التعليق على تفسير القرطبي - سورة الذاريات (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28)} [الذاريات].

 قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}، ذكر قصة إبراهيم -عليه السلام- ليبين بها أنه أهلك المكذِّب بآياته كما فعل بقوم لوط، هل أتاك أي ألم يأتك؟"

 هو استفهام تقريري، ألم يأتك فيما نزل عليك من القرآن حديث ضيف إبراهيم إلى آخره.

"وقيل هل بمعنى قد كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}".

 هو تحقيق لا استخبار.

طالب: .........

سبق نعم.

طالب: .........

هو استفهام تقريري يعني أتاك، وقيل: إن (هل) بمعنى (قد) فهي تحقيق.

"وقد مضى الكلام في ضيف إبراهيم في هود والحجر.

 "المكرمين" أي عند الله دليله في قوله تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} قال ابن عباس: يريد جبريل وميكائيل وإسرافيل، زاد عثمان بن حصين ورفائيل، عليهم الصلاة والسلام. وقال محمد بن كعب: كان جبريل ومعه تسعة، وقال عطاء وجماعة: كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل ومعهما ملك آخر، قال ابن عباس: سماهم مكرمين؛ لأنهم غير مذعورين، وقال مجاهد: سماهم مكرمين؛ لخدمة إبراهيم إياهم بنفسه".

 وأي إكرام فوق أن يخدمهم الخليل بنفسه -عليه الصلاة والسلام- وعلى نبينا -أفضل الصلاة والسلام-.

"قال عبد الوهاب: قال لي علي بن عياض: عندي هريسة ما رأيك فيها؟ قلت: ما أُحسن رأيي فيها قال: امض بنا، فدخلت الدار، فنادى الغلام، فإذا هو غائب، فما راعني إلا به ومعه القمقمة والطست ومعه المنديل، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، لو علمت يا أبا الحسن أن الأمر هكذا، قال: هون عليك فإنك عندنا مكرم، والمكرم إنما يخدم بالنفس، انظر إلى قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}".

 يعني كل واحد يحس من نفسه إذا نزل ضيفًا على شخص كبير، عظيم الجاه من أهل العلم ومن أهل الفضل، ثم لا يجد من يخدمه، فيقدم الطعام بنفسه، هذا لا شك أنه غاية في إكرامه مثل ما صنع الخليل -عليه السلام -بالملائكة، ومثل ما فعل هنا علي بن عياض مع عبد الوهاب، يعني يجد الإنسان في نفسه حرجًا من هذا الإكرام الزائد، ما فيه من يقوم مقامه فلا بد من هذا بالنسبة للمضيف، لكن الضيف لا يحتمل مثل هذا، الضيف الكريم، لكن اللئيم ما يهمه هذا أو غيره، لكن الضيف الكريم الذي ينبغي أن يكرم ليس بالسهل عليه أن يأتي شيخ كبير وقد يكون أعمى، ويقدم له الطعام بنفسه، هذا غاية في الإكرام، لو أنه قال له وهو عند الباب: والله يا أخي ما عندي أحد يخدم، فهو يعتذر، فليس بمستبعد، ولكن كونه يدخله ويخدمه بنفسه فهذا شيء عظيم، ولا شك أنها منقبة للطرفين، فالكريم يستحي من مثل هذه الخدمة.

"قوله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا} تقدم في الحجر قال سلام أي عليكم سلام".

 إلا أنه في الحجر ما ذكر الرد قالوا سلامًا بدون رد، فهل نقول: إن الرد ليس بواجب؟ أو نقول: إن الرد نقل في هذه الآية، ولا يلزم نقله في كل مناسبة؟

طالب:..........

ما يلزم نقله في كل مناسبة، إذا نقل بطريق تلزمه الحجة يكفي، لذلك صارت النية شرطًا في سائر الأعمال، مع أن حديث عمر لم ينقله إلا عمر، مع أنه خطب به عمر على المنبر، ولم ينقله غير علقمة وهكذا، فلا يلزم أن يُنقل في كل مناسبة، ويتفرَّع على هذا مسائل كثيرة منها ما يخص السلام، قالت أم هانئ: «سلام عليك يا رسول الله، قال: من؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحبًا بأم هانئ»، قالت فاطمة- رضي الله عنها-: «سلام عليك يا أبتي، قال: مرحبًا بابنتي»، ما نقل رد السلام، هل نقول: إن مرحبًا تكفي عن وعليكم السلام، أو نقول: إنه ما يلزم نقل السلام في كل مناسبة؟

 ثبت رده ووجوب رده بلفظه، أو بأحسن منه، ولا يلزم أن يُنقل في كل مناسبة، منهم من يقول: مرحبًا تكفي عن رد السلام، فعندما سلمت أم هانئ وفاطمة على رسول الله قال: مرحبًا، لكن مثل ما هنا نُقل الرد في سورة أو في موقع ولا يلزم أن يُنقل في كل موقع.

قطع الخف بالنسبة للمحرم الذي لا يجد النعل نُقل في خطبته –عليه الصلاة والسلام– بالمدينة، أو في جوابه –عليه الصلاة والسلام– في المدينة، ولم يُنقل بعرفة، هل نقول: إن القطع نسخ، أو نقول: إنه نُقل في مناسبة، ولا يلزم أن يُنقل في كل مناسبة؟ تم البيان في المناسبة الأولى ويكفي.

على كل حال هما منهجان لأهل العلم، لاسيما إذا اعترى المسألة ما يعتريه من معارض مثل: كون البيان الذي حصل بالمدينة لبعض الناس، وحضر في المناسبة الثانية في موقف عرفة أقوام وخلائق لم يحضروا ما قاله النبي –عليه الصلاة والسلام – بالمدينة، والبيان هنا لازم؛ لأنه حضر أضعاف من سمعوا في الموطن الأول أو الحالة الأولى، ولهذا اختلف أهل العلم في القطع، منهم من يقول: يحمل المطلق على المقيد، اتحد الحكم والسبب فيجب حمل المطلق على المقيد، فيلزم القطع، ومنهم من يقول: لا، إنه يلزم عليه تأخير البيان عن وقت الحاجة، والموقف وقت حاجة، فيلزم البيان فيه؛ لأنه حضر أضعاف من سمع بالمدينة، ومنهم من يقول: إن وقت  الحاجة انتهى، أحرموا وانتهوا، هم بعرفة وانتهوا من الإحرام.

 وعلى كل حال هما منهجان لأهل العلم. والمقرر في عامة المسائل أنه إذا حصل البيان في موضع، لا يلزم أن يحصل في كل موضع إذا حمله من تقوم به حجة.

" {قَالَ سَلامٌ} أي عليكم سلام، ويجوز بمعنى أمري سلام، أو ردي لكم سلام، وقرأ أهل الكوفة إلا عاصم: سِلم بكسر السين، قوم منكرون".

 يقول أهل العلم: إن سلام إبراهيم -عليه السلام- أبلغ من سلام الملائكة لماذا؟

طالب:.........

نعم.

طالب: .........

يعني سلام إما أن تقول: ردي سلام، أو سلام عليكم، جملة اسمية، وهم قالوا: سلامًا، نسلم سلامًا، فهي جملة فعلية، والجملة الاسمية والاسم يدل على الثبوت والاستمرار، والفعل يدل على التجدد، فسلام إبراهيم -عليه السلام- أبلغ من سلام الملائكة.

"أي أنتم قوم منكرون، أي غرباء لا نعرفكم، وقيل: إنه رآهم على غير صورة البشر، وعلى غير صورة الملائكة الذين كانوا يعرفهم، فنكرهم وقال: قوم منكرون، وقيل: أنكرهم؛ لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان، وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان، وفي تلك الأرض".

 نعم سلام سلموا عليه سلامًا، واستغرب هذه الصيغة التي لم يكن يسمعها من قومه؛ لأنهم غير مسلمين، كما استغرب الخضر في قصته مع موسى حينما وجده موسى متلففًا ببرد أخضر، فسلم عليه، استغرب، استبعد أنى بدارك السلام؟ من يسلم؟ فقال له موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال نعم .. إلى آخر القصة، المهم أن مثل هذا يستغرب؛ يعني أنت في بلاد غربة، ليس بها من المسلمين أحد، ثم تسمع: السلام عليكم، تستغرب من يسلم؟

"وقيل خافهم يقال: أنكرته إذا خفته قال الشاعر:

فأنكرتي وما كان الذي نكرت                    من الحوادث إلا الشيب والصلع

قوله تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} قال الزجاج: أي عدل إلى أهله، وقد مضى في والصافات ويقال: أراغ وارتاغ بمعنى طلب، وماذا تريغ؟ أي تريد وتطلب، وأراغ إلى كذا أي مال إليه سرًّا وحاد، فعلى هذا يكون راغ وأراغ لغتين بمعنى".

 نعم والروغان إنما يستعمل مع التحرف، مع الخفة، مع السرعة والمبادرة، يعني ما تباطأ وتثاقل وأشعرهم أنه يريد أن يقوم، لا، بسرعة قام لئلا يعزم عليه ألا يفعل، بعض الناس يبدي من الأمارات والقرائن والدلائل ما يبديه بحيث لا يبقى معه إلا التصريح؛ حتى يفهم الضيف أنه يريد أن يصنع شيئًا، وأنه يتكلف له ليمنعه الضيف، وبعضهم أبدًا.

 ونزل ضيوف بصاحب متجر في بلد غربة، ليس ببلده، وهو عزب جاء للتجارة، فنزل به ضيوف، فأخذ الدفتر، وتأبطه، وخرج من المحل وترك الضيوف تجلس إلى أن يجيء، أخذ الدفتر من أجل ماذا؟ أن يُظن أنه ذهب ليتحصل على الديون وما أشبه ذلك، فذهب إلى البيت، فجهز الطعام، وذبح الذبيحة وطبخ، ورجع إليهم بعد فترة، هذا فعل الكرام، وبعض الناس يبدي من قرائن الأحوال والتثاقل ما يشعر به الضيف أنه مستثقل له، وأنه يريد أن يتكلف له، والمسألة على خلاف طبعه وأنه، ثم بعد ذلك يحلف ويقسم عليه أن لا يفعل، وهذا هو المطلوب عنده. بخلاف من جاءه هؤلاء القوم المنكرون لا يعرفهم، ومع ذلك راغ إلى أهله فجاء بعجل سمين. ويستدل بالقصة من يقول: إن التكلف للضيف لا شيء فيه، ولو قدمت له أضعاف أضعاف ما يحتاج، والخروف أمره سهل؛ لأن إبراهيم جاء بعجل سمين.

