شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (321)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" في بداية حلقتنا نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: في حديث عثمان -رضي الله عنه- نذكر الإخوة بالحديث مائة وسبعة وعشرين في المختصر، مائة وتسع وخمسين في الأصل، توقفنا عند أطراف الحديث، لعلنا نبدأ هذه الحلقة بذكر الأطراف.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،،

فحديث عثمان خرجه الإمام البخاري في خمسة مواضع كما هو مبين في أطراف الحديث، مع أني أنازع في الموضع الثاني، هل هو من أطرافه أو لا، على ما سيأتي الموضع الأول هنا في كتاب الوضوء باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، قال -رحمه الله-: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال: حدثني إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، أن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران مولى عثمان أخبره أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء، فأفرغ على كفيه ثلاث مرار أو مرات، يعني النسخ تختلف، فغسلهما الحديث، وتقدم ذكر مناسبته للترجمة.

والموضع الثاني الذي يليه في الباب نفسه، قال: وعن إبراهيم قال: قال صالح بن كيسان: قال ابن شهاب: ولكن عروة يحدث عن حمران، فلما توضأ عثمان قال: ألا أحدثكم حديثًا لولا آية ما حدثتكموه، سمعت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: «لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه ويصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها» قال عروة الآية: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ} [سورة البقرة 159].

المقدم: حمران بالضم.

نعم، لو طبقنا هذا اللفظ على ما عندنا لوجدنا فروقًا، ألا أحدثكم حديثًا لولا آية ما حدثتكموه، سمعت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: «لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه ويصلي الصلاة» سيأتي أن المراد بالصلاة المكتوبة، «إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة» يعني التي قبلها، أو التي تليها «حتى يصليها» قال عروة: الآية: {إنَّ الَّذِينَ} فهناك فروق بين هذا، وسيأتي شرحه قريبًا إن شاء الله تعالى باختصار.

 قال ابن حجر: قوله وعن إبراهيم أي ابن سعد، وهو معطوف على قوله: حدثني إبراهيم بن سعد، وزعم مغلطاي وغيره أنه معلق، وليس كذلك، فقد أخرجه مسلم والإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه في الإسنادين معًا، وإذا كان جميعًا عند يعقوب فلا مانع أن يكون عند الأويسي، يقول ابن حجر: ثم وجدت الحديث الثاني عند أبي عوانة في صحيحه من حديث الأويسي المذكور، فصح ما قلته بحمد الله تعالى، وقد أوضحت ذلك في تغليق التعليق، أحيانًا الصورة صورة تعليق، وعن إبراهيم البخاري أخذ الحديث عن إبراهيم؟ لا؛ لأنه في الموضع الأول بينه وبين إبراهيم..  

المقدم: راويان أو ثلاثة.

لا واحد، حدثني عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال: حدثني إبراهيم بن سعد.

المقدم: بينهما راوٍ.

نعم، يعني تطابق الإسناد هل يعني تطابق الخبر؟ لا يلزم، يعني قد يروى مائة حديث بإسناد واحد هل نقول: إن هذه الأحاديث أطراف لهذا الحديث ؟ أو أحاديث مستقلة؟

المقدم: ممكن أن تكون أطرافًا.

ما يمنع إذا كانت القصة واحدة، والخبر واحدًا، لكن إذا كانت متغايرة كما هنا ولو كان السند واحدًا؛ لأن الترقيم هذا، وكونه طرفًا وغير طرف هذا من صنيع محمد فؤاد عبد الباقي، قوله: ولكن.. لأنه قال: وعن إبراهيم قال: قال صالح بن كيسان: قال ابن شهاب: ولكن عروة يحدث عن حُمران، قوله: ولكن عروة يحدث يعني أن شيخي ابن شهاب اختلفا في روايتهما له عن حمران، شيخه هنا عروة، وشيخه في الموضع الأول عطاء بن يزيد، عطاء بن يزيد في الموضع الأول الذي سبق شرحه، وشيخه في هذا الموضع عروة، قال: ولكن عروة يحدث، هو كأنه لما بيّن لفظ عطاء بن يزيد في الحديث السابق أراد أن يبين لفظ عروة، ولذا قال من قال: إنهما حديث واحد، لكن متن الحديث يغاير مغايرة تامة اللفظ الأول، فالذي يغلب على ظني ويظهر لي أنهما حديثان، يعني أن شيخي ابن شهاب اختلفا في روايتهما له عن حمران عن عثمان، فحدثه به عطاء على صفة، وعروة على صفة، وليس ذلك اختلافًا، يعني ليس هذا من باب اختلاف الرواة في حديث واحد، جاءنا ما يحل الإشكال بكلام ابن حجر، وليس ذلك اختلافًا، يعني من الرواة في حديث واحد، وإنما هما حديثان متغايران.

