التعليق على تفسير القرطبي - سورة الشعراء (03)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ(141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ(142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: (141 - 158)].

قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [سورة الشعراء:141] ذكر قصة صالح وقومه وهم ثمود، وكانوا يسكنون الحجر كما تقدم في (الحجر)، وهي: ذوات نخل وزروعٍ ومياه، {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ} [سورة الشعراء:146] يعني في الدنيا آمنين من الموت والعذاب، قال ابن عباس: كانوا معمرين لا يبقى البنيان مع أعمارهم، ودل على هذا قوله: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [سورة هود:61] ففزعهم.."

فقرَّعهم.

" فقرَّعهم صالح ووبخهم، وقال: أتظنون أنكم باقون في الدنيا بلا موت، {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} [سورة الشعراء:147 - 148] قال الزمخشري: فإن قلت: لمَ قال: {وَنَخْلٍ} بعد قوله: و {جَنَّاتٍ} والجنات تتناول النخل أول شيء كما يتناول النعم الإبل كذلك من بين الأزواج حتى إنهم ليذكرون الجنة ولا يقصدون إلا النخل، كما يذكرون النعم ولا يريدون إلا الإبل، قال زهير:

كَأَنَّ عَيْنَيَّ فِي غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ

مِنَ النَّوَاضِحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحُقًا

 

يعني نخلًا، التنصيص على النخل بعد ما ذكر في الجنة من الجنات والعيون والزروع، هذا من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام بشأنه والعناية به، وهذا أسلوب مألوف في النصوص وفي لغة العرب، معروف.

" يعني النخل، والنخلة السحوق: البعيدة الطول، قلت: فيه وجهان أحدهما: أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيهًا على انفراده عنها بفضله عنها، والثاني: أن يريد بالجنات غيرها من الشجر؛ لأن اللفظ يصلح لذلك، ثم يعطف عليها النخل والطلعة: هي التي تطلع من النخلة، كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو، والقنو: اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه، و{هَضِيمٌ} قال ابن عباس: لطيف ما دام في كفرَّاه، والهضيم: اللطيف الدقيق، ومنه قول امرئ القيس:

عليّ هضيم الكشح ريا المخلخل

قال الجوهري: ويقال للطلع: هضيم ما لم يخرج من كفرَّاه؛ لدخول بعضه في بعض، والهضيم من النساء: اللطيفة الكشحين، ونحوه حكى الهروي قال: هو المنضم."

العامة يسمون الطلع في ظرفه يسمونه (كافور)؛ لأنه يكفره أي: يستره، ثم بعد ذلك يتشقق هذا الطلع.

"ونحوه حكى الهروي قال: هو المنضم في وعائه قبل أن يظهر، ومنه رجل هضيم الجنبين أي: منضمهما هذا قول أهل اللغة، وحكى الماوردي وغيره في ذلك اثني عشر قولًا: أحدهما: أنه الرطب اللين، قاله عكرمة."

يعني سهل الهضم، فعيل: هضيم، بمعنى مهضوم، أي سهل الهضم.

"الثاني: هو المذنب من الرطب."

وهو الذي بدأ صلاحه في أسفله.

"قاله سعيد بن جبير، قال النحاس: وروى أبو إسحاق عن يزيد -هو ابن أبي زياد كوفي ويزيد بن أبي مريم شامي- {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} [سورة الشعراء:145] قال: منه ما قد أرطب ومنه مذنب. الثالث: أنه الذي ليس فيه نوى قاله الحسن، الرابع: أنه المتهشم المتفتت إذا مُس تفتت قاله مجاهد، وقال أبو العالية: يتهشم في الفم، الخامس: هو الذي قد ضمر بركوب بعضه بعضًا، قاله الضحاك ومقاتل، السادس: أنَّه المتلاصق بعضه ببعض، قاله أبو صخر، السابع: أنَّه الطلع حين يتفرق ويخضر، قاله الضحاك أيضًا، الثامن: أنه اليانع النضيج قاله ابن عباس، التاسع: أنه المكتنز قبل أن ينشق عنه القشر، حكاه ابن شجرة، قال:

كأن حمولة تجلى عليه

هضيم ما يحس له شقوقُ

العاشر: أنه الرَّخو،.."

الرِّخو مثلث الراء، مثلث، لكن الأشهر الكسر.

" العاشر: أنَّه الرِّخو، قاله الحسن. الحادي عشر: أنه الرَّخِص اللطيف أول ما يخرج، وهو الطلع النضيد، قاله الهروي، الثاني عشر: أنه البرني قاله ابن الأعرابي، فعيل بمعنى فاعل: أي هنيء مريء من انهضام الطعام، والطلع: اسم مشتق من الطلوع وهو الظهور، ومنه طلوع الشمس والقمر والنبات."

إذا كان المراد بالطلع هو أوله في كافرّاء -على ما قالوا- كفرّاه أو كافوره فلا شك أنَّ الصيغة صيغة مدح، والسياق سياق مدح، والذي يظهر أنَّه بعد أن ينضج، والهضيم مثلما ذكرنا أنه اسم مفعول يعني مهضوم سهل الهضم، نافع للبدن، من غير تعبٍ ولا عناء، لا يحتاج إلى لوك، ولا يحتاج إلى إساغة بماء ونحوه، والمقصود أنَّها صفة مدح لهذا التمر؛ لأن الله -جل وعلا- يمتنّ على عباده بالأفضل، فلا شك أنَّ الأقوال المذكورة لها حظ من النظر، لكن أولاها وأقواها أنَّه مدح للتمر نفسه بعد أن يتم نضجه ويكون هضيمًا بمعنى مهضومًا سهل الهضم، والتمر من أسهل الأطعمة هضمًا.

" قوله تعالى: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} [سورة الشعراء:149] النحت النجر والبري، نحته ينحته (بالكسر) نحتًا: إذا براه، والنحاتة البراية، والمنحت: ما ينحت به، وفي (الصافات) قال: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [سورة الصافات:95] وكانوا ينحتونها من الجبال لما طالت أعمارهم وتهدم بناؤهم من المدر.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع: (فرهين) بغير ألف، والباقون: {فَارِهِينَ} [سورة الشعراء:149] بألف، وهما بمعنىً واحد في قول أبي عبيدة وغيره، مثل: {عِظَامًا نَّخِرَةً} [سورة النازعات:11] و(ناخرة) وحكاه قطرب."

إلا أن فره أبلغ؛ لأنَّه من صيغ المبالغة، وأما فاره فهو اسم الفاعل لا يتضمن المبالغة، وعلى كل حال كما تقدم في كلامهم، في كلام ابن عباس وغيره وهو أن البيوت لا تقف أمامهم، يعني لا تنتظر حتى يموتوا، كانوا معمرين لا يبقى البنيان مع أعمارهم، يعني مع كونها منحوتة من جبال تتهدم قبل أن يموتوا؛ لطول أعمارهم، ويعتبر بذلك من يبني القصور الشاهقة، ويعنى ببنايتها ويحتاط لها، ويضع لها الأسس القوية يعتبر بذلك أن العمر وأن الأمر أقرب من ذلك، وكم من شخصٍ عمر ولم يسكن، وكم من شخصٍ أثث ولم يسكن، والله المستعان.

"وحكى فَرُهَ يفرُه فهو فاره، وفرِه يفرَه فهو فره وفاره: إذا كان نشيطًا، وهو نصب على الحال، وفرق بينهما قوم فقالوا: {فَارِهِينَ} حاذقين بنحتها، قاله أبو عبيدة، وروي عن ابن عباس وأبي صالح وغيرهما، وقال عبد الله بن شداد: {فَارِهِينَ} متجبرين، وروي عن ابن عباس أيضًا أن معنى: (فرهين) بغير ألف أشرين بطرين، وقاله مجاهد، وروي عنه (شرهين)، قال الضحاك: كيسين، وقال قتادة: معجبين قاله الكلبي، وعنه: ناعمين، وعنه أيضًا: آمنين، وهو قول الحسن، وقيل: متخيرين، قاله الكلبي والسدي، ومنه قول الشاعر:

إلى فرهٍ يماجد كل أمر

قصدت له لأختبر الطباعا

وقيل: متعجبين، قاله خصيف، وقال ابن زيد: أقوياء، وقيل: فرهين: فرحين، قاله الأخفش، والعرب تعاقب بين الهاء والحاء، تقول: مدهته ومدحته، فالفره الأشر: الفرح، ثم الفرح بمعنى: المرح مذموم، قال الله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [سورة لقمان:18] وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [سورة القصص:76].

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الشعراء:150-151] قيل: المراد.."

نقول: فارهين المرجح فيها أنهم إما أن يكونوا أقوياء نشطين، ويترتب على ذلك النتيجة أنهم أشرين وبطرين، فرحين بقدرتهم على نحت الجبال، وإن كان غيرهم لا يستطيع ذلك فهم يختالون على غيرهم ويتكبرون عليهم ويتجبرون، فهذا يجمع كل الأقوال.

