كتاب الجامع من المحرر في الحديث - 22

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستعمين.

 قال المصنف -رحمه الله-: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم».

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء»".

نعم.

"وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك».

 وعنه -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق».

 وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة»، قال: «وكان عرشه على الماء».

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، ولا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا».

 وعنه -رضي الله عنه-".

حسبك!

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب الجامع من المحرر، لابن عبد الهادي، ونحن في أواخره في كتاب الجامع الذي هو عبارة عن آداب وأخلاق، لا يليق بالمسلم أن يغفل عنها، وذكرنا في بداية الكتاب الجامع أن من ألحق الجامع بمصنفه، أول من ألحق الجامع بمصنفه، ألفوا في الجوامع كتبًا متعددة، لكن في أواخر الكتب التي أصلها في الأحكام مثلاً موطأ الإمام مالك في كتاب الجامع، وتبعه عليه المصنفون، ومنهم ابن عبد الهادي في هذا الكتاب، في هذا الحديث حديث جابر -رضي الله تعالى عنه-.

 يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر بن عبد الله" ابن عمرو بن حرام الأنصاري -رضي الله عنهما- "أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «اتقوا الظلم»" يعني اجعلوا بينكم وبين الظلم وقاية، جاء الأمر بتقوى الله، وهي الأصل، وهي أن يجعَل بين العبد وبين عذاب الله وقاية، كما يجعَل بين العبد وبين العذاب الذي هو المسبَّب يجعَل أيضًا وقاية بين العبد وبين السبب الذي يوصِل إلى العذاب، وأصل التقوى لله -جل وعلا-؛ لأن اتقاء العذاب هو من تقوى الله، هو من تقوى الله، وملاحظة هذا العذاب بمعنى أن الإنسان يترك الشيء؛ خوفًا من عذاب الله، هو في الحقيقة خوف، خوف من الله -جل وعلا-.

 والذين يقولون: ولا يشرك بعبادته أحدًا، الذي ينظر إلى العذاب والنار عنده نوع شرك، نقول: ليس بصحيح؛ لأن الذي يلاحظ عذاب الله -جل وعلا- ويتقيه كما أمر الله -جل وعلا- اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، هذا ليس بمشرك، بل حقيقة التوحيد، ونظير ذلك أنك إذا رأيت شخصًا بيده سيف تخاف منه، وأنت في هذه الحالة تخاف السيف أو من حامل السيف؟ السيف بمفرده لا يعمل شيئًا، إنما تخاف من حامله، فإذا اتقيت عذاب الله فقد اتقيت الله، وهنا الظلم سبب من أسباب العذاب، فعلينا أن نتقيه، ولذلك قال: «اتقوا الظلم»، يعني اجعلوا بينكم وبين الظلم وقاية.

والتقوى هي غاية الغايات، وأُشير إليها في كثير من العبادات الكبرى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإذا انتهى الإنسان عن الفحشاء والمنكر فقد اتقى الله، {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ} [البقرة: 203] لمن اتقى، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 156]، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 156] هذه هي الغاية والهدف من خلق الجن والإنس، والعبادة هنا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} لأي شيء؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]، فشأن التقوى عظيم، ولذا كُررت، وأُكِّد عليها في نصوص الكتاب والسُّنَّة فيما لا يُحصى.

 اتقوا الظلم، الظلم وضع الشيء، الأصل فيه أنه وضع الشيء في غير محله، وضع الشيء في غير محله، ومنه العدوان سواء كان على النفس أو على الآخرين، فلا يجوز أن تظلم نفسك، فضلاً عن أن تظلم غيرك، وحمل النفس على ما فوق طاقتها ظلم، حمل الدابة أو تحميل الدابة فوق طاقتها ظلم لها، وهذا كله مما يُنهى عنه ويدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»، فإن الظلم سواء كان ظلم الإنسان لنفسه أو لغيره، فإنه ظلمات بجميع أنواعه.

