شرح الموطأ - كتاب الحج (19)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، وارفع قدره في الدنيا والآخرة، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: تقبيل الركن الأسود في الاستلام:

حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال -وهو يطوف بالبيت- للركن الأسود: إنما أنت حجر، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبّلك ما قبلتك، ثم قبّله".

قال مالك -رحمه الله-: "سمعت بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن اليماني أن يضعها على فيه".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: تقبيل الركن الأسود في الاستلام" الركن الأسود المراد به الركن الذي فيه الحجر الأسود، وهو مختص بالتقبيل؛ لأن فيه خصائص: أولًا: لأنه على قواعد إبراهيم، ثانيًا: أن فيه الحجر الأسود، فهو يستلم ويقبل ويشار إليه، وأما الركن اليماني فليس فيه إلا أنه على قواعد إبراهيم، وحينئذٍ يستلم، ولا يقبل ولا يشار إليه إذا لم يمكن استلامه، وأما بقية الأركان فليست قواعد إبراهيم، فلا يفعل معها شيء، لا تستلم، ولا تقبل، ولا يشار إليها.

يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال -وهو يطوف بالبيت-" قال وهو يطوف بالبيت فالجملة حال، حال كونه يطوف بالبيت "للركن الأسود" قال للركن الأسود، يعني كلم الركن الأسود؟ أو أنه تكلم رافعًا صوته مخاطبًا بذلك من يسمع؟ ومخاطبته للحجر كما هو الظاهر من قوله: "قال للركن: "إنما أنت" إنما يريد به من يسمع لا أنه يريد به الركن؛ لأن الركن جماد "إنما أنت حجر" يعني مخلوق لا تنفع ولا تضر، والنافع الضار هو الله -جل وعلا- "إنما أنت حجر، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبلك ما قبلتك" بهذا يكون الاقتداء، أمور قد لا يدركها الشخص بعقله، قد يقول قائل: لماذا ندور بالبيت؟ لماذا نقبل الحجر؟ هذا تعبد، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- فنفعله، "ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبلك ما قبلتك" لو أن هذه الأمور اجتهادية لا بد من الوقوف على العلة لسبقنا بذلك هذا الخليفة الراشد الملهم، ما قال: الحكمة ما هي بظاهرة، كثير من الناس ممن يكتبون الآن يجعلون الأمور كلها معقولة، ويزنون النصوص الشرعية بعقولهم، الذي لا تقبله عقولهم لا يثبتونه هذا ضلال، من أنت؟ وما عقلك الذي تقيس به النصوص؟ أنت لا تدرك أشياء أنت أخص بها من غيرك، أمورك التي تزاولها، حياتك اليومية ما بين جنبيك من أعضاء لا تدرك كنهها ولا حقيقتها، فتريد أن تدرك أمور غيبية بعضها معقول المعنى وبعضها لا يدرك؟! وإن كان الشرع لا يأمر بشيء إلا لمصلحة، ولا ينهى عن شيء إلا لمصلحة، فعمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: "ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبّلك ما قبلتك" فقد فعله اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- قبّله، ثم قبّله عمر بمجرد اقتدائه بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو كانت المسألة عقلية ما قبل؛ لأنه لا ينفع ولا يضر، فماذا يفيد؟ وليس في تقبيله لذة، وإلا هناك من لا ينفع ولا يضر لكن تقبيله معروف يعني مشروع، ومحسوس فيه شيء من...، لكن هذا لا ينفع ولا يضر ولا فيه لذة، ولا..، إذًا المسألة شرعية.

علي -رضي الله تعالى عنه- يقول: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه" فالمسألة شرعية، وليس للإنسان مندوحة إذا ثبت عنده النص أن يختار أبدًا.

"قال الإمام مالك: "سمعت بعض أهل العلم يستحب" نعم؟

طالب:........

يعني هل نقول: إنه ما دام معظم شرعًا، فهل نقبل كل ما عظم شرعًا كالقرآن مثلًا؟ نقول: نقف مع النصوص، هذا ورد فيه النص نفعل، القرآن ما ورد فيه نص ما نفعل، قد يقول قائل: إن هذا من تعظيم شعائر الله التي يمكن أن يستدل بعموم قوله -جل وعلا-: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحـج] أقول: يا أخي هذه أمور إجمالية، لكن مفرداتها تحتاج إلى نصوص، على كل حال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع.

وذكرنا قصة امرأة تتمسح بالمقام مقام إبراهيم، لما قيل لها: إن هذه شباك من حديد لا ينفع ولا يضر جيء به من المصنع كغيره، قالت: عندكم ما ينفع عندنا ينفع، تقول: عندنا ينفع، وهي ممن ابتلي بعبادة القبور وغيرها والمشاهد، نسأل الله السلامة والعافية، فعندها ينفع ما هو دون من ذلك، والله المستعان.

طالب:........

مسح على ماذا؟

طالب:........

الحجر، ماذا فيه؟

طالب:........

ما يمسح، ما يمسح.

طالب:........

ما فيه ركن أصلًا الآن، كيف تمسح؟ تمسح المدور؟

طالب:........

لا، ما يكفي، هو ليس على قواعد إبراهيم.

طالب:........

لا، ما يصلح.

"قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن اليماني أن يضعها على فيه" من غير تقبيل، الثابت في حقه الاستلام فقط، يستلم الركن اليماني فلا يقبل، وإذا لم يمكن استلامه لا يشار إليه؛ لأنه لم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"أن يضع يده على فيه" هكذا بدون تقبيل، لكن هذا يحتاج إلى نص.

نعم.

أحسن الله إليك.

باب: ركعتا الطواف:

حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يجمع بين السُبعين لا يصلي بينهما، ولكنه كان يصلي بعد كل سُبع ركعتين، فربما صلى عند المقام أو عند غيره.