" قيل: المراد الذين عقروا الناقة، وقيل: التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، قال السدي وغيره: أوحى الله تعالى إلى صالح: إن قومك سيعقرون ناقعتك فقال لهم ذلك فقالوا: ما كنا لنفعل، فقال لهم صالح: إنه سيولد في شهركم هذا غلام يعقرها، ويكون هلاككم على يديه، فقالوا: لا يولد في هذا الشهر ذكر إلا قتلناه، فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر فذبحوا أبناءهم، ثم ولد للعاشر فأبى أن يذبح ابنه، وكان لم يولد له قبل ذلك، وكان ابن العاشر أزرق أحمر فنبت نباتًا سريعًا، وكان إذا مر بالتسعة فرأوه، قالوا: لو كان أبناؤنا أحياء لكانوا مثل هذا، وغضب التسعة على صالح؛ لأنه كان سبب قتلهم أبناءهم، فتعصبوا وتقاسموا بالله لنبيتنه وأهله، قالوا: نخرج إلى سفر فترى الناس سفرنا فنكون في غار حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى مسجده أتيناه فقتلناه، ثم قلنا: ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون، فيصدقوننا، ويعلمون أنا قد خرجنا إلى سفر، وكان صالح لا ينام معهم في القرية، وكان يأوي إلى مسجده، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم، فلما دخلوا الغار أرادوا أن يخرجوا فسقط عليهم الغار فقتلهم، فرأى ذلك ناس ممن كان قد اطلع على ذلك فصاحوا في القرية: يا عباد الله، أما رضي صالح أن أمر بقتل أولادهم حتى قتلهم، فأجمع أهل القرية على قتل الناقة، وقال ابن إسحاق: إنما اجتمع التسعة على سب صالح بعد عقرهم الناقة وإنذارهم بالعذاب على ما يأتي بيانه في سورة (النمل)، إن شاء الله تعالى.

{قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [سورة الشعراء:153] هو من السحر في قول مجاهد وقتادة على ما قال المهدوي: أي أصبت بالسحر فبطل عقلك؛ لأنك بشر مثلنا، فلمَ تدَّعي الرسالة دوننا، وقيل: من المعللين بالطعام والشراب، قاله ابن عباس والكلبي وقتادة ومجاهد أيضًا فيما ذكر الثعلبي، وهو على هذا القول من السحر وهو الرئة: أي بشرٌ لك سحر: أي رئة، تأكل وتشرب مثلنا، كما قال لبيد:

فإن تسألينا فيم نحن فإننا

عصافير من هذا الأنام المسحرِ

 وقال امرؤ القيس: ونسحر بالطعام وبالشراب.

{فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [سورة الشعراء:154] في قولك .."

كأن أخذ الكلمة من السحر أظهر، أظهر من كونه له سحر، يأكل ويشرب ورئة فهو مثلهم، لكن هذا ليس فيه نقيصة، التنقص بالسحر، كما تنقّص غيره من الأنبياء بذلك.

"{قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [سورة الشعراء:155] قال ابن عباس: قالوا: إن كنت صادقًا فادع الله يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء عشراء، فتضع ونحن ننظر، وترد هذا الماء فتشرب وتغدو علينا بمثله لبنًا، فدعا الله وفعل الله ذلك، فـ {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ} [سورة الشعراء:155] أي حظ من الماء: أي لكم شرب يوم، ولها شرب يوم، فكانت إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله أول النهار، وتسقيهم اللبن آخر النهار، وإذا كان يوم شربهم كان لأنفسهم ومواشيهم وأرضهم، ليس لهم في يوم ورودها أن يشربوا من شربها شيئًا، ولا لها أن تشرب في يومهم من مائهم شيئًا، قال الفراء: الشرب الحظ من الماء، قال النحاس: فأما المصدر فيقال فيه شرب شَربًا وشُربًا وشِربًا وأكثرها المضمومة؛ لأنَّ المكسورة والمفتوحة يشتركان مع شيء آخر فيكون الشِّرب: الحظ من الماء، ويكون الشَّرب: جمع شارب، كما قال:

فقلت للشرب في درنا وقد ثملوا.

إلا أن أبا عمرو بن العلاء والكسائي يختاران: (الشَّرب) بالفتح في المصدر، ويحتجان برواية بعض العلماء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنها أيام أكل وشَرْب».

{وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} [سورة الشعراء:156] لا يجوز إظهار التضعيف هاهنا؛ لأنهما حرفان متحركان من جنس واحد."

الشرب بالفتح: جمع شارب، كالصحب جمع صاحب، والسفر وغيرهما، وبالفتح جمع كما أن الشِّرب الحظ والنصيب، والشُّرب هو المصدر، بهذا تتميز الألفاظ الثلاثة، كل ما أمكن التمييز بين الألفاظ كل لفظٍ بما يخصه من معنى فهو أولى من الاشتراك.

"{فَيَأْخُذَكُمْ} [سورة الشعراء:156] جواب النهي، ولا يجوز حذف الفاء منه، والجزم كما جاء في الأمر إلا شيئًا روي عن الكسائي أنه يجيزه."

أما جواب النهي هو منصوب {فَيَأْخُذَكُمْ} ، وجواب النهي: مجزوم، وهو هنا منصوب بـ (أن) المصدرية المقدرة بعد الفاء الواقعة بعد النهي، وإذا قلنا: إن الجواب نهي قلنا يُجزم (فيأخذْكم) وهو في الحقيقة منصوب بـ (أن) المضمرة بعد الفاء الواقعة بعد النهي.

"قوله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ} [سورة الشعراء:157] أي على عقرها لما أيقنوا بالعذاب، وذلك أنه أنظرهم ثلاثًا فظهرت عليهم العلامة في كل يوم وندموا ولم ينفعهم الندم عند معاينة العذاب، وقيل: لم ينفعهم الندم؛ لأنهم لم يتوبوا، بل طلبوا صالحًا- عليه السلام- ليقتلوه لما أيقنوا بالعذاب، وقيل: كانت ندامتهم على ترك الولد إذ لم يقتلوه معها، وهو بعيد."

جاء في الخبر أن «الندم توبة» فإما أن يكون ندمهم بعد رؤية العذاب والتوبة بعد الرؤية لا تنفع، أو يكون هذا في شريعتهم أن الندم ليس بتوبة، يعني كما جاء في قصة ابن آدم حينما قتل أخاه فأصبح من النادمين، لا شك أن الندم توبة، لكنه محمول عند جمع من أهل العلم على ندمه على حمل أخيه، يعني لو تركه أو دفنه ولم يحمله؛ لأنه حمله مدة طويلة من مكان إلى مكان، فندم على ذلك، أو يكون في شرع من قبلنا أن الندم لا يكفي، وفي شرعنا أن الندم توبة.

"{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [سورة الشعراء:158] إلى أخره ما تقدم، ويقال: إنه ما آمن به من تلك الأمم إلا ألفان وثمانمائة رجل وامرأة، وقيل: كانوا أربعة آلاف، وقال كعب: كان قوم صالح اثني عشر ألف قبيل، كل قبيل نحو اثني عشر ألفًا من سوى النساء والذرية، ولقد كان قوم عاد مثلهم ست مرات."

طالب:.........

هؤلاء؛ لأنهم عاينوا العذاب، عاينوه، والتوبة بعد معاينة العذاب ما تنفع، لا تنفع إلا قوم يونس، ما استثني إلا قوم يونس.

"قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} [سورة الشعراء:160] مضى معناه وقصته في (الأعراف) و (هود) مستوفى، والحمد لله.

 قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [سورة الشعراء:165] كانوا ينكحونهم في أدبارهم، وكانوا يفعلون ذلك بالغرباء على ما تقدم في (الأعراف)، {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم} [سورة الشعراء:166] يعني فروج النساء، فإن الله خلقها للنكاح، قال إبراهيم بن مهاجر: قال لي مجاهد: كيف يقرأ عبد الله: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم} قلت: (وتذرون ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم) قال: الفرْج، كما قال: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [سورة البقرة:222].

{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [سورة الشعراء:166] أي متجاوزون لحدود الله، {قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ} [سورة الشعراء:167] عن قولك هذا {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} [سورة الشعراء:167] أي من بلدنا وقريتنا، {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم} [سورة الشعراء:168] يعني اللواط، {مِّنَ الْقَالِينَ} أي المبغضين، والقلى: البغض، قليته: أقليه قلىً وقلاءً، قال:

فلستُ بمقلي الخلال ولا قالي

وقال آخر:

عليك السلام لا مللت قريبة

وما لك عندي إن نأيت قلاءُ

يعني مثلما جاء في سورة الضحى {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [سورة الضحى:3] يعني ما أبغضك.

" {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} [سورة الشعراء:169] أي من عذاب عملهم، دعا الله لما أيس من إيمانهم ألا يصيبه من عذابهم، قال تعالى: {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} [سورة الشعراء:170] ولم يكن إلا ابنتاه على ما تقدم في (هود)، {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} [سورة الشعراء:171] روى سعيد عن قتادة قال: غبرت في عذاب الله- عزَّ وجلَّ-: أي بقيت، وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من الباقين في الهرم: أي بقيت حتى هرمت، قال النحاس: يقال للذاهب غابر، والباقي غابر، كما قال:

لا تكسع الشول بأغبارها

إنك لا تدري من الناتجُ

فيكون من الأضداد، غبر يعني بمعنى: بقي، ويكون بمعنى: مضى، غبر: يكون بمعنى الباقي، وبمعنى: الماضي، فيكون حينئذٍ من الأضداد، ولذا لما طبع العبر للذهبي -رحمه الله- في خبر من غبر، اُستدرك العنوان وكتب عليه: أن من غبر: يعني بقي، والأصل (في خبر من عبر) يعني مضى، لكن إذا تقرر أن غبر بمعنى: مضى، وبمعنى: بقي، وهي من الأضداد إذًا لا استدراك، والأكثر على أنها بمعنى الباقي، الغابرين: الباقين.

