بلوغ المرام - كتاب الطهارة (04)

بسم الله الرحمن الرحيم

بلوغ المرام - كتاب الطهارة (4)

شرح باب: إزالة النجاسة وبيانها، وباب: الوضوء

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي واقد الليثي -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما قطع من البهيمة -وهي حية- فهو ميت)) أخرجه أبو داود, والترمذي وحسنه, واللفظ له".

راوي الحديث أبو واقد الحارث بن عوف صحابي شهير بدري في أشهر أقوال أهل العلم، وقيل: إنه من مسلمة الفتح، لكن الأول أقوى، مات سنة ثمان وخمسين بمكة، أبو واقد اختلف في اسمه على أقوال، لكن أشهر هذه الأقوال أن اسمه: الحارث بن عوف.

يقول أبو واقد -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما قطع من البهيمة -وهي حية- فهو ميت)) أخرجه أبو داود والترمذي" وأحمد والحاكم والبيهقي "وحسنه" الترمذي والألباني، وله طرق يشد بعضها بعضاً، فهو حسن كما قال الترمذي.

((ما قطع من البهيمة)) والحديث وإن كان سنده في الأصل عند الترمذي لا يسلم من مقال، لكن له شواهد عن أبي سعيد وابن عمر وتميم الداري وغيرهم، فهو بهذه الشواهد يبلغ درجة الحسن.

وله سبب: وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قدم المدينة، وبها ناس يعمدون إلى أسنمة الإبل وإليات الغنم فيجبونها وينتفعون بها، يأتي إلى ألية الشاة أو الخروف فيجبها، ويذيبها ويستفيد منها، ومثلها سنام البعير، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما قطع من البهيمة -وهي حية- فهو ميت)) وكل ما قطع من ذي روح يأخذ حكمه ميتاً، فما قطع من الإنسان، ما أبين من الإنسان طاهر وإلا نجس؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

طاهر لماذا؟ لأن المسلم لا ينجس، لا ينجس بالموت، وكل على مذهبه في المشرك، في الكافر، هل هو نجس عين؟ أو نجاسته معنوية؟ {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [(28) سورة التوبة].. إلى آخره.

فمن يقول: بأن النجاسة حسية يقول: ما أبين من الكافر فهو نجس، فإذا كان نجس في حال الحياة فهو في حال الموت من باب أولى، وما أبين من المسلم فهو طاهر؛ لأن المسلم لا ينجس بالموت.

وما أبين من الغنم والإبل والبقر حكمه حكم الميتة من هذه الأنواع وهذه الأصناف، وما أبين من السمك والجراد حكمه حكم الميت من هذين النوعين، طاهر وهكذا؛ لأن الحديث عام، ((ما قطع)) و(ما) من صيغ العموم ((ما قطع من البهيمة -وهي حية- فهو ميت)) من البهيمة، والفقهاء أخذوا من هذا العموم أن النص شامل للبهيمة وغيرها، ولذا يقولون ويعبرون: ما أبين من حي فهو كميتته، ويقولون: إن قوله: ((من البهيمة)) على سبيل المثال؛ ولأن سبب الورود كان في البهيمة، لا شك أن البهيمة تدخل في النص دخولاً أولياً؛ لأنها منصوص عليها، لكن الحكم واحد عند أهل العلم، ما أبين من كل حي فهو كميتته، فما هو طاهر في الحياة فهو طاهر إذا أبين،...... ما تثبت طهارته له بعد الموت كالآدمي، والسمك والجراد، فإن ما أبين منه فهو طاهر، وإذا كان يتأثر بالموت ويتنجس فإن ما أبين منه وما قطع منه فإنه يكون حينئذٍ نجساً، نعم.

باب الآنية:

"باب الآنية:

عن حذيفة بن اليمان -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) متفق عليه.

وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) متفق عليه".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الآنية" وعرفنا ما قيل في الباب، وأنه في الأصل موضوع لما يدخل منه ويخرج معه، في الأبواب الحسية، وأهل العلم جعلوا له حقيقة عرفية عند أهل العلم، لما يضم مسائل من العلم، كباب المياه وباب الآنية وما أشبه ذلك، والآنية جمع إناء، والإناء معروف اتفقت فيه الحقائق الثلاث.

الآنية هي الأوعية، جمع إناء كما أن الأوعية جمع وعاء، لغة وشرعاً وعرفاً، فالحقائق الثلاث تواطأت على أن الآنية هي الأوعية، ففي اللغة: الإناء هو الوعاء، وفي الشرع: الإناء هو الوعاء، والظرف، وفي العرف كذلك.

