التعليق على تفسير القرطبي - سورة محمد (01)

السلام عليكم ورجمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى –:

سُورَةُ الْقِتَالِ، وَهِيَ سُورَةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ إِلَّا ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ فَإِنَّهُمَا قَالَا: إِلَّا آيَةً مِنْهَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الْبَيْتِ وَهُوَ يَبْكِي حُزْنًا عَلَيْهِ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ} [محمد: 13]. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَحَكَاهُ ابْنُ هِبَةِ الله عن الضحاك وسعيد ابن جُبَيْرٍ. وَهِيَ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ آيَةً. وَقِيلَ: ثَمَانٍ.

قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ كَفَرُوا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَصَدُّوا أَنْفُسَهُمْ وَالْمُؤْمِنِينَ عَنْ دِينِ اللَّهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، بِنَهْيِهِمْ عَنِ الدُّخُولِ فِيهِ، وَقَالَهُ السُّدِّيُّ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} عَنْ بَيْتِ اللَّهِ بِمَنْعِ قَاصِدِيهِ. وَمَعْنَى " أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ" أَبْطَلَ كَيْدَهُمْ وَمَكْرَهُمْ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَجَعَلَ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِمْ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: أَبْطَلَ مَا عَمِلُوهُ فِي كُفْرِهِمْ بِمَا كَانُوا يُسَمُّونَهُ مَكَارِمَ، مِنْ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَفَكِّ الْأُسَارَى وَقِرَى الْأَضْيَافِ وَحِفْظِ الْجِوَارِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْمُطْعِمِينَ بِبَدْرٍ، وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رجلا: أبو جهل، والحارث ابن هِشَامٍ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَأُبَيٌّ وَأُمَيَّةُ ابْنَا خَلَفٍ، وَمُنَبِّهٌ وَنُبَيْهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَأَبُو الْبُخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

 فيقول الله جل وعلا في مطلع السورة: {الذين كفروا} الأصل أنهم كفار مكة الذين بعث فيهم النبي عليه الصلاة والسلام-، وفي حكمهم من يشاركهم في الكفر في الوصف، وصدوا عن سبيل الله يعني عن دينه، والدخول فيه من أراد أن يدخل في الدين منعوه، وحالوا دونه، {أضل أعمالهم} يعني ضيعها من الضياع، وهو الضلال،  كما نقول: أضل الطريق يعني تاه عنه، وضاع، فحبطت أعمالهم، لهم أعمال في ظاهرها خير، فيه نفع متعدٍّ للناس من كرم وشجاعة وإطعام وفك أثير وما أشبه ذلك، لكنه لا تنفع؛ لأن شرط القبول مفقود وهو الإيمان، نعم قد يجزون عليها في الدنيا، فينالهم شيء مما يسرهم في الدنيا، لكن في الآخرة؛ لأنهم كفروا فأحبط أعمالهم نسأل الله السلامة والعافية-، { وما منعهم أن تقبل منهم صدقاتهم إلا أنهم كفروا}، هذا الكفر نسأل الله العافية- هو الذي يمنع من قبول الأعمال كلها سواء كان كفرًا أصليًّا، أو الكفر بارتكاب مكفر ولو ادعى صاحبه الإسلام نسأل الله السلامة-.

طالب: هذه السورة.....منسوخة....

ماذا فيها؟

طالب: .....

يعني ينظر في آخر آية من السورة السابقة التي هي: {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون}، وهنا {الذين كفروا} على كل حال المناسبات بين السور موجودة عند أهل العلم، ويبحثونها كثيرًا، ومن أظهر ما يظهر بين سورة الفيل وقريش قالوا: إن السورة الثانية علة لما حصل في السورة الأولى، والمناسبات موجودة، لكن الكثير منها فيه شيء من التعسف والتمحل.

طالب: قوله .....هل نزل بعد حجة الوداع حينما خرج ..... مكة .....

هذه الآية مستثناة من كون السورة مدنية.

طالب: أول ما نزل بعد حجة الوداع...........

ينظر إلى البيت.

طالب: .........

نعم، لكن ينظر إلى البيت ... يريد المقام، والمكث فيه، لكنه لا يجوز له ذلك، ما له علاقة هنا. لكن الاستثناء أيضًا هل هو متصل أو منقطع؟ هل المستثنى من جنس المستثنى منه؟

طالب: .......

مدنية إلا آية نزلت بعد حجة الوداع، ما معنى هذا الاستثناء؟

طالب: .......

يعني على تعريف المكي والمدني، وأن المدني ما نزل بعد الهجرة ولو نزل بمكة فلا تحتاج إلى استثناء، مدنية إلا آية نزلت بعد حجة الوداع، هذه لا تحتاج إلى استثناء على الاصطلاح المشهور المعتمد عند عامة أهل العلم، نعم الذين يقولون: المكي ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة يمكن الاستثناء.

طالب: .......

على كل حال هي مدنية على الاصطلاح المعتبر.

طالب: .....

الآية على الاصطلاح المعتمد عند أهل العلم في المدني، وأنه ما نزل بعد الهجرة، وهذا هو المقصود من معرفة المكي والمدني معرفة المتقدم من المتأخر.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: هُمُ الْأَنْصَارُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّهَا نَزَلَتْ خَاصَّةً فِي نَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ. وَقِيلَ: هُمَا عامتان فيمن كفر وَآمَنَ."

وهذا ما يقتضيه لفظ العموم المستفاد من الموصول؛ لأن الموصول من ألفاظ العموم.

" وَمَعْنَى {أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} أَبْطَلَهَا. وَقِيلَ: أَضَلَّهُمْ عَنِ الْهُدَى بِمَا صَرَفَهُمْ عَنْهُ مِنَ التَّوْفِيقِ، {وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} مَنْ قَالَ: إِنَّهُمُ الْأَنْصَارُ فَهِيَ الْمُوَاسَاةُ فِي مَسَاكِنِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ فَهِيَ الْهِجْرَةُ. وَمَنْ قَالَ بِالْعُمُومِ فَالصَّالِحَاتُ جَمِيعُ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى.

 {وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّد} لَمْ يُخَالِفُوهُ في شيء، قَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَقِيلَ: صَدَّقُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا جَاءَ بِهِ، {وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} يُرِيدُ أَنَّ إِيمَانَهُمْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ. وَقِيلَ: أَيْ إِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، نَسَخَ بِهِ مَا قَبْلَهُ، {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ} أَيْ مَا مَضَى مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ قَبْلَ الْإِيمَانِ."

نسخ به ما قبله من الكتب، القرآن نسخ به ما قبله من الكتب.

"{وَأَصْلَحَ بالَهُمْ} أَيْ شَأْنَهُمْ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: حَالُهُمْ. ابْنُ عَبَّاسٍ: أُمُورُهُمْ. وَالثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ، وَهِيَ متأوله عَلَى إِصْلَاحِ مَا تَعَلَّقَ بِدُنْيَاهُمْ. وَحَكَى النَّقَّاش."

والبال هو الحال والشأن كما ذكر المؤلف، والأمر، ومنه: كل أمر ذي بال يعني شأن، والمراد به ليس أي حال وأي شأن، وإنما ما يهتم به.

