تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار (14)

... درسين درس المغرب ودرس العشاء والذي يليه كذلك.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال رحمه الله تعالى:

وقد اختلف الناس في العمل بالحسن مطلقا بعد تسليم حسنه، فذهب البخاري إلى أن الحديث الحسن لا يعمل به في التحليل والتحريم واختاره القاضي أبو بكر بن العربي في عارضته والجمهور على خلافهما والحجة مع الجمهور فإن راوي الحسن ممن تشمله أدلة وجوب قبول الآحاد فإنه لا بد في راويه من أن يكون مظنون العدالة مظنون الصدق، فإن قلت إنما اشترط الترمذي أن يكون الراوي غير متهم بالكذب ولا منفرد بالحديث وغير المتهم أعم من أن يكون ثقة مخبورا أو مستورا أو مجهولا فإن كان مجهولا وتابعه مجهولٌ مثله لم يكن في الحديث حجة، قلت: الجواب أنه قد عرف من المحدثين أن مذهبهم رد المجهول وليس في كلام الترمذي هذا ما يناقض ذلك فهو من عموم المفهوم وفيه خلاف فلو كان لفظا عامًّا وجب المصير إلى الخاص فكيف بالمفهوم، فأما المستور فهو المظنون العدالة ولو لم يكن كذلك لم يتميز من المجهول لكنه غير مخبور بخبر يوجب سكون النفس الذي سميه كثير من المحدثين علمًا وقد ورد تسميته بالعلم كثيرا في قوله تعالى: وَمَا شَهِدۡنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمۡنَا } يوسف: ٨١  وقد ورد المستور في عبارات أصحابنا والمراد به العدل كما استعمل ذلك أهل الحديث قال الشيخ أحمد بن محمد الرصاص في الجوهرة في شروط الراوي إنها أربعة، أحدها: أن يكون الراوي عدلا مستورا هذا لفظه ولم أعلم أحدا اعترضه من أهل الشروح على الجوهرة فالمستور في عرف المحدثين من قصر عن المتواترة عدالتهم أو المشهورة شهرة تقرب من التواتر أو من قصر عن الحفاظ في مرتبة الإتقان والضبط العظيم، ونحن نوافقهم في الطرفين معًا، أما الطرف الأول فقد ثبت نص الجوهرة التي هي مدرس الزيدية على ذلك مع أنه مما لا يختلف فيه الأصحاب، وأما الطرف الثاني فإن كتبنا الأصولية مشحونة بقبول كل من رجح حفظه على سهوه واختلف أصحابنا إذا استويا فذهب المنصور بالله  إلى أنه لا يجوز طرح حديثه وأن طريق قبوله الاجتهاد ذكره في الصفوة وحكاه عنه في الجوهرة، وذهب عبد الله بن زيد إلى قبوله وهذا كله يدل على قبول من حديثه حسن والله أعلم وقد نص أهل الحديث في مراتب التعديل على أن صالح الحديث يكتب حديثه للاعتبار به ونصه أيضا في مراتب التجريح على أن الضعيف يكتب حديثه للاعتبار به بخلاف الضعيف بمرة، والمردود والمتروك ونحو ذلك من العبارات فبان لك الضعيف عندهم هو صالح الحديث وأنه في المرتبة الرابعة من مراتب العدول كما سيأتي فكيف برجال الحسن وقد يرتقون إلى أرفع من مرتبة الضعف؛ ولذا قالوا في ترجمة سفيان الثوري المجمع  على ثقته وأمانته ونصحه لله ولرسوله وللمسلمين إنه كان يدلس عن الضعفاء فهؤلاء هم الضعفاء في عرف المحدثين الذين حديثهم منجبر بالشواهد ونحوها ويجب العمل به ولو كان سفيان يدلس عن المجروحين لكان مجروحا ولما اتفق الثقات على الاحتجاج بحديثه وهم يعرفون ذلك ولكن قليل المعرفة باصطلاحهم في عباراتهم لا يعرف ذلك ولهذا يتجه على الراغب في علم الحديث أن يبدأ بقراءة علوم الحديث ويمعن النظر فيها فتأمل ذلك فإنه مفيد جدا، وقد ذكر الشافعي مثل هذا في المراسيل فقال إذا جاء المرسل من طريقين مختلفين فأكثر قبل ذلك وإلا لم يقبل وأما المجهول فليس بقوي حديثه.