"وكما قال:

فما ونى محمد منذ إن غفر

له الإله ما مضى وما غبر

أي: ما بقي، والأغبار: بقيات الألبان، {ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ} [سورة الشعراء:172] أي أهلكناهم بالخسف والحصب، قال مقاتل: خسف الله بقوم لوط وأرسل الحجارة على من كان خارجًا من القرية، {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا} [سورة الشعراء:173] يعني الحجارة، {فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [سورة الشعراء:173] وقيل: إن جبريل خسف بقريتهم وجعل عاليها سافلها ثم أتبعها الله بالحجارة، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة الشعراء:174] لم يكن فيها مؤمن إلا بيت لوط وابنتاه.

طالب:.........

هذا المعروف عند أهل العلم يسمونه لواطًا، وليس معناه النسبة إلى لوط، وإنما النسبة إلى قومه، النسبة إلى المضاف إليه، قوم لوط، وليست نسبةً إلى النسبة إلى المضاف: الذين هم القوم، وليست النسبة إلى لوط- عليه السلام-، يجوز، يسوغ هذا.

طالب:.........

هي فاحشة لكنها لواط، مثل الفاحشة وهو زنا، ما فيه إشكال.

طالب: الأغبار بقيات الألبان؟

والأغبار بقيات الألبان؟ ما فيها؟ يعني ما يبقى في الإناء.

"قوله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [سورة الشعراء:176] الأيك: الشجر الملتف الكثير، الواحدة: أيكة، ومن قرأ: {أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} [سورة الشعراء:176] فهي الغيضة، ومن قرأ: (ليكة) فهو اسم القرية، ويقال: هما مثل بكة ومكة، قاله الجوهري، وقال النحاس: وقرأ أبو جعفر ونافع: (كذب أصحاب ليكة المرسلين) وكذا قرأ في (ص)، وأجمع القراء على الخفض في التي في سورة (الحجر)، والتي في سورة (ق)، فيجب أن يرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه؛ إذ كان المعنى واحدًا، وأما ما حكاه أبو عبيد من أن (ليكة) هي اسم القرية التي كانوا فيها، وأن (الأيكة) اسم البلد، فشيء لا يثبت ولا يعرف من قاله فيثبت علمه، ولو عُرف من قاله لكان فيه نظر؛ لأن أهل العلم جميعًا من أهل التفسير والعلم بكلام العرب على خلافه، وروى عبد الله بن وهب عن جرير بن حازم عن قتادة قال: أرسل شعيب- عليه السلام- إلى أمتين: إلى قومه من أهل مدين، وإلى أصحاب الأيكة، قال: والأيكة: غيضة من شجرٍ ملتف، وروى سعيد عن قتادة قال: كان أصحاب الأيكة أهل غيضة وشجر، وكانت عامة شجرهم الدوم، وهو شجر المُقْل.

وروى ابن جبير عن الضحاك قال: خرج أصحاب الأيكة -يعني حين أصابهم الحر- فانضموا إلى الغيضة والشجر، فأرسل الله عليهم سحابة فاستظلوا تحتها، فلما تكاملوا تحتها أحرقوا، ولو لم يكن هذا إلا ما روي عن ابن عباس قال: و(الأيكة) الشجر، ولا نعلم بين أهل اللغة اختلافًا أن الأيكة الشجر الملتف، فأما احتجاج بعض من احتج بقراءة من قرأ في هذين الموضعين بالفتح أنه في السواد (ليكة) فلا حجة له، والقول فيه: إن أصله (الأيكة) ثم خففت الهمزة فألقيت حركتها على اللام فسقطت واستغنت عن ألف الوصل؛ لأن اللام قد تحركت فلا يجوز على هذا إلا الخفض كما تقول بالأحمر تُحقق الهمزة ثم تخففها بلحمر، فإن شئت كتبته في الخط على ما كتبته أولًا، وإن شئت كتبته بالحذف ولم يجز إلا الخفض، قال سيبويه: واعلم أن ما لا ينصرف إذا دخلت عليه الألف واللام أو أضيف انصرف، ولا نعلم أحدًا خالف سيبويه في هذا."

الممنوع من الصرف يصرف إذا أضيف، أو اقترن بـ (أل) يقول:

وجرّ بالفتحة ما لا ينصرف

ما لم يضف أو يك بعد أل ردف

يعني بعد (أل) يقترن بـ (أل) أو يكون مضافًا.

"وقال الخليل: (الأيكة) غيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر، {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} [سورة الشعراء:177] ولم يقل: أخوهم شعيب؛ لأنه لم يكن أخًا لأصحاب الأيكة في النسب، فلما ذكر مدين قال: {أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [سورة الأعراف:85]؛ لأنَّه كان منهم، وقد مضى في (الأعراف) القول في نسبه، قال ابن زيد: أرسل الله شعيبًا رسولًا إلى قومه أهل مدين، وإلى أهل البادية وهم أصحاب الأيكة، وقاله قتادة وقد ذكرناه، {أَلَا تَتَّقُونَ} [سورة الشعراء:177] تخافون الله، {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [سورة الشعراء:178-179] الآية .. ، وإنما كان جواب هؤلاء الرسل واحدًا على صيغة واحدة؛ لأنهم متفقون على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة والامتناع من أخذ الأجر على تبليغ الرسالة.

{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} [سورة الشعراء:181] الناقصين للكيل والوزن، {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [سورة الشعراء:182] أي أعطوا الحق، وقد مضى في (سبحان) وغيرها، {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [سورة الشعراء:183] تقدم في (هود) وغيرها، {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ} [سورة الشعراء:184] قال مجاهد: الجبلة هي الخليقة، وجُبل فلان على كذا أي: خلق، فالخُلق جِبلّة وجُبلّة وجِبلَة وجُبلَة وجَبلَة ذكره النحاس في معاني القرآن، و{الْجِبِلَّةَ} عطف على الكاف والميم، قال الهروي: الجِبِلّة والجُبلَة والجِبِلّ والجُبُلُ والجَبلُ لغات، وهو الجمع ذو العدد الكثير من الناس، ومنه قوله تعالى: {جِبِلًّا كَثِيرًا} [سورة يس:62]، قال النحاس في كتاب (إعراب القرآن) له ويقال: جُبُلةٌ، والجمع فيهما: جَبَّال، وتحذف الضمة والكسرة من الباء، وكذلك التشديد من اللام، فيقال: جُبلَةٌ وجُبَل، ويقال: جِبلَةٌ وجِبَال، وتحذف الهاء من هذا كله، وقرأ الحسن باختلاف عنه (والجُبُلة الأولين) بضم الجيم والباء، وروي عن شيبة والأعرج، والباقون بالكسر، قال:

والموت أعظم حادث

فيما يمر على الجِبِلّة

نعم، الجِبلّة: الخلقة، وجُبل فلان على كذا يعني خلق عليه من نشأته، من بداية خلقه، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأشج عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله» ثم قال: "الحمد لله الذي جبلني على ما يحبه الله ورسوله".

"{قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [سورة الشعراء:185]الذين يأكلون الطعام والشراب على ما تقدم.

 قوله تعالى: {وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [سورة الشعراء:186] أي ما نظنك إلا من الكاذبين في أنك رسول الله تعالى، {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء} [سورة الشعراء:187] أي جانبًا من السماء وقطعةً منه فننظر إليه، كما قال: {وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} [ سورة الطور:44]."

يعني لو قدر أنهم أجيبوا وسقط عليهم كسف من السماء، يعني قطعة منه، قالوا: سحابة، هذا سحاب مركوم، وليس من السماء هذا.

"كما قال: {وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} [سورة الطور:44]، وقيل: أرادوا أنزل علينا العذاب، وهو مبالغة في التكذيب، قال أبو عبيدة: الكسف: جمع كسفة، مثل: سدر وسدرة، وقرأ السلمي وحفص: كسفًا: جمع كسفة أيضًا: وهي القطعة والجانب، تقديره كسرة وكسر، قال الجوهري: الكسفة القطعة من الشيء، يقال: أعطني كسفةً من ثوبك والجمع: كِسَف وكِسْف، ويقال: الكسف والكسفة واحد، وقال الأخفش: من قرأ: (كِسْفًا) جعله واحدًا، ومن قرأ: {كِسَفًا} جعله جمعًا، وقد مضى هذا في سورة (سبحان)، وقال الهروي: ومن قرأ: (كِسْفًا) على التوحيد فجمعه: أكساف وكسوف، كأنه قال: أو تسقطه علينا طبقًا واحدًا، وهو من كسفت الشيء كَسْفًا إذا غطيتَه.

{إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الشعراء:187-188] تهديد، أي: إنما علي التبليغ وليس العذاب الذي سألتم إلي وهو يجازيكم، {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [سورة الشعراء:189] قال ابن عباس: أصابهم حر شديد، فأرسل الله سبحانه سحابة، فهربوا إليها ليستظلوا بها، فلما صاروا تحتها صيح بهم فهلكوا، وقيل: أقامها الله فوق رؤوسهم وألهبها حرًّا حتى ماتوا من الرمد، وكان من أعظم يومٍ في الدنيا عذابًا، وقيل: بعث الله عليهم سمومًا فخرجوا إلى الأيكة يستظلون بها، فأضرمها الله عليهم نارًا فاحترقوا، وعن ابن عباس أيضًا وغيرِه: إن الله تعالى فتح عليهم بابًا من أبواب جهنم، وأرسل عليهم هدةً وحرًّا شديدًا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا بيوتهم فلم ينفعهم ظل ولا ماء، فأنضجهم الحر فخرجوا هربًا إلى البرية، فبعث الله- عزَّ وجلَّ- سحابة فأظلتهم فوجدوا لها بردًا وروحًا وريحًا طيبة، فنادى بعضهم بعضًا فلما اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله تعالى عليهم نارًا، ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد في المِقلى، فصاروا رمادًا فذلك قوله: {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} [سورة هود:95]، وقوله: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [سورة الشعراء:189].

