التعليق على تفسير القرطبي - سورة الرحمن (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"سُورَةُ الرَّحْمَنِ -عز وجل- مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَجَابِر،ٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: إِلَّا آيَةً مِنْهَا هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الرحمن:29]، الْآيَةَ، وَهِيَ سِتٌّ وَسَبْعُونَ آيَةً، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُقَاتِل هِيَ مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ابْنُ مَسْعُودٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا: مَا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ هَذَا الْقُرْآنَ يُجْهَرُ بِهِ قَطُّ، فَمَنْ رَجُلٌ يُسْمِعُهُمُوهُ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُود: أَنَا فَقَالُوا: إِنَّا نَخْشَى عَلَيْكَ، وَإِنَّمَا نُرِيدُ رَجُلًا لَهُ عَشِيرَةٌ يَمْنَعُونَهُ، فَأَبَى ثُمَّ قَامَ عِنْدَ الْمَقَامِ فَقَالَ: بسم الله الرحمن الرحيم {الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ}[الرحمن:1-2]، ثُمَّ تَمَادَى رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا، فَتَأَمَّلُوا وَقَالُوا: مَا يَقُولُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ؟ قَالُوا: هُوَ يَقُولُ الَّذِي يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبُوهُ حَتَّى أَثَّرُوا فِي وَجْهِهِ. وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَامَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِنَخْلَةَ، فَقَرَأَ سُورَةَ الرَّحْمَنِ، وَمَرَّ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ فَآمَنُوا بِهِ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ..."

هو القصة بمكة كما هو معلوم، فدل على أن السورة مكية.

"وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا، فَقَالَ: «لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ» قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ..."

الشيخ: مخرج؟ مخرج؟ ماذا قال؟

الطالب: أخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي في الدلائل من حديث جابر، ومداره على زهير بن محمد، قال الترمذي: غريب، قال البخاري: أهل الشام يروون عن زهير مناكير، وهذا من رواية أهل الشام عنه، قال الحافظ في التقرير: رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، ضَعُف بسببها.

الشيخ: ضُعِّف بسببها.

الطالب: ضُعِّف بسببها، وله شاهد أخرجه البزار والطبري من حديث ابن عمر، وصححه السيوطي في الدر، وقال الهيثمي في المجمع: عمرو بن مالك الراسبي وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية الرواة ثقات، قلتُ: نقل الذهبي في الميزان في ترجمة زهير بن محمد عن ابن عدي قوله: وسبقه جماعة فحدثوا به منهم...بن محمد وعلي بن جميل وعمرو بن مالك البصري. وقال الذهبي في ترجمة عمرو بن مالك: وثقه أبو يعلى. وقال ابن عدي: يسرق الحديث وتركه أبو زرعة...وأما ابن حبان فذكره في الثقات وضعفه الحافظ في الخريج، وتابعه بن عياد ابن موسى عند الطبري لكنه مجروح، وقد قال إبراهيم بن جنيد: سألت عنه يحيى فلم يحمده. وقال ابن عقبة: فيه نظر. وبهذا يتبين ضعف هذا الحديث وأن مداره على زهير وصرفه جماعة، والعجب كيف يصحح السيوطي مثل هذا الحديث.

الشيخ: إي صححه بناءً على ظاهر الإسناد الثاني أو بمجموع الطُرق، ولم يعرف أنه سُرق من الراوي الأول ورُكِّب عليه إسناد آخَر. السيوطي معروف طريقته في التصحيح. صحح الأحاديث الشديدة الضعف بناءً على ورودها من طرقٍ أخرى ولو كانت شديدة الضعف. جمهور أهل العلم لا يجبرون بعضها ببعض إذا كانت شديدة الضعف، وطريقة السيوطي معروفة، ونص على هذا في ألفيته لما ذكر الحسن وأن من الحديث ما ينجبر وما لا ينجبر ثم ذكر ما ينجبر، وما كان ضعفه بسبب ضبط الراوي وذكر الثاني وقال: ربما يكون كالذي بُدِي، يعني مثل الأول يعني ينجبر بعضها ببعض، وهذه طريقته, وعلى كل حال لا عبرة بتصحيحه، والحديث ضعيف. ويبقى أن مثل هذا هذا الكلام "ولَا بِشَيْءٍ مِنْ آلائك ونِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ" يعني مثل ما يقال عند مرور آية رحمة ومرور آية عذاب وما أشبه ذلك، يعني يقوله الإنسان خارج الصلاة ويتحاشاه داخل الصلاة، ما دام الخبر لم يثبت به في الصلاة.

"وَرُوِيَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: اتْلُ عَلَيَّ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةَ الرَّحْمَنِ فَقَال: أَعِدْهَا، فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَحَلَاوَةً، وَأَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَأَعْلَاهُ مُثْمِرٌ، وَمَا يَقُولُ هَذَا بَشَرٌ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ."

الشيخ: ولهذا الكلام حُفِظ عن غيره. نعم حُفِظ عن المغيرة. خرجه؟

الطالب: قال: ضعيف، قال: هذا لم أعثر عليه، وبحثت عنه في ترجمة...لم يذكره والله أعلم، والمشهور في هذا الوليد، ولكنه لم يؤمن.

الشيخ: نعم. الوليد، الوليد بن المغيرة، الوليد هذا كلامه. نعم.

"وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَال:  لِكُلِّ شَيْءٍ عَرُوسٌ وَعَرُوسُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الرَّحْمَن». "

الشيخ: وهذا أيضاً؟

الطالب: ضعيف جدا.....

الشيخ: نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ}[الرحمن:1-2] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيّ: الرَّحْمَنُ فَاتِحَةُ ثَلَاثِ سُوَرٍ إِذَا جُمِعْنَ كُنَّ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى "الر"، وَ "حم" وَ" ن" فَيَكُونُ مَجْمُوعُ هَذِهِ الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ أَيْ عَلَّمَهُ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم-."

يعني هذا مثل ما تقدَّم من زَعم بعضهم أن الحروف المقطعة في أوائل السور من أسماء الله -جلَّ وعلا-، أو يتركب منها أسماء من أسماء الله تعالى، وهذا لا دليل عليه. نعم.

"عَلَّمَ الْقُرْآنَ أَيْ عَلَّمَهُ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَدَّاهُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَأُنْزِلَتْ حِينَ قَالُوا: وَمَا الرَّحْمَنُ؟ وَقِيلَ: نَزَلَتْ جَوَابًا لِأَهْلِ مَكَّةَ حِينَ قَالُوا: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ وَهُوَ رَحْمَنُ الْيَمَامَةِ، يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ}."

لكن هل في هذا ما يدفع قولهم؟ هم يقولون: علمه رحمن اليمامة، فنزلت: {الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ}؟

طالب:.........

الشيخ: قد يقول قائل: إن هذا تصديق لقولهم. لما قالوا: علمه الرحمن رحمن اليمامة، فنزلت: {الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ}. ما يظهر هذا. نعم.

طالب:.........     

الشيخ: على كل حال موجود في هذا الوقت. المقصود أن مثل هذا لا يصح. نعم.

"وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى عَلَّمَ الْقُرْآنَ أَيْ سَهَّلَهُ لِأَنْ يُذْكَرَ وَيُقْرَأَ كَمَا قَال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}."

يعني كما قال بعض التابعين: هل من طالب علم فيعان عليه؟ يعني كثير من الناس ينظر إلى القرآن وأنه أبعد عليه من الثريا، يستصعبه ويستحسر دونه ويقصر وقد أعرض عنه وغفل عنه، والله -جلَّ وعلا- يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} فقط؟ {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[القمر:22]، المعارض لا ينتفع، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه:124]، هل من مدَّكر؟ هل من معتبر؟ هل من متعظ؟ هل من طالب علمٍ فيعان عليه؟ نعم.

