كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 25

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي- يرحمه الله تعالى- في محرره:

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن أم حبيبة بنت جحش شكت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدم فقال لها: «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي، فكانت تغتسل لكل صلاة»، رواه مسلم."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن أم حبيبة بنت جحش" أخت زينب أم المؤمنين وأخت حمنة وعرفنا سابقًا أنهن مبتليات بالاستحاضة على خلاف في زينب يأتي الإشارة إلى شيء منه في الحديث اللاحق، وسبق في نظم السيوطي أن المستحاضات ست، فعد الثلاث من بنات جحش بمن فيهن زينب أن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف شكت قالوا: الشكوى هي الإخبار بما يؤلم الإنسان نفسيًّا أو جسديًّا وهي جائزة ما لم يصحبها تسخُّط وعدم صبر على ما قدر الله -جل وعلا-.

 "شكت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدم" يعني كثرة الدم "فقال لها -عليه الصلاة والسلام-: «امكثي قدر ما كانت تحبسك امكثي قدر ما كانت تحبسك»فدل على أنها معتادة؛ لأنها كانت تحبس قبل الاستحاضة، يعني تحيض قبل الاستحاضة، فهذه معتادة ترد إلى عادتها، ترد إلى عادتها بخلاف حمنة في الحديث السابق حيث ردها إلى التمييز فقال: «إن دم الحيض أسود يعرف»، فالمعتادة ترد إلى عادتها وغير المعتادة ترد إلى التمييز، فإن لم يكن تمييز فتجلس غالب الحيض بالنسبة لنسائها ستة أو سبعة على ما تقدم.

 «قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي» بعد انتهاء مدتها بعد انتهاء مدتها، "فكانت تغتسل عند كل صلاة"، وهذا اجتهاد منها، تغتسل عند كل صلاة، هنا قال: ثم اغتسلي، يعني بعد انتهاء المدة فكانت اجتهادًا منها، تغتسل عند كل صلاة دون أمر منه -عليه الصلاة والسلام-، وإنما أرشد أختها حمنة إلى الغسل أرشدها إلى ذلك، فكأنها استفادت ذلك من أختها وإلا فالأمر بالاغتسال إنما يكون عند انقضاء الحيضة سواء كانت بالعادة أو بالتمييز أو بالرجوع إلى غالب حال النساء.

 "رواه مسلم"، وفي رواية للبخاري: «وتوضئي لكل صلاة وتوضئي لكل صلاة» هذا بالنسبة للمستحاضة، ومن حدثه دائم مثل هذا يتوضأ لكل صلاة؛ لأنه يخرج منه ما يبطل الوضوء يخرج منه باستمرار ما ينقض الطهارة، فعلى هذا يتوضأ لكل صلاة، ثم بعد ذلك يصلي بعد أن يتوضأ، ويعمل الاحتياط اللازم المانع لانتشار النجاسة إلى البدن والثياب يتحفظ سواء كان رجلاً به سلس أو امرأة تستحاض ولديها نزيف، أو ما أشبه ذلك، تتحفظ تتحفظ ثم تصلي ولو كان الدم يخرج منها ولو كان المذي أو البول يخرج منه أو كانت الريح تخرج منه إذا كان لا يقف، أما إذا كان تعود أن له وقتًا يقف فيه، فيستغل هذا الوقت، ويصلي فيه في أثناء الوقت ولو أدى ذلك إلى تأخير الصلاة، ولو أدى ذلك إلى ترك الجماعة؛ لأن الطهارة شرط، والصلاة مع الجماعة واجبة على أن تظهر عليه علامات الصدق؛ لئلا يتذرع بهذا، فيترك الجماعة ويقول ما يقول إذا ظهرت أمارات صدقه عليه أن يفعل مثل هذا ولو أدى ذلك إلى ترك الجماعة قال بعد ذلك.

"وقال -رحمه الله-: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: اعتكفت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من أزواجه وهي مستحاضة، فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي، رواه البخاري وأبو داود.

 وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا، رواه البخاري وأبو داود، وليس في رواية البخاري: بعد الطهر، ورواه الحاكم مثل رواية أبي داود، وقال: على شرطهما."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: اعتكفت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من أزواجه اعتكفت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من أزواجه".

 يقول ابن الجوزي: ما عرفنا من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من كانت مستحاضة ما عرفنا من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من كانت مستحاضة، وهذا الحديث في البخاري قال: والظاهر أن عائشة -رضي الله عنها- أشارت بقولها: من نسائه، يعني كأن عائشة قالت: من نسائه، والرواية تجوز بالمعنى فرواه بعضهم على هذا اللفظ من أزواجه، يعني الأصل من نسائه، ثم روي بالمعنى فقيل: من أزواجه، يقول ابن الجوزي: ما عرفنا من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من كانت مستحاضة، والظاهر أن عائشة- رضي الله عنها- أشارت بقولها: من نسائه أي من النساء المتعلقات به، وهي أم حبيبة بنت جحش، وإذا فتحنا باب الاحتمال قلنا: إن عائشة ما قالت لا من أزواجه ولا من نسائه، وإنما قالت: اعتكفت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم حبيبة ولم تقل: بنت جحش، فظن الراوي أنها زوجته، فرواه على المعنى، هذا إذا فتحنا باب الاحتمالات ما تنتهي، فالراوي ظنها أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا إذا فتحنا باب الاحتمال، والأولى ألا يكون للاحتمال أي مدخل ما لم يعضده دليل بأن يرد في رواية أخرى، أما إذا كانت الاحتمالات العقلية المجردة يعني عن الأدلة لا قيمة لها في الأمور الخبرية ولا وزن لها، يقول ابن الجوزي: والظاهر أن عائشة أشارت بقولها: من نسائه أي من نسائه المتعلقات به، وهي أم حبيبة بنت جحش أخت زينب.