ولما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المياه وأنواعها، وما يؤثر فيها ذكر الظرف الذي لا بد منه لهذه المياه؛ لأن الماء لا يتماسك بنفسه، بل لا بد له من ظرف، فالحاجة قائمة إلى معرفة الظرف الذي يحوي هذا الماء، يروي الحافظ -رحمه الله تعالى- عن حذيفة؛ لأننا ذكرنا أن الجار والمجرور عن حذيفة أو عن غيره من الصحابة متعلق بمحذوف تقديره: أروي عن فلان، وإذا كان الحديث في أول الباب لا يؤتى بالواو، ولذلك تلاحظون، أروي عن حذيفة وأروي أيضاً عن أم سلمة، فالثاني معطوف على الأول، والأول مستأنف.

"عن حذيفة بن اليمان" حذيفة بن اليمان بن حسل أو حسيل، صحابي جليل وأبوه كذلك اليمان، هما صحابيان جليلان، حذيفة صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أفضى إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ببعض الأسرار فيما يخص المنافقين والفتن التي تكون في آخر الزمان، فهو صاحب السر، وكان عمر -رضي الله عنه- لا يصلي على الشخص الذي لا يصلي عليه حذيفة، مات بالمدائن سنة خمس أو ست وثلاثين.

"قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما))" كأن الإناء هنا الوعاء الخاص بالشرب ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما)) وهو شامل لكل إناء يوضع فيه الطعام، والتعبير بالصحفة أو الصحاف من باب التمثيل، وإلا لو أكل الإنسان في قصعة من ذهب أو فضة دخل في الحديث، كونه ينص على الصحفة وهي ما تشبع الخمسة فيما قاله الكسائي وغيره، دخل في الحديث، وغير الصحفة من آنية الذهب، ومثلها ما يؤكل به كالملعقة والشوكة والسكين وما أشبه ذلك من أدوات الأكل.

((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم -أي للكفار- في الدنيا)) والضمير يعود إليهم، وإن لم يجرِ لهم ذكر، فإن السياق يفيد أنهم هم المقصودون بالخبر، ((لهم في الدنيا)) هم الذين يباشرون مثل هذه الأشياء، وهم الذين يستعملونها؛ لأنهم لا يتدينون بدين، ولا يرجون ثواباً ولا يخشوع عقاباً ((ولكم في الآخرة)) لكم أيها المسلمون الذين التزمتم ما أمرتم به، واجتنبتم ما نهيتم عنه، جزاءً وفاقاً امتنعتم عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة فأبيحت لكم وخصصت لكم في الآخرة، كما أن من شرب الخمرة في الدنيا لم يشربها في الآخرة، من سمع الغناء في الدنيا، لم يسمع غناء الحور العين في الآخرة، وهكذا جزاءً وفاقاً.

((فإنها لهم في الدنيا)) هذا إخبار وليس بحكم، ليس معنى أن هذا مباح لهم، لكن هذا إخبار عن حالهم وعن واقعهم، فلأنهم لا يتدينون بدين، ولا يخشون عقاب، ولا يرجون ثواب يستعملونها، وإلا فهم ممنوعون حكماً من استعمالها، على القول الراجح من أقوال أهل العلم في مخاطبة الكفار بفروع الشريعة، الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كمخاطبتهم بأصولها عند جمهور العلماء.

ومنهم من يقول: هم غير مخاطبين مطلقاً، ومنهم من يقول: هم مخاطبون بالكف عن المحرمات دون فعل الواجبات والمأمورات؛ لأن فعل المأمورات يحتاج إلى نية، وهم ليسوا من أهل النية، أما الكف فيحصل من غير نية، لكن القول المرجح عند جمهور أهل العلم: أنهم مخاطبون.

يقول الله -سبحانه وتعالى-: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [(42-44) سورة المدثر].. إلى آخره، فذكروا في أول ما ذكروا فروع من فروع الشريعة، كان سبباً في دخولهم النار، ومعنى أنهم مخاطبون بالفروع أنهم يعاقبون عليها، ويزاد في عذابهم في الآخرة إضافة إلى عذابهم على عدم الإيمان بالله -سبحانه وتعالى-.