"وَقِيلَ: جَعَلَهُ عَلَامَةً لِمَا تَعَبَّدَ النَّاسُ بِه. {خَلَقَ الْإِنْسَانَ}[الرحمن:3]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ..."

علم من العلامة والسمة لكن هذا بعيد، بل هو من التعليم.

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: يَعْنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ .{عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}[الرحمن:4]، أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ..."

الذي هو أصل الإنسان، أصل الإنسان آدم، فيطلق الإنسان ويراد به أصله وهو آدم ويطلق ويراد به الجنس، بدليل الاستثناء بعده، {وَالْعَصْرِ*إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:1-3]، فاللام جنسية، نعم، لكن هل هو من العام الباقية على عمومه؟ أو من العام المخصوص أو من العام الذي يراد به الخصوص؟ لأنه ما كل الناس عُلِّموا القرآن، من المسلمين من لا يُحسن قراءة حرف من كلام الله -جلَّ وعلا-، يعني علم من أراد تعليمه، علم من كُتب له أن يتعلم.

"{عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}[الرحمن:3] أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ ..."

هذا إذا كان المراد آدم، كما في قوله -جل وعلا-: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31]. نعم.

"وَقِيلَ: عَلَّمَهُ اللُّغَاتِ كُلَّهَا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَابْنِ كَيْسَانَ..."

علمه اللغات كلها، وهذا بناء على أن اللغات توقيفية، معنى أن آدم عُلِّم كل شيء حتى القصعة وما أشبهها، يعني هل عُلِّم أسماء الأشياء كلها؟ بمفرداتها أو بأصولها؟ بلغةٍ واحدة أو بجميع اللغات؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، فمن يقول أن اللغات توقيفية يقول عُلِّم كل شيء، كل شيء ما سمي وما سيسمى بعد، والذي يقول اجتهادية يقول عُلِّم الأصول وبقية المواد والألفاظ والجمل والتراكيب كلها اصطلاحية. ومنهم من يقول: بالتلفيق، عُلِّم أشياء واجتهد بنوه في أشياء، ومنهم يتوقف. على كل حال النص على أن الله -جلَّ وعلا- علمه الأسماء كلها، فهل مما عُلِّمَه أسماء المخترعات الحديثة الذي لا يعرفها من قبلنا بسنوات أو من قبل وجودها بأيام؟ أو عُلِّم ما يحتاج إليه في حياته فقط واجتهد الناس في الأسماء المحدثة بعده؟ فالأقوال في المسألة أربعة: توقيفية وتوفيقية وتلفيقية ورابعها التوقف. نعم.

"وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَابْنِ كَيْسَان: الْإِنْسَانُ هَاهُنَا يُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-."

إذا قلنا الإنسان آدم فهل المراد بالقرآن المعروف كلام الله المنزَّل على نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام- المحفوظ بين الدفتين، أو المراد به القراءة؟ فإذا قلنا المراد بالقرآن ما بين الدفتين فالإنسان محمد -عليه الصلاة والسلام-، وإذا قلنا المراد به القراءة فمحمد -عليه الصلاة والسلام- لا يقرأ، والأظهر أن المراد بالإنسان الجنس جنس الإنسان. نعم.

"وَالْبَيَانُ بَيَانُ الْحَلَالِ مِنَ الْحَرَامِ، وَالْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ، وَقِيلَ: مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، لِأَنَّهُ بَيَّنَ عَنِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَيَوْمِ الدِّينِ، وَقَالَ الضَّحَّاك: الْبَيَانُ الْخَيْرُ وَالشَّرّ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَس: هُوَ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ، وَقَالَهُ قَتَادَة،ُ وَقِيلَ: الْإِنْسَانُ يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ النَّاسِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْجِنْسِ وَالْبَيَانُ عَلَى هَذَا الْكَلَامُ وَالْفَهْمُ."

نعم. الذي هو خصيصة الإنسان، الذي هو النُطق بالكلام المفهوم. النطق بالكلام المفهوم هذا ما يختص به الإنسان، وما عدا الإنسان فهو أعجم، لا ينطق، وإن نطق بشيءٍ لا يُفهَم أو وجد في بعض أنواعه ما يقبل التلقين فينطق بما يُلقَّن، لكن هذا لا يخرجه عن كونه أعجم، فالإنسان هو الذي عُلِّم البيان الذي هو النطق فهو من خصائصه ومن أعظم نِعم الله -جل وعلا- على بني آدم. نعم.

"وَالْبَيَانُ عَلَى هَذَا الْكَلَامُ وَالْفَهْمُ، وَهُوَ مِمَّا فُضِّلَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَلَّمَ كُلَّ قَوْمٍ لِسَانَهُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُونَ بِهِ، وَقَالَ يَمَانٌ: الْكِتَابَةُ وَالْخَطُّ بِالْقَلَمِ، نَظِيرُه،ُ {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:4-5]"

يعني الكتابة والخط بالقلم نوع من أنواع البيان، والأصل فيه النطق.
"{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[الرحمن:5]، أَيْ يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ مَعْلُومٍ فَأَضْمَرَ الْخَبَرَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَأَبُو مَالِكٍ: أَيْ يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ فِي مَنَازِلَ لَا يَعْدُوَانِهَا وَلَا يَحِيدَانِ عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ كَيْسَانَ: يَعْنِي أَنَّ بِهِمَا تُحْسَبُ الْأَوْقَاتُ وَالْآجَالُ وَالْأَعْمَارُ، وَلَوْلَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ كَيْفَ يَحْسُبُ شَيْئًا لَوْ كَانَ الدَّهْرُ كُلُّهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا".

إذا كان الشيء ليس له أجزاء يُعرَف بتعاقبها فإنه لا يمكن أن يُحال عليه شيء، ولذلك لو قيل: لفلان على فلان دَين يحل في يوم الاثنين، هل يُفهَم حلوله من يوم الاثنين في الصباح، أو في الضحى، أو في الظهر، أو في العصر؟ ما يُفهم، لأنه متصل، شيءٌ واحد فلا يُفهم إلا بالتنصيص. والتأريخ لما سَنَّهُ عمر -رضي الله عنه وأرضاه- سببه هذا، لما جيء له بصك فيه دين إلى شعبان، قال: شعبان الماضي أو شعبان القادم؟ أيهما؟ ما فيه تاريخ، يمكن أن يُوصل إلى المطلوب من التاريخ، ما فيه سنة كذا؟ يعني كمن يعرف يوم ميلاده ولا يعرف السنة، استفاض بين أهله، وأمه تقول: أنت مولود في ليلة العيد، لكن أي سنة؟ تقول: ما أدري. هذا يعرف تاريخ أو ما يعرف؟ ما يعرف تاريخ، فمثل هذه الأمور التي ليس لها أجزاء يُحدد المراد بها ما يمكن أن يوصل لذلك هنا الشمس والقمر بحسبان، لو كانت آية واحدة وشيءٌ واحد إما ليل وإما نهار ما عرف الناس كيف يحسبون. نعم.