 ولكن يرد عليه ما وقع في البخاري في كتاب الاعتكاف بلفظ امرأة مستحاضة من أزواجه، من أزواجه، ووقع في رواية سعيد بن منصور عن عكرمة أن أم سلمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة، أم سلمة من أمهات المؤمنين من أزواجه -عليه الصلاة والسلام- وقع في رواية سعيد بن منصور عن عكرمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة، وهذه الرواية تفيد تعيينها، وقد حكى ابن عبد البر أن بنات جحش الثلاث كن مستحاضات زينب وحمنة وأم حبيبة، ويدل على ذلك ما وقع عند أبي داود عن عائشة أنها قالت: استحيضت زينب بنت جحش وقد عد مغلطاي في المستحاضات سودة بنت زمعة وهي زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن أمهات المؤمنين، وقد روى ذلك أبو داود تعليقًا، وذكر البيهقي أن ابن خزيمة أخرجه موصولاً، فهذه ثلاث مستحاضات من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش وأم سلمة وسودة ثلاث، أما قول ابن الجوزي: ما عرفنا من أزواج النبي- عليه الصلاة والسلام- إذا لم تعرف فقد عرف غيرك إذا لم تعرف أنت فقد عرف غيرك. "اعتكفت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من أزواجه" امرأة فاعل، اعتكفت والفعل اعتكفت اتصلت به اتصلت تاء التأنيث تاء، التأنيث وجوبًا أو جوازًا؟ جوازًا لوجود الفاصل جوازًا؛ لوجود الفاصل لو لم يوجد فاصل، اعتكفت امرأة مؤنث حقيقي يجب اتصاله بالتاء، وإن حكى سيبويه قال فلانة.

 "اعتكفت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من أزواجه وهي مستحاضة" مستحاضة يعني الاستحاضة غير الحيض، هل يمكن أن تعتكف الحائض؟ لا يمكن، لا يمكن أن تعتكف الحائض؛ لأنه لا يجوز دخولها المسجد ولا مكثها فيه.

 "وهي مستحاضة، فكانت ترى الدم والصفرة ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي" تجلس في طست؛ لئلا يخرج هذا الدم منها فيلوث المكان، يلوث المكان.

 "والطست تحتها وهي تصلي، رواه البخاري وأبو داود"، والحديث يدل على جواز مكث المستحاضة في المسجد، وأن المستحاضة يختلف حكمها عن حكم الحائض المستحاضة تمكث في المسجد، ويصح اعتكافها وصلاتها وصيامها، يكره بعض العلماء وطأها إن لم يخش العنت الذي هو الوقوع في المحرم يكرهون المستحاضة، لكن ابن عباس يقول: الصلاة أعظم، يعني مادامت تصلي فما دونها أسهل الصلاة أعظم، يعني يدل على جواز وطئها من غير كراهة، نعم إن كان هذا يضر من الناحية الطبية يمنع للضرر، لكن إذا كان لا يضر فمادامت الصلاة صحيحة فلا مانع حينئذ من وطئها على كلام ابن عباس، وجواز حدثها في المسجد، جواز حدثها في المسجد الحدث الدائم الذي هو استرسال الدم منها، هذا عند أمن التلويث، عند أمن التلويث، إذا أمنت من تلويث المسجد، لكن إذا بحثت عن طست ما وجدت بحثت عن شيء يحول دون تلويث المسجد فما وجدت مثل هذه لا يجوز لها أن تمكث في المسجد؛ لأنها تنجسه وجوازها حدثها في المسجد عند أمن التلويث، ويلحق بها دائم الحدث، يعني من به سلس بول وسلس ريح، وما أشبه ذلك، ومن به جرح يسيل من به جرح يسيل إذا كان هذا الجرح لا يرقأ، يعني يسيل باستمرار إذا أمكن ألا يؤثر في المسجد، ولا يلوث المسجد فلا مانع من مكثه فيه، وإلا فيخرج عنه الحديث الذي يليه.

 يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "وعن أم عطية" بنت الحارث أو بنت كعب؟ هي نسيبة بنت الحارث أو بنت كعب؟ أيهما؟ منهم من يعتبرهما واحدة، ومنهم من يفرق بينهما. وعلى كل حال هذه أم عطية المشهورة راوية غسل الميت. "قالت" كنا تعني نساء الصحابة النساء الصحابيات كنا لا نعد، يعني لا نعتبر ولا نحسب الكدرة الدم المتكدر الذي هو ليس بخالص، دم خالص ولا الصفرة، يعني شيء يشبه الصديد يميل إلى الصفرة.