يقوي.

فليس يقوي حديثه بمتابعة مثله وقد ذكر ابن الصلاح نحو هذا الكلام فقال ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد مما قد حفظ ولم يختلّ في ضبطه له وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر قال ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذًّا انتهى كلامه وسوف يأتي أنه يشترط في الشاذ هذا الذي أشار إليه ألا يكون راويه في مرتبة الثقات الأثبات من رجال الصحيح ولا في مرتبة من دونهم من رجال الحسن كما سيأتي واضحا فهذا يدلك على أن رجال الحسن مرتفعون عن مرتبة المجاهيل والضعفاء بمرة وقد نصوا على ذلك في علوم الحديث فجعلوا الضعيف غير مجهول وممن ذكره زين الدين في قسم الضعيف في التبصرة ولكن يلزم على هذا قبول المنفرد قبول المنفرد من رجال الحسن ولا يجب مراعاة غيره متابعة له وهذا لازم على قواعد الفقهاء والأصوليين ودفع هذا من المحدثين غير جيد والله سبحانه أعلم قال ابن الصلاح وهذه الجملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة واعلم أن رجال الحسن متى كانوا متى كانوا مشهورين بالصدق والعدالة وأتت له طرق أخرى فلك أن تحكم بصحته كحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل سواك» قال ابن الصلاح محمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم بسوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته فحديثه من هذه الجهة حسن فلما انضم إلى ذلك كونه مرويا من طرق أخرى زال بذلك ما كنا نخشاه من جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح، قال زين الدين: وقد أخذ كلامه هذا من الترمذي فإنه قال بعد إخراجه من هذا الوجه حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عند صحيح قال وحديث أبي سلمة إنما صح لأنه قد روي من غير وجه قلت قول ابن الصلاح فصح هذا الإسناد ولم يقل فصح هذا الحديث مشكل؛ لأن متن الحديث لأن متن الحديث صحيح متفق عليه من طريق الأعرج عن أبي هريرة وإنما انفرد محمد بن عمرو برواية الحديث من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة فلم يتابَع على الإسناد فلم يصح الإسناد وإنما توبع على الحديث فصح ولذا ولذا قال زين الدين وليس المراد بالمتابعة كونه كونه رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة غير محمد بن عمرو ولكن متابعة شيخه أبي سلمة عليه عن أبي هريرة فقد تابع أبا سلمة عليه عن أبي هريرة عبد الرحمن بن هرمز عبد الرحمن بن هرمز الأعرج.

عبدُ عبدُ الرحمن.

عفا الله عنك.