"وَقَالَ السُّدِّيُّ: بِحُسْبَانٍ تَقْدِيرُ آجَالِهِمَا أَيْ تَجْرِي بِآجَالٍ كَآجَالِ النَّاسِ، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمَا هَلَكَا، نَظِيرُهُ: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى}[الرعد:2]، وَقَالَ الضَّحَّاك: بِقَدَر، قال مُجَاهِد: بِحُسْبَانٍ كَحُسْبَانِ الرَّحَى، يَعْنِي: قُطْبَهَا، يَدُورَانِ فِي مِثْلِ الْقُطْبِ، وَالْحُسْبَانُ قَدْ يَكُونُ مَصْدَرَ حَسَبْتُهُ أَحْسُبُهُ بِالضَّمِّ حَسْبًا وَحُسْبَانًا مِثْلُ الْغُفْرَانِ..."

من الحساب. نعم.

"مِثْلُ الْغُفْرَانِ وَالْكُفْرَانِ وَالرُّجْحَانِ، وَحِسَابه أَيْضًا..."

وحسابةً، حسباً وحسبانا وحسابةً.

"وَحِسَابَة أَيْضًا أَيْ..."

عددتُهُ.

"أَيْ عَدَدْتُهُ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: وَيَكُونُ جَمَاعَةَ الْحِسَابِ..."

يعني جمع. نعم.

"مِثْلُ شِهَابٍ وَشُهْبَانٍ..."

وعقاب وعُقبان، نعم. وغراب وغربان. نعم.

"وَالْحُسْبَانُ أَيْضًا بِالضَّمِّ الْعَذَابُ وَالسِّهَامُ الْقِصَارُ، وَقَدْ مَضَى فِي الْكَهْفِ الْوَاحِدَةُ حُسْبَانَةٌ، وَالْحُسْبَانَةُ أَيْضًا الْوِسَادَةُ الصَّغِيرَةُ، تَقُولُ مِنْهُ: حَسَّبْتُهُ إِذَا وَسَّدْتَهُ، قَالَ: لَثَوَيْتَ غَيْرَ مُحَسَّبِ، أَيْ غَيْرَ مُوَسَّدٍ يَعْنِي غَيْرَ مُكَرَّمٍ وَلَا مُكَفَّنٍ. {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}[الرحمن:6]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: النَّجْمُ مَا لَا سَاقَ لَهُ وَالشَّجَرُ مَا لَهُ سَاقٌ."

يعني من النبات، ما لا ساق له من النبات وما له ساق. النجم الذي لا يبرح الأرض ولا يرتفع عنها لأنه لا ساق له، والشجر ما له ساق فيرتفع به. نعم.

"وَأَنْشَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَ صَفْوَانَ بْنِ أَسَدٍ التَّمِيمِيُّ:

لَقَدْ أَنْجَمَ الْقَاعُ الْكَبِيرُ عِضَاهَهُ

...

وَتَمَّ بِهِ حَيَّا تَمِيمٍ وَوَائِلِ

وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى:

مُكَلَّلٌ بِأُصُولِ النَّجْمِ تَنْسِجُهُ

...

ريح الجنوب لضاحي مائه حبك

وَاشْتِقَاقُ النَّجْمِ مِنْ نَجَمَ الشَّيْءُ يَنْجُمُ بِالضَّمِّ نُجُومًا ظَهَرَ وَطَلَعَ، وَسُجُودُهُمَا بِسُجُودِ ظِلَالِهِمَا، قَالَهُ الضَّحَّاك،ُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سُجُودُهُمَا أَنَّهُمَا يَسْتَقْبِلَانِ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ ثُمَّ يَمِيلَانِ مَعَهَا حَتَّى يَنْكَسِرَ الْفَيْءُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: سُجُودُهُمَا دَوَرَانُ الظِّلِّ مَعَهُمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :{يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ}[النحل:48]."

مثل هذا من الأمور مثل سجود الأشياء لله -جل وعلا- وتسبيحها له -جل وعز- هذه أمور أُخبرنا بها على سبيل الإجمال، فليس لنا أن ندخل في تفاصيل أشياء لا ندركها، اللهم إلا ما جاء التنصيص عليه كتسبيح الحصى بيده -عليه الصلاة والسلام- وما عدا ذلك كيف يسجد النجم؟ كيف يسجد الشجر؟ كيف يسبح الحصى؟ وكيف...، هذه أمور لا تُدرَك بالعقل ولا نقل يدل على الكيفية، فليس لنا أن نقحم أنفسنا وعقولنا بأشياء لا نستطيع إدراكها إلا بالتوقيف ولا توقيف. نعم.

"وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: النَّجْمُ نَجْمُ السَّمَاءِ، وَسُجُودُهُ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ دَوَرَانُ ظِلِّهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ، حَكَاهُ الْمَهْدَوِيُّ."

يعني كون الشمس في كل ليلة تسجد تحت العرش، ثم تستأذن للطلوع مرةً ثانية وهذا صحيح، بل في الصحيح مع أنها لا تبرحُ ولا تغادر فلكها، بدليل أنها لا تغيب، بل تنتقل من قُطر إلى قُطر، هل يمكن أن نقول نضرب هذا بهذا؟ ونقول ما يمكن أن تسجد تحت العرش لأنها لا تبرح ولا تغادر؟ لا لا يمكن، إذا صح الخبر فليس لأحدٍ كلام، وهناك أمور مهما بذل الإنسان من وسائل المعرفة لن يستطيع إدراكها، يعني مثل ما يقرر شيخ الإسلام وغيره أن الله -جل وعلا- ينزل في آخر كل ليلة، كما جاء في الحديث الصحيح وأنه لا يفارق العرش، ولا يخلو مكانه من العرش، لا يخلو منه العرش، يعني مثل هذا نستطيع أن ندركه بعقولنا؟ نحن جاءنا النصوص نرضى ونُسلم، ولذلك احتج بعض المبتدعة على إبطال حديث النزول أن الثُلث الأخير من الليل ينتقل من بلد إلى آخر، فيلزم عليه أنه نازل في كل الليل، ولا يختص ذلك بالثُلث الأخير، فالثُلث الأخير عند قوم هو أول الليل عند قوم، فإذا جاء الثُلث الأخير عندهم إذا به في النهار عند قوم. هذه أمور لا تُدرك، ولمن استرسل ورائها سوف يضل ولا محالة، وسوف ينكر ما جاءت به النصوص، وهذا هو سبب ضلال من ضل من رءوس المبتدعة، أنهم أقحموا أنفسهم بما وراء النصوص، مما لا يُدرَك بالرأي. نعم.

"وَقِيلَ: سُجُودُ النَّجْمِ أُفُولُهُ، وَسُجُودُ الشَّجَرِ إِسكَانُ."

إمكان.

إِمْكَانُ الِاجْتِنَاءِ لِثَمَرِهَا، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقِيلَ: إِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مُسَخَّرٌ لِلَّه، فَلَا تَعْبُدُوا النَّجْمَ كَمَا عَبَدَ قَوْمٌ مِنَ الصَّابِئِينَ النُّجُومَ، وَعَبَدَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَجَمِ الشَّجَرَ. وَالسُّجُودُ: الْخُضُوعُ، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ آثَارُ الْحُدُوثِ، حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ. قال النَّحَّاس: أَصْلُ السُّجُودِ فِي اللُّغَةِ: الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَهُوَ مِنَ الْمَوَاتِ كُلِّهَا اسْتِسْلَامُهَا لِأَمْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَانْقِيَادُهَا لَهُ، وَمِنَ الْحَيَوَانِ كَذَلِكَ وَيَكُونُ مِنْ سُجُودِ الصَّلَاةِ، وَأَنْشَدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ فِي النَّجْمِ بِمَعْنَى النُّجُومِ قَالَ:

فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ فِي مُسْتَحِيرَةٍ

...

