شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (314)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" في بداية هذه الحلقة نرحب بضيفنا الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: توقفنا عند ذكر خلاف أهل العلم في قوله: "إلى المرفقين" هل المرفق يدخل في الغسل أو لا يدخل؟ وأشرتم إلى شيء من هذا الخلاف، ونستكمل أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..

قد مضى الكلام في مرفق من كلام الحافظ ابن كثير والقرطبي، وابن العربي يقول: وما فهم أحد بقطع المسألة إلا القاضي أبو محمد.

المقدم: بقطع؟

بقطع المسألة يعني حسمها، إلا القاضي أبو محمد، فإنه قال: إن قوله: إلى المرافق حدٌّ للمتروك من اليدين لا للمغسول فيهما، ولذلك تدخل المرافق في الغسل، يقول: فإنه قال: إن قوله: إلى المرافق حدٌّ للمتروك من اليدين لا للمغسول فيهما، ولذلك تدخل المرافق في الغسل، هذا مبني على كلام الذي سبق أن ذكرناه عن القرطبي، وهو أن اليد الأصل فيها أنها من أطراف الأصابع للمنكب، ولذلك قالوا: لا يصلح أن تكون إلى بمعنى مع، كما قالوا: الذود إلى الذود إبل، ما يقال مع؛ لأنها من الأصل داخلة، هي من الأصل داخلة، يقول القرطبي: ولما كانت اليد والرجل تنطلق في اللغة على ما ذكرنا، يعني من أطراف الأصابع إلى المنكب، ومن أطراف الأصابع إلى أصل الفخذ بالنسبة للرجل، يقول: ولما كانت اليد والرجل تنطلق في اللغة على ما ذكرنا كان أبو هريرة يبلغ بالوضوء إبطه وساقه، ويقول: سمعت خليلي – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء».

قال القاضي عياض: والناس مجمعون على خلاف هذا، وألا يُتعدى بالوضوء حدوده، يعني ما يحتاج إلى أن يصل إلى الإبط والساق، يقول القاضي عياض: والناس مجمعون على خلاف هذا، وألا يُتعدى بالوضوء حدوده؛ لقوله -عليه السلام-: «فمن زاد فقد تعدى وظلم»، وقال غيره: كان هذا الفعل مذهبًا له، يعني من أبي هريرة مذهب له، ومما انفرد به، ولم يحكه عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -، وإنما استنبطه من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أنتم الغر المحجلون»، ومن قوله: «تبلغ الحلية..» كما ذكرنا، يعني «فمن استطاع...» إلى آخره يكون على هذا مدرجًا من قول أبي هريرة.

الزمخشري، وهو إمام في اللغة يقول: إلى تفيد معنى الغاية مطلقًا، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل، نحتاج إلى دليل خارجي، يرجح الدخول أو يرجح الخروج، فأمر يدور مع الدليل فمما فيه دليل على الخروج قوله: {فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، يعني الميسرة تدخل؟

المقدم: لا.

ما تدخل؛ لأن الإعسار علة الإنظار، وبوجود الميسرة تزول العلة؛ لأن الميسرة ضد الإعسار الذي هو سبب الإنظار، وبوجود الميسرة تزول العلة ولو دخلت الميسرة فيه لكان منظرًا في كلتا الحالتين معسرًا وموسرًا، وكذلك: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، لو دخل الليل لوجب الوصال، ومما فيه دليل على الدخول قولك: حفظت القرآن من أوله إلى آخره.

المقدم: فأخره يدخل؟

بلا شك؛ لأن الكلام مسوق لحفظ القرآن كله، ومنه قوله تعالى: {مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1]، يقال: وصل إلى حد المسجد الأقصى ولا دخل.

المقدم: لا، بل يدخل.