 "كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا" يعني شيئًا معتبرًا له أحكام الحيض وإلا فهي شيء بالنسبة لنقض الوضوء؛ لأن كل ما يخرج من المخرج من السبيل.

هذا يقول: سمعت بعض العلماء يقول: إنه يجوز للحائض المكث في المسجد إذا أمنت تلويث المسجد؛ لأن المنع إنما هو للخوف من التلويث، فهل هناك دليل على ذلك؟

جاء في الحديث الصحيح: وليعتزل الحيض المصلى، في حديث أم عطية: أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد، وأمر الحيّض أن يعتزلن المصلى، والمصلى مصلى العيد أحكامه أقل من أحكام المسجد، أقل من أحكام المسجد، وأمرن أن يعتزلن المصلى، وكلام أهل العلم الجمهور حملوه على أنه لا يجوز للمرأة أن تمكث في المصلى والمسجد من باب أولى، وقياسًا على الجنب الذي لا يجوز له إلا مرور، ومنهم من يرى أن المراد بالمصلى الموضع الذي يصلي فيه الناس؛ لئلا تضيق على الناس وهي لا تصلي، فإذا اعتزلت وإن كانت في المصلى لكن بعيدة عن المكان الذي يصلون فيه، ولا شك هذا فيه تكلف، والإشارة إلى أنها تعتزل المصلى لا شك أن فيه إيماءً ودلالة على منعها من دخول المسجد من باب أولى.

يقول: هذا إذا كانت همة طلبة العلم الكبار كما ذكرتم أن يتخلفوا عن الدرس لتغير المكان داخل نفس البلد إيش؟ فيا كمدي على العلم وطلبته وإن كنت لست من أهله ويكفيني حب أهله.

على كل حال مراعاة الظروف والأحوال فيما لا يضر، فيما لا يضر مناسبة، يعني والطلبة الذين لهم عناية واهتمام وعرفوا بشيء من الجد، مراعاتهم أمر مطلوب ما لم يضر بغيرهم، أما إذا ضر بغيرهم، فالمسألة تحتاج إلى موازنة.

قالت: كنا لا نعد الكدرة الدم المتكدر المختلط بغيره والصفرة ما يشبه الصديد بعد الطهر من الحيض شيئًا معتبرًا في الحيض وإلا هي معتبرة من حيث نقض الوضوء.

 "رواه البخاري وأبو داود، وليس في رواية البخاري بعد الطهر، ورواه الحاكم مثل رواية أبي داود وقال: على شرطهما، وقال: على شرطهما".

 المقصود أن هذا القيد بعد الطهر لم يخرَّج في البخاري، لم يذكره البخاري في روايته، وذكره أبو داود والحاكم، فعدول البخاري عن هذه اللفظة هل هو تضعيف أم نقول: المذكور في سنن أبي داود والحاكم هذه زيادة من ثقة يجب قبولها، فتكون حينئذ قيدًا معتبرًا فتكون حينئذ قيدًا معتبرًا، البخاري ليس فيه هذا القيد بعد الطهر هل يتغير الحكم بوجود هذه الكلمة أو هذا القيد أو لا يتغير؟

مقتضى الحديث كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا أنها لا تعد مطلقًا سواء كانت بعد الطهر أو قبل الطهر، قبل الحيض أو بعده في أثنائه، أو قبله أو بعده لا تعد شيئًا، مقتضى هذا؛ لأن عندنا رواية البخاري: كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئًا بدون القيد فهي لا تعد شيئًا مطلقًا لا قبل الحيض ولا في أثنائه ولا بعده، وهذا قول قيل به أنها لا تعد مطلقًا، وهذا انتصر له ابن حزم اعتمادًا على رواية البخاري، وأن الحيض هو الدم، الدم الخالص فقط، ومنهم من يرى أنها إذا اتصلت بالحيض فهي حيض سواء كانت قبله أو بعده أو في أثنائه، هذا يقابل القول الأول، ومنهم من يفرق بين ما إذا كانت قبله متصلة به، وبين ما إذا كانت بعده، فإنها حينئذ لا تُعَدّ.

 أولاً: قول أم عطية: كنا لا نعد، كنا نرى، أو كنا لا نرى، هذا إما أن يضاف إلى زمن النبي- عليه الصلاة والسلام- أو لا يضاف كما هنا، إما أن يقال: كنا لا نرى في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو كنا نرى في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو لا يذكر العهد النبوي، أما إذا قال الصحابي: كنا نرى في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا مرفوع على القول الراجح، وهو قول الجماهير، كنا نعزل والقرآن ينزل، إذا لم يذكر العصر النبوي، إذا لم يذكر العصر النبوي فمثل هذا مختلف فيه، والخلاف فيه قوي؛ لاحتمال أنهم كانوا لا يرونه، أو كانوا يرونه أو كانوا يفعلونه في عهد الخلفاء مثلاً وفي عهد من لا يعد إقراره تشريعًا، أما إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- فتشريع، والخلاف فيه أقوى من الخلاف في التصريح.

