شرح منتهى الإرادات (11)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندنا درس اليوم الآنية.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.

باب الآنية الأوعية.

 ويحرم اتخاذها واستعمالها من ذهب وفضة وعظم آدمي وجلده، حتى الميل ونحوه وعلى أنثى، وتصح طهارة من إناء من ذلك ومغصوب أو ثمنه محرم، وفيه وإليه، ومموه ومطلي ومطعم ومكثة كمصمت، وكذا مضبب لا بيسيرةٍ عرفًا من فضة لحاجة، وهي أن يتعلق بها غرض غير زينة ولو وجد غيرها، وتكره مباشرتها بلا حاجة، وكل طاهر من غير ذلك مباح ولو ثمينًا، وما لم تعلم نجاسته من كفارٍ، ولو لم تحل ذبيحتهم، وثيابهم ولو وليت عوراتهم، وكذا من لابس النجاسة كثيرًا طاهر مباح، ويباح دبغ جلد نجس بموت واستعماله بعده، ومنخل من شعر نجس في يابس ولا يطهر به، ولا جلد غير مأكول بزكاة، ولبن وإنفحة وجلدتها وعظم وقرن وظفر وعصب وحافر من ميتة نجس لا صوف وشعر وريش ووبر من طاهر فيه حياة، ولا باطن بيضة مأكول صلب قشرها، وما أُبين من حي فكميتته، وسن تخمير آنية، وإيتاء أسقية.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب الآنية الأوعية.

باب الآنية الأوعية، وغيره يقول: باب الآنية، و(باب) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا باب، باب مقطوع عن الإضافة هنا، وغيره يضيف، وعرفنا فيما تقدم أن الباب يُطلق في الأصل على ما يدخل منه ويخرج منه أيضًا، ويطلقه أهل العلم على ما يضم الفصول والمسائل إطلاقًا حقيقيًّا من باب الحقيقة العرفية والاصطلاح الخاص.

 ومناسبة هذا الباب؛ لأن الآنية تستعمل استعمالات كثيرة، يناسبها كتاب الأطعمة مثلًا؛ لأن الطعام لا يثبت من دون إناء، فوُضع هنا؛ لأن الماء لا يستغني بحال عن الإناء، فلما ذكر الماء ذكر ظرفه الماء لا يستقل بنفسه لابد له من إناء، والحاجة داعية إلى الكلام عن الإناء؛ لاحتياج الماء الذي تقدم الكلام فيه إليه.

يقول: الآنية الأوعية.

الأنية هي الأوعية لغةً وعرفًا وشرعًا، تضافرت عليها الحقائق الثلاث اللغوية، والعرفية، والشرعية. قد يطلق الوعاء إطلاقًا معنويًّا فيقال: فلان من أوعية العلم، هذا إطلاق معنوي باعتبار أنه من حملته وفي جوفه العلم، وبطن المرأة وعاء لولدها لجنينها، وهو وعاء وظرف حقيقي، تقول: الحمل في البطن، ففي هذه للظرفية.

يقول -رحمه الله تعالى-: ويحرم اتخاذها واستعمالها من ذهب وفضة.

 يحرم اتخاذها يعني الآنية، ويحرم استعمالها من ذهب وفضة الاستعمال الخاص والاستعمال العام، والاتخاذ أعم من ذلك. عندنا استعمال خاص في الأكل والشرب الذي جاء به النص، هذا استعمال خاص وجاء فيه حديث حذيفة مرفوعًا: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» فالاستعمال خاص في الأكل والشرب، وأيضًا من حديث أم سلمة: «الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نارَ جهنم» أو «نارُ جهنم» على اختلاف الضبطين، هذا استعمال خاص، وهو الذي ورد فيه النص، وقد انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة.

الاستعمال العام الذي جزم بتحريمه المؤلف يقول: حتى الميل يعني ميل المكحلة والدواة والقلم والكرسي والسرير وغير ذلك، يحرم سائر الاستعمالات، والاتخاذ أعم بأن تتخذ على هيئة الآنية من الذهب والفضة ولو لم تستعمل، يعني لمجرد الزينة، فإذا جاء المنع من خاص لخاص فهل يتناول هذا المنع ما هو أعم منه وإن كان في دائرة الخصوص أو لا؟ إذا جاء النص وقد جاء بتحريم الأكل والشرب فهل يسري هذا إلى سائر الاستعمالات أو نقف على النص؟ وإذا أبحنا سائر الاستعمالات أبحنا مجرد الاتخاذ يعني من باب أولى.

النووي يقول: انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة. تحريم الاستعمال في غير الأكل والشرب نقل عليه الإجماع، نقل عليه الإجماع أيضًا، لماذا؟ من باب قياس الأولى؛ لأنه إذا حرم الأكل والشرب مع أن الحاجة داعية إلى ذلك، حرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة مع أن الحاجة قد تدعو إلى ذلك فلن يحرم غيرها من باب أولى، وبهذا قال جمهور أهل العلم، بل الجماهير، بل نقل عليه الإجماع، نقل عليه الاتفاق.

الصنعاني في سبل السلام يقول: الحق ما ذهب إليه القائل بعدم تحريم غير الأكل والشرب فيهما؛ إذ هو الثابت بالنص، ودعوى الإجماع غير صحيحة. يقول: وهذا من شؤم تبديل اللفظ النبوي بغيره، فإنه ورد بتحريم الأكل والشرب فعدلوا عن عبارته إلى الاستعمال وهجروا العبارة النبوية وجاؤوا بلفظ عام من تلقاء أنفسهم، ولها نظائر في عباراتهم.

ما الذي يترتب على قول الصنعاني؟

طالب:................

الشيخ : لا لا، عمومًا نريد عمومًا، يعني لو طردنا كلام الصنعاني.

طالب: إباحة الاتخاذ.

لا، هو ذهب إلى أبعد من ذلك، قال: ولها نظائر في كلامهم، يعني في جميع أبواب الدين يأتي نص خاص وهو يعمم.

طالب:..................

جمود ظاهرية محضة، وعلى هذا يلغى جميع نظائره في جميع أبواب الدين، ونجمد على ما جاء عليه النص فقط.

هو يظهر من كلامه وهو المعروف من حاله، ومن قبله أهل الظاهر أيضًا العناية بالنصوص وتقدير النصوص وتعظيم النصوص والاهتمام بالنصوص، لكن يبقى أن النصوص هل نصت على جميع المحرمات بالنص بالحرف! أو أن طريقة أهل العلم الأقيسة، إذا اتحدت العلة ووجدت في سائر الاستعمالات، بل قد يقولون: إن وجود العلة في سائر الاستعمالات أظهر، يعني مقتضى كلامه أنك لو تتخذ خفين من ذهب فما فيه إشكال، خفين من ذهب ما فيه شيء، تتخذ نعلين من ذهب ما فيه إشكال، سائر الاستعمالات ما فيها شيء، يعني باستثناء ما يدخل في السرف والتبذير؛ لأنه لو أن الناس اتخذوا هذه عادة، وصار استعماله عرفًا بين الناس والشرع لم يرد به، فما الذي يمنع منه على كلامه هو، لكن الذي يمنع من الشرب في الإناء ألا يمنع الحذاء من باب أولى؟!