 لا شك أن الظروف والأحوال تختلف، ما كان عندهم ثلاجات ولحم مخزون وجزار في كل زاوية وفي كل ناحية يأتي بالقدر المحتاج إليه، لا، ما عنده إلا هذا العجل فذبحه، وإلا معناها أن يتركهم بدون شيء، ما فيه خيار ثالث، فلا مستمسك لمن يقول: إنه لا مانع من التكلف ولا مانع من تضييع الأموال بهذه الطريقة التي يفعلها كثير من الناس، نعم قد يوجد من يأكل الطعام بعد الضيوف والجمعيات الخيرية تستقبل، وهذا يخفف الأمر بلا شك، ولكن يبقى أن الإسراف ممنوع والتبذير محرم.

طالب:.........

نعم.

طالب: .........

مضى هذا الكلام، قصة...

طالب: .........

هو مضى، تقدم في الحجر أم أين؟

طالب: هود.

 نعم في هود معروفة، لكن في الحجر ذكرت.

طالب: .........

أين الموضع في الصافات؟

طالب: .........

نعم مضى في الصافات 15/94 ...

طالب:........

ما فيه دليل على هذا ولا هذا، المقصود أنه راح ذهب بسرعة وجهَّز لهم الطعام، وقدَّمه إليهم.

طالب: .........

15- 94...

طالب: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}[الصافات:93]

{فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ}.

قال السدي: ذهب إليهم، جاء إليهم، قال قتادة: مال إليهم، قال كلب: أقبل عليهم وقيل: عدل، والمعنى متقارب، فراغ يروغ روغًا وروغان إذا مال، وطريق رائغ أي مائل.

           ويريك من طرف اللسان حلاوة     ويروغ عنك كما يروغ الثعلب

"{فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} أَيْ جَاءَ ضَيْفَهُ بِعِجْلٍ قَدْ شَوَاهُ لَهُمْ كَمَا فِي "هُودٍ": فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ انْطَلَقَ إِلَى مَنْزِلِهِ كَالْمُسْتَخْفِي مِنْ ضَيْفِهِ؛ لِئَلَّا يَظْهَرُوا عَلَى مَا يُرِيدُ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} يَعْنِي الْعِجْلَ، {قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ عَامَّةُ مَالِ إِبْرَاهِيمَ الْبَقَرُ، وَاخْتَارَهُ لَهُمْ سَمِينًا زِيَادَةً فِي إِكْرَامِهِمْ. وَقِيلَ: الْعِجْلُ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ الشَّاةُ؛ ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَفِي الصِّحَاحِ: الْعِجْلُ وَلَدُ الْبَقَرَةِ، وَالْعِجَّوْلُ مِثْلُهُ، وَالْجَمْعُ الْعَجَاجِيلُ، وَالْأُنْثَى عِجْلَةٌ، عَنْ أَبِي الْجَرَّاحِ، وَبَقَرَةٌ مُعْجِلٌ ذَاتُ عِجْلٍ، وَعِجْلٌ قَبِيلَةٌ مِنْ رَبِيعَةَ".

ينسب إليها العجلي نسبة مشهورة.

 على كل حال كون إبراهيم -عليه السلام- قدَّم البقر، قدم العجل، قالوا: لأن عامة مال إبراهيم البقر، يستدل بهذا من يفضل لحم البقر على غيره، ولو كان هناك طعام أفضل لقدمه إبراهيم لأكرم الضيوف الذين هم الملائكة، يستدل بعضهم بهذا، لكن هذا هو الموجود، عامة ماله البقر، يقدم مما يجد، ولا يتكلف غير الموجود هذه طريقة الكرام، لا يبخل بالموجود، ولا يتكلف غير الموجود.

 في محاورة بين عامة، عامة الناس غالبهم لا يأكل لحم البقر في هذه البلاد، قدَّم شخص لضيوفه من لحم البقر، قالوا: ما وجدت إلا بقرًا، فقال: لو كان هناك أطيب من البقر لقدمه إبراهيم لأكرم الضيوف الذين هم الملائكة. فكان رد الطائفة الأخرى من العامة، كلهم عوام، قال: لكن الضيوف لما وجدوا بقرًا ما أكلوا، لو أكلوا تم الاستدلال، لكن ما أكلوا، لما شافوا لحم بقر قالوا: اتركوه.

 الاستدلال ليس في محله، وليس المانع لأنه بقر، ولكن هذا يدل على حضور بديهة من أشخاص عوام.

 كما ذكر لنا قبل مدة أن شخصًا في جنوب الرياض ماتت له ناقة، فبكى عليها بكاءً أكثر من ولده حين مات، فلِيمَ على هذا، فقال: كيف تلوموني والله -جل وعلا- لما ذُبحت ناقته دمدم عليهم ديارهم.

 استدلال من بعض العامة يدل على ذكاء، وإن لم يكن هناك مقدمات شرعية، ولا نتائج شرعية أيضًا، لكن يدل على استعداد، هؤلاء عوام لا يقرئون ولا يكتبون، لكن انظر كيف يستنبطون الأحكام على طريقتهم، لأنهم ليست عندهم الأهلية حتى يتعاملوا مع النصوص على طريقة شرعية، لكن يدل على أن في عوام المسلمين أذكياء، يعني هؤلاء لو تمهدت لهم الأمور، وتيسَّرت، وطلبوا العلم من وجهه وعلى أهله يمكن أن يصبحوا نوابغ، صحيح نتائجهم خطـ ما يقرون على هذه النتائج، لكن هذا يدل على حضور ذهن، والله المستعان.

 هنا يقول: عامة مال إبراهيم البقر، الناس يتخذون الخيل للزينة، ويتخذون الإبل أيضًا، على ما يقولون: موضات ما زالت قائمة، وبعضهم يتخذ الغنم؛ لأن فيها البركة والسكينة، لكن ماذا لو اتخذ شخص حظيرة من بقر خارج البلد، وصار يخرج إليها كل يوم، ويعزم عندها الناس والضيوف، وكذا، وسيره على... نعم سيره على الأبعرة مقبول الآن عند بعض الناس، لكن البقر، لأن أعراف الناس وعاداتهم تغيَّرت، يعني دخل شيء من الانحراف.

وعامة مال إبراهيم البقر.

طالب:.............

يعني لو كان يكفي الضيوف الثلاثة مثلاً، أو الخمسة، أو العشرة ثلاثة كيلو من اللحم، لكن لو قدَّم لهم ثلاثة كيلو، ما سلم عرضه، فأراد أن يشتري العرض بكبش، هذا الكلام صحيح، ومن يسلم؟ لابد وأن يكف الغيبة عن نفسه، لكن مع ذلك، لا يدخل في حيز الإسراف؛ لأنه وجد من يقدم للضيوف بهذا العدد خمسة، أو ستة، أو عشرة جملًا كاملًا وجد، ومن يقدم على الإفطار في الصباح الباكر عددًا من الأكباش يذبح اثنين، ثلاثة على إفطار، هذا كله إسراف؛ لأنه لو قدم على وقت تعارف الناس فيه على أنهم يأكلون اللحم في مثل هذا الوقت غداء، عشاء فلا إشكال، إنما على الفطور؟ يزعمون أنه غاية في الإكرام، لكنه إسراف بكل المقاييس، حتى الذي يذبح أكثر مما يحتاجه الضيف إلا بقدر ما هو متعارف عليه، مما يرفع عنه وصف البخل أو الشح يكفي، لاسيما إذا وجد من يأكله بعد الضيوف، فيُرجى أن لا حرج إن شاء الله.

طالب:.............

وإذا وُجد الإسراف، ثم قام بعض المصلحين لنقد هذا الإسراف، فقدموا أقل من المعتاد، يعني قبل عشرين سنة، أو أكثر كثر لإسراف في طعام، أو في وليمة العرس، فقام بعض الناس وقلَّدهم غيرهم في أن تكون وليمة العرس خبزًا وإدامة من الجبن وغيره، جبن وزيتون، وما أشبه ذلك، وصار في الناس مدة يسيرة ثم انقرض، لا يلزم أن يصل الأمر إلى هذا، النبي – عليه الصلاة والسلام – قال لعبد الرحمن بن عوف: «أولم ولو بشاه»، يعني أولم وليمة مناسبة بقدر الضيوف، لكن أن تنزل إلى هذا الحد، بعض الناس ينزل إلى هذا الحد مع أن تكلفته ليست يسيرة، إن كان بقدر ضيوف العرس فتكلفته وإن كان من هذه الأنواع ليست يسيرة، قد تصل إلى ما يصل إليه غيره من التكاليف، فخير الأمور أوسطها؛ لأن الإنسان لا يبتذل نفسه بحيث يمتهن ويوصف بأوصاف لا تليق به، ولا يصل إلى حد السرف والتبذير المحرم، وهذا يستصحبه المسلم في جميع تصرفاته، في مأكله، في مركبه، في مسكنه، لا يبتذل نفسه بحيث تلوكه ألسنة الناس بالذم والسب والأوصاف التي لا تليق به، وبحيث ينتقد، ويبتذل ويتقزز الناس من طريقته وعيشه، ولا يكون بحيث يصل إلى حد ممنوع، فالإنسان يتوسط.

طالب:............

يصححه بعضهم، لكن النكارة عليه ظاهرة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أَيْ أَحَسَّ مِنْهُمْ فِي نَفْسِهِ خَوْفًا. وَقِيلَ: أَضْمَرَ لَمَّا لَمْ يَتَحَرَّمُوا بِطَعَامِهِ. وَمِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ بِطَعَامِ إِنْسَانٍ أَمِنَهُ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قالت الملائكة".

وهذه طريقة مألوفة إلى يومنا هذا، يعني أن الإنسان إذا مالح على ما يقول العوام يأمنونه، وإذا كف يده ولم يأكل خافوا منه وأوجسوا منه شيء.

"وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: لَا نَأْكُلُ إِلَّا بِالثَّمَنِ. قَالَ: كُلُوا وَأَدُّوا ثَمَنَهُ. قَالُوا: وَمَا ثَمَنُهُ؟ قَالَ: تُسَمُّونَ اللَّهَ إِذَا أَكَلْتُمْ، وَتَحْمَدُونَهُ إِذَا فَرَغْتُمْ. فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا: لِهَذَا اتَّخَذَكَ اللَّهُ خَلِيلًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي "هُودٍ". وَلَمَّا رَأَوْا مَا بِإِبْرَاهِيمَ مِنَ الْخَوْفِ قَالُوا: "لَا تَخَفْ " وَأَعْلَمُوهُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ، {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} أَيْ بِوَلَدٍ يُولَدُ لَهُ مِنْ سَارَّةَ زَوْجَتِهِ. وَقِيلَ: لَمَّا أَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ، فَدَعَوُا اللَّهَ فَأَحْيَا الْعِجْلَ الَّذِي قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ. وَرَوَى عَوْنُ بْنُ أَبِي شَدَّادٍ: أَنَّ جِبْرِيلَ مَسَحَ الْعِجْلَ بِجَنَاحِهِ، فَقَامَ يُدْرِجُ حَتَّى لَحِقَ بِأُمِّهِ وَأُمُّ الْعِجْلِ فِي الدَّارِ. وَمَعْنَى "عَلِيمٌ" أَيْ يَكُونُ بَعْدَ بُلُوغِهِ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ بِاللَّهِ وَبِدِينِهِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُبَشَّرَ بِهِ هُوَ إِسْحَاقُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَحْدَهُ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} وَهَذَا نَصٌّ".

 يعني هذا تبعًا لما يختاره المؤلف من أن الذبيح هو إسحاق، تقدم الكلام فيه وأدلة الفريقين والترجيح، وأن المرجح عند أهل التحقيق من أهل العلم أنه إسماعيل.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أَيْ فِي صَيْحَةٍ وَضَجَّةٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُ أُخِذَ صَرِيرُ الْبَابِ وَهُوَ صَوْتُهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ: إِنَّهَا الرَّنَّةُ وَالتَّأَوُّهُ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِقْبَالُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلُكَ أَقْبَلَ يَشْتُمُنِي أَيْ أَخَذَ فِي شَتْمِي. وَقِيلَ: أَقْبَلَتْ فِي صَرَّةٍ أَيْ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النِّسَاءِ تَسْمَعُ كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الصَّرَّةُ الضَّجَّةُ وَالصَّيْحَةُ، وَالصَّرَّةُ الْجَمَاعَةُ، وَالصَّرَّةُ الشِّدَّةُ مِنْ كَرْبٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

فَأَلْحَقَهُ بِالْهَادِيَاتِ وَدُونَهُ            جَوَاحِرُهَا فِي صَرَّةٍ لَمْ تَزَيَّلِ

يَحْتَمِلُ هَذَا الْبَيْتُ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ. وَصَرَّةُ الْقَيْظِ شِدَّةُ حَرِّهِ. فَلَمَّا سَمِعَتْ سَارَّةُ الْبِشَارَةَ صَكَّتْ وَجْهَهَا، أَيْ ضَرَبَتْ يَدَهَا عَلَى وَجْهِهَا عَلَى عَادَةِ النِّسْوَانِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ، قَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَكَّتْ وَجْهَهَا لَطَمَتْهُ. وَأَصْلُ الصَّكِّ الضَّرْبُ، صَكَّهُ أَيْ ضَرَبَهُ، قَالَ الرَّاجِزُ:

يَا كَرَوَانًا صُكَّ فَاكْبَأَنَّا

قَالَ الْأُمَوِيُّ:

كَبَنَ الظَّبْيُ إِذَا لَطَأَ بِالْأَرْضِ وَاكْبَأَنَّ انْقَبَضَ.

{وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} أَيْ أَتَلِدُ عَجُوزٌ عَقِيمٌ. الزَّجَّاجُ: أَيْ: وَقَالَتْ أَنَا عَجُوزٌ عَقِيمٌ، فَكَيْفَ أَلِدُ كَمَا قَالَتْ: يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ، قَالُوا كَذَلِكِ أَيْ كَمَا قُلْنَا لَكِ وَأَخْبَرْنَاكِ قَالَ رَبُّكِ فَلَا تَشُكِّي فِيهِ، وَكَانَ بَيْنَ الْبِشَارَةِ وَالْوِلَادَةِ سَنَةٌ وَكَانَتْ سَارَّةُ لَمْ تَلِدْ قَبْلَ ذَلِكَ فَوَلَدَتْ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَإِبْرَاهِيمُ يَوْمَئِذٍ ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ وَقَدْ مَضَى هَذَا".

 إبراهيم -عليه السلام- اختتن وهو ابن ثمانين، وولد له وهو ابن مائة، وزوجته بنت تسع وتسعين، أصلها سارّة بالتشديد ثم خفف، الأصل سارّة، هذه من آيات الله -جلّ وعلا-، حيث خُرقت العادة لهم، فالعادة والغالب أن المرأة بعد الخمسين ينقطع عنها الدم في هذه الفترة، هي ولدت وهي بنت تسع وتسعين سنة، آية من آيات الله، وكرامة لهذين الشيخين الكبيرين لمنزلة الخليل -عليه السلام-.

طالب:...............

هذا مضى مرارًا في مواضع متعددة.

طالب: .........

 كونه اختتن في الثمانين فعمره مضبوط إبراهيم -عليه السلام-، لكن التحديد بالمائة قد يكون أكثر، في بعض الروايات ما هو أكثر من ذلك.

طالب: .........

الاختتان صحيح لا إشكال فيه.

الطالب:.......

 أنت تريد أن تقرن الختان مع أنه شيخ.

طالب: .........

 أنت تريد الأمور متناسبة، يعني الثمانين كأنها سن البلوغ، والمائة هذه قليلة بالنسبة للولادة، تنظر إلى أن الأمم الماضية تطول أعمارها.

 على كل حال ما يلزم هذا.

طالب:.........

شيخ كبير يعني مائة كبير، ومائة وعشرين كبير.

طالب: .........

هذا إذا كان عند مصيبة، لطم الخد عند المصيبة محرم؛ لأنه من النياحة، جاء اللعن عليه.

 طالب:......

يعني لو بلغ امرأة خبر يسر كهذا، ثم صكت وجهها لا لأنها تجزع من الخبر، ولا لأنه مصيبة، ولكنها عادة جرت بذلك، ما لم يترتب عليه ضرر، في بعض أحاديث صيغة الوضوء: فصك بوجهه الماء.

"إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ حَكِيمٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ عَلِيمٌ بِمَصَالِحِ خَلْقِهِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} لَمَّا تَيَقَّنَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ بِإِحْيَاءِ الْعِجْلِ وَالْبِشَارَةِ قَالَ لَهُمْ: {فَمَا خَطْبُكُمْ} أَيْ مَا شَأْنُكُمْ وَقِصَّتُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} يُرِيدُ قَوْمَ لُوطٍ. {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} أَيْ لِنَرْجُمَهُمْ بِهَا. مُسَوَّمَةً أَيْ مُعَلَّمَةً".

 من السمة وهي العلامة، ومنه الاسم كالوسم علامة على الشخص.

"قِيلَ: كَانَتْ مُخَطَّطَةً بِسَوَادٍ وَبَيَاضٍ. وَقِيلَ: بِسَوَادٍ وَحُمْرَةٍ. وَقِيلَ: مُسَوَّمَةٌ أَيْ مَعْرُوفَةٌ بِأَنَّهَا حِجَارَةُ الْعَذَابِ. وَقِيلَ: عَلَى كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ مَنْ يَهْلِكُ بِهِ. وَقِيلَ: عَلَيْهَا أَمْثَالُ الْخَوَاتِيمِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا كُلُّهُ فِي "هُودٍ". فَجُعِلَتِ الْحِجَارَةُ تَتْبَعُ مُسَافِرِيهِمْ وَشُذَّاذِهِمْ فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ مُخْبِرٌ، "عِنْدَ رَبِّكَ" أَيْ عِنْدَ اللَّهِ وَقَدْ أَعَدَّهَا لِرَجْمِ مَنْ قَضَى بِرَجْمِهِ. ثُمَّ قِيلَ: كَانَتْ مَطْبُوخَةً طَبْخَ الْآجُرِّ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي "هُودٍ". وَقِيلَ: هِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي نَرَاهَا وَأَصْلُهَا طِينٌ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ حِجَارَةً بِإِحْرَاقِ الشَّمْسِ إِيَّاهَا عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ".

 من هذا التحجر الذي يقوله الجيولوجيون من أن الأشجار قد تتحول إلى حجارة، والأخشاب والأجسام، الحيوانات والزواحف وغيرها قد تتحجر، يقولون: هذا في القدم موجود، وإذا تقادم العهد بالشيء تحوَّل إلى حجارة، وهنا يقول: إنما تصير حجارة بإحراق الشمس إياها على مر الدهور، هذا يعرف عندهم بالتحجر.

وقد تجد حجرًا في وادٍ غير مأهول، تتعجب من شكله، كأن أصله يد إنسان، أو رأس إنسان، أو رجل إنسان، أو على هيئة ورقة شجر، أو على هيئة غصن، فتتعجب، ويكون هذا هو التحجر، وأشار إليه المؤلفون: ويقولون إنما تصير حجارة بإحراق الشمس إياها على مر الدهور.

"وَإِنَّمَا قَالَ: مِنْ طِينٍ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حِجَارَةَ الْمَاءِ الَّتِي هِيَ الْبَرَدُ. حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}".

 حجارة من طين دلَّ على أن الكتلة من الطين تُسمى حجارة، فعلى هذا لو رمى بها في الجمرة، يعني كتلة من طين متصلبة ضربتها الشمس حتى يبست، يجوز الرمي بها أو ما يجوز؟

طالب:.......

لكن حجارة من طين، دل على أن الحجارة.. خاتم من حديد، حجارة من طين، فـ "من" بيانية هذه، دل على أن من الطين ما يُسمى حجارة.