وسئل مالك عن الطواف إن كان أخف على الرجل أن يتطوع به فيقرن بين الأسبوعين أو أكثر، ثم يركع ما عليه من ركوع تلك السُبوع؟ قال: لا ينبغي ذلك، وإنما السنة أن يُتبع كل سُبع ركعتين.

قال مالك في الرجل يدخل في الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أو تسعة أطواف، قال: يقطع إذا علم أنه قد زاد ثم يصلي ركعتين، ولا يعتد بالذي كان زاد، ولا ينبغي له أن يبني على التسعة حتى يصلي سبعين جميعًا؛ لأن السنة في الطواف أن يتبع كل سبع ركعتين.

قال مالك: ومن شك في طوافه بعدما يركع ركعتي الطواف فليعد فليتمم طوافه على اليقين، ثم ليعد الركعتين؛ لأنه لا صلاة لطواف إلا بعد إكمال السبع، ومن أصابه شيء بنقض وضوئه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو بين ذلك، فإنه من أصابه ذلك وقد طاف بعض الطواف أو كله ولم يركع ركعتي الطواف فإنه يتوضأ ويستأنف الطواف والركعتين، وأما السعي بين الصفا والمروة فإنه لا يقطع ذلك عليه ما أصابه من انتقاض وضوئه، ولا يدخل السعي إلا وهو طاهر بوضوء.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ركعتا الطواف

حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يجمع بين السبعين لا يصلي بينهما" لا يجمع بين السبعين بمعنى أنه لا يطوف سوى سبعة أشواط، أسبوع، ويقال له: سُبع، ويقال له: سبوع، أما كونه أسبوعًا فلكونه مشتمل على سبعة، وكل ما يشتمل على سبعة فهو أسبوع، كالسبعة الأيام يشملها الأسبوع، وأما السُّبع فهو هو الأسبوع، وكذلك السبوع تخفيفًا "كان لا يجمع بين السبعين" بمعنى أنه لا يطوف أربعة عشر شوطًا، ثم يصلي بعد ذلك أربعة ركعات بتسليمتين، ولا يطوف واحدًا وعشرين شوطًا ثم يصلي بعد ذلك ست ركعات، يعني لا يجمع الأسابيع.

يقول: "عن أبيه" عروة بن الزبير "أنه كان لا يجمع بين السبعين لا يصلي بينهما" بل يطوف الأسبوع ثم يصلي بعده، ثم يطوف الثاني ثم يصلي بعده وهكذا فلا يجمع بين الأسابيع "ولكنه كان يصلي بعد كل سبع ركعتين، فربما صلى خلف المقام أو عند غيره"؛ لأن اتخاذ المقام مصلى لا شك أنه أولى، وفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء الأمر به، لكنه على سبيل الاستحباب، وعمر -رضي الله تعالى عنه- صلى الركعتين بذي طوى، ولا مكان للركعتين خاص لا في المسجد ولا في البيت ولا غيره، المسألة أعم من ذلك، فعمر -رضي الله تعالى عنه- صلاهما بذي طوى.

يقول: "وسئل مالك عن الطواف إن كان أخف على الرجل أن يتطوع به فيقرن بين الأسبوعين أو أكثر، ثم يركع ما عليه من ركوع تلك السبوع؟ قال: لا ينبغي ذلك وإنما السنة أن يتبع كل سبع ركعتين" يعني لا يقرن بين الأسابيع، هذه هي السنة؛ لأنه لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه فعل ذلك، جاء عنه أنه طاف -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة أسابيع، ثم صلى ست ركعات، لكنه ضعيف لا تقوم به حجة، وهو ثابت عن عائشة والمسور، الجمع بين الأسابيع ثابت عن عائشة والمسور، نعم؟

طالب:........

يذكر عنه، لكن هو المعروف عن عائشة والمسور ثابت عنهما أنهم يقرنون، ولا شك أنه في بعض الأوقات يكون أرفق، لا سيما إذا كان ممن يتحرج من الصلاة في وقت النهي، فيجمع الأسابيع فإذا زال وقت النهي صلى ما لكل أسبوع ركعتين، ومع هذا لا يقال بتداخل الركعات، العبادات من جنس واحد تتداخل، لا، لماذا؟ لأن من شرط التداخل أن لا تكون إحداهما مقضية والأخرى مؤداة، وركعتا الأسبوع الأول مقضية وإلا مؤداة؟ مقضية، أما ركعتا الأسبوع الأخير مؤداة، لكن الذي قبله مقضية، والذي قبله مقضية، فلا تتداخل في هذه الصورة، ولا يتصور تداخل الركعات في مثل هذا.

ثبت ذلك عن عائشة والمسور ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه فعله، وأجازه الجمهور بلا كراهة، وكرهه مالك، وقال: لا ينبغي ذلك، وإنما السنة أن يتبع كل سبع من ركعتيه، لا شك أن هذا أولى وأحوط، لكن إذا كان هناك غرض صحيح من أجله يقرن بين الأسابيع فهذا لا شك أنه له وجه، وقد فعله الصحابة.

"قال مالك في الرجل يدخل في الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أو تسعة أطواف، قال: يقطع إذا علم أنه قد زاد" يعني علم في منتصف الشوط الثامن أو منتصف التاسع يقطع؛ لأنها زيادة على القدر المشروع، فلو تعمد ذلك صار بدعة، عمله بدعة، فمجرد ما يعلم كما لو علم أنه في خامسة من الصلاة، يقطع الصلاة، يجلس، ويتمها فمثل هذا "يقطع إذا علم أنه قد زاد، ثم يصلي ركعتين، ولا يعتد بالذي كان زاد" لكن هل يسجد للسهو في مثل هذا؟ نعم؟ في سجود للسهو؟ ليس فيه سجود للسهو، سجود السهو خاص بالصلاة.

طالب:........

إذا تعمد؟

طالب:........

والله مثل ما لو تعمد الزيادة على قدر الغسلات في الوضوء، لو توضأ أربعًا أربعًا، زيادة على القدر المشروع لا شك أنه دخل في حيز المخالفة والابتداع، لكن البطلان يحتاج؛ لأنه أتى بالقدر الواجب وزيادة، ما هو مثل الصلاة.