سَرِيعٌ بِأَيْدِي الْآكِلِينَ جُمُودُهَا"

ويريد بذلك النجوم لأن الواحد لا يعد، ومحمد بن يزيد من هو؟ المبرد. نعم.

"{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} [الرحمن:7] وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ" وَالسَّمَاءُ" بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَاخْتَارَ ذَلِكَ لَمَّا عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي هِي: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}"

أن هذا عطف جُمل على جُمل، لكن نصبه بفعلٍ محذوف يفسره المذكور، تقديره: ورفع السماء رفعها. ومنهم من يقول: هو منصوبٌ بالفعل المذكور، مفعولٌ له مقدَّمٌ عليه، لكن الفعل المذكور نصب، نصب الضمير واشتغل به، فالتقدير عند البصريين وغيرهم لابد منه.

"وَاخْتَارَ ذَلِكَ لَمَّا عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}، فَجَعَلَ الْمَعْطُوفَ مُرَكَّبًا مِنْ مُبْتَدَإٍ وَخَبَرٍ كَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، والْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} أَيِ: الْعَدْلَ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ، أَيْ وَضَعَ فِي الْأَرْضِ الْعَدْلَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، يُقَال: وَضَعَ اللَّهُ الشَّرِيعَةَ، وَوَضَعَ فُلَانٌ كَذَا أَيْ أَلْقَاهُ، وَقِيلَ: عَلَى هَذَا الْمِيزَانُ..."

الفرق بين الوضع والإلقاء. الوضع ترك الشيء على الموضوع عليه برفق، والإلقاء بشدة وقوة، ولذا فرق بين أن يضع الإنسان المصحف على الأرض وبين أن يلقيه على الأرض، فرقٌ بين هذا وهذا. فأهل العلم يرون أن وضع المصحف على الأرض لا إشكال فيه، وإن كان خلاف الأولى لكنه جائز، بخلاف إلقاؤه على الأرض ورميه على الأرض فهذا استخفاف بكلام الله -جل وعلا- وأمره شديدٌ وخطير. نعم.

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ في حالة المصاحف هذه مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذه تحملها مصاحف كثير من المساجد، هل فيها بأس؟

الشيخ: ما المكتوب؟

طالب: مكتوب على أطرافها لا إله إلا الله محمد رسول الله.

الشيخ: ما المانع؟

طالب: ما في.

الشيخ: ما في مانع.

طالب: يوضع عليها ورقة أويوضع عليها مصاحف.

الشيخ: ويوضع عليها مصحف، كما يوضع المصحف على المصحف.

طالب: يعني إذا كان الكتابة فيها ما فيها بأس؟

الشيخ: ما فيها إشكال إن شاء الله.

أما إذا استُخدمت لغير ذلك وامتُهنت، بأن يستند إليها بعض الناس كما هو الحاصل، بعض الناس يطبق هذه الكرسي على المصحف ويجعله وراء ظهره، يستند إليه أو ينام عليه يجعله وسادة، هذا لا، هذا امتهان، لا يجوز. نعم.

"وَقِيلَ: عَلَى هَذَا الْمِيزَانُ: الْقُرْآنُ، لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ أَيْضًا وَالضَّحَّاكُ: هُوَ الْمِيزَانُ ذُو اللِّسَانِ الَّذِي يُوزَنُ بِهِ لِيَنْتَصِفَ بِهِ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ}[الرحمن:9]، وَالْقِسْطُ الْعَدْلُ، وَقِيلَ: هُوَ الْحُكْمُ، وَقِيلَ: أَرَادَ وَضْعَ الْمِيزَانِ فِي الْآخِرَةِ لِوَزْنِ الْأَعْمَالِ، وَأَصْلُ مِيزَانٍ مِوْزَانٍ وَقَدْ مَضَى فِي الْأَعْرَافِ الْقَوْلُ فِيه،. {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ}[الرحمن:8]."

الميزان المعرَّف بألـ يحتمل أن يكون المراد به الميزان ما يُتعامل به في الدنيا من المحسوس ذو الكفتين، وأن يكون الميزان التي تُوزن به الأعمال يوم القيامة، وأن يكون الميزان المُعبَّر به عن العدل فيكون معنوياً، لأن بالميزان يحصل العدل بين المتخاصمين وبين المتبايعين وبين... فصار شعاراً للعدل، ولذا تجدون في شعار وزارة العدل ميزانًا، فالاحتمال وارد، قد يُراد به الجميع. نعم.

"{أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ}[الرحمن:8] مَوْضِعُ " أَنْ " يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى تَقْدِيرِ..."

في المدغمة في اللام، موضع أن المدغمة في اللام ألا، أصلها أن لا.

"يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ..."

والمراد أن وما دخلت عليه. نعم.

"عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ كَأَنَّهُ قَالَ: لِئَلَّا تَطْغَوْا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا} [النساء:176]، وَيَجُوزُ أَلَّا يَكُونَ لِ " أَنْ " مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ..."

ويجوز أن تكون أن وما دخلت عليه في محل نصب مفعول له، مفعول لأجله، خشية أن تطغوا.

"وَيَجُوزُ أَلَّا يَكُونَ لِـ " أَنْ " مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى "أَيْ" وَتَطْغَوْا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَجْزُومًا، كَقَوْلِهِ تَعَالى: {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}[ص:6]، أَيِ: امْشُوا، وَالطُّغْيَانُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، فَمَنْ قَال: الْمِيزَانُ الْعَدْلُ قَالَ: طُغْيَانُهُ الْجَوْرُ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ الْمِيزَانُ الَّذِي يُوزَنُ بِهِ قَالَ: طُغْيَانُهُ: الْبَخْسُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَيْ لَا تَخُونُوا مَنْ وُزِنْتُمْ لَهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمَوَالِيَ! وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ بِهِمَا هَلَكَ النَّاسُ، الْمِكْيَالُ وَالْمِيزَانُ."

تخصيص هذا أو هذين الأمرين بالموالي لأنهم بصدد خدمة، خدمة أسيادهم أهل البيع والشراء وأهل العقود، وهم يكيلون ويزنون إذا تمت الصفقة مع سيد تولى ذلك المولى. نعم.

طالب:.......

الشيخ: إذا كان عندهم من الصلاحيات ما يخولهم على ذلك واتفقوا مع صاحب المحل أو رآهم يفعلونه أو استفاض من غير نكير هذا ما فيه إشكال، لكن إذا كان المعطى مكلفاً فالورع أن لا يأخذ، وإذا كان غير مُكلف ويصعُب صده عن ذلك وأخذه من يده فالأمر فيه سعة إن شاء الله. نعم.

طالب:.......

الشيخ: أنه ميزان القيامة، إي مرجح. نعم.

طالب:............

الشيخ: ما المانع؟

طالب:..........

الشيخ: والثاني أقره على ذلك؟ البائع؟

طالب:..........

الشيخ: المقصود أن المباع هو السليم وما هو بالمعيب. البيع...

طالب:.........

الشيخ: على كل حال إذا رآه أو سكت هذا إقرارٌ له، إقرارٌ له. نعم.

"ومن قال إنه الحكم..."

