شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (306)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طابت أوقاتكم بكل خير، وأهلًا بكم إلى لقاء جديد في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

في بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.       

المقدم: للتذكير أيها الإخوة والأخوات في باب الاستنجاء بالحجارة، نحن في الحديث (123) حسب المختصر الذي يتم شرحه من قبل فضيلة الشيخ، التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مختصر الإمام البخاري للإمام زين الدين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي، وحسب الأصل بالنسبة للصحيح الحديث (155) حديث أبي هريرة.

وعدنا الإخوة فضيلة الشيخ أن نستكمل كلام ابن قدامة-رحمه الله- في شروط ما يستجمر به.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد،

فيقول الإمام الموفق ابن قدامة في المغني: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ مُنقيًا؛ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ مُشْتَرَطٌ فِي الِاسْتِجْمَارِ، وذكرنا فيما تقدم: أن الاستجمار بالأحجار لا يزيل عين النجاسة بالكلية، وإنما هو من باب التخفيف والتيسير على الأمة، وهو مجزئ إجماعًا، وعرفنا أن الضابط للاستنجاء المجزئ.. للاستجمار المجزئ ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، هذا عند أهل العلم.

قال: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ مُنقيًا؛ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ مُشْتَرَطٌ فِي الِاسْتِجْمَارِ، فَأَمَّا الزَّلِجُ أو اللزج.

المقدم: المعروف اللزج، لكن فيه مواضع تقدم فيها الأحرف، جبذه وجذبه.

الآن فيه فرق بين لزج وزلج، زلج ولزق معناهما واحد، ولزج الآن الزجاج مثلًا زلج أو لزج؟

المقدم: زلج.

زلج، عرفنا الفرق بينهما؟

المقدم: نعم، ليسا بمعنًى.

يختلفان، لكن بعضهم يقول لزج، يعني بعض الكتب إذا أرادت أن تمثل فأما اللزج كالزجاج.

المقدم: الزلج.

لا، الأصل زلج، لكن تجد في كثيرٍ من الكتب ولعلها من تصحيح بعض النُسّاخ أو بعض الطابعين يقول لزج، اللزج الذي يلصق بغيره، بينما الزلج الذي يحصل فيه انزلاق وتزلج، بمعنى: أنه ينبو عن غيره، فلا يلصق به، ولو قلنا: إن معنييهما متضادان، اللزج اللزق الذي يلزق بالشيء، والزلج الذي..

المقدم: الذي لا يستقر عليه شيء..

لا يستقر عليه.

فَأَمَّا الزَّلِجُ كَالزُّجَاجِ وَالْفَحْمِ الرِّخْوِ.

المقدم: وليس الرَّخو.

مثلث، لكن أجودها الكسر، الرِّخْوِ وَشِبْهِهِمَا مِمَّا لَا يُنقي، فَلَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ طَاهِرًا، فَإِنْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يُجْزِهِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ –ومعروف أنه المذهب إلى الحنابلة لأن الكلام للحنابلة، المغني- وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ يُجَفِّفُ كَالطَّاهِرِ.

الآن النجس متى تنتقل النجاسة منه إلى غيره؟ معلوم أن اليابس لا ينجس اليابس، لكن عندنا نجاسة يابسة لم يجد ما يستنجي به إلا هذه النجاسة اليابسة أو العين المتنجسة اليابسة، اليابس لا ينجس اليابس، لكن هل معنى هذا أن اليابس لا ينجس الرطب؟ قد يقول قائل: أنه من الأصل نجس، ونحن نريد تجفيف هذا النجس والحنفية يقولون: يجزيه لأنه يجفف كالطاهر، يعني الآن من نظر إلى مذهب الحنابلة والشافعية في قولهم: لا يجزئ الاستنجاء بالنجس، رأى أن هذا مضاد للمقصود، المقصود تطهير فكيف يُطهر بالنجس؟ والحنفية يقولون: لا، ما هي المسألة إزالة النجاسة بكاملها، بل يبقى ما يعفى عنه، وإذا كان النجس يجفف كالطاهر يجزئ، لكن يبقى أن هذا ممنوع لأمرين:

الأول: أنه مضاد لما أريد منه وهو التطهير، يعني كما قيل في الفجل أنه مهضم، يقول الأطباء أنه هضم نفسه فبها ونعمت، لأنه عسر الهضم هو نفسه عسر الهضم، فكيف يستنجى وينظف المحل بشيء نجس؟ يعني هذا يذكرنا بقول من قال وهو وجه عند الشافعية: أن شعر النبي –عليه الصلاة والسلام- إذا أبين منه.

