شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (072)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: لعلنا نستكمل ما تبقى من الحديث الذي توقفنا عنده مع الإخوة المستمعين الكرام، وهو حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

انتهينا من الكلام على الضِّعْف في قوله: «الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف» ثم بعد هذا «السيئة بمثلها» يعني من غير زيادة إلا أن يتجاوز الله -عز وجل- عنها، أي عن السيئة فيعفو عنها، وهذا من فضل الله وسعة رحمته حيث جعل الحسنة بعشر والسيئة كما هي بلا زيادة، قال تعالى: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} [سورة الأنعام 160].

يقول ابن حجر: فيه دليل على الخوارج وغيرهم من المكفِّرين بالذنوب والموجبين لخلود المذنبين في النار، فأول الحديث يرد على من أنكر الزيادة والنقص في الإيمان؛ لأن الحسن تتفاوت درجاته، وآخره يرد على الخوارج والمعتزلة.

يقول ابن حجر: فيه دليل على الخوارج وغيرهم من المكفِّرين بالذنوب، يعني وغيرهم من المعتزلة المكفِّرين بالذنوب هؤلاء هم الخوارج، والموجبين لخلود المذنبين في النار، هؤلاء هم المعتزلة، ووجه الرد عليهم من الحديث «إلا أن يتجاوز الله عنها».

المقدم: المعتزلة والخوارج أليسوا كذلك؟

كيف؟

المقدم: الموجبين للخلود في النار.

كلهم يوجبون، لكن الخوارج يكفِّرون، ومن لازم الكفر الخلود، وهؤلاء لا يكفِّرون، لكنهم يوجبون الخلود.

يقول: فأول الحديث يرد على من أنكر الزيادة والنقص في الإيمان، من أي وجه؟ يقول: لأن الحُسْن تتفاوت درجاته «إذا أسلم العبد فحَسُن إسلامه» يعني إذا أسلم زيد فحَسُن إسلامه، وأسلم عمرو فحَسُن إسلامه، هل معنى هذا أن حُسْن إسلام زيد موافق تمامًا لحُسْن إسلام عمرو أو أنها متفاوتة؟

المقدم: فيها تفاوت.

يقول: فأول الحديث يرد على من أنكر الزيادة والنقص في الإيمان، لأن الحسن تتفاوت درجاته، وآخره يرد على الخوارج والمعتزلة، وعرفنا وجه الرد.

تعقبه العيني كعادته؛ لماذا؟ لأن العيني حنفي، ومقتضى مذهب الحنفية يزيد وينقص أو ما يزيد؟ نعم لا يزيد ولا ينقص، الذين هم مرجئة الفقهاء.

العيني يقول: هذا كلام ساقط؛ لأن الحُسْن من أوصاف الإيمان، ولا يلزم من قابلية الوصف بالزيادة والنقصان قابلية الذات إياهما، يعني للزيادة والنقصان؛ لأن الذات من حيث هي لا تَقْبَل ذلك كما عُرِف في موضعه.

يقول: عندك ذات، وهو الإيمان، وعندك وصف وهو الحُسْن، لا يلزم من قابلية الوصف قابلية الذات.

يقول صِدِّيْق حسن في عون الباري، يقول: هذا تعقب عقلي ورد لظاهر الحديث بمقتضى الرأي نصرة للمذهب، الآن كلام العيني واضح أو ما هو بواضح؟ لا يلزم من قابلية الوصف قابلية الذات؛ يعني حينما نصف زيدًا بالطول وعمرًا مثلاً بالقِصَر، كون الوصف الذي هو الطول وهو وصف نسبي هو طول بالنسبة لعمرو، لكنه قِصَر بالنسبة لبكر مثلاً الذي هو أطول من زيد، فهو قابل للزيادة والنقص هذا الوصف، لكن هل ذات زيد قبلت الزيادة والنقص تبعًا لقبول وصفها؟ وقل مثله في السواد والبياض مثلاً.

يقول صديق حسن في عون الباري: هذا تعقب عقلي، ورد لظاهر الحديث بمقتضى الرأي نصرة للمذهب، والذي رجحه البخاري وغيره وهو الوارد عن السلف الذين أطلقوا أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وكذا نقله اللالكائي في كتاب السنة عن الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم، بل قال به من الصحابة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وابن عباس وابن عمر وعمار وأبو هريرة وحذيفة وعائشة وغيرهم كثير.

ومن التابعين كعب الأحبار وعروة وطاووس وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.

