تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار (15)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

أسئلة كثيرة..

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف رحمه الله تعالى:

 فصلٌ في شرط أبي داود" والذي يظهر أن ما بين المعقوفين هذا من زيادة المحقق "قال ابن الصلاح ومن مظان الحسن سنن أبي داود" الحسن مضى تعريفه المرتبة المتوسطة بين الصحيح والضعيف من مظانه السنن.

قال ومن مظنة للحسن

 

جمع أبي داود أي في السنن

"قال ابن الصلاح وروّينا عن أبي داود أنه قال ما في كتابي من حديث فيه وهن شديد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض" ما فيه وهن شديد بينته، يعني التزم أبو داود أن يبين الضعف الشديد لكن مفهومه أنه لا يبين الضعف غير الشديد مع أنه قال "وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح" وهذا فيه إشكال كبير يعني مفهوم قوله وما فيه من وهن شديد بينته أن الوهن غير الشديد الضعف غير الشديد لا يبينه، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، الصلاحية هنا أعم من أن تكون للاحتجاج أو الاستشهاد، أعم من أن تكون للاحتجاج فيكون حسن على ما قرر ابن الصلاح، أو للاستشهاد فيدخل فيه الضعيف الذي ضعفه غير شديد، وبعضها أصح من بعض، نعم حديث أبي داود هذه التي سكت عنها بعضها أصح من بعض منها ما هو مخرج في البخاري، ومنها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو في مسلم، يعني في أعلى درجات الصحيح، ومنها ما هو دون ذلك من الصحيح عند غير الشيخين، أو ما ينزل عن ذلك إلى درجة الحسن، "قال وروّينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه" قال ذلك في رسالته إلى أهل مكة في بيان وصف سننه قال ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه الذي يقاربه هو الحسن، "وروّينا عنه أنه يذكر أصح ما عرفه في ذلك الباب" يعني ولو لم يكن صحيحا، أقوى ما يجد يذكره ولو لم يبلغ إلى درجة الاحتجاج ولو لم يكن صحيحا ولا حسنا، يقول المؤلف- رحمه الله تعالى- "قلت أجاز ابن الصلاح والنووي وغيرهما من الحفاظ العمل بما سكت عنه أبو داود لأجل هذا الكلام المروي عنه وأمثاله مما روي عنه" نعم العلماء قلدوا أبا داود في سكوته على الأحاديث لاسيما إذا وافقه المنذري، إذا سكت عنه أبو داود وسكت عنه المنذري فهو صالح للاحتجاج، وهذا إنما يحتاج إليه عند من يقلد الأئمة في الحكم على الأحاديث، أما من كانت لديه الأهلية والنظر في الأسانيد والمتون ودراسة الأسانيد ومقارنة المتون ومعرفة الصحيح من الضعيف هذا فرضه أن يعمل باجتهاده الموافق لاجتهاد الأئمة، "قال النووي إلا أن يظهر في بعضها أمر يقدح في الصحة والحسن وجب ترك ذلك أو كما قال" يعني إذا سكت أبو داود ثم بحثنا فوجدنا فيه علة تقتضي ترك العمل بهذا الخبر إما في إسناده أو في متنه فإننا كما قال أنه لسنا بملزمين في تقليد أبي داود ولا الترمذي أيضا، فهذا الكلام إنما يتجه لمن أراد أن يقلد الأئمة في أحكامهم ولا يريد أن يتعب نفسه في النظر في الأسانيد والمتون والحكم عليها بما يليق بها، أما من تأهل لذلك فلا يسوغ له أن يقلد؛ لأنه وجد فيما حكموا عليه بالصحة أو حكموا عليه لاسيما الترمذي يقول حسن صحيح وفيه ضعف ظاهر، وقد يسكت أبو داود عن شيء أيضا مشتمل على ضعف، "قال ابن الصلاح ما معناه وعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا ولم نعلم صحته وعرفنا أنه من الحسن عند أبي داود" أبو داود قال صالح ما قال حسن وإن كان الحافظ ابن كثير رحمه الله قال إنه وقف على نسخة من نسخ رسالة أبي داود إلى أهل مكة أنه قال حسن بدل صالح، إذا قال حسن تحدد المراد لكن إذا قال صالح الصلاحية كما ذكرنا أعم من أن تكون للاستدلال والاحتجاج فلا يقل عن درجة الحسن أو للاستشهاد، فيدخل فيها الضعيف الذي ضعفه ليس بشديد، "وقد يكون فيه ما ليس بحسن عند غيره " يعني اجتهاد الأئمة في التصحيح والتضعيف قد يسكت أبو داود عن حديث ويضعفه النسائي مثلا وهذا موجود، قد يسكت عن حديث وينص بعض الأئمة على تضعيفه؛ ولذلك قال "وقد يكون فيه ما ليس بحسن عند غيره وقد اعترض ابن رشيد الأندلسي على ابن الصلاح لأن ما سكت عنه يحتمل عند أبي داود الصحة والحسن" نعم لأن الصلاحية أعم من الحسن فقط، وقد سكت عن أحاديث صحيحة يقول الحافظ العراقي:

وابن رشيد قال وهو متجه

 

قد يبلغ الصحة عند مُخرجه

نعم قد يكون صحيح يسكت عنه وهو صحيح فلا يلزم أن يكون حسنا، وكأن مراد ابن الصلاح أنه لا ينزل عن درجة الحسن لا أنه يزيد عليها ويرتفع إلى الصحة؛ لأن مما سكت عنه مخرج في البخاري هل نقول هذا حديث حسن؟ لا، إنما هو صحيح، ولعل مراد ابن الصلاح في كلامه هذا ألا ينزل عن درجة الحسن "وقد اعترض ابن رشيد على ابن الصلاح لأن ما سكت عنه يحتمل عند أبي داود الصحة والحسن وقال أبو الفتح" أبو الفتح اليعمري المعروف بابن سيد الناس هذا تعقب حسن "قال زين الدين" الحافظ العراقي "وقد يجاب عنه بأنه إنما ذكر ما لنا أن نعرف الحديث به عنده والقدر المتحقق هو الحسن دون الصحة" يعني أدنى درجات القبول وما زاد على ذلك من ارتفاع لدرجة الحديث إلى الصحة لا يعتنى بها كثيرا؛ لأنه إذا ثبت ووجب العمل به لا يلزم أن نبحث على ما هو أعلى من ذلك، يعني طالب العلم حينما يخرج حديثا نفترض أن الحديث مروي من مائة طريق، هل يلزمه أن يبحث هذه المائة كلها؟ أو يدرس من الطرق ما يثبت به الخبر؟ خلاص إذا ثبت الخبر القدر الزائد زائد، ولذلكم ما تجدون الأئمة يدونون كل الطرق في كتبهم لماذا؟ لأنهم يدونون من الطرق ما يثبت به الخبر وما زاد على ذلك نفل، "وقد يجاب عنه بأنه إنما ذكر ما لنا أن نعرف الحديث به عنده والقدر المتحقق هو الحسن دون الصحيح وإن جاز أن يبلغها عند أبي داود لأن عبارته وهو صالح وهي تحتمل" تحتمل الصحة والحسن مثل ما ذكرنا الصلاحية أعم من أن تكون للحسن "وهي تحتمل فإن كان يرى الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف فالاحتياط ما قاله ابن الصلاح وإن كان رأيه كالمتقدمين أنه ينقسم إلى صحيح وضعيف فما سكت عنه فهو صحيح عنده والاحتياط أن يقال صالح كما عبّر هو عن نفسه فإن كان يرى الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف فالاحتياط ما قاله ابن الصلاح" يعني هذا إذا أردنا أن ننقل رأي أبي داود في المسألة، أو حكمنا بما حكم ابن الصلاح بأن المتأخرين ليست لديهم الأهلية للنظر في الأسانيد والمتون هذا رأي ابن الصلاح فنحتاج مثل هذا الكلام، قال "وجود الذهبي الكلام في شرط أبي داود في ترجمته من النبلاء" يعني سير أعلام النبلاء "وقال الإمام أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري في شرح الترمذي النفح الشذي لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن" يعني ما حكم ولا على حديث أنه حسن وعمله بذلك شبيه بعمل مسلم فإنه اجتنب الضعيف الواهي وأتى بالقسمين الأول والثاني، مسلم قسم الأحاديث والرواة إلى طبقات: الأولى أعلى درجات الصحيح، والثانية دونها، والثالثة دونها، والرابعة التي أعرض عنها لنفر من الضعفاء والمجهولين هذه لم يذكرها، فأبو داود أيضا قال بعضها أصح من بعض، هذه الأحاديث التي سكت عنها بعضها أصح من بعض، فما بينه وما فيه وهن شديد مثل الذي أعرض عنه الإمام مسلم، والأصح مثل الدرجة العليا عند مسلم، والذي دونه مثل الدرجة الدنيا عند مسلم؛ ولذا يرى ابن سيد الناس أن شرط أبي داود مثل شرط مسلم.