 {وأصلح بالهم} البال مفرد مضاف، فهو يعم جميع الأحوال، وجميع الشئون، وجميع الأمور، هذا مقتضى اللفظ، لكن ما جاء في الخبر: «كل أمر ذي بال»، يعني شأن يهتم به شرعًا لا كل بال، وكل شأن، فهل الصلاح والإصلاح هنا خاص بما يهتم به، أو عام في جميع الأمور والشئون؟

طالب: ......

نعم

طالب:....

خاص؟

طالب: .......

يعني الأصل مفرد مضاف، يعني يشمل جميع الأمور والأحوال والشئون، لكن خبر «كل أمر ذي بال» وأنت إذا وجدت شيئًا من أنواع اللقطة يعني شيئًا له بال وشيئًا لا بال له، يعني له شأن يهتم به، وهناك أشياء ليس لها شأن يهتم به، فهل نقول: إن البال ما يهتم به من الشئون والأمور والأحوال، أو نقول: هو الشأن المطلق سواء كان يهتم به أو لا يهتم به، صغيرًا كان أو كبيرًا، كما يقتضيه لفظ بالهم؟

 يعني العدول عن اللفظ عن الحال والأمر والشأن إلى البال، يعني تمام الامتنان، تمام الامتنان بإصلاح البال يقتضي العموم، سواء كان مما يهتم به أو لا يهتم به؛ إنما يمتن بما يشمل جميع ما يحتاج إليه من الأمور ومن الشئون ومن الأحوال سواء كانت صغيرة أو كبيرة بهذا يتم الامتنان من اللهجل وعلا-، وأصل الإغلاق إنما يتناول ما له شأن يهتم به، لكن هنا في هذا السياق الامتنان يقتضي العموم.

طالب :..

لا، لا التأكيد لا يحتاج، يدل على أن الشأن لا يلزم أن يكون في الجميع حتى أُكِّد.

طالب: ........

نعم، من هذا النوع، الدعوة من المسلم لأخيه أن يصلح الله باله، فيدخل في هذه الآية.

"وَحَكَى النَّقَّاش أن المعنى: أصلح نياتهم، ومنه قول الشاعر:"

 يعني دخول إصلاح النيات دخول أولي؛ لأنها أهم ما يهتم به؛ لأنها مصححة للأعمال.

" ومنه قول الشاعر:

فَإِنْ تُقْبِلِي بِالْوُدِّ أُقْبِلْ بِمِثْلِهِ ... وَإِنْ تُدْبِرِي أَذْهَبْ إِلَى حَالٍ بَالِيًا

وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّأَوُّلِ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاحِ دِينِهِمْ." وَالْبَالُ" كَالْمَصْدَرِ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ فِعْلٌ، وَلَا تَجْمَعُهُ الْعَرَبُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ فَيَقُولُونَ فِيهِ: بَالَاتٌ. قال الْمُبَرِّدُ: قَدْ يَكُونُ الْبَالُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِمَعْنَى الْقَلْبِ، يُقَالُ: مَا يَخْطِرُ فُلَانٌ عَلَى بَالِي، أَيْ عَلَى قَلْبِي. قال الْجَوْهَرِيُّ: وَالْبَالُ رَخَاءُ النَّفْسِ، يُقَالُ: فُلَانٌ رَخِيُّ الْبَالِ. وَالْبَالُ: الْحَالُ، يُقَالُ: مَا بَالُكَ؟ وَقَوْلُهُمْ: لَيْسَ هَذَا مِنْ بَالِي، أَيْ مِمَّا أُبَالِيهِ."

يعني ألتفت إليه، ليس هذا من بالي أباليه يعني لا ألتفت إليه.

 "وَالْبَالُ: الْحُوتُ الْعَظِيمُ مِنْ حِيتَانِ الْبَحْرِ، وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ. وَالْبَالَةُ: وِعَاءُ الطيب، فارسي معرب، وأصله بالفارسية پيلة. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

كَأَنَّ عَلَيْهَا بَالَةً لَطَمِيَّةً ... لها من خلال الدأيتين أريج "

هذا من جيميته المشهورة: 

 شربنا بماء البحر ثم ترفعت     متى لجج لهن نئيج

ومنها هذا البيت.

طالب: .....

مشروحة بديوان الهذيلين، وكثير من دواوين العرب من يهتم بنفيس الشعر يذكر هذه القصيدة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} ذَلِكَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَيِ الْأَمْرُ ذَلِكَ، أَوْ ذَلِكَ الْإِضْلَالُ وَالْهُدَى الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُمَا سَبَبُهُ هَذَا. فَالْكَافِرُ اتَّبَعَ الْبَاطِلَ، وَالْمُؤْمِنُ اتَّبَعَ الْحَقَّ."

قد يقول القائل: لماذا يعامل الله جل وعلا المؤمنين بهذه المعاملة، ويعامل الكفار بهذه المعاملة؟ لماذا؟ وكلٌّ خلقه، التعليل والسبب ذلك بأن الذين كفرا اتبعوا الباطل، الله جل وعلا جعل فيهم من الحرية والاختيار والنظر وبيَّن لهم وهداهم السبيل، ومع ذلك اتبعوا الباطل والفريق الثاني، اتبعوا الحق، نعم.

" وَالْبَاطِلُ: الشِّرْكُ. وَالْحَقُّ: التَّوْحِيدُ وَالْإِيمَانُ، {كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ} أَيْ كَهَذَا الْبَيَانِ الَّذِي بُيِّنَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْرَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ. وَالضَّمِيرُ فِي " أَمْثالَهُمْ" يَرْجِعُ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا وَالَّذِينَ آمَنُوا.

قوله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ}.

 فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ} لَمَّا مَيَّزَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَمَرَ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكُفَّارُ الْمُشْرِكُونَ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ. وَقِيلَ: كُلُّ مَنْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ مِنْ مُشْرِكٍ أَوْ كِتَابِيٍّ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ عَهْدٍ وَلَا ذِمَّةٍ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعُمُومِ الْآيَةِ فِيهِ".

نعم، هل يدخل الكتابي في لفظ الكافر أو يقال: إنه لا يدخل، إنما هو كتابي يهودي نصراني كافر بلا شك، لكن هل يدخل في المشرك أو يقال: فيه شرك، فإذا لقيتم الذين كفروا داخل في الكفر قول واحد، وهم كفار بالإجماع، لكن هل يقال: هم مشركون أو يقال: هم ككفار، لكن فيهم شرك، فبعض النصوص التي تتناول المشركين لا تتناولهم في المعاملة الدنيا، أما في الآخرة فهم سواء نكاح المشركات، {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}، هل نحتاج إلى مخصص يخصص اليهودية والنصرانية من هذا النص أو نقول: لا ينطبق عليهم هذا اللفظ، بل فيهم شرك، كما يوجد شرك في بعض من ينتسب إلى الدين؟ توجد الجاهلية في بعض من ينتسب إلى الدين، «إنك امرؤ فيك جاهلية» فلان فيه نفاق، وإن لم يكن منافقًا أو يقال: هم مشركون، وأشركوا، شركهم ظاهر، وشرك اليهود بالعزير معروف، والنصارى بالمسيح وأمه منصوص عليه بمنطوق الكتاب.