 وعلى كل حال قول الصحابي: كنا نرى عند الأكثر مرفوع حكمًا، فقول أم عطية هنا: كنا لا نعد، له حكم الرفع عند الأكثر، إذا قلنا: له حكم الرفع فهذه اللفظة وهذا القيد الذي ذكره أبو داود والحاكم، وأعرض عنه البخاري، لا يخلو إما أن نقول: إن البخاري أعرض عنه تضعيفًا له، أو نقول: إنه عند أبي داود والحاكم زيادة، زيادة من ثقة، فهي مقبولة عند المتأخرين، وعلى ضوء قواعدهم يقبلون الزيادة في مثل هذا، ويجعلونها قيدًا لا بد منه، وأنه يختلف حكم الكدرة والصفرة بعد الطهر عن حكمها قبله وفي أثنائه، والمسألة تبعًا لذلك اختلف فيها هل تعد الكدرة والصفرة من الحيض أو لا تعد؟

عرفنا رأي ابن حزم، وهو أنه لا يرى الحيض إلا الدم الخالص، الأول أنها لا تُعَد شيئًا سواء كانت قبل الحيض أو بعده، وأن الحيض هو الدم الخالص، وإلى هذا ذهب ابن حزم، وهو وجه عند الحنابلة، ذكره شيخ الإسلام، واعتمد هؤلاء على رواية البخاري، على رواية البخاري، والقول الثاني: إن الصفرة والكدرة المتصلة بالحيض، المتصلة بالحيض حيض، بخلاف الكدرة والصفرة التي تسبقه ثم تنقطع ثم يأتي الحيض، والثالث: أن الصفرة والكدرة المتصلة بالحيض في أوله وآخره من الحيض، متصلة يعني قبل الطهر متصلة به قبله وبعده حيض، قبل أن ترى المرأة الطهر، أما إذا رأت الطهر فليس بحيض عملاً بالزيادة، عملاً بالزيادة، أما في أثناء الحيض، يعني جاءها الدم يومًا خالص، ثم انقطع، وبقيت صفرة وكدرة، ثم عاد الدم يومين ثلاثة، ثم انقطع ورأت الطهر، ثم رأت كدرة، فهذا ما فيه إشكال، الذي في أثنائه المعتمد عند أهل العلم أنها من الحيض؛ لأنها ما رأت الطهر النقي ليقال: إنها طهرت، هي ما طهرت، فتكون من الحيض، أما قبله متصلة به في مدته أو بعده قبل رؤية الطهر فهي منه كما لو كانت في أثنائه، أما إذا وقعت بعده بعد أن ترى الطهر فهذه ليست بشيء، وهذا يكاد يكون الاتفاق عليه، ورأي ابن حزم بالنسبة للنساء مريح إذا كان الدم خالصًا تجلس، إذا لم يكن دمًا خالصًا مهما كان فلا تجلس له، ولو كان في أثناء الحيض.

"قال -رحمه الله-: وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحابُ النبي النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [سورة البقرة:222]، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، رواه مسلم."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن اليهود" وهم أتباع موسى -عليه السلام- "كانوا إذا حاضت المرأة فيهم" هجروها، وهم في هذا الباب باب اتقاء النجاسة عندهم تنطع وتشديد، بخلاف النصارى الذين يزاولون النجاسات، الذين يزاولون النجاسات، والأمة -ولله الحمد- وسط بين هؤلاء وهؤلاء، بين تنطع وتشدد اليهود وبين تساهل وتفريط النصارى، أمة وسط، اليهود كانوا إذا حاضت فيهم المرأة كانوا إذا أصابتهم نجاسة قرضوها بالمقراض، لا يطهرها الماء عندهم، وكانت المرأة إذا حاضت فيهم هجروها بالكلية.

 "لم يؤاكلوها"، ولم يجامعوها، ولم يجالسوها في البيوت، "ولم يجامعوها في البيوت" يعني لا يجلسون معها في البيت الذي هي فيه، فسأل النبي، أو "فسأل أصحابُ النبي -صلى الله عليه وسلم- النبيَّ -عليه الصلاة والسلام-، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}" [سورة البقرة:222]، إلى آخر الآية" يعني الآية فيها تأييد لصنيع اليهود أو فيها رد لصنيعهم ونقض له؟ يعني لو وقف الخبر على هذا "كان اليهود إذا حاضت فيهم المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}" [سورة البقرة:222]، يكون مؤيدًا لفعل اليهود أو ردًّا عليهم؟ يعني لو وقف الخبر إلى هذا الحد فما وجه الرد؟

طالب: .......

لا لا، أنا أقول: لو وقف الحد إلى هذا ما فيه غير هذا الكلام، المحيض.

طالب: .......