وللإمام اليعمري إنما

 

قول أبي داود يحكي مسلما

يعني مثل قول مسلم.

وللإمام اليعمري إنما

 

قول أبي داود يحكي مسلما

حيث يقول جملة الصحيح لا

 

توجد عند مالك والنبلا

فاحتاج أن ينزل في الإسناد

 

.........................

يعني مسلم.

.........................

 

إلى يزيد بن أبي زياد

فنزل عن درجة الصحيح قليلا وأبو داود أيضا نزل قليلا، مسلم أعرض عن الأحاديث الضعيفة شديدة الضعف، وأبو داود بيَّن ما كان فيه وهن شديد، هذه وجهة نظر ابن سيد الناس فعمل صنيع أبي داود مثل صنيع مسلم، نقول شتان بين شرط أبي داود وشرط مسلم، أبو داود وإن قال مثل هذا الكلام إنه توسع في المسألة، توسع حتى نزل إلى أن روى عن بعض الضعفاء وخرج أحاديث ضعيفة، ومسلم اشترط الصحة والتزم بشرطه، فرق بين من يشترط ويلتزم وبين من يشترط ولا يلتزم، أيضا ابن حبان اشترط الصحة، الحاكم اشترط الصحة، ابن خزيمة اشترط الصحة، نقول هؤلاء مثل البخاري؟! فرق بين من يشترط  ويشهد الواقع بتطبيق شرطه وبين من يشترط ويشهد الواقع بعدم تطبيق شرطه، لا أحد يضم صحيح ابن حبان إلى صحيح البخاري أبدا وإن اشترط كل منهم الصحة، فمجرد الاشتراط لا يعني أن الواقع كذلك، قال "لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعمله بذلك شبيه بعمل مسلم فإنه اجتنب الضعيف الواهي وأتى بالقسمين الأول والثاني وحديث من مثل بعدم تطبيق شرطه ما فيه أحد يبي يضم صحيح ابن حبان إلى صحيح البخاري أبدا وإن اشترط كل منهم الصحة فمجرد الاشتراط لا يعني أن الواقع كذلك، قال: "لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعمله بذلك شبيه بعمل مسلم فإنه اجتنب الضعيف الواهي وأتى بالقسمين الأول والثاني وحديث من مثل به من القسمين الأول والثاني موجود في كتابه دون القسم الثالث قال فهلا ألزم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح مسلما من ذلك ما ألزم به أبا داود" لماذا لا يقول إذن أحاديث مسلم حسنة مثل ما قال أحاديث أبي داود فهلا قضى ماذا؟!

طالب: ..................

لا لا، ليس هذا أريد الألفية، لا أريد هذا أعرف هذا.

هلَّا قضى على كتاب مسلم

 

بما قضى عليه بالتحكم

يعني هلَّا قضى على كتاب مسلم مادام صنيع مسلم مثل صنيع أبي داود.

هلَّا قضى على كتاب مسلم

 

بما قضى عليه...........