 اتقوا الظلم، ال هنا للجنس، الظلم بجميع أنواعه وأصنافه وأشكاله ومتعلقاته، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، إعادة المعرفة معرفة، إعادة اللفظ إما أن يكون نكرة بنكرة أو معرفة بمعرفة أو نكرة بمعرفة أو العكس، لكن إذا أُعيد اللفظ معرفة فإن المراد بالثاني هو الأول، بخلاف ما لو أُعيد نكرة، أو أُعيد معرفة وهو نكرة، فإن الظلم ظلمات، وقيل هذا على ظاهره، قيل هذا على ظاهره فلا يهتدي الظالم يوم القيامة سبيلاً، لا يدري أين يذهب، ويكون حينئذٍ -وإن لم يكن من كل وجه- فيه نوع شبه من الكفار، الذي يعطى شيئًا من الظلم، أو من المنافقين الذين يعطون شيئًا من النور، الذين لا يعطون شيئًا من النور في أولئك، وهؤلاء يعطون شيئًا من النور ثم ينطفئ، وهذا أنكى بالنسبة للمنافقين.

وقيل: المراد بالظلمات هنا الشدائد، الشدائد التي يواجهها الظالم يوم القيامة، وفي قوله -جل وعلا-: ينجيكم، قل من؟ {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 63]، ظلمات يعني شدائد البر والبحر، وما يلزم أن تكون ظلمات بمعنى الظلام المقابل للنور.

 على كل حال الأمر عظيم، الأمر عظيم، لا سيما ما يتعلق بحقوق الناس، حقوق الله -جل وعلا- قد يتجاوز ويعفو ويصفح، لكن حقوق الآخرين من الديوان الذي لا يُترَك منه شيء، وحقوق الله -جل وعلا- قابلة للغفران، ويغفر ما دون الشرك، الشرك ليس بقابل للغفران؟ {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، وما دونه فهو في المغفرة وفي حدود المغفرة، يقول ابن القيم: والله ما خوفي الذنوب، وإنها لعلى سبيل العفو والغفران، لكن خوفي أن يزيغ القلب عن تحكيم هذا الوحي والقرآن.

 قال: ورضىً بآراء الرجال وخرصها لا كان ذاك بمنة الرحمن، فعلى المسلم أن يعتصم بكتاب الله وسنَّة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

«واتقوا الشح» الشح شدة البخل والإمساك عن بذل الواجب، ومنع الحقوق، وبعضهم يزيد على البخل الشديد الحرص، تبخل بما في يدك وتحرص على ما في يد غيرك، هذا الشح، والله -جل وعلا- يقول: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، يعني من الأمم السابقة، أهلكهم، بماذا؟

حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم، الشح أمره عظيم، وما الذي أوجد قطع الأرحام بين الأقارب، وقد يكون بين الولد ووالده والأخ وأخيه، إلا الشح! كثيرًا من نسمع القضايا في المحاكم تدور بين أخ وأخيه، كله بسبب هذا الطمع وهذا الشح، ومنع الحقوق يكون ولي على تركة، وله إخوة وأخوات، وله ورثة آخرون، فيحمله الشح على أن يمنع حقوقهم، فيحصل الخلاف والشقاق، وقد يتطور فيصل إلى القتل، وُجِد حالات من هذا النوع، نسأل الله العافية.

 «فإن الشح أهلك من كان قبلكم»، يعني من الأمم السابقة وما حل بهم يحل بنا إذا وجدت أسبابه، إذا وجدت أسبابه، فإذا نظرنا إلى الأمم السابقة، وأنها عُذِّبت، أو أُهلكت بسبب بعض الذنوب فإننا نخشى من هذه الذنوب أن يحل بنا ما حل بهم، وما ذُكرت الأمم، أخبار الأمم وهلاك الأمم إلا من أجل أن نتعظ ونعتبر ونزدجر، ولذا جاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: مضى القوم ولم يُرَد به سوانا، حملهم على أن سفكوا دماءهم، عمر، عمر، يقول: «حملهم على أن سفكوا دماءهم» بالقتل، واستحلوا محارمهم، واستحلوا محارمهم بحيث يستحل عرضه، ويستحل ماله، ويستحل دمه؛ بسبب هذا الحرص الشديد والشح والبخل الذي يجعله يعتدي على غيره.

