول الإسلامية تجده مثلًا يهتم بوجود مكتبة نادرة من أجل هذا.

لا شك، أقول: أعظم من ذلك وجد تحف على هيئة كتب، تصف في خزائن بحيث يظنها الناظر أنها كتب، فأين النيات؟! والله المستعان.

في نفح الطيب نقل قال الحضرمي: "أقمت بقرطبة ولازمت سوق كتبها مدة، أترقب فيه وقوع كتاب لي بطلبه اعتناء، إلى أن وقع، وهو بخط فصيح، وتفسير مليح، ففرحت به أشد الفرح، فجعلت أزيد في ثمنه، فيرجع إلي المنادي بالزيادة عليّ إلى أن بلغ فوق حده، فقلت له: يا هذا أرني من يزيد في هذا الكتاب، حتى بَلّغَه ما لا يساوي؟ قال: فأراني شخصًا عليه لباس الرئاسة، فدنوت منه، وقلت له: أعز الله سيدنا الفقيه، إن كان لك غرض في هذا الكتاب تركته لك، فقد بلغت به الزيادة بيننا فوق حده، قال: فقال لي: لست بفقيه، ولا أدري ما فيه، ولكني أقمت خزانة كتب، واحتفلت فيها لأتجمل بها بين أعيان البلد، وبقي فيها موضع يسع هذا الكتاب، فلما رأيت حسن الخط، وجودة التجليد استحسنته، ولم أبالي بما أزيد فيه، والحمد لله على ما أنعم به من الرزق فهو كثير"، قال الحضرمي: "فأحرجني، وحملني إلى أن قلت له: نعم لا يكون الرزق كثيرًا إلى عند مثلك، يُعطى الجوز من لا له أسنان، وأنا الذي أعلم ما في هذا الكتاب، وأطلب الانتفاع به يكون الرزق عندي قليلًا، وتحول قلة ما بيدي بيني وبينه".

على كل حال الاعتراض على القدر مذموم، يعني كون الإنسان يزيد الله في رزقه، وكون الإنسان يضيق عليه هذا قدر الله، كل إنسان مكتوب له رزقه، وأجله، إلى آخره، وليس للإنسان أن يعترض، وليس بسط الرزق خيرًا على كل حال، وليس ضيق ذات اليد شرًّا محضًا على كل حال، والله المستعان.

على كل حال إذا وصل حد الجمع والعناية بها إلى هذا الحد صارت مما يلهي، ويشغل عن التحصيل العلمي، والعمل الصالح، فيدخل دخولًا أوليًّا في قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [(1) سورة التكاثر] مجرد تكاثر، أنا عندي نسخة كذا، أنا عندي تجليد كذا، أنا عندي طبعة كذا، أنا عندي أربع نسخ، خمس نسخ من كتاب كذا، هذا وجد في المتقدمين والمتأخرين.

المقدم: وهذا ما كنت سأسأل عنه يا شيخ في الحقيقة في ثنايا الحديث، أن بعضهم يتفاخر أنه يوجد عنده نسخة أو أوائل النسخ من هذا الكتاب، كتاب لم يطبع منه إلا طبعات معدودة هذه عنده، ربما يدفع عليه مبالغ طائلة من أجل الحصول عليه، هل لهذا مردود؟

أنا بلغني أن بعض الكتب التي يطبع منها أربع نسخ، خمس نسخ، تودع في البنوك، خشية أن يُصطى عليها، يعني هل هذا مما يوصل إلى مرضات الله -عز وجل-، نقول: العلم المطلوب الشرعي ميسر -ولله الحمد- بدءًا من القرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] يعني تجد أرخص الكتب في المكتبات القرآن، يعني قيمته الشرائية، لا أعني قيمته المعروفة؛ لأنه لا يوجد هناك كتاب متعبد بتلاوته سوى القرآن، لكن قيمته الشرائية تجد أحوج الناس أو أشد الناس حاجة إلى كتاب تجده أرخص ما يباع، وهذا من السنن الإلهية، يعني أحوج ما يكون الناس إلى شيء يكون أرخص شيء، يعني ما يحتاجه الناس في مطاعمهم، في الأكل والشرب..

المقدم: الماء مثلًا أرخص..

أرخص شيء، نعم، ما يحتاجه الجسم من الغذاء الأصلي الذي يقوم به البدن هو أرخص ما يوجد في الأسواق، ثم بعد ذلك الترف، الكماليات أغلى، ثم ما يزيد من أمور السرف أغلى وأغلى، قس على هذا الكتب، بالنسبة للقيمة الشرائية أرخص ما يوجد مثلًا القرآن والبخاري ومسلم ورياض الصالحين والأذكار، الكتب التي يحتاجها عامة المسلمين هذه رخيصة -ولله الحمد-، لكن تأتي إلى كتب الناس ليسوا بحاجة إليها..

المقدم: يا شيخ نسمع أنها تصل خمسين ألف إلى ستين ألف؟

تصل تصل، القانون لابن سيناء بيع بتسعين ألف، بستين ألف..

المقدم: السبب أنه ما يوجد إلا نسخة واحدة؟

هو طبعة أوروبية نادرة، لكن إلى أين؟ القانون لابن سيناء تدري أن النووي -رحمه الله- أدخله في مكتبته فأظلم قلبه، وصعب عليه الحفظ، حتى أخرجه من مكتبته، أغلى ما يوجد الآن كتب الذكريات، كتب الرحلات، يعني المسلم بحاجة إلى مثل هذه؟! نعم من حيث العبرة والمتعة والاستجمام يحتاج إلى مثل هذه الأمور، لكن ليس إلى هذا الحد، ما تصل إلى هذا الحد، هذه مبالغة، يدخل في حيز السرف، لكن لو إنسان احتاج إلى صحيح البخاري، ولم يجد نسخة إلا بثمن مرتفع، نقول: لا سرف في الخير.

على كل حال إذا وصل الجمع والنهم بالكتب إلى هذا الحد صار عائقًا عن التحصيل، ولا يعرف هذا إلا من جرب، تحتاج الكتاب وعندك منه عشر نسخ، يغطي بعضها عن بعض، ويصد بعضها عن بعض، قد لا تحصل على نسخة، يقول ابن خلدون: "كثرة التصانيف مشغلة عن التحصيل" على الإنسان أن يكون متوسطًا في أموره كلها، ما يحتاجه من الكتب يقتنيه، ما ينفعه عند المراجعة يقتنيه، أما أن يجمع كل كتاب يسمع عنه، يحتاجه أو لا يحتاجه، ليقال: إن عنده من كل كتاب نسخة، مصيبة هذه؛ لأن الفائدة من جمع الكتب تحصيل العلم الشرعي، والعلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا يجوز التشريك فيها، فإذا دخلت النوايا مثل هذه المقاصد، يقال: عند فلان مكتبة أو عنده أكبر مكتبة خاصة، أو عنده أندر مكتبة، هذه حقيقة مُرة، وإن وجدت بين طلاب العلم، هذه حقيقة مرة، وقدح ظاهر في الإخلاص، وإن وجدت عند بعض المتعلمين، نسأل الله السلامة والعافية.

المقدم: وجد يا شيخ مكتبات رسمية أيضًا في....

وجد مكتبات رسمية رعتها الدول الإسلامية، يعني في بغداد.

المقدم: دار الحكمة؟

دور، دور، يعني في قرطبة وحدها أكثر من سبعين مكتبة رسمية، في بغداد، في بلاد الحرمين، في مصر، وفي غيرها من بلدان المسلمين، في المغرب، في المشرق، في الهند.

المقدم: تكون مفتوحة لطلبة العلم؟

تكون مفتوحة طوال اليوم، يستفيد منها الناس، على كل حال موجودة -والحمد لله- العناية بالكتب إلى وقتنا هذا، العناية الرسمية والشعبية، الآن بعض المساجد فيها كتب مثل المكتبات متكاملة، يستفيد منها طلاب العلم، الجامعات الآن ترعى مكتبات نادرة تضم شتى العلوم والمعارف، أيضًا غير الجامعات المكتبات العامة عندنا، عندنا في هذه البلاد المباركة الشيء الكثير في بلاد الحرمين، وفي نجد، وفي الأحساء، وفي الشمال مكتبات عامة، أيضًا مكتبات شعبية أسسها الأفراد، مكتبات متكاملة، فضلًا عن المكتبات الخاصة في دور العلماء وطلاب العلم.

المقدم: يعني أنتم لما أشرتم إلى المكتبات المتعلقة بالمساجد يا شيخ، وهي خطوة مهمة بدأت تظهر بحمد الله، يعني لا بد أن نشير إلى شيء من هذا، يعني مكتبة جامع شيخ الإسلام ابن تيمية في الرياض، باعتبارها مكتبة كبيرة، ولها صيت قوي، وتدعم من قبل وزارة الشؤون الإسلامية دعمًا قويًّا، بدأ عدد كبير في الحقيقة من المساجد والجوامع يحتذون حذو هذه المكتبة التي أفادت طلبة العلم كثيرًا؟

 نعم لا شك أن الرياض صار الآن مترامي الأطراف، ويصعب على طالب العلم الذي في غرب الرياض، أو في شرقه، أن يرتاد المكتبات التي في وسط الرياض، أو في شماله، فوجدت هذه الفكرة، وسبق إليها إخواننا في جامع شيخ الإسلام في مكتبة ابن القيم.