مر بنا أمور يعني يستغربها أوساط الناس في مسألة الوزن. بعض من يبيع عنده شيء من الحرص بل الشُح، تجده إذا وضع ما يراد وزنه فرجحت الكفة، إن شال حبة نقص الوزن وإن وضع حبة زاد، فيضطر أن يأخذ هذه الحبة ويرجح ليستوي قلب الميزان ولسان الميزان على حد سواء بمادة أخرى. يعني حصل لنا، اشترينا بضاعة فاكهة مثلاً تفاح مثلاً، لما وضع واحدة رجحت، لما شالها خف الميزان، فأخذ حبة من اليوسفندي وضعها، صار لسان الميزان وأنت ما تريد هذا.. قد يضع حبة بطاطس مثلاً أنت..، يعني هذا وُجد يعني ما هو افتراض، هذا ليس بافتراض لكن ما المطلوب في مثل هذا؟ هل مطلوب أن يقطع نصف واحدة ويضعها، وقد تتلف قبل وصولك إلى البيت؟ هذه بعد فيها ما فيها، وهو لا يُلزَم أن يرجح الميزان لا يُلزم، إنما إذا استوى لسانه مع الآخَر انتهى.

طالب:......

الشيخ: هذا من باب الفضل. أن يرجح فمن باب الفضل، وإلا الأصل العدل ليس لك ولا عليك، لكن في مثل هذه الأمور إن وضع الحبة رجح وإن رفعها خف، هل له أن يُرجح بغير المادة المشتراة؟ لأنه إن وضع نصف، يعني ما فيه إشكال تشتري برتقال ويُرجح بيوسفندي، هذا ما فيه إشكال، يعني يسوي الميزان لكن إذا أتى بشيء لا تريده أصلاً، أنت لا تريده، فمثل هذه الأمور تجري على العُرف.

طالب:..............

الشيخ: معروف.

طالب:...........

الشيخ: ميزان ولا قبان؟

طالب: ميزان.

الشيخ: ميزان

طالب:..........

الشيخ: هذا الصاع هذا!

طالب: الصاع إيوا.

الشيخ: الصاع هذا. ما هو بالميزان.

طالب:........

الشيخ: إي معروف هذا

طالب:.........

الشيخ: هذا فضل لكن يبقى بالمقابل وُجد وعُثر على شخص ربط كفة الميزان بحبل وربطه بإصبعه، بحيث إذا وضع شيء يسير جر الحبل، يعني التطفيف موجود.

طالب:......

الشيخ: أقول التطفيف موجود ونزل القرآن بذمه والوعيد على من فعله.

"وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ الْحُكْمُ قَالَ: طُغْيَانُهُ التَّحْرِيفُ، وَقِيل: فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ وَضَعَ الْمِيزَانَ وَأَمَرَكُمْ أَلَّا تَطْغَوْا فِيهِ: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ}[الرحمن:9] أَيِ: افْعَلُوهُ مُسْتَقِيمًا بِالْعَدْلِ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه-: أَقِيمُوا لِسَانَ الْمِيزَانِ بِالْقِسْطِ وَالْعَدْلِ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: الْإِقَامَةُ بِالْيَدِ وَالْقِسْطُ بِالْقَلْب."

العدل والفضل أن يكون الأمر معلق بالوازن والكايل، فإن كان يكيل لنفسه احتاط لنفسه فلا يجعل الميزان يرجح، وإذا كان يكيل لغيره من ماله فلا شك أن إبراء الذمة تكون بالرجحان الموزون، يعني مثل القسمة، إذا قسم صاحب الشأن فينبغي أن يتفضل على غيره، وإن قُسِم له جعل العدل. قد يكون هنالك فضل من جهةٍ أخرى، وعلى كل حال مثل هذه الأمور على الإنسان أن يخرج من عهدتها بيقين، يخرج من العهدة بيقين، نعم.

طالب: أليس من الورع يا شيخ؟

الشيخ: ما فيه شك أن العدل نقول العدل هذا ما فيه إشكال ولا لوم ولا مذمة فيه، لكن الفضل هو الذي يُمدَح فيه والزيادة وتجاوزه هو الذي يُذَم عليه. نعم.

"وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: الْإِقَامَةُ بِالْيَدِ وَالْقِسْطُ بِالْقَلْب،ِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقِسْطُ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّة،ِ وَقِيلَ: هُوَ كَقَوْلِكَ: "أَقَامَ الصَّلَاةَ" أَيْ أَتَى بِهَا فِي وَقْتِهَا. وَأَقَامَ النَّاسُ أَسْوَاقَهُمْ أَيْ أَتَوْهَا..."

يعني إقامة الصلاة التي جاءت بها النصوص باعتبارها ركن من أركان الإسلام، ومن دعائم النظام وإقام الصلاة، إقام الصلاة أداؤها على الوجه المشروع، «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، هذه إقامة الصلاة، تقويمها على ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. نعم.

"وَأَقَامَ النَّاسُ أَسْوَاقَهُمْ أَيْ أَتَوْهَا لِوَقْتِهَا، أَيْ لَا تَدَعُوا التَّعَامُلَ بِالْوَزْنِ بِالْعَدْلِ، {وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[الرحمن:9] وَلَا تَنْقُصُوا الْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ."

يعني ما يُكال يجب التعامل فيه بالكيل، وما يوزن يجب التعامل فيه بالوزن، لأنه لو وُزِنَ المكيل اختلف ولو كِيل الموزون لاختلف، فلا يجوز بيع الربوي المكيل بجنسه وزناً، لا يجوز، إذاً كيل المكيل بالكيل والموزون بوزن لأنه يختلف يعني وزنه يختلف عن حجمه، هذا ظاهر.

طالب:........

الشيخ: ما فيه تداخُل.

طالب:.......

الشيخ: إي.

طالب:.......

الشيخ: هذا يبيع بجنسه؟ وبربوي مثله؟

طالب:..........

الشيخ: لا، ما فيه إشكال.

طالب:.......

الشيخ: لا، هذا إذا بيع بجنسه، أما إذا بيع بالدراهم والدنانير أو بغير جنسه بما يباع به نسيئة، هذا ما فيه إشكال، لو أخذه أجزاء بدون وزن ما فيه إشكال.

"وهذا كقوله..."

لكن أظن المكاييل أفل نجمها وانتهت، لا يُتعامَل بها.

طالب:.......

الشيخ: مع الأسف أن بعض القوانين في بعض بلاد المسلمين المكيال الصاع عليه سجن، إذا تعامَل بالصاع عليه سجن، وقد ضُبط في بعض البلدان شخص في حوزته صاع وقُدِّم إلى القاضي، فالقاضي بماذا يحكم؟ قاضي عالِم شرع، وهكذا يحصُل في أوقات الاضطراب، إذا كانت الأمة لا تستقل بنفسها، عالِم شرعي يُؤتى له بشخص في حوزته صاع؟ فاضطر أن يلقنه، ماذا تستعمل؟ كيف تستعمل هذا الصاع؟ أنت تستعمله كإناء من الأواني؟ لقنه وقال: نعم، قال: ما عليك شيء، حتى مثل هذا التلقين حقيقةً الألم يعتصر القلب حتى في مثل هذا التلقين. صحيح أن الرجل سلم من العقوبة لكن يبقى أن كيف نلجأ إلى هذا الأمر في بلادٍ يُنادى فيه للصلاة خمس مرات في اليوم؟ والله المستعان. نعم.

طالب:.........

الشيخ: نعم.

"وَهَذَا كَقَوْلِه: {وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ}[هود:84]، وَقَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: اعْدِلْ يَا ابْنَ آدَمَ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُعْدَلَ لَكَ، وَأَوْفِ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُوفَى لَكَ، فَإِنَّ الْعَدْلَ صَلَاحُ النَّاسِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَلَا تُخْسِرُوا مِيزَانَ حَسَنَاتِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونَ ذَلِكَ حَسْرَةً عَلَيْكُمْ، وَكَرَّرَ الْمِيزَانَ لِحَالِ رُءُوسِ الْآيِ. وَقِيلَ: التَّكْرِيرُ لِلْأَمْرِ..."