 ثم قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «لتؤدن الحقوق»" اللام لام تأكيد، وهي موطئة لقسم محذوف تقديره والله لتؤدن الحقوق، فالخبر مؤكد باللام وبنون التوكيد الثقيلة، هما مؤكدان، «لتؤدن» وما بُني الفعل على الفتح مع اتصاله بنون التوكيد الثقيلة؛ لأنها إيش؟

طالب: ...

لماذا؟

طالب: ...

نعم، نون التوكيد؛

.......................         وأعربوا مضارعًا إن عري

من نون توكيد مباشرٍ ومن       نون إناث كيرُعن من فُتِن

 الآن فيه نون توكيد ثقيلة ولا بُني على الفتح، لماذا؟ أما نقول: ما بُني؛ لأن فيه نون توكيد ثقيلة هو يُبنى؛ لوجود نون التوكيد الثقيلة، هذه نون التوكيد الثقيلة.

طالب:...

لأنها لم تباشر، ما الفاصل بين الفعل ونون التوكيد الثقيلة؟

طالب: ...

 واو الجماعة صدقت، صدقت، ولذا قال: من نون توكيدٍ مباشر، هنا هي غير مباشرة للفصل بينها وبين الفعل بالواو واو الجماعة، لتؤدن الحقوق إلى أهلها، الحقوق بجميع أنواعها مما يستحق ويتمول يؤدى إلى أهله، ومنها الأمانات {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، يوم القيامة، طيب أنت أخذت هذا المال وهذا الحق وجحدته، ولم توصله إلى صاحبه، ولن تؤديه إليه، لكن يوم القيامة كيف تؤديه؟ كيف تؤديه يوم القيامة وهو غير موجود؟ كما قيل من صوَّر صورة كُلِّف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ، مثله، تؤدي هذا الحق إلى صاحبه، من أين؟

ثم ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- مثالاً يدل على تأكيد هذا الأمر، وأن الأمر ليس خاصًّ بالمكلفين، فالحقوق لشدتها وعظم شأنها تقتص حتى من البهائم، «حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» الجلحاء التي لا قرن لها، أو لا قرون لها، ويقال لها: جماء، والجلحاء، والقرناء ذات القرنين، وفي هذا دليل على حشر البهائم، حشر البهائم، وإذا أُقتيد من بعضها لبعض قيل لها: كوني ترابًا، كوني ترابًا، وحينئذٍ يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابًا، الله -جل وعلا- يقول: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5]، أما قالوا في الحديث دليل على حشر البهائم؟ يدل عليه قوله -جل وعلا-: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5]، فنحرص على أداء الحقوق في حين وجودها، غدًا نبحث عنها ما نجد، ما تجد ما تؤدي، قدر لا درهم ولا دينار، وإنما هي الحسنات والسيئات.

 ولذا جاء في الحديث في مسلم وغيره حديث: «أتدرون من المفلس؟ أتدرون من المفلس؟» قلنا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، هذا مفلس في عُرْفِهم، وهي حقيقة شرعية، حقيقة شرعية، المفلس من لا درهم له ولا متاع، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يريد أن يقرر أمرًا عظيمًا هو أعظم من الفلس في أمور الدنيا، فكأن الفلس في أمور الدنيا لا شيء بالنسبة له، ولذلك نفاه قال: «لا» لما قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، يعني في باب الحجر والتفليس من كتب العلم لو قيل لك في الدراسة: عرِّف المفلس وعندك فقه، في درس الفقه الحجر والتفليس تقول: المفلس من يأتي بأعمال كأمثال الجبال، ويأتي وضرب هذا، وشتم هذا، وقذف هذا، يكون الجواب صحيحًا أم لا؟