يعني قضى على أبي داود بالتحكم، لماذا ما قال هذه الأحاديث في مسلم حسنة؟ لأنه نزل مثل ما قلنا أن فرق بين من اشترط الصحة والتزم بها وبين من اشترط الصحة ولم يلتزم بها، ووجدت الأحاديث المتنوعة من صحيح وحسن وضعيف وشديد الضعف هذا لا يوجد في مسلم، يقول "فهلَّا ألزم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح مسلما من ذلك ما ألزم أبا داود فمعنى كلامهما واحد وقول أبي داود أنه يخرج في كتابه الصحيح وما شابهه وما يقاربه يعني يشبهه في الصحة أو يقاربه فيها وهو نحو قول مسلم أن ليس كل الصحيح نجده عند مالك وشعبة وسفيان فاحتاج أن ينزل إلى مثل حديث الليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد لما شمل الكل من اسم العدالة والصدق وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان ولا فرق بين الطريقين غير أن مسلما اشترط الصحة فتحرج من حديث الطبقة الثالثة وأبو داود لم يشترطه فذكر ما يشتد وهنه عنده والتزم البيان عنه، وفي قول أبي داود أن بعضها أصح من بعض ما يشير إلى القدر المشترك بينهما من الصحة لما تقتضيه صيغة أفعل في الأكثر" صيغة أفعل هنا أصح تقتضي أن هناك شيئين اشتركا في وصف وهذا الوصف هو الصحة وفاق أحدهما الآخر في هذا الوصف، فمقتضى هذا أنها كلها صحيحة لكنها متفاوتة في الصحة فهل الواقع كذلك؟ في سنن أبي داود؟ لا، نعم فيها الصحيح كثير، وفيها الحسن كثير، وفيها الضعيف، "قال زين الدين والجواب أن مسلما التزم الصحة في كتابه فليس لنا أن نحكم على حديث خرجه أنه حسن عنده لما تقدم من قصور الحسن عن الصحيح وأبو داود قال إن ما سكت عنه فهو صالح والصالح قد يكون صحيحا وقد يكون حسنا عند من يرى الحسن رتبة دون الصحيح ولم يُنقل لنا عن أبي داود هل كان يقول بذلك أو يرى ما ليس بضعيف صحيحًا فكان الاحتياط ألا يُرتفع بما سكت عنه إلى الصحة حتى يعلم أن رأيه هو الثاني ويحتاج إلى نقل" يعني هل أبو داود ممن يفرق بين الصحيح والحسن أو على طريقة المتقدمين وأن ليس إلا صحيح أو ضعيف "قلت الذي تلخص من عبارة أبي الفتح اليعمري وزين الدين ابن العراقي أن ما سكت عنه أبو داود فهو في المعنى والصحة مثل حديث مسلم ولكن مسلما سمى الحسن صحيحا كالحاكم والمتقدمين فيُحكم بأن ما في بأن كل ما في كتابه صحيح عنده على معنى أنه يجب العمل به وعلى معنى أنه ليس فيه ضعيف وإن كان فيه ما هو حسن عند من يجعل الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف وإنما لم يجعل سنن أبي داود صحاحًا عنده لأنا لم نعرف هل ذهب مذهب الحاكم والمتقدمين في تسمية الحسان صحاحا أم لا" يقول لا نقول أن ما في سنن أبي داود صحيح مثل ما قلنا في صحيح مسلم؛ لأن مسلما نص على أنها صحيحة وأبو داود ما نعرف هل مذهبه مذهب من يدرج الحسن في الصحيح فنقول صحيح، أو يفرد الحسن بنوع مستقل ويجعله بين الصحيح والضعيف لا نعرف ذلك فلا نعامله معاملة مسلم، يقول: "هذا عند زين الدين أما أبو الفتح فجعل ما سكت عنه صحيحا كمسلم وساعده الزين وإنما اعتذر من إطلاق التسمية مضافة لاعتقاد أبي داو، وهذا الاختلاف الذي وقع بينهما قليل الجدوى لم يقع إلا في تسمية ما سكت عنه عنده هل كان يسمى صحيحا كاصطلاح مسلم في تسمية ما في كتابه من الحسن صحيحا أم كان عنده منقسما في التسمية إلى حسن وصحيح كاصطلاح المتأخرين والأكثرين فإنهم قد قصروا اسم الصحيح على أحد قسمي المقبول وخصوا ما دونه باسم الحسن وهذا مقتضى المساواة بين حديث مسلم وبين ما سكت عنه أبو داود من حديث السنن فإما أن يريدوا المساواة بينهم في أن كل واحد منهما واجب القبول عند مخرجه فذلك قريب" يعني أن الحسن واجب القبول ويجب العمل به كالصحيح "ولا يقتضي المساواة المطلقة أو يريد أنهما سواء على الإطلاق فذلك غير صحيح فإن من أنس بعلم الأثر وطالع كتب الرجال لم يشك أن مسلما كان أكثر احتياطا من أبي داود" هذا لا يماري فيه أحد أن درجة مسلم فوق درجة أبي داود بمراحل، بل هذا الذي عليه الإجماع فالأمة مجمعة على أن منزلة الصحيحين لا يدانيها منزلة غيرهما من الكتب، "كما لا يشك أن البخاري كان أكثر احتياطا من مسلم وإن كان مقصد الكل حسنا فإن من تساهل منهم لم يحمله على التساهل هوى" يعني من تساهل في تصحيح ما لا يبلغ الصحة أو العكس هذا التساهل لم يحمله عليه الهوى، يعني ما صحح هذا الحديث لهوى في نفسه إنما تساهل في تصحيحه والتساهل والتشديد والتوسط أمور في أصلها جبلية، يعني قد يكون الإنسان مجبولا على الشدة وعلى التشديد، ومنهم من هو مجبول على التسامح والتساهل، ومنهم من هو معتدل والعبرة بمثل هذا المعتدل؛ لأن الدين وسط؛ ولذا يقسمون الحفاظ يقسمون الأئمة إلى الطبقات الثلاث طبقة المتشددين، وطبقة المعتدلين، وطبقة المتساهلين، المتساهل في التصحيح إذا ضعّف يعتمد، المتشدد في التصحيح إذا صحح يعض على تصحيحه بالنواجذ، أهل الاعتدال هم أهل الاعتبار هم الذين يعتبر بقولهم، يقول "فإن من تساهل منهم لم يحمله على التساهل هوى وإنما حمله عليه أنه رأى أن قبول ما رواه واجب ورده حرام" لأنه رأى أن تضعيف هذا الخبر وهو مشتمل على سنة لا توجد في غيره يكون فيه تضييع لهذه السنة "فاحتياط كل منهم للمسلمين فجزاهم أو فاحتاط كل واحد من المسلمين فجزاهم الله أفضل الجزاء وقد روى النووي في شرح مسلم أن مسلما ربما أخرج الحديث في الصحيح بالإسناد الضعيف لعلوه وله إسناد صحيح معروف عند أهل العلم أو عند أهل هذا الشأن فقد تركه لنزوله استغناء لشهرته" يعني مع استحضاره هذا الإسناد الصحيح النازل فهو يؤثر العلو وإن كان النازل أجود منه "وهذا يدل بالنص على أن مسلما وإن روى عن بعض الضعفاء لم يدل على أنه اعتمدهم ولذا ضعف المحققون قول من يقول صحيح على شرط مسلم لمجرد إسناده إلى رواة مسلم وهذا جواب واضح على اليعمري وزين الدين" يعني هذا يرد ما قاله ابن سيد الناس وأيضا ما أيده عليه الحافظ العراقي وإن استدرك عليه في بعض مقاله "واعلم أن المقصود بهذا الكلام هو التعريف بأن حديث مسلم عند التعارض أرجح من حديث أبي داود لمن لم يتمكن من البحث عن إسناديهما والكشف عما قيل في رجالهما وجميع ما يتعلق بهما من علوم الحديث" مقتضى كلامه أن المتمكن المتأهل له أن يرجح حديث في سنن أبي داود على سنن على ما في صحيح مسلم لماذا؟ لأن هذا التفضيل والترجيح إجمالي الترجيح إجمالي، ما معنى إجمالي أن الأحاديث في صحيح مسلم في  غالبها أصح من الأحاديث التي في سنن أبي داود، لكن قد يوجد حديث في سنن أبي داود أصح من بعض الأحاديث التي في صحيح مسلم، يعني مثل ما قيل في الموازنة بين الصحيحين يعني ترجيح البخاري عند جمهور أهل العلم على صحيح مسلم ترجيح إجمالي، وإلا فقد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا؛ ولذلك رجح العلماء حديث جابر في صحيح مسلم في حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه صلى المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين على ما في البخاري من أنه صلاها بأذانين وإقامتين؛ لأمر عارض وهو أن جابرا لزم النبي -عليه الصلاة والسلام- وضبط الحجة من خروجه من بيته إلى رجوعه إليها، يعني قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا، لكن ليس هذا لكل الناس ما يأتي من يقول إن رواية «ولا تنتقب المرأة» وهي في صحيح البخاري يقول ضعيفة؛ لأن أبا داود تكلم فيها، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا ليس لكل أحد، قال: "وذلك لما تقدم من أن جماعة من الثقات قد ادعوا الإجماع على صحة كتاب مسلم ولم يختلف في الترجيح لما تلقته الأمة بالقبول على الصحيح المقبول وإنما وقع الخلاف في أن المتلقى بالقبول هل يفيد العلم الاستدلالي أم لا" المتلقى بالقبول هل يفيد العلم سواء كان النظري أو الضروري أو لا يفيده كالآحاد عند جمع من أهل العم قال "وقد مر ذلك فيمن قال إنه يفيد العلم قدم مسلما على الإطلاق" مسألة إفادة خبر الواحد والمتواتر هذه تقدمت في دروس مضت "فمن قال إنه يفيد العلم قدم مسلما على الإطلاق" لماذا؟ لأن الأمة تلقت كتاب مسلم بالقبول "ومن قال إنه يفيد الظن فإن لم يكن من أهل الكشف قدمه أيضا" يعني تقليدا للأمة "وإن كان من أهل  الكشف" يعني من أهل الكشف عن حقيقة الحال، يعني من أهل النظر، أهل لأن يصل إلى الصحيح والضعيف بنفسه، "وإن كان من أهل الكشف عن أحوال الرواة" وإن كان من أهل الكشف بحث؛ لأنه لا يأتينا من يقول أن الكشف معتمد عند أهل الحديث ويبحثونه، المراد بالكشف عند الصوفية لا، معروف عندهم الكشف يصححون به ويضعفون الأحاديث، يكشف لهم عن حقائق الأمور على ما زعموا، ومنهم من يدعي أنه يتصل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في كل ليلة، ومنهم من يزعم أنه يراه في اليقظة ويسأله عن أحاديث يصححها ويضعفها وكل هذا من تلبيس الشيطان على هؤلاء الصوفية المنحرفين، "وإن كان من أهل الكشف بحث فإن حصل له من البحث ظن أرجح من الظن الحاصل من تلقي الأمة بالقبول صار إليه وإن كان تلقي الأمة بالقبول أرجح في ظنه عمل به وأهل الكشف هم المتمكنون من النظر في الأسانيد والكشف عن أحوال الرواة" هؤلاء هم أهل الكشف لا أهل التصوف، أهل الإغراق، أهل الشطحات، أهل المخالفات، أهل الابتداع، لا يراد هؤلاء، "وأهل الكشف هم المتمكنون من النظر في الأسانيد والكشف عن  أحوال الرواة فإن قيل فقد نقل الحافظ ابن النحوي" عرفنا أن المراد بالنحوي هو ابن الملقن "في البدر المنير" البدر المنير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير "والحافظ زين الدين في التبصرة" زين الدين العراقي في التبصرة والتذكرة التي هي الألفية "عن الحافظ أبي عبد الله بن منده أنه قال عن أبي داود أنه يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه عنده أقوى من رأي الرجال وهذا يقتضي أن فيما يسكت عنه ضعيفا لا يجوز العمل به" يخرج الضعيف في الباب إذا لم يجد فيه أقوى منه، وأيضا التنصيص على أنه يبين ما فيه ضعف شديد أو وهن شديد يدل على أن ما فيه ضعف ليس بشديد يخرجه ويسكت عنه "وذلك الضعيف غير متميز من غيره فوجب ترك الجميع ولم يحل الاحتجاج بشيء منها إلا بعد الكشف عن أحوال رجالها في كتب الجرح والتعديل وهذا خلاف ما عليه العمل وخلاف ما نص عليه الحافظ ابن الصلاح والنووي وزين الدين ابن العراقي وسراج الدين ابن النحوي وغيرهم" هذا كلام يمكن أن يوجه لمن ترجح عنده قول ابن الصلاح أن المتأخرين ليست لديهم الأهلية في النظر في الأسانيد والمتون، وأما من كانت لديه الأهلية فلا عذر له في النظر والعمل بما يؤديه إليه اجتهاده، "قلت الجواب أن ذلك لا يشكل إلا على من لم يعرف مما اصطلح عليه القوم في باب مراتب الجرح والتعديل والتجريح وغيره من أبواب علوم الحديث، وأنت إذا بلغت هذا الباب عرفت أنهم يطلقون الضعيف على العدل في دينه المتوسط في مراتب الحفظ والإتقان، فقد نصّ زين الدين في مراتب التجريح الخمس على أن الضعيف وهو في المرتبة الرابعة ممن يكتب حديثه وحديث من في مرتبته ومن في المرتبة الخامسة للاعتبار بهم دون أهل المراتب المتقدمة من المجروحين، وروي عن ابن أبي حاتم مراتب التعديل الخمس أن أهل المرتبة الرابعة منهم من يكتب حديثه للاعتبار بهم، وهم من قيل فيه أنه صالح الحديث أو محل الصدق أو شيخ أو وسط أو شيخ وسط أو مقارب الحديث أو نحو ذلك كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى" يعني في مراتب الجرح والتعديل "فعرفت بهذا أن الضعيف في رابع مراتب الجرح هو صالح الحديث في رابعة مراتب التعديل ولكنه يوصف بالضعف بالنظر إلى من فوقه" يعني ضعف نسبي "بالنظر إلى من فوقه من الثقات الأثبات المتقنين ويوصف بصلاح الحديث بالنظر إلى صدقه وترفعه عن مرتبة المغفلين المكثرين من الخطأ وترفعه عن مرتبة المجروحين والمتهمين ويدل على ما ذكرت ما ذكروه في أقسام الضعيف كما سيأتي من أن الحديث قد يسمى ضعيفا عندهم إذا كان من طريق رجال الحسن المستورين غير أنه لم يرد له شاهد ولا متابع" يعني الحسن لغيره، على كل مرتبة الحسن هذه أشكلت كثيرا عند أهل العلم لما ذكرنا في تعريفه، وتباينت أنظار العلماء بالنظر إلى وضع هذا الحسن بين مرتبتين وتأرجحه بين قسمين وراويه يتردد فيه إن نظر إليه من جهة إلى أن العدالة متوفرة الدين واضح عندهم ومن نُظر إليه من جهة الحفظ والضبط والإتقان وجد فيه عنده شيء من الخلل، فبعضهم يتجاوز عن هذا الخلل الذي لا يجعله في درجة المغفل، يتجاوز عنه لما عنده من دين؛ لأن مثل هذا الذي عنده شيء من الدين يردعه عن أن ينقل وينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يثبت عنه، ومنهم من نظر إلى الحفظ والضبط والإتقان فقال هذا يقصر عن هذه الدرجة فلا ينبغي أن يقبل حديثه يقول "ويدل على ما ذكرته ما تقدم من قول أبي الفتح ابن سيد الناس إن شرط أبي داود كشرط مسلم وما رواه عن مسلم من قوله ليس كل صحيح نجده عند مثل مالك وشعبة وسفيان فاحتاج أن ينزل إلى مثل الليث بن سليم وعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد لما يشمل الكل من اسم الصدق والعدالة وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان فدل هذا على أن رواة أبي داود الذين سكت عنهم من أهل الصدق والعدالة عندهم وأن تفاوتهم إنما هو في الحفظ والإتقان والضعيف منهم هو ضعيف الحفظ ضعفا متوسطا لا يحطه إلى مرتبة من لا يكتب حديثه للاعتبار ولهذا جعلوا من قيل فيه إنه ضعيف بمرة في ثالث مراتب الجرح وجعلوه ممن لا يكتب حديثه للاعتبار ومعنى الاعتبار عندهم هو طلب التوابع والشواهد التي يعرف بها أن للحديث أصلا" لأن هناك عنوان سيأتي الاعتبار والمتابعات والشواهد، فالاعتبار هو طريقة التوصل إلى المتابعات والشواهد، وليس قسيما للاعتبارات والشواهد، يقول: "ويترقى حديث الضعفاء إلى مرتبة الحسن وسوف يأتي تعريف معنى التوابع والشواهد والفرق بينهما في بابه إن شاء الله تعالى فالإسناد ضعيف على هذا واجب القبول عند كثير من الأصوليين والفقهاء وإن لم يتابَع راويه على روايته" لماذا؟ لأن العدالة متحققة، والإشكال في الضبط وكون كثير من الفقهاء والأصوليين يقبلون مثل هذا لماذا؟ لأنهم ينظرون إلى الضبط في الراوي بنظر يختلف عن نظر أهل الحديث، أولا يعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات، ويعرف عدم ضبطه بمخالفة الثقات، فإذا وافق الثقات في غالب حديثه قُبل على طريقة الفقهاء والأصوليين، بينما لا يقبل على طريقة المحدثين إذا كثر الخطأ في حديثه، يعني لو أن راويا يروي ألف حديث أصاب في سبعمائة حديث وأخطأ في ثلاثمائة أهل الحديث لا يقبلونه الذي يخطئ في ثلاثمائة حديث فاحش الخطأ عندهم، لكن الفقهاء يبنون على الغالب، الغالب أنه ضبط إذًا حديثه مقبول، وعند أهل الحديث ما يشير إلى أن السبع فما دون كما في إشارة من شعبة إلى مثل هذا السبع فما دون قد يتجاوزون عنه ولا يعدونه مردودا، أما إذا زاد وهمه ومخالفته للثقات على سبع ما يروي فإن هذا فاحش الخطأ عندهم، فإذا أخطأ في سبعمائة عند المحدثين فاحش، ثمانمائة أيضا فاحش، فأهل الحديث أضيق من أهل الفقه والأصول في هذا، وأهل الفقه والأصول يقولون أن الحكم للغالب ويطردون هذا في كل المسائل، مع أن أهل الشأن هم أهل الحديث فلا يلتفت إلى غيرهم، "وأما المحدثون فيذهبون إلى قبوله متى جمع شرائط الحديث الحسن إلى البخاري فلم يقبله كما تقدم ويوضح ما ذكرته لك من الإسناد الضعيف الذي ذكره ابن منده في السنن مقبول عندهم هو ما قدمناه عن أبي داود من قوله إن ما لم يذكر فيه إن ما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض ولهذا قال ابن منده أنه يورد الإسناد الضعيف ولم يقل الحديث الضعيف لأن الحديث في نفسه قد يقوى متنه لاجتماع الأسانيد الضعيفة" يعني ليس من لازم ضعف الإسناد ضعف المتن ولا العكس، قد يضعف الإسناد ويكون المتن صحيحا لوروده من طرق أخرى، وقد يصح الإسناد ويضعف المتن لوجود المخالفة والشذوذ فيه، فمن أسباب القوة والضعف ما يتعلق بالإسناد ومنها ما يتعلق بالمتن، يقول "ولهذا قال ابن منده أنه يورد الإسناد الضعيف ولم يقل الحديث الضعيف لأن الحديث في نفسه قد يقوى متنه لاجتماع الأسانيد الضعيفة إذا كان رواتها في مرتبة رجال الحسن ولم يكونوا ضعفاء بمرة"؛ لأن الضعيف بمرة شديد الضعف هذا وجوده مثل عدمه لا يرتقي، "ومن نفائس هذا الفصل من نفائس هذا الفصل ألا تظن الانفراد في حديث السنن إذا لم يورده أبو داود إلا بإسناد واحد من الأسانيد الضعيفة واهما أنه إنما ترك إيراد المتابعات والشواهد لعدمها وأن شرط الحديث الحسن وجودها فليس كذلك فنصه على أن ما سكت عنه فهو صالح يقتضي معرفته للمتابعات وشواهد تقويه من باب معرفة اصطلاحاتهم ومن باب الحمل على السلامة فإن مثل أبي داود مع جلالته ومعرفته وأمانته لا يطلق ذلك على ما لا يستحق اسم الصحيح أو الحسن في عرفهم الشائع كيف وقد روى الحافظ سراج الدين ابن النحوي في مقدمات كتاب البدر المنير عن أبي داود أنه يخرج في الباب أصح الأسانيد ويترك بقيتها تخفيفا على طلبة هذا