يعني وضع الميزان ألا تطغوا فيه، يعني هذا الأصل لكن كُرر الميزان، احتيج لتكراره لمراعاة رءوس الآي.

"وَقِيلَ: التَّكْرِيرُ لِلْأَمْرِ بِإِبقاءِ الْوَزْنِ..."

بإيفاء.

"وَقِيلَ: التَّكْرِيرُ لِلْأَمْرِ بِإِيفَاءِ الْوَزْنِ وَرِعَايَةِ الْعَدْلِ فِيهِ، وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ "تُخْسِرُوا" بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ السِّينِ، وَقَرَأَ بِلَالُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ وَأَبَانٌ عَنْ عُثْمَانَ "تَخْسَرُوا" بِفَتْحِ التَّاءِ وَالسِّينِ وَهُمَا لُغَتَانِ..."

يعني، هل هو من الثلاثي أو من الرباعي؟ نعم.

"وَهُمَا لُغَتَانِ. يُقَالُ: أَخْسَرْتُ الْمِيزَانَ وَخَسَرْتُهُ كَأَجْبَرْتُهُ وَجَبَرْتُهُ، وَقِيلَ: "تَخْسَرُوا" بِفَتْحِ التَّاءِ وَالسِّينِ مَحْمُولٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ، وَالْمَعْنَى: وَلَا تَخْسَرُوا فِي الْمِيزَانِ {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ}[الرحمن:10]."

طالب:.............

الشيخ: هذا لا يجوز تمثيله، هذه لا يجوز تمثيلها، لأن تمثيلها يقلل من شأنها، يعني رأينا ووُصِف في المساجد الصراط والقنطرة وعن اليسار نار تلظى وعن اليمين أشجار، هذا كله لا يجوز بحال، لأن هذا يقلل من هيبة هذه المواقف.

"{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ}[الرحمن:10] للْأَنَامُ: النَّاسُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وقال الْحَسَنُ: الْجِنُّ وَالْإِنْس،ُ وقال الضَّحَّاك: كُلُّ مَا دَبَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَهَذَا عَام،ّ {فِيهَا فَاكِهَةٌ}[الرحمن:11] أَيْ كُلُّ مَا يَتَفَكَّهُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ أَلْوَانِ الثِّمَار، {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ}[الرحمن:11] الْأَكْمَامُ جَمْعُ كِمٍّ بِالْكَسْرِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْكِمَّةُ بِالْكَسْرِ وَالْكِمَامَةُ وِعَاءُ الطَّلْعِ وَغِطَاءُ النَّوْرِ وَالْجَمْعُ كِمَامٌ وَأَكِمَّةٌ وَأَكْمَامٌ وَالْأَكَامِيمٌ أَيْضًا . وَكُمَّ الْفَصِيلُ إِذَا أُشْفِقَ عَلَيْهِ فَسُتِرَ حَتَّى يَقْوَى، قَالَ الْعَجَّاجُ:

بَلْ لَوْ شَهِدْتَ النَّاسَ إِذْ تُكُمُّوا
               

...

بِغُمَّةٍ لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا
 

تُكُمُّوا: مبني مجهول.

يعني مثل ما يقال من تكميم الأفواه، هذا معنى هذا تكميم معنوي، لكن هناك التكميم الحسي، فيما يُحتَاج إليه، إذا كان هناك وباء وكان هناك روائح كريهة، تُلبَس الأكمة والكِمام.

"وَتُكُمُّوا أَيْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمْ وَغُطُّوا، وَأَكَمَّتِ النَّخْلَةُ وَكَمَّمَتْ أَيْ أَخْرَجَتْ أَكْمَامَهَا، وَالْكِمَامُ بِالْكَسْرِ وَالْكِمَامَةُ أَيْضًا مَا يُكَمُّ بِهِ فَمُ الْبَعِيرِ لِئَلَّا يَعَضَّ، وتَقُولُ مِنْه،ُ بَعِيرٌ مَكْمُومٌ أَيْ مَحْجُومٌ، وَكَمَّمْتُ الشَّيْءَ غَطَّيْتُه،ُ وَالْكَمُّ مَا سَتَرَ شَيْئًا وَغَطَّاهُ، وَمِنْهُ كُمُّ الْقَمِيصِ بِالضَّمِّ وَالْجَمْعُ أَكْمَامٌ وَكِمَمَةٌ، مِثْلُ حَبٍّ وَحِبَبَةٌ، وَالْكُمَّةُ الْقَلَنْسُوَةُ الْمُدَوَّرَةُ، لِأَنَّهَا تُغَطِّي الرَّأْسَ، قَال:

فَقُلْتُ لَهُمْ كِيلُو بِكُمَّةِ بَعْضِكُمْ

...

دَرَاهِمَكُمْ إِنِّي كَذَلِكَ أَكْيَلُ

قَالَ الْحَسَن: {ذَاتُ الأَكْمَامِ} أَيْ ذَاتُ اللِّيفِ فَإِنَّ النَّخْلَةَ قَدْ تُكَمَّمُ بِاللِّيفِ، وَكِمَامُهَا لِيفُهَا الَّذِي فِي أَعْنَاقِهَا، قال ابْنُ زَيْدٍ: ذَاتُ الطَّلْعِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَتَّقَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ذَاتُ الْأَحْمَال."

إلا أن الفرق بين الأكمام المشار إليها، {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} ، والأكمام أكمام الثوب، الفرق بينها في المفرد، فالأكمام بالنسبة للنخل واحدها كِم بالكسر، وأكمام الثوب واحدها كُم، مثل ما يقال في الكِفة والكُفة، قالوا كل مستدير كِفة، مثل كِفة الميزان، وكل مستطيل كُفة، مثل كُفة الثوب، وقد تُطلق الكُفة على الغَرفَة بالكف، يقال لها كُفة.

"{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ}[الرحمن:12] الْحَبُّ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَنَحْوُهُمَا، وَالْعَصْفُ التِّبْنُ."

التبن لأنه خفيف تعصف به الريح.

"عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِه، وقال مُجَاهِدٌ: وَرَقُ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: تِبْنُ الزَّرْعِ وَوَرَقُهُ الَّذِي تَعْصِفُهُ الرِّيَاحُ، وقال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بَقْلُ الزَّرْعِ أَيْ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ مِنْهُ، وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: خَرَجْنَا نَعْصِفُ الزَّرْعَ إِذَا قَطَعُوا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ، وَكَذَا فِي الصِّحَاحِ: وَعَصَفْتُ الزَّرْعَ أَيْ جَزَزْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْعَصْفُ وَرَقُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ إِذَا قُطِعَ رُءُوسُهُ وَيَبِسَ، نَظِيرُهُ: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[الفيل:5]، وقال الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ أَعْصَفَ الزَّرْعُ، وَمَكَانٌ مُعْصِفٌ أَيْ كَثِيرُ الزَّرْعِ. قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيُّ:

إِذَا جُمَادَى مَنَعَتْ قَطْرَهَا

...

زَانَ جَنَابِي عَطَنٌ مُعْصِفُ."

زان جَنابِي.

"زَانَ جَنَابِي عَطَنٌ مُعْصِفُ، وَالْعَصْفُ أَيْضًا الْكَسْبُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ: بِغَيْرِ مَا عَصْفٍ وَلَا اصْطِرَافِ."

يعني إذا لم ينزل القَطْر في وقته بحيث تنتفع به الأرض وينبت الزرع من جديد، فإن ما على الأرض سوف يكون عصفًا، تعصف به الريح، ويكون أيضاً على ما تقدَّم هشيما تذروه الرياح.