المقدم: يجوز التبرك به.

لا غير مسألة التبرك، المسألة أعظم، يقولون: كغيره من الشعر، شعر الآدمي نجس إذا بان منه، وكونه يوزعه على أصحابه بعض ما حلقه في النسك للتبرك به يُتبرك به وإن كان هذه صفاته، هذا تناقض، والله المستعان.

ولاشك أن القول بمثل هذا خطأ ظاهر، يعني مسألة الحنفية وما يتعلق بالاستجمار أمرها أسهل مما يتعلق بالنبي –عليه الصلاة والسلام-.

يقول ابن قدامة: وَلَنَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ –يعني الحديث اللاحق إن شاء الله تعالى- جَاءَ إلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ يَسْتَجْمِرُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: «هَذِهِ رِكْسٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: «إنَّهَا رِكْسٌ». يَعْنِي نَجَسًا، وَهَذَا تَعْلِيلٌ مِنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ، فَلَا يَحْصُلُ بِالنَّجَاسَةِ كَالْغَسْلِ.

يعني: كالاستنجاء بالماء، لا يجزئ بماء متنجس، لا يجزئ بالنجس ولا بالمتنجس قولًا واحدًا، لماذا؟ لأن الماء المتنجس نجاسته تتعدى، لكن العين المتنجسة التي يُستجمر بها اليابسة نجاستها تتعدى، فقياسه على الماء فيما فيه، لكن المعول في هذا قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنها ركس».

يقول شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: ولا يجوز الاستنجاء بشيء من طعام الإنسان ولا الحيوان ولا شرابهم لما في ذلك من إفساد الأموال، وإذا كانت العلة هي إفساد الأموال، فلا يجوز الاستنجاء بكل ما له قيمةٌ متقومة، ولا يجوز الاستنجاء بالعظم والروث لأنه من طعام الجن إلا في حال الضرورة، ولكن إن استنجى بها أجزأه ويكون عاصيًا بذلك، يعني: يجزيه الاستنجاء بالعظم والروث لكن يكون عاصيًا، لأن المقصود يحصل بها، وكونه خالف الأمر لا يعني أنه لا يصح الاستنجاء. وهذا على كل حال رأي شيخ الإسلام وله من يوافقه، والأكثر على أنه إذا استنجى بها لا يجزئ.

«فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ بِطَرَفِ ثيَابِي» الباء للظرفية، أي: في طرف، لأن طرف الثوب صار ظرف لهذه الأحجار، أي: في جانب ثيابي، وفي صحيح الإسماعيلي: في طرف ملائي، الملاءة ما يُغطى به على البدن، والثياب كما قال الكرماني يحتمل أن يراد به الجمع وأن يراد به الجنس، ثياب يعني لا يلبس المحرم السراويل.

المقدم: وهو لا يلبس إلا واحد أو اثنين، أو المقصود الجنس.

لا، السراويل مفرد، جمعها سراويلات، ولا يلبس السراويل، لكن هنا: «بِطَرَفِ ثيَابِي».

المقدم: ألا يصح مفردها سروال؟

على كل حال هي مفردة.

المقدم: مر معنا في كتاب الحج من هذا.

إي، على كل حال نأتي إلى كلام الكرمالي: الثياب، قال: يحتمل أن أراد به الجمع ومفرده ثوب وأن يراد به الجنس، كما يقال: فلان يركب الخيول، لن يركب الخيول في آن واحد، يركب واحدًا، قال العيني: قلت فيه نظر، لأن ما ذكره يمشي في الجمع المحلى بالألف واللام كما في المثال المذكور، يعني: الثياب لاشك أنها يحتمل أن تكون يراد بها الجنس، لكن ما الذي في الخبر؟

ثيابي بدون أل بالإضافة إلى ياء المتكلم، والعيني يقول: فلان يركب الخيول يحتمل أن يراد به الجنس، والثياب يحتمل أن يراد به الجنس، لكن الذي في الحديث ثيابي ما فيها أل.

قال العيني: وقلت فيه نظر؛ لأن ما ذكره في الجمع المحلى بالألف واللام كما في المثال المذكور.

«فَوَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ» وفي رواية: «فوضعها»، «فَوَضَعْتُهَا» يعني: الراوي أبو هريرة هو الذي وضعها، «إِلَى جَنْبِهِ».