العلم الشريف وهذا يدل على أنه إنما نص على صلاحية ما سكت عنه ممَّا إسناده ضعيف مما عرف من شواهده وأما الذهبي فقال في ترجمة أبي داود في كتابه النبلاء قال أبو داود ذكرت في السنن الصحيح وما يقاربه فإن كان فيه وهن شديد بينته قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى قد وفى رحمه الله بذلك بحسب اجتهاده وبين ما ضعفه شديد غير محتمل وكاسر عما ضعفه خفيف محتمَل" يعني نازع ودافع عما ضعفه خفيف محتمل "فلا يلزم من سكوته والحال هذه عن الحديث أن يكون حسنا عنده ولاسيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولَّد الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء أو الذي يرغب عنه البخاري ويمشيه مسلم وبالعكس فهو داخل في أدنى مراتب الصحة فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج وكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان وذلك نحو شطر الكتاب أو نحو شطر من الكتاب ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين ورغب عنه الآخر ثم يليه ما رغبا عنه وكان إسناده جيدا سالما من علة وشذوذ ثم يليه ما كان إسناده صالحا وقبِله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدا يعضد كل منهما الآخر ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص في حفظ راويه فمثل هذا يمشيه أبو داود ويسكت عنه غالبا ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة راويه فهذا لا يسكت عنه أبو داود بل يوهنه غالبا وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته والله أعلم". يعني إذا اشتهر ضعفه بين الناس لا يحتاج أن يبيَّن إذا كان حديث معروف شديد الضعف ومعروف ضعفه عند الناس، مثل هذا لا يبينه؛ لأنه معروف ولا يحتاج إلى بيان، وهذه المراتب لأحاديث أبي داود منها ما خرجه الشيخان، ومنها ما خرجه أحدهما ورغب عنه الآخر، ومنها ما رغبا عنه ولم يخرجاه وسنده جيد، هذا يحكم له كله بالصحة، لكن ما نزل عن ذلك قد يكون سنده أقل من حيث الضبط والإتقان يحكم له بالحسن، وقد ينزل عن ذلك فيحكم عليه بالضعف، وقد ينزل عن ذلك فيكون هو شديد الضعف وشديد الوهم الذي التزم أبو داود بيانه، يقول "انتهى بلفظه وهو معروف من عوائد الحفاظ، ولقد قال بعض حفاظ الحديث إن الحديث إذا لم يكن عندي من مائة طريق فأنا فيه يتيم فهذا الكلام الذي أوردته يعرّف شرط أبي داود ومن أحب الكشف عما سكت عنه فهو أولى وأقرب إلى التحقيق التام وهو طريقة أهل الإتقان من طلبة هذا الشأن وأعون كتاب على ذلك كتاب الأطراف للحافظ الكبير جمال الدين أبي الحجاج المزي لمعرفة طريق الحديث" يعني كتاب تحفة الأشراف في معرفة الأطراف تبين لك تخرج لك الحديث من أبي داود وغير أبي داود فتقف على أطرافه وعلى طرقه في غير أبي داود، فيجمع لك الطرق من الكتب الستة فأنت وأنت تنظر في جميع هذه الطرق لا شك أنه يتبين لك مما لا يتبين لك مما لو اقتصرت على سنن أبي داود يقول "وأعون كتاب على ذلك كتاب الأطراف للحافظ الكبير جمال الدين أبي الحجاج المزي لمعرفة طريق الأحاديث وكتاب الميزان للذهبي للكشف عن أحوال الرجال وأقرب منهما مختصر الحافظ عبد العظيم المنذري" لسنن أبي داود "فإنه تكلم على جميع ما فيه مما يحتمل الكلام وبيّن ما فيه مما في الصحيحين وغيرهما مما صححه وحسنه أبو عيسى الترمذي وجود الكلام على حديثها غاية التجويد وجاء كتابه مع كثرة فوائده الصغير الحجم لم يزد على مجلد" هذا مختصر المنذري لسنن أبي داود يتكلم على الأحاديث ويسكت عن ما لا يحتاج إلى كلام، كتابه نافع جدا، ويبقى أن المعوَّل أوَّلا وآخرا على النظر لمن كانت لديه أهلية النظر في المتون والأسانيد، فكم من حديث سكت عنه أبو داود سكت عنه المنذري واستدرك عليهم وضُعِّف، وكم من حديث ضعَّفه أبو داود وهو عند غيره صحيح، قال- رحمه الله تعالى- "فصل في شرط النسائي" أظن فصل هذه من المحقق مزيدة في جميع الأبواب اللاحقة، "شرط النسائي واعلم أن من الناس من يفضل كتاب النسائي في القوة والصحة على سنن أبي داود " نعم شرط النسائي في الرجال قوي حتى قال بعضهم إنه أقوى من شرط مسلم لكن الواقع يرده ولو قيل ذلك، ولو تشدد النسائي نظريا إلا أنه من الناحية العملية يوجد في كتابه ما يوجد في سنن أبي داود والترمذي من أنواع الحديث، ففيه الصحيح، وفيه الحسن، وفيه الضعيف وليس بقليل، وإن كان أنظف من الترمذي أسانيد ومتون لكنه مع ذلك الضعيف يوجد فيه، "واعلم أن من الناس من يفضّل كتاب النسائي في القوة والصحة على سنن أبي داود وقد روي أن له شرطًا أعز من شرط البخاري" يُذكر عنه مثل هذا فهو متشدد من حيث التنظير لكن التطبيق وواقع كتابه يرد هذا الكلام "ولكنه لم يصح لي عنه دعوى ذلك ولا ذكر ذلك الحافظ ابن الصلاح في علوم الحديث والحافظ زين الدين ابن العراقي في التبصرة بل نقل زين الدين في التبصرة عن ابن منده أن شرط النسائي أن يخرج حديث من لم يجمع على تركه" يعني ولو ضعّفه كثير من أهل العلم لكنهم ما أجمعوا على تركه يخرج حديثه، ولا شك أن هذه سعة في الخطو وتساهل شديد "ولذا قال زين الدين"  الحافظ العراقي "هذا مذهب متسع ذكر ذلك الذهبي في تذكرته في ترجمة النسائي عن ابن طاهر عن سعد بن علي الزنجاني قوله والله أعلم. وقال في النبلاء في ترجمة النسائي أن ذلك صحيح وقال في النسائي هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم والترمذي وأبي داود وهو جارٍ في مضمار البخاري وأبي زرعة وقد تكلم الحافظ سراج الدين في أول البدر المنير على شرطه واستقصى كلام الحفاظ فيه وروى أبو السعادات ابن الأثير في مقدمة جامعه أن النسائي سئل عن حديث سننه الكبرى أصحيح هو فقال لا، فقيل له اختصر لنا الصحيح منه وحده فصنف كتاب المجتبى واقتصر فيه على ذكر الصحيح مما في السنن انتهى" النسائي ألف كتابه السنن الكبرى ثم قيل له هل كل ما فيه صحيح قال لا، فقيل له أفرد لنا الصحيح فصنّف الصغرى المسماة بالمجتبى، ومن أهل العلم من يرى أن الصغرى ليست من صنيع النسائي وإنما هي من صنيع الراوي عنه ابن السُّنّي، على كل حال الكلام المذكور وأن المجتبى خلاصة للسن الكبرى هذا الكلام ليس بصحيح فالأحاديث الموجودة فيها ضعف في الكبرى موجودة في الصغرى، لكن ميزة سنن النسائي التي تميز بها عن سائر الكتب وهي التي رفعت شأن النسائي عند الأئمة وجعلوه في مصاف البخاري وأبي حاتم وأبي زرعة وليست بمصاف مسلم وأبي داود العلل، فكتاب النسائي أشبه ما يكون بكتب العلل، فيشير إلى علل خفية وعلل ظاهرة شيء مذهل، وما تراجمه التي يوردها في كتابه إلا هي من قبيل هذا الباب، من باب العلل والاختلاف على الرواة ولا شك أن هذا يعطي الكتاب ميزة لا توجد لغيره، "قلت والمجتبى والسنن الصغرى فلهذا يقول المحدثون رواه النسائي في السنن الكبرى وهذا يقوي أنه لا يجوز العمل بأحاديث السنن الكبرى بغير بحث وأما السنن الصغرى المسماة بالمجتبى بكتاب المجتبى فيجوز ولعلها هي التي فُضِّلت لكن قال الذهبي في ترجمة النسائي في النبلاء إن هذه الرواية لم تصح بل المجتبى اختصار ابن السني تلميذ النسائي قال وهذا الذي وقع لنا من سننه سمعته ملفقا من جماعة سمعوه من ابن باقا بروايته عن أبي زرعة المقدسي سماعا لمعظمه وإجازة لفوت له محدد في الأصل قال أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حميد الدوري قال أخبرنا القاضي أحمد بن الحسين الكسار قال أخبرنا ابن السُّنِّي عنه قال وكتاب خصائص علي داخل في سننه الكبير وكتاب عمل اليوم والليلة من جملته في بعض النسخ فمن أحب البحث عن حديثه والكشف عن رجاله استعان بمطالعة أفراد المزي وميزان الذهبي كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في سنن أبي داود" يعني من أراد الحكم على حديث في السنن أن يجمع طرق هذه الأحاديث، ثم بعد ذلك ينظر في أسانيدها من خلال كتب الرجال، ومن أهمها تاريخ البخاري أو تواريخ البخاري، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، الثقات لابن حبان، الكامل لابن عدي، ثم بعد ذلك ميزان الاعتدال وهو مأخوذ من الكامل، لسان الميزان وهو مأخوذ من الميزان، الضعفاء للذهبي أكثر من كتاب، ثم ما دار في فلك الكتب الستة، الكمال للحافظ عبد الغني المقدسي ثم تهذيبه للحافظ أبي الحجاج المزي، ثم تذهيبه للحافظ الذهبي، ثم الكاشف للذهبي أيضا، ثم تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر، ثم تقريب التهذيب له، ثم الخلاصة، وهذه كلها تدور في فلك الكمال للحافظ عبد الغني.