"وَكَذَلِكَ الِاعْتِصَافُ، وَالْعَصِيفَةُ: الْوَرَقُ الْمُجْتَمِعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ السُّنْبُلُ،َ وقَالَ الْهَرَوِيُّ: وَالْعَصْفُ وَالْعَصِيفَةُ وَرَقُ السُّنْبُلِ، وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ: وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ تَقُولُ الْعَرَبُ لِوَرَقِ الزَّرْعِ الْعَصْفُ وَالْعَصِيفَةُ وَالْجِلُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ، قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَةَ:

تَسْقِي مَذَانِبَ قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتُهَا

...

حَدُورُهَا مِنْ أَتِيِّ الْمَاءِ مَطْمُومُ."

حَدُورها من أتِيِّ الماء، نعم.

"حَدُورُهَا مِنْ أَتِيِّ الْمَاءِ مَطْمُومُ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالْجِلُّ بِالْكَسْرِ قَصَبُ الزَّرْعِ إِذَا حُصِدَ، وَالرَّيْحَانُ الرِّزْقُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ، وقال الضَّحَّاكُ: هِيَ لُغَةُ حِمْيَرَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ: أَنَّهُ الرَّيْحَانُ الَّذِي يُشَمُّ، وَقَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: أَنَّهُ خُضْرَةُ الزَّرْعِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ..."

يعني مقابل العصف.

"وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ ،وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَصْفُ الْمَأْكُولُ مِنَ الزَّرْعِ، وَالرَّيْحَانُ مَا لَا يُؤْكَلُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ الْعَصْفَ الْوَرَقُ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ، وَالرَّيْحَانُ هُوَ الْحَبُّ الْمَأْكُولُ، وَقِيلَ: الرَّيْحَانُ كُلُّ بَقْلَةٍ طَيِّبَةِ الرِّيحِ سُمِّيَتْ رَيْحَانًا، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرَاحُ لَهَا رَائِحَةً طَيِّبَةً أَيْ يَشُمُّ فَهُوَ فَعْلَانُ، رَوْحَانُ مِنَ الرَّائِحَةِ، وَأَصْلُ الْيَاءِ فِي الْكَلِمَةِ وَاوٌ قُلِبَ يَاءً لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّوحَانِيِّ وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ رُوحٌ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ..."

مثل العيد،  قصر الياء واو، لكنها قُلبَت ياء لئلا يلتبس بالعود من الخشب ونحوه.

"قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ شَيْءٌ رُوحَانِيٌّ وَرَيْحَانِيٌّ أَيْ لَهُ رُوحٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَزْنِ فَيْعَلَانِ فَأَصْلُهُ "رَيْوَحَانُ" فَأُبْدِلَ مِنَ الْوَاوِ يَاءً وَأُدْغِمَ كَهَيِّنٍ وَلَيِّنٍ، ثُمَّ أُلْزِمَ التَّخْفِيفُ لِطُولِهِ وَلِحَاقِ الزَّائِدَتَيْنِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا يَتَرَكَّبُ مِنَ الرَّاءِ وَالْوَاوِ وَالْحَاءِ الِاهْتِزَازُ وَالْحَرَكَةُ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالرَّيْحَانُ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ، وَالرَّيْحَانُ الرِّزْقُ، تَقُولُ: خَرَجْتُ أَبْتَغِي رَيْحَانَ اللَّهِ. قَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:

سَلَامُ الْإِلَهِ وَرَيْحَانُهُ

...

وَرَحْمَتُهُ وَسَمَاءٌ دِرَرْ

وَفِي الْحَدِيثِ: «الْوَلَدُ مِنْ رَيْحَانِ اللَّهِ»، وَقَوْلُهُمْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَرَيْحَانَهُ."

وجاء في الحَسن والحسين أنهما؟

طالب: ريحانتاي.

الشيخ: ريحانتاي.

ماذا قال عنه؟

طالب: أخرجه أحمد من حديث خولة بنت حكيم في أثناء حديثه...وله شواهد، راجع مسلم في الفردوس.

الشيخ: مسند الفردوس أو مسند أحمد؟

طالب: هو أخرجه أحمد وقال له شواهد في مسند الفردوس.

الشيخ: نعم.

"وَقَوْلُهُمْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَرَيْحَانَهُ، نَصَبُوهُمَا عَلَى الْمَصْدَرِ يُرِيدُونَ تَنْزِيهًا لَهُ وَاسْتِرْزَاقًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} فَالْعَصْفُ سَاقُ الزَّرْعِ، وَالرَّيْحَانُ وَرَقُهُ، عَنِ الْفَرَّاءِ، وقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} بِالرَّفْعِ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الْفَاكِهَةِ، وَنَصَبَهَا كُلَّهَا ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالْمُغِيرَةُ عَطْفًا عَلَى الْأَرْضِ، وَقِيلَ: بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ: وَخَلَقَ الْحَبَّ ذَا الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانَ."

ولا شك أن القراءة العامة أولى لأن العطف على الأقرب الذي يليه بدون فاصل أولى من العطف على الأبعد.

"فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى ذَاتِ الْأَكْمَامِ، وَجَرَّ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الرَّيْحَانَ عَطْفًا عَلَى الْعَصْفِ، أَيْ فِيهَا الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانِ، وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الرَّيْحَانَ الرِّزْقَ، فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ: وَالْحَبُّ ذُو الرِّزْقِ، وَالرِّزْقُ مِنْ حَيْثُ كَانَ الْعَصْفُ رِزْقًا، لِأَنَّ الْعَصْفَ رِزْقٌ لِلْبَهَائِمِ، وَالرَّيْحَانُ رِزْقٌ لِلنَّاسِ، وَلَا شُبْهَةَ فِيهِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ الرَّيْحَانُ الْمَشْمُومُ ."

يقول: وَلَا شُبْهَةَ فِيهِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ الرَّيْحَانُ الْمَشْمُومُ ، يعني كأن الريحان المشموم لا يرد في مثل هذا السياق، أو لا يُقصَد في مثل هذا السياق، مع أنه هو المتبادر، هو المتبادر وإن كان في اللغة يُطلَق عليه ويُطلَق على الرزق، لكن هو المتبادر لأنه إطلاقه على المشموم أكثر.

"قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:13] خِطَابٌ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ، لِأَنَّ الْأَنَامَ وَاقِعٌ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ أَوَّلَ السُّورَةِ، وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِيهِ: «لَلْجِنُّ أَحْسَنُ مِنْكُمْ رَدًّا» وَقِيلَ: لَمَّا قَالَ: خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَخَلَقَ الْجَانَّ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا، وَأَيْضًا قَال: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ}[الرحمن:31] وَهُوَ خِطَابٌ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}[الرحمن:33]  وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: خَاطَبَ الْجِنَّ مَعَ الْإِنْسِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْجِنِّ ذِكْرٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}[ص:32]."

يعني يجوز عَودُ الضمير على غير مذكور إذا لم يكن هناك لَبْس، وتبادَر فهمه من السامع من غير قرينة.

"وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ الْجِنِّ فِيمَا سَبَقَ نُزُولُهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَان بِهَذِهِ الْآيَاتِ."

الجنسانِ.

"خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الْخِطَابِ لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ، حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْقَوْلِ فِي {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ}[ق:24]."

هو واحد لكن جرت العرب في خطاباتهم أنهم يخاطبون الواحد بلفظ التثنية.

"وَكَذَلِكَ قَوْلُه: قفا نبك، وخليلي مُرَّا بي.