طالب: نعم.

أكثر المحرمات في أبواب الدين وما يذكره الفقهاء من فروع في أبواب الدين جلها مبني على الأقيسة، ويستدل لها بعموم العلل، تتناولها النصوص وتشملها بعموم العلة، ولو قلنا بمثل هذا أن المحرمات المنصوص عليها وقلنا: الظاهرية فقط، ما الذي يترتب على هذا؟

قصر الربا في الستة المنصوص عليها، ثم بعد ذلك لا يبقى ربا على وجه الأرض الآن؛ لأن المنصوص عليها لا يتعامل بها الآن، وقل مثل هذا كثير كثير في أبواب الدين.

الصنعاني يعتني بمثل هذا ومثله الشوكاني وصديق، وقبلهم الظاهرية، وهم يقربون من الظاهرية في كثير من التصرفات، ومع ذلك عندهم تعظيم للنصوص لا يشك فيه، لكن ليس معنى هذا أن من قال بالأقيسة وحرم مثل ما عندنا الاستعمال في غير الأكل والشرب، أن هذا لا يعظم النص، يعظم القياس، لا، يعظم القياس المستند على النص، فإذا عظم الفرع كان تعظيمه للأصل أشد، نعم لو وجد قياس يعارضه نص وقدمنا القياس قلنا: لها، هذا من تعظيم الأقيسة وتقديمها على النصوص، مثل هذا نعم يتجه مثل هذا الكلام، والقياس المقابل للنص عند أهل العلم فاسد الاعتبار، لكن القياس الذي يشهد له عموم نص في دخوله، ويشمله عموم العلة إذا توافرت العلة ووجدت العلة فوجودها في الأصل لاشك أن الأقيسة معتبرة وجاءت بها النصوص، وقاس النبي -عليه الصلاة والسلام- استعمل القياس -عليه الصلاة والسلام-.

الرجل الذي جاءه ولد يختلف لونه عنه، ولد أسود، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا؟» قال: أيش؟

طالب:........

هل من أورق هذا الذي يخالفها، لكن ألوانها؟

« نعم حمر. قَالَ: فَهَلْ فِيهَا أَوْرَقُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إن فيها لورقًا، قَالَ: من أين؟، قَالَ: لعله نزعه عِرْقٌ، قَالَ: وابنك لعله من بعض عِرْقٌ»، وهذا قياس.

طالب:...............

وفيه أيضًا الجام الذي باعه معاوية بذهب، وذهب، فانتقده الصحابة.

المقصود أنه يوجد من تصرفات بعض الصحابة شيء يدل على ما قاله الصنعاني، لكن يبقى أن الجادة عند أهل العلم هذه، لا تختلف عندهم في جميع أبواب الدين، أن العلة إذا توافرت في الفرع مثل وجودها في الأصل فهم يقيسون، الصنعاني يقيس، والشوكاني يقيس، لكن المذاهب تختلف في التوسع في القياس، يعني تتفاوت في التوسع في القياس، فمن المذاهب ما يجعل القياس مضطردًا، ويفزع إليه في كل مسألة، ومنهم من يستعمله بقدر الحاجة؛ لأن الأصل معول على النص، ثم إذا احتيج إلى القياس بحيث لا يوجد في المسألة نص يلجأ إليه، مجرد الاتخاذ.

الآن عند الاستعمال قاسوه، عامة أهل العلم قاسوه على الأكل والشرب والاستعمال، لكن مجرد الاتخاذ، عنده أواني ذهب مصفوفة عنده في المجلس، أو عنده أوانٍ من الأنواع المحرمة، أو أعيان نجسة مثلًا أمور ميتة محنطة مثلًا، أو على أشكال الطيور وأشباه الطيور وأشباه الحيوانات مما يضاهي به خلق الله، التصوير مجرد اتخاذ يقول: أنا والله ما صورتها مجرد اتخذت، أنا عندي مجسمات، أنا ما صورت، هذه مجرد اتخاذ، أو عنده طيور أو حيوانات محنطة، وقد جاء النهي عن قتل الحيوان إلا لمأكلة، وأنه لا يجوز قتله بحال إلا من أجل أن يؤكل، ولو كان الغرض صحيحًا، ولو كان في النزع لإراحته أو للإفادة من جلده، هذا نص عليه شيخ الإسلام وغيره، ولو كان في النزع، ما يقتل، بعضهم يقتلونه ويحنطونه إذا زكوه ليطهر، ثم بعد ذلك يتخذونه، أو يبقى ميتًا ويحنّط، فيكون نجسًا. اتخاذ مثل هذه الأمور ما حكمه؟

الآن إذا كانت طبيعية على ما يقولون، طيور وحيوانات طبيعية، لا تخلو إما أن تكون مزكاة أو غير مزكاة، فإن كانت مزكاة فالزكاة تحلها، فهي طاهرة، إن كانت مما يؤكل فهي طاهرة، لكن يبقى أنها قتلت لغير مأكلة، فتمنع من هذه الحيثية، وإن كانت غير مأكولة فالزكاة لا تحلها، فهي نجسة، وأهل العلم لا يرون استعمال النجس إلا في حال الضرورة، يعني إمساك الماء النجس أو التسخين بالنجس، وقد مر بنا. المقصود أن مثل هذا ممنوع عندهم إلا في حال ضرورة أن يطفأ به حريق أو ما أشبه هذا، أو يشربه من لا يجد الماء؛ خشية أن يهلك.

 أما إذا كان من غير الطبيعي صور على هيئة حيوان له روح، فإن هذا يجب تكسيره، لماذا؟ لأن الصور يجب طمسها. حديث أبي الهياج عن علي -رضي الله تعالى عنه-: «ألا أبعثك على ما بعثني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا ترى صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته»، فطمس الصور واجب، وهذه منها، هذه الصور المجسمة هي المجمع عليها.

طالب:...................

لا لا، الأصل أنها لا تذبح إلا للأكل.

طالب:.......................

ماذا تقول؟ يأكل غيره، يأكلها غيره، المهم أنها تذبح للأكل، وهذا أوجبه الشرع؛ لأن هذا واجب شرعي الشرع، عليه أن يذبح.

اختلفوا في العلة التي من أجلها حرِّم الأكل والشرب وسائر الاستعمالات بالإلحاق بالنسبة للذهب والفضة، قالوا: فيه فخر وخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وقيل: السبب في ذلك خشية لتضييق على النقدين، ومنهم من قال: التشبه بالكفار، ومنهم من قال: التشبه بأهل الجنة.