المقدم: وأنت سبق زرت هذه المكتبة؟

إيه أكثر من مرة، وأطلعونا على شيء يسر، من كثرة الرواد، والمنتفعين بهذه المكتبة، وهي تضم كتبًا كثيرة جدًّا، وأنا لدي فكرة في إنشاء مكتبة في شرق الرياض تضاهيها -إن شاء الله- وبعد العصور المتقدمة والاعتماد على المخطوطات والكتب القلمية ظهرت الطباعة، ولنستصحب منع الكتابة في أول الأمر لأثر الكتابة على الحفظ، ظهرت الطباعة في أوروبا، والأستانة، ثم في سوريا وبيروت، ثم في مصر وغيرها من بلدان المسلمين، وخشي العلماء في هذه الحقبة على التحصيل العلمي من التأثر لسهولة الحصول على الكتب لما كانت الخشية في أول الأمر من الكتابة من أن تؤثر على الحفظ، الآن خشي من الطباعة أن تؤثر على التحصيل كيف؟ التجربة أثبتت أنه كلما سهل الحصول على الكتابة أو على المعلومة ضعفت الإفادة، هذا شيء مجرب، خشي العلماء على التحصيل من جراء الطباعة، فأفتى علماء الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية.

المقدم: عجيب قديم هذا؟

إيه أول ما بدأت الطباعة، وأذنوا بطباعة كتب التواريخ والأدب واللغة وغيرها، الكتب الشرعية لا تجوز طباعتها، كان العالم أو طالب العلم في السابق إذا احتاج إلى كتاب اضطر إلى نسخه ومعاناة الكتابة -هذا شيء جربناه وجربه غيرنا- أفضل من القراءة مرارًا، أنت إذا احتجت إلى كتاب لا بد أن تكتب الكتاب، تستعيره وتنسخه، أو تستعيره وتقرأه، وتدون ما يهمك منه، هل هذا مثل أن تذهب إلى مكتبة وتشتري كتابًا وترصه مع إخوانه في الأدراج؟ لا، أنا أقول: كتابة كتاب عن قراءته عشر مرات، لا أبالغ إذا قلت: هذا.

المقدم: ولكن هذا ممكن في الكتب اليسيرة والصغيرة التي...؟

كل شيء بحسبه، كل شيء بقدره.

المقدم: يعني يمكن فتح الباري يكتب يا شيخ؟

بعد الطباعة ما يمكن، لكن قبل الطباعة ممكن.

المقدم: كُتب؟

كتب مرارًا، كيف وجد؟

المقدم: ونسخ مرارًا.

شخص ما أدركناه وأدركنا أحد أولاده، يقول: إن أباه يكتب كل يوم نسخة من النونية، وهي خمسة آلاف وثمانمائة وعشرين بيت، وكل نسخة يبيعها بريال، وهو يقتات من هذا النسخ، نعم إذا لم يكن لديه الأهلية للتحصيل، ومجرد ورّاق هذا لا يستفيد، لكن إذا كان من أهل العلم ولديه أرضية، ولديه أهلية للتحصيل، واحتاج إلى هذا الكتاب لما فيه من علم ونسخه لا شك أن مثل هذا يقع موقعه في القلب، بعد أن اضطر الناس، الإقرار بالواقع، الأمر الواقع، الذي فرض نفسه من الطباعة أفتى الناس بجواز طباعة الكتب الشرعية، أفتى العلماء، وطبعت وتدولت، لكن أثرها على التحصيل ظاهر، يعني بلا شك أن الطباعة نعمة، الحواسب الآلية التي يأتي الحديث عنها أيضًا نعمة، لكن لا تكون على حساب التحصيل، يعني لا يعتمد الإنسان اعتمادًا كليًّا ويقول: أنا اقتنيت فتح الباري وبعدين؟ اقتنيت تفسير بن كثير، تفسير القرطبي، تفسير الطبري، وبعدين؟

المقدم: بعض طلبة العلم عنده تفسير ابن كثير ولم يقرأه أبدًا، وهو من كبار طلبة العلم؟

نعم موجود، طبعت الكتب الشرعية، وأجمع الناس على جوازها، والإفادة منها، وأثره على التحصيل ظاهر، قد يقول بعض الناس ممن لا يدرك حقيقة الأمر -أنا حقيقة عانيت من قراءة الكتب، ومن نسخ الكتب، وتدوين الفوائد وغيرها- لكن قد يقول قائل: ماذا في الطباعة؟ الآن نِعم، تيسرت لنا هذه النعم، نقول: تيسرت والحمد لله، ونقر بأنها نعمة، الحواسيب نعمة، لكن نستفيد منها بقدر ما يعيننا على تحصيل العلم منها، ولا نعتمد عليها اعتمادًا كليًّا.

بعد الطباعة تجاوزنا مرحلة الطباعة، وفرضت نفسها، واقتنى الناس الكتب، ورصوها في الخزائن، وبعض الناس اقتنى ألوفًا مؤلفة من الكتب، مات لم يطلع على شيء منها، إلا العناوين، يأتي يرتبها وينظفها، هذا قبل هذا، وهذا بعد هذا، هذه العناية مفيدة لشيء واحد، وهي أن السوس والأرضة يعني تؤمن -بإذن الله- من تقليبها من يمين إلى شمال، من درج إلى درج، لكن التحصيل العلمي أين؟ ما فيه، قد يقول قائل: إن معرفة الكتب ومعرفة الطبعات فن؟ نقول: فن، لكنه ليس بفن غاية، فن وسيلة لغيره.

جاءت الحواسب الآلية التي جمعت من العلوم والمعارف على أقراص صغيرة ما لم يحلم به عالم أو متعلم، أشياء مذهلة، يعني لا نبالغ إذا قلنا: إن بعض العلماء من المتقدمين قبل الطباعة مثل الحواسب في حفظه، يعني من يحفظ سبعمائة ألف حديث، أكبر برنامج  للسنة فيه خمسمائة وثلاثة وعشرين ألف حديث.

المقدم: يعني رأس هذا الشيخ أحسن من هذه البرامج؟

أحسن من هذا، وليس آلة جامدة صماء، إذا صُحّ الخبر ما خرج، يفيد، يجمع طرق، يقدم ويؤخر، ويرتب ويستنبط، ويعلم ويعمل، صار طالب العلم إذا احتاج إلى أي معلومة في فن من الفنون بعد هذه الحواسب ما عليه إلا أن يضغط زرًّا، يصل بواسطته إلى ما يريد بأسرع وقت، وهذا أيضًا على حساب التحصيل العلمي؛ لأن العلم متين لا يستطاع براحة الجسم، كما قال يحيى بن أبي كثير، يحي بن أبي كثير كما ذكر الإمام مسلم في صحيحه في أثناء أحاديث المواقيت، قال يحيى بن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" لو كان العلم استطاع براحة الجسم ما أدرك الفقراء شيئًا، صار الناس كلهم علماء، العلم لا يخفى ما ورد فيه من النصوص في الحث عليه، وبيان منزلة أهل العلم، ورفعهم درجات، صار كل الناس علماء لو كان العلم يستطاع براحة الجسم، لكن لا بد من معاناة، لا بد من سهر، لا بد من عكوف على الكتب، لا بد من مزاحمة الشيوخ والزملاء، لا بد من مباحثة العلم ومدارسته.

المقدم: يعني يلاحظ مثلًا لو جاء طالب علم يخرج حديثًا عن طريق الحاسب الآلي يحصل على المعلومة بسرعة، لو رجع إلى الكتب تجد أنه يستفيد -كما يقال– في طريقه، في طريق المرور على هذا الحديث مئات الفوائد من أجل أن يصل إليه؟

الآن يحتاج الطالب إلى بحث مسألة في كتاب، فيقلب هذا الكتاب فيقف على عشرات المسائل كثير منها أهم من مسألته التي يبحث عنها، لكن يضغط زرًّا يطلب مسألة، تخرج المسألة من أولها إلى آخرها بمصادرها، ثم ماذا؟ هل يحفظها طالب العلم بهذه الطريقة؟ لا يمكن؛ لأن الشيء الذي يأتي بسهولة لا يمكن أن يستوعب بسهولة أو يحفظ بسهولة، بل يفقد بسهولة؛ فيحيى بن أبي كثير لما قال: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" لا شك أنه من خلال معاصرة ومعايشة للعلم، ولما رأى عليه شيوخه وزملاءه وأقرانه من معاناة، تصور قبل وجود هذه النعم من الكهرباء وغيرها، التي لا يختلف الليل على النهار بالنسبة للضوء -والله المستعان-، كانوا يكتبون على ضوء القمر، بهذا حصلوا العلم، ونحن نريد بحاسب واحد، وشخص متلفلف بغطائه على فراشه يربط حاسبه ويتعلم، أو جالس في ملحق، أو في استراحة مع زملاء، يتبادلون الأحاديث وأطراف الأحاديث وعندهم أنهم يطلبون العلم؛ فالعلم لا بد له من معاناة.