فأما ما بعد {خَلَقَ الْإِنْسانَ}[الرحمن:14]  و{خَلَقَ الْجَانَّ}[الرحمن:15] فَإِنَّهُ خِطَابٌ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ"

نعم لتقدم ذكر الجنسين.

"وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ} وَالْآلَاءُ: النِّعَمُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ، وَاحِدُهَا إِلًى وَأَلًى مِثْلُ مِعًى وَعَصًا، وَإِلْيٌ وَأَلْيٌ، أَرْبَعُ لُغَاتٍ حَكَاهَا النَّحَّاسُ."

وَإِلْيٌ وَأَلْيٌ

وَإِلْيٌ وَأَلْيٌ

"وَإِلْيٌ وَأَلْيٌ، أَرْبَعُ لُغَاتٍ حَكَاهَا النَّحَّاسُ."

أوصلها بعضهم إلى تسع.

"قَالَ: وَفِي وَاحِدِ آنَاءَ اللَّيْلِ ثَلَاثٌ تَسْقُطُ مِنْهَا الْمَفْتُوحَةُ الْأَلِفِ الْمُسَكَّنَةُ اللَّامِ، وَقَدْ مَضَى فِي الْأَعْرَافِ وَالنَّجْمِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِنَّهَا الْقُدْرَةُ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَبِأَيِّ قُدْرَةِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، وَقَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ."

المعروف بالحكيم. نعم.

"وَقَالَ: هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ عَلَمُ الْقُرْآنِ، وَالْعَلَمُ إِمَامُ الْجُنْدِ وَالْجُنْدُ تَتْبَعُهُ، وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَةُ صِفَةِ الْمُلْكِ وَالْقُدْرَةِ، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ} فَافْتَتَحَ السُّورَةَ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ مِنْ بَيْنِ الْأَسْمَاءِ لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَصِفُهُ بَعْدَ هَذَا مِنْ أَفْعَالِهِ وَمِنْ مُلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ الرَّحْمَةِ الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّتِهِ فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ} ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَانَ فَقَالَ: {خَلَقَ الإِنسَانَ} ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَانَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَسُجُودَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ، وَذَكَرَ رَفْعَ السَّمَاءِ وَوَضْعَ الْمِيزَانِ وَهُوَ الْعَدْلُ، وَوَضْعَ الْأَرْضِ لِلْأَنَامِ، فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ حِينَ رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنَ الْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَلَا حَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ، فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَانَ وَكُلَّ مَعْبُودٍ اتَّخَذُوهُ مِنْ دُونِهِ، وَجَحَدُوا الرَّحْمَةَ الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِهَا إِلَيْهِمْ، فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}."

لما ذكر الرب -جل وعلا- ما امتن به على عباده، مع صرفهم لهذه المِنن وهذه النِعَم وعبادتهم غيره وبعضهم ينسبها إلى غيره، قال لهم: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، المسألة لا يختلف مسلم مع كافر أن الله -جل وعلا- هو الخالق وهو الرازق وهو المدبر وهو المحيي والمميت، فإذا كان هو الرازق لهذه النِعَم والمولِي إياها والمسدي إياها من غير استحقاقٍ سابق فكيف تُصرَف لغيره؟ تُصرَف العبادة لغيره؟ فجاء قوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، يعني إن كان عندكم تكذيب في الأصل بالربوبية بالخَلق بالرزق فأبدوه وأظهروه واحتجوا به إن كان لكم حجة، والله المستعان، وهذا إنكار عليهم. نعم.

"أَيْ بِأَيِّ قُدْرَةِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبُهُمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ شَرِيكًا يَمْلِكُ مَعَهُ وَيُقَدِّرُ مَعَهُ، فَذَلِكَ تَكْذِيبُهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ صَلْصَالٍ، وَذَكَرَ خَلْقَ الْجَانِّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، أَيْ بِأَيِّ قُدْرَةِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، فَإِنَّ لَهُ فِي كُلِّ خَلْقٍ بَعْدَ خَلْقٍ قُدْرَةً بَعْدَ قُدْرَةٍ، فَالتَّكْرِيرُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّقْرِيرِ، وَاتِّخَاذِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ، وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ نَعْمَاءَهُ، وَذَكَّرَ خَلْقَهُ آلَاءَهُ، ثُمَّ أَتْبَعَ كُلَّ خَلَّةٍ وَصَفَهَا وَنِعْمَةٍ وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَةً بَيْنَ كُلِّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّهَهُمْ عَلَى النِّعَمِ وَيُقَرِّرَهُمْ بِهَا، كَمَا تَقُولُ لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانُكَ وَهُوَ يَكْفُرُهُ وَيُنْكِرُهُ: أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُكَ، أَفَتُنْكِرُ هَذَا؟! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُكَ، أَفَتُنْكِرُ هَذَا؟! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَةً فَحَجَجْتُ بِكَ، أَفَتُنْكِرُ هَذَا!؟"

وقد يقول له: ألم تكن صرورةً فزوجتُك، لأن الصرور يُطلَق على الذي لم يحج كما يُطلَق على الذي لم يتزوج.

"أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُكَ، أَفَتُنْكِرُ هَذَا؟! وَالتَّكْرِيرُ حَسَنٌ فِي مِثْلِ هَذَا."

يعني بعد كل نعمة يحسُن أن يُقال مثل هذا، وجاء في أفصح الكلام وإن اعترض من اعترض، وقال أنه تُكرر في هذه المواضع كلها، ويكفي من ذلك مرة واحدة، في آخِر الأمر يقال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، بعض الزنادقة اعترض، فجيء به للخليفة فقطع إحدى يديه وإحدى رجليه و فقأ إحدى عينيه وأذنيه، قال: يكفيك واحدة، تنظر بواحدة وتسمع بواحدة وتأكل بواحدة وتتناول بواحدة، تكفي. لماذا اثنتين؟ كرر هذا.

طالب:..........

الشيخ: إي هذا الجواب، هذا الرد عليه.

طالب:...........

الشيخ: نعم.

"قَالَ: كَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ. وَقَالَ آخَرُ: لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْتِ مُسْلِمَةً ... إِيَّاكِ مِنْ دَمِهِ..."

يعني الآن إذا أراد الإنسان أن يعدد أشياء متجانسة، يعد واحد اثنين ثلاثة، ثم يقول: و، و، و و، وإلى آخره، هو من هذا النوع لكنه أضمر المعدود. نعم.

طالب:..............

الشيخ: المقصود أن كل ما يأتي من الله -جل وعلا- نعمة على عبده، سواءً تخيلناه وتصورناه أو لا.

طالب:................

الشيخ: هذه نعمة من آلاء الله -جل وعلا-. نعم.

"قَالَ:

لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْتِ مُسْلِمَةً

...

إِيَّاكِ مِنْ دَمِهِ إِيَّاكِ إِيَّاكِ

وَقَالَ آخَرُ:

لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيقَ مَا طَرَفَتْ

...

عَيْنَاكَ مِنْ قَوْلِ كَاشِحٍ أَشِرِ
 

وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَتِهِ زُرْهُ

...

وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ

وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: التَّكْرِيرُ طردا للغفلة، وتأكيدا للحجة."

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

بعض الناس يمل من التكرار ويرى أنه لو حُذِف هذا المكرر كما يقولون في كُتب السنة كالبخاري مثلاً، فالمكرر فيه الثلثان، يعني يصفي أقل من الثُلث، أقل من الثُلث يصفو منه من غير تكرار، فيقوم بعض الناس باختصاره، لكن هل يقوم المختصر مقام الأصل؟ لا والله ما يقوم، ولذا قالوا: والمُكَرَّرُ أحلى.