 ثم بعد هذا شرط ابن ماجه، يقول: "وأما سنن ابن ماجه فإنها دون هذين الجامعين والبحث عن أحاديثها لازم وفيها حديث موضوع في أحاديث الفضائل" نعم سنن ابن ماجه هي أنزل السنن حتى أن كثير من أهل العلم لا يعدونها في الكتب الستة، لا يعدونها في الأمهات، أول من اعتبرها من الكتب الستة أبو الفضل ابن طاهر في الأطراف وفي شروط الأئمة، وكانوا يعدون السادس الموطأ؛ ولذا تجدون في جامع الأصول ما تجدون لابن ماجه ذكر وإنما تجدون مكانه الموطّأ، ومنهم من يرى أن السادس الدارمي لعلو أسانيده ونظافة متونه، بينما سنن ابن ماجه فيها الكثير من الضعيف وفيها من شديد الضعف أكثر وفيها أيضا من الموضوع شيء، يقول "وأما سنن ابن ماجه فإنها دون هذين الجامعين والبحث عن أحاديثها لازم وفيها حديث موضوع في أحاديث الفضائل وقد ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن ابن أن ابن ماجه ثقة كبير متفق عليه محتج به معروف له معرفة وحفظ إلى قوله وسنن أبي عبد الله يعني ابن ماجه كتاب حسن لولا ما كدّره بأحاديث واهية ليست بالكثيرة انتهى كلام الحافظ الذهبي وقال في ترجمته في النبلاء وقول أبي زرعة لعل ذلك لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في سنده ضعف أو نحو ذلك إن صح فإنما عنى بالثلاثين حديثا الأحاديث المطرحة الساقطة وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة لعلها نحو الألف" ألف حديث "وقال فيه كان حافظا ناقدا صادقا واسع العلم وإنما غض من رتبة سننه ما فيها من المناكير وقال أيضا من الموضوعات وإنما أراد الذهبي بقليل الأحاديث الباطلة وأما الأحاديث الضعيفة في عرف أهل الحديث ففيه قدر ألف حديث منها كما ذكره في النبلاء في ترجمة ابن ماجه وقدر الباطل بعشرين حديثا فيحرر من النبلاء" إذا ثبت هذا فإن سنن ابن ماجه دون بقية السنن، وفيه الضعيف كثير لعله يبلغ الألف أو يزيد، وفيه الموضوع أيضا، وفيه الساقط والمتروك والمطرح شيء كثير، ويبقى أن ابن ماجه إمام وكتابه كتاب مفيد عظيم فيه زوائد على الكتب الخمسة، وقد عرضه على أبي زرعة، أبو زرعة عرض عليه ابن ماجه كتابه وقال له لو اطلع عليه محمد بن إسماعيل لأحرق كتابه يعني البخاري، ولا شك أن هذا من باب التشجيع، يشجع طالب العلم، وهو بالنسبة لأبي زرعة طالب علم فيشجعه لمثل هذا ليترقى في المزيد من هذا العلم بخلاف من يؤتى إليه بكتاب فيقول له تزبزبت قبل أن تحصرم، ومازلت في بداية الطلب، ومثلك لا يؤلف مثلك يغر الناس هذا تحطيم، يعني يحث طالب العلم على التأليف، ويحث أيضا على التدقيق والتحقيق وعدم العجلة في النشر والاستشارة فيما يكتب وفيما يذر، الحث لا بد منه لطالب العلم لأن التأليف من أعظم ما يعين على التحصيل، لكن بحيث لا يغر الناس بتأليفه بحيث يشغلهم ويصرفهم عما ينفعهم مما هو أنفع من كتابه، وألّف شخص من أهل هذا البلد كتابا في شرح المحرر فعرضه على واحد من أهل العلم الكبار في هذا الفن في الفقه فقال أريد أن تسمي هذا الكتاب فأعطاه الكتاب، الشيخ تصفح الكتاب فلما جاء إليه قال لا يحتاج إلى اسم سمه، أنت أبوه وسمه قال لا يا شيخ لا بد أن تسميه، قال  اكتب -والشيخ كفيف- القول المكرر في شرح المحرر، يعني فرق بين مثل هذا وتشجيع أبي زرعة، شتان بين هذا وهذا، أظن هذا الكاتب ما كتب بعده ولا كلمة ولا ورقة في العلم  خلاص انتهى، بينما لو شُجِّع وقيل له عدل كذا وانتبه لكذا وراجع كذا ولا تستعجل في النشر، دعه عندك وراجعه، لك عشر سنين كل سنة يزيد علمك ويتغير اجتهادك يعني يمكن، قال رحمه الله "فصل في شرط الترمذي وأما جامع الترمذي فلم يتعرض لشرطه لأنه قد أبان عن نفسه وذكر الصحيح والحسن والغريب وما لم يصححه ولا يحسنه فالظاهر أنه عنده ليس بحجة فمن أحب أن يعتمد على ما لم ينص الترمذي على صحته وحسنه لزمه البحث وقد صنف في الحديث غير واحد من الحفاظ وكتب التفاسير والرقائق كالترغيب والترهيب والفقه والأصول وغيرها تشتمل على كثير من الحديث وجميع ذلك موقوف على البحث والنظر في الرجال عند من لا يقبل المرسل وللمرسل شروط تأتي في بابه إن شاء الله تعالى فبالجملة من روى حديثا من أئمة الحديث أو غيره من الفقهاء وسائر أهل العلم فإنه لا يجوز القول بصحة الحديث بمجرد رواية من رواه لأنه عرف عن كثير من أ هل العلم أنهم يروون الأحاديث الضعيفة، يروونها بأسانيدها فيبرؤون من عهدتها وإن كان الراوي في أرفع مراتب الثقة إلا بنص على صحته وحده" يعني لو وجدنا حديثا في كتاب المسند للإمام أحمد الإمام إمام أهل السنة وحافظ الأمة وعلم الحديث ومع ذلك تجد في مسنده الأحاديث الضعيفة، "وإن كان الراوي في أرفع مراتب الثقة إلا بنص على صحته وحده أو على صحة كتاب هو فيه أو يرسله بصيغة الجزم عند الزيدية والمالكية والحنفية كما سيأتي في المرسل" يرسله؛ لأن الحنفية والمالكية يحتجون بالمراسيل وكذلك الزيدية وهذه نستفيدها من هذا الكتاب إذ لا توجد في كتب المصطلح، إنما المعروف عند الحنفية والمالكية الاحتجاج بالمراسيل؛ ولذا تجد موطأ الإمام مالك مملوء بالمراسيل مع أنها معروفة أحاديث موصولة في الصحيحين وغيرهما ومع ذلك هي مرسلة في الموطأ.