نعم، منه قوله تعالى: {مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى} لوقوع العلم بأنه لا يسرى به إلى بيت المقدس من غير أن يدخله، وقوله: (إلى المرافق وإلى الكعبين) لا دليل فيه على أحد الأمرين، يعني من مجرد النص، لا دليل فيه على أحد الأمرين فأخذ كافة العلماء بالاحتياط، فحكموا بدخولها في الغسل، وأخذ زفر وداود بالمتيقن فلم يدخلاها، يعني الغاية، وعن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه كان يدير الماء على مرفقيه، هذا حديث جابر الذي تقدم في الدارقطني، وأنه ضعيف، (ثم مسح برأسه) عندك في الحديث (ثم مسح برأسه)، قال ابن حجر: وهو بحذف الباء في الروايتين المذكورتين، يعني رواية معمر عن الزهري في الصوم، ورواية مسلم من طريق يونس سبقت الإشارة إليهما في حلقة مضت، وبحذف الباء في الروايتين المذكورتين يعني بذلك رواية معمر عن الزهري في الصوم، ورواية مسلم من طريق يونس، وليس في شيء من طرقه في الصحيحين ذكر عدد المسح، وبه قال أكثر العلماء.

 (ثم مسح برأسه) ما قال ثلاثًا، وليس في شيء من طرقه في الصحيحين ذكر عدد المسح، وبه قال أكثر العلماء، وقال الشافعي: يستحب التثليث في المسح، كما في الغسل واستدل له بظاهر رواية لمسلم أن النبي- عليه الصلاة والسلام- توضأ ثلاثًا ثلاثًا، عموم الحديث يشمل الرأس، وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب، يعني غالب أعضاء الوضوء ثلاثًا، أو يختص بالمغسول، يعني دون الممسوح.

المقدم: كيف يحمل على الغالب، المفترض أن يقال: يحمل على الغالب من فعله – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه مرة.

لا، يحمل على الغالب من أعضاء الوضوء.

المقدم: كيف العبارة يا شيخ؟

وللشافعي: يستحب التثليث في المسح، كما في الغَسل أو في الغُسل أيضًا أفاض الماء على رأسه ثلاثًا، واستدل له بظاهر رواية لمسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب، غالب أعضاء الوضوء تغسل ثلاثًا، الوجه واليدين والرجلين.

المقدم: لكن الذي يحمل على الغالب المسح، أم الذي يحمل على الغالب..؟

التثليث، توضأ ثلاثًا ثلاثًا، هذا التثليث محمول على الغالب، على غالب أعضاء الوضوء، عندك الوجه، واليدان، والرجلان، الوجه واليدان والرجلان كلها تغسل ثلاثًا ثلاثًا، لكن الرأس لا يمسح ثلاثًا، أو يختص بالمغسول، التثليث يختص بالمغسول دون الممسوح، لماذا؟ لأن الممسوح مبني على التخفيف، فكيف يمسح يقال يمسح ثلاثًا، قال أبو داود في السنن: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة، وكذا قال ابن المنذر: إن الثابت عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في المسح مرة واحدة، وبأن المسح مبني على التخفيف، فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ، وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل؛ إذ حقيقة الغسل جريان الماء، وبالغ أبو عبيد فقال: لا نعلم أحدًا من السلف استحب تثليث مسح الرأس إلا إبراهيم التيمي، وفيما قال نظر، فقد نقله ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس فيما نقله، يعني في كلام أبي عبيدة.

 بالغ أبو عبيدة، فقال: لا نعلم أحدًا من السلف استحب تثليث مسح الرأس إلا إبراهيم التيمي، وفيما قاله نظر، يعني الحصر بإبراهيم التيمي فيه نظر، فقد نقله ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس وعطاء وغيرهما، وقد روى أبو داود من وجهين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره في حديث عثمان بتثليث مسح الرأس والزيادة من الثقة مقبولة، قاله ابن حجر، وعلق شيخنا الشيخ ابن باز -رحمه الله- على ذلك فقال: لكنها رواية شاذة.

المقدم: في الفتح يا شيخ؟

نعم على فتح الباري، لكنها رواية شاذة، فلا يعتمد عليها، كما تقدم في كلام أبي داود، في كلام أبي داود ما يدل على أنها غير محفوظة.

المقدم: الشيخ -رحمه الله- بلغه الموضوع في التعليق.

بلغ الثاني وجزء من الثالث، والباء في قوله: (برأسه) وفي قوله -جل وعلا-: {وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} يقول الزمخشري في "الكشاف": {وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} المراد إلصاق المسح بالرأس، وماسح بعضه ومستوعبه كلاهما ملصق للمسح برأسه، فقد أخذ مالك بالاحتياط، فأوجب الاستيعاب أو أكثره على اختلاف الرواية، وأخذ الشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه اسم المسح، يعني ولا شيء يسير ولو شعرات، وأخذ أبو حنيفة ببيان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم –، ومما روي أنه مسح على ناصيته، وقدر الناصية بربع الرأس.