المقصود أن العلل كثيرة ذكروها، لكن العبرة بالنص؛ لأنها علة ليست منصوصة، وأيضًا غير متفق عليها، علل غير منصوصة وغير متفق عليها، وعلى هذا فلا يلحق بالذهب والفضة الجواهر الكريمة ونفائس الأحجار التي تباع بأغلى من الذهب والفضة؛ لأن العلة الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء، لا يلحق بها؛ لأنها غير منصوصة وغير متفق عليها.

قد يقول قائل: إذا لم نلحق بالجواهر ونفائس الأحجار وغيرها بالذهب والفضة، فكيف نلحق سائر الاستعمالات بالأكل والشرب؟ نقول: هو استعمال للذهب والفضة المنصوص عليه، وتلك غير منصوص عليها.

ويحرم اتخاذها واستعمالها من ذهب وفضة وعظم آدمي وجلده.

يحرم اتخاذها يعني اصطناعها على هيئة الأواني، وكذا تحصيلها بنحو شراء من صنعها؛ لأن ما حرم استعماله مطلقًا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي، قد يقول: أنا والله عندي عود لكن لا أستعمله، أريد أن أصنع آلة له ولا أستعملها، أو أتخذها أشتريها ممن صنعها، ولأن الاتخاذ يسهل الاستعمال، أنت اتخذت إناءً، هذا يسهل عليك أن تستعمل هذا الإناء.

كآلة التصوير، ولو غلب على ظنه عدم الاستعمال، مجرد الاتخاذ يسهل الاستعمال، يعني آلات التصوير يتخذها بعض الناس؛ لتصوير مناظر مثلًا، قام برحلة فأعجبه منظر من مناظر الربيع من زهور وورود وأشجار مناظر جميلة وصورها، الأصل هو اتخذ هذه الآلة لهذا، وقد تُتخذ هذه الآلة؛ لما فيها من مميزات لا توجد في غيرها مثل الجوال الذي فيه كاميرا تصوير، قد يقول قائل: إن فيه استعمالات كثيرة لا توجد في غيره مما توجد فيه، يتخذه من أجل هذه الاستعمالات والمزايا التي لا توجد في غيره، لكن اتخاذه يسهل استعماله على الوجه المحرم، فإذا كان في أول الأمر لا يستعمله إلا في تصوير ما لا روح فيه، هذا أصل، هذا أول الأمور، ثم بعد ذلك يرى طفله الصغير على هيئة حسنة أو على وضع مناسب، ثم بعد ذلك تنازعه نفسه في تصويره، ثم بعد ذلك يدخل إلى قلبه التأويل، المسألة خلافية، وهذا حبس ظل، وأفتى فلان وفلان، ثم يصور، ثم بعد ذلك ينفتح الباب.

 لاشك أن مجرد الاتخاذ يسهل ارتكاب المحرم، وهذا ظاهر، الناس قبل أن يعرفوا ما عرفوا من الأمور التي تُستعمل في الأمور المباحة وغيرها، توسعوا، ونازعتهم أنفسهم باستعمالها في الوجه المحرم الذي يعتقدون تحريمه في أول الأمر، فإذا وقعوا فيه بحثوا عن التآويل.

واحد يسأل يقول: يدخل قنوات من أجل الأخبار.

 ما الذي يؤمنك أن تسمع الأخبار من امرأة، وهذا كثير، اللقطات التي ترد في الأخبار من الحوادث فيها النساء، وفيها أمور لا يجوز النظر إليها، وأعرف من سكن في فندق فيه هذه القنوات، فمنَّته نفسه أن يسمع الأخبار، ووضع على الجهاز غطاءً،  شرشفًا، ما يشوف شيئًا، وكأن عنده من يدفعه لنزع هذا الغطاء؛ ليرى ما وراءه؛ لأن النفس مجبولة على حب ما وراء المكشوف، صراع ثم في النهاية يُستدرج، وهذه الأمور يرقق بعضها بعضًا، فإذا وضع الإنسان لنفسه حاجزًا متينًا لا يستطيع تجاوزه، وإلا فليعلم أنه في عصر الفتن الذي نعيش فيه أنه لا يأمن أن يقول في يوم من الأيام ما كان ينتقده من غيره، وأن يسأل ما كان يسخر من فاعله، ولو لم يجرِ بعضها بعضًا، فعلى الإنسان أن يحتاط فيها، وأن يتقي الشبهات.

طالب:..........................

العلة لهم في الدنيا التشبه، العلة التشبه.

طالب:.................

ما معنى لهم؟ يعني تباح لهم؟ هل معنى فإنها لهم في الدنيا أنها تباح لهم! هذا على قول من يقول: إنهم غير مخاطبين بالفروع هذا ظاهر أنها تباح لهم، وأما على القول بأنهم مخاطبون وهو قول الجمهور أنها لا تباح لهم، لكن هذه حكاية واقع، هم يستعملونها، ولا يرون في ذلك شيء، فهم من هذه الحيثية لهم استعمالها ولو كانت على وجه حرام! «وهي لكم في الآخرة»، فليعلم أن من استعمل شيئًا من المحرم في الدنيا فإنه يُحرم منه في الآخرة، من شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة، من سمع الغناء في الدنيا لم يسمع غناء الحور العين، وهكذا.

طالب:..................

أولاً هذا الذي فوقه منعهم من باب منع الإسراف والتبذير، كونك تستعمل جوهرة ثمينة قيمتها ألوف مؤلفة في شيء يقوم مقامه شيء بثمن بخس يسير ولا تعاب في هذا! لا شك أن هذا يدخل في التبذير، منعه من هذه الحيثية.

طالب:..............

النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أهدى عمر وأهداها لأخٍ له؛ لأنه لا يرى في استعمالها شيئًا، وعمر تأول، قال: هذا مشرك، ولا يضر مع الشرك ذنب؟ يعني وجد الأعظم، فتأول هذا التأويل، وإلا فالأصل أن المشرك يُمنع منها أيضًا، ولما أهدى الحرير لمن سجر به التنور.

لمن؟

طالب: ............

لعبد الله بن عمرو، فسجر بها التنور، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنما أهديتها لتكسوها ممن تحل له من النساء».

المقصود أن مثل هذه الأمور على الإنسان أن يتقيها قدر استطاعته، ولا يستعمل منها إلا ما اضطُر إليه، ومثل ما ذكرنا، لا يفتح على نفسه باب التأويلات، وباب المذاهب التي توقعه فيما لا تُحمد عقباه.

طالب:......................

ماذا فيه؟

طالب:......................

ابن القيم ذكره في نونيته ولا يحضرني الدليل، الآن لا يحضرني الدليل ودرجته، لكن ابن القيم جزم به في النونية.

طالب:.....................

هو الظاهر، جاءت فيه النصوص الشديدة التي تدل على أنه من الكبائر، ما المانع؟

طالب:.....................