 فهو قال هنا: الكفار مشركون عبدة الأوثان، قاله ابن عباس، وقيل: كل من خالف دين الإسلام مشرك أو كتابي إذا لم يكن له عهد ولا ذمة، يعني يدخل في الأمر، يعني فضرب الرقاب يعني اضربوهم، اضربوا رقابهم مصدر نائب مناب فعله الذي هو الأمر.

 على كل حال أهل الكتاب ممن يقاتل، لكنه قبل القتال هم وغيرهم يدعون إلى الإسلام، يدعون إلى الإسلام، إن استجابوا وإلا عرضت عليهم الجزية على خلاف بين أهل العلم هل يعرض على غير الكتابي والمجوسي أو لا يعرض، ثم بعد ذلك إن امتنعوا قوتلوا، ويستوي في ذلك اليهودي والنصراني والمشرك والمجوسي والبوذي وغيرهم.

"{فَضَرْبَ الرِّقابِ} مَصْدَرٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ أَيْ فَاضْرِبُوا الرِّقَابَ ضَرْبًا. وَخَصَّ الرِّقَابَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ بِهَا. وَقِيلَ: نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ كَقَوْلِكَ يَا نَفْسُ صَبْرًا. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ اقْصِدُوا ضَرْبَ الرِّقَابِ.

وَقَالَ: {فَضَرْبَ الرِّقابِ} وَلَمْ يَقُلْ: فَاقْتُلُوهُمْ؛ لِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ بِضَرْبِ الرِّقَابِ مِنَ الْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ مَا لَيْسَ فِي لَفْظِ الْقَتْلِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَصْوِيرِ الْقَتْلِ بِأَشْنَعِ صُوَرِهِ، وَهُوَ حَزُّ الْعُنُقِ وَإِطَارَةِ الْعُضْوِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ الْبَدَنِ وَعُلُوُّهُ وَأَوْجَهُ أَعْضَائِهِ."

نعم، هكذا المطلوب إذا امتنع الكافر من مشرك ويهودي ونصراني ومجوسي وغير ذلك، إذا امتنعوا من الدخول في الإسلام وبذل الجزية على الخلاف المعروف بين أهل العلم فإنهم بصدد أن يبتلوا بضرب الرقاب، اضربوا رقابهم بهذه الطريقة كما قال المؤلف: التنصيص على الرقاب دون غيرها، الغالب أن القتل يكون بإزالة الرأس وموضعه الرقبة.

 وأيضًا من اللفظ يستفاد أنه لا يجوز أن تدخل الرحمة في مثل هذا قاتل الكفار والمنافقين، وأغلظ عليهم، وليجدوا فيكم غلظة، هذا لا يعني أن الإسلام ليس بدين الرحمة، والنبي-عليه الصلاة والسلام- بعث رحمة للعاملين هذا ما فيه تناقض، بعث ليخرجهم من الظلمات إلى النور، يخرجهم من العذاب إلى النعيم، لكن الذي لا يرضى، الذي يأبى هذه الدعوة هذه المعاملة هي اللائقة به.

طالب: السلام عليك، يقال: بوجوب دعوة من........

نعم، إذا كانت ممن بلغتهم الدعوة فلا يلزم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أغار على بني المصطلق وهم غارون، يعني غافلون، أغار عليهم وهم غارون، فلم يدعوهم، بل أغار عليهم بدون دعوة؛ لأنهم بلغتهم الدعوة، وأرسل إليهم من يدعوهم، وأما غيرهم ممن لم تبلغهم الدعوة فلابد من دعوته لابد من أن يدعى إلى إحدى ثلاث خصال.

طالب: شيخ بعض الدعوات يقول......النصارى......يقولون: إن النصارى يستفيدون من الآية أقرب مودة .... كيف....

نعم، لكنهم مع ذلك كفار، وقاتلهم الصحابة، قاتلهم النبي-عليه الصلاة والسلام- ذهب لقتالهم في تبوك، الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وهم نصارى، ثم بعد ذلك تابع الصحابة رضوان الله عليهم-قتالهم حتى أدخلوهم الإسلام، هذا الكلام ليس له حظ من النظر، لكن الواقع الذي نعيشه قد يفرض على بعض الناس أن يجعل بعض الناس يتعاطف مع قوم دون قوم.

طالب :....

الوفود التي يمكن أن تناقش ويبحث معها، ويتفاوض معها يبين لهم، ثم يبينون لأقوامهم إن دخلوا في الإسلام فبها ونعمت وإلا يقاتلوا.

طالب:...........يكون حسابه....

أما من قتل فهذا نصيبه إذا ما دخل في الإسلام؛ لوجود مانع سواء كان من البشر أو غيرها، هذا ما كتبه الله عليه.

طالب: السلام عليكم هل وجود .... الأمر مباشر فاضربوا الرقاب....

المصدر أبلغ.

طالب: ..........

كيف؟

طالب:....

هذا أبلغ المصدر كما يقال: زيدٌ عدلٌ كأنه صار هو العدالة بكاملها، التعبير بالمصدر أبلغ من غيره من المشتقات.

طالب :.......

كأنه صار هو المطلوب باللفظ كله كأن اللفظ ساواه من كل شيء.

طالب: يا شيخ فضرب الرقاب هل يؤخذ كل ..........

المقصود أن الرقبة تطلق ويراد بها ما تحت الرأس إلى المنكبين سواء كان من الأمام أو الخلف من أي وجه، من أي جهة.

" الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ} أَيْ أَكْثَرْتُمُ الْقَتْلَ. وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْفَالِ" عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67]."

يعني يكثر من القتل حتى يستتب الأمن ويذعن الخصم بمعنى أنه لا يخشى شره في المستقبل.

{فَشُدُّوا الْوَثاقَ}.

 يعني إذا أمن شرهم في المستقبل لكرة القتل فيهم فإنهم حينئذ يُأسرون شد الوثاق في الأسر، ثم بعد ذلك التخيير للقائد المسلمين وإمامهم فيما تقتضيه المصلحة.

"{فَشُدُّوا الْوَثاقَ} أَيْ إِذَا أَسَرْتُمُوهُمْ. وَالْوَثَاقُ اسْمٌ مِنَ الْإِيثَاقِ، وَقَدْ يَكُونُ مَصْدَرًا."

المصدر من أوثق يوثق إيثاقًا، والوثاق اسم مصدر، {والله أنبتكم من الأرض نباتًا} هذا اسم مصدر والمصدر الإنبات، وهنا الوثاق اسم مصدر، والمصدر الإيثاق.

" يُقَالُ: أَوْثَقْتُهُ إِيثَاقًا وَوَثَاقًا. وَأَمَّا الْوِثَاقُ (بِالْكَسْرِ) فَهُوَ اسْمُ الشَّيْءِ الَّذِي يُوثَقُ بِهِ كَالرِّبَاطِ، قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَأَوْثَقَهُ فِي الْوَثَاقِ أَيْ شَدَّهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَشُدُّوا الْوَثاقَ}. وَالْوِثَاقُ (بِكَسْرِ الْوَاوِ) لُغَةٌ فِيهِ. وَإِنَّمَا أَمَرَ بِشَدِّ الْوَثَاقَ؛ لِئَلَّا يَفْلِتُوا. {فَإِمَّا مَنًّا} عَلَيْهِمْ بِالْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ فدية {وَإِمَّا فِداءً}."