مع أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أثبته ونفى غيره، ولكل بابٍ حقيقته، ولكل بابٍ حقيقته، ولذا يخطئ بعض طلاب العلم حينما يريدون معرفة معنى مصطلح فيأتي إلى كتاب من كتب اللغة أو كتب العلم من الشروح والتفاسير وغيرها التي تعتني ببسط الأمور، ويخطف أدنى كلمة ويضعها في الجواب، قد تكون في حقيقتها غير مناسبة للسياق، فلا بد من مراعاة السياق، بعض كتب اللغة يذكر إلى عشرين معنىً للكلمة، فلا يصلح أن تأخذ أدنى كلمة من غير ملاحظة السياق؛ لأن هذه الكلمة تصلح في سياق، وتلك تصلح في سياق آخر، والمثال على ذلك ما نحن فيه، المفلس قال: تدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس، جازمين ما عندهم غيره، غير مترددين، المفلس من لا درهم له ولا متاع، كلام صحيح أم غير صحيح؟ في هذا السياق غير صحيح، ولذلك قال: «لا، المفلس من يأتي بأعمال»، وفي رواية: «بأعمال أمثال الجبال من صلاة وصيام وحج وجهاد» إلى غير ذلك من الأعمال الصالحات التي تكسب الحسنات، طيب أنت أودعت في حسابك مبلغًا كبيرًا جدًّا من المال، ثم بعثرته، لعبت به، وما حفظته وأنفقته في وجوه متعددة إلى أن انتهى ماذا تستفيد؟ تستفيد حسرة، لو إنك ما كسبت أسهل لك، أيسر على نفسك، يأتي الإنسان وقد تعب على أعماله وحرص عليها وجمعها، وسهر الليالي في أمور العبادات، وينفق الأموال في سبيل الله، ويصوم الهواجر، ويقوم الليل، ثم يأتي بهذه الأعمال المنافية يأتي ضرب هذا، وشتم هذا، وقذف هذا، وسفك دم هذا، وبعدُ؟

يأتي الحساب، يأتي الحساب، يحضر الخصوم، لا درهم ولا متاع في ذلك المكان، ما فيه إلا من الأعمال، تأتي الأم تطلب من ولدها حسنة يقول: أمي نفسي نفسي، ويأتي الولد إلى أمه وهي أرأف الناس به، وتعتذر نفسي نفسي، يأخذ هذا من حسناته، المضروب يأخذ من حسناته، المشتوم يأخذ من حسناته من الحسنات المقذوف يأخذ من الحسنات، طيب انتهت الحسنات، الباقون؟

يؤخذ من سيئاتهم، وتوضع عليه على سيئاته، فيقذف في النار، هذا هو الفلس الحقيقي، أما كونك تجمع من حطام الدنيا وتنفقه إن كان في وجوهه فأنت مأجور عليه، وإن كان في غير وجوهه فأنت تعذب بقدره، لكن الإشكال إذا راح كل جمعك لمن؟ لمن لا تحبه هذا الغالب أنه يذهب لأناس ما تحبهم، والله المستعان!

قال -رحمه الله-: "وعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة»إذا طبخت مرقةً، شيء من الخضار والإدام واللحم يوضع في ماء ويغلى، فإذا نضج صار مرقًا، يصير مرقًا، وصاحبه يقال له: مرّاق، ولذا قيل بالوقف على {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [القيامة: 27]، حتى ما تقرأ: مرّاق ويقال هذا يبيع مرقًا ولا يبيع شيئًا، أشار المفسرون إلى هذا، مثله {بَلْ ۜ رَانَ} [المطففين: 14]، ما يقال برّان، يعني من تثنية برّ ولا شيء من هذا، هذا من لطائف التفسير التي أشار إليها بعضهم.