ما يلزم، ولا فيه نص من أن بعض الذنوب التي ألحقها أهل العلم لما ورد فيها النص على أنها كبيرة، ما يلزم أن يُنص في الحديث أنها كبيرة، لكن إذا انطبقت عليها قاعدة الكبائر صارت كبيرة.

يقول: وعظم آدمي وجلده.

وعظم آدمي وجلده؛ لأنه محترم، لا يجوز أن يُستعمل في هذه الاستعمالات، بل يجب دفنه، وجلده هذا إذا تصورنا أن للآدمي جلد يمكن أن ينفصل عنه بالسلخ، مع أنهم يقولون: إن الآدمي ليس له جلد يمكن سلخه وينفصل عن اللحم، وسبب المنع الحرمة.

(حتى المِيل ونحوه) يعني كالمجمرة والمدخنة والدواة والقلم والمشط وغير ذلك مما يحتاج إليه، بعض المترفين يجعل الملاعق من ذهب، السكاكين من ذهب، والشوك من ذهب، وهذا موجود في بيوت المترفين، وهي تستعمل للأكل، فهي داخلة في النص، لكن إذا قلنا: التشبه بمثل هؤلاء لا يجوز، فهل معنى هذا أن ما كان لونه لون الذهب أو لون الفضة يُمنع للتشبه؟ أو نقول: الأصل الإباحة، وما دام ليس بذهب ولا فضة؛ لأنه يوجد أوانٍ لا يميزها إلا أرباب الذهب والفضة من الصاغة وغيرهم، فهل نقول: هذه تُمنع للتشبه؟ أو لئلا يظن أنها ذهب فيُتهم صاحبها؟

طالب:................

النص على الذهب والفضة، والعلل كلها لا توجد في مثل هذا، لكن التشبه بمن يستعمل الذهب والفضة، وأيضًا قد يُظن به أنه يستعمل الذهب ويُساء به الظن، ويقع الناس في عرضه، وعلى كل حال الأصل الإباحة، لكن يبقى أن أهل التحري يتقون مثل هذا.

طالب:................

هو يُظن أنه ذهب، على كل حال ينبغي أن يُتقى من غير تحريم.

طالب: ................

يوجد نعم من الأقلام مثل الواحد والخمسين وغيره، الريشة التي يُكتب بها قالوا: إن فيها نسبة، نسبة يسيرة من الذهب، وليس المقصود من ذلك التجميل، وإنما المقصود به أن الذهب مناسب جدًّا للكتابة، تسهل فيه الكتابة؛ لنعومته أكثر من المواد الأخرى، على كل حال مثل هذا على المسلم أن يتقيها، وإذا كان شيئًا يسيرًا جدًّا مغمورًا بحيث لا يبين للناظر يتسامح فيه بعض أهل العلم.

طالب:.................

ذهب أم فضة؟

طالب:.................

سيأتي من يباح من الذهب والفضة، إن شاء الله تعالى.

حتى المِيل ونحوه ولو على أنثى.

 ويقول هنا: وعلى أنثى، فيحرم على الأنثى من هذه الأمور ما يحرم على الرجل؛ لأن النساء شقائق الرجال، وعموم النهي الوارد في حديث حذيفة وأم سلمة وغيرهما يشمل الإناث كما يشمل الذكور، ولا يباح للنساء إلا التحلي والتزين؛ لحاجتهن إلى ذلك، وإلا فالأصل المنع، والنساء محل للزينة، فيُباح لهن ما يتزيَّن به.

 قد يقول قائل: إن بعض الناس قد يحتاج إلى بعض المحرمات أكثر من حاجة النساء إلى التزين.

طالب:.................

لا، حاجة، الآن لبس النساء للحلي حاجة أم ضرورة؟ حاجة، قد يحتاج الإنسان إلى بعض الأمور حاجة هو أمس منها إلى حاجة المرأة للتزين للتحلي.

طالب: وهي محرمة بالنص.

وهي محرمة بالنص، المحرم بالنص لا يبيحه إلا الضرورة، لا تبيحه الحاجة، والضرورة ما لا تبقى معه الحياة، ما لم تبقَ الحياة بدونه. المقصود أن مثل هذا لا يُقاس عليه وتبقى الحاجات في مواردها من النصوص، ولو كان تحريم وسائل، إذا كان محرمًا منصوصًا عليه بالنص فلا يبيحه إلا الضرورة، أما إذا كان تحريمه بالأقيسة وبالقواعد العامة وما أشبه ذلك فإنه تبيحه الحاجات.

طالب:...................

الشهادة، أما رؤية المخطوبة فالنصوص تدل عليها.

الآن استخراج أو تثبيت الحق من هذه المرأة واستخراجه منها عند الحاجة واجب أم ليس بواجب؟

 طالب: واجب؟

 واجب، كيف يتم هذا الواجب؟ ويجب أن يقيد أيضًا بأمن الفتنة، المقصود أن هذا الأمور لها ما يحتف بها، فلا يمكن الوصول إلى الواجب إلا به.

طالب:.........................

على كل حال إذا ترتب على العقد والإخلال به أمر محرم أو إخلال بواجب يتسامحون في مثل هذا مع أمن الفتنة، وإلا لو وُجدت الفتنة منعناها من البيع والشراء أيضًا، نفس البيع والشراء تُمنع منه، فضلاً عن كونها تكشف للناس.

(وتصح طهارة من إناء من ذلك) المحرم المذكور من الذهب والفضة وعظم الآدمي وما أشبه ذلك.

تصح طهارة من إناء من ذلك، وتصح أيضًا من إناء مغصوب ونحوه أو إناء ثمنه محرم.

 أو إناء ثمنه محرم مسروق مثلًا، أو ثمن شيء محرم، ثمنه محرم؛ لأنه ثمن لشيءٍ محرم كخمر ونحوه من المحرمات، أو مثل ما يباع الآن في الأسواق من دخان ومجلات محرمة وكتب بدع وما أشبه ذلك، هذا ثمن محرم، لكن لو اشترى به إناءً؟ فرق بين أن يشتري به ماءً وأن يشتري به إناءً، ما حصل هذا الفرق في درس مضى، ما قلنا هذا: يقرب من الغاية، وهذا يبعد عنها، وكلها وسائل؟

تصح طهارة من إناء من ذلك المحرم المذكور ومن إناء مغصوب أو إناء ثمنه محرم.

ثمنه مغضوب مسروق، قيمة سلعة محرمة، الطهارة صحيحة، والإثم عليه، يعني كون العبادة تصح لا يعني أن التحريم يرتفع، لا.

طالب:...............

نعم، ليس بشرط، النهي لم يعد إلى ذات المنهي عنه ولا إلى شرطه ولا إلى جزئه الأقوى كالركن مثلًا، فهذا فيه بعد عن الغاية. عرفنا أن القاعدة أنه إذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه تبطل العبادة، أما إذا عاد إلى أمر خارج فلا تبطل، يعني مثل ما لو صلوا على عمامة حرير أو خاتم ذهب صلاته صحيحة، لكن لو توضأ بماء مغصوب فهذا لا يصح وضوؤه.