قد يقول قائل: إذا كانوا بحيث لا تصح منهم العبادات في الدنيا، ولا يطالبون بقضائها إذا أسلموا فما معنى مخاطبتهم بالفروع؟ معناه ما سمعتم، أنهم يزاد عليهم في العذاب من أجلها، وكونهم لا يطالبون بها حال الكفر لأنها لا تصح إلا بالنية والنية من غير المسلم ليست صحيحة، قصد التعبد لله -سبحانه وتعالى- لا يمكن أن يصدر من غير مسلم، ولا يكلفون بقضائها إذا أسلموا ترغيباً لهم في الإسلام، فلو أسلم كافر وعمره سبعون سنة، هل يقال له: عليك أن تقضي الصلوات والصيام مدة خمس وخمسين سنة يعني بعد التكليف؟ لا يقال له ذلك ترغيباً في الإسلام؛ لأنه لو قيل له ذلك احتمال أن يقول..، يرجع عن إسلامه، احتمال أن يقول: ما لازم نسلم هذه مشقة عظيمة، فمن باب الترغيب له في الإسلام لا يؤمر بقضائه.

يلزم على قول من يقول: أنهم غير مخاطبين لتخلف الشرط المصحح لهذه الفروع، يلزم عليه أننا لا نأمر بالصلاة إلا المتوضأ، ما نؤمر أحد نقول له: صلِ؛ لأننا ما ندري هو متوضأ أو ما هو متوضأ؟ نقول له: توضأ، توضأ قبل، نأمر الناس بالوضوء، ثم نأمر من توضأ بالصلاة، لماذا؟ لأن الصلاة لا تصح من غير وضوء، وهذا لا يقول به الحنفية ولا غيرهم، الذين يقولون: إنهم غير مخاطبين بالفروع، بل يؤمر بالصلاة وبما تتطلبه الصلاة من شروط، وحينئذٍ يطالب بالفروع، الكافر يطالب بالفروع وبما تتطلبه هذه الفروع من شروط وهكذا.

((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما)) النص ثبت في الأكل والشرب، وجماهير أهل العلم ألحقوا بالأكل والشرب سائر الاستعمالات، سائر الاستعمالات، فلو كان مع الرجل المسلم قلم من ذهب أو ساعة من ذهب أو ما أشبه ذلك عند جماهير أهل العلم يحرم عليه استعمال هذا الذهب.

النص لا شك أنه ثبت في الأكل والشرب، وألحق به جماهير أهل العلم سائر الاستعمالات، خلافاً لمن يقول: بالاقتصار على النص، كما هو قول أهل الظاهر، ويرجحه الصنعاني وبعض العلماء، وقالوا: إن التعبير بالاستعمال لا تستعملوا آنية الذهب والفضة، أو لا تستعملوا الذهب والفضة تحريف للفظ النبوي، وإلحاق غير الأكل والشرب في التحريم من شؤم تبديل اللفظ النبوي، لكن جماهير أهل العلم على تحريم سائر الاستعمالات، لماذا؟ هم يقولون هذا من باب قياس الأولى، من باب قياس الأولى، كيف؟ يقولون: إذا منع الأكل والشرب في الآنية مع أن الحاجة داعية لهذه الآنية قد تكون الحاجة داعية فمنعوا، فمنع سائر الاستعمالات من باب أولى، الحاجة أدعى للأكل والشرب، وقد لا يكون بحضرته إلا إناء ذهب أو فضة ومع ذلكم يحرم استعماله، فتحريم استعمال غير الآنية من باب قياس الأولى، بمثابة الضرب للوالدين بالنسبة للتأفيف، والقياس ظاهر؛ لأن العلة موجودة فخر وخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وتضييق على النقدين، وما أشبه ذلك، كلها موجودة في سائر الاستعمالات.

والمعروف أن الفضة هي المعدن الأبيض المعروف، ولا تحتاج إلى تعريف، وهي الورق، ومنها تسبك الدراهم، وأما الذهب فهو الأصفر المعروف الذي تسبك منه الدنانير، تضرب منه الدنانير، وهل يدخل فيه الذهب الأبيض أو لا يدخل؟ والذهب الأسود؟ الذهب الأسود إيش؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

البترول، نعم، يدخل في تحريم الذهب البترول، الناس يسمونه الذهب الأسود، لا يدخل؛ لأن حد الذهب وحقيقته تختلف اختلافاً تاماً عن البترول فلا يدخل.

بقي الذهب الأبيض، الذهب الأبيض حده وحقيقته ذهب، تبر، مثل الذهب الأصفر سواءً بسواء، على ما يقوله أهل الصنعة، إلا أن اللون أحياناً يُجعل أبيض، وأحياناً يُجعل أصفر، فكونه يطلى بمادة تجعله أبيض أو العكس لا أثر لهذه المادة، فالذهب الأبيض في حكم الأصفر داخل في التحريم.