 على كل حال إذا طبخت يا أبا ذر مرقة فأكثر ماءها، أبو ذر -رضي الله عنه- الزاهد المشهور جندب بن جنادة الغفاري هو لا يدخر شيئًا، لا يدخر شيئًا، ويعتب على أصحاب الأموال التي يدخرونها، ونفي بسبب ذلك إلى الربدة، وقصته معروفة؛ لأنه يرى أن في المال قدرًا زائدًا على الزكاة، قدرًا زائدًا على الزكاة، وبولغ في ذلك فيما ينسب إليه حتى نُسب إلى الاشتراكية، وكتبوا عنه الاشتراكي الزاهد أبو ذر الغفاري، كتب عنه من أهل الزيغ والضلال، وهو بريء منها، الاشتراكية التي يذهبون إليها أبو ذر بريء منها.

 المقصود أن أبا ذر يوصيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن حرصه -عليه الصلاة والسلام- على أمته بمن فيهم هذا الذي في بادئ الأمر يقول: هذا ما إن توصى، أبو ذر ما يحتاج إلى وصية، على مثل هذه الأفعال، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يترك أحدًا حتى يبلغه ما أوحي إليه وما أُمر بتبليغه.

«يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك»، يعني بدلًا من أن تجعل هذه الكمية من الخضار وما معها في لتر خلهم في اثنين، وبدلًا من أن تطعم أهل بيت أطعم أهل بيتين أو ثلاثة؛ ليعم خيرك ونفعك للناس، وخير الناس أنفعهم للناس، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك، كثيرًا ما نمر بالأبواب ونحن سائرون في الشوارع، وننظر الأبواب وعندها أكداس بعضها أحيانًا طول الرجل من المخلفات ومن الأطعمة التي لا تناسبهم هم لما عندهم من غنى وترف، فتجد أحيانًا الطعام يرمى على هيئته، قُدِّم إلى شخص وهو يكفي خمسة، انتهى هذا الشخص رفعوه ورموه، فكيف لو دُفع إلى جهات وبدأ الآن- ولله الحمد- جهات متعددة وأفراد محتسبون ينقلون هذه الأمور إلى من يستحقها، وإلا شاهدنا قبل سنين الذبائح بكاملها في الزبايل، مع طعام كثير من الناس يتمناه، والترف أمره عظيم، وشوهد شخص قبل أربعين سنة ينظر في زبالة فيها عدد من الذبائح، ومعها أكداس من الرز وغيره، فجلس يبكي، وأقسم بالله أن هذا المنظر بصورته ومحتوياته رآه في فلسطين، قبل ذلك الوقت، قبل أربعين أضف إليها أربعين ثانية، النعمة تحتاج إلى شكر، {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، إذا شُكِرت قرّت، وإذا كُفِرت فرّت.

 روى المعافى بن عمران في كتابه الجليس الصالح بسندٍ صحيح إلى الحسن البصري أنه قال: ذُكر عن قومٍ أنهم استنجوا بالخبز، ما نظن أن مثل هذا الترف الذي عندنا والغنى الذي عندنا ما سُبِقنا إليه، كل زمان بحسبه، أنهم استنجوا بالخبز فما لبثوا إلا يسيرًا حتى أكلوا العذرة، والأخبار في هذا كثيرة جدًّا، فعلى الإنسان أن يحترم هذه النعمة، وأن يشكر الله عليها، ليستحق المزيد، {وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

«إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك»، نعم الجيران هم الأولى والأقرب بابًا أولى من غيره.

 على كل حال جاء في حق الجيران وإكرام الجار نصوص كثيرة جدًّا في الصحيحين وغيرهما: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره»، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه»، أعظم الزنى أن يزاني حليلة جاره، وهذا من أشد أنواع الأذى للجار.

 على كل حال النصوص في احترام الجار وإكرام الجار وإعانة الجار نصوص كثيرة جدًّا من جاءت في السُّنَّة.

ثم قال -رحمه الله-: "وعنه -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-" قال لي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وكلمة لي زيادة من بعض النسخ.