طالب:........

هي ما أخذت، لكنها من الطين، ويمكن أن نسميها حجارة؛ لأن "من" بيانية، وإذا قلنا: من تبعيضية صار الأمر أوضح، كما تقول: خاتم من حديد، ما يدل على أن الخاتم يتخذ من الحديد ومن غيره، والحجارة من الطين ومن غيره، فإذا جاز الرمي بالحجارة، والطين نوعًا من أنواع الحجارة على هذا يجوز أو ما يجوز؟ يجوز على هذا. لكن أهل العلم لا يرون الرمي بالطين أو ما يبس منه.

طالب:................... استحالت..

إذا استحالت خلاص، وذهب اسمها وحقيقتها، والعلة التي من أجلها مُنعت هل نقول: إنها من زاد الجن؟ ما يمكن.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ لَمَّا أَرَدْنَا إِهْلَاكَ قَوْمِ لُوطٍ أَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِي قَوْمِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِئَلَّا يَهْلِكَ الْمُؤْمِنُونَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ}.

 {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} يَعْنِي لُوطًا وَبِنْتَيْهِ وَفِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ أَهْلِ بَيْتٍ. وَقَدْ يُقَالُ: بَيْتٌ شَرِيفٌ يُرَادُ بِهِ الْأَهْلُ. وَقَوْلُهُ: "فِيهَا" كِنَايَةٌ عَنِ الْقَرْيَةِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ؛ لأن الْمَعْنَى مَفْهُومٌ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} يَدُلُّ عَلَى الْقَرْيَةِ؛ لأن الْقَوْمَ إِنَّمَا يَسْكُنُونَ قَرْيَةً. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِيهَا لِلْجَمَاعَةِ. وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُسْلِمُونَ هَاهُنَا سَوَاءٌ فَجَنَّسَ اللَّفْظَ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ، كَمَا قَالَ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}.

وَقِيلَ: الْإِيمَانُ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ، وَالْإِسْلَامُ الِانْقِيَادُ بِالظَّاهِرِ، فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا. فَسَمَّاهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَةِ " وَغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ".

هذا الأصل التغاير بين الإسلام والإيمان عند جمهور أهل العلم إذا اجتمعا كما هنا {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، فالوصف بالإيمان شيء، والوصف بالإسلام شيء آخر، إذ اجتمعا، أما إذا أطلق الإيمان فيدخل فيه الإسلام، وإذا أطلق الإسلام شمل عموم مطلق الإيمان.

 هنا يستدل به البخاري وغيره على أن الإسلام والإيمان شيء واحد، البخاري ومحمد بن ناصر المروزي وجمع من علماء الأمة، لكن الأكثر على التغاير؛ {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا إحْسَانَا}، «مالك عن فلان؟ إني لأراه مؤمنًا، قال: أو مسلمًا». دل على التغاير بينهما، ولا شك أن الإيمان ما وقر في القلب من التصديق الجازم واليقين الثابت بأركانه المعروفة، وأما الإسلام فعمل الجوارح بأركانه الخمسة المعروفة أيضًا، فهذا شيء، وهذا شيء، لكن ما جاء في هذه السورة قد يتمسك به من يقول: إنهما شيء واحد، والتغاير من كل وجه لم يقل به أحد، يعني ليس تغاير تباين، إنما تغاير تداخل، ليس بتغاير تباين كما في الكفر والإسلام، لا، إنه تباين تداخل كالإحسان والإسلام والإيمان. الإسلام داخل في الإيمان، والإيمان داخل فيه الإحسان، فبينهما وجوه تقارب وتماثل، ويفترقان من بعض الوجوه.

 فالذي يقول بأنهما شيء واحد، نظر إلى وجوه الاتحاد، ومن يقول: إنهما متغايران نظر إلى وجوه الافتراق.

 وعلى كل حال القول بالاتحاد قول معتبر عند أهل السنة، قال به جمع منهم: البخاري، ومحمد بن ناصر، وغيرهما من الأئمة، والقول بالتغاير لاسيما مع الاتحاد إذا ذُكِرا جميعًا يعني مع الاجتماع، يحمل الإيمان على الباطن، والإسلام على الظاهر.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً} أَيْ عِبْرَةً وَعَلَامَةً لِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، نَظِيرُهُ {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. ثُمَّ قِيلَ: الْآيَةُ الْمَتْرُوكَةُ نَفْسُ الْقَرْيَةِ الْخَرِبَةِ. وَقِيلَ: الْحِجَارَةُ الْمَنْضُودَةُ الَّتِي رُجِمُوا بِهَا هِيَ الْآيَةُ، "لِلَّذِينَ يَخَافُونَ"؛ لِأَنَّهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي مُوسَى} أَيْ وَتَرَكْنَا أَيْضًا فِي قِصَّةِ مُوسَى آيَةً. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: و{فِي الْأَرْضِ آيَاتٌ وَفِي مُوسَى}، {إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أَيْ بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ وَهِيَ الْعَصَا. وَقِيلَ: أَيْ بِالْمُعْجِزَاتِ مِنَ الْعَصَا وَغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} أَيْ فِرْعَوْنُ أَعْرَضَ عَنِ الْإِيمَانِ بِرُكْنِهِ أَيْ بِجُمُوعِهِ وَأَجْنَادِهِ".

 سلطان بآيات بينات ومعجزات باهرات، تسع آيات، ومع ذلك من لم يُكتب له السعادة ما صدَّق ولا آمن فهلك، مع مقدمهم ومتبوعهم فرعون، نسأل الله العافية.

"بِرُكْنِهِ أَيْ بِجُمُوعِهِ وَأَجْنَادِهِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} يَعْنِي الْمَنَعَةَ وَالْعَشِيرَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: بِقُوَّتِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:

فَمَا أَوْهَى مِرَاسُ الْحَرْبِ رُكْنِي          وَلَكِنْ مَا تَقَادَمَ مِنْ زَمَانِي"

 في هذا الصحيح يقول الرسول – عليه الصلاة السلام –: «رحم الله لوطًا فقد كان يأوي إلى ركن شديد»، يعني الرب -جلّ وعلا-، وأي ركن أعظم وأشد من الله -جلّ وعلا- أن يؤوى إليه، والمخلوقون كلهم لا شيء بالنسبة لله -جل وعلا- كلهم بيده، يصرِّفهم كيف يشاء، لكنه نظر إلى السبب المادي من حوله من قومه وعشيرته، فوجد أنه لا يوجد عنده من يستطيع نصره.

"وَقِيلَ: بِنَفْسِهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: بِجَانِبِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} وَقَالَهُ الْمُؤَرِّجُ. قال الْجَوْهَرِيُّ: وَرُكْنُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ الْأَقْوَى".

 جانبه الأقوى الذي يتأثر بعدمه وخلله، كجانب البيت، ركن البيت، جانبه الأقوى بحيث لو انهدم هذا الركن سقط البيت، ومثله أركان العبادات، أركان المعاملات، أركان العقود، إذا فقد شيء منها تأثرت، تأثرت العبادة، بطلت العبادة، بطل العقد وهكذا.

"وَهُوَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ أَيْ عِزَّةٍ وَمَنَعَةٍ. الْقُشَيْرِيُّ: وَالرُّكْنُ جَانِبُ الْبَدَنِ. وَهَذَا عِبَارَةٌ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الشَّيْءِ.

 {وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} " أَوْ" بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوهُمَا جَمِيعًا؛ قَالَهُ الْمُؤَرِّجُ وَالْفَرَّاءُ، وَأَنْشَدَ بَيْتَ جَرِيرٍ:

أَثَعْلَبَةَ الْفَوَارِسِ أَوْ رِيَاحَا                   عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ وَالْخِشَابَا"

وأو تأتي بمعنى الواو، مما ذكر ابن مالك في ألفيته من معاني أو قال: وربما عاقبت الواو، يعني تأتي بمعناها.

"وَقَدْ تُوضَعُ "أَوْ" بِمَعْنَى الْوَاوِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}. وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيعُ هَذَا".

يعني مثنى أو ثلاث أو رباع، فلا يجوز أن تكون الواو على وجهها؛ لأن مثنى وثلاث ورباع يكون العدد تسعة.

"{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ} لِكُفْرِهِمْ وَتَوَلِّيهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ {فَنَبَذْنَاهُمْ} أَيْ: طَرَحْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ {وَهُوَ مُلِيمٌ} يَعْنِي فِرْعَوْنَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى مَا يُلَامُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي عَادٍ} أَيْ وَتَرَكْنَا فِي عَادٍ آيَةً لِمَنْ تَأَمَّلَ. إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ وَهِيَ الَّتِي لَا تُلْقِحُ سَحَابًا وَلَا شَجَرًا، وَلَا رَحْمَةَ فِيهَا وَلَا بَرَكَةَ وَلَا مَنْفَعَةَ، وَمِنْهُ امْرَأَةٌ عَقِيمٌ لَا تَحْمِلُ وَلَا تَلِدُ. ثُمَّ قِيلَ: هِيَ الْجَنُوبُ. رَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الرِّيحُ الْعَقِيمُ الْجَنُوبُ» وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هِيَ الدَّبُورُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ النَّكْبَاءُ. وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: مَسْكَنُهَا الْأَرْضُ الرَّابِعَةُ وَمَا فُتِحَ عَلَى عَادٍ مِنْهَا إِلَّا كَقَدْرِ مَنْخَرِ الثَّوْرِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: أَنَّهَا الصَّبَا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ".

 والريح الله -جلّ وعلا- يسخرها ويدبرها، ويجعلها نصرًا لقوم وعذابًا لقوم آخرين، إذا هبت الريح في زمن النبي –عليه الصلاة والسلام– أخذه ما يأخذه من فزع وخوف أن تكون مثل ريح هؤلاء الذين أهلكتهم، وتهب الرياح وتجلب معها الأتربة والغبار، ولا يرعوي أحد، ولا يمتثل أحد، ولا يعتبر أحد، والآن نحن في السنة الثانية من هذا الغبار وهذه الأتربة والرياح التي كدَّرت على الناس، وألحقت الأضرار بكثير من الناس، لاسيما الذين عندهم بعض الأمراض الصدرية، ومع ذلك ما تجد من ينبه إلى أن هذه الرياح قد تكون عقوبة من الله- جلّ وعلا-، ويخشى أن تزيد في يوم من الأيام فلا يُستطاع السيطرة عليها.