ثم هل يلحق بالذهب والفضة الأحجار الكريمة النفيسة الياقوت والمرجان وما أشبه ذلك، والماس، مما يختلف عن الذهب والفضة في الحد والحقيقة؟ جمهور أهل العلم على عدم إلحاق هذه الأشياء بغير الذهب والفضة؛ لأن الأصل فيها الإباحة.

حديث: "أم سلمة -رضي الله عنها-" هند بنت أبي أمية، هاجرت مع زوجها أبي سلمة إلى الحبشة، ثم توفي زوجها فتزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- "قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) يعني من باب أولى الذي يشرب في إناء الذهب، وقد جاء في بعض الروايات عند مسلم: ((الذي يشرب في إناء الفضة والذهب)) والرواية المتفق عليها كما عندكم ((الذي يشرب في إناء الفضة)) وعند مسلم جاء: ((الذهب والفضة)).

((الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) نسأل الله العافية، الجرجرة: صوت وقوع الماء على ما يقع عليه، ومنه الجرة، جرة البعير والغنم، لها صوت، تردد الطعام في مريئه، وإلى المعدة وخروجه منها له صوت، فالذي يشرب في هذه الآنية المحرمة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم، ونار مفعول في رواية الأكثر، ويحتمل أن تكون أيضاً مرفوعة؛ لأنها فاعل الجرجرة، يعني تتجرجر في بطنه نار جهنم، لكن أكثر الروايات على النصب.

الشخص الذي يشرب يجرجر في بطنه نار جهنم، وهذا في غاية التحذير، كالذي يأكل مال اليتيم {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [(10) سورة النساء] نعم.

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر)) أخرجه مسلم، وعند الأربعة: ((أيما إهاب دبغ)).

وعن سلمة بن المحبق -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دباغ جلود الميتة طهورها)) صححه ابن حبان.

حديث ميمونة.

"وعن ميمونة -رضي الله عنها- قالت: "مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بشاة يجرونها، فقال: ((لو أخذتم إهابها؟)) فقالوا: إنها ميتة، فقال: ((يطهرها الماء والقرظ)) أخرجه أبو داود والنسائي".

جلود الميتة حكمها حكم الميتة، نجسة لكن هل يمكن تطهيرها؟ نجاسة الجلود عينية وإلا حكمية؟ نعم؟ عينية وإلا حكمية؟

طالب:.......

الذي يقول: يمكن تطهيرها يقول: نجاستها حكمية، كالثوب الذي وقعت عليه نجاسة يمكن تطهيره، لكن الذي يقول: نجاستها عينية بحيث لا يمكن تطهيرها، تكون نجاستها عينية كالعذرة لا يمكن تطهيرها.

((إذا دبغ الإهاب فقط طهر))، ((أيما إهاب دبغ فقط طهر)) والدباغ معروف، توضع مواد على الجلد بحيث يطيب فتذهب منه الرائحة والرطوبة المؤثرة فيه، والإهاب بزنة كتاب هو الجلد، هو الجلد، وخصه بعضهم كالأزهري بالجلد الذي لم يدبغ، لم يتم دباغه، فأيما إهاب إذا دبغ، أو إذا دبغ الإهاب فقط طهر، وعند الأربعة وعرفنا أن المراد بالأربعة: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه: ((أيما إهاب)) وهذه من صيغ العموم وهو حديث صحيح ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) والحديث وما جاء في معناه من النصوص الصحيحة الصريحة تدل على أن الإهاب يُطهر جلد الميتة ظاهراً وباطناً؛ لأنه إذا طهر فقد انتقل من حيز النجس إلى حيز الطاهر، هذا ما تدل عليه ظواهر هذه النصوص، ولفظ العموم الوارد عند الأربعة ((أيما إهاب)) يدل على أن الدباغ يطهر جلود الميتة أياً كانت من مأكول وغير مأكول، لو دبغ جلد حمار على هذا يطهر، دبغ جلد كلب يطهر، دبغ جلد أرنب ميتة أو شاه أو بقرة يطهر؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) وهذا الذي يدل عليه العموم، حتى جلود السباع تطهر ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)).