طالب:........

الطواف بالبيت صلاة، نعم؟

التشبيه لا شك أنه تشبيه بليغ لحذف الأداة، والكلام في الحديث معروف عند أهل العلم، لكن المتجه قبوله، وعرفنا مرارًا أن التشبيه لا يقتضي المطابقة بين المشبه والمشبه به من كل وجه، فهذا من أوجه الخلاف.

"ثم يصلي ركعتين ولا يعتد بالذي كان زاد، ولا ينبغي له أن يبني على التسعة حتى يصلي سبعين جميعًا" حتى يصلي سبعين جميعًا، يعني لا يبني على التسعة ثم يضيف إليها خمسة، نعم؟

طالب:........

لا، غير معتد بها، ما نُويت ولا قُصدت.

"لأن السنة في الطواف أن يتبع كل سبع ركعتين" هذا رأيه، رأي الإمام مالك -رحمه الله- وفيه ما تقدم.

"قال مالك: ومن شك في طوافه بعدما يركع ركعتي الطواف" يعني أنه لم يتم السبع، شك في طوافه بعدما يركع ركعتي الطواف جاء بخمسة أشواط أو ستة، ثم صلى الركعتين يقول: فليعد، وننتبه إلى قوله: بعد ما يركع الركعتين فليعد، والمسألة مسألة شك، فإذا شك في العبادة بعد الفراغ منها يلتفت أو لا يلتفت؟ لا يلتفت، لكن لعله يرد بذلك الشك غلبة الظن، نعم؟

طالب:........

كيف؟

طالب:........

نعم، يعيد على كلامه، فليعد، فليتمم طوافه على اليقين، يعني يأتي بما بقي عليه، يأتي بواحدة واثنين على اليقين ويلغي الشك، ثم ليعد الركعتين، ماذا؟

طالب:........

فليعد، نعم، فليعد يعني فليرجع إلى الطواف، فليتمم طوافه على اليقين، يتمم، نعم، إذا كان طاف خمسة أشواط يأتي بشوطين، إذا كان طاف ستة يأتي بسابع وهكذا، ثم ليعد الركعتين، ما تجزئ الركعتان اللتان فعلهما؟ لا، لأنه جاء بهما قبل تمام الطواف، قبل تمام الطواف، وهما مربوطتان بتمامه، فلا تصحان قبل تمام الطواف؛ لأنه لا صلاة لطواف إلا بعد إكمال السبع، بلا خلاف، هذا لا خلاف فيه أنه لا يجوز أن يصلي أحد ركعتين قبل أن يطوف، أو في أثناء طوافه، وإلا في زحام شديد نصلي الركعتين حتى يخف الزحام ثم نعود إلى..، لا، ما دام باقي عليه خطوة في المطاف لا بد أن يأتي بها ثم يصلي الركعتين.

"ومن أصابه شيء بنقض وضوئه وهو يطوف بالبيت، أو يسعى بين الصفا والمروة، أو بين ذلك، فإن من أصابه ذلك وقد طاف بعض الطواف أو كله ولم يركع ركعتي الطواف فإنه يتوضأ، ويستأنف الطواف والركعتين".

يقول: "ومن أصابه شيء بنقض وضوئه وهو يطوف" يجوز يعني ينقض وضوءه، المعنى صحيح "وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة" أما بالنسبة للطواف بالبيت فالمعتمد عند أهل العلم أن الطهارة شرط صحة، فلا يصح الطواف إلا بطهارة، وأما بالنسبة للسعي فليس بشرط على ما سيأتي حتى عند مالك -رحمه الله-.

يقول: "ويطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو بين ذلك فإن من أصابه ذلك وقد طاف بعض الطواف أو كله ولم يركع ركعتي الطواف فإنه يتوضأ ويستأنف الطواف والركعتين" يستأنف الطواف إذا طاف شوطين أو ثلاثة ثم أحدث ثم ذهب وتوضأ على كلامه يستأنف الطواف، يبدأ من جديد، إذا طاف خمسة ستة ثم أحدث توضأ ثم يستأنف الطواف من جديد لوجوب الموالاة، والذي يراه جمع من أهل التحقيق أن مثل هذا لا يقطع الموالاة، بل يبني على ما سبق لا سيما إذا قصرت المدة، ثم بعد ذلك والركعتين؛ لأنه لو قدر أنه طاف خمسة أشواط ثم أحدث ثم أكمل ثم صلى ركعتين لا بد من أن يتوضأ ويستأنف على كلامه، وإن كان الفاصل قصير يبني على ما مضى ثم يصلي الركعتين؛ لأن الركعتين السابقتين قبل تمام الطواف.

وأما السعي بين الصفا والمروة فإنه لا يقطع ذلك عليه ما أصابه من انتقاض وضوئه، لماذا؟ لأنه ليس بشرط؛ لأن الطهارة ليست بشرط، ولا يدخل السعي إلا وهو طاهر بوضوء استحبابًا لكن إن طاف من غير طهارة فلا شيء عليه، نعم؟

طالب:........

أو بين ذلك؟ من أصابه شيء بنقض وضوئه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو بين ذلك، يعني على كلامه بين الطواف والسعي.

طالب: وهو يشرب زمزم.

بين الطواف والسعي، انتهى من الطواف وصلى ركعتين واتجه إلى المسعى، أحدث، نعم؟ أو في الصلاة، المقصود أن مالك يرى استحباب الطهارة للسعي، نعم؟

طالب:........

في ماذا؟

طالب:........

الأصل أنهما تابعتان للطواف والطواف موضعه الحرم، يعني لولا صنيع عمر -رضي الله عنه- وصلاته إياهما بذي طوى لكان المتجه القول بأنها من أفعال المسجد؛ لأنها تابعة لما لا يصح إلا في المسجد، لكن عمر -رضي الله عنه- صلاهما بذي طوى.

نعم.