 هذا في كلام ابن حجر، ووافق ما استظهرناه.

 وقد رواهما معاذ بن عبد الرحمن فأخرج البخاري من طريقه نحو سياق عطاء ومسلم من طريقه نحو سياق عروة، وأخرجه أيضًا من طريقه هشام بن عروة عن أبيه، ويأتي شرح هذا الموضع قريبًا إن شاء الله تعالى.

الموضع الثالث في كتاب الوضوء أيضًا، باب المضمضة في الوضوء، قال ابن عباس وعبد الله بن زيد- رضي الله عنهم- عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب عن الزهري، قال: أخبرني عطاء بن يزيد عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إناءه فغسلهما ثلاث مرات.. الحديث، والمضمضة ذكرت في الحديث، إذًا المناسبة ظاهرة جدًّا.

 الموضع الرابع في كتاب الصيام.    

المقدم: أنت قلت ستنازع هنا ولا في الرابع.

لا، الموضع الذي سبق؛ لأنه سيأتي شرحه مستقلًا؛ لأنه هو الموضع الحديث رقم مائة وستين.

المقدم: المنازعة في الموضع الثاني وليس الرابع.

الموضع الثاني نعم، الذي أنهينا الكلام عنه.

الرابع في كتاب الصيام باب سواك الرطب واليابس للصائم، وإضافة سواك إلى الرطب مثل إضافة مسجد الجامع وصلاة الأولى وما أشبه ذلك على الخلاف بين الكوفيين والبصريين في جواز مثل هذه الإضافة بدون تقدير، قال -رحمه الله تعالى-: الآن فيه مناسبة للصيام حديث عثمان باللفظ الذي عندنا؟ 

المقدم: باللفظ لا، إلا أن يكون توضأ في رمضان.

هو توضأ في رمضان.

المقدم: هذا الحديث.

لا.

المقدم: إذا كانت المناسبة في رمضان.

المناسبة فيها بعد، قال: حدثنا عبدان قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا معمر قال: حدثني الزهري عن عطاء بن يزيد عن حمران: رأيت عثمان -رضي الله عنه- توضأ فأفرغ على يديه ثلاثًا، ثم تمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثًا.. الحديث، والمناسبة تبين من نقل كلام ابن حجر، يقول ابن حجر: أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره للصائم الاستياك بالسواك، السواك الرطب، السواك الرطب فيه ماء، ويشبه من وجه المضمضة؛ لأنها إدخال ماء في فمه، ولذلك قال: باب سواك الرطب واليابس للصائم، أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره للصائم الاستياك بالسواك الرطب كالمالكية والشعبي، وقد تقدم قبل بباب قياس ابن سيرين السواك الرطب على الماء الذي يتمضمض به، ومنه تظهر النكتة في إيراد حديث عثمان في صفة الوضوء في هذا الباب، فإن فيه أنه تمضمض واستنشق.

 وقال فيه: من توضأ وضوئي هذا ولم يفرق بين صائم ومفطر، ولم يفرق بين صائم ومفطر، ويتأيد بما ذكر في حديث أبي هريرة يعني عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء»، يعني الوضوء مما يتطلب السواك بهذا الحث، وكذلك الصلاة التي جاء الحث عليها في هذا الحديث تتطلب أيضًا السواك.