والنهي الوارد عن استعمال جلود السباع والنمور لا لأنها نجسة إذا دبغت، لكونها جلود سباع تبقى طاهرة لكن استعمالها لا يجوز، ويبقى ما عداها إذا طهر جاز استعماله، وحينئذٍ يطهر ظاهراً وباطناً فيصلى فيه ويصلى عليه، من أهل العلم من يرى أنه لا يطهر إلا جلد مأكول اللحم إذا دبغ، وما عداه يبقى على نجاسته لا يمكن تطهيره؛ لأنه جاء في بعض الروايات: ((دباغ الأديم ذكاته)) أو ((ذكاة الأديم دباغه)) فجعلوا الدباغ بمنزلة الذكاة، والذكاة لا تحل إلا مأكول اللحم، فلا تحل الذكاة ما لا يؤكل لحمه، إذا ذكي الكلب يطهر وإلا ما يطهر؟ ما يطهر، والدباغ بمنزلة الذكاة فعلى هذا الذكاة والدباغ لا يحلان إلا ما كان مأكول اللحم، هذه حجة من يقول: إن الجلد إذا كان من مأكول اللحم فإنه يطهر بالدباغ، ويطهر ظاهراً وباطناً، يصلى فيه ويصلى عليه.

هذان قولان: إن الدباغ يطهر ظاهراً وباطناً جميع جلود الميتة سواءً كانت مأكولة أو غير مأكولة، والقول الثاني: إنه يطهر ظاهراً وباطناً جلد مأكول اللحم فقط، وعرفنا حجته، من أهل العلم من يقول: إنه لا يطهر الجلد مطلقاً، بل يبقى نجس؛ لأن نجاسته عينية.

لو وقع كلب في ماء ومكث فيه سنين، يطهر وإلا ما يطهر؟ لا يطهر؛ لأن نجاسته عينية، فالنجاسة العينية لا تطهر، لا يمكن تطهيرها، ومنهم من يقول: يطهر الجلد ظاهراً لا باطناً، يطهر الجلد ظاهراً لا باطناً، وجه الجلد الخارجي يطهر، لكن باطنه لا يمكن تطهيره؛ لأن نجاسته عينية، وعلى هذا يفرعون على هذا أن الصلاة تصح عليه فيكون الحكم حينئذٍ كمن طين أرضاً نجسة أو فرش عليها فراش وبساط يمكن أن يصلي وإن كان الباطن نجس، لكن ما يصلي فيها، لماذا؟ نعم؛ لأنه يحمل نجاسة وهو في الصلاة؛ لأنه يحمل النجاسة وهو في الصلاة، وإن كانت مغلفة بطاهر لا يجوز حمل النجاسة في الصلاة ولو كانت مستورة.

من أهل العلم من يرى أن الدباغ لا أثر له في التطهير، ومنهم من يقول: إن جلد الميتة طاهر دبغ أو لم يدبغ.

والمعروف عند الحنابلة أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، لا يطهر بالدباغ لحديث عبد الله بن عكيم "جاءنا كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بشهر أو شهرين: ((أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب)) والحديث لا يسلم من مقال، فقد حكم عليه جمع من أهل العلم بالاضطراب، حكم عليه جمع من أهل العلم بالاضطراب فلا يقاوم ما ثبت في الصحيح، على أنه لو صح قلنا: إن الإهاب هو الجلد ما لم يدبغ، الإهاب هو الجلد ما لم يدبغ، وعلى هذا فالصحيح ما دلت عليه هذه النصوص وهو أن جلد الميتة يطهر بالدباغ، ويستعمل في المائعات واليابسات، ويصلى فيه ويصلى عليه، ويشمل ذلك جميع الجلود سواءً كانت مأكولة اللحم أو غير مأكولة، سباع ونمور أو غير سباع، لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما إهاب دباغ فقد طهر)) أيما إهاب، تبقى جلود السباع منهي عن استعمالها، وهذا فيه حل لإشكال كبير، أسواق المسلمين فيها من الجلود ما لا يعلمون ما أصله، هل هو مأكول أو غير مأكول؟ فينتفي الحرج حينئذٍ.

في حديث: "سلمة بن المبحق -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دباغ جلود الميتة طهورها))" وهذا الحديث مخرج عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان، وعلى كل حال هو حديث صحيح، وهو يدل على ما دل عليه حديث ابن عباس السابق.