 مع الأسف أن نسمع في بعض وسائل الإعلام بعض الفلكيين وبعضهم يقول: يحتمل أن تستمر هذه الأتربة وهذا الغبار لمدة عشر سنين قادمة، والله المستعان، لماذا؟ ما الذي يؤمنهم أن يتطاولوا على مثل الغيب فيحددوا بالسنين؟ والله -جلّ وعلا- إذا أخذ أخذ عزيز مقتدر، وجميع الجهات تحدثت عما يحصل من الهزات الأرضية والزلازل، وإن كان أثرها ليس ببالغ إلى حد الآن، لكن يتحدثون عنها على أنها ظواهر طبيعية، وسببها ارتفاع في درجة الحرارة تحت الأرض، ومع ذلك لا بد لها من متنفس، هذا أمر طبيعي ما يؤثر في القلوب، ولا رابطة له ولا علاقة بالذنوب، ولا بغضب الرب -جلّ وعلا-، كلٌّ يتحدث على حسب ما يروق له ويعنّ له، والناس في غفلة عما يُراد بهم، والله المستعان.

 اهتزت المدينة في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال للناس: ماذا أحدثتم بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم-؟ هذا دليل أن الأمور مقترنة بأحداث وبإحداث من الناس، ولا يُرفَع مثل هذه الأمور التي نزلت بسبب الذنوب إلا التوبة الصالحة الصادقة، والرجوع بقوة وعزيمة وهمة إلى مراجعة الدين على الوجه المرضي الذي يرضي الله -جلّ وعلا-، ويتحدثون الآن وكأن الأمر عادي، والله المستعان.

طالب:.........

جاء عن بعض الصحابة أنه صلى صلاة الكسوف؛ من أجل الزلزلة، مع أنه حصل أيام عمر -رضي الله عنه- وما صلى، معناه أن المسألة توقيفية، ما نحتاج إلى صلاة، نحتاج إلى دعاء، ونحتاج إلى تضرع، نحتاج إلى رجوع صادق، نحتاج إلى خطوات عملية تعيد الناس إلى حظيرة التدين، أما مجرد الكلام فهذا لا ينفع. نعم قد يتنبه به بعض الناس، يستفيد منه بعض الناس، لكن الذي بيده الحل والعقد، والذي يستطيع أن يأطر الناس على الحق، هذا لا يستطيع أن يكتفي بمجرد الكلام، والله المستعان.

 طالب:.........

كيف؟

طالب: .........

سمعت أن المفتي وجه للقنوط، سمعتموه أم لا؟

طالب: .........

الله المستعان.

طالب:.........

أين؟

طالب: .........

نعم.

طالب: .........

هو الأصل أن يأتي بما ثبت عن الرسول – عليه الصلاة والسلام – لكن مثل ما ذكرنا أن المؤلف بضاعته في الحديث مزجاة، مع أنه أشار إلى الأحاديث المتقدمة.

طالب: .........

أولى ما يُفسَّر به القرآن القرآن، ثم ما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم-.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} أَيْ كَالشَّيْءِ الْهَشِيمِ، يُقَالُ لِلنَّبْتِ إِذَا يَبسَ وَتَفَتَّتَ: رَمِيمٌ وَهَشِيمٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَالشَّيْءِ الْهَالِكِ الْبَالِي، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

تَرَكْتَنِي حِينَ كَفَّ الدَّهْرُ مِنْ بَصَرِي           وَإِذْ بَقِيتُ كَعَظْمِ الرِّمَّةِ الْبَالِي

وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّهُ الَّذِي دِيسَ مِنْ يَابِسِ النَّبَاتِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالسُّدِّيُّ: كَالتُّرَابِ الْمَدْقُوقِ. قُطْرُبٌ: الرَّمِيمُ الرَّمَادُ. وَقَالَ يَمَانٌ: مَا رَمَتْهُ الْمَاشِيَةُ مِنَ الْكَلَإِ بِمِرَمَّتِهَا. وَيُقَالُ لِلشَّفَةِ الْمِرَمَّةُ وَالْمِقَمَّةُ بِالْكَسْرِ، وَالْمَرَمَّةِ بِالْفَتْحِ لُغَةٌ فِيهِ. وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ رَمَّ الْعَظْمُ إِذَا بَلِيَ، تَقُولُ مِنْهُ: رَمَّ الْعَظْمُ يَرِمُّ بِالْكَسْرِ رِمَّةً فَهُوَ رَمِيمٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَرَأَى عَوَاقِبَ خُلْفِ ذَاكَ مَذَمَّةً                  تَبْقَى عَلَيْهِ وَالْعِظَامُ رَمِيمُ

وَالرِّمَّةُ بِالْكَسْرِ الْعِظَامُ الْبَالِيَةُ، وَالْجَمْعُ رِمَمٌ وَرِمَامٌ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ".

 كل شيء مما يقبل التدمير، هذا عام أريد به الخصوص، ما يقبل التدمير وإلا فما دمرت السماوات ولا الأرض، إنما دمرت كل شيء أُمرت بتدميره.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي ثَمُودَ} أَيْ وَفِيهِمْ أَيْضًا عِبْرَةٌ وَآيَةٌ حِينَ قِيلَ لَهُمْ عِيشُوا مُتَمَتِّعِينَ بِالدُّنْيَا حَتَّى حِينٍ أَيْ إِلَى وَقْتِ الْهَلَاكِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا فِي هُودٍ، تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقِيلَ: مَعْنَى تَمَتَّعُوا أَيْ أَسْلِمُوا وَتَمَتَّعُوا إِلَى وَقْتِ فَرَاغِ آجَالِكُمْ.

{فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} أَيْ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ أَيِ: الْمَوْتُ. وَقِيلَ: هِيَ كُلُّ عَذَابٍ مُهْلِكٍ. قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ: كُلُّ صَاعِقَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الْعَذَابُ. وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْكِسَائِيُّ: " الصَّعْقَةُ " يُقَالُ: صَعِقَ الرَّجُلُ صَعْقَةً وَتَصْعَاقًا أَيْ غُشِيَ عَلَيْهِ. وَصَعَقَتْهُمُ السَّمَاءُ أَيْ أَلْقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّاعِقَةَ. وَالصَّاعِقَةُ أَيْضًا صَيْحَةُ الْعَذَابِ، وَقَدْ مَضَى فِي "الْبَقَرَةِ" وَغَيْرِها. وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا نَهَارًا.

{فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ} قِيلَ: مَعْنَاهُ مِنْ نُهُوضٍ. وَقِيلَ: مَا أَطَاقُوا أَنْ يَسْتَقِلُّوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَأَنْ يَتَحَمَّلُوهُ وَيَقُومُوا بِهِ وَيَدْفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، تَقُولُ: لَا أَقُومُ لِهَذَا الْأَمْرِ أَيْ لَا أُطِيقُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ ذَهَبَتْ أَجْسَامُهُمْ وَبَقِيَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي الْعَذَابِ. {وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} أَيْ مُمْتَنِعِينَ مِنَ الْعَذَابِ حِينَ أُهْلِكُوا، أَيْ مَا كَانَ لَهُمْ نَاصِرٌ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو: " {وَقَوْمِ نُوحٍ} " بِالْخَفْضِ، أَيْ: وَفِي قَوْمِ نُوحٍ آيَةٌ أَيْضًا. والْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: وَأَهْلَكْنَا قَوْمَ نُوحٍ، أَوْ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي أَخَذَتْهُمْ".

 يعني قراءة حمزة والكسائي وأبي عمرو على أن الواو عاطفة، والعطف على نية تكرار العامل فكأنه قال: وفي قوم نوح، وأما بالنسبة لقراءة البقية بالنصب فتضمر فعلاً مناسبًا للسياق، تسلِّطه على قول فينصبه، وعند المؤلف: أهلكنا قوم نوح.

"أَوِ الْهَاءِ فِي أَخَذْنَاهُ أَيْ {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ}، وَأَخَذَتْ قَوْمَ نُوحٍ، أَوْ {فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} وَنَبَذْنَا قَوْمَ نُوحٍ، أَوْ يَكُونُ بِمَعْنَى اذْكُرْ".

 لكن باعتبار أن العذاب مختلف من أمة إلى أمة، فلا بد من تقدير فعل مناسب لما حصل لهم من عذاب، ما تقول: نبذناهم ونبذنا قوم نوح، نبذناهم في اليم ونبذنا قوم نوح في ماذا؟ في الطوفان، هم قذفوا في الطوفان، الطوفان طغى عليهم ونزل عليهم، ما نُبذوا مثل ما نبذ من قبلهم ممن أغرق، فلا بد أن يكون فعلًا مناسبًا يخصهم، أو يكون منصوب بفعل يعم الجميع، مثل اذكر، اذكر هذا يصلح لأن يسلط على كل ما تقدم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} لَمَّا بَيَّنَ هَذِهِ الْآيَاتِ قَالَ: وَفِي السَّمَاءِ آيَاتٌ وَعِبَرٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّانِعَ قَادِرٌ عَلَى الْكَمَالِ، فَعَطَفَ أَمْرَ السَّمَاءِ عَلَى قِصَّةِ قَوْمِ نُوحٍ؛ لِأَنَّهُمَا آيَتَانِ. وَمَعْنَى بِأَيْدٍ أَيْ بِقُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ".

 وعلى هذا تكون الآية من آيات الصفات، وهذا قولك أكثر أهل العلم، مع أن صيغة اليدين ثابتة لله جل وعلا، على ما يليق بجلاله وعظمته بالنصوص القطعية وبأيد هنا بقوة، في مؤلفات الصفات يئولون اليد بالقوة، أو بالقدرة، أو بالنعمة في جميع المواضع، أنه إذا أمكن تأويل الجمع تأويل المفرد فإنه يستحيل تأويل المثنى بالنعمة أو بالقدرة أو بالقوة، كيف؟ بقدرتهم بنعمتهم بقوتهم، والنعم لا تعد ولا تحصى.