هذا أحد الخيارات، فإما أن تمنوا عليهم منًّا، هذا خيار، ويكون الاختيار إذا وقع التخيير فنص من النصوص، فإن المخير لا يختار بحسب مصلحته وهواه ومزاجه، إنما يختار بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة للأمة، فإذا خير شيء بنص فإنه لا يكون مرد هذا التخيير إلى مصلحته إذا لم يتعلق به شخصيًّا «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، إن رأيتن ذلك»، يعني رأيتن المصلحة تقتضي ذلك، وليس مرد ذلك إلى مجرد الرأي والتشهي والمزاج لا إذا اقتضت المصلحة ذلك فزيدوا عن ثلاث، وليكن على وتر إما خمس وإما سبع.

"ولم يذكر القتل ها هنا اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْقَتْلِ فِي صَدْرِ الكلام".

نعم، لأن القتل هو الأصل، وقد صُدّر به الكلام، والحربي حكمه القتل، هذا هو الأصل، لكن إذا أُثخن في قتل الكفار وأُكثر منه وأُمن مع ذلك شرهم أن تقوم لهم قائمة، ثم بعد ذلك يكون الوجه الثاني وهو ما تقتضيه المصلحة من المن الذي يكون سببًا في هداية من يُمن عليه، وهداية من يَقرُب منه لا شك أن هذا فيه مصلحة، وإما فداءً يعني يكون الناس بحاجة، المسلمون بحاجة إلى الفداء من مال أو فك أسير عند الكفار، وقد يكون الفداء تعليم منفعة كما في فداء أسرى بدر من تعليم المسلمين القراءة والكتابة وما أشبه ذلك.

"و" مَنًّا" و" فِداءً" نصب بإضمار فعل. وقرئ: " فَدًى" بِالْقَصْرِ مَعَ فَتْحِ الْفَاءِ، أَيْ فَإِمَّا أَنْ تَمُنُّوا عَلَيْهِمْ مَنًّا، وَإِمَّا أَنْ تُفَادُوهُمْ فِدَاءً. رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ الْحَجَّاجِ حِينَ أُتِيَ بِالْأَسْرَى مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَشْعَثِ، وَهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَثَمَانمِائَةٍ فَقُتِلَ مِنْهُمْ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ حَتَّى قُدِّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ فَقَالَ: يَا حَجَّاجُ، لَا جَازَاكَ اللَّهُ عَنِ السُّنَّةِ وَالْكَرَمِ خَيْرًا! قَالَ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً} فِي حَقِّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَاللَّهِ! مَا مَنَنْتَ وَلَا فَدَيْتَ؟ وَقَدْ قَالَ شَاعِرُكُمْ فِيمَا وَصَفَ بِهِ قَوْمَهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ:

وَلَا نَقْتُلُ الْأَسْرَى وَلَكِنْ نَفُكُّهُمْ ... إِذَا أَثْقَلَ الْأَعْنَاقَ حِمْلُ الْمَغَارِمِ

فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أُفٌّ لِهَذِهِ الْجِيَفِ! أَمَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ!؟ خَلُّوا سَبِيلَ مَنْ بَقِيَ. فَخُلِّيَ يَوْمئِذٍ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَسْرَى، وَهُمْ زُهَاءُ أَلْفَيْنِ، بِقَوْلِ ذَلِكَ الرجل.

الثَّالِثَةُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلِ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَهِيَ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَادُوا وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِمْ. وَالنَّاسِخُ لَهَا عِنْدَهُمْ قَوْلُهُ تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، وَقَوْلُهُ: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57]، وقوله: {وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] الآية، قاله قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ. وَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَوْزِيُّ".

الجوزي أم الجزري؟

طالب :.... الجوزي

عندي الجوزي لكن، ما الذي معك؟

طالب:....

 التركي، طبعة التركي.

طالب: الجزري.

كيف؟

طالب: الجزري.

هذا الظاهر الجزري ما فيه عبد الكريم الجوزي ما فيه

طالب: الجزري.

هذا الذي يظهر، ما ترجمته يا أبا عبد الله؟

طالب: عبد الكريم.

نعم.

طالب: الجوزي.

هذا الأول، الأول، الثاني على التاب آخره..

 

طالب: عبد الكريم المكي الجزري الشهير ... أمية..........

أبو أمية ذكر.

طالب: الغالب...

ما هو الجزري المخالف، يكفي، المقصد أنه الأول.

"وَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَوْزِيُّ: كُتِبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِي أَسِيرٍ أُسِرَ، فَذَكَرُوا أَنَّهُمُ الْتَمَسُوهُ بِفِدَاءِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: اقْتُلُوهُ، لَقَتْلُ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا.

الثَّانِي: أَنَّهَا فِي الْكُفَّارِ جَمِيعًا. وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ النَّظَرِ، مِنْهُمْ قتادة ومجاهد. قالوا: إذ أُسِرَ الْمُشْرِكُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ، وَلَا أَنْ يُفَادَى بِهِ فَيُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَادَى عِنْدَهُمْ إِلَّا بِالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ. وَالنَّاسِخُ لَهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، إِذْ كَانَتْ بَرَاءَةٌ آخِر مَا نَزَلَتْ بِالتَّوْقِيفِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَل كُلُّ مُشْرِكٍ إِلَّا مَنْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى تَرْكِهِ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، خِيفَةَ أَنْ يَعُودُوا حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ. ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً} قَالَ: نَسَخَهَا، " فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نسخها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. وهو قول الحكم.

الثالث: أنها ناسخة، قاله الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ. رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضحاك {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] قَالَ: نَسَخَهَ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً}، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: "فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً" فَلَا يُقْتَلُ الْمُشْرِكُ، وَلَكِنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ وَيُفَادَى، كَمَا قال الله- عز وجل-".

هذا أيضًا بعد الإثخان، وهذا إنما يكون بعد الإثخان، كما دلت عليه الآيات السابقة؛ لأن قبله فلا يقتل مشرك، ولكن يمن عليه ويفادى قد يفهم من هذا أنه مطلق حتى على هذا القول إنما يكون المن والفداء بعد الإثخان.

" قال أَشْعَثُ: كَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ أَنْ يُقْتَلَ الْأَسِيرُ، وَيَتْلُو {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً}، وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَضَرْبُ الرِّقَابِ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا. ثُمَّ قَالَ: {حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ}، وَزُعِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ إِذَا حَصَلَ الْأَسِيرُ فِي يَدَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، لَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي ثَلَاثَةِ مَنَازِلَ: إِمَّا أَنْ يَمُنَّ، أَوْ يُفَادِيَ، أَوْ يَسْتَرِقَّ.

الرَّابِعِ: قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَا يَكُونُ فِدَاءٌ وَلَا أَسْرٌ إِلَّا بَعْدَ الْإِثْخَانِ وَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67]. فَإِذَا أُسِرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا رَآهُ مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ.