عبدُ الرحمن بن هرمز الأعرج وسعيد المقبري وأبوه أبو سعيد وعطاء مولى أم حبيبة وحميد بن عبد الرحمن وأبو زرعة بن عمرو وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وهو متفق عليه من طريق الأعرج والمتابعة قد يراد بها متابعة الشيخ وقد يراد بها متابعة شيخ الشيخ كما سيأتي الكلام عليه في فصل المتابعات والشواهد.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يذكر المؤلف- رحمه الله تعالى- حكم الحديث الحسن وأن الحديث الحسن في القبول والحجية كالصحيح وإن كان دونه في المرتبة وإن خالف في ذلك من خالف فقال: "وقد اختلف الناس في العمل بالحسن مطلقا" يعني الحسن بقسميه الحسن لذاته والحسن لغيره، وإن كان الخلاف في الحسن لغيره أقوى من الخلاف في الحسن لذاته، قال: "بعد تسليم حسنه" يعني لا من أجل النزاع فيه هل هو حسن أو ليس بحسن لا، كلهم متفقون على أنه حسن، لكن هل يحتج به أو لا يحتج؟ هذا محل الخلاف "فذهب البخاري إلى أن الحديث الحسن لا يعمل به في التحليل والتحريم واختاره أبو بكر بن العربي في عارضته" يعني نص عليه ابن العربي وأن الحسن لا يحتج به وكذلك أبو حاتم وأبو زرعة، فقد نقل ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل أنهما لا يحتجان به، وسأل أباه عن بعض الرواة فقال حسن الحديث قلت أتحتج به؟ قال لا، فدل على أنه لا يحتج بالحسن "والجمهور على خلافهما" يعني حكم الجمهور على أن الحسن مثل الصحيح يحتج به، "والحجة مع الجمهور فإن راوي الحسن ممن تشمله أدلة وجوب قبول الآحاد" لماذا؟ لأنه يغلب على الظن صدقه، "فإنه لا بد في راويه من أن يكون مظنون العدالة" يعني مسألة غلبة ظن، فإذا غلب على الظن أنه عدل وجب قبول خبره، "فإنه لا بد في راويه من أن يكون مظنون العدالة" يعني يغلب على الظن أنه عدل "مظنون الصدق" نعم لا بد أن يغلب على الظن صدقه، "فإن قلت إنما اشترط الترمذي أن يكون الراوي غير متهم بالكذب ولا منفرد بالحديث وغير متهم أعم من أن يكون ثقة مخبورا أو مستورا أو مجهولا" مخبورا يعني معلوم الثقة، حكم عليه أهل العلم بأنه ثقة، أو مستورا على الخلاف في المستور هل هو المجهول أو هو مجهول الحال ظاهرا لا باطنا أو هو مجهول الحال لا مجهول العين؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، وعلى كل حال هو أخف من المجهول، "فإن كان مجهولا وتابعه مجهول مثله لم يكن في الحديث حجة" يعني الحديث المجهول لا يرتقي لاحتمال أنه لو سمي وعرفت عينه أن يكون شديد الضعف، "قلت الجواب أنه قد عرف من المحدثين أن مذهبهم رد المجهول وليس في كلام الترمذي هذا ما يناقض ذلك فهو من عموم المفهوم يقول وفيه خلاف وليس في كلام الترمذي هذا ما يناقض ذلك فهو من عموم المفهوم" يعني في قول الترمذي أن يكون الراوي غير متهم بالكذب، مفهومه أعم من منطوقه، مفهومه أنه لو كان مضعفا بغير الاتهام، أنه لو كان ثقة، المقصود أنه لا يكون متهما بالكذب فمفهومه أن من اتصف بأي وصف كان غير الاتهام بالكذب أنه يكون حسنا، قال "فذلك من عموم المفهوم وفيه خلاف فلو كان لفظا عاما وجب المصير إلى الخاص فكيف بالمفهوم" يعني إذا كان المنطوق عاما فهل يعمل به أو يعمل بالخاص؟ يعمل بالخاص، فكيف إذا كان العموم في المفهوم، يعني إذا كان العموم في المنطوق لا شك أنه مؤثر ضعف ليس مثل الخاص فكيف إذا كان العموم في المفهوم فهذا أشد ضعفا، "فأما المستور وهو المظنون عدالته" سواء قلنا إن المستور هو العدل في الظاهر وفي الباطن لا تُعرف حاله فيحتاج إلى أقوال المزكين، أو نقول أن المستور هو مجهول الحال ظاهرا وباطنا، "فأما المستور فهو مظنون العدالة ولو لم يكن كذلك لم يتميز من المجهول" يعني لا بد أن نفرق بين المجهول والمستور، من أهل العلم من يرى أن المجهول هو المستور والمستور هو المجهول، ومنهم من يخص المستور بأنواع من الجهالة، أنواع خاصة من الجهالة، فإما أن تكون الجهالة ظاهرا لا باطنا بعد ارتفاع جهالة العين، أو يكون هو المجهول ظاهرا وباطنا وقد روى عنه أكثر من واحد فارتفعت جهالة عينه "لكنه غير مخبور بخبر يوجب سكون النفس الذي يسميه كثير من المحدثين علما" يعني يعلم ظاهره وباطنه يحتاج فيه إلى تزكية إلى أقوال المزكين "وقد ورد تسمية العلم كثيرا في قوله تعالى وَمَا شَهِدۡنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمۡنَا } يوسف: ٨١  "وقد ورد المستور في عبارات أصحابنا والمراد به العدل كما استعمل ذلك أهل الحديث قال الشيخ أحمد بن محمد الرصاص" هذا معروف أنه من شيوخ الزيدية، وله كتاب في أحكام القرآن، والجوهرة في أصول الفقه وغيرهما، "قال الرصاص في الجوهرة في شروط الراوي أنها أربعة أحدها أن يكون الراوي عدلا مستورا هذا لفظه ولم أعلم أحدا من أهل الشروح على الجوهرة" يعني الذين شرحوا كتابه ما اعترضوا عليه فدل على أنهم يقررون أن المستور غير المجهول "فالمستور في عرف المحدثين من قصر عن المتواترة عدالتهم أو المشهورة شهرة تقرب من المتواتر أو من قصر عن الحفاظ في مرتبة الإتقان والضبط العظيم ونحن نوافقهم في الطرفين معا" نعم نقول إن المستور دون من عرفت عدالته وضبطه بيقين، "أما الطرف الأول فقد ثبت نص الجوهرة التي هي مدرسة الزيدية على ذلك مع أنه مما لا يختلف في الأصحاب وهم الطرف الثاني فإن كتبنا الأصولية مشحونة بقبول كل من رجح حفظه على سهوه واختلف أصحابنا إذا استويا" يعني معرفة ضبط الراوي إنما هي بعرض مروياته على الرواة الحفاظ المتقنين.