"{وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَقَادِرُونَ. وَقِيلَ: أَيْ وَإِنَّا لَذُو سَعَةٍ، وَبِخَلْقِهَا وَخَلْقِ غَيْرِهَا لَا يَضِيقُ عَلَيْنَا شَيْءٌ نُرِيدُهُ. وَقِيلَ: أَيْ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الرِّزْقَ عَلَى خَلْقِنَا. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. الْحَسَنُ:وَإِنَّا لَمُطِيقُونَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الرِّزْقَ بِالْمَطَرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَغْنَيْنَاكُمْ، دَلِيلُهُ: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ".

 أنا لموسعون لمغنون.

 "وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: ذُو سَعَةٍ عَلَى خَلْقِنَا. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَقِيلَ: جَعَلْنَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ سَعَةً. الْجَوْهَرِيُّ: وَأَوْسَعَ الرَّجُلُ أَيْ صَارَ ذَا سَعَةٍ وَغِنًى، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أَيْ أَغْنِيَاءُ قَادِرُونَ. فَشَمَلَ جَمِيعَ الْأَقْوَالِ. {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا أَيْ بَسَطْنَاهَا} كَالْفِرَاشِ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَمَدَدْنَاهَا. {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} أَيْ فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ نَحْنُ لَهُمْ. وَالْمَعْنَى فِي الْجَمْعِ التَّعْظِيمُ، مَهَّدْتُ الْفِرَاشَ مَهْدًا بَسَطْتُهُ وَوَطَّأْتُهُ، وَتَمْهِيدُ الْأُمُورِ تَسْوِيَتُهَا وَإِصْلَاحُهَا".

 وفي البخاري أن العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع وهذا في تفسير {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} من صحيح البخاري.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} أَيْ صِنْفَيْنِ وَنَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَيْ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَحُلْوًا وَحَامِضًا وَنَحْوَ ذَلِك. مُجَاهِدٌ. يَعْنِي الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالسَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَالنُّورَ وَالظَّلَامَ، وَالسَّهْلَ وَالْجَبَلَ، وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَالْبُكْرَةَ وَالْعَشِيَّ، وَكَالْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَلْوَانِ مِنَ الطُّعُومِ وَالْأَرَايِيحِ وَالْأَصْوَاتِ. أَيْ جَعَلْنَا هَذَا كَهَذَا دَلَالَةً عَلَى قُدْرَتِنَا، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَلْيَقْدِرْ عَلَى الْإِعَادَةِ. وَقِيلَ: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} لِتَعْلَمُوا أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ فَرْدٌ، فَلَا يُقَدَّرُ فِي صِفَتِهِ حَرَكَةٌ وَلَا سُكُونٌ، وَلَا ضِيَاءٌ وَلَا ظَلَامٌ، وَلَا قُعُودٌ وَلَا قِيَامٌ، وَلَا ابْتِدَاءٌ وَلَا انْتِهَاءٌ، إِذْ هُوَ عَزَّ وَجَلَّ وِتْرٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ".

 {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} يعني من كل شيء اثنين، من الجمادات وذوات الأرواح وغيرها؛ لأنه لا يصح ولا يستمر العيش في هذه الدنيا إلا بالتزاوج، ولا يبقى النوع إلا به. وقيل: من كل شيء خلقنا زوجين لتعلموا أن خالق الأزواج فرد، إن كان الإنسان لا يعيش الذكر بدون أنثى، والأنثى لا تعيش بدون ذكر فالله -جلّ وعلا- هو الواحد الأحد الفرد الصمد، فلا يقدر في صفته حركة ولا سكون هذا الكلام ليس بصحيح، فمن الصفات ما يدل على أنه ينزل في آخر كل ليلة، حديث متواتر، والله- جلّ وعلا- جاء في أوصافه أنه يجيء ويأتي، وقوله: أنه لا يقدر في صفته حركة ولا سكون هذا كلام لا يدل عليه أي دليل على نفيه ولا على إثباته، نعم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لكن لا نثبت ولا ننفي شيئًا إلا بنص.

 يعني كون الله -جلّ وعلا- في جهة العلو، عالٍ على خلقه، بائن منهم، مستوٍ على عرشه، ومع ذلك ينزل في كل ليلة، القدر الزائد على ذلك فيما يُبحث في كتب العقائد، أنه هل يخلو منه العرش، ويتخلى عن صفة الاستواء إذا تلبَّس بصفة النزول أو العكس؟ كل هذا لا داعٍ لبحثه؛ لأنه لا يوجد ما يدل عليه، فنؤمن بما سمعنا، سمعنا وأطعنا، ونعلم أن لهذه الصفات معاني، مع أننا نجهل الكيفيات؛ لأننا لم نوقف عليها، قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، وهذا غاية ما سمعنا.

 ولا ضياء ولا ظلام ولا قعود ولا قيام ولا ابتداء ولا انتهاء الذي هو... نعم الله -جلّ وعلا- هو الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء، هو الله -عز وجلّ- ليس كمثله شيء، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} حيث يُرَدّ على المشبهة، وعلى من يثبت لله ما لم يثبته لنفسه، وهو السميع البصير، نَرُدّ بها على المعطِّلة الذين ينفون ما أثبته الله لنفسه، أو يتؤولونه ويحرفونه على حسب أهوائهم وأمزجتهم من غير دليل.

"قوْلُهُ تَعَالَى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} لَمَّا تَقَدَّمَ مَا جَرَى مِنْ تَكْذِيبِ أُمَمِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَإِهْلَاكِهِمْ، لِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ، أَيْ قُلْ لِقَوْمِكَ: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أَيْ فِرُّوا مِنْ مَعَاصِيهِ إِلَى طَاعَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِرُّوا إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ. وَعَنْهُ: فِرُّوا مِنْهُ إِلَيْهِ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ".

 لا منجى للإنسان من الله إلا إليه فيفر إلى الله ومن قدر الله إلى قدره.

 "وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ اخْرُجُوا إِلَى مَكَّةَ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: احْتَرِزُوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ دُونَ اللَّهِ فَمَنْ فَرَّ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: فِرُّوا مِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: الشَّيْطَانُ دَاعٍ إِلَى الْبَاطِلِ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ يَمْنَعُكُمْ مِنْه".

 أي اعتصموا بكتابه وسنة نبيه – عليه الصلاة والسلام – يجرْكم ويمنعكم من هذا الشيطان الذي حرص على إذلالكم وأقسم على ذلك، فخيِّبوا ظنه بالكتاب والسنة.

 "وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ: فَفِرُّوا مِنَ الْجَهْلِ إِلَى الْعِلْمِ، وَمِنَ الْكُفْرِ إِلَى الشُّكْرِ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ: فِرُّوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ. وَقَالَ أَيْضًا: فِرُّوا إِلَى مَا سَبَقَ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ وَلَا تَعْتَمِدُوا عَلَى حَرَكَاتِكُمْ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: فِرُّوا مِمَّا سِوَى اللَّهِ إِلَى اللَّهِ. {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أَيْ أُنْذِرُكُمْ عِقَابَهُ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ".

طالب:........

نعم، هذا تخصيص من غير مخصص، قوله: فروا إلى الله أي اخرجوا إلى مكة تخصيص بغير مخصص وبلا دليل يدل عليه إلا أن الفرار إلى مكة بنية التعبد والمضاعفات، هذا مقصد شرعي، لكن كونه هو المقصود بالآية لا يعني ذلك.

"قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} أَمَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ هَذَا لِلنَّاسِ وَهُوَ النَّذِيرُ. وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْخَلْقِ، {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ} أَيْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَسُيُوفِهِ نَذِيرٌ أَيْ أُنْذِرُكُمْ بَأْسَهُ وَسَيْفَهُ إِنْ أَشْرَكْتُمْ بِي، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ."

إني لكم منه، إذا كان الخطاب لا تجعلوا مع الله إلهًا آخر، من النبي -عليه الصلاة والسلام- ينهى قومه عن الشرك، إني لكم منه أي من الله -جلّ وعلا- نذير، ينذركم بأسه، كما أنه بشير- عليه الصلاة والسلام- لمن أطاعه واتبعه واستجاب له، هو نذير أيضًا لمن خالفه، ينذرهم بأس الله وشدته وشدة سطوته.

"قَوْلُهُ تَعَالِى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} هَذَا تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَيْ كَمَا كَذَّبَكَ قَوْمُكَ وَقَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، كَذَّبَ مَنْ قَبْلَهُمْ وَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ. وَالْكَافُ مِنْ " كَذَلِكَ " يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَصْبًا عَلَى تَقْدِيرِ: أُنْذِرُكُمْ إِنْذَارًا كَإِنْذَارِ مَنْ تَقَدَّمَنِي مِنَ الرُّسُلِ الَّذِينَ أَنْذَرُوا قَوْمَهُمْ، أَوْ رَفْعًا عَلَى تَقْدِيرِ: الْأَمْرُ كَذَلِكَ، أَيْ كَالْأَوَّلِ. وَالْأَوَّلُ تَخْوِيفٌ لِمَنْ عَصَاهُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَالثَّانِي لِمَنْ أَشْرَكَ بِهِ مِنَ الْمُلْحِدِينَ. وَالتَّمَامُ عَلَى قَوْلِهِ: كَذَلِكَ عَنْ يَعْقُوبَ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ} أَيْ أَوْصَى أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ. وَتَوَاطَئُوا عَلَيْهِ ".

 تقدم مرارًا ما في هذا مما تواطأ عليه المفسرون من قولهم: هذا تسلية للنبي –عليه الصلاة والسلام-، وقلنا: هل النبي –عليه الصلاة والسلام–يسليه ما حصل للأنبياء من التكذيب، وما حصل لأقوامهم من الهلاك لمن كذَّب منهم، أو أن هذا جبلة طبيعية؟ يعني أن الإنسان إذا رأى من يشبهه فيما يحصل له أسهل عليه من أن يحل به الأمر بمفرده، لذلك نسمع من بعض العامة أن الموت مع الجماعة رحمة، هو موت، لكن إذا كانت المصيبة عامة هانت عليهم، وتسلوا بذلك.