المقدم: الأحناف هم الذين يكتفون بجزء من الرأس يا شيخ؟

الشافعية أقل، الشافعية يقولون: أي شيء.

المقدم: ولو شعرة.

ولو شعرات، شعرة ما تكفي.

المقدم: في الجلالين التفسير أشار قال: ولو شعرة.

على كل حال ما يمكن أن تسمى رأسًا وهي شعرة واحدة، مجموع الشعر وأقله ثلاث هذا الذي ينصون عليه، وأخذ مالك بالاحتياط فأوجب الاستيعاب أو أكثره على اختلاف الرواية، وأخذ الشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه اسم المسح، وأخذ أبو حنيفة ببيان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وهو مما روي: أنه مسح على ناصيته، وقدر الناصية بربع الرأس، وقال ابن قدامة في المغني: لا خلاف في وجوب مسح الرأس، وقد نص الله تعالى عليه بقوله: {وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}، واختلف في قدر الواجب، فروي عن أحمد: وجوب مسح جميعه في حق كل أحد، وهو ظاهر كلام الخرقي، وهو مذهب مالك، وروي عن أحمد أنه يجزئ مسح بعضه، قال أبو الحارث: قلت لأحمد: فإن مسح برأسه وترك بعضه، قال: يجزئه، ثم قال: ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله؟ يعني استبعاد أن يستطيع مسح الرأس كله.

المقدم: ما فيه استبعاد، ما فيه مجال للاستبعاد، مقبول الاستبعاد يا شيخ؟

ما أدري إذا كان حمل الرأس على الشعر.

المقدم: كل شعرة لازم أن يصلها المسح.

إذا كان مسح.. يصل إليها المسح، وبعضها يغطي بعضًا، وبعضها طويل، وبعضها قصير، يمكن أن يتجه الاستيعاب.

روي عن أحمد: يجزئ مسح بعضه، قال أبو الحارث: قلت لأحمد: فإن مسح برأسه، وترك بعضه، قال: يجزئه، ثم قال: ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله، وقد نقل عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه، وابن عمر مسح اليافوخ، أعلى الرأس، وممن قال بمسح البعض: الحسن والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، إلا أن الظاهر عن أحمد -رحمه الله- في حق الرجل وجوب الاستيعاب، وأن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها، قال الخلال: العمل في مذهب أحمد أبي عبد الله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها، وقال مهنا: قال أحمد: أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل، قلت: ولمَ؟ قال: كانت عائشة تمسح مقدم رأسها، يقول ابن قدامة: واحتج من أجاز مسح البعض بأن المغيرة بن شعبة روى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم – مسح بناصيته وعمامته، وأن عثمان مسح مقدم رأسه بيده مرة واحدة، ولم يستأنف له ماءً جديدًا حين حكى وضوء النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – [رواه سعيد]، ولأن من مسح بعض رأسه يقال: مسح برأسه، كما يقال: مسح برأس اليتيم، وقبل رأسه، يعني مسح برأس اليتيم لا يلزم منه أن يكون البعض، لا يلزم منه أن يكون البعض، لكن قبل رأسه.

المقدم: القبلة في مكان واحد صغير جدًّا..

نعم إذا قيل: قبَّل رأسه، هذا لا شك أنه أسلوب مستعمل، ويراد به البعض وإن أطلق الكل.

المقدم: حتى مسح رأسَه بدون برأسه تكون على الجزء، يمسح رأس اليتيم ما يتخيل أن يمسح كل رأس اليتيم.

يبقى جانباه ما نزل من جانبيه.

المقدم: جزمًا هذا.

لكن ما الذي يمنع أن يمسح رأسه مثل ما يمسح الوضوء، امتثالًا للتوجيه، ما فيه ما يمنع، لكن قبل رأسه، يستوعب الرأس بالتقبيل؟

المقدم: لا.

لا يمكن.