وفي رواية: «فوضعها»، يعني: أخذها من أبي هريرة فوضعها –عليه الصلاة والسلام جنبه.

المقدم: طبعًا هذا كله وهو لم يبدأ في قضاء الحاجة، بعض الناس وهو يقرأ الحديث يعتقد أنه أتى، خرج أعطاه.

لا لا، شوف الآن لما قال: خرج لحاجته فدنوت منه فقال: «أبغني» إلى آخره، قبل أن يرفع ثيابه، «وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ» كذا في أكثر الروايات، وفي رواية الكشميهني: «واعترضت» بزيادة تاء مثناة من فوق بعد العين، قال ابن حجر: والمعنى متقارب، المعنى بين أعرضت واعترضت متقارب؟ لا، ليس متقارب؛ لأن الإعراض له معنى وهو الإدبار والاعتراض له معنى، عائشة معترضة بين يديه، ليست معرضة عنه، معترضة بين يديه، ففرق بين هذا وهذا، وإن قال ابن حجر: المعنى متقارب.

«فَلَمَّا قَضَى» أي: رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والمفعول محذوف تقديره: فلما قضى حاجته، فلما قضى «أَتْبَعَهُ بِهِنَّ» أتبعه بهمزة قطع أي: ألحقه، وكنَّى بذلك عن الاستنجاء، والأدق الاستجمار؛ لأن أهل العلم يستعملون الاستنجاء في موضع الاستجمار والعكس، وهنا قال: باب الاستنجاء بالحجارة.

الفقهاء: لا يستنجي بروث، الفقهاء يعني يخصصون الاستنجاء بالماء والاستجمار بالحجارة، ومع ذلك في النصوص جاء الاستنجاء بالحجارة.

«بهن» أي: أتبع المحل بالأحجار، قال ابن حجر: وفي الحديث جواز اتباع السادات وإن لم يأمروا بذلك، يعني: خشية أن يحتاج إليهم. واستخدام الإمام بعض رعيته والإعراض عن قاضي الحاجة، كأن يقول: أعرضت عنه، والإعانة على إحضار ما يستنجى به وإعداده عنده لئلا يحتاج إلى طلبها بعد الفراغ فلا يأمن من التلوث، والله تعالى أعلم.

يعني لا إشكال في كون الإنسان يعين أخاه، وينص أهل العلم على أن المتوضئ تباح معونته وتنشيف أعضائه، على كل حال: هذا أمر فيه سعة.

قال الكرماني: وفيه جواز الرواية بالمعنى، حيث قال: «أو نحوه» كونه أعانه، النبي –عليه الصلاة والسلام- ما طلب الإعانة، فهم يبادرون بخدمته، وهذا حينما يكون إذا انتفت مظنة المنة، لكن إذا وجدت المنة فعلى الإنسان أن يمنع، إذا عرف أن فلان يخدمه ثم يمن عليه بهذا يمنعه، لكن من يتصور المنة في خدمة الصحابة للنبي –عليه الصلاة والسلام- المنة لله ورسوله أن هداهم لذلك.

قال الكرماني: فيه جواز الراوية بالمعنى، حيث قال: «أو نحوه»، «أستنفض بها أو نحوه» وفي ورواية الإسماعيلي: «أستنجي بها» ولعلها هي المرادة بقوله: «أو نحوه» كما نبه على ذلك ابن حجر سابقًا.

يقول الكرماني: فيه جواز الراوية بالمعنى، حيث قال: «أو نحوه»، يعني كلمة نحو كاستنفض، فهو ليس بجازم أن الخبر بهذا اللفظ فرواه بمعناه، غير متأكدٍ من اللفظ النبوي.

والرواية بالمعنى جائزة عند جماهير أهل العلم بشرطها أن يكون الراوي عارف بمدلولات الألفاظ وعالم بما يحيل للمعاني لابد، وأما إذا كان ليست لديه هذه الأهلية فلا يجوز له أن يروي بالمعنى، وهذا قول جماهير أهل العلم.

يقول العيني: فيه جواز الاستنجاء بالأحجار والرد على من أنكر ذلك، وفيه مشروعية الاستنجاء، يعني: من أنكر ذلك حجته على ذلك: أن الحجر مهما كان لا يزيل النجاسة، ومن شرط صحة الصلاة زوال النجاسة، لكن مادام ثبتت بهذه النصوص القطعية أن النبي –صلى الله عليه وسلم- اقتصر على الاستجمار بالأحجار لا كلام لأحد.