 لا شك أن الإنسان عليه أن ينظر إلى من دونه، ممن أصيب بأكثر مما أصيب به وحصل له من الفاقة أشد مما حصل له، هذا أحرى أن يشكر نعمة الله عليه، لكن هل يتسلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بذكر القصص المتضمنة لتكذيب الأمم لرسلهم؟ هذا يذكره المفسرون، وأشرنا إليه في أكثر من مناسبة، يقولون: تسلية للنبي -عليه الصلاة والسلام- أي كما كذبك قومك وقالوا: ساحر مجنون كذب من قبلهم وقالوا مثل قولهم.

النبي -عليه الصلاة والسلام - حريص على هداية الناس من أمته ومن غيرهم، حريص على أن يؤجر إخوانه من الأنبياء والرسل بقدر ما يهدى من أمم على أيديهم، فسلوته بأن يطيع الناس الرب -جلّ وعلا-، وأن يمتثلوا أوامره، ويتبعوا رسله، وهنا قال: هذا تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، كذبك قومك كما كذبوا الأنبياء من قبلك، نعم الناس مجبولة على مثل هذا، فإذا كانت تسلم باعتبار الجبلة وقعت على هذا، وأما باعتبار النظر الشرعي فلا، مهما حصل لك لا تتمنى ولا تتسلى ولا تفرح بأن يُصاب غيرك بمثل ما حصل لك.

يعني على المسلم وقد جاء في الحديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» الأصل أن يحب النبي- عليه الصلاة والسلام- للأنبياء من قبله ما يحبه لنفسه، وأن نتبعه، وألا يخالفه أحد.

طالب:...............

نعم.

طالب: ..............

ارفع صوتك.

طالب: ..............

لقد أوذي موسى بأكثر من هذا وصبر، هذا الأذى كله نال موسى، {لا تكونوا كالذين آذوا موسى} حصل له الأذى، ونِيل منه، واتُّهم في بدنه، وحصلت براءته عيانًا، لما ذهب الحجر بثوبه. قالوا: إنه رجل آدر.

طالب: ..............

مسألة تسلى جبلة يتسلى، لكن هل يسره أن يُؤذى موسى؟ ما يسره.

طالب:......

 على كل حال جبلة كل إنسان يشعر بخفة المصيبة بقدر المصائب؛ يعني كون الناس كلهم أصابهم هذا الأمر أسهل من كونه يُصاب بمفرده، لكن لا يعني أنه لو أُصيب بمفرده أن يتمنى للناس أن يصابوا بمثله، مثل واحد لما دخل المسجد الحرام ورأى الكعبة رفع يديه، دكتور جامعي، يقول: اللهم اشفني من مرض كذا وإلا فأصب الناس به كلهم، نسأل الله العافية، هو مريض بمرض معين، يقول: تشفيني منه وإلا كل الناس يصيروا مثلي، مثل هذا الذي يتسلى حقيقة، بأن يُصاب الناس، لكن الأنبياء تسليتهم، بالطاعة بما يرضي الله -عز وجلّ-.

 " قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ} أَيْ أَوْصَى أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ. وَتَوَاطَئُوا عَلَيْهِ، وَالْأَلِفُ لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّعَجُّبِ".

 يعني الاستفهام للتوبيخ.

"{بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} أَيْ لَمْ يُوصِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، بَلْ جَمَعَهُمُ الطُّغْيَانُ، وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْكُفْرِ".

 يعني إضراب عن التواصي إلى بيان حقيقة الأمر والواقع الذي يجمعهم وهو الطغيان.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ عَنْهُمْ، فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ عِنْدَ اللَّهِ؛ لِأَنَّكَ أَدَّيْتَ مَا عَلَيْكَ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} وَقِيلَ: نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الضَّحَّاكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْعِظَةِ".

 يعني في مقابل التولي والإعراض عنهم.

 "وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ، أَيْ لَيْسَ يَلُومُكَ رَبُّكَ عَلَى تَقْصِيرٍ كَانَ مِنْكَ، وَذَكِّرْ أَيْ بِالْعِظَةِ فَإِنَّ الْعِظَةَ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ. قَتَادَةُ: وَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الذِّكْرَى بِهِ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ".

 كما تقدم في سورة ق {وَذَكّر بِالْقُرْآَنْ مَنْ يَخِافُ وَعيدْ}.

 "وَقِيلَ: ذَكِّرْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ وَأَيَّامِ اللَّهِ. وَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا".

وإن انتفع بها غيرهم ممن أراد الله له الهداية من غير المؤمنين ينتفع، لكن الأصل أن النفع للمؤمنين الذين يؤمنون به، ويقتنعون به، ويقرءونه ويسمعونه بقصد الانتفاع.

طالب:.......

 نعم.

طالب: ..............

هو منسوخ نسخًا كليًّا أو جزئيًّا، فإما أن يتولى عنهم في بعض الأوقات، ويقبل عليهم في بعضها بالموعظة، أو يكون مأمورًا بالإعراض عنهم والتولي مطلقًا، ثم نسخ.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} قِيلَ: إِنَّ هَذَا خَاصٌّ فِيمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَعْبُدُهُ".

 على كل حال هذا هو الهدف الشرعي من خلق الإنس والجن تحقيق العبودية، الإنس والجن خلقوا لتحقيق العبودية، مع الأسف أن كثيرًا ممن خُلق لهذا الهدف العظيم حياته أكثرها في اللهو وفيما يعود عليه بالضرر لا النفع، غافلاً عما خُلق من أجله، إما لدنيا فانية يرتكب من سبيلها الصعب والذلول والمباح والمكروه والمحظور، أو في أمور لا تكسبه لا في دنيا ولا في آخرة، وتجد الناس كلهم مشغولين، كلٌّ قال مشغول، وكل الناس غادٍ من يعتق نفسه، ومنهم من يوبقها، كلٌّ يسعون، لكن {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} وتجد الخمسة والعشرة من الناس، أو المجموعة يكدحون، الكثير من الناس يكدحون في أعمال متقاربة، تجد هذا يعيش مائة سنة وذاك يعيش مائة سنة، وذاك يعيش مائة سنة، في نفر يسير ممن يجاوز السبعين تجد أعمالهم متباينة، أعمالهم متباينة جدًّا، فهذا يسعى لإنقاذ نفسه وإعتاقها من نار الله، وهذا يسعى أن يوبقها ويقحمها النار، ولكن بطوعه واختياره، وكل الناس يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: من يأبى؟ قال: من أطاعني لأخرجنه ومن عصاني فقد أبى، والبيان حصل والحجة قامت، وليس لأحد حجة على الله- جلّ وعلا-.

"فَجَاءَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ وَمَعْنَاهُ الْخُصُوصُ. وَالْمَعْنَى: وَمَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ".

 هو باقٍ على عمومه، كل الإنس وكل الجن خلقوا لعبادة الله -جل وعلا- هذه إرادة شرعية من الله -جلّ وعلا-، لكن هل طابقتها الإرادة الكونية؟ ما يلزم مطابقة الإرادة الكونية، الله- جلّ وعلا- يريد شرعًا من الناس أن يعبدوه، لكن قد يريد كونًا وقدرًا بعض الناس ممن لا يعبدونه.

"قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالْآيَةُ دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ عَلَى الْقَطْعِ؛ لأن الْمَجَانِينَ وَالصِّبْيَانَ مَا أُمِرُوا بِالْعِبَادَةِ حَتَّى يُقَالَ: أَرَادَ مِنْهُمُ الْعِبَادَةَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} وَمَنْ خُلِقَ لِجَهَنَّمَ لَا يَكُونُ مِمَّنْ خُلِقَ لِلْعِبَادَةِ".

 نعم تخصيص المجانين والصبيان؛ لأنه لا يتجه إليهم الأمر ولا النهي؛ لأن القلم مرفوع عنهم تخصيصه متجه، مع أن دخولهم في النص لا يعني أنهم مكلفون بما كُلِّف به، الأصل دخولهم، ثم رفع عنهم القلم لما اعتراهم من مانع، أما غيرهم ممن خلق لجهنم فهذا مأمور بالعبادة، وخلق للعبادة، ورُكِّبت فيه حرية الاختيار والقدرة والمشيئة، لكنها قدرة ومشيئة وحرية تابعة لإرادة الله- جلّ وعلا-، فليس بمجبور وليس بمستقل في الإرادة والقدرة.

طالب:.......

نعم؟

طالب: ..............

ما فيه تفريق هنا.

"فَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا وَإِنَّمَا قَالَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}".

 إطلاق العموم وإرادة الخصوص جاءت فيه نصوص، لكن المراد هنا أن الطلب الإلهي بتحقيق العبودية هو للعموم، وباقٍ على عمومه، والكل مطالب بالعبادة.

 "ذَكَرَهُ الضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَالْقُتَبِيُّ. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". وَقَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَيْ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِآمُرَهُمْ بِالْعِبَادَةِ. وَاعْتَمَدَ الزَّجَّاجُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا}.

فَإِن قِيلَ: كَيْفَ كَفَرُوا وَقَدْ خَلَقَهُمْ لِلْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَالتَّذَلُّلِ لِأَمْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ؟ قِيلَ: قَدْ تَذَلَّلُوا لِقَضَائِهِ عَلَيْهِمْ؛ لأن قَضَاءَهُ جَارٍ عَلَيْهِمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا خَالَفَهُمْ مَنْ كَفَرَ فِي الْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ، فَأَمَّا التَّذَلُّلُ لِقَضَائِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنْهُ".

 يعني كل مخلوق فإنه معبَّد مذلَّل لخالقه شاء أم أبى، وواقع تحت قدرته ومشيئته وتصرُّفه شاء أم أبى.

 "وَقِيلَ: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أَيْ إِلَّا لِيُقِرُّوا لِي بِالْعِبَادَةِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَالْكَرْهُ مَا يُرَى فِيهِمْ مِنْ أَثَرِ الصَّنْعَةِ".

يعني لو أن هذا الكافر الذي خُلِق على هيئة معينة قد تكون في أجمل صورة، وقد تكون في أقبح صورة، هذا الكافر الذي خُلق في أجمل صورة لو أراد أن يغير من خلقه شيئًا خشية العين مثلاً هل يستطيع؟ وهذا الذي خلق في أقبح صورة هل يستطيع أن يغير من صورته التي كدره الناس من أجلها؟ خاضع ذليل معبد لخالقه لا يستطيع أن ينتزع بشيء إلا وقد قدره الله له.