وروى اللالكائي أيضًا بسند صحيح عن البخاري قال: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدًا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

ثم قال صِدِّيْق: فإن قلت: الإيمان هو التصديق بالله وبرسوله والتصديق شيء واحد لا يتجزأ، فلا يتصور كماله تارة ونقصه أخرى، أُجيب: بأن قبوله الزيادة والنقص ظاهر على دخول القول والفعل فيه، هو يتكلم الآن عن التصديق أو عن الأصل الإيمان؟

الأخ الحاضر: عن الأصل التصديق.

لا، ثم قال: فإن قلت: الإيمان هو التصديق بالله وبرسوله، والتصديق شيء واحد لا يتجزأ، فلا يتصور كماله تارة ونقصه أخرى، أجيب: بأن قبوله الزيادة والنقص ظاهر على تقدير دخول القول والفعل فيه، في التصديق أو في الإيمان؟

المقدم: في الإيمان.

في الإيمان، الجواب عن الإيمان والاستشكال...

المقدم: في كونه هو التصديق.

في التصديق، الاستشكال في التصديق وكونه لا يقبل الزيادة والنقصان، والجواب عن الإيمان وأنه يقبل الزيادة والنقصان باعتبار دخول القول والفعل فيه.

أقول: حتى التصديق يتفاوت يقبل الزيادة والنقصان، إذا جاءك جَمْعٌ يستحيل في العادة تواطؤهم أنت ملزَم بتصديقهم، لكن لو جاء من يحمل خلاف هذا الخبر، ولو كان العدد يسير حصل عندك شيء من التوقف فنقصت نسبة التصديق، إذا جاءك من تثق بديانته وضبطه وحفظه وإتقانه صدَّقت، لكن لو جاء ولو كان أقل منه في المستوى في الديانة والضبط والإتقان حصل عندك نزول في نسبة التصديق، أقول: حتى التصديق يقبل الزيادة والنقص.

سائل: ما يدل على هذا كون أبي بكر صدِّيقًا؟

نعم هناك صادق وهناك صِدِّيق، وهناك صَدُوق، واختلاف هذه الأوزان في لغة العرب تدل على تفاوت الصدق، تفاوته في هذا الوصف، يعني هناك الفعل المجرد، وهناك الاسم، وهناك اسم الفاعل الخالي عن المبالغة، وهناك صيغة المبالغة، وهناك أفعل التفضيل، فلان أصدق، وهناك المبالغة في مثل: صِدِّيق، وهناك الصادق المصدوق فدل على..، هذه التصرفات في هذه المادة يدل على تفاوت الناس فيها.

يقول: أجيب بأن قبوله الزيادة والنقص ظاهر على تقدير دخول القول والفعل فيه، وفي الشاهد شاهد بذلك، هو يتحدث عن الإيمان لا يتحدث عن التصديق، وفي الشاهد شاهد بذلك، فإن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل، يعني من الإيمان، حتى يكون في بعض الأحيان أعظم يقينًا وإخلاصًا وتوكلاً منه في بعضها، وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب -رجع إلى التصديق- وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها، ومن ثَمَّ كان إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم، وهو ما ذهب إليه المحققون، وحكاه الفضيل بن عياض عن أهل السنة والجماعة، فظهر بما أوردناه ضَعْف ما تعقبه العيني، وصحة ما سلكه الحافظ ابن حجر؛ لأنها على محض طريقة السلف خاصة لا شِيَة فيها.

وهذا الحديث لم يخرجه البخاري في غير هذا الموضع، وفي هذا الموضع قال: قال مالك: أخبرني زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره أن أبا سعيد الخدري أخبره أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول... الحديث فذكره.

هكذا أورده البخاري معلَّقًا "قال مالك" لكنه معلق مجزوم به بصيغة الجزم "قال مالك" والقاعدة أن المعلق إذا جاء بصيغة الجزم فهو صحيح إلى من عُلِّق عنه.

يقول القسطلاني: هذا الحديث لم يسنده المؤلف، بل علقه، وقد وصله الحافظ أبو ذر الهروي في روايته للصحيح، فقال عَقِب هذا الحديث المعلق: أخبرناه النضروي، يعني العباس بن الفضل حدثنا الحسين بن إدريس قال: حدثنا هشام بن خالد قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن مالك بهذا الحديث كذا قال، ولم يسق لفظه كما في تغليق التعليق.

ووصله النسائي قال: أخبرني أحمد بن المعلَّى بن يزيد قال: حدثنا صفوان بن صالح قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري فذكره، وكذا وصله الحسن بن سفيان من طريق عبد الله بن نافع، والبزار من طريق إسحاق الفروي، والإسماعيلي من طريق عبد الله بن وهب، والبيهقي في الشعب من طريق إسماعيل بن أبي أويس، كلهم عن مالك.