 (وفيه) بأن يتخذ هذا الإناء المحرم سواء كان من ذهب أو فضة أو مغصوبًا أو ثمنه محرم، يتخذ إناء بحيث يستطيع أن ينغمس فيه، بشرط أن يكون يسع بما فوق القلتين، يُتخذ إناء كبير مشترى بقيمة محرمة أو مغصوب أو من ذهب أو فضة، ويملأ بالماء فينغمس فيه، الطهارة تتم أو ما تتم، وهو فوق القلتين؟ تتم، تتم الطهارة مع بقاء التحريم.

(وفيه) يجعل ظرفًا للمتوضأ والمغتسل.

(وإليه) يعني يتخذ على نحو طشت يجتمع فيه الماء الذي توضأ منه.

(وبه أيضًا) تصح الطهارة فيه؛ بأن ينغمس فيه وإليه، بأن يجعل يتلقى به الماء المتساقط، (وبه) بأن يغترف به، ويصب على نفسه، كل هذا تصح الطهارة، لكن يبقى الإثم؛ لأنه استعمل ما لا يجوز له استعماله؛ وذلكم لأن النهي عاد إلى أمر خارج.

طالب:................

يغترف منه، وبه يجعله يغترف به ثم يصب على جسده.

أقول: لأن النهي كما قالوا: عائد إلى أمر خارج، فالوضوء استعمال للماء لا للإناء، الوضوء حقيقته استعمال للماء، والإناء ليس شرطًا لصحة الوضوء، الإناء نفسه.

قد يقول قائل: لماذا لا يُقاس الإناء المغصوب على الدار المغصوبة، فلا يصح الوضوء كما لا تصح الصلاة بالدار المغصوبة؟

طال:............................

البقعة شرط، وأيضًا الاستعمال، الاستعمال في الوضوء للماء، والاستعمال في الدار المغصوبة الحركات كلها استعمال لهذا الدار.

طالب:.....................

نقول المسألة ما هي بوفاق، لكن عند الحنابلة روايتان أشهرهما عدم صحة الصلاة في الدار المغصوبة من هذه الحيثية؛ لأن البقعة مشترطة لصحة الصلاة، هل تصح صلاة في الهواء! هم لا يذكرونها هذه الشروط، إنما يذكرون طهارة، لكن من لازم اشتراط طهارتها اشتراطها، من لازم اشترط طهارة البقعة اشتراط البقعة، من لازم اشتراط الحال طهارة المحل، ظاهر أو ما هو بظاهر؟

طالب:....................

كيف يصلي بالهواء؟!

طالب:................

ما يمكن.

طالب:.................

نعم.

طالب:....................

الممنوع لذاته، لو منع الماء مثلاً، ممنوع شرعًا؟ غصب ماءً نقول: يتيمم أو يتوضأ بهذا الماء؟ هذا كالمعدوم شرعًا على ما تقدم، لكن هذا غصب عينًا من الأعيان، غصب إناءً مثلًا ثم باع هذا الإناء ثم اشترى بهذه القيمة إناءً آخر، هذا بعد كل البعد عن الاستعمال للعبادة، في استعماله للعبادة، وعرفنا مرارًا أنه كلما قربت الوسيلة إلى الغاية اتجه المنع، وكلما بعدت بعد المنع.

طالب:....................

هو يستعمل الماء، يستعمل الماء للعبادة، هو يستعمل الماء، المطلوب استعماله الماء، هو المأمور باستعماله، هو ما أُمر شرعًا باستعمال الإناء، هو مأمور شرعًا أن يستعمل الماء، فلا يتجه فيه أمر ونهي في آن واحد، يعني اتجه إليه أمر ونهي، لكن الجهة منفكة، إذا انفكت الجهة صح الفعل، لكن يحرم عليه استعمال ما لا يجوز له استعماله.

طالب:.....................

الماء لا يثبت إلا بإناء، لكن هو مأمور باستعمال، هم كيف ينظرون إلى إبطال؟ وإلا الأصل أن من ارتكب محرمًا وفعل واجبًا عليه إثم المحرم، وله ثواب الواجب، الميزان له كفتان، المحرم يوضع في كفة السيئات، والواجب يوضع في كفة الحسنات، هذا الأصل، لكن إذا اتحدت الجهة، بحيث اتجه الأمر والنهي إلى هذه العين بذاتها، نقول: ما يمكن؛ لأن هذا تناقضًا، كيف تكون هذه العين مأمورًا بها منهيًا عنها؟ لذا مذهب الظاهرية كل شيء فيه نص يدل على المنع يبطل ولو كان من أبعد الأشياء، كل ما نهي يقتضي بالبطلان، لو صلى بيده خاتم ذهب بطلت صلاته؛ لأنه صلى يتقرب وقد ارتكب محرمًا فكيف يؤجر وقد ارتكب محرمًا! هذا مذهب الظاهرية في أن كل نهي يقتضي البطلان، عامة أهل العلم لا، إن كان هذا النهي مباشرًا يعني بحيث يوضع بإزاء الأمر فيتعارضان، انظر الآن الأشعرية لما جاء عندهم بعض الصور حينما يبالغون في انفكاك الجهة، يقولون: هذا شيء، وهذا شيء، ماذا يقولون! يقولون: يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزنيّ بها، هذا شيء، وهذا شيء، هذا محرم، وهذا محرم، إذا استطاع أن يأتي بمحرم ويترك الثاني يجب عليه.

هذه مبالغة في انفكاك الجهة، لكن كيف تنفك في جهة بمثل هذه الصورة! لماذا مُنع النظر؟ لئلا يقع في الزنا، وقد وقع.

 فالمسألة تحتاج ضبط لهذه القواعد، وإلا تنخرم، الذي ما يضبط القاعدة من أصلها، تنخرم عليه.

(ومموه) يعني يحرم استعمال المموه، ويقول: هو إناء من نحاس يُلقى فيما أذيب من ذهب أو فضة فيكتسب لونه، فيكتسب اللون، لكن هل المؤثر اللون أو حقيقة الذهب والفضة؟ حقيقة الذهب والفضة، وإلا كنا منعنا اللون الذهبي، لكن اللون من الذهب، اللون إذا كان من ذهب، أما إذا لم يكن من ذهب. لابد أن ننظر إلى حقائق الأشياء بغض النظر عن أسمائها، مثلًا لو جاء شخص وقال: هذا ذهب أبيض، وأهل الصنف وأهل الخبرة يقولون: نعم ذهب، بإمكاننا أن نحوله أصفر ولا يختلف. نقول: حكمه حكم الذهب، لكن لو جاءنا بإناء فيه شيء من البترول وقال: هذا ذهب أسود، نقول: حرام على ذكور أمتي! ممكن يكون البترول الذهب الأسود؟ لا ما يكون، ننظر إلى حقائق الأمور، فإذا كان هذا اللون الذهبي الذي طلي به أصله من الذهب فهو ذهب، أما إذا كان مجرد لون فلا يضر إن شاء الله تعالى إلا من باب الاحتياط.