أحسن الله إليك.

باب: الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف:

حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عبد القاري أخبره أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- بعد صلاة الصبح، فلما قضى عمر طوافه نظر فلم ير الشمس طلعت، فركب حتى أناخ بذي طوى فصلى ركعتين.

وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أنه قال: لقد رأيت عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- يطوف بعد صلاة العصر ثم يدخل حجرته فلا أدري ما يصنع.

وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أنه قال: "لقد رأيت البيت يخلو بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر ما يطوف به أحد".

قال مالك -رحمه الله-: "ومن طاف بالبيت بعض أسبوعه ثم أقيمت صلاة الصبح أو صلاة العصر فإنه يصلي مع الإمام، ثم يبني على ما طاف حتى يكمل سبعًا، ثم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب، قال: وإن أخرهما حتى يصلي المغرب فلا بأس بذلك".

قال مالك -رحمه الله-: "ولا بأس أن يطوف الرجل طوافًا واحدًا بعد الصبح وبعد العصر، لا يزيد على سبع واحد، ويؤخر الركعتين حتى تطلع الشمس كما صنع عمر بن الخطاب، ويؤخرهما بعد العصر حتى تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس صلاهما إن شاء، وإن شاء أخرهما حتى يصلي المغرب لا بأس بذلك".

يقول -رحمه الله تعالى-:

"باب: الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف" الصلاة بعد الصبح والعصر يعني في وقت النهي، وكلامه في الوقتين الموسعين، ومن باب أولى الأوقات المضيقة الثلاثة، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم بقوله: "باب: الطواف بعد الصبح وبعد العصر" وأورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، فدل على أنه يختار أن الركعتين لا تصليان في أوقات النهي، وصنع مثله المؤلف -رحمه الله تعالى-، فترجم بقوله: "باب: الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف" يعني ركعتي الطواف.

"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عبد القاري أخبره أنه طاف مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح" طاف بعد صلاة الصبح، يعني الطواف ما ورد عنه النهي، بل جاء فيه ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) لكنه عام يخصص بأحاديث النهي "طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح، فلما قضى عمر طوافه نظر فلم يرَ الشمس طلعت فركب حتى أناخ بذي طوى فصلى ركعتين" وكان عمر -رضي الله عنه- يضرب من يصلي بعد الصبح وبعد العصر، وهذه المسألة ذهبت، مضى بحثها في وقتها، وهو المرجح أنه لا يصلي في أوقات النهي لا سيما المضيقة، والمؤلف كالبخاري يختار أنه لا يصلى مطلقًا لا في الموسع ولا في المضيق؛ لأنه وقت نهي.

"وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أنه قال: رأيت عبد الله بن عباس يطوف بعد صلاة العصر ثم يدخل حجرته فلا أدري ما يصنع" فإما أن يكون يصلي هاتين الركعتين أو لا يصلي، فإن كان لا يصلي فالخبر مطابق للترجمة، وإن كان يصلي ويريد أن يستخفي بذلك عن الناس؛ لئلا يسترسل الناس في الصلاة في هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها فهذا من حكمته وسياسته في مثل هذه الأمور التي يخشى من استرسال الناس فيها، لو استخفى بها المجتهد الذي أداه اجتهاده إلى جواز ذلك لكان أولى.

ومع الأسف أنه يوجد ممن ينتسب إلى العلم من يدخل قبيل الغروب بدقائق ثم يصلي، والشمس صفراء، الشمس تضيفت للغروب، المقصود أن مثل هذا ينبغي أن يتقى، فإن النهي شديد، النهي في هذا شديد "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا..." ثم ذكرها، هذه الأوقات المضيقة، وأما الموسعة فتقدم ما فيها.

"وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي قال: "لقد رأيت البيت يخلو" الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي قال: "لقد رأيت البيت يخلو بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر ما يطوف به أحد" لماذا؟ لأنه يلزم من الطواف الصلاة، وهو وقت نهي.

"قال مالك: "ومن طاف بالبيت بعض أسبوعه، ثم أقيمت صلاة الصبح أو صلاة العصر فإنه يصلي مع الإمام" يصلي مع الإمام، وهذا لا يخل بالموالاة "ثم يبني على ما طاف حتى يكمل سبعًا، ثم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب" لكن لو شرع في صلاة جنازة، هذه فريضة الصبح أو العصر، شرع في صلاة جنازة، يقف ويصلي على الجنازة ثم يتابع باعتبار أن الجنازة تفوت وهذا لا يفوت؟ هذا له وجه، لو كان يقرأ القرآن في طوافه ثم مر بآية سجدة يسجد وإلا ما يسجد؟ نعم؟ مثل هذا لا يخل بالتتابع والموالاة، فمثل هذا يفعله.

"ثم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب" وفيه ما تقدم، قال: "وإن أخرهما حتى يصلي المغرب" يعني ما اكتفى بغروب الشمس، إنما صلى المغرب "فلا بأس بذلك"؛ لأنه زال النهي والفاصل وإن طال لا إشكال فيه؛ لأن عمر طال الفصل عنده حينما انتقل إلى ذي طوى.

"قال مالك: "ولا بأس أن يطوف الرجل طوافًا واحدًا بعد الصبح وبعد العصر، لا يزيد على سبع واحد، ويؤخر الركعتين حتى تطلع الشمس" لماذا؟ لأنه لا يرى الجمع بين الأسابيع، وإلا بإمكانه على القول الآخر أن يطوف أسبوع وأسبوعين وثلاثة وخمسة، ثم بعد ذلك يصلي عن كل أسبوع ركعتين بعد خروج وقت النهي، "ويؤخر الركعتين حتى تطلع الشمس كما صنع عمر بن الخطاب، ويؤخرهما بعد العصر حتى تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس صلاهما إن شاء وإن شاء أخرهما حتى يصلي المغرب لا بأس بذلك" والمسألة في صلاة الركعتين في وقت النهي، وهي من ذوات الأسباب، وعنده وهو قول الجمهور أنه لا يفعل في هذه الأوقات حتى ما له سبب، وعرفنا رأي الشافعي وتأييد شيخ الإسلام، وأفتى به جمع من أهل العلم، لكن المسألة تقدمت مبسوطة، فيكتفى بذلك.