وأخرجه الدارقطني من طرق أخرى عن مالك، وذكر أن معن بن عيسى رواه عن مالك، فقال عن أبي هريرة بدل أبي سعيد، وروايته شاذة.

ورواه سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن عطاء مرسلاً، قال ابن حجر: ورُوِّيناه في الخُلَعيات، وقد حفظ مالك الوصل فيه، وهو أتقن لحديث أهل المدينة من غيره، فيُرجَّح على المرسل، وقال الخطيب: هو حديث ثابت، وذكر البزار أن مالكًا تفرد بوصله.

البخاري -رحمه الله تعالى- لما أورده معلَّقًا أردفه بقوله: حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تُكتَب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها» وهذا شاهد له.

المقدم: هذا الحديث الذي لم يَظهَر عندنا في التجريد؟

نعم، لأنه اعتبره مكررًا فحذفه.

المقدم: لكن الذي لم يظهر عندنا في التجريد ليس معلقًا؟

لا، موصول، موصول نعم.

المقدم: "عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها وعندها امرأة فقال: «من هذه؟» قالت: فلانة، تَذْكُر من صلاتها، قال: «مَهْ، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يمَلُّ الله حتى تمَلُّوا، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه»."

حديث عائشة -رضي الله عنها- في الاجتهاد في العبادة، وعائشة أم المؤمنين الصدِّيقة بنت الصديق مضت ترجمتها، والحديث ترجم عليه الإمام بقوله: بابٌ أحب الدين إلى الله أدومه.

قال ابن حجر: مراد المصنِّف الاستدلال على أن الإيمان يُطلَق على الأعمال؛ لأن المراد بالدين هنا العمل، والدين الحقيقي هو الإسلام، والإسلام الحقيقي مرادف للإيمان فيصح بهذا مقصوده.

الدين الحقيقي هو الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران 19] والإسلام الحقيقي هو الإيمان، مرادف للإيمان، سواءً قلنا: إن المراد الإسلام الكامل مرادف للإيمان، أو قلنا: إن الإسلام على الإطلاق مرادف للإيمان عند المصنف عند البخاري -رحمه الله تعالى-، فيصح بهذا مقصوده ومناسبته لما قبله من قوله: «عليكم بما تطيقون» لأنه لَمَّا قدَّم أن الإسلام يَحْسُن بالأعمال الصالحة أراد أن ينبه على أن جهاد النفس في ذلك إلى حد المغالبة غير مطلوب.

قد يفهم الإنسان من قوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث السابق: «إذا أسلم عبد فحسن إسلامه» يعني كثرت عبادته ووصلت إلى حد المغالبة.

يقول: مناسبته لما قبله من قوله: «عليكم بما تطيقون» لأنه لما قدم أن الإسلام يحسن بالأعمال الصالحة أراد أن ينبه على أن جهاد النفس في ذلك إلى حد المغالبة غير مطلوب.

تعقبه العيني بقوله: فيه نظر من وجوه: الأول: أن قوله: مراد المصنف الاستدلال على أن الإيمان يُطلَق على الأعمال غير صحيح.

هذه التعقبات عمومًا يعني ردود أهل العلم بعضهم على بعض لا تخلو من فوائد، تشحذ الأذهان، وبمثلها تُستخرَج وتُستنبَط الفوائد، لكن شريطة أن تَسْلَم النيات، والله المستعان.

المقدم: كون أنه يتكرر معنا -أحسن الله إليك- العيني وابن حجر نظرًا لأننا في نفس الكتاب... ألا وهو البخاري، ولذلك المستمع يعتقد أن هناك مقصد من التكرار، لكن المراد أننا نشرح في هذا الكتاب، ولذلك تكرر.

بلا شك.

قال العيني: فيه نظر من وجوه: الأول: أن قوله: مراد المصنِّف الاستدلال على أن الإيمان يُطلَق على الأعمال غير صحيح؛ لأن الحديث ليس فيه ما يدل على هذا، والاستدلال بالترجمة ليس باستدلال يقوم به المدَّعَى.

قول ابن حجر: مراد المصنف الاستدلال على أن الإيمان يُطلَق على الأعمال غير صحيح.

الآن موضوع الحديث ماذا؟

المقدم: أحب الدين إلى الله أدومه.

الصلاة، تذكر من صلاتها، والترجمة أحب الدين إلى الله أدومه، عند البخاري، فالبخاري أراد أن يُدخِل الصلاة في الدين، والدين مرادف للإيمان، فالصلاة عمل، والعمل من الإيمان، هذا ملحظ ابن حجر، يقول: قوله: مراد المصنف الاستدلال على أن الإيمان يطلق على الأعمال غير صحيح. العيني يقول: إنما يتم هذا الاستدلال لو كانت دلالة الحديث نفسه على أن الصلاة من الإيمان لسُلِّم قول ابن حجر مراد المصنف، لكن هذا تقدم لنا...