يحيى بن أبي كثير نعود إلى كلمته؛ لأنها نفيسة، وجعلها الإمام مسلم بين أحاديث المواقيت، مواقيت الصلاة- لماذا؟ هذا مناسبته أعجز الشراح أن يوجدوا مناسبة لكلام يحيى بن أبي كثير الذي أودعه مسلم هنا، الإمام مسلم أعجبه سياق هذه الأحاديث، المتون والأسانيد بهذه الطريقة، وأراد أن ينبه أنه لا يمكن أن يصل الإنسان إلى مثل هذه العلوم، بهذه الطريقة، بهذا السبك العجيب براحة الجسم، فأتى بهذا من شعور أو من لا شعور، نعم هذه الوسائل نعمة إن استفيد منها واستعين بها على الوجه المناسب، ولم يعتمد عليها وإلا فهي عائق عن التحصيل، من وجوه الانتفاع بهذه الحواسب إذا ضاق الوقت على خطيب مثلا أو محاضر، وأراد أن يتثبت من حديث أو أثر أو نقل أو غير ذلك، بحيث لا يستطيع الرجوع إليه لضيق الوقت، نعم له ذلك، استفاد منه، كذلك من أراد اختبار عمله، بحث هذه المسألة من جميع ما وقف عليه من كتب، وجميع ما قيل فيها، وإن كان حديثًا جميع ما وقف عليه -ما أمكنه- من الطرق، ثم أراد أن يختبر  نفسه هل هناك زيادة، فهذه الزيادة التي يأخذها من هذا الحاسب تقع في قلبه موقعًا، بحيث تثبت، مثل ما لو بحثها في كتاب، أما أن تكون هذه الآلات وسائل للتحصيل ابتداء، عوضًا عن القراءة والمطالعة والحفظ، وحضور الدروس، ومجالس العلم فلا.

المقدم: شيخ استأذنك في الحقيقة معنا اتصال هاتفي من الشيخ يوسف الخلاوي.

شيخ يوسف: السلام عليكم.

المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

نحن نتحدث مع فضيلة الدكتور عبد الكريم الخضير حول مكتبة طالب العلم، بصفتكم أيضًا تشرفون على موقع مهم على شبكة الإنترنت، هو موقع ثمرات المطابع، هذا الموقع الذي يهتم بالكتب، ويدل عددًا من طلبة العلم على هذه الكتب، كان أيضًا توقيت الاتصال والشيخ يتحدث عن الاستفادة من هذه التقنية الحديثة في مجال طلب العلم، لعلكم تحدثوننا عن هذا الجانب بالنسبة لما يتعلق بالاستفادة -من طلبة العلم- عن طريق الإنترنت؟

المتصل: بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أولًا: أقدم شكري الجزيل على هذا البرنامج، ثم على مثل هذه الموضوعات المهمة والقيمة، حقيقة الاستفادة من التقنية الحديثة لبناء طالب العلم لا بد أن ننتبه أنها تختلف كثيرًا عن الاستفادة من هذه التقنية لمجرد الثقافة أو مطالعة الأخبار أو نحو ذلك من مجالات الفوائد العلمية الأخرى، طالب العلم عنده معايير تختلف بالتثبت في معرفة هذه الكتب مثلًا الموجودة ونحو ذلك، لذلك للأسف الشديد مع ما يمكن أن نجنيه من فوائد عن طريق التقنية إلا أنها أضافت إلى هذه الفوائد جملة من المظاهر السيئة التي ينبغي أن ننتبه لها، لكنني  سأركز الآن على شيء من الفوائد، من هذه الفوائد:

معرفة الكتب الجديدة واقتنائها إذا كانت نسخًا سليمة مصححة، وهذا موجود الآن بفضل الله، ويزداد يومًا بعد يوم بكثرة، خاصة إذا كانت طالب العلم فقيرًا، لا يستطيع أن يقتني كثيرًا من الكتب الكبار مع أهميتها، فيمكن أن يجدها متاحة، لكن كما قلت: بشرط هذه الإتاحة في مكان معروف، في موقع معروف، يشترط الشروط العلمية المعتبرة للتوثيق، هذه من أهم الفوائد.

من الفوائد الأخرى: المشاركة والتنادي إلى العمل الجماعي في كثير من الأعمال العلمية، مثل البحث عن الخطيات، أو اقتناء النسخ الصحيحة القديمة..

المقدم: هذه تقومون بها يا شيخ في موقعكم؟ تهتمون بهذا الجانب؟

الموقع حتى الآن مختص بالإعلام بالكتب الجديدة، وتقديم قراءات علمية فيها، لكن هناك حاجة ماسة للتخصص في مجال الأشياء القديمة، في الكتب القديمة، ونحو ذلك.

المقدم: لكن نستطيع يا شيخ يوسف نقول من خلال موقعكم: إننا لا نقصد مستوى الدخول على الكتب الشرعية أنه مستوى عال أم لا نستطيع؟ هل هناك مؤشر عندكم، كتب الحديث أكثر، كتب الفقه...؟

نعم هناك مؤشرات، وفي الغالب الكتب الشرعية لها حضور قوي جدًّا، بالإضافة للكتب التي تهتم بالوقائع المعاصرة، يعني لو أردنا أن نقارن فنجدها في أول السلم من حيث العناية والمتابعة من قِبل الناس، وهذا له جمهور، وذاك له جمهور آخر، لكن لا زال حضور الكتب الشرعية كبيرًا، وأنبه هنا إلى قضية وهو أنه في عامة المعارض التي أحضرها للكتب، لا شك أن حضور الكتب الشرعية هو الأول، بالرغم مما قد يذاع أحيانا في بعض المصادر من أن كتاب كذا كان من أهم الكتب المقتناة أو كذا، لكن دون مبالغة أقول: يعني في أي معرض يحضره الإنسان سيجد أن مثل تفسير ابن كثير بالرغم من كثرة طبعاته هو رقم واحد، وصحيح البخاري هو أيضًا رقم واحد، وهذا يدل على تعلق الناس وحاجتهم إلى مثل هذه الكتب.

جزاك الله خيرًا شيخ يوسف، أشكر لك مداخلتك الطيبة، وأتمنى لك التوفيق.. شكرًا لكم.

نعود مرة أخرى معنا في الأستوديو فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم، وقد استمعتم إلى حديث الشيخ يوسف لكم تعليق أو نستمر يا شيخ؟

أخونا الشيخ يوسف معروف بالعناية بالكتب أولًا، ثم بهذه الآلات، ويفيد منها على الوجه المطلوب، ولا شك أن هذه الآلات مثل ما قلت مرارًا أنها نِعم، يستفيد منها على الوجه المطلوب، يستفيد منها طالب العلم بعد أن يتأسس، وبعد أن يتأصل، ويكون نفسه تكوينًا علميًّا على الجادة المعروفة عند أهل العلم بالطرق المتبعة، فيستفيد من هذه لا شك، وقلنا: أنه ممكن أن يختبر عمله، وما نقصه من علم في بعض الجوانب، لا بأس، أو إذا ضاق عليه الوقت، وأراد أن يتثبت من مسألة فلا بأس.

المقدم: نأتي إلى الموضوع الأهم في حديثنا الحقيقة، وهو ما ينتظره عدد كبير من الأخوة، وأن نذكر نماذج لما يقتنيه طالب العلم من كتب، إذا أذنتم لنا أن نبدأ بالتفسير وعلوم القرآن يا شيخ، هل يمكن لنا أن نقول لطالب العلم مجموعة من النماذج لما يقتنيه طالب العلم من هذه الكتب؟

في المقدمة التي قدمناها ذكرنا أن الكتب كثيرة جدًّا، لا يمكن الإحاطة بها، وأن الإكثار منها أيضا على حساب التحصيل، وأنه عائق عن التحصيل، لكن على طالب العلم أن ينتقي ما يفيده، ويعنى بهذه الكتب بطبعاتها المتميزة المعروفة لدى أهل العناية، ويسأل قبل أن يقتني عن الطبعة المناسبة، فكم من كتاب طبع مرارًا، وهو مشتمل على التحريف والتصحيف والنقص والزيادة أحيانًا من بعض النساخ، أو إدخال بعض الحواشي من كتاب مما تزفه هذه المطابع التي لا تعتني بالإخراج العلمي الصحيح، على طالب العلم في البداية أن يعتني بهذا الأمر؛ لئلا يضطر إلى أن يشتري الكتاب مرة ثانية وثالثة ورابعة؛ لأنه وجد في هذا من الخلل كذا، ووجد في هذا كذا.

المقدم: استأذنكم يا شيخ يبدو أن معنا اتصال فاعذرنا على المقاطعة، معي فضيلة الدكتور عبد المحسن العسكر، السلام عليكم.

المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المقدم: حياكم الله يا دكتور، معنا فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير، نحن نتحدث عن مكتبة طالب العلم، لعلكم تابعتم شيء مما تفضل به فضيلة الدكتور إذا كان لكم تعليق؟

المتصل: إيه نعم.

المقدم: تفضل يا شيخ.

المتصل: أولًا: أشكر بادئ الرأي إذاعة القرآن لبرامجها الثمينة، وطرحها المميز الطيب، وهذا الموضوع الذي يحاور فيه الأستاذ القدير المذيع الناجح فهد السنيدي، يحاور فيه فضيلة شيخنا المتفنن الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عن الكتاب شؤونه وشجونه، وأقول: قد طرق فضيلة الشيخ جوانب عدة من الموضوع، وغني عن البيان أن نفصح عن قيمة الكتاب، الكتاب في الحقيقة هو لذة العالم، وأنيس الجليس، وسلوة الغريب، أقول: إن العلماء لا يملكون ثروة؛ ولكن ثروة العالم مكتبته، وريحانته كتابه، وقد قرأت في كتاب (تقييد العلم) للخطيب البغدادي -رحمه الله- قوله: "ومع ما في الكتب من المنافع العميمة، والمفاخر العظيمة، فهي أكرم مال، وأنفس جمال، والكتاب آمن جليس، وأشر أنيس، وأسلم نديم، وأنصح كريم" ثم روى الخطيب -رحمه الله- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قول الله تعالى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} [(82) سورة الكهف] قال: "اختلف أهل التأويل في ذلك الكنـز، فقال بعضهم: كان صحفًا فيها علم مدفون، قال: ما كان ذلك ذهبًا ولا فضة، قال: صحفًا وعلمًا، وعلق الحسن بن صالح بقوله: "وأي كنز أفضل من العلم؟!".