ومن يوافق غالبا ذا الضبط

 

فضابط أو نادرا فمخطي

فإذا كانت موافقته للحفاظ المتقنين غالبة قلنا إنه ضابط، وإذا كانت نادرة قلنا ليس بضابط بل مخطئ، يقول "فذهب المنصور بالله إلى أنه لا يجوز طرح حديثه وأن طريق قبوله الاجتهاد وأن طريق قبوله الاجتهاد ذكره في الصفوة وحكاه عنه في الجوهرة وذهب عبد الله بن زيد إلى قبوله وهذا كله يدل على قبول من حديثه حسن والله أعلم" يعني من باب أولى إذا كان المستور جاء ما يدل على قبول حديثه فراوي الحديث الحسن من باب أولى، "وقد نص أهل الحديث في مراتب التعديل على أن صالح الحديث يكتب حديثه على أن صالح الحديث يكتب حديثه للاعتبار به ونصوا أيضا في مراتب الترجيح على أن الضعيف يكتب حديثه للاعتبار به بخلاف الضعيف بمرة" يعني من يصلح حديثه للاعتبار والانجبار هذا يكتب من أجل أنه متى وُجد حديث يرقيه ارتقى إلى درجة القبول، لكن حديث لا يقبل الاعتبار شديد الضعف راويه متروك والحديث منكر مثل هذا لا يكتب للاعتبار، "بخلاف الضعيف بمرة والمردود والمتروك ونحو ذلك من العبارات فبان لك الضعيف عندهم هو صالح الحديث وأنه في المرتبة الرابعة من مراتب العدول كما سيأتي فكيف برجال الحسن وقد يرتقون إلى ارفع من مرتبة الضعف ولذا قالوا في ترجمة سفيان الثوري المجمع على ثقته وأمانته ونصحه لله ولرسوله وللمسلمين أنه كان يدلس عن الضعفاء فهؤلاء هم الضعفاء في عرف المحدثين الذين حديثهم منجبر بالشواهد ونحو ذلك ويجب العمل به" يعني في حالة الحديث الحسن يعني في صورة الحديث الحسن إذا وجدنا من ينجبر حديثه وروى حديثا ووجدنا مثله أو فوقه انجبر وصار بدلا من أن تكون أفراده ضعيفة يكون بمجموعها حسنا، قال: "ولو كان سفيان يدلس عن المجروحين لكان مجروحا ولما اتفق الثقات على الاحتجاج بحديثهم وهم يعرفون ذلك ولكن قليل المعرفة باصطلاحهم في عباراتهم لا يعرف ذلك ولهذا يتجه على الراغب في علم الحديث أن يبدأ بقراءة علوم الحديث" نعم بالقواعد النظرية ثم يأخذ يطبق عليها حتى يتأهل، أما أن يأخذ بالتطبيق قبل معرفة القواعد النظرية فهذا لا يجدي، لا بد أن يعرف القواعد ولا بد أن يعرف كيف يصحح وكيف يضعف، "ولهذا يتجه على الراغب في علم الحديث أن يبدأ بقراءة علوم الحديث ويمعن النظر فيها" يعني يدقق ويفهم ويمثّل "فتأمل ذلك فإنه مفيد جدا وقد ذكر الشافعي مثل هذا في المراسيل فقال إذا جاء المرسل من طريقين مختلفين فأكثر قُبل ذلك وإلا لم يقبل" يعني أن يكون رجال هذا المرسل غير رجال المرسل الأول؛ لأنه إذا اتحد رجال المرسل الأول مع رجال المرسل الثاني عرفنا أن بعضهم ينقل عن بعض، لكن إذا اختلفوا رجال المرسل الأول غير رجال المرسل الثاني تبين لنا أن الخبر محفوظ وأنه جاء من جهات متعددة، "وأما المجهول ليس يقوى حديثه أو