نعم.

أحسن الله إليك.

باب: وداع البيت:

حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: "لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت، فإن آخر النسك الطواف بالبيت".

قال مالك -رحمه الله تعالى- في قول عمر بن الخطاب: فإن آخر النسك الطواف بالبيت: إن ذلك فيما نرى -والله أعلم- لقول الله -تبارك وتعالى-: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحـج] وقال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [(33) سورة الحـج] فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق.

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- رد رجلًا من مر الظهران لم يكن ودع البيت حتى ودع.

وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "من أفاض فقد قضى الله حجه، فإنه إن لم يكن حبسه شيء فهو حقيق أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت، وإن حبسه شيء أو عرض له فقد قضى الله حجه".

قال مالك: ولو أن رجلًا جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت حتى صدر لم أرَ عليه شيئًا إلا أن يكون قريبًا فيرجع فيطوف بالبيت، ثم ينصرف إذا كان قد أفاض.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: وداع البيت" وداع البيت والوداع والتوديع يراد به ما يفعله المسافر في آخر أمره قبل سفره من توديع أهله ومحبيه هذا يسمى وداعًا، ويسمى توديعًا، ومثله ما يفعله الحاج إذا أراد الانصراف، وقد جاء الأمر به، فلا ينصرف حتى يكون آخر عهده بالبيت، جاء الأمر بالوداع، والوداع مرتبط بالحج؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أمر به في الحج، واعتمر مرارًا ولم يأمر بالوداع، وهو من أعمال الحج، وليس للعمرة وداع، وعائشة -رضي الله تعالى عنها- اعتمرت بعد الحج ولم يحفظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرها بالوداع، فالمرجح أن العمرة لا وداع لها، وإنما الوداع للحج.

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: "لا يصدرن أحد من الحاج" هذا يدل على أن الوداع للحج، لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت، يعني حتى يكون آخر عهده بالبيت، والمراد آخر عهده بالبيت الطواف، ليس معنى أن يكون آخر عهده بالمسجد؛ ولذا فرق بين تحية المسجد وتحية البيت، تحية المسجد الركعتان، تحية البيت الطواف، وعلى هذا يكون وداع البيت بالصلاة؟ لا، بالطواف، وداعه بالطواف.

وجاء التصريح بذلك في البيهقي ((حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف)) حتى يطوف بالبيت، فإن آخر النسك الطواف بالبيت.

"قال مالك في قول عمر بن الخطاب: "فإن آخر النسك الطواف بالبيت": إن ذلك فيما نرى -يعني نظن- والله أعلم لقول الله -تبارك وتعالى-: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحـج] يعني لو افترضنا أن شخصًا في طرف البلد وأبوه في الطرف الثاني، ثم سافر الولد من غير أن يمر بأبيه هل هذا من تعظيم الأب؟ أليس من حق الأب وتعظيمه أن يذهب إلى والده في الطرف الآخر ويودعه ثم ينصرف إلى سفره؟ نعم؟ هذا معنى هذا الكلام، هذا من تعظيم شعائر الله أن يأتي إلى البيت ولو كان بعيدًا عنه، ويطوف به، {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحـج]، "وقال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [(33) سورة الحـج] فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق" وهذا منها، هذا من الشعائر، فمثل هذا..، مع الأمر الذي سمعناه منه -عليه الصلاة والسلام- يدل على وجوب طواف الوداع بالنسبة للحج.

يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلًا من مر الظهران" وهو اسم وادٍ بقرب مكة، رده عمر، "لم يكن ودع البيت حتى ودع" لماذا؟ لأنه ترك واجبًا، وعند أهل العلم يجبر عند الجمهور يجبر مثل هذا، ترك واجبًا من واجبات الحج، ترك نسكًا، وعلى هذا يريق دمًا، وتبرأ ذمته -إن شاء الله تعالى-.

"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "من أفاض -طواف الإفاضة- فقد قضى الله حجه، فإنه إن لم يكن حبسه شيء فهو حقيق أن يكون آخر عهده بالبيت" أفاض وخرج مباشرة، هذا آخر عهده بالبيت "وإن حبسه شيء أو عرض له فقد قضى حجه" لماذا؟ لأنه لم يسافر، نعم؟

طالب:........

أين؟

طالب:........

هذا حج، رد رجلًا من مر الظهران لم يكن ودع البيت حتى ودع.

طالب:........

لا، أتى بما ترك، يأتي بما ترك فقط.

طالب:........

لا، ما اعتمر، ولو اعتمر قلنا: يكفيه العمرة عن طواف الوداع.

"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "من أفاض فقد قضى الله حجه"؛ لأنه أتى ببقية الأركان، ومعلوم أن طواف الإفاضة وبعده السعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، فهذه تتمة الأركان، "فإنه إن لم يكن حبسه شيء فهو حقيق أن يكون آخر الطواف عهده بالبيت، وإن حبسه شيء أو عرض له فقد قضى الله حجه" حبسه شيء أي ما سافر حينئذٍ لا يلزمه طواف؛ لأن الطواف للمسافر طواف الوداع، وعلى هذا إذا أخر طواف الإفاضة حتى قبل أن يخرج إلى أهله طاف للإفاضة ونوى بذلك طواف الإفاضة دخل فيه طواف الوداع، يدخل فيه طواف الوداع، هذا إن لم يكن بعده سعي، أما إن كان بعده سعي فإنه حينئذٍ يطوف للإفاضة ثم يسعى ثم بعد ذلك يطوف للوداع، هذا هو الأكمل، لكن إن رأى في ذلك ما يشق عليه كما هو الحال في الأزمان الأخيرة فيرجى أن يكون الفاصل يسيرًا، ويعفى عن ذلك -إن شاء الله تعالى-، لكن ماذا عما لو قدم السعي على الطواف؟ قدم السعي عليه طواف الإفاضة والسعي الذي بعده جاء فقدم السعي وقال في حديث أسامة بن شريك: سعيت قبل أن أطوف، قال: ((افعل ولا حرج)) وأريد أن لا أطوف مرتين، لا شك أن الطواف في اليوم الثاني عشر والثالث عشر فيه مشقة شديدة، فلو قدم السعي ثم طاف بعده كفاه عن طواف الوداع، مع أني المتجه عندي أن يطوف ثم يسعى، إن تيسر له أن يطوف للوداع وإلا يرجى أن يكفيه ذلك أسهل من تقديم السعي على الطواف؛ لأن جمع من أهل العلم يرون أن السعي لا يصح إلا بعد طواف ولو مسنونًا.