واحتج مالك كذا النعمان

 

به وتابعوهما ودانوا

ورده جماهر النقاد

 

للجهل بالساقط في الإسناد

"فأما مجرد الرواية فليست طريقا إلى تصحيح الحديث لعدم إشعارها بذلك ولأن أكثر الثقات مازالوا يروون الأحاديث الضعيفة وسوف يأتي ذكر هذه المسألة وإنما ذكرت شروط أهل السنن كلهم وإن وإن لم يكن ذلك من جملة علوم الحديث لأن ابن الصلاح وزين الدين ذكروا شروط البخاري ومسلم وأبي داود والمستدركين على البخاري ومسلم ومستخرجين لأحاديثهما وذكر زين الدين شرط النسائي باختصار كثير فرأيت ذكر شروط الجميع أكثر مناسبة والله أعلم"

ثم قال بعد ذلك شرط المسانيد

المسانيد ما ترتب فيه الأحاديث على الصحابة هذا الاصطلاح العام، كمسند أحمد والطيالسي وغيرهما، المسانيد كثيرة ترتب فيها الأحاديث على الصحابة بخلاف الجوامع والسنن والصحاح فهي مرتبة على الأبواب؛ ولذا يقول أهل العلم أن رتبة المسانيد دون منزلة السنن؛ لأن الحافظ العراقي يقول:

ودونها في رتبة........