 وقيل: إن الله تعالى حبس عنهم الريح سبعة أيام، وسلط عليهم الحر حتى أخذ بأنفاسهم، ولم ينفعهم ظل ولا ماء، فكانوا يدخلون الأسراب ليتبردوا فيها، فيجدوها أشد حرًّا من الظاهر، فهربوا إلى البرية، فأظلتهم سحابة وهي الظلة، فوجدوا لها بردًا ونسيمًا فأمطرت عليهم نارًا فاحترقوا.

وقال يزيد الجريري: سلط الله عليهم الحرَّ سبعة أيام ولياليهن، ثم رفع لهم جبل من بعيد، فأتاه رجل فإذا تحته أنهار وعيون وشجر وماء بارد فاجتمعوا كلهم تحته، فوقع عليهم الجبل وهو الظلة، وقال قتادة: بعث الله شعيبًا إلى أمتين: أصحاب مدين وأصحاب الأيكة، فأهلك الله أصحاب الأيكة بالظلة، وأما أصحاب مدين فصاح بهم جبريل صيحة فهلكوا أجمعين، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة الشعراء:190] قيل: آمن بشعيب من الفئتين تسعمائة نفر."

إذا قضى الله شيئًا فلا رادّ لقضائه، فكثير من الناس إذا أوى إلى الأماكن الباردة ظن أن الحر انتهى، ويقول: البيت مكيف والسيارة مكيفة والمسجد مكيف والعمل مكيف، انتهى الحر، لكن إذا أراد الله شيئًا يسّر أسبابه، وقد تكون هذه المكيفات عذابًا على أهلها، ينقطع منها سبب التكييف ثم تنقلب إلى وبال -نسأل الله العافية-، وعلى كل حال على الناس أن يراجعوا دينهم، وإلا فكثير من المسلمين قد انصرف وصدّ عن دينه، ويخشى من قارعة تحل بهم، كما حلت بمن حولهم من البلدان والأقطار، كما نزل في الأمم السابقة من ألوان العذاب وصنوفه، والسنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، إذا فعلنا مثلما فعلوا عوقبنا بمثل ما عوقبوا، وليس بيننا وبين الله نسب، وما أهون الخلق على الله.

فعلى المسلمين أن يراجعوا أنفسهم، وأن يرجعوا إلى دينهم، ويتركوا ما هم عليه من فسوق وفجور -نسأل الله السلامة والعافية- بل محادةّ ومحاربة الله ورسوله.

طالب: قيل من قول قتادة -رحمه الله-: بعث الله شعيبًا إلى أمتين؟

نعم؛ لأنه جاء {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [سورة هود:84] والذي معنا {أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} [سورة الشعراء:176] بعثه إلى أمتين، أما صاحب مدين الذي هو صاحب موسى فالخلاف بين أهل العلم هل هو هذا شعيب، أو شخص آخر؟ وهل اسمه شعيب أو ليس اسمه شعيب؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، والذين يستبعدون أن يكون شعيب هو صاحب موسى، وإن كان شعيب أرسل إلى مدين، وموسى ورد ماء مدين، فالبلد واحد، والمرسل إليهم مختلف؛ لأن بين شعيب وموسى مفاوز؛ لأن شعيب يقول: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} [سورة هود:89]

طالب:..........

ولو كان، بينهما مفاوز.

"قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الشعراء:192] عاد إلى ما تقدم بيانه في أول السورة من إعراض المشركين عن القرآن، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ} [سورة الشعراء:192-193] {نَزَلَ} مخففًا، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والباقون: {نزل} مشددًا، {بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [سورة الشعراء:193] نصبًا، وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد؛ لقوله: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ} [سورة الشعراء:192] وهو مصدر نزَّل."

نعم، مصدر المضعّف، نزّل تنزيلًا، مثل: كلم تكليمًا، ونزل نزولًا.

"والحجة لمن قرأ بالتخفيف أن يقول: ليس هذا بمقدر؛ لأن المعنى (وإن القرآن لتنزيل رب العالمين نزل به جبريل إليك) كما قال تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [سورة البقرة:97] أي يتلوه عليك فيعيه قلبك، وقيل: ليثبَّت قلبَك، {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [سورة الشعراء:194-195] أي لئلا يقولوا: لسنا نفهم ما تقول.

{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [سورة الشعراء:196] أي وإن ذكر نزوله لفي كتب الأولين يعني: الأنبياء، وقيل: أي إن ذكر محمد- عليه السلام- في كتب الأولين، كما قال تعالى: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [سورة الأعراف:157] والزبر: الكتب، الواحد: زبور، كرسول ورسل، وقد وتقدم.

 قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ} [سورة الشعراء:197] قال مجاهد: يعني عبد الله بن سلام وسلمان وغيرهما ممن أسلم، وقال ابن عباس: بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد- عليه السلام- فقالوا: إن هذا لزمانه، وإنا لنجد في التوراة نعته وصفته، فيرجع لفظ العلماء إلى كل من كان له علم بكتبهم أسلم أو لم يسلم على هذا القول، وإنما صارت شهادة أهل الكتاب حجةً على المشركين؛ لأنهم كانوا يرجعون في أشياء من أمور الدين إلى أهل الكتاب؛ لأنهم مظنون بهم علم، وقرأ ابن عامر (أولم تكن لهم آيةٌ) والباقون {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً} [سورة الشعراء:197] بالنصب على الخبر، واسم يكن {أَن يَعْلَمَهُ} [سورة الشعراء:197]، والتقدير: أولم لكن لهم علم علماء بني إسرائيل الذين أسلموا آية واضحة."

يعني (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر.

"وعلى القراءة الأولى اسم كان {آيَةً} والخبر: {أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ} [سورة الشعراء:197]، وقرأ عاصم الجحدري: (أن تعلمه علماء بني إسرائيل)، {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} [سورة الشعراء:198] أي على رجل ليس بعربي اللسان، {فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم} [سورة الشعراء:199] بغير لغة العرب لما آمنوا ولقالوا: لا نفقه، نظيره: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا}..الآية [سورة فصلت:44]، وقيل: معناه: ولو نزلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفةً وكبرًا، يقال: رجل أعجم وأعجمي إذا كان غير فصيح وإن كان عربيًّا، ورجل عجمي وإن كان فصيحًا ينسب إلى أصله، إلا أن الفراء أجاز أن يقال: رجل عجمي بمعنى: أعجمي، وقرأ الحسن: {على بعض الأعجميين} مشددة بياءين جعله نسبة، ومن قرأ: {الْأَعْجَمِينَ} فقيل: إنه جمع أعجم، وفيه بُعد؛ لأن ما كان من الصفات الذي مؤنثه فعلاء لا يجمع بالواو والنون، ولا بالألف والتاء، لا يقال: أحمرون ولا حمراوات، وقيل: إن أصله الأعجمين كقراءة الجحدري، ثم حذفت ياء النسب، وجعل جمعه بالياء والنون دليلًا عليها، قاله أبو الفتح عثمان بن جني وهو مذهب سيبويه."

ذكر المؤلف الفرق بين عجمي وأعجمي، فالعجمي نسبة إلى العجم الذين هم غير العرب، والأعجمي الذي لا يتكلم العربية وإن كان عربيًّا.

طالب:.............

يقال: رجل أعجم وأعجمي إذا كان غير فصيح وإن كان عربيًّا.

طالب:...........

ورجل عجمي وإن كان فصيحًا ينسب إلى أصله إلى العجم، أنت تريد الأخير؟

طالب: الأخير، مذهب سيبويه.

وقيل: إن أصله الأعجمين كقراءة الجحدري، ثم حذفت ياء النسب (الأعجميين)، الأصل الأعجمي فإذا جمع قيل: الأعجميين، فحذفت ياء النسب فصار (الأعجمين) واضح ما فيه؟

طالب: أن أصله الأعجميين.

هذا الأصل مثل قراءة الجحدري، هذا الأصل ثم حذفت ياء النسب.

" قوله تعالى: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} [سورة الشعراء:200] يعني القرآن: أي الكفر به، {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} [سورة الشعراء:200-201] وقيل: سلكنا التكذيب في قلوبهم، فذلك الذي منعهم من الإيمان، قاله يحيى بن سلام، وقال عكرمة: القسوة، والمعنى متقارب، وقد مضى في (الحجر)، وأجاز الفراء الجزم في {لَا يُؤْمِنُونَ}؛ لأن فيه معنى الشرط والمجازاة، وزعم أن من شأن العرب، إذا وضعت (لا) موضع (كي) (لا) في مثل هذا ربما جزمت ما بعدها وربما رفعت، فتقول: (ربطت الفرس لا ينفلت) بالرفع والجزم؛ لأن معناه: إن لم أربطه ينفلت، والرفع بمعنى: كيلا ينفلت، وأنشد لبعض بني عقيل:

وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا

مساكنةً لا يقرف الشر قارفُ

بالرفع لما حذف (كي)، ومن الجزم قول الآخر:

لطالما حلاتماها لا ترد

فخلياها والسجال تبترد

قال النحاس: وهذا كله في {يُؤْمِنُونَ} خطأ عند البصريين، ولا يجوز الجزم بلا جازم، ولا يكون شيء يعمل عملًا، فإذا حذف عمل عملًا أقوى من عمله وهو موجود، فهذا احتجاج بيِّن."