"قال مالك: ولو أن رجلًا جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت حتى صدر لم أرَ عليه شيئًا" يعني ما عليه شيء، ما دام جاهلاً فهو معذور بجهله ولا شيء عليه، والأكثر يلزمونه بدم، وجهله ونسيانه يعفيه من الذنب، أما الدم فلا بد منه؛ لأن من ترك نسكًا فليرق دمًا عند جمهور العلماء "لم أرَ عليه شيئًا إلا أن يكون قريبًا فيرجع فيطوف بالبيت ثم ينصرف إذا كان قد أفاض".

نعم.

باب: جامع الطواف:

حدثني يحيى عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "شكوت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني أشتكي، فقال: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) قالت: فطفت راكبة بعيري ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينئذٍ يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بـ {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} [(1-2) سورة الطور].

وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أن أبا ماعز الأسلمي -عبد الله بن سفيان- أخبره أنه كان جالسًا مع عبدِ الله بن عمر -رضي الله عنهما- فجاءته امرأة تستفتيه فقالت: إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت حتى إذا كنت بباب المسجد هرقت الدماء، فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "إنما ذلك ركضة من الشيطان فاغتسلي، ثم استثفري بثوب، ثم طوفي".

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- كان إذا دخل مكة مراهقًا خرج إلى عرفة قبل أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يطوف بعد أن يرجع.

قال مالك -رحمه الله-: وذلك واسع إن شاء الله.

وسئل مالك هل يقف الرجل في الطواف بالبيت الواجب عليه يتحدث مع الرجل؟ فقال: لا أحب ذلك له.

قال مالك: لا يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة إلا وهو طاهر.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: جامع الطواف:

"حدثني يحيى عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "شكوت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أم سلمة أم المؤمنين شكت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مرضًا ألم بها، لا تستطيع معه الطواف بدون ركوب، "فقال: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) قالت: فطفت راكبة بعيري ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينئذٍ يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بـ{وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} [(1-2) سورة الطور].

هذا سائل يقول: هل هناك من مال إلى أن الوداع في العمرة بدعة؟ وما مدى صحة هذا القول إذا قال به بعض طلاب العلم؟

قل: إذا كان الدليل محتملًا فلا تبديع ولا ابتداع، إذا كان الدليل محتملًا يحتمل هذا القول فلا تبديع، إنما الابتداع اختراع قول أو فعل لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، وإذا كان الدليل يحتمل القولين فلا بدعة، من رأى العموم فلا ينصرف حتى يكون آخر عهده بالبيت يرى أن كل من قدم مكة لنسك يشمله هذا، وكونه -عليه الصلاة والسلام- لم يقل ذلك إلا في حجته لا يمنع أن يكون تشريعًا جديدًا بالنسبة لكل من أراد الانصراف عن البيت مما جاء بالنسك سواءً كان حجًّا أو عمرة، هذا احتمال وله وجهه، لكن يبقى أنه مرجوح، الراجح أنه خاص بالحج، وأما التبديع فلا، فلا وجه له.

منهم من يرى في مثل هذا الاستحباب خروجًا من الخلاف، وليس الخروج من الخلاف من الأدلة التي يعتمد عليها، والأصول التي يستند إليها عند أهل العلم، وإنما الأصل في مثل هذا قوة دليل المخالف، فخشية من أن يكون قول المخالف راجحًا أو يكون دليله أقوى من دليل الموافق يقال: خروجًا من الخلاف، وهذه جملة يستعملها أهل العلم كثيرًا.

في حديث الباب: "عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "شكوت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني أشتكي فقال: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) قالت: فطفت راكبة بعيري" فيه جواز الطواف بالنسبة للراكب، جواز الطواف وصحته من الراكب، لكن هل هذا خاص بالمريض أو يشمل السليم؟ لو طاف السليم راكبًا على بعير هل يقال: طوافه صحيح وإلا غير صحيح؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف راكبًا، لكن في الصحيح طاف راكبًا، في سنن أبي داود ما يشير إلى أنه كان شاكيًا، ففعله -عليه الصلاة والسلام- حينما حطمه الناس وضيقوا عليه، وأراد أن يراه الناس ويسألونه ويقتدون به ركب فإذا وجدت هذه العلة في أحد من الناس من العلماء الذين يحتاج إليهم، بحيث لا يرون إلا على هذه الهيئة فالأمر فيه سعة، وإلا فالأصل المشي، الأصل في الطواف المشي.

أذن لأم سلمة تطوف راكبة؛ لأنها شاكية مريضة، "فقال: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) قالت: فطفت راكبة بعيري، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم يصلي" يصلي الصبح "يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بـ{وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} [(1-2) سورة الطور].

فثبت عنه أنه قرأ هذه السورة الطور في صلاة الصبح، وأيضًا ثبت في صلاة المغرب في حديث جبير بن مطعم، نعم؟

طالب:...