يقوى يَقوَى حديثه أو يُقوَّى حديثه بمتابعة مثله، وقد ذكر ابن الصلاح نحو هذا الكلام فقال ليس كل ضعيف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه لأن ضعفه شديد إذًا لا يرتقي بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والأمانة والديانة" يعني التضعيف إذا كان مرده إلى العدالة هذا شديد ولا ينقبل الانجبار، أما إذا كان مرده إلى الضعف والعدالة ثابتة فإن هذا ينجبر بوروده من طريق آخر مثله، "بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة فإذا رأينا ما رواه قد جاء بلفظ آخر عرفنا أنه مما حفظ ولم يختل في ضبطه له وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر" لأن المحذوف في المرسل الطبقة العليا طبقة الصحابة فالذي يغلب على الظن المحذوف صحابي والذي يغلب على الظن أنه إن حذف بعض الصحابة فهو تابعي قديم كبير والأصل فيه أنه ثقة، هذا الأصل في رجال القرون الأولى؛ لأنه كل ما تقادم العهد بهم يكونوا على الجادة أكثر، قال: "ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا انتهى كلامه وسوف يأتي أنه يشترط في الشاذ هذا الذي أشار إليه ألا يكون راويه في مرتبة الثقات الأثبات" الشاذ رواية الثقة مخالفة لمن هو أوثق منه هذا الشاذ، رواية الثقة مع مخالفة من هو أوثق منه، فلا يشترط في راوي الشاذ أن يكون ثقة من الثقات الأثبات "من رجال الصحيح ولا في مرتبة من دونهم من رجال الحسن كما سيأتي واضحا فهذا يدلك على أن رجال الحسن مرتفعون عن مرتبة المجاهيل والضعفاء بمرة وقد نصوا على ذلك في علوم الحديث فجعلوا الضعيف غير المجهول وممن ذكره زين الدين في قسم الضعيف زين الدين الحافظ العراقي في التبصرة" يعني الألفية التي أسماها التبصرة والتذكرة "ولكن يلزم على هذا قبول المنفرد من رجال الحسن ولا يجبر مراعاة غيره متابعة له ولا يجب مراعاة غيره متابعة له وهذا لازم على قواعد الفقهاء والأصوليين ودفع هذا من المحدثين غير جيد والله سبحانه وتعالى أعلم قال ابن الصلاح وهذه الجملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة" يعني لا يمكن أن يأتي طالب خرج حديث أو حديثين أو ثلاثة يضبط هذه الأمور لا بد أن يكون قد خرج أحاديث كثيرة وعرض نتائجه على نتائج أهل العلم وقارن بينه ورأى الراجح من المرجوح، "هذه الجملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة واعلم أن رجال الحسن متى كانوا مشهورين بالصدق والعدالة وأثبت واعلم أن رجال الحسن متى كانوا مشهورين بالصدق والعدالة وأتت له طرق أخرى فلك أن تحكم بصحته كحديث محمد بن عمرو بن علقمة" محمد بن عمرو بن علقمة هذا من حيث العدالة ليس فيه إشكال لكن حفظه فيه شيء فحديثه من قبيل الحسن لذاته، وإذا جاء له طرق أخرى ارتقى إلى الصحيح.

