كتاب القضاء من سبل السلام (1)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

قال- رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه في كتاب القضاء:

"الْقَضَاءُ بِالْمَدِّ: الْوِلَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ معانٍ؛ إحْكَامِ الشَّيْءِ وَالْفَرَاغِ مِنْهُ. وَمِنْهُ قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [سورة فصلت:12]، وَبِمَعْنَى إمْضَاءِ الْأَمْرِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [سورة الإسراء:4]، وَبِمَعْنَى الْحَتْمِ وَالْإِلْزَامِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [سورة الإسراء:23]. وَفِي الشَّرْعِ: إلْزَامُ ذِي الْوِلَايَةِ بَعْدَ التَّرَافُعِ، وَقِيلَ: هُوَ الْإِكْرَاهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْوَقَائِعِ الْخَاصَّةِ لِمُعَيِّنٍ أَوْ جِهَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْجِهَةِ كَالْحُكْمِ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَيْهِ."

نعم، يُعرِّفون القضاء بأنَّه بيان الحكم مع الإلزام به، بيان الحكم مع الإلزام به، وهذا خلاف الفتوى، فإنَّها بيان للحكم مع عدم الإلزام به. ولا يعني عدم الإلزام عدم الالتزام، فإذا استفتى من تبرأ ذمته بقوله ممن جمع بين العلم والدِّين والورع لزمه العمل به، لكنَّ المُفتي ما يُتابعه ويلزمه، القاضي يلزمه، والمفتي لا يلزمه، لكن عليه أن يلتزم، ما يقول: والله أنا حر، الفتوى من غير إلزام، فلا ألتزم، المفتي لا يُلزمك، الشرع الذي يُلزمك، لكنَّه لا يُتابع، بينما القاضي يُتابع، ويُلزمك بما قضى به عليك.

"عَنْ بُرَيْدَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ». وَكَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ: «رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ»."

ولو أصاب الحق، إذا لم يعرف الحق لا يقضي به، لا بد أن يعرف الحق ويقضي به، فإن جهل الحق وقضى فهو في النار، ولو أصاب الحق، وإن عرف الحق قضى بخلافه فهو في النار، نسأل الله العافية.

أحسن الله إليك.

"رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ: تَفَرَّدَ بِهِ الْخُرَاسَانِيُّونَ، وَرُوَاتُهُ مَرَاوِزَةٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَهُ طُرُقٌ غَيْرُ هَذِهِ جَمَعْتهَا فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ.

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْجُو مِنْ النَّارِ مِنْ الْقُضَاةِ إلَّا مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَعَمِلَ بِهِ. وَالْعُمْدَةُ الْعَمَلُ، فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَهُوَ وَمَنْ حَكَمَ بِجَهْلٍ سَوَاءٌ فِي النَّارِ.

فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِجَهْلٍ وَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ الْحَقَّ فَإِنَّهُ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَهُ وَقَالَ: «فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ»، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَنْ وَافَقَ الْحَقَّ، وَهُوَ جَاهِلٌ فِي قَضَائِهِ أَنَّهُ قَضَى عَلَى جَهْلٍ.

وَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ الْحُكْمِ بِجَهْلٍ أَوْ بِخِلَافِ الْحَقِّ مَعَ مَعْرِفَتِهِ، وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّاجِيَ مَنْ قَضَى بِالْحَقِّ عَالِمًا بِهِ، وَالِاثْنَانِ فِي النَّارِ.

 وَفِيهِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ.."