 

.......................

دون السنن.

ودونها في رتبة ما جعلا

 

على المسانيد فيدعا الجفلا

ما معنى يدعا الجفلا؟ يدعا الحديث بالعموم لا بالخصوص لماذا؟ لأن صاحب السنن يترجم بحكم شرعي، باب جواز كذا، باب منع كذا، باب كراهية كذا، يترجم بأحكام شرعية فهو يورد تحت هذه الترجمة أقوى ما يجد، لن يترجم بحكم شرعي ثم بعد ذلك يأتي بحديث ضعيف وعنده أقوى منه هذا معروف، لكن الذي يترجم باسم صحابي حديث أبي بكر، حديث عمر، حديث ابن مسعود، حديث ابن عباس، فهو يذكر تحت هذه الترجمة ما وقع له من أحاديث هؤلاء ولا يلزم أن يكون أجود ما يقع له؛ لأنه لم يترجم بحكم شرعي ليستدل له إنما يترجم بترجمة راوي ويذكر ما ورد عنه؛ ولذا قالوا إن مرتبة المسانيد نازلة عن مرتبة السنن.

ودونها في رتبة ما جعلا

 

على المسانيد فيدعا الجفلا

كمسند الطيالسي وأحمد

 

وعده للدارمي انتقد

مسند الإمام أحمد مسند بلا شك مرتب على الصحابة، وكذلك الطيالسي، أما قوله مسند الدارمي يعني ابن الصلاح فهذا منتقد عليه؛ لأن الدارمي مرتب على الأبواب لا على المسانيد، وإن كان قصده بمسند الدارمي الذي أشار إليه الخطيب في ترجمته من التاريخ حيث قال له المسند والجامع فيحتمل، قال "واعلم أن المسانيد دون السنن في القوة وأبعد منها عن رتبة الصحة وشرط أهلها أن يفردوا حديث كل صحابي على حدة من غير نظر إلى أبواب ويستقصون جميع ذلك جميع أحاديث ذلك الصحابي كله سواء رواه من يحتج به أو لا، فقصدهم حصر جميع ما روى عنه كمسند أبي داود الطيالسي ويقال إنه أول مسند مصنف" نعم إذا نظرنا إلى وفاة مؤلفه قلنا أول مسند؛ لأن صاحبه توفي سنة مائتين وأربعة، والإمام أحمد مائتين وواحد وأربعين وهكذا، وإذا نظرنا إلى من جمعه وجدناه من جمع يونس بن حبيب الراوي عن أبي داود فلا يكون حينئذ أول المسانيد، "ويقال إنه أول مسند صنف ومثله مسند أحمد بن حنبل، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي بكر البزار، وأبي القاسم البغوي وغيرهم، ومن أوسعها مسند بقي بن مخلد ومسند الحافظ البارع أبي الحسين بن محمد الماسرخسي قال الذهبي فرغ مذهبا معللا في ثلاثة آلاف جزء" لكن الجزء يعني كراسة، جزء حديثي، "وهذه المسانيد الكبار هي التي يُذكر فيها أطراف الأحاديث وما لها من المتابعات والشواهد التي اختصرها أهل الصحاح والسنن تسهيلا على الطالبين قال زين الدين وقد عد ابن الصلاح مسند الدارمي في جملة المسانيد فوهم في ذلك لأنه مرتب على الأبواب لا على المسانيد".

.......................

 

وعده للدارمي انتقد

وعرفنا أنه إن كان يريد بالدارمي المسند الذي أشار إليه الخطيب غير الجامع فكلامه متجه، يقول: "وهذه المسانيد الكبار التي يذكر فيها طرق الأحاديث وما لها من المتابعات والشواهد التي اختصرها أهل الصحاح والسنن" أحاديث الكتب الستة تحتاج أحيانا إلى ما يبين معانيها؛ لأن اللفظ الذي أورد فيها مختصر فيورد في غيرها مطولا، تحتاج أيضا إلى ما يشهد لها ويتابع راويها لترتفع من الضعف إلى الصحة، وعلى كل حال المسانيد فيها طرق كثيرة جدا لهذه الأحاديث، "ومن أعظمها مسند الإمام أحمد بن حنبل إلا أنه لترتبيه على المسانيد جعل الفائدة منه ليست بالسهلة فاجتنبه كثير من طلاب العلم، وقد قام الحافظ ابن عروة المشرقي فرتب أحاديث المسند على صحيح البخاري بكتاب سماه الكواكب الدراري" الكواكب الدراري هذا في مائة وعشرين مجلدا، رتب المسند على صحيح البخاري وشرحه، لكن طريقته في الشرح أنه إذا مرت بهم سألة فيها مصنف لشيخ الإسلام كتب المصنف كاملا، فيها مصنف لابن القيم كتب المصنف كاملا، فيها مصنف لابن رجب أدخله كاملا، وكثير من كتب شيخ الإسلام التي طبعت قديما إنما طبعت من هذا الكتاب، استُلت من هذا الكتاب، وحفظ لنا ابن عروة كثيرا من مؤلفات شيخ الإسلام وابن القيم بهذه الطريقة؛ لأنه وجد في وقت تُحرق فيه كتب شيخ الإسلام وابن القيم، وترتيبه للمسند مع تعليقه عليه في تسعة عشر جزءًا من المائة والعشرين، ثم بعد ذلك شرحه بشرح أوسع بمجلدات كثيرة أدخل فيها هذه الكتب، والآن يُسعى في تحقيقه وطبعه وأُنجز منه مقدار أربعة مجلدات: الأول، والثاني، والثاني عشر، والتاسع عشر، المقصود أنه عمل جيد، أنا اطلعت على المجلد الأول والثاني وقارنتها بصحيح البخاري وجدت أن الذي يقرأ في البخاري لا غناء له عن هذا الكتاب كله من المسند، فيه أحاديث المسند لكن أين تجد هذه الرواية؟ أين تجد ما تحتاجه من هذه الروايات في المسند؟ وما يدريك أنه روي في المسند بهذا الطريق؟ المقصود أن كتاب ابن عروة غاية في النفع، هناك أيضا ترتيب للمسند من قبل الساعاتي الفتح الرباني لكنه اختصر الكتاب، حذف الأسانيد وحذف التكرار والناس في غاية الأهمية وفي غاية الحاجة إلى ذكر الأسانيد والتكرار، أيضا أخونا الشيخ عبد الله القرعاوي رتب المسند في كتاب أسماه المحصّل سلك فيه طريقة الفتح الرباني إلا أنه ذكر الأسانيد وذكر المكررات فأحسن، يعني تلافى ما وقع في الفتح الرباني لكن ترتيب المسند على صحيح البخاري لابن عروة هذا فتح حقيقة، وما اطلعنا عليه يدل على أن الكتاب في غاية العظمة، لكن مع الأسف أن الكتاب فيه خروم يعني في مائة وعشرين وجد منها ثلاثة وثمانون مجلدا والبحث جارٍ عن البقية.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"