الذي أريد أن أقول فيه القول، وأدلي فيه بدلوي مع فضيلة الدكتور، هو العلاقة ما بين طالب العلم والكتب القديمة، أو الكتب في طبعاتها الأولى، فكلنا يعلم أن الثورة الطباعية لنشر الكتب في عالمنا الإسلامي والعربي إنما كان قبل قرن ونصف تقريبًا، أنا لا أريد بداية الطباعة؛ ولكن أريد الانفجار الطباعي، الذي قام في منتصف القرن السابق، والذي قام بهذا العمل الطباعي وقام على مثل تلك الكتب، وتصحيحها في ذلك الزمان علماء كبار، بل كانوا من فحول العلماء لهم نصيب في نشر العلم، ولهم مصنفات، وكانوا علماء في اللغة والفقه والأصول، كان في مصر مثلًا الشيخ محمد العدوي، والشيخ طه محمود، والشيخ نصر البريني، والشيخ إبراهيم الدسوقي، والشيخ إبراهيم الفيومي، والشيخ محمد الغمراوي، والشيخ محمد الحسيني، والشيخ محمد الإلبيسي، والشيخ سيد بن علي المصرفي، وكان في العراق ممن قام على نشر كتب السلف وعلومهم الشيخ محمود شكري بن عبد الله الألوسي، وكانت في الشام الشيخ محمد جمال الدين القاسمي، أقول: إن هؤلاء العلماء وأضرابهم، وبين يدي قائمة من هؤلاء، هم في الحقيقة الذين أخرجوا للناس الكتب، ونشروا فيهم آثار السلف، في الحديث واللغة والفقه والتاريخ والأدب وغير ذلك من فنون الإسلام، لا يمتري أحد في أن ما أخرج هؤلاء أصح نصًّا، فهؤلاء أعلم من غيرهم، وأدرى بأسانيد المصنفين؛ لأنهم علماء، كان الواحد منهم يعكف على الكتاب الواحد سنين عددًا، يدقق ويتحرى ويصحح، هذا (تاج العروس) في طبعته الأولى، وبأجزائه العشرة الضخام، أخرجه رجل واحد، (لسان العرب) بأجزائه العشرين، نشره وصححه رجل واحد، هو الشيخ محمد الحسيني، (إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين) أخرجه الشيخ محمد الزهري الغمراوي، وهو في عشرة مجلدات كبار، وهذا مسند الإمام أحمد بأجزائه الستة، وهو معروف، طبعه رجل واحد هو محمد الغمراوي، وشرح البخاري للقسطلاني وأجزاؤه عشرة، قام على طبعه رجل واحد، هو الشيخ إبراهيم الدسوقي.

كان من أولئك العلماء المتقدمين، من وضع مدرسة يعلم أصول النشر، كما فعل الشيخ سيد بن علي المرصفي المصري -رحمه الله-، فإنه تخرج لديه في النشر والتحقيق ثلة من كبار العلماء، منهم الشيخ أحمد محمد شاكر، وأخوه الشيخ محمود شاكر، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، هؤلاء كانوا علماء، وهم الذين نشروا صيت العلم في ذلك الزمان، وما زلنا نقرأ في كتبهم وفيما أخرجوه لنا، ولكننا مع تقادم الأيام، وتجدد معطيات الحضارة، وإعجاب الناس بالجديد، فقد توجه كثير من الناشرين إلى إعادة طباعة تلك الكتب، وربما يكون من أسباب إعادة الطبع قلة تلك الطبعات الأولى، أو انعدامها، وأما ما أعيد طبعه محققًا تحقيقًا علميًا على أيدي عالمة أمينة فلا بأس به، ولكني أتحدث عما طبع مجددًا دون تحقيق، أو ما كتب عليه أسماء غير معروفة بدعوى التحقيق، ولا تجد في تلك الكتب إلا مجرد الحرف الجديد، وإلا اللون البراق للورق، وحدِّث بما شئت عن الأغلاط والتحريف الأعوج، وضرر ذلك على العلماء وعلى العلم فادح؛ ولهذا فإنني من على هذا المنبر الكريم، وعبر هذا البرنامج الأمثل، أوجه نصيحة إلى إخواني وأصحابي طلاب العلم، وأسترشد بفضيلة شيخنا الشيخ عبد الكريم في هذا المجال، أرشد إخواني أن يعنوا بالطبعات القديمة للكتب، وألا يستدبروها اغترارًا بالصف الجديد، والورق اللامع.

وأنا أذكر الآن أن بعض مشايخنا في الجامعة أيام الطلب في كلية اللغة العربية، كانوا يوصوننا باعتماد كتاب سيبويه في طبعة بولاق الأولى، دون الرجوع إلى الطبعة المحققة، قالوا: لأن طبعة بولاق أصح، والذي قام عليها عالم من العلماء السابقين، وكل أو جل ما طبعته مطبعة بولاق صحيح في الجملة.

وصيتي أيضًا إلى الناشرين، وأصحاب المطابع، ألا يتعجلوا بإعادة طباعة أي من الكتب التي طبعت قديمًا، إلا أن يكون في الطبع مزيد فائدة، مثل أن تجمع عدة نسخ للكتاب، أو أن يكون في المطبوع قديمًا خلل أو نقص، وإلا يكن الأمر كذلك فأرى أن يصور الكتاب في طبعته القديمة وينشر على ما هو، ففي تلك الطبعات خير، وصوابها أكثر من صواب الطبعات الحديثة، وغلطها أقل من غلط الطبعات المعاصرة، إنني أسمع من بعض الناس لومًا لأولئك الذين يشترون الكتب في طبعاتها الأولى بدعوى أن أسعارها غالية؛ ولكن تبين لنا معشر الباحثين وطلاب العلم أن في تلك الطبعات خير، وأنها طبعت على أصول صحيحة، وأن الذي قام عليها علماء، كما أسلفت، هذا ما لدي، وأشكر لكم ما أدليتم، وما أذنتم به، وشكرًا لكم جميعًا.

المقدم: شكرًا لكم، كان هذا هو الدكتور/ عبد المحسن العسكر، شكر الله له، وأعود لكم فضيلة الشيخ عبد الكريم، إذا كان لكم تعليق على ما ذكره الشيخ عبد المحسن قبل قليل.

جزى الله عنا فضيلة أخينا الدكتور عبد المحسن العسكر على ما أبداه، والعناية بما ذكره معروفة، وذكرناها في دروس ومناسبات كثيرة جدًّا، وما زلنا نوصي طلاب العلم أن يقتنوا الطبعات القديمة؛ لأنها أصح في الجملة، لا يماري في هذا أحد، اللهم إلا الكتب التي جمعت لها النسخ، وانبرى لتحقيقها البارع من طلاب العلم، فهذا مثل ما أشار الشيخ عبد المحسن، لا نختلف معه في شيء، وهذا رأيي، وهذه وجهة نظري من قديم، ورددتها وكررتها ومكتبتي جلها من هذا النوع، ووصيتي لطلابي أيضًا بهذا، والشيخ عبد المحسن يعرف هذا، وغيره ممن له معرفة بنا وبطريقتنا وحضور دروسنا.

على كل حال أنا خشيت من الملل من كثرة ما أوصي بالكتب القديمة، والطبعات القديمة؛ لأنه مثل ما أشار فضيلة الشيخ الذين يتولون الطباعة في الزمن الأول علماء، أما الذين يتولون الطباعة، وأرباب المطابع في الغالب لا أقول: الجميع تجار يهمهم الكسب، فلا يبحثون عن نوادر الرجال لتحقيق الكتب وإخراجها، كم من كتاب طبع فيه من النقص والخلل الشيء الكثير، يعني الآن نسأل كثيرًا عن فتح الباري على سبيل المثال، أفضل الطبعات نقول: طبعة بولاق،

المقدم: وصور منها؟

وصورت، لكن مع الأسف أن التصوير ندر أيضًا، رغم أن الكتاب طبع مرارًا بعد ذلك، لكن لا يغني عن طبعة بولاق أي طبعة، من أراد أن يكتفي بالسلفية الأولى التي طبعت في حياة الشيخ الأولى في عام (1380هـ) الشيخ عبد العزيز بن باز تولى تصحيح جزأين، وبعض الثالث بنفسه، وترك الباقي للطابع محب الدين الخطيب على أن يعتمد على طبعة بولاق؛ لأنها نسخة صحيحة ومتقنة، متى يطبع فتح الباري بالمستوى الذي طبع في بولاق مهما قيل عن الطبعات الجديدة أنها قوبلت وقدمت وعلق عليها وخرجت، لا يمكن، حتى السلفية الثانية والثالثة فيها من الخلل الكبير ما لا يوجد في السلفية الأولى لماذا؟ لبعد البون بين الشيخ محب الدين الخطيب وبين أولاده، ومن تولى الطباعة بعده؛ فالشيخ محب الدين الخطيب تولى الطبعة الأولى بنفسه، بينما الطبعة الثانية والثالثة تولاها غيره، ولا شك أن للعالم بصمات فيما تولاه، والكتب القديمة عندنا ترتيب للمطابع معروف، وأولويات للاقتناء، هذا يطول بسطه، هذا يطغى على الموضوع الأول، حديث ذو شجون، وأثرناه مرارًا، وفي المناسبات، وفي دروس، وألمحنا له في البرنامج المعروف شرح التجريد مرارًا أيضًا في بعض الكتب، وما يمر بنا كتاب ننقل منه إلا أن نذكر طبعته المهمة.