الْخَامِسِ: أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ، وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي كُلِّ حَالٍ، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ الِاخْتِيَارُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ فَعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ، قَتَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا، وَفَادَى سَائِرَ أُسَارَى بَدْرٍ، وَمَنَّ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيِّ، وَهُوَ أَسِيرٌ فِي يَدِهِ، وَأَخَذَ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ جَارِيَةً، فَفَدَى بِهَا أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَبَطَ عَلَيْهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَخَذَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ مَنَّ عَلَى سَبْيِ هَوَازِنَ. وَهَذَا كُلُّهُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ، وَقَدْ مَضَى جَمِيعُهُ فِي (الْأَنْفَالِ) وَغَيْرِهَا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْآيَتَيْنِ مُحْكَمَتَانِ مَعْمُولٌ بِهِمَا، وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ لِشَيْءٍ قَاطِعٍ، فَإِذَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْآيَتَيْنِ فَلَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِالنَّسْخِ، إِذَا كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ التَّعَبُّدُ إِذَا لَقِينَا الَّذِينَ كَفَرُوا قَتَلْنَاهُمْ، فَإِذَا كَانَ الْأَسْرُ جَازَ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ وَالْمُفَادَاةُ وَالْمَنُّ، عَلَى مَا فِيهِ الصَّلَاحُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا الْقَوْلُ يُرْوَى عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ مَذْهَبًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِاللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- التَّوْفِيقُ."

طالب: هذا الاستشهاد أتى .... أسرى بدر بالنص بالقرآن....

بمنع الفداء؟ هل يجوز أن يستدل بها على جواز الفداء؟

طالب:.....

لا، أنا أقول: إنه استدل بها، حصل الفداء لأسرى بدر، وهذه القصة استشهاد غير مقر، فكيف يتم الاستدلال به؟ كيف يتم الاستدلال بقصة لم يحصل عليها الإقرار، بل عوتب فيها النبي عليه الصلاة والسلام-؟

هذه مسألة فرع من اجتهاد النبي عليه الصلاة والسلام-، هل له أن يجتهد أو ليس له أن يجتهد؟ وهل ما حصل منه من اجتهاد في قضية الأسرى وموافقة أبي بكر له، هل هذا استشهاد خاطئ أو أنه خلاف الأولى؟ هل هو اجتهاد صحيح وملزم، لكنه خلاف الأولى؟ إنما عوتب؛ لأنه حصل اجتهاده على خلاف الأولى، مع أنه عرض عليه شيء من التخويف في هذه القضية، هل نقول: إنه اجتهاد خاطئ أو نقول: إنه اجتهاد صائب، لكنه خلاف الأولى؟ الأولى خلافه، وهل يقر على الاجتهاد الخاطئ أو ينقض؟

طالب:.....الآيات....النبي صلى الله عليه وسلم...وأقر على ....لم..

هو حصل الفداء، وأطلق سراحهم، يعني لو كانوا موجودين، ما زالوا في الأسر والوثاق، هل ينقض هذا الحكم باعتباره خطأً، ولا يقر على خطأ عليه الصلاة والسلام أو يقال: اجتهاد صحيح، لكنه خلاف الأولى {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض}؟

 طالب:....ثمامة..

نعم.

طالب: .......

ثمامة ما فيه إشكال.

طالب: أسلم ..

منّ على ثمامة بن آثال، لا، أطلقه قبل أن يسلم أطلقه قبل أن يسلم، أطلقه من أسره قبل أن يسلم، ثم لما أُعتق ذهب إلى حائط واغتسل وأعلن إسلامه.

" الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها} قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ خُرُوجُ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: أَنَّ الْمَعْنَى حَتَّى لَا يَكُونَ دِينٌ إِلَّا دِينَ الْإِسْلَامِ، فَيُسْلِمُ كُلُّ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَصَاحِبِ مِلَّةٍ، وَتَأْمَنُ الشَّاةُ مِنَ الذِّئْبِ. ونحوه عَنِ الْحَسَنِ وَالْكَلْبِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَالْكِسَائِيِّ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: حَتَّى يُسْلِمَ الْخَلْقُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَتَّى يُؤْمِنُوا وَيَذْهَبَ الْكُفْرُ."

وهذا لا يكون إلا في عهد عيسى عليه السلام- حيث لا يقبل إلا الإسلام.

 "وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: حَتَّى يَظْهَرَ الْإِسْلَامُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: حَتَّى لَا يَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ. وَقِيلَ: مَعْنَى الْأَوْزَارِ السِّلَاحُ، فَالْمَعْنَى شُدُّوا الْوَثَاقَ حَتَّى تَأْمَنُوا، وَتَضَعُوا السِّلَاحَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ، أَيِ الْأَعْدَاءُ الْمُحَارَبُونَ أَوْزَارَهُمْ، وَهُوَ سِلَاحُهُمْ بِالْهَزِيمَةِ أَوِ الْمُوَادَعَةِ. وَيُقَالُ لِلْكُرَاعِ: أَوْزَارٌ. قَالَ الْأَعْشَى:

وَأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ أَوْزَارَهَا  ...  رِمَاحًا طِوَالًا وَخَيْلًا ذُكُورَا

وَمِنْ نَسْجِ دَاوُدَ يُحْدَى بِهَا ... عَلَى أَثَرِ الْحَيِّ عِيرًا فَعِيرَا

وَقِيلَ: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها} أَيْ أَثْقَالُهَا. وَالْوِزْرُ الثِّقَلُ، وَمِنْهُ وَزِيرُ الْمَلِكِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْأَثْقَالَ. وَأَثْقَالُهَا السِّلَاحُ لِثِقَلِ حَمْلِهَا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، الْمَعْنَى فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، فَإِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ الْأَسِيرَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَجَّاجِ أَنَّهُ دَفَعَ أَسِيرًا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِيَقْتُلَهُ فَأَبَى وَقَالَ: لَيْسَ بِهَذَا أَمَرَنَا اللَّهُ، وَقَرَأَ: " حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ". قُلْنَا: قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَفَعَلَهُ، وَلَيْسَ فِي تَفْسِيرِ اللَّهِ لِلْمَنِّ وَالْفِدَاءِ مَنْعٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي الزِّنَى حُكْمَ الْجَلْدِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُكْمَ الرَّجْمِ، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْحَجَّاجِ فَاعْتَذَرَ بِمَا قَالَ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ".

لأن هذا الأسير قد يكون ممن لا يستحق القتل، هو يستحقه من وجهة نظر الحجاج؛ لأنه يقتل لأدنى سبب، لكن ابن عمر غيره.

طالب: السلام عليكم يا شيخ، هل يعرض عليه الإسلام.

هو لو أسلم قبل أن يقتل قُبل منه، ولا مانع أن يعرض عليه؛ لأن المطلوب الإسلام ليس المطلوب القتل، القتل ليس مطلبًا لذاته.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} ذَلِكَ " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أَيِ الْأَمْرُ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ وَبَيَّنْتُ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى افْعَلُوا ذَلِكَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، الْمَعْنَى ذَلِكَ حُكْمُ الْكُفَّارِ. وَهِيَ كَلِمَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا الْفَصِيحُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ كَلَامٍ إِلَى كَلَامٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ تعالى: {هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} [ص: 55]."

يعني الانتقال من أسلوب إلى آخر، ومن موضوع إلى آخر يستعملون هذا يستعملون نعم، ويستعملون أما بعد، وهكذا.