 قلت: ومثله عند كل صلاة وكل من الوضوء والصلاة مما يتطلب السواك، لكن الاستنشاق جاء استثناء المبالغة فيه للصائم، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا، وهل يلحق به السواك فلا يبالغ فيه، وكذلك المضمضة لا يبالغ فيها، أو لا يلحقان به؟ يعني جاء وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا، هل نقول: بالغ في المضمضة إلا أن تكون صائمًا؟        

المقدم: اللفظ بالغ في الاستنشاق فقط الحديث الثاني.

بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا، فهل نلحق المضمضة به، باعتبار أن الفم هو الأصل، هو المدخل الأصلي.

المقدم: فما دام حذر من المدخل الفرعي فالمدخل الأصلي من باب أولى.

نعم، هذا من يقول بالغ في المضمضة إلا أن تكون صائمًا، لكن هناك وجهة نظر أخرى وهي: أن المضمضة والحلق يمكن التحكم فيه، ليس مثل الأنف، التحكم في الفم وبلع الماء من قبله يمكن التحكم فيه بخلاف الأنف لا يتحكم فيها إذا بالغ، فلا تقاس المضمضة على الاستنشاق.

الموضع الخامس: في كتاب الرقاق في باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا ولا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الغَرُورُ} [سورة فاطر 5]، يعني الآية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا} يعني الترجمة بالآية مناسب جدًّا لكتاب الرقاق، لكن ما مناسبة الحديث لهذه الآية؟ المناسبة في قوله: لا تغتروا، قال- رحمه الله-: حدثنا سعد بن حفص قال: حدثنا شيبان عن محمد بن إبراهيم القرشي قال: أخبرني معاذ بن عبد الرحمن أن أبان أو أبانًا.

المقدم: أبان قول عثمان.

ممنوع أم مصروف ؟ فيه كلام قوي، أولًا: ابن مالك يراه ممنوعًا من الصرف. 

المقدم: نحن تبع ابن مالك.

تبع ابن مالك، لكن من يقول من منع أبان فهو.. مشكلة، يقول بعضهم.

المقدم: والذي قال هذا الكلام بعد ابن مالك.

قبله، كلام معروف عند أهل العلم، والأكثر على أنه مصروف؛ لأن النون ليست زائدة من الإبانة، ليست زائدة الألف والنون، النون ليست زائدة، يعني حسان ممنوع أم مصروف؟

المقدم: حسان لا، مصروف.

لماذا؟ لأن النون فيه من الحسن، من يقول: من الحس يقول: ممنوع من الصرف، دعونا ممن يقول من الإباء ممنوع من الصرف، لكن من يقول: من الإبانة يقول: مصروف، أخبره قال: رأيت عثمان بن عفان أتي بطهور وهو جالس على المقاعد، فتوضأ فأحسن الوضوء، المقاعد يعني أشبه ما تكون بالكراسي من الطين واللبن يجلس عليها للوضوء وللحكم بين الناس مجلس، على المقاعد فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قال: رأيت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – توضأ وهو جالس في هذا المجلس فأحسن الوضوء، ثم قال: «من توضأ مثل هذا الوضوء ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه».

المقدم: قيد ثالث.

أتى المسجد.

المقدم: ما هو بقيد ثالث هذا؟

يعني لابد أن يكون في المسجد؟

المقدم: نعم.

أو نقول: إنه هذا إذا كان في المسجد والتطوع في البيت أفضل فيكون من باب أولى، هذا إذا قلنا: إن هذا في النافلة فلا شك أن البيت أفضل، وإذا قلنا: إن هذا في الفريضة على ما سيأتي في الحديث الذي يليه في الفريضة، لابد أن يأتي المسجد، ولذا لا يحصل هذا الثواب لمن صلى الفريضة في البيت، يعني لو تصورنا أنه توضأ مثل وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم صلى صلاة الصبح لا يحدث فيها نفسه في بيته ما حصل له هذا الأجر، قال: وقال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا تغتروا»، قال ابن حجر: أي لا تحملوا الغفران على عمومه في جميع الذنوب فتسترسلوا في الذنوب؛ اتكالًا على غفرانها بالصلاة، فإن الصلاة التي تكفر الذنوب هي المقبولة، ولا اطلاع لأحد عليها، ابن حجر ذكر هذا في الموضع الأول الذي سبق.