المقدم: لكن ما يقال: إن الباء هي التي لها الدلالة في مسألة المسح؟

لا، هم يختلفون في الباء هل هي للتبعيض أو للإلصاق، إذا قلنا: للتبعيض انتهى الإشكال، اتجه مذهب الشافعية والحنفية، وإذا قلنا: للإلصاق...

المقدم: اتجه مذهب الجمهور

لا ما يلزم منه لا الكل ولا البعض؛ لأنه تقدم في كلام الزمخشري، في كلام الزمخشري قال: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} المراد إلصاق المسح بالرأس، وماسح بعضه ومستوعبه كلاهما ملصق للمسح، يعني ليست نصًّا ولو كانت الإلصاق بالتعميم.

يقول: ابن قدامة: وزعم بعض من ينصر ذلك أن الباء للتبعيض، فكأنه قال: وامسحوا بعض رؤوسكم، ولنا قول الله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} والباء للإلصاق، فكأنه قال: وامسحوا رؤوسكم، فيتناول الجميع كما قال في التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ}، وقولهم: الباء للتبعيض غير صحيح، ولا يعرف أهل العربية ذلك، قال ابن برهان: من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه، وحديث المغيرة (مسح على مقدم الرأس الناصية مع العمامة)، وحديث المغيرة يدل على جواز المسح على العمامة ونحن نقول به، ولأن النبي– صلى الله عليه وآله وسلم – لما توضأ مسح برأسه كله، وهذا يصلح أن يكون مبينًا للمسح المأمور به، يعني المجمل في الآية بيّن بفعله -عليه الصلاة والسلا-م، وما ذكروه من اللفظ مجاز لا يعدل إليه عن الحقيقة إلا بدليل.

 يعني: ما ذكروه من مسح رأس اليتيم، وتقبيل الرأس مثلًا، هذا كله مجاز، ليس هو الأصل، وإلا فالأصل: أن يقال: قبَّل بعض رأسه، أو جزءًا من رأسه، أو مسح بعض رأس اليتيم، ولا يعدل إليه عن الحقيقة إلا بدليل.

في بداية المجتهد بعد ما ذكر الأقوال في قدر الممسوح، لما ذكر الأقوال في قدر الممسوح يقول: أصل الاختلاف في هذا الاشتراك، أصل الاختلاف.. ميزة ابن رشد في بداية المجتهد أنه يذكر منشأ الخلاف وسببه، قال: أصل الاختلاف في هذا الاشتراك الذي في الباء، في كلام العرب، وذلك أنها مرة تكون زائدة، مثل قوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20]، على قراءة الضم، {تُنْبِتُ بِالدُّهْنِ} على قراءة {تُنْبِتُ} بضم التاء وكسر الباء من أنبت، يعني سائغ على ألسنة الناس الآن وشائعة أن يقول: الله يطول بعمرك، الباء هذه زائدة، وإلا فالفعل يتعدى بدونها، كما أن الإنبات هنا يتعدى بدون الباء، لاسيما الرباعي الذي فيه همزة التعدية أنبت ينبت تنبت.

المقدم: {تُنْبِتُ الدُّهْنَ}.

نعم هذا الأصل، ومرة تدل على التبعيض مثل قول القائل: أخذت بثوبه وبعضده، ولا معنى لإنكار هذا في كلام العرب، يعني ابن برهان نقل عنه ابن قدامة قال: من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه، يقول ابن رشد: ولا معنى لإنكار هذا في كلام العرب، أعني كون الباء مبعضة، وهو قول الكوفيين من النحويين، فمن رآها زائدة أوجب مسح الرأس كله، ومعنى الزائد هاهنا كونها مؤكدة، يعني لا يقال: إن القرآن فيه زائد، بل هو محفوظ مصون من الزيادة والنقصان، لكن كثيرًا ما يقولون:

المقدم: الحرف زائد، يعني على اصطلاحهم..