وفيه مشروعية الاستنجاء واشترطه الجمهور لصحة الصلاة، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وداود ومالك في رواية، وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك في رواية والمزني من أصحاب الشافعي: أنه سنة، واستدلوا بحديث أبي هريرة عند أبي داود مرفوعًا: «من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج» استدلوا به على أن أصل الاستجمار سنة، لكن ليس فيه دليل، إنما قوله: «من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج» يعود إلى الإيثار، يعني: إذا استجمر بثلاثة أحجار ثم وجد أن المحل لم يتم إنقاءه، فزاد رابعًا إن استجمر فليوتر يأتي بخامس، إن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، يعني لو اقتصر على أربعة كفت. قالوا: وهو يدل على انتفاء المجموع لا الإيثار نحوه، وأطال العيني في تقرير مذهبه، لكن هذا واضح أن الخبر في الأصل مسوق للإيثار لا للاستجمار، يعني: دلالته الأصلية في الإيثار: «من استجمر فليوتر» فلا مثنوية في الاستجمار، إنما من فعل فقد أحسن إنما هو في الإيثار، أما أصل الاستجمار فمأمور به في نصوص صريحة صحيحة.

قلت: والاستدلال به فيه نظر من وجهين: الأول أن في ثبوته نظرًا، فالحديث فيه مقال لأهل العلم.

الأمر الثاني: أن دلالة الحديث الأصلية في الإيثار لا في أصل الاستجمار.

وقال القسطلاني: فيه أن الاستنجاء يكون قبل الوضوء اقتداء به –عليه الصلاة والسلام- وخروجًا من الخلاف فإنه شرط عند أحمد، شرط عند أحمد أن يستنجي أو يستجمر قبل الوضوء، ولذا يقولون في متون الحنابلة: ولا يصح قبلهما وضوء ولا تيمم، يعني: قبل الاستنجاء والاستجمار. قال: وفيه أن الاستنجاء يكون قبل الوضوء اقتداء به –عليه الصلاة والسلام- وخروجًا من الخلاف فإنه شرط عند أحمد، وإن أخره بعد التيمم لم يجزه.

المقدم: لكن هذا في حال دعت إليه الحاجة؛ لأن بعض الناس فهم من هذا الكلام أنه لا يصح الوضوء حتى يدخل يستنجي، وهذا موجود يرد أسئلة كثيرة عليه.

عامة الناس يظنون أن الاستنجاء من فروض الوضوء، لا، الاستنجاء إنما هو للخارج، إذا لم يخرج فلا داعي للاستنجاء أصلًا.

المقدم: لأنه بناء على هذه العبارة: لا يصح الوضوء إلا بعدهما.

ولا يصح قبلهما وضوء ولا تيمم. يعني معروف أنه لا استنجاء إلا مع الخارج.

في المقنع مع شرحه الكبير، المقنع للإمام الموفق والشرح أيضًا لابن قدامة يكون الموفق شيخه، يقول الموفق: فإن توضأ قبله -يعني قبل الاستنجاء- فهل يصح وضوؤه على روايتين، قال الشارح: يعني إن توضأ قبل الاستنجاء، على روايتين:

إحداهما: لا يصح لأنها طهارة يبطلها الحدث فاشترط تقديم الاستنجاء عليها كالتيمم.

والثانية: يصح وهي أصح وهي مذهب الشافعي لأنها إزالة نجاسة فلم تشترط لصحة الطهارة كالتي على غير الفرج فعلى هذه الرواية إن قدم التيمم خُرج على الروايتين:

إحداهما: يصح قياساً على الوضوء؛

والثانية: لا يصح؛ لأنه لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة ولا تباح مع قيام المانع كما لو تيمم قبل الوقت.

وقيل في التيمم لا يصح وجها واحداً لما ذكرناه.

قالوا: أن الاستنجاء قبل الوضوء والتيمم هذا ثابت من فعله –عليه الصلاة والسلام- المطَّرد، هذه حجة الرواية الأولى.

الرواية الثانية الذي يقول عليها الشارح أنها أصح، أنه يجوز تقديم الوضوء والتيمم على الاستنجاء، حجتهم: القياس على النجاسة في غير موضعها، يعني لو وجد في ظهره نجاسة وتوضأ نقول أن وضوءه صحيح أو باطل؟ الوضوء صحيح، ثم يزيل النجاسة إذا أراد الصلاة.