المقدم: لعلنا نستمر في ذكر مكتبة طالب العلم فيما يتعلق بالتفسير وعلوم القرآن؟

نعم، طالب العلم يحتاج من كتب التفسير ما يعينه على فهم كتاب الله -عز وجل-، وما يعينه على تدبر كتاب الله، وما يعينه على الاستنباط من كتاب الله، فهناك كتب مختصرات مناسبة للمبتدئين، وإن كان في بعضها بعض المخالفات التي يجب التنبيه عليها، هناك تفسير مناسب لطبقات المجتمع كله، تفسير إنشائي مستمد من كتب التفسير الموثوقة هو تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، هذا مناسب للمتعلم وغير المتعلم، للمتخصص في العلوم الشرعية وفي غيرها، للطبيب للمهندس للمثقف للتاجر لرب الأسرة لربة البيت وهكذا، كل يستفيد منه؛ لأنه صيغ بأسلوب العصر، هناك تفسير أيضًا مختصر جدًّا وغير منتشر بين طلاب العلم -مع الأسف- وهو يفيد كثيرًا، تفسير الشيخ فيصل بن مبارك (توفيق الرحمن لدروس القرآن) هذا الكتاب رغم اختصاره مطبوع قديمًا، وطبع حديثًا وطبع في أربعة أجزاء، وهو مستمد ومختصر من الطبري والبغوي وابن كثير، وهذا كتاب نافع في بابه لمن لا يسعفه الوقت بالرجوع إلى الأصول القديمة، لا سيما الثلاثة المذكورة، هناك أيضًا تفسير مناسب ومختصر جدًّا هو تفسير الجلالين، جلال الدين المحلي، وجلال الدين السيوطي، وهو أشبه ما يكون بالمتن، متن علمي متين بحاجة إلى مطالعة حواشيه، ويحتاج أيضًا إلى من ينبه على ما فيه من ملحوظات من أهل العلم، وإلا فالكتاب من أنفع ما ينفع طالب العلم؛ لأنه مختصر جدًّا.

المقدم: سبق لكم وأخرجتم بعض الملاحظات على هذا التفسير يا شيخ؟

شرحنا بعض هذا الكتاب في دروس المسجد، ونشر منه ما يتعلق بسورة الفاتحة في أربعة أشرطة، لكن رأيناه على طريقتنا هذه يطول جدًّا يطول إذا كانت الفاتحة أربعة أشرطة فماذا عن البقرة مثلًا؟

على كل حال الشيخ عبد الرزاق العفيفي له على الربع الأخير تعليقات نافعة، على ربعه الأخير لما كان مقررًا على المعاهد العلمية، التفسير في غاية الاختصار، شخص من طلاب العلم في اليمن قبل قرن أو أكثر احتاج إلى أن يقرأ في هذا التفسير فأشكل عليه هل يقرأه بطهارة أو بدون طهارة، فقيل له: الحكم للغالب هل الغالب التفسير أم القرآن؟ ذهب يعد الأحرف، عد حروف القرآن وحروف التفسير فوجدها إلى سورة المزمل واحدة ما تزيد حرفًا، ثم من المدثر إلى آخر القرآن زاد في التفسير قليلًا، فانحلت عنه هذه المشكلة، على كل حال هذا التفسير رغم أهميته ومتانته إلى أن فيه شيء من المخالفات العقدية.

وهناك تفسير أوسع منه بل أشهر، وهو تفسير البيضاوي، أوسع من الجلالين، وهو أيضًا كتاب متين متقن يستفيد منه طالب العلم لا سيما ما يتعلق بالصناعة اللفظية، عليه حواش عديدة، وللعلماء به عناية عجيبة، يعني بلغت الحواشي عليه أكثر من مائة وعشرين حاشية، ويندر أن يأتي نسخة من تركيا أو من سوريا وليس عليه حواش قلمية؛ فالكتاب وضع له قبول، هناك تفسير مختصر جدًّا يسمى: (التسهيل) تفسير ابن جزي الكلبي، وهذا تفسير مختصر ومحرر ومتقن ومضبوط، وهناك أيضًا تفسير النسفي، وهذه كلها مختصرات، لكن تفسير الشيخ ابن سعدي لا يستغني عنه أحد، تفسير الشيخ فيصل بن مبارك أيضًا يحتاجه طالب العلم، لا سيما عند ضيق الوقت، تفسير الجلالين أيضًا مهم بالنسبة لطالب العلم، تفسير البيضاوي وما عليه من حواش نقتصر على بعضها كحاشية زاده التي يتفق المترجمون على أنها أفضل الحواشي، هناك حاشية الشهاب، هناك حاشية القونوي وهناك حاشية ابن التمجيد، وحاشية الكزروني، حواش كثيرة منها المطبوع ومنها المخطوط، هناك كتب في التفسير أطول من هذه، يتصدرها تفسير الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-، وهو مناسب لكافة المتعلمين، قد يمله غير المتخصص في السنة لكثرة ما يسوقه من آثار بالأسانيد، وما فيه من تكرار؛ ولذا انبرى لاختصاره جمع من أهل العلم، من أفضل المختصرات اختصار الشيخ أحمد شاكر (عمدة التفسير عن الحافظ بن كثير) ومنها (تيسير العلي القدير) للشيخ محمد نسيب الرفاعي -رحمة الله على الجميع-.

هذه مختصرات جيدة لتفسير الحافظ ابن كثير على أن الأصل لا يغني عنه شيء، لكن من كان يمل ذكر الأسانيد؛ لأن هذه أمور قد لا يستفيد منها كثير من قراء التفسير، أيضًا هناك تفسير البغوي هو تفسير أثري سلفي لا يخلو من ملاحظات يسيرة جدًّا، لكنه في الجملة أثنى عليه شيخ الإسلام وأئمة الإسلام، وواقع الكتاب لا شك يشهد بهذا، تفسير الخازن وهو مختصر من البغوي مع إضافات، وله شهرة وانتشار بغير هذه البلاد، صاحبه يذكر أقوال بعض المتصوفة، وله عناية بذكر ما يتعلق بالمرققات، بالرقائق، تفسير الزمخشري (الكشاف) على ما فيه من اعتزاليات يقرأه طالب العلم بحذر، ويقرأ ما كتب عليه من حواش تبين هذه الاعتزاليات.

المقدم: خدم مؤخرًا يعني بينت هذه الأشياء فيه؟

 فيه من الحواشي تبين اعتزاله، ابن المنير وغيره بين ذلك، كثير من أهل العلم تصدوا له، على كل حال هو يفيد في بابه في اللغة، يستفاد منه في الناحية اللغوية، تفسير الخطيب الشربيني هو كاد يجمع بين البيضاوي والزمخشري، أطول هذه الكتب تفسير إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري الذي هو أعظم تفسير على الإطلاق، ويجمع تفاسير السلف بالأسانيد، والكتاب مطبوع مرارًا، طبع أولًا في المطبعة الميمنية، ثم في بولاق، ثم بعد ذلك حققه محمود شاكر، حقق إلى سورة إبراهيم في ستة عشر جزءًا، أكمل فيما بعد ذلك، ثم حققه الدكتور عبد الله التركي، على كل حال طبعة الشيخ أحمد شاكر أنا قرأتها بكاملها، من أنفس ما يقتنيه طالب العلم، ولو كانت ناقصة، فإذا أضيفت إلى طبعة بولاق التي هي الأصل، واعتمد عليها الشيخ أحمد شاكر اعتمادًا مع ما وجده من نسخ، لكن طبعة بولاق لا يعدلها شيء، ثم طبعة الشيخ أحمد شاكر اعتمدت على هذه بدقة طبعة الشيخ عبد الله التركي اقتنيتها مؤخرًا، ولا أستطيع الحكم عليها، كلام الشيخ عبد المحسن اختصر علينا كثيرًا في العناية بالطبعات القديمة، وإلا كانت النية أن أبين طبعة كل كتاب معه في أثناء ذكره، لكن أظن الوقت ما يسعفنا.

هناك أيضًا من له عناية باللغة عليه يعتني بتفسير البحر المحيط لأبي حيان، البحر المحيط كتاب يكاد يكون كتاب لغة، وله مختصرات النهر الماد من البحر، فيه أيضًا الدر اللقيط من البحر المحيط، المقصود أن هذا كتاب ينفع فيما يتعلق بالناحية اللغوية في القرآن، وهناك تفسير الرازي تفسير كبير على اسمه (التفسير الكبير) للفخر الرازي، هذا التفسير طالب العلم المبتدئ والمتوسط الذي لم يتأهل للنقد لا ينبغي أن ينظر في هذا التفسير البتة؛ لأن مؤلفه بارع قد يمرر كثيرًا من الشبه على أحد المتعلمين، بل قد لا يدرك بعض المتأهلين بعض الشبه والسياقات التي يسوقها في تقرير بعض الشبه، واتُّهم في ذلك، حتى قيل: أنه يسوق الشبه نقدًا، ويجيب عنها نسيئة، يضعف عند ردها، هناك شبه لا يرتضيها، وليست من مذهبه، يعني أعظم من مذهبه، فوق مذهبه، ثم بعد ذلك يسوقها ويجليها بقوة، ثم يضعف عن ردها؛ ولذا لا ينصح طالب العلم بقراءة هذا التفسير حتى يتأهل، أما إذا تأهل فالتفسير فيه فوائد، وقد قيل فيه: "إنه فيه كل شيء إلا التفسير" لكن هذا جور، فيه تفسير.