نعم، المراد زيادته بحيث لو حذف استقام المعنى، وفهم، لكن وجودها له فائدة عظيمة في زيادة التأكيد، ومعنى الزائد هاهنا كونها مؤكدة، ومن رآها مبعضة أوجب مسح بعضه، وقد احتج من رجح هذا المفهوم بحديث المغيرة أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة، [خرجه مسلم]، قال: وإن سلمنا أن الباء زائدة، بقي ها هنا أيضًا احتمال آخر: هل الواجب الأخذ بأوائل الأسماء أو بأواخرها؟

المقدم: الأسماء؟

نعم، هل الواجب الأخذ بأوائل الأسماء أو بأواخرها؟ يعني إذا قلت: دخلت المسجد، هل الواجب الأخذ بأول المسجد يعني يتحقق دخولك المسجد بدخول أوله؟

المقدم: ما الذي يعني ...الموضوع في سياقه؟

لأنه مسح الرأس، الآن قلنا: إن الباء زائدة، وسلم أن الباء زائدة، فيكون مسح رأسه...

المقدم: يعني مسح أوله؟ هذا مراده؟

إذا قيل: مسح رأسه هل المقصود يتحقق التعبير بأوله، أو لابد من أن يصل إلى نهايته؟ يعني كما نقول: دخل زيد المسجد.

المقدم: لو دخل عند باب المسجد، وصلى ركعتين في آخر المسجد.

نعم، في أوله عند الباب، أو نقول: إنه تجاوز إلى الآخر لنقول لنأخذ بآخر الاسم.

المقدم: هذا مراده في...

نعم، ومما يرجح مسح الجميع أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لما مسح رأسه مبينًا الأمر الإلهي مسح جميعه، وعمم رأسه بالمسح أقبل بيديه وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، أقبل بهما وأدبر، يعني إلى قفاه، وهذا يدل على أنه...

المقدم: هذا في الصحيح أم في حديث الربيع..

بدأ بمقدم الرأس في الحديث الصحيح، مع أنهم فيما ذكر ابن دقيق العيد وغيره في شرح العمدة، أنه كونه بدأ بمقدم رأسه ينافي أقبل بهما وأدبر؛ لأنه إذا بدأ بمقدم رأسه أدبر بهما وأقبل، لكنه أجاب عن هذا الإشكال بأن الإقبال والإدبار أمور نسبية، فالإقبال إلى القفا إقبال، والإدبار عنه إدبار، والعكس. أيضًا رؤوسكم {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} جمع مضاف، والجمع المضاف يفيد العموم، التعميم نعم تعميم الرأس.

المقدم: هذا جمع مضاف؟

نعم، مضاف إلى الكاف.

المقدم: كل جمع مضاف يفيد العموم؟

نعم، من صيغ العموم المضاف، سواء كان جمعًا أو مفردًا، {إن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ}.

المقدم: {مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31].

{سَيِّئَاتِكُمْ} الأصل أنه عموم، لولا ما جاء في النصوص.

المقدم: ما يدل عليه.

على التخصيص بالصغائر، نعم، ما لم تغشَ كبيرة، ما اجتنبت الكبائر.

المقدم: على هذا نقول: إن أكثر النصوص تدل على وجوب تعميم الرأس، وأن أكثر فعله – صلى الله عليه وآله وسلم – المنقول عنه تعميم الرأس.

نعم، لكن هم يقولون فعل، والفعل لا يدل على الوجوب ننظر في الأمر، {وامْسَحُوا} هذا هو الملزم، والفعل ليس بملزم، لكن بيان الواجب واجب، وفعله -عليه الصلاة والسلام- بيان لما أوجبه الله -جل وعلا- في قوله: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} فيكون واجبًا من هذه الحيثية.

المقدم: لأن بعض الناس يتساهل إذا سمع مثل هذا الخلاف، وهذا ملاحظ خصوصًا إذا كان يلبس عمامة أو غترة أو يريد سقوط العقال أو غيره يمسح فقط طرف يسير من رأسه ويكتفي بهذا..

على كل حال له سلف، لكن لا شك أن فعله -عليه الصلاة والسلام- التعميم، من فعل هذا له سلف من الأئمة كالشافعية والحنفية، لكن ليس المراد أن تجد ما يبرر فعلك من أقوال الأئمة التي تعتمده، العبرة بما يدل عليه الدليل.

المقدم: الحديث عن الأذنين سيأتي إن شاء الله.

إن شاء الله.

المقدم: إذًا نرجئ ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث وبقية أحكامه في حلقة قادمة.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل إلى ختام حلقتنا في شرح كتاب "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" المشهور بمختصر صحيح البخاري للإمام زين الدين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي، المتوفى سنة ثلاث وتسع وثمانمائة- رحمه الله-.

نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.