فيكون الجزم في البيت من أجل الوزن.

"{حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً} [سورة الشعراء:201-202] أي العذاب، وقرأ الحسن: فتأتيهم بالتاء والمعنى: فتأتيهم الساعة بغتة، فأضمرت؛ لدلالة العذاب الواقع فيها، ولكثرة ما في القرآن من ذكرها، وقال رجل للحسن وقد قرأ: (فتأتيهم): يا أبا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة، فانتهره وقال: إنما هي الساعة تأتيهم بغتة: أي فجأة، {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [سورة الشعراء:202] بإتيانها، {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} [سورة الشعراء:203] أي مؤخرون وممهلون، يطلبون الرجعة هنالك فلا يجابون إليها، قال القشيري وقوله: {فَيَأْتِيَهُم} ليس عطفًا على قوله: {حَتَّى يَرَوُا} بل هو جواب قوله: {لَا يُؤْمِنُونَ} فلما كان جوابًا للنفي انتصب، وكذلك قوله: {فَيَقُولُوا}."

يعني مثلما تقدم، منصوب بـ (أن) المضمرة بعد الفاء في جواب النفي.

" قوله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} [سورة الشعراء:204] قال مقاتل: قال المشركون للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا محمد إلى متى تعدنا بالعذاب ولا تأتي به؟ فنزلت: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} [سورة الشعراء:204-205] يعني في الدنيا، والمراد: أهل مكة في قول الضحاك وغيره {ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ} [سورة الشعراء:206] من العذاب والهلاك، {مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [سورة الشعراء:207] (ما) الأولى استفهام معناه: التقرير، وهو في موضع نصب بـ (أغنى)، و (ما) الثانية في موضع رفع، ويجوز أن تكون الثانية نفيًا لا موضع لها، وقيل: (ما) الأولى حرف نفي، و (ما) الثانية في موضع رفع بـ (أغنى) والهاء العائدة محذوفة، والتقدير: (ما أغنى عنهم الزمان الذي كانوا يمتعونه)، وعن الزهري: إن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ: {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [سورة الشعراء:205-207] ثم يبكي ويقول:"

هذا عمر بن عبد العزيز عمره يوم وفاته كم؟ أربعون سنة عمره، ولد سنة واحد وستين ومات سنة مائة وواحد يعني عمره أربعون سنة، فما أحرى من تعدى هذه السن أن يقول مثل هذا: {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} [سورة الشعراء:205] أربعين سنة، عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، لكنه القلب الحي، وإلا فقد يمتع الإنسان مائة سنة أو أكثر، ولا يستحضر مثل هذا الكلام.

"ثم يبكي ويقول:

نهارك يا مغرور سهو وغفلة

وليلك نومٌ والردى لك لازمُ

فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم

ولا أنت في النوام ناجٍ فسالمُ

تسرُّ بما يفنى وتفرح بالمنى

كما سُرَّ باللذات في النوم حالمُ

وتسعى إلى ما سوف تكره غبَّه

كذلك في الدنيا تعيش البهائمُ

قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ} [سورة الشعراء:208] (مِن): صلة، المعنى: وما أهلكنا قرية، {إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ} أي رسل."

وكون الكلام يستقيم بدونها لا يعني أنها لا فائدة لها، وإنما فائدتها: تأكيد النفي.

" {ذِكْرَى} [سورة الشعراء:209] قال الكسائي: {ذِكْرَى} في موضع نصب على الحال، قال النحاس: وهذا لا يحصل، والقول فيه قول الفراء وأبي إسحاق أنها في موضع نصب على المصدر، قال الفراء: أي يذكرون ذكرى، وهذا قول صحيح؛ لأن معنى {إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ} إلا لها مذكرون، و{ذِكْرَى} لا يتبين فيه الإعراب؛ لأن فيها ألفًا مقصورة."

يتعذر ظهور حركة الإعراب، يعني يمتنع.

"ويجوز {ذكرى} بالتنوين، ويجوز أن يكون {ذِكْرَى} في موضع رفع على إضمار مبتدأ، قال أبو إسحاق: أي إنذارنا ذكرى، وقال الفراء: أي ذلك ذكرى وتلك ذكرى، وقال ابن الأنباري: قال بعض المفسرين: ليس في (الشعراء) وقف تام إلا قوله: {إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ} وهذا عندنا وقف حسن، ثم يبتدئ {ذِكْرَى} على معنى: هي ذكرى: أي يذكرهم ذكرى، والوقف على {ذِكْرَى} أجود، {وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} في تعذيبهم؛ حيث قدمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم.

قوله تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} [سورة الشعراء:210] يعني القرآن، بل ينزل به الروح الأمين، {وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [سورة الشعراء:211-212] أي برمي الشهب كما مضى في سورة (الحجر) بيانه، وقرأ الحسن ومحمد بن السميقع: (وما تنزلت به الشياطون)، قال المهدوي: وهو غير جائز في العربية ومخالف للخط، وقال النحاس: وهذا غلط عند جميع النحويين، وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: هذا غلط عند العلماء، إنما يكون بدخول شبهة، لما رأى الحسن في آخره ياءً ونونًا وهو في موضع رفع اشتبه عليه بالجمع المسلم فغلط."

يعني كأنه عامله معاملة الجمع المذكر السالم، وجمع شيطان جمع تكسير، فيلازم الياء.

وفي الحديث: «احذروا زلة العالم»، وقد قرأ هو مع الناس: {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [سورة البقرة:14] ولو كان هذا بالواو في موضع رفع؛ لوجب حذف النون للإضافة، وقال الثعلبي: قال الفراء: غلط الشيخ -يعني الحسن- فقيل ذلك للنضر بن شميل فقال: إن جاز أن يحتج بقول رؤبة والعجاج وذويهما، جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه مع أنا نعلم أنهما لم يقرآ بذلك إلا وقد سمعا في ذلك شيئًا، وقال المؤرج: إن كان الشيطان من شاط يشيط كان لقراءتهما وجه."

شاط يشيط إذا احترق، وإن كان من شطن أي: بعد، فليس لقراءتهما وجه؛ لأن النون أصلية، وإن كان من شاط كان له وجه؛ لأن النون مع الياء أو الواو مزيدة.

"وقال يونس بن حبيب: سمعت أعرابيًّا يقول: دخلنا بساتين من ورائها بساتون، فقلت: ما أشبه هذا بقراءة الحسن.

 قوله تعالى: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [سورة الشعراء:213] قيل: المعنى: قل لمن كفر هذا، وقيل: هو مخاطبة له- عليه السلام-، وإن كان لا يفعل هذا؛ لأنه معصوم مختار، ولكنه خوطب بهذا والمقصود غيره، ودل على هذا قوله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [سورة الشعراء:214] أي: لا يتّكلون على نسبهم وقرابتهم فيدعون ما يجب عليهم."

يعني مثل ما جاء في قول الله -جل وعلا-: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر:65] وهو معصوم مما دون الشرك، فكيف بالشرك؟ لكن المراد غيره.

" قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [سورة الشعراء:214] فيه مسألتان:

الأولى: قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} خص عشيرته الأقربين بالإنذار؛ لتنحسم أطماع سائر عشيرته، وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك، وعشيرته الأقربون: قريش، وقيل: بنو عبد مناف، ووقع في صحيح مسلم: «وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين» وظاهر هذا أنه كان قرآنًا يتلى وأنه نسخ، إذ لم يثبت نقله في المصحف ولا تواتر، ويلزم على ثبوته إشكال، وهو أنه كان يلزم عليه ألا ينذر إلا من آمن من عشيرته، فإن المؤمنين هم الذين يوصفون بالإخلاص في دين الإسلام، وفي حب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا المشركون؛ لأنهم ليسوا على شيء من ذلك، والنبي -صلى الله عليه وسلم- دعا عشيرته كلهم، مؤمنهم وكافرهم، وأنذر جميعهم ومن معهم، ومن يأتي بعدهم -صلى الله عليه وسلم- فلم يثبت ذلك نقلًا ولا معنى."

ما دام هو في صحيح مسلم فلا كلام، ويكون المعنى: «أنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين» يعني تابع إنذارهم وتابع تخويفهم؛ لئلا يرتدوا وتعاهدهم بذلك، فهم أولى الناس بذلك، وإن كانوا مسلمين، فالمسلم إذا دخل في الإسلام لا تؤمن عليه الفتنة وأن يرجع، هو بحاجة إلى أن يُتعهّد، كما أمر المؤمن أن يؤمن، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ} [سورة النساء:136] يعني اثبتوا ودوموا على إيمانكم، فالمعنى صحيح، والنقل صحيح أيضًا.

طالب: ما يخالف المعنى الأول؟ عبادك منهم المخلصين........

ما المانع؟

طالب:..........

كلامهم وجيه، لكن من جهة أن المؤمن أنه لا ينذر إلا المؤمن؟ لا، ينذر المؤمن ويهتم به ويعتنى به، وليس معنى هذا أنه لا ينذر غيره.

"وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريشًا فاجتمعوا فعمّ وخصّ فقال: «يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئًا غير أن لكم رحمًا سأبُلها ببلالها»."