هناك تفسير ابن عطية أثنى عليه شيخ الإسلام هو مطبوع متداول محقق، وهو كتاب نافع، وهناك تفسير الألوسي أيضًا تفسير مطول اسمه (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) لأبي الثناء محمود الألوسي الجد، ليس محمود شكري، جده، هذا التفسير جمع فيه ما هب ودب، ونقل فيه النقول المتباينة، فيقول: قال شيخ الإسلام بن تيمية، ويقول: قال الإمام المحقق ابن القيم، ويقول: قال محيي الدين بن عربي -قدس سره- خلط، المقصود أن فيه فوائد يستفيد منه طالب العلم، لا سيما المتأهل، وفيه أيضًا عناية بالتفسير الإشاري، تفسير الصوفية، التفسير الإشاري، على كل حال الطالب المتأهل لا خوف عليه، على أنه ينبغي أن يجعل طالب العلم في مكتبته ختمًا لتبرأ ذمته، ختم يكتب فيه هذا الكتاب فيه مخالفات عقدية، هذا الكتاب فيه كذا، هذا الكتاب فيه كذا، ليبرأ من عهدة وجوده، ممن يؤثره بعده، أو يطلع عليه بمكتبته ويتأثر بمثل هذه الكتب يختم على الكتاب، هناك كتب ألفت في جوانب من القرآن مثل: أحكام القرآن أولاه أهل العلم عناية، من ذلك أحكام القرآن للشافعي جمع من كلام الشافعي، أحكام القرآن لابن العربي، كتاب لطيف ونفيس، طبع في أربعة أجزاء.

المقدم: أي ابن العربي يا شيخ؟

أبو بكر بن العربي المالكي، لا نعني بذلك ما يسمونه محيي الدين بن عربي صاحب الفصوص والفتوحات له تفسير منسوب إليه، وهو تفسير رد على مذهبه في وحدة الوجود، ولذلك ما يشار إليه، ولا ينبغي أن يقتنيه طالب العلم.

هناك أحكام القرآن لابن العربي، كتاب لطيف، وفيه نكات وطرائف ونوادر، حصلت لابن العربي مع شيوخه وبعض أقرانه وفي رحلاته، المقصود أن طالب العلم يستفيد من هذا الكتاب، هناك أيضًا أحكام القرآن للجصاص استنباط أحكام القرآن من وجهة نظر الحنفية، كتاب ماتع وجامع ونافع، لكن لا يسلم من لوثة اعتزال صاحبه، هناك أحكام القرآن للكيا للطبري الهراسي أيضًا، كتاب نافع، وفيه لطائف وفوائد، وإن كان لكن هذا لا يعنينا في هذا الباب، وإن الطبري له موقف من الحنابلة، وقصة مشهورة، والله المستعان.

هناك الجامع هو بحق جامع لأحكام القرآن للقرطبي، كل الصيد في جوف الفر، هذا التفسير جامع على اسمه، وطبع مرارًا، لكن أجود طبعاته طبعة دار الكتب المصرية ليست الأولى الطبعة الثانية، وهناك ثانية أكثر من مرة، طبع ثانية، الكتاب يشكل في طبعته الجزء الأول طبع يمكن خمس مرات، الجزء الثاني من الثاني إلى الثاني عشر طبع ثلاث مرات، ثم من الثالث عشر إلى العشرين طبعت مرتين، أولى وثانية فقط، ثم من واحد إلى عشرين هذه الطبعة الأخيرة بدار الكتب المصرية التي قوبلت على نسخ كثيرة، بعض الأجزاء قوبل على ثلاثة عشر نسخة، فالكتاب عني به من ناحية الطباعة عني به عناية فائقة، وفيه إحالات السابقة واللاحقة، وهذه ميزة، الكتاب كبير عشرين مجلدًا، فإذا قال: تقدم الطابع يقول: انظر الجزء كذا صفحة كذا، إذا قال: سيأتي، يقول: انظر صفحة كذا الجزء كذا، هذه ميزة الطبعة الثانية، الطبعة الأولى ليس فيها هذا بل الطبعة الأولى المجلدات الثلاثة الأولى ليس فيها إحالات، ولا فيها تعليقات، وليس فيها آيات أيضًا، بينما الطبعة الأخيرة كاملة من كل وجه، المقصود أن هذا الكتاب بحر محيط فيما يتعلق بأحكام القرآن، ويمكن أن يؤخذ منه فقه المالكية، يعني ما ينسبه إلى المذاهب الأخرى قد يقع فيه شيء من خطأ في النسبة، لا من حيث أن هذا القول لا يوجد في هذا المذهب، لكن قد لا يكون هو المعتمد في المذهب؛ فعلى طالب العلم أن يعنى به عناية كبيرة، هناك كتب في إعراب القرآن، وكتب في علوم القرآن كثيرة جدًّا، كل فن من الفنون يحتاج إلى حلقة.

المقدم: ائذن لي آخذ اتصال معنا فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز العويد، حياكم الله فضيلة الشيخ.

المتصل: أهلًا وسهلًا، ومسّى الله شيخنا الشيخ عبد الكريم بالخير، والأستاذ فهد والأخوة العاملين في البرنامج، نسأل الله -عز وجل- أن يكتب الأجر والمثوبة.

المقدم: تفضل يا شيخ.

المتصل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين وبعد:

حقيقة أحسن الأخوة الاختيار، وأضاف على حسن الاختيار اختيار العالم المتخصص في هذا المجال، فجزى الله الجميع خيرًا، وكتب لهم الأجر والمثوبة.

أنا لا أستطيع أن أقول: إني أقدم شيئًا، أو أريد أن أقدم شيئًا، إنما هي استفسارات وسؤالات علمية أوجهها لفضيلة الشيخ، وأطمح منه متفضلًا مشكورًا أن يضع نقاطها على الحروف.

المسألة الأولى: هي طريقة طلب العلم الشرعي -فضيلة الشيخ- ألا ترى أنها تهمش دور الكتاب اليوم في حياة الطالب باعتماد التعليم سواء في المسجد أو في الكلية المتخصصة بالعلم الشرعي، الكتاب أو على المذكرة، فنريد من فضيلتك وقفة حول هذا المنهج، وما هي الطريقة الصحيحة؟

المسألة الثانية: في المكتبات هي: المكتبة الالكترونية، الأقراص، يعيش طلاب العلم بين معظّم لها على حساب الكتاب المقروء، ومهمش أيضًا لها، ثمت رأي ثالث يرى أنها تفيد في الفهرسة وتقريب المعلومة، وسهولة الحصول عليها، مع الحاجة الشديدة للكتاب، نريد القول الصواب في الموقف الصحيح لطالب العلم منها كمكتبة.

المسألة الثالثة: التي أريد أن أطرحها هي: اليوم تنتشر المكاتب في بيوتات طلبة العلم وبشكل كبير؛ ولكن هذه المكتبات مع كونها قيمة يلحظ أنها تموت بموت أصحابها، لإهمال الورثة، ولعدم حاجتهم إليها، ولعدم اعتنائهم، ولأنها تمثل مالًا زهيدًا بالنسبة لمال المورث، ألا يرى فضيلتكم أن أعظم وسيلة لحفظها هو التوعية بإيقاف هذه المكاتب بعد الوفاة، وخاصة أنها لا تمثل نسبة عالية من مال صاحبها، مع ما لا يخفى من ابتغاء الأجر في العلم الذي ينتفع به، والصدقة الجارية، وهو من بقاء هذه الكتب محفوظة باقية، ومكتبات مستديمة ثابتة.

فضيلة الدكتور ليتك تبقى معنا نستمع لعل أيضًا يكون هناك استفسار لفضيلة الدكتور.

تفضل فضيلة الشيخ، بالنسبة لطريقة طلب العلم.

نقدم الإجابة على أسئلة الشيخ، وإلا...؟

شكرًا لفضيلة أخينا الدكتور عبد العزيز على هذه الأسئلة والاستفسارات، أما بالنسبة لطريقة تحصيل العلم الشرعي، وإتيان هذا الباب المهم، أو الأمر العظيم من بابه، والجادة المطروقة عند أهل العلم، هذه بينت مرارًا في مناسبات كثيرة، لكن مع الأسف الشديد أن بعض من يزاول التعليم النظامي يحيل بعض الطلبة على شيء من كتابات المعاصرين، أو يكتفي الطلبة مما ينقلونه من كلامه في مذكرات، وهذا لا شك إماتة.

المقدم: سيكون لنا موضوع حول هذا -إن شاء الله-، يعني نعد الأخوة أن يكون لنا تخصيص موضوع حول هذا، يكون أوسع.