المقدم: من تبويبات البخاري.

{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة 143] المراد به الصلاة كما هو معروف.

لأن الحديث ليس فيه ما يدل على هذا، والاستدلال بالترجمة ليس باستدلال يقوم به المدَّعَى.

نقول: يقوم به المدَّعَى من وجهة نظر المصنف، وابن حجر إنما يوجه كلام المصنف، فلا يلزم ابن حجر أن يوجهه بما يستنبطه هو بنفسه، فلا يلزم بما ألزمه به العيني.

فإن قلت: في الحديث ما يدل عليه وهو قوله: أحب الدين إليه فإن المراد هاهنا من الدين العمل، وقد أطلق عليه الدين، قلت: هذا إنما يمشي إذا أطلق الدين المعهود المصطلح على العمل، وليس كذلك، فإن المراد بالدين هاهنا الطاعة بالوضع الأصلي، فإن لفظ الدين مشترك بين معاني كثيرة مختلفة، ماذا يقول العيني: فإن قلت: في الحديث ما يدل عليه وهو قوله: أحب الدين إليه فإن المراد هاهنا من الدين العمل، وقد أُطلق عليه الدين، الآن أُطلِق الدين على الصلاة أو ما أُطلِق في الحديث؟ أُطلِق الدين على الصلاة.

قلت: إنما يمشي هذا إذا أطلق الدين المعهود المصطلح على العمل، وليس كذلك، فإن المراد بالدين هاهنا الطاعة بالوضع الأصلي، فإن لفظ الدين مشترَك بين معاني كثيرة مختلفة، الدين بمعنى العبادة، الدين بمعنى الجزاء، الدين بمعنى الطاعة، الدين بمعنى الحساب، الدين بمعنى السلطان، الدين بمعنى الملة، الدين بمعنى الورع، الدين بمعنى القهر، الدين بمعنى الحال، وبمعنى ما يتدين به الرجل، وبمعنى العبودية، وبمعنى الإسلام، وفي المُحْكَم الدين الإسلام.

لما ذكر العيني هذه الإطلاقات للدين، يطلق ويراد به كذا، ويطلق ويراد به كذا، يريد أن يناقش ابن حجر في دعواه أن المراد بالدين هنا الإسلام، لا يتعين أن يكون المراد به هنا الإسلام، لكن المنصوص عليه في كتاب الله -عز وجل-: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران 19] وأولى ما يفسَّر به النص الشرعي، النص الشرعي، هذا في عُرْف الشرع.

المقدم: والمحبة أيضًا كونها أحب الدين إليه ألا يمكن أن يفهم هذا أيضًا؟

بلا شك، لكن لا يمنع أن يدخل أحب العبادة مثلاً، الدين بمعنى العبادة، الدين بمعنى الورع، الدين بمعنى الملة، لكن إذا جاء التفسير منصوصًا عليه في النصوص، أولى ما يفسَّر به القرآن القرآن، ثم السنة، وكذلك أولى ما تفسَّر به السنة ما جاء في النصوص من الكتاب والسنة، فلسنا بحاجة إلى هذا كله، أقول كذا، أقول: لسنا بحاجة إلى هذا كله مع قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران 19].

الثاني من الوجوه التي نظر فيها العيني كلام ابن حجر أنه قال: الإسلام الحقيقي مرادف للإيمان، يعني كلاهما واحد، وقال: إن الإيمان يطلق على الأعمال يشير به إلى أن الأعمال من الإيمان، ثم قال: إن الإسلام يحسن بالأعمال الصالحة، فكلامه يشير إلى أن الأعمال ليست من الإيمان؛ لأن الحسن من الأوصاف الزائدة على الذات وهي غير الذات، فينتج من كلامه أن الإسلام يحسن بالإسلام، وهذا فاسد.

ظاهر أو ليس بظاهر؟ التنظير الثاني في كلام ابن حجر من قِبَل العيني يقول: إنه قال: الإسلام الحقيقي مرادف للإيمان، يعني كلاهما واحد، وقال: إن الإيمان يطلق على الأعمال.

المقدم: هذا يقوله العيني لابن حجر.

نعم ينقل كلام ابن حجر وينتقده، ويقول: إن الإيمان يطلق على الأعمال يشير به إلى أن الأعمال من الإيمان، ثم قال: إن الإسلام يحسن بالأعمال، لو أخذت الإسلام ووضعت مكانه الإيمان، قلت: إن الإيمان يحسن بالأعمال الصالحة.