يعني أصلها.

"الثانية: في هذا الحديث والآية دليل على أن القرب في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب، ودليل على جواز صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته؛ لقوله: «إن لكم رحمًا سأبلها ببلالها» وقوله- عزَّ وجلَّ-: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [سورة الممتحنة:8] الآية على ما يأتي بيانه هناك -إن شاء الله-.

 قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الشعراء:215] تقدم في سورة (الحجر) و (سبحان) يقال: خفض جناحه إذا لان، {فَإِنْ عَصَوْكَ} [سورة الشعراء:216] أي خالفوا أمرك، {فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} أي بريء من معصيتكم إياي؛ لأن عصيانهم إياه عصيان لله- عزَّ وجلَّ-؛ لأنه- عليه السلام- لا يأمر إلا بما يرضاه، ومن تبرأ منه فقد تبرأ الله منه.

 قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [سورة الشعراء:217] أي: فوِّض أمرك إليه فإنه العزيز الذي لا يغالب، الرحيم الذي لا يخذل أولياءه، وقراءة العامة: {وَتَوَكَّلْ} بالواو وكذلك هو في مصاحفهم، وقرأ نافع وابن عامر: (فتوكل) بالفاء، وكذلك هو في مصاحف المدينة والشام، {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [سورة الشعراء:218] أي حين تقوم إلى الصلاة في قول أكثر المفسرين -ابن عباس وغيره-، وقال مجاهد: يعني حين تقوم حيثما كنت.

{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [سورة الشعراء:219] قال مجاهد وقتادة: في المصلين، وقال ابن عباس: أي في أصلاب الآباء آدم ونوح وإبراهيم حتى أخرجه نبيًّا، وقال عكرمة: يراك قائمًا وراكعًا وساجدًا، وقاله ابن عباس أيضًا، وقيل المعنى: إنك ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك."

نعم هذا ثبت في الحديث الصحيح أنه كان يرى من ورائه كما يرى من أمامه -عليه الصلاة والسلام-، وهل هو في الصلاة خاصة أو في جميع أحواله؟ مسألة خلافية، لكن المعنى الظاهر من قوله -جل وعلا-: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [سورة الشعراء:219] أي معهم ومنهم.

" وروي عن مجاهد ذكره الماوردي والثعلبي، وكان- عليه السلام- يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، وذلك ثابت في الصحيح، وفي تأويل الآية بعيد، {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة الشعراء:220] تقدم.

قوله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [سورة الشعراء:221-222] إنما قال: {تَنَزَّلُ}؛ لأنها أكثر مما تكون في الهواء، وأنها تمر في الريح، {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [سورة الشعراء:223] تقدم في (الحجر) فـ {يُلْقُونَ السَّمْعَ} [سورة الشعراء:223] صفة الشياطين، و {أَكْثَرُهُمْ} يرجع إلى الكهنة، وقيل: إلى الشياطين."

{أَفَّاكٍ} يعني كذاب -صيغة مبالغة-، فالشياطين إنما تألف من كان مثلهم في التزوير والكذب وما أشبه ذلك، نكمل الشعراء أم نقف؟

طالب: نعم نكمل.

مستعد.

طالب: يعين الله.

طيب.

" قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [سورة الشعراء:224] فيه ست مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاء} جمع: شاعر، مثل جاهل وجهلاء."

وعالم وعلماء، وفاضل وفضلاء.

" قال ابن عباس: هم الكفار، {يَتَّبِعُهُمُ} ضلال الجن والإنس، وقيل: {الْغَاوُونَ} الزائلون عن الحق، ودل بهذا أن الشعراء أيضًا غاوون؛ لأنهم لو لم يكونوا غاوين ما كان أتباعهم كذلك، وقد قدمنا في سورة (النور) أن من الشعر ما يجوز إنشاده ويكره ويحرم، روى مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا فقال: «هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء» قلت: نعم، قال: «هيه» فأنشدته بيتًا فقال: «هيه» ثم أنشدته بيتًا فقال: «هيه» حتى أنشدته مائة بيت.

هكذا صواب هذا السند وصحيح روايته، وقد وقع لبعض رواة كتاب مسلم: عن عمرو بن الشريد عن الشريد أبيه -وهو وهم-؛ لأن الشريد هو الذي أردفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واسم أبي الشريد سويد، وفي هذا دليل على حفظ الأشعار."

كيف جاء الوهم؟ صوابه: روى مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه، ووقع لبعض رواة كتاب مسلم: عن عمرو بن الشريد عن الشريد أبيه؟ في إشكال؟ في وهم؟

طالب: لا.

نعم ما في وهم إلا إن الذي في مسلم غير هذا، إن كان عن عمرو بن الشريد عن الشريد عن أبيه؟ نعم يكون وهمًا.

"وفي هذا دليل على حفظ الأشعار والاعتناء بها إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعًا وطبعًا، وإنما أستكثر النبي -صلى الله عليه وسلم- من شعر أمية؛ لأنه كان حكيمًا، ألا ترى قوله- عليه السلام-: «وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم» فأما ما تضمن ذكر الله وحمده والثناء عليه فذلك مندوب إليه كقول القائل:"

وجاء فيه أنه آمن شعره ولم يؤمن قلبه -نسأل الله السلامة والعافية-.

" كقول القائل:

الحمد لله العلي المنان

صار الثريد في رؤوس العيدان

أو ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو مدحه كقول العباس:

من قبلها طبت في الظلال وفي

مستودع حيث يخصف الورقُ

ثم هبطت البلاد لا بشر

أنت ولا مضغة ولا علقُ

بل نطفة تركب السفين وقد

ألجم نسرًا وأهله الغرقُ

تنقل من صالب إلى رحم إذا

مضى عالَم بدا طبقُ

فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يفضض الله فاك»، أو الذب عنه كقول حسان:

هجوت محمدًا فأجبتُ عنه

وعند الله في ذاك الجزاءُ

وهي أبيات ذكرها مسلم في صحيحه، وهي في السير أتم، أو الصلاة عليه كما روى زيد بن أسلم خرج عمر ليلة يحرس، فرأى مصباحًا في بيت وإذا عجوز تنفش صوفًا وتقول:

على محمد صلاة الأبرار

صلى عليه الطيبون الأخيار

قد كنت قوامًا بُكًا بالأسحار

يا ليت شعري والمنايا أطوار

هل يجمعني وحبيبي الدار

يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- فجلس عمر يبكي، وكذلك ذكر أصحابه ومدحهم -رضي الله عنهم-.

ولقد أحسن محمد بن سابق حيث قال:

إني رضيت عليًّا للهدى علمًا

كما رضيت عتيقًا صاحب الغارِ

وقد رضيت أبا حفصٍ وشيعته

وما رضيت بقتل الشيخ في الدارِ

كل الصحابة عندي قدوة علم

فهل عليَّ بهذا القول من عارِ

إن كنت تعلم أني لا أحبهم

إلا من أجلك فاعتقني من النارِ

وقال آخر فأحسن:

حب النبي رسول الله مفترض

وحب أصحابه نور ببرهانِ

من كان يعلم أن الله خالقه

لا يرمين أبا بكرٍ ببهتانِ

ولا أبا حفصٍ الفاروق صاحبه

ولا الخليفة عثمان بن عفانِ

أما علي فمشهور فضائله

والبيت لا يستوي إلا بأركانِ

الأركان الأربعة يعني حب الأربعة مجتمعين هذه عقيدة المسلمين، ولا يستقيم الدين إلا بهذا؛ لأنهم هم حملة الدين، وهم الذين بواسطتهم بلغنا هذا الدين، فإذا قدحنا فيهم فإننا نقدح بالدين الذي وصلنا من طريقهم، وكون المدح لهؤلاء مطلوب الثناء عليهم، لا سيما النبي -عليه الصلاة والسلام- قربة إلى الله -جل وعلا-، لكن لا يكون هذا مع مجاوزة في الحد، وغلو فيه -عليه الصلاة والسلام- كما فعله كثير من الشعراء، إذ صرفوا له شيئًا من حقوق الرب -جل وعلا- والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم»، «إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» والشاعر منهم يقول:

فإن من جودك الدنيا وضرّتها

ومن علومك علم اللوحِ والقلمِ

ويقول:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به

سواك عند حلول الحادث العممِ

فما ترك شيء لله -جل وعلا-، فهذا الغلو محرم بل شرك، يصرف للنبي -عليه الصلاة والسلام- شيء من حقوق الله التي لا تصرف إلا له، هذا هو عين الشرك.

طالب: هل من علامات .... في السنة، تترضى على الأئمة الأربعة والدعاء لولي الأمر؟

إذا وجد من يخالف ينوّه بهذا، إذا وجد من يخالف أو ينازع أو يشكك ينوّه بهذا؛ لأن الخطبة إنما هي لبيان ما يحتاجه المسلمون، فإذا وجد أمر يحتاج إلى تنبيه ينبّه عليه.