 لا شك أن تربية طالب العلم سواء كان في التعليم النظامي أو غير النظامي على كتب المتقدمين، تعويدهم على أساليب المتقدمين، التعامل مع كتب المتقدمين، وفهم كلام المتقدمين، لا شك أن هذا هو المهم؛ لأن طالب العلم يتخرج على هذه المذكرات، لا يستطيع أن يراجع الكتب القديمة، يعين في قرية ليس عنده ما يحل عنده إشكال، فيريد أن يراجع مسألة لا يستطيع أن يفهم، لا يعلم من الفقه لا بالقوة ولا بالفعل، يعني لا يستطيع أن يراجع الكتب، وليس لديه حصيلة.

المتصل: وهذا واضح يا شيخ التربية العلمية في الكليات الشرعية أن طلبة العلم لا يعرفون أن للكتب الأولوية في تخصصاتهم، فضلًا عن منهجها وطريقتها واسم مؤلفها.

نحن عتبنا على بعض المنظمين للدورات العلمية أن قرروا في هذه الدورات كتب معاصرين، ووكلوا شرحها إلى أصحابها، نقول: يا أخوة كتب المعاصرين كتبت بلغة العصر، بلهجة العصر، يفهمها طالب العلم، وهو في بيته، دعوا هؤلاء العلماء قبل أن تتمنوا وجودهم وحصولهم يشرحوا ويبينوا لطلابهم كلام المتقدمين الباقي، طالب العلم ينفرد في قرية، وينزوي إما قاضي وإلا معلم وإلا خطيب وإلا داعية يستطيع أن يحلل كلام أهل العلم؛ لأنه عود عليها، ومُرن عليها، ووضحت له، وشرحت له، هذه لا شك أنها خلل، يعني إحالة طلاب العلم في التعليم، سواء كان النظامي أو الحر في المساجد والبيوت وغيرها، إحالتهم إلى المذكرات أو ما يكتبه المعاصرون، رغم أهميتها، نعم يستفاد منها، لكن العمدة تكون كتب المتقدمين، وما أجمل ما يُقرأ في فتح القدير مثلًا على الطلاب، ويوضح كيف يستفاد من هذا الكتاب العظيم؟ يقرأ سبل السلام، ويعلق عليه الشيخ بما آتاه الله من علم، ويوضح ويحلل، ويحرر المسائل، ويرجح، فيربط الطلاب بكتب المتقدمين التي هي سوف تبقى عنده، أيضًا حصيلة الطالب من هذه المذكرات آخر عهده بهذه المذكرة الامتحان، ولذلك نعاني من جمع هذه المذكرات من الأبواب وامتهانها عند الامتحانات، الطالب ما عنده استعداد يشيل العشرين ثلاثين ورقة أين يوديها؟ إذا طلع من الامتحان؟

المتصل: وليس لها قيمة كقيمة الكتاب؟

 ليس لها قيمة، يعني رغم جلالة مؤلفيها، وحرصهم عليها، وعنايتهم بها، لكن الأصل الكتاب، والجامعة وغيرها من الجامعات يؤكدون على هذا الجانب، وفي لقاءات مع المسئولين في الجامعة يحذرون أشد الحذر من اعتماد المذكرات، طيب كيف يتخرج طالب علم متخصص في العلوم الشرعية على مذكرات؟ كيف ينفع الجيل القادم وعمدته مذكرات؟ المقصود أنه لا بد من العناية بكتب المتقدمين، وهذه المسألة الأولى.

المقدم: أما الكتب الالكترونية تحدثنا عنها.

والمكتبة الالكترونية تحدثنا عنها، وأفضنا فيها، وفيه أيضًا في مناسبات كثيرة، والرأي الوسط هو المعتمد يعني لا نقول: إنها لا يمكن أن يستفاد منها، ولا نقول: أنه يعتمد عليها، يستفاد منها بقدر الإمكان، الكتاب هو الأصل، يبقى أن الوسيلة الوحيدة للتحصيل قراءة الكتاب على الشيخ، لا يستغنى بالكتاب، وهذا يأتي التنبيه عليه إن كان الوقت يسعف؛ لأن عندي وصايا في آخر الوقت؛ لأن المسألة طالت، وبقي كتب حديث وتفسير، وكتب كثيرة.

المقدم: ما يتعلق بوقف المكتبات ونختم بها؟

المكتبات حقيقة مر علينا أمور من معاناة الورثة، يعني شخص توفي -رحمه الله- في بعض القرى، فما كان من أولاده إلا أن خلعوا باب المكتبة وبنوها بالطين، لما تحدثوا مع أحد المختصين، وبينت لهم أهميتها، فتحوا الباب فوجدوها قد أكلتها الأرضة، ذكر أن قاضي من قضاة الخليج توفي -رحمه الله-، ذكر أن لديه مكتبة فذهبنا إليها لنشتريها، ففوجئنا أنهم انتقلوا من البيت الأول إلى البيت الثاني بيت الطين إلى فلة جديدة، فقال أولاده: إن النساء قالوا: هذه كتب تجمع علينا الحشرات والصراصير ورميناها في الزبالة، وقس على هذا كثير، يعني مخطوطات وجدت في الزبالة.

المتصل: توفي أحد طلبة العلم -عليه رحمة الله- وعنده مكتبة تقريبًا عشرة في عشرة أمتار، فرحل أولاده بيت آخر، وما تكلفوا أنفسهم عناء الكتب، فأوصوا الناس أن الباب مفتوح من يريد أن يأخذ فليأخذ منها ما يريد.

الشيخ الخضير: أدهى من ذلك واحد من أهل العلم المعروفين توفي قبل أربعين سنة، توفي فجمعت مكتبته في دورة مياة، لكنها ملغاة، يعني ما هي مستعملة في السطح، فتلفت من السيول والأمطار، هذه مآسي مآسي.

المتصل: يرى معه أن الإيقاف هو من أعظم أمور الاستفادة منها.

ما في شك الإيقاف هو الوسيلة الوحيدة التي يستفاد منه، وعرفنا أن الجامعات لها عناية بالكتب، ولديهم من المختصين ما لديهم، مع أن عندي ملاحظة على أن يتولى هذه المكتبات العامة أناس من هواة الكتب، من أصحاب الكتب، من أهل الكتب، لا يكفي أن يكون متخصص مكتبات، مع الأسف الشديد أنا حضرت محاورات في مكتبات مركزية كبيرة بين أمين المكتبة وبين المستعير، أمين المكتبة يقول: لا هذه النسخة لا تعار، وهذه النسخة لا بأس خذها، فإذا بالنسخة المتاحة للإعارة هي الأصلية، والنسخة التي لا تعار طبعة دار الكتب العلمية من الطبعات الجديدة، مكتوب عليها لا تعار، وشيء كثير، شيء يعتصر عليه القلب، لكن مسألة التخصص لا بد منه، يجمع إلى هؤلاء ويوضع عندهم الناس الذين هم هواة الكتب.

المتصل: شكر الله لكم.

المقدم: جزاكم الله خير، شكرًا شكرًا فضيلة الدكتور.

المقدم: نعود لاستكمال بقية الكتب خصوصًا الأخوة في حرص الحقيقة وشغف لاستكمالها.

هناك كتب إعراب القرآن للعكبري والنحاس، والمتأخرين أيضًا لهم مساهمة جيدة في هذا الباب، وعندي أن كتب إعراب القرآن ينبغي أن يستفاد منها، يفاد منها في فهم القرآن، وفي إتقان اللغة، إتقان النحو والصرف؛ فطالب العلم إذا عني بكتب إعراب القرآن استفاد فوائد عظيمة، أتقن اللغة من جهة، وفهم القرآن، وخير ما يمرن عليه طلاب العلم في اللغة، وهذا اقتراح نوجهه إلى المختصين في هذا الباب، أن يعربوا القرآن يعني درس نحو مثلًا أو في نهاية الفصل يكلف الطلاب بإعراب الفاتحة، ثم بعد ذلك يقابل إعرابهم بكتب إعراب القرآن، ويصور ويسدد، ويمكن أن يقوم به كل شخص فردي، كل فرد بمفرده، يقوم بهذا العمل، يعرب الفاتحة، ثم بعد ذلك يعرض ما كتبه على كتب إعراب القرآن، ويستفيد فوائد عظيمة، هناك كتب علوم القرآن مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية في غاية الأهمية، فيها توجيهات، وأمور لا توجد في غيرها، منظومة الزمزمي، منظومة مختصرة، وعليها شروح، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي أيضًا كتاب جامع، والبرهان للزركشي كتاب حافل، مناهل العرفان للزرقاني أيضًا هذا كتاب مرتب ومنظم مع الرغم بأنه ناقص، القواعد الحسان في تفسير القرآن للشيخ عبد الرحمن بن سعدي من خير ما يستفيد منه طالب العلم في هذا المجال، المقصود أن الكتب كثيرة، ولسنا بصدد سرد قوائم كتب أو أسماء كتب؛ لأن هذه تكفّل به أناس.