والحسن المشهور بالعدالة

 

والصدق راويه إذا أتى له

طرق أخرى نحوها من الطرق

 

صححته كمتن لولا أن أشق

قال "كحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» قال ابن الصلاح محمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصلاة والصيانة يعني والديانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم بسوء حفظه ووثقه بعضهم لصدق وجلالته فحديثه من هذه الجهة حسن فلما انضم إلى ذلك كونه مرويا من طرق أخرى زال بذلك ما كنا نخشاه من جهة سوء حفظه" يعني إذا وافقه غيره عرفنا وجزمنا بأنه ضبطه وإن كان في حفظه شيء "وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح قال زين الدين وقد أخذ كلامه هذا من الترمذي فإنه قال بعد إخراجه من هذا الوجه حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عندي صحيح" لماذا صحيح؟

قال "وحديث أبي سلمة إنما صح لأنه قد روي من غير وجه يعني صحيح لغيره قلت قول ابن الصلاح فصح هذا الإسناد ولم يقل فصح هذا الحديث مشكل" لأنه قد يصح الحديث ولا يصح الإسناد يصح الحديث لوروده بطرق أخرى والإسناد يبقى لكن قد يصح الإسناد مع صحة الحديث لماذا؟ لوجود من يتابع رواة هذا الإسناد على رواية هذا الحديث، "قلت قول ابن الصلاح فصح هذا الإسناد ولم يقل فصح هذا الحديث مشكل لأن متن الحديث صحيح متفق عليه من طريق الأعرج عن أبي هريرة وإنما انفرد محمد بن عمرو برواية الحديث من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة فلما يتابع على الإسناد ولم يصح الإسناد وإنما توبع على الحديث فصح ولذا قال زين الدين وليس المراد بالمتابعة كونه رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة غير محمد بن عمرو ولكن متابعة شيخه عن أبي سلمة عليه عن أبي هريرة وقد تابع أبا سلمة عليه عن أبي هريرة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وسعيد بن أبي سعيد المقبري وأبوه أبي سعيد وعطاء بن حبيب وحميد بن عبد الرحمن وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وهو متفق عليه من طريق الأعرج والمتابعة قد يراد بها متابعة الشيخ وقد يراد بها متابعة شيخ الشيخ كما سيأتي" يعني إذا توبع الشيخ صارت المتابعة تامة على ما سيأتي وإذا كانت لشيخ الشيخ صارت ناقصة، "وقد يراد بها متابعة شيخ الشيخ كما سيأتي الكلام عليه في فصل المتابعات والشواهد".

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"