هو الحديث من أحاديث الوعيد، ويدل على أنَّ هذا العمل من كبائر الذنوب؛ ولذا امتنع السلف من قبول القضاء وطُلِبوا عليه، وألزموا به، وأكرهوا عليه فلم يستجيبوا، بل منهم من اختفى الشهور، طُلب للقضاء واختفى، هرب واختفى؛ لأنَّ الإنسان عليه أن يحرص على إبراء ذمته، وأن يحرص أولًا وقبل كل شيء على سلامة نفسه، ثم بعد ذلك إن تيسر أن يعمل على سلامة غيره فمطلوب، لكن ألزم ما عليه نفسه، السلف، الأئمة الأكفاء طُلبوا، حُبسوا، ضُربوا على القضاء فلم يستجيبوا؛ لأنَّه مذلة، مذلة قدم، فالإنسان عليه أن يسعى جاهدًا لخلاص نفسه، والأمر لابد أن يقوم، وتولية القضاة من فروض الكفايات، لابد أن يقوم به، وإذا استُشير الإنسان، استشاره شخص ابتُلي، ورُشِّح للقضاء، فإذا رأى الذمة تبرأ به يشير عليه، ولا يكون غاشًا له؛ لأنَّ السلف يكرهون القضاء، ويهربون منه، ويتدافعون الفتيا، هذا من ورعهم، لكن الإنسان عليه أن ينظر في حاله، إن كان مما يتعين عليه القضاء بحيث لا يوجد غيره من يقوم فمن لازمه، ولا يجوز له أن يترك، لكن إذا كان يرى أنَّ من تقوم به الكفاية موجود، فإنَّه لو امتنع، وهذا صنيع السلف- رحمهم الله-.

أحسن الله إليك.

"وفيه أنَّه يتضمن النَّهْيَ عَنْ تَوْلِيَةِ الْجَاهِلِ الْقَضَاءَ. قَالَ فِي مُخْتَصَرِ شَرْحِ السُّنَّةِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْقَضَاءَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَوْلِيَتُهُ، قَالَ: وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ جَمَعَ خَمْسَةَ عُلُومٍ عِلْمَ كِتَابِ اللَّهِ، وَعِلْمَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَقَاوِيلَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ مِنْ إجْمَاعِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ، وَعِلْمَ اللُّغَةِ، وَعِلْمَ الْقِيَاسِ، وَهُوَ طَرِيقُ.."

لابد أن يعرف كيف يتعامل مع نصوص الكتاب والسُّنَّة، لابد أن يعرف ما يعينه على فهم الكتاب والسُّنَّة ليقضي بهما، فيعلم كتاب الله، ويعلم السُّنَّة، وأقاويل السلف من إجماع وخلاف؛ لئلا يُخالف الإجماع وهو لا يشعر، فيحدث قولًا لم يقل به من تقدم، وعلم اللغة؛ لأنَّ القرآن نزل بلسان عربي مبين، والنبي- عليه الصلاة والسلام- عربي، فلا يُمكن أن يفهم الكتاب والسُّنَّة إلا إذا كان عنده ما يعينه على فهمها من لغة العرب. وعلم القياس، يقيس الأشباه بأشباهها، والنظائر بنظائرها على ما سيأتي في حديث معاذ.

أحسن الله إليك.

"وعلم القياس، وهو طريق اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إذَا لَمْ يَجِدْهُ صَرِيحًا فِي نَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ، فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، وَالْمُجْمَلَ وَالْمُفَسَّرَ، وَالْخَاصَّ وَالْعَامَّ، وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ، وَالْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ، وَالْإِبَاحَةَ وَالنَّدْبَ.

 وَيَعْرِفُ مِنْ السُّنَّةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَيَعْرِفُ مِنْهَا الصَّحِيحَ وَالضَّعِيفَ، وَالْمُسْنَدَ وَالْمُرْسَلَ، وَيَعْرِفُ تَرْتِيبَ السُّنَّةِ عَلَى الْكِتَابِ وَبِالْعَكْسِ، حَتَّى إذَا وَجَدَ حَدِيثًا لَا يُوَافِقُ ظَاهِرُهُ الْكِتَابَ اهْتَدَى إلَى وَجْهِ مَحْمَلِهِ، فَإِنَّ السُّنَّة بَيَانٌ لِلْكِتَابِ فَلَا تُخَالِفُهُ، إنَّمَا تَجِبُ مَعْرِفَةُ مَا وَرَدَ مِنْهَا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ دُونَ مَا عَدَاهَا مِنْ الْقِصَصِ وَالْأَخْبَارِ وَالْمَوَاعِظِ.

 وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ مَا أَتَى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُمُورِ الْأَحْكَامِ دُونَ الْإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ.

 وَيَعْرِفُ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْأَحْكَامِ وَمُعْظَمَ فَتَاوَى فُقَهَاءِ الْأُمَّةِ حَتَّى لَا يَقَعُ حُكْمُهُ مُخَالِفًا لِأَقْوَالِهِمْ فَيَأْمَنُ فِيهِ خَرْقَ الْإِجْمَاعِ، فَإِذَا عَرَفَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَهُوَ مُجْتَهِدٌ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهَا فَسَبِيلُهُ التَّقْلِيدُ اهـ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ.."

يعني علَّق الطابع، هذا قديم، أظنه الخولي من علماء الأزهر، له تعليق، محمد عبد العزيز الخولي، الأستاذ بدار العلوم بالقاهرة، له تعليقات على كتب العلم، لكن يقول: من أنَّى لهم كل هذه الشروط المتعثرة أو المتعاثرة، التي تجعل بيننا وبين القرآن والسُّنَّة سدًّا؟ والله يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [سورة القمر:17]، هل يستطيع أن يتعامل مع الكتاب والسُّنَّة من لا يعرف الناسخ من المنسوخ، أو الخاص من العام، أو المطلق من المقيد، أم المجمل من المفسر؟

لا بد من هذه كلها، ولا بد أن يعرف من علوم اللغة ما يستطيع أن يتعامل به، هذه ليست متعثرة، يعني عموم المسلمين لا تُجعل لهم هذه القيود، ويفهمون القرآن، لكن لا يستطيعون أن يحكموا به على الناس.

أحسن الله إليك.

"وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ.

 دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالدُّخُولِ فِيهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: مَنْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِذَبْحِ نَفْسِهِ، فَلْيَحْذَرْهُ وَلْيَتَوَقَّهُ؛ لأنَّه إنْ حَكَمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ أَوْ جَهْلِهِ لَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَالْمُرَادُ مِنْ ذَبْحِ نَفْسِهِ إهْلَاكُهَا أَيْ فَقَدْ أَهْلَكَهَا بِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا قَالَ: «بِغَيْرِ سِكِّينٍ»؛ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالذَّبْحِ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْغَالِبِ بِالسِّكِّينِ، بَلْ أُرِيدَ بِهِ إهْلَاكُ النَّفْسِ بِالْعَذَابِ الْأُخْرَوِيِّ. وَقِيلَ: ذُبِحَ ذَبْحًا مَعْنَوِيًّا، وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَصَابَ الْحَقَّ فَقَدْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا؛ لِإِرَادَتِهِ الْوُقُوفَ عَلَى الْحَقِّ وَطَلَبِهِ، وَاسْتِقْصَاءَ مَا تَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَتُهُ فِي النَّظَرِ فِي الْحُكْمِ، وَالْمَوْقِفِ مَعَ الْخَصْمَيْنِ، وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْعَدْلِ وَالْقِسْطِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ عَذَابُ الْآخِرَةِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ. وَلِبَعْضِهِمْ كَلَامٌ فِي الْحَدِيثِ لَا يُوَافِقُ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ."

لو قال: «من ولي القضاء فقد ذبح» يعني هل يحتاج إلى قوله: «بغير سكين»؟ هل نحتاج إلى قوله: «بغير سكين»؟ أو نقول: إنَّ هذا تصريح بما هو مجرد توضيح؛ لأنَّ الذبح معنوي، وليس بحسي، يعني شخص قال لولده: البس من الثياب ما يقيك البرد، لا يذبحك البرد، قال: ما عنده سكين، حمل اللفظ على حقيقته، لكن الأصل ألا يُصرح بمثل هذا؛ لأنَّه معروف، والتصريح به هو مجرد توضيح، يعني لو قال: فقد ذُبِح، هل نقول: ما عنده سكين يذبح؟ لا، الذبح ذبح كل شيء بحسبه، ويأتي في النصوص التصريح بما هو مجرد توضيح، ابن لبون ذكر، بنت لبون أنثى، هذا تصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا فلو تُرك فقد لا يُحتاج إليه.