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [سورة البقرة:222] ما قال: يسألونك عن الحائض، نقول: دعونا من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، يعني لو وقف الحد إلى آخر الآية قد يفهم منه يعني لو وقف الأمر على هذا قد يقول قائل: اعتزلوا النساء في المحيض تأييد لصنيع اليهود، لكن لفظ المحيض هل هو الحائض؟ المحيض مكان الحيض، فاعتزلوا المكان مكان الحيض فقط دون غيره، ففيه رد لصنيع اليهود، إضافة إلى قوله -عليه الصلاة والسلام-: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، اصنعوا كل شيء من الأكل والنوم والمباشرة، فالحديث: اصنعوا افعلوا كل شيء إلا النكاح، والمراد بالنكاح الجماع، وليس المراد به عقد النكاح، «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، هل المراد به العقد على الحائض صحيح أم باطل؟ صحيح، إنما المقصود الجماع، والجماع مجمع عليه، الجماع مجمع على تحريمه، «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، فالحديث يدل على جواز مؤاكلة الحائض ومعاشرتها والنوم معها والمباشرة فيما دون مكان الحيض الذي هو المحيض يقول الترمذي: وهو قول عامة أهل العلم، لم يروا بمؤاكلة الحائض بأسًا، وقال ابن سيد الناس في شرحه: وهذا مما أجمع الناس عليه، وهذا مما أجمع الناس عليه، وهكذا نقل الإجماع محمد بن جرير الطبري.

 وأما قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [سورة البقرة:222] فالمراد اعتزلوا وطأهن، اعتزلوا وطأهن، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- بناءً على فهمه من هذه الآية: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، كل شيء إلا النكاح، الذي هو الإيلاج في محل المحيض، ولا يراد بذلك عقد النكاح.

 وليس في الحديث أمر بالاتزار، لكنه أفضل، الأمر بالاتزار أفضل لا على سبيل الإلزام؛ لأنه لم يكن في الحديث أمر، أفضل لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الآتي، لماذا؟ لأنه حول الحمى، فيخشى أن يقارف المحرم، يخشى أن تغلبه نفسه فيرتكب ما حرم الله عليه أو يرى منها ما يكرهها بسببه، فيقع في قلبه نفرة منها، أو ما أشبه ذلك، على كل حال الاتزار أحوط، ولذا جاء الحديث الذي يليه يأمرها -عليه الصلاة والسلام- فتتزر.

"وقال -رحمه الله-: وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: كنت أغتسل أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد كلانا، وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض، متفق عليه، واللفظ للبخاري."

نعم، يقول الإمام -رحمه الله تعالى- المؤلف: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت" الحديث السابق مطلق، ما فيه أمر بالاتزار، وعلى هذا يجوز مباشرة الحائض دون اتزار، إلا أنه أفضل كما ذكرنا سابقًان ولذا أردفه بالحديث الذي يليه حديث عائشة "وعن عائشة -رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد"، وهكذا جرت عادتهم كما جاء في الحديث الآخر: كان الرجال والنساء على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضؤون أو يتطهرون جميعًا، ويغتسلون جميعًا، الرجال والنساء يغتسلون جميعًا، وهذا كما قررنا في وقته أنه من مقابلة الجمع بالجمع، مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفرادًا أو آحادًا، بمعنى أن الرجال والنساء كل رجل مع زوجته، كل رجل مع زوجته، كما يقال: ركب القومُ دوابهم، ركب القوم دوابهم، يعني كل واحد منهم ركب دابته، لا يعني أنهم اجتمعوا على دابة واحدة، أو أنهم اختلطوا كل يركب ما شاء، لا، كانوا يغتسلون الرجال والنساء جميعًا، يعني كل رجل معه زوجته، يغتسل مع زوجته. ولذا قالت عائشة: "كنت أغتسل أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد".

 كنت أغتسل اسم كان التاء، وجوابها خبرها أغتسل، الجملة أغتسل أنا والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، النبي معطوف على ضمير الرفع المتصل، ولذا وجب ذكر الضمير المنفصل؛ للعطف، ليعطف على ضمير الرفع المتصل، لا بد من الفصل إما بضمير الرفع المنفصل، أو بغيره أو بفاصل ما.

وإن على ضمير رفع متصل

 

عطفت فافصل بالضمير المنفصل

كما هنا.

أو فصال ما وبلا فصل يرد

 

ففي النظم فاشيًا وضعفه اعتقد

"كنت أغتسل أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد"، وتختلف أيديهم ويقول: «دعي لي»، وتقول: دع لي، ومثل هذا لا إشكال فيه الرجل مع زوجته يجوز أن يرى منها كل شيء، وترى منه كل شيء، لا إشكال فيه.

 الأعرابي الذي سمع مثل هذا الكلام، أعرابي سمع إمام مسجد يحدث بمثل هذا الحديث، النبي- عليه الصلاة والسلام- يغتسل مع عائشة، تختلف أيديهم في الإناء ويقول: «دعي لي»، وتقول: دع لي، أعرابي ما يستوعب مثل هذا الكلام، ويظن أن هذا إظهاره على الملأ والتحدث به فضيحة، فضيحة، المفترض أن مثل هذا الكلام يستر، وهذا جاهل مركب، ما يفهم، ما يعرف ما الأحكام المرتبة على مثل هذه الأحاديث، ويرمي الصحابي بأنه يفضي بسر النبي -عليه الصلاة والسلام- مع زوجته، ويتهم الإمام الذي يحدث بهذا الكلام.