لا، ما هو بهذا، لا، استدل من يقول بنجاسة أرواث مأكول اللحم بطواف النبي -عليه الصلاة والسلام- على البعير؛ لأنه لا يؤمن أن يبول أو يصدر منه روث في المسجد وهو..، يستدل بهذا من يقول بماذا؟ بالطهارة، استدل به من يقول بالطهارة؛ لأنه لا يؤمن أن يبول أو يصدر منه روث فدل على أنه طاهر، ولو كان نجسًا ما طاف عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأصحاب القول الثاني قالوا: إن الله -جل وعلا- عصم دابة النبي -عليه الصلاة والسلام- لحاجته إليها، لكن الأدلة على طهارة أبوال وأرواث مأكول اللحم متكاثرة.

طالب: دابة أم سلمة.

نعم وماذا عن دابة أم سلمة؟ وأيضًا النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر الركب من عكل وعرينة أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، فالمرجح أنها طاهرة.

طالب:........

الحمر الإنسية روثها نجس، فلا يجوز أن تدخل المساجد؛ لأنه لا يؤمن أن تنجس هذه المساجد، فلا تدخل المساجد.

يقول المؤلف -رحمه الله-: "وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أن أبا ماعز الأسلمي عبد الله بن سفيان أخبره" أبو الزبير معروف بالتدليس وإلا فهو ثقة، من رجال مسلم، لكنه معروف بالتدليس، وقال: إن أبا ماعز، والسند المؤنن عند أهل العلم حكمه حكم المعنعن، فلا يقبل من مدلس إلا أن يصرح "أن أبا ماعز عبد الله بن سفيان أخبره" فصرح بالإخبار وحينئذٍ انتفت تهمة تدليسه.

"أنه كان جالسًا مع عبد الله بن عمر فجاءته امرأة تستفتيه فقالت: إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت حتى إذا كنت بباب المسجد هرقت الدماء" صبت الدم، إهراق الدماء وأراقه يعني: صبه، فهي صبت الدم، وهذا الدم لا تدري هي أحيض هو أم استحاضة دم فساد؟  "فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت" تعني مرة ثانية، "حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء" ثانية "فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فقال عبد الله بن عمر: "إنما ذلك ركضة" يعني دفعة "من الشيطان" يريد أن يشوش عليها عبادتها، ويريد أن يشككها في صحتها، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ويحاول جاهدًا أن يعيقه وأن يصده عن عبادته "إنما ذلك ركضة من الشيطان، فاغتسلي ثم استثفري بثوب ثم طوفي"

فعلى هذا هذا الدم الخارج منها استحاضة وليس بحيض، لا يمنع من الصلاة ولا من الطواف ولا من غيرهما مما تطلب له الطهارة.

طالب:........

صبت، نزل منها الدم.

طالب:.......

ماذا؟

طالب:.......

هي تقول: هرقت الدماء، هرق وأراق وأهراق بمعنًى واحد، أهريقوا ما في إشكال يعني.

طالب:.......

لا ما يلزم أن يكون...، لا، لا مثل ما يقال: مات فلان، ماذا يصير بيده الموت وإلا الحياة؟ الأصل توفي فلان، يعني الله يتوفى الأنفس، توفته رسلنا، فالإضافة -إضافة الفعل- إلى من يسند إليه إضافات نسبية، منها ما إضافته حقيقية، إذا قال: الله يتوفى الأنفس، توفاه فلان هذه إضافة حقيقية، لكن توفته رسلنا إضافة نسبية، باعتبار أنهم مأمورون من قبله -جل وعلا-، ففعلهم ينسب إليه وينسب إليهم، أيضًا إذا قيل: مات فلان هل بيده أن يموت أو يحيا؟ ليس بيده ذلك، لكن الإسناد إلى الفعل قد يكون لأدنى مناسبة، فلا مانع أن تقول: هرقت الماء "فاغتسلي ثم استثفري" اغتسلي ليزول عنك أثر الدم، ثم استثفري بثوب، وعرفنا كيفية الاستثفار في حديث امرأة أبي بكر لما ولدت في المحرم، نعم؟

طالب:........

أسماء بنت عميس، قال لها: ((استثفري)) ومعنى ذلك أن تربط خيطًا في وسطها، تربط حبلًا في وسطها ثم بعد ذلك تأتي بخرقة تشدها على فرجها فتربط هذه الخرقة من أمامها بالخيط ومن خلفها بالخيط، كيفيته معروفة يعني، معنى ذلك تتحفظ، ولا يلزم أن يكون هناك خيط ولا رباط، يقوم مقامه ما يمسك هذا الذي يمسك الدم.

"فاغتسلي ثم استثفري بثوب ثم طوفي" لأنها في حكم الطاهرات، وسئل ابن عباس عن المستحاضة يجامعها زوجها؟ قال: نعم، الصلاة أعظم، وكثير من أهل العلم يكره ذلك.

"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص كان إذا دخل مكة مراهقًا" يعني ضاق عليه الوقت حتى خاف على نفسه أن يفوت عليه الوقوف، دخل مكة في يوم عرفة مثلًا ماذا يصنع؟ خرج إلى عرفة قبل أن يطوف بالبيت؛ لأنه يخشى أن يعوقه عائق، ثم لا يصل إلى عرفة حتى يخرج الوقت بطلوع الصبح من ليلة النحر، فإذا جاء مراهقًا يعني ضاق عليه الوقت إلى عرفة مباشرة، وهذا بالنسبة للقارن والمفرد، أما بالنسبة للمتمتع فلا يتمكن من ذلك، إذا ضاق عليه الوقت يدخل الحج على العمرة حتى يصير قارنًا كما صنعت عائشة -رضي الله عنها-.

"كان إذا دخل مكة مراهقًا خرج إلى عرفة قبل أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يطوف بعد أن يرجع" ثم يطوف بعد أن يرجع يعني إلى منى، يرجع من عرفة إلى منى "قال مالك: وذلك واسع إن شاء الله"

ذلك واسع -إن شاء الله تعالى-؛ لأنه فعل وجاء بالأركان التي أمر بها بالنسبة لمناسك الحج، ويستوي في ذلك ما أشرنا المفرد والقارن، وأما المتمتع فيختلف عنهما؛ لأنه لا يسمى متمتعًا إلا إذا تمكن من أداء العمرة التامة بطوافها وسعيها وتقصيرها، ثم بعد ذلك يحرم بالحج.