 قال: وظهر لي جوابًا آخر هنا في كتاب الرقاق في الحادي عشر من فتح الباري، ظهر لي جواب آخر، وهو أن المكفر بالصلاة هي الصغائر، فلا تغتروا فتعملوا الكبيرة بناءً على تكفير الذنوب بالصلاة فإنه خاص بالصغائر.

المقدم: رجع عن قوله الأول، أم فقط زاده إيضاحًا..؟

استظهار يعني أن هذه كلها صالحة، يعني لا تغتروا بهذه المغفرة فتكثروا من الذنوب؛ لأن الصلاة المكفرة هي المقبولة، وأنتم لا تدرون هي مقبولة أو غير مقبولة.

الأمر الثاني: أن لا يغتر ويسترسل بالذنوب مع أن الحديث في الصغائر، أو لا تستكثروا من الصغائر فإنها بالإصرار تعطى حكم الكبيرة، فلا يكفرها ما يكفر الصغيرة، أو أن ذلك خاص بأهل الطاعة، فلا يناله من هو مرتبك في المعصية، والله أعلم، هذا سبب النهي عن الاغترار، وعمومًا الاغترار حتى لو أن الإنسان اجتنب الكبائر والصغائر وأحسن الصلاة وأحسن الوضوء لا ينبغي أن يغتر؛ لأن الاغترار إعجاب بالنفس، وإعجاب بالعمل، وهذا وحده كافٍ في إحباط العمل–  نسأل الله العافية–.

 يقول ابن حجر: قوله: «ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس»، هكذا أطلق صلاة ركعتين، وقيده مسلم في روايته بلفظ: ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو في المسجد، وفي رواية: فيصلي الصلاة المكتوبة، والحاصل أن لحمران حديثين في هذا، في هذا الموضوع له حديثان، ليس بحديث واحد فيكون الموضع الخامس مثل الموضع الثاني، والأول والثالث والرابع حديثًا، والثاني والخامس حديثًا، والحاصل أن لحُمران حديثين في هذا:

أحدهما: مقيد بترك حديث النفس، وذلك في صلاة ركعتين مطلقًا غير مقيد بالمكتوبة.

والآخر: في الصلاة المكتوبة في الجماعة أو في المسجد من غير تقييد بترك حديث النفس. والحديث أخرجه الإمام مسلم فهو متفق عليه.

 الحديث الذي يليه لأنه تابع له.

المقدم: وفي رواية أن عثمان -رضي الله عنه- قال: ألا أحدثكم حديثًا لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه؟ سمعت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: «لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه ويصلي الصلاة إلا ما غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها» والآية: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا}.

هذا الحديث هو في الباب السابق، باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، فلا نحتاج تكلفًا ومناسبة، والراوي هو الراوي عثمان -رضي الله عنه- فلا نحتاج التعريف به، وهذا هو الموضع الثاني من مواضع تخريج الإمام البخاري -رحمه الله- لحديث عثمان في الوضوء، على اعتبار أنه طرف من أطراف الحديث الأول، وإلا حقيقة الحديث مغايرة لحقيقة الحديث السابق، وإن اجتمعا في الحث على إحسان الوضوء والصلاة، لكن الصلاة تختلف، ولذا عدهما ابن حجر في ثنايا كلامه السابق عدهما حديثين، كما أشار إلى ذلك سابقًا، وتقدم ذكره والكلام على ما احتاج الكلام في إسناده، تكلمنا على إسناده وعن إبراهيم هل هو معطوف على ماذا...؟

المقدم: هل هو معلق أو غير معلق.