 وعلى كل حال وجودها لا شك أنه يدل على العناية بالرواية، وإن كان حذفها لا يؤثر؛ لأن الصحابي جزم أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال، فإذا كان قوله له على وجه الخصوص أو له مع غيره فلا فرق، لا فرق، فإذا حُفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال كذا يكفي، سواء كان قاله لشخص أو لمجموعة من الناس، أهل العلم يتكلمون في زيادة لي وحذفها من قول الراوي قال فلان أو قال لي فلان هل لها أثر أو لا أثر لها؟

مباحثها في مصطلح الحديث معروفة.

 "رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا تحقرن من المعروف شيئًا»" المعروف في الحديث السابق شيء عيني تأخذ من طعامك وتعطي جارك، في الحديث السابق خلط الطعام بالماء ليكثُر، ليكثُر، عندك كمية من اللبن، وأردت أن تعطي جيرانك فأضفت إليها مثلها هذا داخل في الحديث المأمور به، فأكثر ماءها واللبن؛ لتوزعه على أكبر قدر، لكن للبيع لا يجوز، إذا وُجد لبن للبيع وأُضيف إليه ماء صار غشًّا، غشًّا محرمًا، ولكن إذا كان لأكل الإنسان نفسه أو لإهدائه والتصدق به فهذا أمرٌ مطلوب داخل في عموم معنى الحديث.

«لا تحقرن» لتؤدن في الحديث السابق قلنا: إن النون ثقيلة، ولا بني معها الفعل على الفتح لوجود الفاصل، هنا لا تحقرن، الفعل مبني على الفتح؛ لأنه مضارع متصل بنون التوكيد الثقيلة من غير فاصل.

 «لا تحقرن من المعروف شيئًا»، وفي رواية: لا تحقرن يا أبا ذر راوي الحديث الذي قال له الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا الكلام، لا تحقرن من المعروف شيئًا، والخطاب له ولغيره؛ لأن الحكم واحد، ليس هذا الحكم خاصًّا بأبي ذر.

 من المعروف شيئًا: نكرة في سياق النهي فتعم أي أدنى شيء، لو قال لك: ...هذا معروف مع أنه ما نقصك شيء، فلا تحقر مثل هذا، وبعض الناس من بخله يبخل بما هو دون ذلك، يبخل أن يرشد غيره إلى ما ينفعه، تسأله عن الطريق يقول لك: ما أدري، بل قد يزيد على ذلك فيتسبب في ضلاله، يدله على طريق آخر غير الطريق الذي يريده وهو يعرف، فأنت إذا سُئلت والمعروف مراتب، قال لك شخص: أين الطريق إلى كذا؟ ما لم يكن محرمًا، أما إذا كان محرمًا فلا؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، كما ذكر ابن القيم في الجواب الكافي الذي يقول: أين الطريق إلى حمام منجابي؟ هذا حرام، إما أن تحمله على دابتك أو سيارتك، توصله إلى ما يريد، هذا نوع رفيع من المعروف، أو ترشده أو تبذل له أجرة، أو تكتفي بدلالته، هذا كله معروف، وإن كان متفاوتًا، وإن كان متفاوتًا، وإذا كانت هذه في دلالة الأمور الحسية، فالدلالة على الخير كما سيأتي أعظم أجرًا، من دل على خير فله مثل أجر فاعله، والعلماء الذين يوجهون الناس بصدق وإخلاص، ويبذلون العلم للناس هؤلاء أجرهم عظيم لهم مثل أجور من تبعهم إلى يوم القيامة، والدعاة والمرشدون الذين يوجهون عامة الناس إلى الخير، وينهونهم، ويزجرونهم عن الشرور كذلك، كما سيأتي، «من دل على هدى»، الحديث سيأتي إن شاء الله تعالى، لكن هذا أعم، مثل هذا أعم، لا تحقرن من المعروف شيئًا.