"قال ابن العربي: أما الاستعارات في التشبيهات فمأذون فيها وإن استغرقت الحد وتجاوزت المعتاد، فبذلك يضرب الملك الموكل بالرؤيا المثل، وقد أنشد كعب بن زهير النبي- صلى الله عليه وسلم-:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ

متيم إثرها لم يفد مكبولُ

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا

إلا أغن غضيض الطرف مكحولُ

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت

كأنه منهل بالراح معلولُ

فجاء في هذه القصيدة من الاستعارات والتشبيهات بكل بديع، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يسمع ولا ينكر في تشبيه ريقها بالراح، وأنشد أبو بكر -رضي الله عنه-:

فقدنا الوحي إذ ولَّيت عنا

وودَّعَنا من الله الكلامُ

سوى ما قد تركت لنا رهينًا

توارثه القراطيس الكرامُ

فقد أورثتنا ميراث صدق

عليك به التحية والسلامُ

فإذا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسمعه وأبو بكر ينشده فهل للتقليد والاقتداء موضع أرفع من هذا؟

قال أبو عمر: ولا ينكر الحسن من الشعر أحد من أهل العلم ولا من أولي النهى، وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر أو تمثل به أو سمعه فرضيه ما كان حكمةً أو مباحًا، ولم يكن فيه فحش ولا خنا ولا لمسلم أذى، فإذا كان كذلك فهو والمنثور من القول سواء، لا يحل سماعه ولا قوله."

يذكر عن الشعبي أنه كره الشعر كراهيةً شديدة، وقال: لا تكتب عليه البسملة، لكن عامة أهل العلم على أنه كلام، مباحه مباح، ومحظوره ممنوع ومحرم، وإذا كان لفظه مباحًا ولم تصحبه آلة وأدي بلحون العرب، فقد أنشد بين يدي النبي- عليه الصلاة والسلام- وهو جائز بلا إشكال، أما إذا كان لفظه غير مباح منع من أجل هذا، وإذا صحبته الآلة حرم من أجلها، وإذا أدي بلحون الأعاجم وأهل الفسق منع من أجل ذلك وإلا فالأصل الإباحة.

طالب: قصيدة كعب بن زهير، مطلعها فيه غزل؟

عادة العرب جرى على هذا.

طالب:...........

إذا طلعت شمس النهار فسلموا

فإنها أمارة تسليمي عليكم فسلموا

أيضًا النونية مطلعها غزل، كل العلماء جروا على هذا.

طالب: طيب والقائمون على الإعلام الإسلامي، كون الشعر في ذاك الوقت كان هو الإعلام، وهنا ينشد الشعر وفيه غزل، ومع ذلك يسمعه النبي- عليه الصلاة والسلام- ولم يمنعه، يقولون: لا بد من التنازل خلال الإعلام؟

التنازل ببيت أو بيتين أو ما أشبه ذلك، مطلع للقصيدة لا بأس، لكن يكون هو الصبغة الغالبة.

طالب:..........

لا، لا الكذب ما يجوز، أهل العلم استثنوا مسائل على خلافٍ فيها، منهم من يدخل المبالغة في الكذب، والمبالغة جاءت في الحديث: «كان لا يضع العصا عن عاتقه» ومنهم من يدخل المناظرة في الكذب، ويدخل أيضًا المقامات في الكذب، ومن أهل العلم من يجيز ذلك؛ لأن المصلحة راجحة، والمسألة معروفة بحكمها.

طالب: ......

على كل حال، بحث هذه المسألة له وقته -إن شاء الله تعالى-.

"وروى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر يقول: «أصدق كلمة -أو أشعر كلمة- قالتها العرب قول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل» أخرجه مسلم وزاد: «وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم»، وروي عن ابن سيرين أنه أنشد شعرًا فقال له بعض جلسائه: مثلك ينشد الشعر يا أبا بكر؟ فقال: ويلك يا لكع، وهل الشعر إلا كلام لا يخالف سائر الكلام إلا في القوافي، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، قال: وقد كانوا يتذاكرون الشعر، قال: وسمعت ابن عمر ينشد:

يحب الخمر من مال الندامى

ويكره أن يفارقه الغلوسُ

وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد فقهاء المدينة العشرة ثم المشيخة السبعة شاعرًا مجيدًا مقدمًا فيه."

معروف أن الفقهاء سبعة -فقهاء المدينة- سبعة.

"وللزبير بن بكار القاضي في أشعاره كتاب، وكانت له زوجة حسنة تسمى: عثمة، فعتب عليها في بعض الأمر فطلقها، وله فيها أشعار كثيرة منها قوله:

تغلغل حب عثمة في فؤادي

فباديه مع الخافي يسيرُ

تغلغل حيث لم يبلغ شراب

ولا حزن ولم يبلغ سرورُ

أكاد إذا ذكرت العهد منها

أطير لو أن إنسانًا يطيرُ

وقال ابن شهاب: قلت له: تقول الشعر في نسكك وفضلك؟!"

يعني مع عبادتك وعلمك تقول الشعر؟

" فقال: إن المصدور إذا نفث برأ."

نعم، إذا نفّس عن نفسه خفّ عليه ما يجد.

"الثانية: وأما الشعر المذموم الذي لا يحل سماعه وصاحبه ملوم، فهو المتكلم بالباطل حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأشحّهم على حاتم، وأن يبهتوا البريء، ويفسقوا التقي، وأن يفرطوا في القول بما لم يفعله المرء، رغبةً في تسلية النفس وتحسين القول، كما روي عن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله:

فبتن بجانبي مصرعات

وبت أفض أغلاق الختامِ

فقال: قد وجب عليك الحد، فقال: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [سورة الشعراء:226]، وروي أن النعمان بن عدي بن حنظلة كان عاملًا لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال:

من مبلغ الحسناء أن حليلها

بميسان يسقى في زجاج وحنتمِ

إذا شئت غنتني دهاقين قرية

ورقاصة تحذو على كل منسمِ

فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني

ولا تسقني بالأصغر المتثلمِ

لعل أمير المؤمنين يسؤوه

تنادمنا بالجوسق المتهدمِ

فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه بالقدوم عليه وقال: إي والله إني ليسؤوني ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئًا مما قلت، وإنما كانت فضلةً من القول، وقد قال الله تعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [سورة الشعراء:224-226] فقال له عمر: أما عذرك فقد درأ عنك الحد، ولكن لا تعمل لي عملًا أبدًا وقد قلت ما قلت.

 وذكر الزبير بن بكار قال: حدثني مصعب بن عثمان أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة لم يكن له همّ إلا عمر بن أبي ربيعة والأحوص فكتب إلى عامله على المدينة: إني قد عرفت عمر والأحوص بالشر والخبث، فإذا أتاك كتابي هذا فاشدد عليهما واحملهما إليّ، فلما أتاه الكتاب حملهما إليه، فأقبل على عمر فقال: هيه:

فلم أر كالتجمير منظر ناظر

ولا كليالي الحج أفلتن ذا هوى

وكم مالئ عينيه من شيء غيره

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى

أما والله لو اهتممت بحجك لم تنظر إلى شيء غيرك، فإذا لم يفلت الناس منك في هذه الأيام فمتى يفلتون؟! ثم أمر بنفيه، فقال: يا أمير المؤمنين أو خير من ذلك؟ فقال: ما هو؟ قال: أعاهد الله أني لا أعود إلى مثل هذا الشعر، ولا أذكر النساء في شعر أبدًا، وأجدد توبة فقال: أو تفعل؟ قال: نعم، فعاهد على توبته وخلاه، ثم دعا بالأحوص فقال: هيه:

الله بيني وبين قيمها

يفر مني بها وأتبعُ

بل الله بين قيمها وبينك، ثم أمر بنفيه، فكلمه فيه رجال من الأنصار فأبى وقال: والله لا أرده ما كان لي سلطان، فإنه فاسق مجاهر، فهذا حكم الشعر المذموم وحكم صاحبه، فلا يحل سماعه ولا إنشاده في مسجد ولا غيره، كمنثور الكلام القبيح ونحوه.

 وروى إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «حسن الشعر كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام» رواه إسماعيل عن عبد الله الشامي، وحديثه عن أهل الشام صحيح فيما قال يحيى بن معين وغيره، وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام»."

تخريجه؟

طالب: .....

والذي قبله؟

طالب: قال: أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة وله شواهد تقدم.

" الثالثة: روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرًا»، وفي الصحيح أيضًا عن أبي سعيد الخدري قال: بينا نحن نسير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عرض شاعر ينشد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خذوا الشيطان -أو أمسكوا الشيطان- لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا».

 قال علماؤنا: وإنما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا مع هذا الشاعر؛ لما علم من حاله، فلعل هذا الشاعر كان ممن قد عرف من حاله أنه قد اتخذ الشعر طريقًا للتكسب، فيفرط في المدح إذا أعطي، وفي الهجو والذم إذا منع، فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم، ولا خلاف في أن من كان على مثل هذه الحالة، فكل ما يكتسبه بالشعر حرام، وكل ما يقوله من ذلك حرام عليه، ولا يحل الإصغاء إليه، بل يجب الإنكار عليه، فإن لم يمكن ذلك لمن خاف من لسانه قطعًا تعيَّن عليه أن يداريه بما استطاع، ويدافعه بما أمكن، ولا يحل له أن يعطى شيئًا ابتداءً؛ لأن ذلك عون على المعصية، فإن لم يجد من ذلك بدًّا أعطاه بنية وقاية العرض، فما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقة.