"عن ميمونة -أم المؤمنين بنت الحارث الهلالية- -رضي الله عنها- قالت: "مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة يجرونها، فقال: ((لو أخذتم إهابها؟)) وفي روية: ((هلا انتفعتم بإهابها؟)) "فقالوا: إنها ميتة" هل يمكن أن يخفى على النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها ميتة وهم يجرونها؟ المذكاة يمكن أن تلقى، تجر وتلقى؟ فقالوا: إنها ميتة، كأنهم استغربوا أن ينتفع بجلد ميتة "فقال: ((يطهرها الماء والقرظ)) والقرظ مادة مطهرة كالأرطى، شجر الأرطى يدبغ به، تطهر به الجلود ((يطهرها الماء والقرظ)) وهذا نص في الموضوع لا سيما فيما يؤكل لحمه، فعلى هذا يطهر جلد الميتة بالدباغ، ويحصل الدباغ بكل شيء ينشف فضلات الجلد ويطيبه، ولا يقتصر على نوع معين؛ لأن الدباغ أطلق في النصوص، وجاء بعض أنواع ما يدبغ به كالماء والقرظ، لكن هناك الشص والقرظ والأشنان والأرطى وقشور الرمان، كلها يطهر بها الجلد، فإذا حصلت طهارته بأي شيء وطاب بعد أن كان فيه من فضلات النجاسة شيء فإنه حينئذٍ يطهر.

والحديث مخرج عند أبي داود والنسائي وأحمد، ويشهد له حديث ابن عباس السابق فهو حسن، إن كان الحديث فيه مقال، فيه ضعف يسير وشاهده في الصحيح، في البخاري مثلاً أو في مسلم، هل نقول: إنه حسن لغيره أو صحيح لغيره؟ نعم؟

طالب:.......

الحديث لا يصل إلى درجة الحسن لذاته، فيه ضعف -أي حديث- وهذا الحديث الذي فيه ضعف ولا يصل إلى درجة الحسن لذاته له ما يشهد له في الصحيح، في البخاري أو مسلم أو هما معاً، هل يرتقي درجة واحدة؟ لأن الدرجة التي تلي درجة الضعيف المنجبر الحسن لغيره، نعم، أو يرقى درجات بحيث يصل إلى درجة الصحيح لغيره؟ هذه فائدة يحتاجها من يخرج الأحاديث، يشتغل بتخريج الأحاديث، بل إذا درس إسناد حديث ووجد فيه من الرواة من ضعفه منجبر، يقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن في إسناده فلان بن فلان، وهو ضعيف، لكن يشهد له ما في صحيح البخاري من حديث فلان، إذن فالحديث حسن لغيره أو صحيح لغيره؟ المسألة خلافية، هل يرقى الحديث الضعيف بالجابر درجة أو درجتين؟ لو افترضنا أن شاهده في سنن أبي داود صحيح، نقول: صحيح وإلا حسن لغيره؟ هو صحيح بإسناد صحيح في سنن أبي داود، قد يقول قائل: لماذا أعتمد على هذا الحديث وأنا عندي حديث صحيح؟ نعم، أنت تعتني بكتاب بعينه، تخرج أحاديث كتاب، فأنت مطالب بالحكم على هذا الحديث الذي في هذا الكتاب، فأنت تحكم على حديث هذا الكتاب ثم تذكر ما يشهد له.

على كل حال المسألة خلافية، هل يرتقي الحديث بالشاهد الصحيح درجة واحدة أو درجتين؟ الأكثر على أنه لا يرقى إلا درجة واحدة، يكون حسن لغيره، ومنهم من يقول: ما المانع لا سيما إذا كان الشاهد في البخاري مثلاً أو مسلم أن نقول: الحديث صحيح؟ هو من حيث الصناعة الذي يغلب على الظن باعتبار أن راويه ضعيف، الذي يغلب على الظن ضعفه، لكن وجدنا ما يدعم الاحتمال الثاني وهو الصحة؛ لأن الضعيف قد يضبط، الضعيف قد يضبط، ولوروده في الصحيح عرفنا أن هذا الراوي الضعيف ضبط هذا الخبر، فنحكم عليه بالصحة، وإذا أراد الإنسان أن يخرج من هذا الخلاف كله يقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وقد صح الحديث من حديث فلان، أو وقد صح متنه من حديث فلان فيما رواه فلان وفلان، ويخرج من هذا الإشكال.

نعم حديث أبي ثعلبة.

"وعن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- قال: "قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟" قال: ((لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها)) متفق عليه.

وعن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه توضئوا من مزادة امرأة مشركة، متفق عليه، في حديث طويل.

آخر حديث.

"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- "أن قدح النبي -صلى الله عليه وسلم- انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة"

سَلسَلة، عندك مكسورة السين؟ ضبطت بهذا وهذا، لكن الأكثر على أنها بالفتح على ما سيأتي، سَلسَلة من فضة.

"أن قدح النبي -صلى الله عليه وسلم- انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة" أخرجه البخاري".

والشِعب أو الشَعب؟ الذي هو الكسر، سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

أبو ثعلبة الخشني كغيره من الصحابة الذين اشتهروا بالكنية، فاختلف في اسمه فمن قائل: إنه جرهم بن ناشب، بالباء، ومن قائل: إنه جرثوم بن ناشر إلى غير ذلك من الأقوال المتقاربة في اللفظ لكنها مختلفة.