المقدم: نأخذ يا شيخ فنًّا آخر يمكن ما دام لم يتبق معنا الوقت فنأخذ نبذ يسيرة مثل العقيدة -أحسن الله إليك- ممكن تشير لطلبة العلم بعض الكتب؟

العقيدة لما ظهرت الفرق والطوائف واحتاج الناس إلى تدوين ما يتعلق بالعقيدة المستمدة من الكتاب والسنة، ألف العلماء المتقدمون كتب العقائد سموها كتب السنة في الأسانيد، وجمعوها من الكتاب والسنة، ومن أقاويل الصحابة والتابعين، التي هي العمدة في هذا الباب، وليس للمتأخر أن يخرج عن هذه المصادر في هذا الباب، فهناك كتب كثيرة السنة للإمام أحمد أو لعبد الله بن الإمام أحمد، هناك الإبانة أيضًا، كتب كثيرة، لكن مما ينبغي أن يعنى به طالب العلم بالنسبة لكتب العقيدة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أحاط بما قاله السلف في هذا الباب، وجمع ما كتبوه، وما ذكر، وما نقل عنهم، وحرره وضبطه وأتقنه في كتب كثيرة كالواسطية والحموية والتدمرية شيخ الإسلام، أيضًا مجموع الفتاوى فيه بحوث كثيرة جدًّا في هذا الباب، له أيضًا كتب مطولة في هذا الباب، له درء تعارض العقل والنقل، الذي ما في الوجود له نظير ثان، كما يقول ابن القيم، له نقض التأسيس:

وكذلك التأسيس أصبح نقده

 

أعجوبة للعالم الرباني

له أيضًا: منهاج السنة في الرد على المخالفين من الرافضة، المقصود أن كتب شيخ الإسلام لا يستغني عنها طالب علم، له أيضًا اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أهل الجحيم، المقصود أن كتب شيخ الإسلام لا يحاط بها في هذه العجالة.

كتب ابن القيم أيضًا في هذا الباب الصواعق، النونية، وغيرها من كتبه التي خدمت في هذا المجال، مؤلفات أئمة الدعوة، الشيخ الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وعلى رأسها كتاب التوحيد، كشف الشبهات، الأصول الثلاثة، القواعد الأربع، كتب لا يستغني عنها طالب علم، أيضًا تلاميذه من أولاده وأتباعه، المدونة في الدرر السنية، لا يستغني عنها أيضًا طالب العلم، المقصود أن الكتب والوقت ضاق.

المقدم: طيب كتب الفقه؟

هناك كتب الفقه كتب للمتقدمين ألفها الأوائل من أصحاب المذاهب وأتباعهم من تلاميذهم ثم أيضًا وجد كتب لهذه المذاهب المتبوعة من قِبل المتوسطين والمتأخرين، ولهم طرق وقواعد في ترتبيها وأولوياتها، والمذهب عندهم بالنسبة للمتقدمين والمذهب عند المتأخرين والمذهب عند المتوسطين، إلى غير ذلك مما يحتاج إلى مزيد بسط، لكن لو اقتصرنا على بعض الكتب المختصرة في المذاهب وجدنا مثلًا عند الحنابلة الزاد مثلًا، أو دليل الطالب، أو عمدة الفقه، وعند الشافعية....

المقدم: كلها تحتاج إلى ذكر مؤلفها حتى السامع يقيدها يا شيخ؟

الوقت لا يسعفنا، مؤلف الزاد معروف شرف الدين موسى حجاوي، وبالنسبة للدليل الشيخ مرعي الحنبلي، العمدة الإمام الموفق، ثم بعد ذلك ألف بعده المقنع للطبقة الثانية، ثم الكافي للثالثة، ثم المغني للمنتهين، على كل حال كتب الفقه تحتاج إلى بسط، وهي مرتبة عند أصحابها على  سائر المذاهب، لكن الطالب المنتهي الذي يحتاج إلى مراجع تهمه وتحرر له المسائل على طريقة هذه المذاهب، وإن كانت هذه الكتب ليست دساتير لا يحاد عنها، هي كتب بشر من خلال ترجيحاتهم، قد يكون فيها الراجح ويكون فيها المرجوح، فينظر فيها، والحكم هو الدليل، الطالب المنتهي إذا اقتنى هذه الكتب، واقتصر مع شروحها، واقتنى أيضًا المغني لابن قدامة، المجموع للنووي، بالنسبة للمالكي لو كان شرح حديث: الاستذكار لابن عبد البر، أو أحد شروح خليل على ما فيها من تعقيد لمن لم يألف مختصر خليل وشروحه، كتب الحنفية عندهم كتب من أنفسها شرح فتح القدير لابن الهمام، والكتب مشكلتها أنها كثيرة جدًّا، أيضًا علم شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى من الحادي والعشرين إلى آخر الفتاوى لا يستغني عنه طالب علم في هذا الباب، أيضًا المُحلى لابن حزم للمنتهين من طلاب العلم، لا يمكن أن يستغنى عنه؛ لأنه فقه السلف، لولا ما فيه من شدة على الأئمة، فطالب العلم المبتدئ والمتوسط ينبغي أن لا ينظر في هذا الكتاب؛ لئلا يكتسب من حدة المؤلف، فشد على كثير من أهل العلم، وقال في حقهم بعض العبارات التي لا تليق.

هناك أصول الفقه، هناك السلوك والأخلاق، هناك أيضًا كتب كثيرة في اللغة، من أهم المهمات، الأدب والتاريخ، طالب العلم يحتاج إلى كتب استجمام من مجلات نافعة رحلات ذكريات.

المقدم: هذا يا شيخ يعني يجعل التبعة عليك يعني لا تخرج إلا بوعد -إن شاء الله-.

أسأل الله أن ييسر.

المقدم: أنا أريد أن أختم هذه الحلقة بوصية سريعة في غضون دقيقة أو دقيقتين لطلبة العلم على أمل -إن شاء الله تعالى- أن ييسر لنا لقاء آخر معكم لاستكمال مثل هذا الموضوع، فبم ستوصي طلبة العلم؟

طالب العلم عليه أولًا وآخرًا أن يستحضر أثناء الطلب، وأثناء الاقتناء، وأثناء المطالعة أن يستحضر الإخلاص لله -عز وجل-، أثناء شراء الكتاب، وأثناء مطالعته، والإفادة منه، يستحضر هذا الإخلاص؛ لأن الهدف من القراءة تحصيل العلم الشرعي، والعلم الشرعي أشرنا سابقًا إلى أنه من علوم الآخرة المحضة، من أمور الآخرة التي لا تقبل التشريك؛ فعلى طالب العلم أن يستحضر، والنية شرود، وفي خضم هذا الكم الهائل من الكتب، ويبحث يمينًا ويسارًا، وقد يغفل عن هذا، على كل حال عليه أن يستحضر هذا، فهو الأساس وهو الأصل.

على طالب العلم أن يهتم باقتناء الطبعات المصححة والمحققة، يعني وسبق أن أشار الدكتور عبد المحسن إلى شيء من هذا، ويسأل عما يشكل عليه في أمر الطبعات، فكم من طبعة مصحفة ومحرفة اعتمد عليها من لا يعرف ولا يفرق بين المطابع، هذا أيضًا يحتاج إلى حلقة، لكن عاد، والله المستعان، وكنت أريد الإفاضة فيه، لكن الشيخ عبد المحسن.. أيضًا لا يعتمد الطالب على كتابه، ويهمل حضور الدروس، فمن كان علمه من كتابه كان خطأه أكثر من صوابه، الطالب الذي لا يعرف الكتاب إلا في الدرس عند الشيخ لأنه نشاهد بعض الطلاب –للأسف- يضع الكتاب في المسجد، الطالب الذي لا يعرف الكتاب إلا في الدرس عند الشيخ قل أن يفلح.

المقدم: يعني يراجع ما يقيده؟

قبل، لا بد أن يعنى بالمطالعة قبل الحضور، والمراجعة بعد الحضور، والمذاكرة مع الزملاء، الشيخ عبد القادر بن بدران له درس مع مجموعة من الطلاب عند شيخ من الشيوخ، ماذا يقول؟ يقول: أولًا نحفظ القطعة ثم كل واحد في زاوية من المكان يشرح هذه القطعة قبل الاطلاع على الشرح، يشرح، ثم بعد ذلك إذا شرح يطالعون الشرح، الصواب يقر، ويشاد به، والخطأ يصحح، وبهذا يثبت العلم، يقرءون الحواشي، يذهبون إلى الشيخ يسدد ما عندهم، ويزيد ما عندهم، على كل حال المطالعة يختلف الطلاب فيها اختلافًا كبيرًا، منهم من هو صبور دؤوب، يأخذ الكتاب ولا يخلطه بغيره حتى ينتهي، ومنهم الملول الذي يخبط هذا ساعة وهذا ساعة وهذاك ساعة مثل هذا الصبور الدؤوب ما فيه مشكلة، هذا يقرأ الكتاب حتى ينتهي بالطريقة التي تشرح فيما بعد، الملول هذا لا بد أن يضع جدولاً بحيث لا يرتبك، يضع جدولاً ثابتًا بعد صلاة الصبح له قراءة في كتاب كذا، بعد انتشار الشمس كذا، بعد كذا، جدول يلزم به نفسه، ويعتمد عليه.

أيضًا أثناء المطالعة يستحضر الطالب يفرغ نفسه من المشاغل، ويصحب أقلام ملونة يدون فيها المسائل، كثير من المخطوطات المكتوب عليها في المطبوعات القديمة: قف، تأمل، للأمور المهمة، بعض شيوخنا له طريقة في كتبه، وجدت بعد موته يضع نقطة حمراء أحيانًا، يضع نقطة حمراء، وأحيانًا سوداء، وأحيانًا زرقاء، وأحيانًا خضراء، الحمراء لما يريد أن يراجعه فيحفظه، الزرقاء لما يريد أن يراجعه، ويكرر النظر فيه، الخضراء لما يريد أن ينقله إلى مذكراته، وكل طالب علم ينبغي أن يكون لديه مذكرة، المقصود أنه لا بد من التمييز بين ما يقرأ، والكلام في هذا يطول، والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"