 أَيْ هَذَا حَقٌّ، وَأَنَا أُعَرِّفُكُمْ أَنَّ لِلظَّالِمِينَ كَذَا. وَمَعْنَى {لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} أَيْ أَهْلَكَهُمْ بِغَيْرِ قتال. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَأَهْلَكَهُمْ بِجُنْدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. {وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} أَيْ أَمَرَكُمْ بِالْحَرْبِ؛ لِيَبْلُوَ وَيَخْتَبِرَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ فَيَعْلَمُ الْمُجَاهِدِينَ وَالصَّابِرِينَ، كَمَا فِي السُّورَةِ نَفْسِهَا، {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يريد قتلى أحد من المؤمنين، {فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ} قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ: " قَاتَلُوا"، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ: " قُتِلُوا" بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ التَّاءِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْحَسَنُ إِلَّا أَنَّهُ شَدَّدَ التَّاءَ عَلَى التَّكْثِيرِ. وَقَرَأَ الجدري وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَيْوَةَ: " قَتَلُوا" بِفَتْحِ الْقَافِ وَالتَّاءِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، يَعْنِي الَّذِينَ قَتَلُوا الْمُشْرِكِينَ. قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ أُحُدٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الشِّعْبِ، وَقَدْ فَشَتْ فِيهِمُ الْجِرَاحَاتُ وَالْقَتْلُ، وَقَدْ نَادَى الْمُشْرِكُونَ: اعْلُ هُبَلُ. وَنَادَى الْمُسْلِمُونَ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ. وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُولُوا: لَا سَوَاءَ. قَتْلَانَا أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ» فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى، وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: اللَّهُ مَوْلَانَا، وَلَا مَوْلَى لَكُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذلك في (آل عمران)."

القراءة قراءة العامة {والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم}، ومع قراءة: والذين قُتِلوا، أو قُتِّلوا، وقتلوا، كلها قراءات، لكن مما رجح به قراءة العامة: قاتلوا الآية التي تليها كما سيشير إليها المفسر، {سيهديهم ويصلح بالهم} سيهديهم هذا للمستقبل، مع أنهم قتلوا، كيف يكون سيهديهم وهم قتلوا؟ اللهم إلا وجِّه بهم من أنهم سيهديهم...

طالب: .....الجنة..

نعم أماكنهم ومساكنهم ومنازلهم ونزلهم في الجنة.

طالب: آية يونس..

ماذا؟

طالب: آية يونس .......

نعم.

"قوله تعالى: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ} قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو: " قُتِلُوا" بَعِيدَةٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ}، وَالْمَقْتُولُ لَا يُوصَفُ بِهَذَا. قَالَ غَيْرُهُ: يَكُونُ الْمَعْنَى سَيَهْدِيهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ، أَوْ سَيَهْدِي مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، أَيْ يُحَقِّقُ لَهُمُ الْهِدَايَةَ. وَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: سَيَهْدِيهِمْ إِلَى مُحَاجَّةِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فِي الْقَبْرِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَقَدْ تَرِدُ الْهِدَايَةُ وَالْمُرَادُ بِهَا إِرْشَادُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَسَالِكِ الْجِنَانِ وَالطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إِلَيْهَا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْمُجَاهِدِينَ: {فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ. سَيَهْدِيهِمْ}، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] معناه فاسلكوا بهم إليها. أَيْ إِذَا دَخَلُوهَا يُقَالُ لَهُمْ تَفَرَّقُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ، فَهُمْ أَعْرَفُ بِمَنَازِلِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ إِذَا انْصَرَفُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ. قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِدٌ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا،  حتى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ فِي الدُّنْيَا» وَقِيلَ: {عَرَّفَها لَهُمْ} أَيْ بَيَّنَهَا لَهُمْ حَتَّى عَرَفُوهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ. قَالَ الْحَسَنُ: وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ الْجَنَّةَ فِي الدُّنْيَا، فَلَمَّا دَخَلُوهَا عَرَفُوهَا بِصِفَتِهَا. وَقِيلَ: فِيهِ حَذْفٌ، أَيْ عَرَّفَ طُرُقَهَا وَمَسَاكِنَهَا وَبُيُوتَهَا لَهُمْ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَقِيلَ: هَذَا التَّعْرِيفُ بِدَلِيل."

بدليل يدلهم؛ لأنهم يصلون إلى ما يريدون من غير وجود ما يدلهم، ومقتضى الحديث« حتى إذا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ فِي الدُّنْيَا»، وهذا لا يحتاج إلى دليل، مقتضاه لا يحتاج إلى دليل.

" وَقِيلَ: هَذَا التَّعْرِيفُ بِدَلِيل وَهُوَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَتْبَعُهُ الْعَبْدُ حَتَّى يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَنْزِلَهُ، وَيُعَرِّفَهُ الْمَلَكُ جَمِيعَ مَا جُعِلَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ. وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَرُدُّهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " عَرَّفَها لَهُمْ" أَيْ طَيَّبَهَا لَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَلَاذِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَرْفِ، وَهُوَ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ. وَطَعَامٌ مُعَرَّفٌ أَيْ مُطَيَّبٌ، تَقُولُ الْعَرَبُ: عَرَّفْتَ الْقِدْرَ إِذَا طَيَّبْتَهَا بِالْمِلْحِ وَالْأَبْزَارِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ يُخَاطِبُ رَجُلًا ويمدحه: عرفت كاتب عرفته اللطائم

يقول: كَمَا عُرِّفَ الْإِتْبُ، وَهُوَ الْبَقِيرُ وَالْبَقِيرَةُ، وَهُوَ قَمِيصٌ لَا كُمَّيْنِ لَهُ تَلْبَسُهُ النِّسَاءُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ وَضْعِ الطَّعَامُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ مِنْ كَثْرَتِهِ، يُقَالُ: حَرِيرٌ لم مُعَرَّفٌ، أَيْ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَهُوَ مِنَ الْعُرْفِ الْمُتَتَابِعِ كَعُرْفِ الْفَرَسِ. وَقِيلَ:" عَرَّفَها لَهُمْ" أَيْ وَفَّقَهُمْ لِلطَّاعَةِ حَتَّى اسْتَوْجَبُوا الْجَنَّةَ. وقيلي لَ: عَرَّفَ أَهْلَ السَّمَاءِ أَنَّهَا لَهُمْ إِظْهَارًا لِكَرَامَتِهِمْ فِيهَا. وَقِيلَ: عَرَّفَ المطيعين أنها لهم."

التعريف هذا عرفها لهم هل يكون قبل الموت أو بعده؟ جاءت صفة الجنة في النصوص، نصوص الكتاب والسنة، وجاء توصيف الأعمال الموصلة إلى الجنة، وهذا لا شك أنه نوع من التعريف، نعم لم يكن في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، لكن بضرب المثال وذكر الشبيه ولو من وجه يتم هذا التعريف إذا استصحبنا أن فيها ما لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذا أيضًا نوع من التشويق لها، وللعمل من أجلها، فالتعريف أعم من أن يكون بالآخرة.

طالب: شيخ أحسن الله إليك..

نعم.

طالب: يفتح له في قبره.

نعم يفتح له في قبره، ويفتح له فتحة إلى منزله في الجنة، ويتنعم بها، ويرى منزله أيضًا، وهذا من التعريف.

طالب: هل هذا يكون بعد الموت؟

بعد موته.

طالب: إن كان المقصود ......منزله يا شيخ؟

المقصود أنه يفتح له إلى شيء من منازله في الآخرة، يتنعم به، ويشتاق إليه، ويكون مطمئنًا له.