على كل حال هو أبو ثعلبة الخشني منسوب إلى خُشَين بن النمِر، والنمر مكسور الحرف الثاني، النون مفتوحة، يعني بلفظ اسم الحيوان المعروف النَمِر، والنسبة إلى النمر أبو عمرو بن عبد البر نقول إيش؟ النَمَري بالفتح، لماذا؟ لأن الاسم مكسور الثاني في النسبة إليه يُفتح، بني سَلِمة سلَمي لماذا؟ لئلا تتوالى كسرات؛ لأن النسب تقتضي كسر ما قبلها، ويكون أيضاً الحرف الثاني مكسور فتتوالى كسرات فتثقل الكلمة، سَلِمة سلَمي، النمر نمَري، ومثل ذلكم النسبة إلى الملِك ملَكي، ما نقول: ملِكي، وإن اشتهر في الأيام الأخيرة أن يقولوه، لكن هذه قاعدة.

يقول أبو ثعلبة الخشني: "قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب" وأهل الكتاب كما هو معروف هم اليهود والنصارى "أفنأكل في آنيتهم؟" قال: ((لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها)) هذا الورع ألا نأكل في إناء من يباشر النجاسات والمحرمات، أن نهجرها ونتركها ونجتنبها بالكلية، إن أمكن الاستغناء عنها، إن لم يوجد غيرها غسلناها وأكلنا بها، وكوننا لا نأكل في هذه الآنية؛ لأن أصحابها لا يتدينون باجتناب النجاسات، ويشربون فيها ويأكلون ما حرمه الله من الخمور ولحم الخنزير وغيره، فعلينا أن نجتنب هذه الأواني إلا ألا نجد غيرها فنضطر إليها فنغسلها حينئذٍ، وهل هذا راجع إلى نجاسة رطوباتهم؟ كما يقوله جمع من أهل العلم، وأن الكافر والمشرك على وجه الخصوص نجس {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] فإذا قلنا: إن نجاساتهم عينية فرطوباتهم نجسة، أهل الكتاب مشركون أو ليسوا بمشركين؟ نعم؟ أشركوا بلا شك، أشركوا عبدوا مع الله غيره، عبدوا مع الله غيره، فهم مشركون، هل يدخل نساء أهل الكتاب في قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} [(221) سورة البقرة] نعم؟

طالب:.......

لماذا؟ مادام مشركين فنساؤهم مشركات إذن يدخلن في قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} [(221) سورة البقرة] تخصيص، ونساؤهم حل لكم، والمحصنات من أهل الكتاب، فهن مخصوصات من عموم الآية على أن من أهل العلم فيما ذكره الحافظ ابن رجب في شرح البخاري من قال: إنه لا يقال لأهل الكتاب مشركون، لا شك أنهم كفار، كفار ومآلهم إلى النار بالإجماع، هم كفار ولا مطمع لهم في دخول الجنة، وإن كان بعض المفتونين يناقش في هذه القضايا المسلمة عند المسلمين، لكن مثل هؤلاء لا يؤبه لهم، ولا يلتفت إلى قولهم، وليسوا بمحسوبين على أهل العلم.

المقصود أن ابن رجب -رحمه الله تعالى- يقول: "لا يقال لهم -فيما نقله عن جمع من أهل العلم- أنه لا يقال: أهل الكتاب مشركين وإن كانوا كفار" نعم يقال: أشركوا وفيهم شرك، ولا يقال: هم مشركون، كما أن من وافق بعض المبتدعة في بعض بدعتهم، لا يقال: هو منهم، فمن نفى الرؤية ولم يقل بخلق القرآن أو العكس يقال: فيه اعتزال، ولا يقال: هو معتزلي، نعم، إذا نفى صفة من الصفات ولم ينفِ جل الصفات إلا السبع يقال: فيه أشعرية، ولا يقال: هو أشعري، يستدل هذا القائل بعطف المشركين على أهل الكتاب {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(1) سورة البينة] فعطف المشركون على أهل الكتاب فهم كفار، والمآل واحد، لكن هل هذا الوصف ينطبق عليهم أو لا ينطبق؟ لا شك أنهم أشركوا وعبدوا مع الله غيره، فالوصف موجود، لكن من أجل الخروج من مثل هذا العطف؛ ولئلا نحتاج إلى مخصص لقوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [(221) سورة البقرة] والخلاف قريب من اللفظي؛ لأنهم ماداموا كفار سواءً كانوا مشركين أو غير مشركين فالمآل واحد.

"إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟" قال: ((لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها)) الإناء إذا لم تجد فيه نجاسة الأصل فيه الطهارة، لكن إذا كان الأصل فيه النجاسة كإناء من يستعمله في النجاسات، فنقول: الأصل فيه النجاسة؛ لأنا جزمنا أن هذه الطهارة الأصلية نقضت، وانتقل من الطهارة إلى النجاسة فنحتاج في رفع الأصل الثاني إلى رافع وهو الغسل كما هنا، واليهودي كما ذكرنا بالأمس أضاف النبي -عليه الصلاة والسلام- على خبز شعير وإهالة سنخة، والإهالة السنخة هي المتغيرة، متغيرة الرائحة، ولا شك أنها في إناء، وهذا الحديث جعل بعض أهل العلم يحمل الأمر في قوله: ((فاغسلوها)) على الندب والاستحباب، وأنه من باب اجتناب الشبهة.

"عن عمران بن حصين" عمران بن حصين أبو نجيد خزاعي كعبي، أسلم عام خيبر، وسكن البصرة إلى أن مات سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين، وهو من فضلاء الصحابة وفقهائهم، جاء في الخبر الصحيح أنه كان يُسلم عليه في مرض موته، كان يُسلم عليه، من يسلم عليه؟ الملائكة، هذا في الصحيح، فاكتوى فانقطع التسليم، ثم ندم فعاد التسليم، ندم فعاد التسليم، وعلى هذا في حديث: السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب هؤلاء منهم الذين لا يكتوون، لكن لو اكتوى شخص في أول عمره ثم ندم لما سمع مثل هذا الحديث، نقول: يرجى أن يكون منهم، وخبر عمران هذا هو في الصحيح، أن الندم يرفع أثر الكي، كما أنه يرفع أثر المعصية، فلأن يرفع أثر مثل هذه الأمور التي هي خلاف الأولى وليست بمعصية هي خلاف الأولى من باب أولى، والله المستعان.

"عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه توضئوا من مزادة امرأة مشركة" كم باقي؟ باقي خمس خلونا نخلص نأخذ الذي بعده -إن شاء الله-.

طالب........

لأنه ما عاد ودنا نكمل الباب؛ لأن الباب الأحاديث الأخرى كلام مختصر جداً، كلام مختصر جداً.

"أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه توضئوا من مزادة امرأة مشركة" هذا الحديث متفق عليه، وهو حديث طويل فيه قصة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعثهم يبحثون عن الماء، فيهم علي بن أبي طالب فوجدوا هذه المرأة بين صطيحتين فيهما ماء، والصطيحتان هما الراويتان، فسألاها عن الماء فقالت: تركته في مثل هذه الساعة بالأمس، يحتاج إلى وقت طويل، فأمراها باللحاق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فأخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- من كل مزادة بإناء، فحصلت فيه البركة، فتوضأ القوم من هذين الإناءين الصغيرين، وحصلت المعجزة له -عليه الصلاة والسلام-.

الشاهد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ هو وأصحابه من هذه المزادة، وهي من جلد، ولو افترضنا أن هذه الجلود من مذكى، فتذكية الكافر لا أثر لها، فهو في حكم الميتة، وهاتان المزادتان توضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- من الماء وهو مائع فدل على أن للدباغ أثر في جلد الميتة، فذبيحة المشرك في حكم الميتة، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ من ماء في هاتين المزادتين يدل على أن الدباغ يطهر الجلد ظاهراً وباطناً، ويستعمل في اليابسات والمائعات على حد سواء، وهذا وجه الشاهد من هذا الحديث.

 

"وعن أنس بن مالك" خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن قدح النبي -صلى الله عليه وسلم-" الإناء، إناء "انكسر" انصدع، انشق، انشعب "فاتخذ مكان الشعب" يعني موضع الكسر "سلسلة من فضة" والضمير في قوله: "اتخذ" راجع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا هو الظاهر، وإن كان في بعض الروايات ما يدل على أن أنس سلسله مرة ثانية، فلعله اتخذه النبي -عليه الصلاة والسلام- فأعاده أنس مرة ثانية، وفي هذا دليل على جواز استعمال مثل هذا القدر من الفضلة في تضبيب الإناء، وأهل العلم يجيزون تضبيب والشرب من الإناء المضبب بالفضة، إذا كانت هذه الضبة يسيرة ولحاجة، استدلالاً بهذا الحديث، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.