طالب:.....................

على كل حال المستعمل لهذا الإناء مستعمل للذهب.

(ومموه ومطلي) المطلي بالذهب أو الفضة، هل يمكن طلاء الإناء بالذهب والفضة؟ يعني هل هو مثل البوية ومثل الأشياء السائلة تأخذ بالفرشاة وتطلي الإناء؟ يمكن يسال؟

طالب:.......................

لكن بحيث يمكن أن توضع الفرشاة فيه ويُطلى به؟ العلماء يقولون: طليه بالذهب والفضة بأن يُجعلا الذهب والفضة بمثابة الورق. يعني شيء خفيف جدًّا فليبس عليها. إذًا ما الفرق بين الطلاء والتمويه؟

طالب:.....................

لا، ذهب، ذهب يا أخي، قلنا: إنه هو إناء من نحاس يُلقى فيما أذيب من ذهب أو فضة.

طالب:...................

هذا الإناء ألقي فيما أذيب من الذهب والفضة (هذا مموه). المطلي، يعني إذا تصورنا أنه يذاب من الذهب والفضة، ونستطيع أن نأخذ بالفرشاة من هذا الذهب والفضة ونطلي به هذا الإناء، هذا الطلاء الحقيقي، لكن كأنهم ما تصوروا مثل هذا؛ لأنه قد يكون لا يثبت سائلًا حتى يتمكن من طلي غيره به، قالوا: يُجعل على هيئة الورق فيلبس الإناء.

(ومطعم) يعني يكون عندك إناء من خشب مثلًا تجعل فيه خروقًا ثم تسد هذه الخروق بذهب أو فضة.

(ومكفت)، ماذا قالوا عن المكفت؟ قالوا: بأن يبرد الإناء بالمبرد حتى يصير فيه شبه المجاري، يجعل فيه فتحات شبه المجاري، ثم تسد هذه المجاري بذهب أو فضة، ثم يطرق عليها حتى تلتحم.

هذا متصور في الخشب أم في الحديد أم النحاس؟ ما يُتصور في الخشب؛ لأن الخشب كيف يُطرق بالمطرقة، إنما في الحديد والنحاس وغيرهما.

(ومكفت كمصمت)، قالوا عن المصمت: إنه الخالص في التحريم، يعني المكفت، هذه الأمور المموه، والمطعم، والمطلي، والمكفت كالمصمت في التحريم، كلها حرام، الذي يتناوله النص  المصمت، وما عدا ذلك فهو مقيس عليه.

 (وكذا مضبب) ما معنى مضبب؟ ينكسر الإناء ثم يُضبب، يُجعل فيه ضبة، يعني يُربط بشيء من الذهب والفضة، لا يجوز إلا ما استُثني، ضبة يسيرة، عرفًا من فضة لحاجة. إذا كانت الضبة لابد أن تكون من فضة، وأن تكون يسيرة عرفًا، وأن تكون لحاجة، يعني كما لو انكسر الإناء ثم رُبط بشريط من فضة مثلًا، فلا مانع؛ لحديث أنس في الصحيح: «أن قدح النبي -عليه الصلاة والسلام- انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة» فهذا جائز، هذه ضبة يسيرة لحاجة، لابد أن تكون يسيرة عرفًا، لحاجة، وليس معنى الحاجة أنك لا تجد غيرها، المقصود حاجة الإناء، أما إذا لم تجد غيرها صارت ضرورة، أما مجرد حاجة الإناء ولو وجدت غيرها مما يباح، هذه حاجة، أما إذا لم تجد غيرها مما يباح صارت ضرورة.

(وهي) يعني الحاجة.

(أن يتعلق بها) أي بالضبة.

(غرض غير زينة) لأنها لو كانت زينة دخلت فيما تقدم.

(ولو وجد غيرها) كحديد ونحاس، عرفنا أن الحاجة حاجة الإناء، وليس معنى هذا أنك لا تجد غيرها؛ لأنك لو لم تجد غيرها كما قلنا صارت ضرورة.

(ولو وجد غيرها) ولو هذه للخلاف القوي، بمعنى أنه لو وجد غيرها لارتفعت الحاجة، ما كان هناك حاجة.

القول الثاني: إنه لو وجد غيرها لما كان ثم حاجة، وإذا لم توجد حاجة لم تبح للعلة.

(وتكره مباشرتها) أي هذه الضبة اليسيرة من فضة تكره مباشرتها بأن يجعل فمه على هذا القدر المحدد من الفضة.

(لشرب ونحوه) انكسر الإناء، فاتخذ مكان هذا الكسر سلسة من فضة، ووصلت إلى الأعلى فيُكره أن يضع فمه على الفضة؛ لئلا يكون مستعملًا شاربًا من الفضة التي جاءنا النهي عنها بالنص، يصح أنه شرب من الفضة.

(وتكره مباشرتها) أطلق الكراهة هنا ولم يجزم بالتحريم؛ لأن حقيقة ما ورد في النص لا ينصرف إلى هذا، وإنما هو إناء من خشب انكسر واحتيج إلى هذا، فتكره مباشرتها بلا حاجة، طيب هل من داع أن نقول: بلا حاجة؟ لو قال: (تكره مباشرتها) وسكت، يختلف عن قوله: (تكره مباشرتها بلا حاجة)؟

طالب:..................

يختلف؟ لماذا؟ الكراهة تزول بأدنى حاجة، فقوله بلا حاجة تصريح بما هو مجرد توضيح؛ لأنه إذا احتيج إليها ارتفعت الكراهة.

وتكره مباشرتها بلا حاجة، فإن احتيج إليها لم تكره دفعًا للحرج.

 نقول: إذا كان الإناء في جميع جوانبه خشن يؤثر على الفم مثلًا أو يتدفق معه الماء أكثر من الحاجة، والجهة التي فيها الضبة ليس فيها هذا، نقول: هذه حاجة والكراهة عندهم تزول بأدنى حاجة.

وهنا يقول: ألا يقال: إننا نعمم سائر الاستعمالات في الذهب للنهي عنه مطلقًا كما جاء في الحديث: «هذا حرام على ذكور أمتي، هما الذهب والحرير»

لكن مقتضى هذا أننا نجعل المرأة تستعمل الذهب في غير التحلي، أما الفضة فلا؛ لأن المنصوص عليه هو الأكل والشرب، وأيضًا جاء في الفضة حديث صححه الألباني وفيه: «العبوا بها كيف شئتم» وهذا نص، لكن لاشك أنه إذا اجتمع حاظر ومبيح، فإن أهل العلم يقدمون الحاظر.