أحسن الله إليك.

""وَعَنْهُ" عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ»، عَامٌّ لِكُلِّ إمَارَةٍ مِنْ الإمارة الْعُظْمَى إلَى.."

الإمامة.

"عام لكل إمارة من الإمارة العظمي.."

من الإمامة العظمى.

أحسن الله إليك.

"من الإمامة العظمى".

إلى أدنى إمارة.

"إلى أَدْنَى إمَارَةٍ وَلَوْ عَلَى وَاحِدٍ «وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ» أَيْ فِي الدُّنْيَا، «وَبِئْسَت الْفَاطِمَةُ» أَيْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ."

عبد الله بن عامر لمـَّا مرض زاره عبد الله بن عمر، فقال له: أوصني، فقال- ابن عمر- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول» وكنت على البصرة. يعني كنت أميرًا، واليًا على البصرة، تفقد نفسك، يعني الإنسان إذا كان ما فوقه أحد، وصار يدير بيده أمر أموال الناس، أموال المسلمين الخاصة والعامة لا يأمن على نفسه أن يلحق ذمته شيء شعر به أو لم يشعر.

 كنت على البصرة، انتبه لنفسك، يعني أمير على البصرة، والأمير ما فوقه أحد، كان يُسمَّى في السابق عاملًا، عاملًا، ما معنى عامل؟ يعني يلي أمور المسلمين، ويخدم المسلمين بدون مقابل إذا كان عنده ما يكفيه، وإلا فُرض له ما يكفيه من بيت المال، فليس بجابٍ إنَّما هو عامل، والله المستعان.

أحسن الله إليك.

"قَالَ الطِّيبِيُّ: تَأْنِيثُ الْإِمَارَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، فَتَرَكَ تَأْنِيثَ (نِعْمَ)، وَأَلْحَقها (بِبِئْسَ)؛ نَظَرًا إلَى كَوْنِ الْإِمَارَةِ حِينَئِذٍ دَاهِيَةٌ دَهْيَاءَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَنَّثَ فِي لَفْظٍ وَتَرَكَهُ فِي لَفْظٍ؛ لِلِافْتِنَانِ وَإِلَّا فَالْفَاعِلُ وَاحِدٌ."

إذا كان الفاعل مؤنثًا غير حقيقي جاز تأنيث الفعل وتذكيره، لكن «فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَت الْفَاطِمَةُ» الآن الضمير يعود على مؤنث مجازي، فإذا كان يعود على المؤنث، إذا كان يعود على المؤنث سواء كان مجازيًّا أو حقيقيًّا، وجب التأنيث، إذا كان الفاعل ضميرًا يعود على مؤنث، فيجب حينئذٍ التأنيث، تقول: الشمس طلعت، ويجوز أن تقول: طلع الشمس، إذا كان الفاعل ضميرًا يعود إلى مؤنث فيجب التأنيث، وهنا أنَّثه مرة، وذكَّره أخرى، يحتاج إلى مراجعة.

أحسن الله إليك.

"وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ بإسناد صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ بِلَفْظِ: «أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ، وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ، وَثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إلَّا مَنْ عَدَلَ». وَأَخْرُج الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَرْفَعُهُ: «نِعْمَ الشَّيْءُ الْإِمَارَةُ لِمَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَحَلَّهَا، وَبِئْسَ الشَّيْءُ الْإِمَارَةُ لِمَنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، تَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وَهَذَا يُقَيِّدُ مَا أُطْلِقَ فِيمَا قَبْلَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: «إنَّك ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا».

 قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي اجْتِنَابِ الْوِلَايَةِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ فِيهَا بِغَيْرِ أَهْلِيَّةٍ وَلَمْ يَعْدِلْ فَإِنَّهُ يَنْدَمْ عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ إذَا جُوزِيَ بِالْجَزَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا، وَعَدَلَ فِيهَا، فَأَجْرُهُ عَظِيمٌ، كَمَا تَضَافَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَلَكِنْ فِي الدُّخُولِ فِيهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ؛ وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ الْأَكَابِرُ مِنْهَا، فَامْتَنَعَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَأْمُونُ لِقَضَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَنْصُورُ، فَحَبَسَهُ وَضَرَبَهُ؛ وَاَلَّذِينَ امْتَنَعُوا مِنْ الْأَكَابِرِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَعَدَّ فِي النَّجْمِ الْوَهَّاجِ جَمَاعَةً."

النجم الوهاج شرح المنهاج للنووي، والشرح لكمال الدين الدميري، هو من أفضل شروح المنهاج طُبِعَ أخيرًا.

"تَنْبِيهٌ: قَوْلُه: «سَتَحْرِصُونَ» دَلَالَةً عَلَى مَحَبَّةِ النُّفُوسِ لِلْإِمَارَةِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ نَيْلِ حُظُوظِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا، وَنُفُوذِ الْكَلِمَةِ؛ وَلِذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ طَلَبِهَا، كَمَا أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ.."

فيها الشرف والمال، الإمارة والقضاء وغيرها من الوظائف العليا فيها ما يضر المسلم ودينه أضر من الذئب الجائع أو من الذئبين الجائعين أرسلا في زريبة غنم، الشرف والمال، «ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم أضر لهما من حب الشرف والمال لدين المسلم».

أحسن الله إليك.

{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} [سورة يوسف:55]، يوسف ما فيه أفضل منه في وقته، ولا أحد يقوم مقامه، فإذا تعين على الإنسان فلا مانع من أن يقبل، وهذا أيضًا شأن من قبلنا، لكن يبقى أنَّه إذا تعين على الإنسان يأثم بتركه.

أحسن الله إليك.

"وَلِذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ طَلَبِهَا، كَمَا أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: «لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّك إنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وَكِلْت إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا». وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال: «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِلَ إلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ مَلَكًا يُسَدِّدَه»".

يُسَدِّدُهُ.

أحسن الله إليك.

القارئ: ما هي جواب الشرط يا شيخ، واقعة جواب الشرط.

من لم يطلبه.

القارئ: ما تقع في جواب الشرط مجزومة يا شيخ؟

لا، ما في السياق، الجواب فإنَّه يُسددُه، {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} [سورة المزمل:20].

"وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَاَللَّهِ، إنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا الْأَمْرَ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ» حَرَصَ بِفَتْحِ (الرَّاءِ)، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [سورة يوسف:103].

 وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَرْضَى النَّاسِ وَأَفْضَلِهِمْ فَيُوَلِّيهِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ»، وَإِنَّمَا نهى عَنْ طَلَبِ الْإِمَارَةِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ تُفِيدُ قُوَّةً بَعْدَ ضَعْفٍ، وَقُدْرَةً بَعْدَ عَجْزٍ، تَتَّخِذُهَا النَّفْسُ الْمَجْبُولَةُ عَلَى الشَّرِّ وَسِيلَةً إلَى الِانْتِقَامِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَالنَّظَرِ لِلصِّدِّيقِ. وَتَتَبُّعِ الْأَغْرَاضَ الْفَاسِدَةِ، وَلَا يُوثَقُ بِحُسْنِ عَاقِبَتِهَا، وَلَا سَلَامَةِ مُجَاوِرَتِهَا، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُطْلَبَ مَا أَمْكَنَ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ. فَغَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ»."

نعم، المسألة لا يُطلب لها العصمة في القاضي، ولا في الوالي، ولا في غيره، لكن عليه إذا ابتلي أن يحرص على براءة ذمته، وأن يسدد ويقارب، وإلا فالعصمة للأنبياء.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.