هذا تقدم، وتقدم ذكره، والكلام على ما يحتاج إلى الكلام في إسناده وقوله: (ألا أحدثكم) أداة عرض وتحضيض ولولا حرف امتناع لوجود، امتنع ترك التحديث لوجود الآية، قوله: (لولا آية)، زاد مسلم (في كتاب الله) ولأجل هذه الزيادة صحّف بعض رواته آية فجعلها أنه لولا أنه في كتاب الله، بالنون المشددة وبهاء الشأن ضمير الشأن الهاء، وتقدم نظيره في باب آية الإيمان حب الأنصار، علامة الإيمان حب الأنصار، في كتاب الإيمان رقم سبعة عشر حديث في الأصل، «آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار».

المقدم: حديث أنس -رضي الله عنه-.

صحّفه بعضهم إلى الإيمان حب الأنصار، هذه كلمة صُحفت، وسبق الكلام فيها، ولذا صحّف بعضهم في هذا الموضع، قال: إنه لولا أنه في كتاب الله، قوله: (ويصلي الصلاة) لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه، يعني خشية الاتكال والاغترار، سمعت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: «لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه» هو نظير ما تقدم في الحديث «نحو وضوئي هذا»، «فيحسن وضوءه ويصلي الصلاة» يصلي الصلاة أي المكتوبة، وفي رواية لمسلم: فيصلي هذه الصلوات الخمس، فيكون هذا هو الحديث؟

المقدم: فيه فرق بينهما.

فرق كبير، وفي نفسي من كونه مع الحديث السابق حديثًا واحدًا بل هما حديثان للتغاير الواضح بينهما، ويصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها، وبين الصلاة أي التي تليها، كما صرح به مسلم، وفي روايته هشام بن عروة؛ لأن الصلاة إلى الصلاة كفارة «الصلوات الخمس كفارة لما بينها» قوله: «حتى يصليها» أي يشرع في الصلاة الثانية، قوله: والآية، من القائل؟ والآية. 

المقدم: الراوي عن عثمان.

يعني عروة؛ لأنه قال عروة الآية، والآية هو قول عروة الراوي مبينًا للآية التي أبهمها عثمان- رضي الله عنه-: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ} يعني الآية التي في سورة البقرة إلى قوله: {اللاَّعِنُونَ} كما صرح به مسلم، واحتج بهذه الآية كما تقدم في كتاب العلم أبو هريرة، يقول الناس: أكثر أبو هريرة والله الموعد ولولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} إلى قوله: {اللاَّعِنُونَ} وهذه آية مخيفة فيمن لديه شيء من العلم ولا يبلغه، فقد أخذ العهد والميثاق على أهل العلم أن يبينوه ولا يكتموه، ومراد عثمان -رضي الله عنه- أن هذه الآية تُحرض على التبليغ وهي وإن نزلت في أهل الكتاب، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقد تقدم نحو ذلك لأبي هريرة في كتاب العلم، وإنما كان عثمان يرى ترك تبليغهم ذلك لولا الآية المذكورة خشية عليهم من الاغترار، والله أعلم، هذه الآية بينها عروة، لكن جاء في موطأ مالك جاء هذا الحديث في الموطأ عن هشام بن عروة، ولم يقع في روايته تعيين الآية، فقال: من قبل نفسه أراه يريد يعني أظنه يريد {وأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [سورة هود 114] لكن هل هذه الآية تحث على التبليغ أو تمنع من التبليغ؟   

المقدم: هذه تحث على التبليغ.

{وأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ}

المقدم: هذه ما لها دخل في التبليغ أصلًا، الآية الأولى هي التي تحث.

نعم تحث على التبليغ، لكن هذه الآية فيها موافقة للحديث، في معنى الحديث، ولا تمنعه ولا يمتنع من تبليغ الحديث لولا هذه الآية، أراه يريد {وأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. انتهى، وما ذكره عروة راوي الحديث {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا} ذكره عروة راوي الحديث بالجزم أولى من ظن هشام بن عروة، والمطابقة بين الآية التي ذكرها عروة للحال.

المقدم: أظهر.

أظهر بكثير في المطابقة من الآية التي ذكرها هشام بن عروة، قال ابن حجر.

 والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.

المقدم: صلى الله عليه وسلم، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم ويفقهنا وإياكم في دينه ويرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل.

 أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.