 المقصود أن هذا سببه، ومرده الجهل، وإلا لو عرف الأحكام المرتبة على هذا ما قال مثل هذا الكلام، في كلام أداه على طريقته وعلى سجيته وعلى فطرته، لكنه جاهل، وعذره أنه جاهل.

"من إناء واحد كلانا جنب، كلانا جنب" وجنب يطلق على الواحد، وعلى الجمع، وعلى المثنى بلفظ واحد، {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ} [سورة المائدة:6].

 "وكان يأمرني -عليه الصلاة والسلام- فأتزر" يعني ألبس الإزار، الإزار الذي يستر النصف الأسفل من البدن، هذا هو الإزار، بخلاف الرداء، فأتزر، فيباشرني، المباشرة معروف أنها ما دون الجماع من التقاء البشرتين، ما دون الجماع، يعني التقبيل فما فوق، لكنه دون الجماع، وهي مأخوذة من التقاء البشرتين سميت مباشرة مفاعلة.

 "فيباشرني وأنا حائض" والحال أنها حائض، وفي هذا الصراحة، صراحة النساء، نساء الصحابة ومثل هذا لا يعد خارمًا للحياء، مثل هذا لا يعد خارمًا للحياء، لماذا؟

لأنه يترتب عليه حكم شرعي، ونعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين، وهذا من الفقه أن يذكر ما يحتاج إليه وإلا بعض الألفاظ لا شك أنها إذا كان لا داعي لذكرها، فالرجل مطالَب بالكناية عنها فضلاً عن المرأة، أما إذا تعيَّن ذكرها، وأن الحكم لا يبين إلا بالتصريح بها فلا مندوحة عن ذلك للمصلحة الراجحة فيباشرني وأنا حائض، منهم من يمنع ما حول الحمى من الأفخاذ احتياطًا، ومنهم من يبيح ذلك، والمسألة معروفة عند أهل العلم، والحرام هو موضع المحيض، وما عدا ذلك إن كان من باب الاحتياط وإلا فلا مانع لمن قوي على نفسه وملكها ألا يقع في الحرام.

 "وكان يخرج رأسها إليَّ، وكان يخرج رأسه إليَّ وهو معتكف" فخروج بعض بدن المعتكف لا يخرجه عن مسمى الاعتكاف البدن كله في المسجد والرأس خارج المسجد، هذا لا يخل بالاعتكاف، لكن ليس معنى هذا أن المعتكف يضع بساطًا عند باب المسجد وجسده في المسجد باستمرار ورأسه خارج المسجد لينظر الرائح والغادي والراجع، ويناظر الناس ذاهبين جائين، لا؛ لأن هذا ينافي مقتضى الاعتكاف، ما معنى الاعتكاف؟

الاعتكاف لزوم المسجد للطاعة، لكن هذا أمر يسير وللحاجة، ولا يخرجه عن مسمى الاعتكاف لوجود الحاجة؛ لأنه قد يقول قائل: أنا والله أعتكف، لكن ما أصبر ما أحجر نفسي بهذه الأبواب وبهذه الجدران، سأنظر على الذاهب والجائي. نقول: هذا ينافي مقتضى الاعتكاف، يقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- يخرج رأسه لعائشة، أنا سأخرج رأسي، نقول: هذه مدة يسيرة، ولحاجة، إن دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس، لكن يكون ديدنك رأسك في الشارع يمينًا وشمالًا وتلتفت، والذاهب والجائي هذا ينافي مقتضى الاعتكاف.

 "وكان يخرج رأسه إليَّ وهو معتكف" جملة حالية، "فأغسله وأنا حائض"، فدل على طهارة بدن المرأة وأن ما تمسه المرأة بيدها ولو كانت رطبة فإنه لا ينجس؛ لأن بدنها طاهر، بدنها طاهر.

 "متفق عليه، واللفظ للبخاري".

"قال -رحمه الله-: وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: «يتصدق بدينار أو نصف دينار»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي والحاكم وصححه، وقال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة قال: دينار، أو نصف دينار، وربما لم يرفعه شعبة، وقال ابن السكن: هذا حديث مختلف في إسناده ولفظه، ولا يصح مرفوعًا، وخالفه ابن القطان، وصحح الحديث وقد وهم من حكى الاتفاق على ضعفه، وقال ابن مهدي: قيل لشعبة: إنك كنت ترفعه، قال: إني كنت مجنونًا فصححت."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: «يتصدق بدينار أو نصف دينار»  هذا الحديث مما طال فيه الاختلاف بين أهل العلم، واختُلف في رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ووقفه على ابن عباس، وضعَّفه جمع غفير من أهل العلم، ضعفوا رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا: هو اجتهاد من ابن عباس، يعني مثل اجتهاده في قوله: من ترك نسكًا فليرق دمًا، والعلماء اعتمدوا هذا القول باعتبار أنه حكم شرعي، لا يمكن أن يقوله ابن عباس من تلقاء نفسه إلا وقد اعتمد فيه على شيء، ولا يمكن أن يُلزِم ابن عباس الناس بغير ملزِم.

 على كل حال جمع غفير من أهل العلم رأوا أنه موقوف على ابن عباس، وصححه آخرون مرفوعًا، ونقل النووي في المجموع الاتفاق على ضعفه، لكن هذا الاتفاق منقوض، منقوض، فقد صححه جمع من أهل العلم.