"وسئل مالك هل يقف الرجل في الطواف بالبيت الواجب عليه يتحدث مع الرجل؟ فقال: لا أحب ذلك له" لأنه جاء تشبيهه بالصلاة، وإن كان قد أبيح فيه الكلام، لكن ينبغي أن يستغل بالذكر والتلاوة، يستغل بذكر الله -جل وعلا- والتلاوة؛ لأن هذه عبادات لا يليق بها إضاعة هذه الفرصة بين يدي الله -جل وعلا- في أشرف البقاع وفي أفضلها، يمضي هذا الوقت بإرسال النظر يمينًا وشمالًا، أو بمحادثة فلان أو علان، أو باستغلال الجوال مثلًا، يستغل الجوال إما أن يكلم أو يُكلم، كل هذا لا ينبغي؛ لأنه في موطن عظيم مبارك، ينبغي أن يستغل بما يقرب إلى الله -جل وعلا- ويرضيه، "فقال: لا أحب له ذلك".

"قال مالك: لا يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة إلا وهو طاهر" مع الأسف أنه يوجد بعض النساء مع رفع الصوت، والأنغام البشعة المؤذية، بعضهم يجعل بدل الرنة هذه أو التنبيه أمورًا يعني لا يستحسنها سوي، ومع ذلك تحصل هذه في أشرف البقاع وأفضلها، ويؤذى الناس في أماكن العبادة، وتشبه مساجد المسلمين بالكنائس، ومع ذلك كثر الإمساس بها حتى صار كثير من الناس لا يستنكرها، فضلًا عن كونه ينكرها، يسمع من النساء ومن الأطفال ومن الكبار، بل من بعض طلاب العلم يستعمل الجوال والرنات والموسيقى في أشرف البقاع، وينتهي الطواف في مكالمة واحدة، والمرأة ترفع صوتها بين الرجال تكلم، هذا إذا كان في شيء مباح، فما بالكم إذا كان في كلام محرم؟! نسأل الله السلامة والعافية.

وقد رأيت شخصًا في المسجد الحرام شخص عليه سيما الخير والفضل والصلاح، قصير الثوب، طويل اللحية، بعد أن صلى الصبح فتح الجوال، وكلم مكالمة واحدة حتى صلى الناس صلاة الضحى، مكالمة واحدة انقطع فأعاده، هذا حرمان يا أخي، والله هذا الحرمان، يعني لا يوجد وقت للمكالمة إلا هذا؟ هذا هو الحرمان بعينه، إذا كنت لا تريد أن تجلس مقتديًا بالنبي -عليه الصلاة والسلام- اذهب إلى ما شئت وكلم من شئت، ما أحد يلومك ولا أحد يثرب عليك، أما بين الناس يشغلهم عن قراءتهم وعن أذكارهم بهذه الطريقة، هذا لماذا جلس؟ والله المستعان.

يقول مالك -رحمه الله تعالى-: "لا يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة إلا وهو طاهر" وعرفنا أن رأيه بالنسبة للطواف أن الطهارة شرط صحة، وبالنسبة للسعي بين الصفا والمروة أن هذا شرط كمال، يعني مستحب، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

"
يقول: هذه مسألة حصلت لي اجتهدت في حينها ولا أدري ما مدى صحة اجتهادي، وذلك أني صليت بالناس فجر الجمعة، وعندما وصلت إلى آية السجدة في سورة السجدة ركعت.

يعني بدلا من أن يسجد للتلاوة ركع.
ركعت، ثم اعتدلت من الركوع، ثم أكملت القراءة.
سهوًا في ركوعه، ركع بدلا من أن يسجد ثم اعتدل من الركوع، ثم أكمل القراءة بناء على أن هذا الركوع لاغٍ، وجوده كعدمه؛ لأنه لم ينو به الركن.
وبعدها تذكرت بأني ركعت ولم أسجد، وحينها اجتهدت بأن هذا الركوع لم أنو به الركن فتابعت القراءة، ثم ركعت ورفعت وأتممت الركعة الأولى فالثانية، وسجدت للسهو بعد السلام.
نعم، عمله صحيح لا إشكال فيه.
أما الناس فمنهم من سجد أثناء ركوعي الأول.
وهؤلاء ما عليهم شيء، هؤلاء الذين سجدوا هم على الأصل؛ لأن الموضع موضع سجود، وانتقل الإمام ولا يدرون ماذا فعل، والأصل أنه يسجد، فهؤلاء لا شيء عليهم.
ومنهم من تابعني في الركوع.
هؤلاء يحتاجون إلى تفصيل، فمن سها مثل الإمام وعرف أن هذا سهو، يعني وقع منه سهوًا كما وقع من الإمام، فلما قرأ الإمام تذكر أنه لم ينو به الركوع وتابعه على هذا ثم ركع الركوع، هذا لا بأس به، صنيعه مثل صنيع الإمام صحيح، لكن من ركع بنية الركوع، ثم ركع ثانية مع الإمام بنية الركوع عمدا بهذا تبطل صلاته؛ لأنه ما فيه ركعة فيها ركوعان إلا في صلاة الكسوف، فصلاته عن عمد باطلة، ركعته الأولى باطلة عن عمد ويضيف إلى الثانية ثانية ويسجد عند من يقول: إن المأموم تبطل صلاته ببطلان صلاة إمامه، فتكون ركعته الأولى باطلة؛ لأن ركوع الإمام باطل، وحينئذ يقوم الركوع الثاني الذي فعله عن عمد مقام الركوع الأول، وحينئذ يسجد مع الإمام سجود السهو بعد السلام، ولا شيء عليه إن شاء الله تعالى.