طالب: هل يمكن.......

ممكن التعريف يكون لمراحل.

طالب: الخطيب في التقريب.

لا، حمل اللفظ على أكثر من معنى هو قول عند الشافعية، يعني حمل اللفظ على معانيه، حمل اللفظ المشترك على معانيه هذا عندهم، وغيرهم لا يقول به.

طالب: بالتفسير.

طالب:...كتب التفسير.

ماذا؟

طالب: إذا احتملت اللفظة أكثر من معنى وليس......يحمل على......

لا، هو إذا كانت اللفظة... فرق بين المشترك وبين المتواطئ وبين اللفظ الذي له حقيقة ومجاز، كما يقولون: لا يجوز حمل اللفظ على حقيقته ومجازه في آن واحد، لكن اللفظ المشترك تقول: رأيت عينًا هل يجوز أن تقصد بهذه العين الجارية والباصرة والذهب؟ يجوز في آن واحد؟

طالب: لا.

 ما يجوز.

طالب: الحديث أنه لا يجوز ....

يعني ريحها، لا ما قال: تعريفها.

طالب: مثل الصمد ...الخاص ....

ما فيه يتعارض.

طالب: ........

أين، عرف غير التعريف عرفها تعريفًا.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} أَيْ إِنْ تَنْصُرُوا دِينَ اللَّهِ يَنْصُرُكُمْ عَلَى الْكُفَّارِ. نَظِيرُهُ {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُه} [الحج: 40]، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ قُطْرُبٌ: إِنْ تَنْصُرُوا نَبِيَّ اللَّهِ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ {وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ} أَيْ عِنْدَ الْقِتَالِ. وَقِيلَ: عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ: عَلَى الصِّرَاطِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ تَثْبِيتُ الْقُلُوبِ بِالْأَمْنِ، فَيَكُونُ تَثْبِيتُ الْأَقْدَامِ عِبَارَةً عَنِ النَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ فِي مَوْطِنِ الْحَرْبِ. وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْفَالِ" هَذَا الْمَعْنَى. وَقَالَ هُنَاكَ: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12]، فَأَثْبَتَ هُنَاكَ وَاسِطَةً وَنَفَاهَا هُنَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة: 11]، ثُمَّ نَفَاهَا بِقَوْلِهِ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [الروم: 40] {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ} [الملك: 2] وَمَثَلُهُ كَثِيرٌ، فَلَا فَاعِلَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ."

يعني الفاعل الحقيقي هو الله وحده، وقد يضاف الفعل إلى بعض الأسباب المؤثرة، إلى بعض الأسباب المؤثرة لا بذاتها، وإنما بجعل الأثر فيه من الله جل وعلا- أنبت الربيع البقل، أنبت الماء الزرع، والمنبت هو الله جل وعلا-، مات زيدٌ، والله يتوفى الأنفس، توفته رسلنا، المقصود أنه قد يضاف الفعل إلى فاعله الحقيقي، وهو الله جل وعلا-، وقد يضاف إلى بعض الأسباب التي لها تأثير قد جعله الله فيها لا بذاتها.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالنَّصْبَ بِمَا يُفَسِّرُهُ، {فَتَعْساً لَهُمْ} كَأَنَّهُ قَالَ: أَتْعَسَ الَّذِينَ كَفَرُوا. وَ"تَعْسًا لَهُمْ" نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ بِسَبِيلِ الدُّعَاءِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، مِثْلُ سَقْيًا لَهُ وَرَعْيًا. وَهُوَ نَقِيضُ لَعًا لَهُ. قَالَ الْأَعْشَى:

فَالتَّعْسُ أَوْلَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لَعًا

وَفِيهِ عَشْرَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: بُعْدًا لَهُمْ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ. الثَّانِي: حُزْنًا لَهُمْ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. الثَّالِثُ: شَقَاءٌ لَهُمْ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. الرَّابِعُ: شَتْمًا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ، قَالَهُ الْحَسَنُ. الْخَامِسُ: هَلَاكًا لَهُمْ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ.

 السَّادِسُ: خَيْبَةٌ لَهُمْ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ. السَّابِعُ: قُبْحًا لَهُمْ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ. الثَّامِنُ: رغمًا لهم، قاله الضحاك أيضًا. التاسع: شَرًّا لَهُمْ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ أَيْضًا. الْعَاشِرُ: شِقْوَةٌ لَهُمْ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ التَّعْسَ الِانْحِطَاطُ وَالْعِثَارُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: التَّعْسُ أَنْ يَخِرَّ عَلَى وَجْهِهِ. وَالنَّكْسُ أَنْ يَخِرَّ عَلَى رَأْسِهِ."

تعس وانتكس، نسأل الله العافية.

" قَالَ: وَالتَّعْسُ أَيْضًا الْهَلَاكُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَأَصْلُهُ الْكَبُّ، وَهُوَ ضِدُّ الِانْتِعَاشِ. وَقَدْ تَعَسَ (بِفَتْحِ الْعَيْنِ) يَتْعَسُ تَعْسًا، وَأَتْعَسَهُ اللَّهُ. قَالَ مُجَمِّعُ بْنُ هِلَالٍ:

تَقُولُ وَقَدْ أَفْرَدْتُهَا مِنْ خَلِيلِهَا ... تَعِسْتَ كَمَا أَتْعَسْتِنِي يَا مُجَمِّعُ

يُقَالُ: تَعْسًا لِفُلَانٍ، أَيْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ هَلَاكًا. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَجَوَّزَ قَوْمٌ تَعِسَ (بِكَسْرِ الْعَيْنِ).

قُلْتُ: وَمِنْهُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ»، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ. فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ: «تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ»، خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ."

طالب:.....بالفتح.

ماذا؟

طالب: لم تضبط أبدًا بالفتح.

يقدم، وقد تعس بفتح العين.

طالب: تعس عبد الدينار، كلها جاءت بكسر العين.

الروايات كلها بالكسر، لكن يجوز من حيث العربية تعَس. اللفظ الذي..

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} أَيْ أَبْطَلَهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ. وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَتَعْساً" لِأَجْلِ الْإِبْهَامِ الَّذِي فِي " الَّذِينَ"، وَجَاءَ " وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ" عَلَى الْخَبَرِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ الَّذِينَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ فِي اللَّفْظِ، فَدُخُولُ الْفَاءِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، وَأَضَلَّ حَمْلًا عَلَى اللفظ."

لأن الموصول فيه شوب شرط، فيه شوب شرط، فيحمل على المعنى قال هنا والفاء دخلت في قوله: تعسًا لأجل الإبهام في الذين، وجاء: وأضل أعمالهم على الخبر، حملًا على اللفظ الذين؛ لأنه ليست بشرطية.

"قوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ} أَيْ ذَلِكَ الْإِضْلَالُ وَالْإِتْعَاسُ؛ لِأَنَّهُمْ " كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ" مِنَ الْكُتُبِ وَالشَّرَائِعِ." فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ" أَيْ مَا لَهُمْ مِنْ صُوَرِ الْخَيْرَاتِ، كَعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَقِرَى الضيْفِ وَأَصْنَافِ الْقُرَبِ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ الْعَمَلَ إِلَّا مِنْ مُؤْمِنٍ. وَقِيلَ: أحبط أعمالهم أي عبادة الصنم.

" قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها}".

ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم عامة تتناول جميع ما أنزل الله، وتتناول البعث، تتناول الجميع، فإذا كرهوا جميع ما أنزل الله كرهوا الدين بجملته وتفصيله، وما نزل به جبريل على النبي-عليه الصلاة والسلام- جملة وتفصيلاً، لكن إذا كرهوا بعض ما أنزل الله دون بعض، فالذي يكفر ببعض يكفر بالبعض الآخر، والذي يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه هذا كافر، لاسيما إذا كان ثبوته ملزمًا.

طالب: .....

نعم.

الكراهة القلبية التي لا يكون مردها إلى أمر دنيوي؛ لأن الإنسان قد يكره من ينكر عليه المنكر؛ لأنه أُشرب في قلبه حب هذا المنكر الذي لا يخرجه عن الدين، فإذا حال بينه وبين هذه المعصية التي أحبها وجرت نفسه عليها كرهه كراهة ليست عن اعتقاد للكره لما جاء عن الله جل وعلا-.

 كثيرًا ما نسمع من كثير من الناس من يتحدث، بل يصرح بكرهه لأهل الحسبة، إن كان يكرههم؛ لأنهم أهل حسبة، ولأنهم قاموا بهذه الشعيرة التي ألزم بها جميع المسلمين فهذا نفاق نسأل الله العافية- نفاق اعتقادي، بغض ما جاء به الرسول أو بغض بعض ما جاء به الرسول، يكره الشعائر الظاهرة، يكره اللحية، ويمقتها، فهذا نفاق نسأل الله العافية-، لكن إذا كان يكره لأمر طارئ، يعني هذا الشخص من رجال الحسبة تصَرّف تصرُّفًا غير مناسب معه، فكرهه لذلك، ما يقول أحد: إنه نفاق، مثلاً هذا الشخص لحيته آذته، وإذا تلثم، وإذا نام، وإذا قام يعني تعب منها لا لأنها شعيرة من شعائر الدين؛ لأنه قد يوجد، لابد من التفريق بين هذا وهذا.

 بعض الناس يضيق ذرعًا ببعض الشعائر، فرق بين أن يكون نفاقًا أكبر مخرجًا عن الملة وبين أن يكون أمره أخف، والله المستعان.

طالب: تنزل على بعض الأعمال أكثر ما تنزل على بعض الأشخاص، بعض الناس قد يكره من شدة التعلق بالخمر يكره أن هذا الأمر محرم، هو ملزم....

يتمنى أن لو كان مباحًا.

طالب: يتمنى لو كان مباحًا بالذات الزنا..

هذا يرد عليه «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»، مع ما فيه من كلام لأهل العلم، نعم.

طالب: لكن هل يقال: مجترأ على ما أنزل الله؟

هذه المسألة أعم، هناك قاعدة، هناك قاعدة: من يأتي العبادة ويترك المحرم مع التلذذ بذلك، مع التلذذ بذلك، ومن يأتي الواجب ويترك المحرم مع مشقة شديدة عليه، أيهما أفضل؟

طالب:.....

ماذا؟

طالب: التلذذ.

التلذذ الأول؛ لأن هذا حال النبي عليه الصلاة والسلام- وحال الكُمّل من أتباعه عليه الصلاة والسلام- وعمومًا المسلمون يتركون المحرمات، ويفعلون الأوامر، لكن مع شيء من المشقة، لماذا؟ لأن الأصل في هذا أن الجنة حفت بالمكاره بما تكره النفوس، فإذا وجدت هذا المشقة مع مغالبة النفس والهوى والشيطان وفعل ما أمر فلا يبعد أن يكون له عند الله أجران، أجر العمل وأجر المجاهدة، ومن هنا قال بعضهم: إن هذا أفضل من سابقه، لكنه ليس بصحيح.

طالب: شيخ هناك خط رفيع بين كراهة ما أنزل الله وبين مشقة..

ما أنزل الله في الجملة فيه مشقة، والتكاليف فيها كلفة.

طالب: المشقة مكروهة.

والمشقة مكروهة كراهية جبلية، لكن هل هذه الكراهة الجبلية تمنعه من فعل الواجب وترك المحرم؟ ما تؤثر، إذا كانت لا تمنعه لا تؤثر، لكن إن منعته فمثلها مثل الحب والكره.

طالب: الذم ليس على العمل، بل على عمل قلبي، وهو الكراهة، كونه يقوم لصلاة الفجر بكراهة شديدة ..

هذا جهاد، هذه مجاهدة، هذه تسمى في عرف الشرع مجاهدة للنفس، يؤجر عليه، ليس مثل الذي يتلذذ ويترقب، بل ينظر للساعة متى يؤذن؟ فرق بين هذا وهذا.

طالب: لكن لو حدثت نفسه قال: ليتنا مثلاً لم نؤمر بصلاة هذا الوقت، فليتنا أحيانًا...

هذا من باب الاعتراض على الشرع، من باب الاعتراض على حسب يقع في قلبه والدافع له.

" قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها}" بَيَّنَ أَحْوَالَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ، ثُمَّ وَصَلَ هَذَا بِالنَّظَرِ، أَيْ أَلَمْ يَسْرِ هَؤُلَاءِ فِي أَرْضِ عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَغَيْرِهِمْ لِيَعْتَبِرُوا بِهِمْ " فَيَنْظُرُوا" بِقُلُوبِهِمْ " كَيْفَ كانَ" آخِرُ أَمْرِ الْكَافِرِينَ قَبْلَهُمْ، { دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} أَيْ أَهْلَكَهُمْ وَاسْتَأْصَلَهُمْ. يُقَالُ: دَمَّرَهُ تَدْمِيرًا، وَدَمَّرَ عَلَيْهِ بِمَعْنًى. ثُمَّ تَوَاعَدَ مُشْرِكِي مَكَّةَ".

يعني يتعدى بنفسه ويتعدى بعلى.

"ثُمَّ تَوَاعَدَ مُشْرِكِي مَكَّةَ فَقَالَ: {وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها} أَيْ أَمْثَالَ هَذِهِ الْفَعْلَةِ، يَعْنِي التَّدْمِيرَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالطَّبَرِيُّ: الْهَاءُ تَعُودُ عَلَى الْعَاقِبَةِ، أَيْ وَلِلْكَافِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ أَمْثَالُ عَاقِبَةِ تَكْذِيبِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.

قوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ} أَيْ وَلِيَّهُمْ وَنَاصِرَهُمْ. وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} فالمولى: الناصر ها هنا، قاله ابن عباس وغيره. قال:

فَغَدَتْ كِلَا الْفَرْجَيْنِ تَحْسِبُ أَنَّهُ ... مَوْلَى الْمَخَافَةِ خَلْفَهَا وَأَمَامَهَا

قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ يَوْمَ أُحُدٍ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الشِّعْبِ، إِذْ صَاحَ الْمُشْرِكُونَ: يَوْمٌ بِيَوْمٍ، لَنَا الْعُزَّى ولا عزى لكم، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا، وَلَا مَوْلَى لَكُمْ»، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: أجيبوهم قالوا: فماذا نقول؟ قال: قولوا: ..

 " فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ»، وَقَدْ تَقَدَّمَ، {وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ} أَيْ لَا ينصرهم أحد من الله".

 اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد.

"