طالب:.........

 الحديث لا مانع من أن نقرأ التخريج، وإن كان فيه طول؛ للحاجة إليه.

 الحديث مخرج عند أبي داود والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي وابن الجارود والدارمي والخطيب وابن أبي شيبة وجمع غفير من أهل العلم، فهو موجود في كثير من دواوين الإسلام، ولا يوجد في الصحيحين، ولا في أحدهما، ولكنه موجود في غيرهما من دواوين الإسلام، مروي من طريق وهب بن جرير، ومن طريق ابن أبي عدي، ومن طريق سعيد بن عامر، ومن طرق كثيرة عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس، جمع ستة أو أكثر من ستة يروونه عن شعبة أمير المؤمنين في الحديث، عن الحكم بن عتيبة ثقة ثبت، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن اختُلف فيه على ما سيأتي هل هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أو غيره، إن كان عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فهو معتمد في الصحيحين وغيرهما، فهو ثقة، عن مقسم عن ابن عباس به.

 وعلى هذا، فالإسناد صحيح، ولذا قال الألباني في إرواء الغليل- رحمه الله-: وهذا سند صحيح على شرط البخاري، صحيح على شرط البخاري، ويقول ابن القطان في بيان الوهم والإيهام: فأما طريق أبي داود هذا فصحيح، فإن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب اعتمده أهل الصحيح؛ منهم: البخاري ومسلم، ووثقه النسائي والعجلي، وفيه كلام طويل.

 لكن منهم من تكلم في مسألة معارَضة المرفوع للموقوف، ولعله من كلام ابن القطان، هذا كأنه من كلام ابن القطان، يقول: وهَبْ أن أوثق أهل الأرض خالف فيه، خالف شعبة في رفعه، وهب أن أوثق أهل الأرض خالفه فيه فوقفه على ابن عباس، كان ماذا؟ أليس إذا روى الصحابي حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يجوز له، بل يجب عليه أن يقلِّد مقتضاه فيفتي فيه؟ هذا قوة للخبر، لا توهين له، لكن هل هذا مطَّرِد يقول الصحابي إذا سمع خبرًا من النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه أن يعتمده، فإن رواه يعني في باب الرواية وفي مجال الرواية يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعليه أن يعمل بمقتضاه، ويفتي به، فإذا سئل عن حكم المسألة أجاب بما يدل عليه الحديث مسندًا ذلك إلى نفسه.

 يقول: وهب أن أوثق أهل الأرض خالفه فيه فوقفه على ابن عباس، كان ماذا؟ أليس إذا روى الصحابي حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يجوز له، بل يجب عليه أن يقلد مقتضاه فيفتي فيه؟ هذا قوة للخبر لا توهين له، لكن هل هذا الكلام يقبل على إطلاقه؟

 ما يقبل على إطلاقه، وإلا للزم عليه أن نرجح الرفع مطلقًا، لزم عليه أن نرجح الرفع مطلقًا، بل لزم عليه ألا نذكر مثل هذا الخلاف أبدًا، بل نجعل الموقوف يعضد المرفوع، ولا نجعله اختلافًا.

 يقول: ونقل هذا كله الإمام ابن دقيق العيد في الإمام في معرفة أحاديث الأحكام وأقره، وقال الإمام ابن قيم الجوزية في تهذيب سنن أبي داود: قول أبي داود يدل على تصحيحه للحديث، وقد حكم أبو عبد الله الحاكم بصحته، وأخرجه في مستدركه وصححه ابن القطان أيضًا، فإن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب أخرجا له في الصحيحين، ووثقه النسائي، وأما مقسم فاحتج به البخاري في صحيحه، وقال فيه أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به، وأما محمد بن حزم فإنه أعل الحديث بمقسم وضعفه، وهو تعليل فاسد، فإن علته المؤثرة الوقف لا مقسم؛ لأن مقسمًا احتج به البخاري وقال ابن دقيق العيد في الإمام بعد أن قوى هذه الطريق: وعبد الحميد هذا هو عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب كان عاملاً لعمر بن عبد العزيز على الكوفة، وقد أخرج له الشيخان في مواضع.

 قالوا: وهذا يرد على الحاكم في المستدرك حينما قال عنه: إنه الجزري، عبد الحميد بن عبد الرحمن الجزري؛ لأن الجزري ضعيف، فخلط بين الاثنين، وطول الكلام في تصحيح الحديث وذكر طرقه ومن صححه، وعلى كل حال يبقى الاختلاف في حكمه، يبقى الاختلاف في حكمه، وأن الجمهور على تضعيفه الجمهور على تضعيف الخبر مرفوعًا، وصححه من صححه يقول في الرجل يأتي امرأته "في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: «يتصدق بدينار أو نصف دينار»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي والحاكم وصححه، وقال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة قال: دينار، أو نصف دينار، وربما لم يرفعه شعبة، وقال ابن السكن هذا حديث مختلف في إسناده ولفظه، ولا يصح مرفوعًا، وخالفه ابن القطان فصحح الحديث" على ما تقدم ذكره.