يقول: لو كان المحنط من ميتة البحر؟

لو كان من ميتة البحر، حوت مثلًا ترتفع فيه أسباب المنع من كونه قتل لغير مأكلة هو مات حتف أنفه بمجرد خروجه من الماء، وهو طاهر بالحياة وبعد الممات، ولم يحتج إليه، بقي عنده حتى صار لا يمكن الأكل منه، أو يتقذر الأكل منه، فانتفت فيه أوجه المنع، فإذا وجد حوت طبيعي مثلًا أخرج من البحر فمات، وترك واستغني عنه حتى صار بحيث لا يستفاد منه بالأكل، حينئذ لا مانع من إبقائه.

طالب:...................

حكم شرائه، شراؤه من إضاعة المال، الأصل أنه يُشترى ليؤكل.

طالب:.......................

لأن المستعمل لهذا الجزء دون غيره من الأجزاء قاصد لاستعمال الفضة.

طالب:.........................
لا، ثبت عنه أنه نهى وشدد في أمر الشرب من آنية الذهب والفضة، فكونه يقصد هذه الجهة من غير مبرر وسائر الجهات مساوية لها، لا شك أنه يقصد استعمال الفضة.

طالب:.......................

نعم، لكنه استعمال، يمنع من جهة الاستعمال ولو لم يكن إناءً، على رأي الجمهور.

طالب:..................

الآن هو استعمله استعمالًا خاص، استعمله في الشرب، فعندنا شرب منصوص عليه، وأكل منصوص عليه، بجزء من المنهي عنه، وعندنا منهي عنه كامل في غير الأكل والشرب، يعني تصور عندك إناء عند شخص يقول: أنا لا آكل ولا أشرب، والمنع إنما جاء في المنع والشرب، وشخص آخر قال: أنا عندي إناء للشرب، لكن من شافه ما يقول هذا إناء فضة، نعم فيه سلسلة فضة.

نقول: ما الذي دعاك إلى أن تستعمل هذه الجهة على وجه الخصوص دون سائر الجهات؟ فأنت صرت مستعملًا للفضة.

طالب:..............

هم يطلقون الكراهة في مثل هذا؛ لأن الإنسان ما دام منع من استعمال الذهب والفضة في الشرب على وجه الخصوص، خصوص الخصوص، وهو ما قصد الشرب من هذه الجهة التي لا ميزة لها على غيرها؛ لأنه لو كان لها ميزة على غيرها لقلنا: حاجة، لا ميزة لها عن غيرها إلا من باب أنه قد يتلذذ بما منع منه، قد يتلذذ بمجرد المخالفة، فهم يطلقون الكراهة في مثل هذا، ولا يتورعون عن مثل هذا.

طالب:...........

لكنه من خلق الله -جل وعلا- وهو من صنع الله وانتفت فيه العلل التي من أجلها يمنع، لا نقول نجس؛ لأنه طاهر، في حياته وبعد الموت، ولا نقول: إنه قتل لغير مأكلة، ومات حتف أنفه، والأصل أنه يؤكل وعدم أكله تضييع للمال، لكن لم يحتج إليه صاحبه حتى صار بحالة بحيث لا يصلح للأكل، يبس حتى صار جلدًا على عظم، لا يصح منه الأكل، قد يقول قائل: يصلح بيعه وشراؤه؟ نقول: إذا كان لا يصلح للأكل فلا يصح بيعه ولا شراؤه؛ لأن شراءه من إضاعة المال.

يقول: وكل طاهر.

طاهر وصف لموصوف محذوف تقديره إناء. يعني وكل إناء طاهر من غير ذلك، يعني من الذهب والفضة وعظم الآدمي وجلده شريطة أن يكون طاهرًا مباح اتخاذًا واستعمالًا، ولو كان ثمينًا، ولو كانت قيمته أغلى من الذهب والفضة، كالمتخذ من الجوهر والياقوت والزمرد وغيرها.

طالب: ............................

نعم، للخلاف، يعني حتى يبقى، ولو كان ثمينًا، منعه لا لأنه ذهب أو فضة، وإنما يرد عليه المنع من باب تحريم التبذير والإسراف وما فيه معناه.

كل إناء طاهر يباح          ولو ثمينًا ما به جناح

 هذا أيش؟ أي نظم هذا؟

طالب:....................

ما فيه أحد يحفظ؟

طالب:...................

هذا من نظم الزاد للشيخ سلمان بن عطية، روضة المرتاد في نظم مهمات الزاد.

طالب:..............

يعني مجرد الاتخاذ؟ عندك القاعدة العامة، الثمين يمنع لا لأنه داخل في الباب، النهي عن الذهب والفضة، وإنما منعه من باب آخر، وإذا قلنا: السبب الإسراف لا يختص هذا بالإناء، يختص بكل ما يقتنى ما لم يكن في الإكثار منه خير؛ لأنهم يقولون: لا خير في الإسراف، ولا إسراف في الخير، لكن يرد على هذا مثلًا أنه إذا كان هذا الكتاب يكفي لك نسخة، واشتريت نسختين، هو خير على كل حال، شراؤك للنسخة الثانية هل هذا إسراف أم لا؟ هل هذا إضاعة للمال؟

طالب:..........................

دعنا أنت تحتاج إلى نسخة، هي موجودة عندك وتكفيك، يعني مقتضى قولهم: لا إسراف في الخير، أنك لو اشتريت عشر نسخ، ما المانع؟ ولذا سئل الشيخ ابن باز –رحمه الله- عن كتاب يباع بألوف، وصورته بمئات، هل هذا إسراف أو ما هو بإسراف، يعني النسخة المطبوعة من سنن البيهقي يُشترى بها عشرون نسخة من المصورات، والصورة هي هي، ما تختلف، أو ثلاثين نسخة، هذا إسراف أم ليس بإسراف؟ علمًا بأن استعمال المصور أيسر من استعمال الأصل.

طالب:.....................

لا، الشيخ رفض أن يكون إسرافًا، ولا شيء في ذلك ألبتة، وحاول فيه الإخوان، وحاولوا لكن عجزوا، قال: أبدًا، هذا لا إسراف فيه، وإذا نظرنا إلى أن الصور الآن يعتريها ما يعتريها من بياض، وخلل في التصوير، وارتجاج، ما معنى ارتجاج، يعني تصور الصفحة مرتين، ثم بعد ذلك في آن واحد ما تستطيع القراءة، ويحصل فيها نقص ملازم، كل هذه كافية في جعل الأصل ما لم يترتب عليه تضييق على نفسه أو على من تحت يده أو يحمله ديونًا أو ما أشبه ذلك، هذا يمنع من هذه الحيثية، إذا كان يترتب عليه تقصير في أموره الضرورية أو تقصير في حق من تجب عليه رعايته ونفقته، فمن هذه الحيثية يمنع، وإلا فلا.