المقدم: كأنك تفصل هذا عن هذا.

والإسلام يفسَّر بالأعمال، فكأنك قلت: الإسلام يحسن بالإسلام.

ثم قال: إن الإسلام يحسن بالأعمال الصالحة، فكلامه يشير إلى أن الأعمال ليست من الإيمان.

قرر مرارًا أن الأعمال من الإيمان، بل الإيمان قول وعمل.

لأن الحسن من الأوصاف الزائدة على الذات، وهي غير الذات، يعني على حسب ما قرره سابقًا، فينتج من كلامه أن الإسلام يحسن بالإسلام، وهذا فاسد.

الثالث، التنظير الثالث: قوله: فيصح بهذا مقصوده ومناسبته لما قبله غير مستقيم؛ لأنه لا يظهر وجه المناسبة لما قلبه مما قاله أصلاً، وكيف يُوَجَّه وجه المناسبة من قوله: «عليكم بما تطيقون» والترجمة ليست عليه، وإنما وجه المناسبة لما قبله ما ذكرته لك آنفًا، فافهم.

ما ذكره آنفًا، يعني في كتابه هو قوله: وجه المناسبة بين البابين أن المذكور في الباب الأول حسن إسلام المرء، وهو الامتثال بالأوامر والانتهاء عن النواهي، والشفقة على خلق الله تعالى، والمطلوب في هذا المداومة والمواظبة، وكلما واظب العبد عليه وداوم زاد من الله محبة؛ لأن الله تعالى يحب مداومة العبد على العمل الصالح.

ما فيه ارتباط بين الحسن والمداومة، يقول: وجه المناسبة بين البابين أن المذكور في الباب الأول حسن إسلام المرء، وهو الامتثال بالأوامر، والانتهاء عن النواهي، أقول: فيه ارتباط وثيق بين المداومة والإحسان.

المقدم: من كمال الإحسان المداومة على فعل الطاعات.

من مقتضى المداومة عدم...

المقدم: الإخلال.

لا، عدم الإثقال على النفس، وكثرة العمل، ومقتضى هذا، أعني قلة العمل مع الموافقة لمراد الله -عز وجل- هو الإحسان؛ لأنه إذا أكثر يعني أنت تصور شخصًا يقرأ في اليوم عشرة أجزاء، وآخر يقرأ جزءًا، أيهم أقرب إلى الإحسان؟ الثاني، وأيهم أقرب إلى المداومة والاستمرار؟ الثاني، فالتقليل على مقتضى طلب الشرع، هو المناسب للإحسان المذكور في الباب السابق، فظهر وجه الارتباط بين البابين.

المقدم: لكن ما يُفهَم -أحسن الله إليك- أيضًا من فعل ابن عمرو -رضي الله عنه- في آخر حياته عندما تمنى أنه أخذ برخصة النبي -صلى الله عليه وسلم- بحيث أنه لو داوم على العمل لكان هذا أقرب إلى إحسان العمل؟

المطلوب في العمل من خلال هذا الحديث وغيره من النصوص الإحسان والمداومة، المداومة من مقتضياتها أن يكون العمل مما يطيقه الإنسان، فالكثرة لا شك أنها إما أن تكون على حساب الإحسان، أو على حساب المداومة. ابن عمرو -رضي الله عنه- داوم على عمل تركه عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- لئلا يخل بما التزم به أمام النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذلك ندم في آخر عمره، ومقتضى هذا أن يكون ابن عمرو يحسن الكثرة مع المداومة، ولذا شق عليه، فلو كان الإحسان مجرد الإحسان والمداومة دون إكثار لن يشق، والله المستعان.

المقدم: أحسن الله إليكم هو عبد الله بن عمر بن الخطاب أم عبد الله بن عمرو بن العاص الوارد في الحديث؟

لا، هو عبد الله بن عمرو بن العاص، وقصته في الصحيح، في مفاوضته مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في القراءة وفي الصيام، والله المستعان.

المقدم: رضي الله عنه.

أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم.

إذًا مستمعيَّ الكرام سوف نستكمل -بإذن الله تعالى- ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث في حلقة قادمة. أذكركم في ختام حلقتنا هذه بعنوان البرنامج: المملكة العربية السعودية، وزارة الإعلام، إذاعة القرآن الكريم. بإمكانكم أن تبعثوا بأسئلتكم على فاكس: 4425543، برنامج: شرح كتاب التجريد الصريح.

نلقاكم -بإذن الله تعالى- وأنتم بخير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.