 "وقد وهم من حكى الاتفاق على ضعفه"، وهو النووي في المجموع، "وقال ابن مهدي: قيل لشعبة: إنك ترفعه، فقال: إني كنت مجنونًا فصححت" ما معنى هذا الكلام؟ إنك كنت ترفعه، فقال: إني كنت مجنونًا فصححت، يعني كنت مجنونًا فرفعته ثم صححت وأفقت من جنوني فوقفته، أو العكس، إذا نظرنا إلى إنك كنت ترفعه فقال: إني كنت مجنونًا فرفعته، على هذا لما صح فصححت يعني أفاق من جنونه، ماذا حصل له؟ وقفه، هذا ظاهر العبارة، هذا ظاهر العبارة، وإن كان المرجح عند كثير من أهل العلم عن شعبة الرفع، المرجح عنه الرفع، ويبقى الاختلاف في الحديث، فمن صححه له وجه، ومن ضعفه له وجه، ومع هذا الاختلاف الذي يصعب فيه الترجيح ماذا نقول عن مدلوله الحديث؟

 اختلف في ثبوته؛ فصححه ابن القطان وابن دقيق العيد وابن القيم والشيخ أحمد شاكر والألباني وجمع من أهل العلم، وضعفه آخرون، ولذا قال الشافعي: لو ثبت لأخذت به، لو ثبت لأخذت به، ولا شك أن الاختلاف والاضطراب فيه كثير.

 وقد ذهب إلى كفارة وطء الحائض الحسن وسعيد بن المسيب، الحسن البصري وسعيد بن المسيب، لكن قالا: الكفارة عتق رقبة، عتق رقبة قياسًا على الجماع في نهار رمضان، يعني قالا بالكفارة، لكن الكفارة على غير ما يدل عليه هذا الخبر، إنما هي عتق رقبة قياسًا على من يجامع في نهار رمضان، وقال غيرهما: بل يتصدق بدينار أو نصف دينار؛ عملاً بالحديث، عملاً بالحديث، هذا بالنسبة لمن يقول بالكفارة، وقال الخطابي: قال أكثر أهل العلم لا شيء عليه، قال الخطابي: قال أكثر أهل العلم لا شيء عليه، عليه التوبة والاستغفار، هذا إجماع؛ لأنه ارتكب معصية محرمًا متفق عليه، يعني وطء الحائض حرام بالإجماع، دل عليه الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، لكن قولهم: لا شيء عليه، يعني لا شيء عليه من الكفارات، وإنما عليه التوبة والاستغفار، يقول الخطابي: قال أكثر أهل العلم: لا شيء عليه، ما قالوا: لا شيء فيه لا، هو حرام، لكن لا شيء عليه من الكفارات، وزعموا أن الحديث موقوف، اجتهاد من ابن عباس، وقال ابن عبد البر: حجة من لم يوجِب الكفارة اضطراب الحديث، اضطراب الحديث، والأصل براءة الذمة، هذا كلام ابن عبد البر- رحمه الله-، والأصل براءة الذمة، ولا يجب أن يُثبَت فيها شيء لمسكين ولا لغيره إلا بدليل لا مدفع فيه ولا مطعن عليه، وذلك معدوم في هذه المسألة.

 أما من صحح الحديث انتهى كلامه، وذلك معدوم في هذه المسألة، انتهى كلامه. أقول أما من صحح الحديث فلا عذر له عن العمل به، فلا عذر له عن العمل به، الخلاصة أن الإلزام بالكفارة مع الكلام الكثير في كلام أهل العلم الكثير في هذا الحديث الإلزام بالكفارة مع ما في الحديث من ضعف واختلاف كبير، والأصل براءة الذمة لا وجه له، لكن لو نُصح من وقع منه هذا ونظر في ظرفه وقيل: إن كان لا يشق عليك أن تتصدق بدينار أو نصفه فهو يرجى أن يكفر الله عنك به، فهذا فالأولى أن ينصح بالكفارة لا على سبيل الإلزام؛ للخلاف المذكور في الحديث.

 أيضًا لفظ الحديث يتصدق، هل فيه ما يوحي بالإلزام أو شأن هذا شأن سائر الكفارات وجميعها واجبة التي تقع في مقابل محرم يتصدق بدينار أو نصفه، وهل أو هذه للتخيير كما يقول بعضهم: أو للتقسيم أو للتقسيم باعتبار الواطئ، وباعتبار الموطوء للتقسيم، يتصدق بدينار إن كان غنيًّا قد وسع الله عليه، أو يتصدق بنصف دينار، إن كانت حاله أقل من ذلك، ومنهم من ينظر إلى الموطوء، فإن كان في شدة الحيض وفورته يتصدق بدينار، وإن كان في ضعفه وأواخره يتصدق بنصف دينار.

 وعلى كل حال الإلزام ليس بوارد مع الخلاف الكبير في ثبوت الحديث، وأما كون من وقع منه شيء من ذلك ينصح بمثل هذا، وإذا كانت ظروفه تسمح من غير أن يتضرر فيُرجى أن يكفر عنه بهذا مع إلزامه بالتوبة والاستغفار.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"