 «ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» سهل منبسط، بعض الناس مع الأسف وهو مسلم، بل قد يكون من طلاب العلم يقابل الناس بوجه مكفهر، كما قال القحطاني:

لا تلق مبتدعًا ولا متزندقًا          إلا بعبسة مالك الغضبان

 لكن أخوك ماذا بينك وبينه؟

بعض الناس سبحان الله العظيم ما يوفق لمثل هذه الأمور، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، يعني منبسط مسرور لتدخل على أخيك السرور، بعض الناس يزور أخاه في الله، وقد يكون الزائر والمزور من طلاب العلم، لكن ما يجد وجهًا منبسطًا أو وجهًا طالقًا ما الذي أتى بك؟ بعض الناس ما وفق ولا يوفق لمثل هذه الأمور، وسمعنا من يحرم الذهاب إلى فلان مرة أخرى بعد أن ذهب إليه ورأى من سوء الاستقبال بغير موجب، وإلا إذا وجد الموجب مسألة شرعية، بعض الناس يحمله شدة التدين والحرص على حفظ النفس أنه ينقبض ولا ينبسط مع إخوانه وأقاربه، فالأمور بمقاصدها، وقد يحصل من الأشياء بسبب هذا خير، لكن مع ذلك الأصل ما جاء عن الله وعن رسوله، ما جاء عن الله وعن رسوله، «ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»، وهذا من الآداب الشرعية التي على المسلمين أن يعملوا بها، لا سيما طلاب العلم، لا سيما طلاب العلم. كم بقي؟

طالب:...

ثم قال -رحمه الله-: "وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «كتب الله مقادير الخلائق، كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء»".

 فيه كان عندكم؟

في مسلم فيه كان؟

طالب:...

ماذا؟

طالب: ...

وعرشه، بقول في كان تقول..

طالب:...

في الأصل: «وعرشه على الماء» وهنا: «وكان عرشه على الماء» كتب الله مقادير الخلائق أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة، اكتب، والأولية هنا أول ما خلق الله القلم، هل هي أولية مطلقة، فيكون القلم أول المخلوقات، أو أولية مقيدة بالقول؟ بمعنى أنه أول ما خلقه قال له: اكتب، وإن كان قد خلق شيئًا قبله، ولذا يختلف أهل العلم في أول المخلوقات فقال بعضهم: القلم، بناءً على هذا الحديث، وقال بعضهم: العرش، كما قال ابن القيم:

والناس مختلفون في القلم الذي        كُتب القضاء به من الديان

 هل كان قبل العرش أو هو بعده      قولان عند أبي العلا الهمداني

 والحق أن العرش قبلُ لأنه         قبل الكتابة كان ذا أركان

 يعني مخلوق قبل الكتابة، «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض»، فالكتابة وقعت قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، والتقدير العلمي أزلي، قبل ذلك، وكان عرشه على الماء، في الصحيح: «وعرشه على الماء»، وعرشه على الماء، ما الفرق بين قوله: «وكان عرشه على الماء» أو: «وعرشه على الماء» بدون كان؟

طالب:...

يعني تدل على التقدم في الماضي كان، وعرشه على الماء قيل: الواو واو الحال، والحال أن عرشه على الماء، والذي في الصحيح أنه ليس فيه كان، ولو كان فيه كان عرشه على الماء ما اختلفوا في القلم والعرش أيهما قبل.

 وعلى كل حال القدر والكتابة، مسألة التقدير والكتابة والخلق والإيجاد والتقدير مراتب القدر المعروفة هذه والقدر عمومًا سر الله في خلقه، ولا ينبغي للمسلم أن يسترسل فيه؛ لأنه في الغالب لن يصل إلى نتيجة، هذه أمور كما قال علي بن أبي طالب: القدر سر الله في خلقه، فعلى الإنسان أن يعمل بما أُمر به، وأن يكف عما نهي عنه، وأن يفهم المحكم ليعمل به، وأما ما كان فوق قدرته وطاقته، ولا يستطيع فهمه، فإنه من مصلحته ألا يتوغل فيه، والقضاء والقدر معروف وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان لا بد أن تؤمن بذلك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، كل هذا مكتوب، كتب الله، هنا؟ كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض، والإنسان مكتوب عليه ومقدر عليه، والملك مرسل إليه لما أُريد نفخ الروح فيه أُمر بكتب أجله ورزقه وشقي أو سعيد.