لكن الفقهاء يفرقون بين إذا ما كانت النجاسة في مخرجها وبين إذا ما كانت النجاسة في غيره، فإذا كانت في المخرج لها أحكام تخصها، وإذا كانت في غيره لها أيضًا أحكام تخصها، هل يجزئ الاستجمار في النجاسة على الظهر؟ ما يجزئ، فأحكام النجاسة في المخرج تختلف عن أحكامها في غيره، فلابد من مراعاة هذا.

وقيل في التيمم لا يصح وجها واحداً لما ذكرنا، وإن كانت النجاسة على غير الفرج فهو كما لو كانت على الفرج، ذكرها ابن عقيل لما ذكرنا من العلة.

قال شيخنا: والأشبه التفريق بينهما كما افترقا في طهارة الماء، ولأن نجاسة الفرج سبب وجوب التيمم فجاز أن يكون بقاؤها مانعًا منه بخلاف سائر النجاسات.

يقول ابن بطال: اختلف العلماء –لا مانع أن نأخذ هذه المسألة باختصار، ثم بعد ذلك نفصلها في الحديث الثاني- يقول ابن بطال: اختلف العلماء في عدد الأحجار، فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه إن اقتصر على دون ثلاثة أحجار مع الإنقاء جاز، مالك وأبو حنيفة.

وقال الشافعي وهو مذهب الحنابلة: لا يجوز الاقتصار على دون ثلاثة أحجار وإن أنقى. وهذا المذهب عند الحنابلة.

قال الخرقي: فإن لم يعدُ مخرجهما أجزأه ثلاثة أحجارٍ إذا أنقى بهن، فإن أنقى بدون الثلاث لم يجزه حتى يأتي بالعدد، وإن لم ينقِ بالثلاثة زاد حتى ينقي.

وقال شيخ الإسلام –رحمه الله-: فإذا استنجى بالأحجار عليه أن يستنجي بثلاثة منها وإن حصل إنقاء بأقل منها، يعني: لابد من الثلاثة.

المقدم: الطرف طويل ممكن نأخذ اليوم أو..؟

قصير.

المقدم: يا ليت نأخذ يا شيخ والله.

هذا الحديث خرجه الإمام البخاري في موضعين:

الأول هنا في كتاب الوضوء، باب الاستنجاء بالحجارة، قال-رحمه الله-: حدثنا أحمد بن محمد المكي، قال: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو المكي عن جده عن أبي هريرة، قال: اتبعت النبي –صلى الله عليه وسلم- وخرج لحاجته .. الحديث، وسبق ذكر المناسبة.

والثاني: في كتاب مناقب الأنصار، باب ذكر الجن، وقول الله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن:1] يعني: المناسبة بين الباب والكتاب.

المقدم: بعيدة.

كتاب مناقب الأنصار وذكر الجن، ذكر الجن تقدم في بدء الخلق.

المقدم: مناقب الأنصار الحديث ظاهر.

وجه الظهور؟

المقدم: ابن مسعود، خدمة النبي –صلى الله عليه وسلم- منقبة كبيرة.

الأنصاري، ليس بأنصاري، في هذا الباب في المناقب وأحاديث الأنبياء ابن حجر كأنه يشكك في ترتيب، الترتيب، حتى أنه في الباب السابع عشر من أحاديث الأنبياء تأخر عن موضعه إلى ثلاثين باب، وترتيب الأنبياء معروف، والبخاري ماشي على التاريخ، لكن ذكر قوم عاد أُخِّر عن كثير من الأمم التي بعدها، فيقول ابن حجر في فتح الباري: لعل النسخة التي وقعت لابن عساكر يقول كانت غير مجلدة، فاختل ترتيب ورقها، وإلا هناك في أحد الأنبياء.. الخلل ظاهر في الترتيب.

قال –رحمه الله-: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني جدي عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنه كان يحمل مع النبي –صلى الله عليه وسلم- إداوة لوضوئه وحاجته، فذكر الحديث، وفيه: حتى إذا فرغ مشيت معه. فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: «هما من طعام الجن» الحديث، ومناسبة الحديث الترجمة ظاهرة من قوله: «هما من طعام الجن» لأن الترجمة في باب ذكر الجن، والله أعلم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم.

أيها الإخوة والأخوات، نصل وإياكم بهذا إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم إن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة وأنتم على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.