 قلت قوله: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يريه» القيح: المدة يخالطها دم، يقال منه: قاح الجرح يقيح وتقيَّح وقيَّح، و (يريه) قال الأصمعي: هو من الوري على مثال الرمي: وهو أن يدوي جوفه، يقال منه: رجل موري مشدد غير مهموز، وفي الصحاح: ورى القيح جوفه يريه وريا: إذا أكله، وأنشد اليزيدي:

قالت له وريًا إذا تنحنحا

وهذا الحديث أحسن ما قيل في تأويله: إنه الذي قد غلب عليه الشعر، وامتلأ صدره منه دون علم سواه، ولا شيء من الذكر ممن يخوض به في الباطل ويسلك به مسالك لا تحمد له، كالمكثر من اللغط والهذر والغيبة وقبيح القول، ومن كان الغالب عليه الشعر؛ لزمته هذه الأوصاف المذمومة الدنية؛ لحكم العادة الأدبية، وهذا المعنى هو الذي أشار إليه البخاري في صحيحه لما بوَّب على هذا الحديث (باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر)، وقد قيل في تأويله: إن المراد بذلك الشعر الذي هجي به النبي -صلى الله عليه وسلم- أو غيره، وليس هذا بشيء؛ لأن القليل من هجو النبي -صلى الله عليه وسلم- وكثيره سواء في أنه كفر ومذموم، وكذلك هجو غير النبي -صلى الله عليه وسلم- من المسلمين محرم قليله وكثيره، وحينئذٍ لا يكون لتخصيص الذم بالكثير معنى."

معنى الحديث واضح، يعني قوله: «لأن يمتلئ» فإذا امتلئ الجوف من الشعر ما كان فيه محل لغيره، لا من القرآن ولا من السنة ولا مما يحتاج إليه من العلم، إذا امتلأ ما استوعب غيره، فالاستغناء بالشعر عن الكتاب والسنة لا شك أنه ذم، يذم ذمًّا شديدًا، وكونه يمتلئ قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا يستوعب قلبه بحيث لا يكون للكتاب والسنة فيه مجال، أما من في جوفه الكتاب والسنة، وفيه أيضًا شيء من الشعر، وفيه العلوم وما يحتاج إليه من صنوف العلم فهذا لا يذم، بل يمدح؛ لأن من الشعر حكمة، وكثير من العلوم نظمت فصارت شعرًا، ونظم العلوم حقيقةً سنةً عند أهل العلم يسهلون بها حفظ العلم وثباته بالشعر؛ لأن الشعر أثبت من النظم، فلا شك أن مثل هذا النوع محمود، فنظم في جميع العلوم حتى في مفردات القرآن وغريبه وغريب الحديث، وفي التفسير أيضًا، وفي شروح الحديث، ونظمت المتون العلمية، كل هذا شيء جديد.

لكن بعضهم نظم الحديث فبلوغ المرام نظمه الصنعاني، ونظمه غيره، وعندي أن مثل هذا لا يليق، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نفى عنه الرب -جل وعلا- الشعر {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} [سورة يس:69] تحول كلامه من نثر إلى شعر؟ يعني تحوله إلى ما نفاه الله -جل وعلا- عنه لا شك أن هذا أقل أحواله الكراهة الشديدة.

" الرابعة: قال الشافعي: الشعر نوع من الكلام حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام، يعني أن الشعر ليس يكره لذاته، وإنما يكره لمضمناته، وقد كان عند العرب عظيم الموقع، قال الأول منهم: وجرح اللسان كجرح اليد.

وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- في الشعر الذي يرد به حسان على المشركين: «إنه لأسرع فيهم من رشق النبل» أخرجه مسلم، وروى الترمذي وصححه عن ابن عباس أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل مكة في عمرة القضاء، وعبد الله بن رواحة يمشي بين يديه ويقول:

خلوا بني الكفار عن سبيله

اليوم نضربكم على تنزيله

ضربًا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

فقال عمر: يا ابن رواحة في حرم الله وبين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «خل عنه يا عمر فلهو أسرع فيهم من نضح النبل».

الخامسة: قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [سورة الشعراء:224] لم يختلف القراء في رفع {وَالشُّعَرَاء} فيما علمت، ويجوز النصب على إضمار فعل يفسره {يَتَّبِعُهُمُ}، وبه قرأ عيسى بن عمر، قال أبو عبيد: كان الغالب عليه حب النصب، قرأ: {وَالسَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ} [سورة المائدة: 38] و {حمالةَ الحطب} [سورة المسد: 4] و {سورةً أنزلناها} [سورة النور: 1]، وقرأ نافع وشيبة والحسن والسلمي: (يَتْبَعُهُم) مخففًا، والباقون {يَتَّبِعُهُمُ}.

وقال الضحاك: تهاجى رجلان أحدهما أنصاري والآخر مهاجري على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع كل واحد غواة قومه، وهم السفهاء فنزلت، وقاله ابن عباس، وعنه: هم الرواة للشعراء، وروى عنه علي بن أبي طلحة أنهم هم الكفار يتبعهم ضلال الجن والإنس، وقد ذكرناه، وروى غضيف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أحدث هجاءً في الإسلام فاقطعوا لسانه»."

مخرج؟

طالب: .........

على كل حال ضعيف ما دام مداره على متروك ما يستفيد.

" وعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما افتتح مكة رنّ إبليس رنّه وجمع إليه ذريته، فقال: ايئسوا أن تريدوا أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا، ولكن أفشوا فيهما- يعني مكة والمدينة- الشعر."

مخرج؟ خرجه؟

" السادسة: قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [سورة الشعراء:225] يقول: في كل لغو يخوضون ولا يتبعون سنن الحق؛ لأن من اتبع الحق وعلم أنه يكتب عليه ما يقوله تثبت ولم يكن هائمًا يذهب على وجهه لا يبالي ما قال، نزلت في عبد الله بن الزبعرى، ومسافع بن عبد مناف، وأميةَ بن أبي الصلت، {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [سورة الشعراء:226] يقول: أكثرهم يكذبون: أي يدلون بكلامهم على الكرم والخير ولا يفعلونه، وقيل: إنها نزلت في أبي عزة الجمحي حيث قال:

ألا أبلغا عني النبي محمدًا

بأنك حق والمليك حميدُ

ولكن إذا ذكرتُ بدرًا وأهله

تأوه مني أعظمٌ وجلودُ

ثم استثنى شعر المؤمنين: حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وكعب بن زهير، ومن كان على طريقهم من القول الحق فقال: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [سورة الشعراء:227] في كلامهم، {وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [سورة الشعراء:227] وإنما يكون الانتصار بالحق، وبما حدَّه الله -عز وجل-، فإن تجاوز ذلك فقد انتصر بالباطل، وقال أبو الحسن المبرد لما نزلت: (والشعراء) جاء حسان وكعب بن مالك."

طالب:.........

أبو الحسن؟ تُراجع ترجمته.

" لما نزلت: (والشعراء) جاء حسان وكعب بن مالك وابن رواحة يبكون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا نبي الله! أنزل الله تعالى هذه الآية، وهو تعالى يعلم أنا شعراء؟ فقال: «اقرؤوا ما بعدها {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} .. الآية، أنتم {وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} «أنتم» -أي بالرد على المشركين- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «انتصروا ولا تقولوا إلا حقًّا، ولا تذكروا الآباء والأمهات» فقال حسان لأبي سفيان:

هجوتَ محمدًا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاءُ

وإن أبي ووالدتي وعرضي

لعرض محمد منكم وقاءُ

أتشتمه ولست له بكفء

فشركما لخيركما الفداءُ

لساني صارم لا عيب فيه

وبحري لا تكدره الدلاءُ

...

وقال كعب: يا رسول الله إن الله قد أنزل في الشعر ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إن المؤمن يجاهد بنفسه وسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل».

طالب:.................

جاء بالأمر «جاهدوا الكفار بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم».

" وقال كعب:

جاءت سخينة كي تغالب ربها

وليغلبن مغالب الغلاب

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لقد مدحك الله يا كعب في قولك هذا»، وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [سورة الشعراء:224] منسوخ بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سورة الشعراء:227]، قال المهدوي: وفي الصحيح عن ابن عباس أنه استثناء، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [سورة الشعراء:227] في هذا تهديد لمن انتصر بظلم.

قال شريح: سيعلم الظالمون كيف يخلصون من بين يدي الله -عز وجل-، فالظالم ينتظر العقاب، والمظلوم ينتظر النصرة، وقرأ ابن عباس: (أي منفلت ينفلتون) بالفاء والتاء، ومعناهما واحد ذكره الثعلبي، ومعنى: {أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} أي مصير يصيرون، وأي مرجع يرجعون؛ لأن مصيرهم إلى النار، وهو أقبح مصير، ومرجعهم إلى العقاب، وهو شر مرجع، والفرق بين المنقلب والمرجع أن المنقلب: الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع: العود من حال هو فيها إلى حال كان عليها فصار كل مرجع منقلبًا."

لأن المنقلب مأخوذ من الانقلاب، وهو -نسأل الله العافية- التحول إلى شر مما كان عليه، وأما المرجع فهو رجوع إلى ما كان عليه سابقًا.

" فصار كل مرجع منقلبًا وليس كل منقلب مرجعًا، والله أعلم، ذكره الماوردي، و (أي) منصوب بـ {يَنقَلِبُونَ} وهو بمعنى المصدر، ولا يجوز أن يكون منصوبًا بـ {سَيَعْلَمُ}؛ لأن أيًّا وسائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها فيما ذكر النحويون، قال النحاس: وحقيقة القول في ذلك أن الاستفهام معنى وما قبله معنىً آخر، فلو عمل فيه ما قبله لدخل بعض المعاني في بعض."

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه.

طالب: ..........

ما المانع؟

 

نعم، يمدح الحق، الذي يمدح الحق يرغّب الناس فيه يؤجر.

"