طالب: ...............

تكون هذه مفاضلة بين الأعمال الصالحة، هذه مفاضلة بين الأعمال الصالحة، وذكرنا في مناسبة سبقت أن هناك رسالة ماجستير طبعت في مجلدٍ كبير فيه ألف صفحة في المفاضلة بين العبادات، وهذه رسالة ممتازة؛ لأن الإنسان قد يكون عنده فراغ خمس دقائق، يقول: أصلي ركعتين أو أقرأ ورقتين، أيهما أفضل؟ هذه مفاضلة بين العبادات، وعمومًا هم يقدمون النفع المتعدي على الخاص، يعني إذا كان الصيام بالنسبة للعالم يعوقه عن إفتاء الناس وقضاء حوائجهم مثلًا أو تعليمهم، نقول: لا، تعليمهم أفضل؛ لأنه متعدٍّ، على أن القاعدة ليست على إطلاقها، فيُنظر في هذا، وينظر في هذا، يُنظر في العام، وينظر في الخاص، وإذا نظرنا إلى أركان الإسلام رأينا النفع الخاص مقدمًا على المتعدي، الصلاة مقدمة على الزكاة، فليست على إطلاقها.

طالب:.....................

التي من أجلها حُرم الذهب.

طالب:.....................

تتحقق فيه؛ لأنه ذهب أو لأنه إسراف؟

طالب:.....................

إسراف انتهينا، إسراف الثياب محرم إذا دخل في هذا السؤال، ولو كانت من غير الحرير، والمركوبات إذا كان فيها إسراف مُنعت، كل شيء يُمنع للإسراف، فالإسراف أمر كلي.

طالب:..........................

نعم، يأتي هذا، كونها تطهر لا يعني إباحة الاستعمال المنهي عنه، الافتراش جاء النهي عنه.

طالب:...............

ولو كانت ........ افتراشها..........

طالب:..........

أين؟

طالب:.............

جاء فيها النص، وقطعت وسائد، وزال عنها مسماها وانتهت.

اللهم صلِّ على محمدٍ.

"
يقول: في مخالفة مفهوم حديث القلتين، وحديث بئر بضاعة من حيث العموم والخصوص. أليس المقرر عند جماهير الأصوليين أن المفهوم لا يخصص عموم المنطوق؟

هذه المسألة سبقت، وقلنا: إن في كل من النصين وجه قوة ووجه ضعف، لو قلنا: إن وجه القوة في حديث القلتين في منطوقه ووجه الضعف في مفهومه، ووجه القوة في حديث بئر بضاعة أن الماء طهور لا ينجسه شيء في خصوصه، والضعف في عمومه. فهل يقدم قوة المنطوق في حديث القلتين، في مقابله: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» عموم، فيخص به؟
وقد قال بهذا الحنابلة والشافعية. أو يقال: يقدم خصوص حديث: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، يقدم عمومه المحفوظ على مفهوم حديث القلتين، وقد قيل بإلغائه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو رأي المالكية، وعلى كل حال حديث القلتين لا يسلم من كلام طويل لأهل العلم، وهذا على تسليم صحته، وقد قيل بذلك، وسبقت المسألة بذيولها ولا حاجة إلى إعادتها.

هذا يقول: ما حكم التعامل مع البنوك الربوية من المعاملات الشرعية الجائزة في غيرها، كأن يكون أحدهم مندوبًا لمبيعاتهم وتجاراتهم أو غير ذلك من الصور الكثيرة؟

وكيف يمكن الرد على من أجاز ذلك بحجة أن هذه الأنواع من المعاملات الجائزة أصلًا وليست سببًا مباشرًا للإثم والعدوان أو باعثًا لهما أو لأحدهما.
على كل حال من تعامل مع من يزاول المحرم تعاون معه فهو داخل في قوله -جل وعلا-: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2]، ولولا أنهم يجدون من يعينهم على ذلك ما قامت لهم قائمة.

يقول: هل في الأرض المملوكة زكاة؟ إذا استثمرها المالك بالبيع أو بنى عليها مشروعًا ثم باعها فعليه الزكاة؟

إذا ملكها بنية التجارة يزكيها إذا حال عليها الحول، أما إذا مُلكت بغير نية التجارة فلا تزكى إلا إذا بيعت.

يقول: نقل في الإنترنت أنكم قلتم إن أفضل طباعة لشرح المنتهى طباعة آل سبالك في مصر، وإنما حققت على ثلاثين نسخة، فهل هذا النقل صحيح؟

هذا ليس بصحيح، ولا أعرف هذه الطبعة إن كانت صحيحة، إن كانت غير محرفة أو مصحفة.

يقول: رجل اشترى أرضًا بالتقسيط لمدة ثلاث سنوات ودفع دفعة أولى، لكن جزءًا من هذه الدفعة الأولى دين. يقول: النية ليست واضحة للبيع أو السكن والتردد بين ذلك، ولكن الأرجح البيع، ولن يعلن عن بيعها إلا بعد مضي سنة، هل الزكاة من بداية الشراء، أو الإعلان للبيع؟

على كل حال إذا كان يغلب على ظنه البيع فالنية من الشراء؛ لأن الأحكام معلقة بغلبة الظن، وكل إنسان يشتري أرضًا ليعمرها ويسكنها، وقد يفعل ذلك وليس في نيته أدنى بيع ثم يطرأ عليه يأتيه من يطمعه بثمن كثير فيبيع، هذه ليست للبيع، لكن إذا اشتراها بنية البيع يزكِّيها.
علمًا بأن هناك أقساطًا على الرجل، فهل يزكي قيمة الأرض بغض النظر عن الأقساط المتبقية؟
عند الحنابلة الدين يمنع، الدين الذي ينقص المال يجعله دون النصاب يمنع من الزكاة، والمفتى به أن مثل هذه الأموال لا تؤثر فيها الديون، يزكيها وإذا أراد أن يتخلص من الديون ثم بعد ذلك يصفو ماله له.

رجل في إدارة وعنده موظف يستأهل مكافئة، وخارج الدوام لا يجزئ عن هذه المكافئة، هل يعطى انتداب يغطي هذه المكافئة بحيث يجلس في الرياض بموافقة صاحب الصلاحية؟ لأن هذا المخرج لصرف المكافئة، كلام ركيك بعض الشيء.

على كل حال إذا كان هذا الشخص يستحق أن يدفع له في مقابل عمله الزائد على ما تعوقد معه عليه يستحق مالًا، والأنظمة لا يوجد فيها مثل هذا، فلصاحب الصلاحية أن يمنحه بأي اسم كان.

يقول: لماذا لا يكون في أوائل الإجازة لمدة أسبوع بعد العصر تفسير وبعد المغرب منتهى الإرادات؟

في الإجازة إن شاء الله في أوائلها ثلاثة أسابيع إن شاء الله يُشرح فيها ثلاثة كتب بحسب التيسير هذه هي النية.