 "مُجَاهِدٌ: إِلَّا لِيَعْرِفُونِي. الثَّعْلَبِيُّ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ لَمَا عُرِفَ وُجُودُهُ وَتَوْحِيدُهُ. وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} وَمَا أَشْبَهُ هَذَا مِنَ الْآيَاتِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: إِلَّا لِآمُرَهُمْ وَأَنْهَاهُمْ. زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُوَ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الشِّقْوَةِ وَالسَّعَادَةِ، فَخَلَقَ السُّعَدَاءَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لِلْعِبَادَةِ، وَخَلَقَ الْأَشْقِيَاءَ مِنْهُمْ لِلْمَعْصِيَةِ. وَعَنِ الْكَلْبِيِّ أَيْضًا: إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ. فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُوَحِّدُهُ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُوَحِّدُهُ فِي الشِّدَّةِ وَالْبَلَاءِ دُونَ النِّعْمَةِ وَالرَّخَاءِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الْآيَةَ".

إنما هذه طريقة المشركين الأوائل يشركون في الرخاء، ويخلصون في الشدة، وفي القاعدة الرابعة من القواعد الأربع من كلام الشيخ الإمام المجدد -رحمه الله-، قال في القاعدة الرابعة أن مشركي زماننا أعظم شركًا من الأولين؛ لأن الأولين شركهم في الرخاء دون الشدة، وشرك مشركي زماننا دائم في الرخاء والشدة، نسأل الله العافية، إذا حزبه أمر قال: يا علي، يا حسين، يا بدوي، يا كذا، يا عبد القادر، في أحلك الظروف وأشد الشدائد تجده يقول هذا الكلام، وهو يُدهس بين الأقدام أو تأكله النيران يقول: يا علي، أو يقول: يا بدوي أو يا جيلاني، والله المستعان.

"وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وَيُطِيعُونِ فَأُثِيبَ الْعَابِدَ وَأُعَاقِبَ الْجَاحِدَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِلَّا لِأَسْتَعْبِدَهُمْ. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، تَقُولُ: عَبْدٌ بَيِّنٌ الْعُبُودَةَ وَالْعُبُودِيَّةَ، وَأَصْلُ الْعُبُودِيَّةِ الْخُضُوعُ وَالذُّلُّ.  وَالتَّعْبِيدُ التَّذْلِيلُ، يُقَالُ: طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ. قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ:

وَظِيفًا وَظِيفًا فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّدٍ

وَالتَّعْبِيدُ الِاسْتِعْبَادُ وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَهُ عَبْدًا. وَكَذَلِكَ الِاعْتِبَادُ. وَالْعِبَادَةُ الطَّاعَةُ، وَالتَّعَبُّدُ التَّنَسُّكُ. فَمَعْنَى لِيَعْبُدُونِ لِيَذِلُّوا وَيَخْضَعُوا وَيَعْبُدُوا. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ "مِنْ" صِلَةٌ أَيْ رِزْقًا، بَلْ أَنَا الرَّزَّاقُ وَالْمُعْطِي".

 "من" صلة بحيث لو حذفت استقام المعنى، ولا يعني أنها لم تفد الكلام قوة؛ لأنها في سياق النفي تدل على تأكيد النفي، فلها من المعنى الزائد ما يجعلها تقوي هذا النفي، ما أريد منهم من رزق، ما في البيت من أحد، لكن لو حذفت استقام الكلام وفهم على وجهه، إلا أن القوة في نفي ما أراد نفيه تخف.

" وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ: أَيْ مَا أُرِيدُ أَنْ يَرْزُقُوا أَنْفُسَهُمْ وَلَا أَنْ يُطْعِمُوهَا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى مَا أُرِيدُ أَنْ يَرْزُقُوا عِبَادِيَ وَلَا أَنْ يُطْعِمُوهُمْ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ، وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَغَيْرُهُ" الرَّازِقُ".

ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ أَيِ: الشَّدِيدُ الْقَوِيُّ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالنَّخَعِيُّ " الْمَتِينِ " بِالْجَرِّ عَلَى النَّعْتِ لِلْقُوَّةِ. الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى النَّعْتِ لِ " الرَّزَّاقُ " أَوْ "ذُو" مِنْ قَوْلِهِ: {ذُو الْقُوَّةِ} أَوْ يَكُونُ خَبَرَ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ يَكُونُ نَعْتًا لِاسْمِ "إِنَّ" عَلَى الْمَوْضِعِ، أَوْ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كَانَ حَقُّهُ الْمَتِينَةُ فَذَكَرَهُ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِهَا إِلَى الشَّيْءِ الْمُبْرَمِ الْمُحْكَمِ الْفَتْلِ، يُقَالُ: حَبْلٌ مَتِينٌ. وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:

         لِكُلِّ دَهْرٍ قَدْ لَبِسْتُ أَثْوُبَا
 

        حَتَّى اكْتَسَى الرَّأْسُ قِنَاعًا أَشْيَبَا
 

    مِنْ رَيْطَةٍ وَالْيُمْنَةِ الْمُعَصَّبَا
 

 

فَذَكَرَ الْمُعَصَّبَ؛ لأن الْيُمْنَةَ صِنْفٌ مِنَ الثِّيَابِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ} أَيْ وَعْظٌ. وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ أَيِ: الصِّيَاحُ وَالصَّوْتُ".

المتينُ والمتينِ فالرفع بناءً على أنه نعت للمضاف، والجر بناءً على أنه نعت للمضاف إليه، وهذا إنما يدل له السياق ولم ترد به قاعدة، إذا تعقب الوصف متضايفين هذا يكون للمضاف والمضاف إليه، إنما يدل له السياق، مررت بغلام زيد الفاضل، الآن ما تدري هل هو وصف للغلام أو وصف لزيد، وكلاهما مجرور؟ وهذا الأمر أشكل، يعني لو تغير به لو جر خلاص كلاهما مجرور، أما عندنا فيتبين بالإعراب وإن كان لا يتبين بالإعراب بحركات حتى تضبط، فهذا أمره أسهل من مررت بغلام زيد الفاضل، أنك حتى لو ضبطته لا يتبين المراد، وأوضح منهما قوله- جلّ وعلا-: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}. { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ} الإعراب بحروف واضحة لم يحتج، ما فيه إشكال، لكن الإشكال إذا كان الإعراب بالحركات وأهمل، الوصف بالحركة يقع الإشكال، وأشكل منه إذا كان المضاف والمضاف إليه كلاهما مجرور، ما تدري مررت بغلام زيد الفاضل، ما تدري الفاضل هو زيد أم الغلام، اللهم إلا إذا عُرف بغير السياق، أو دلت القرائن على إرادة المضاف والمضاف إليه، هنا ذو القوة المتين نعت للمضاف إليه وهي قراءة الأكثر، والمتين نعت ل"ذو".

طالب:.......

نعم؟

طالب: ..............

بلى.

طالب: ..............

الدليل على الرفع، الدليل على رجحان الرفع أنه قال المتين وهو مذكر، فينبغي أن يكون نعتًا للمذكر، ولو أراد نعت القوة لقال: متينة، على ما أشار إليه المفسر.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} أَيْ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ أَيْ نَصِيبًا مِنَ الْعَذَابِ مِثْلَ نَصِيبِ الْكُفَّارِ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ يَوْمٌ ذَنُوبٌ أَيْ طَوِيلُ الشَّرِّ لَا يَنْقَضِي. وَأَصْلُ الذَّنُوبِ فِي اللُّغَةِ الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ، وَكَانُوا يَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيَقْسِمُونَ ذَلِكَ عَلَى الْأَنْصِبَاءِ فَقِيلَ لِلذَّنُوبِ: نَصِيبٌ، مِنْ هَذَا، قَالَ الرَّاجِزُ:

لَنَا ذَنُوبٌ وَلَكُمْ ذَنُوبٌ     فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلَنَا الْقَلِيبُ"

يعني في حال الاستقاء من البئر القليب، القسمة لنا دلو ولكم دلو، فإن أبيتم إلا أن يكون لكم أكثر ولنا أقل، فلنا القليب، ما لكم شيء.

"وَقَالَ عَلْقَمَةُ:

وَفِي كُلِّ يَوْمٍ قَدْ خَبَطْتَ بِنِعْمَةٍ                       فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ

وَقَالَ آخَرُ:

لَعَمْرُكَ وَالْمَنَايَا طَارِقَاتٌ                         لِكُلِّ بَنِي أَبٍ مِنْهَا ذَنُوبُ

الْجَوْهَرِيُّ: وَالذَّنُوبُ الْفَرَسُ الطَّوِيلُ الذَّنَبِ، وَالذَّنُوبُ النَّصِيبُ، وَالذَّنُوبُ لَحْمٌ أَسْفَلَ الْمَتْنِ، وَالذَّنُوبُ الدَّلْوُ الْمَلْأَى مَاءً. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فِيهَا مَاءٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمِلْءِ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ، وَلَا يُقَالُ لَهَا وَهِيَ فَارِغَةٌ ذَنُوبٌ، وَالْجَمْعُ فِي أَدْنَى الْعَدَدِ أَذْنِبَةٌ وَالْكَثِيرِ ذَنَائِبٌ، مِثْلُ قَلُوصٌ وَقَلَائِصُ. فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ أَيْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ نُزُولَ الْعَذَابِ بِهِمْ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَنَزَلَ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مَا حَقَّقَ بِهِ وَعْدَهُ وَعَجَّلَ بِهِمُ انْتِقَامَهُ، ثُمَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ الْعَذَابُ الدَّائِمُ، وَالْخِزْيُ الْقَائِمُ، الَّذِي لَا انْقِطَاعَ لَهُ وَلَا نَفَادَ، وَلَا غَايَةَ وَلَا آبَادَ".

 الحمد لله، اللهم لك الحمد.

 اللهم صل على عبدك ورسولك.

تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ " الذَّارِيَاتِ " وَالْحَمْدُ لِلَّه.