بلوغ المرام - كتاب الصلاة (08)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى- في كتاب الصلاة في باب الحث على الخشوع في الصلاة:

وعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه)) رواه الخمسة بإسناد صحيح، وزاد أحمد: ((واحدةً أو دع)).

وفي الصحيح عن معيقب نحوه بغير تعليل..

معيقيب، معيقيب.

عن معيقيب نحوه بغير تعليل.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى -والعلة في ذلك- فإن الرحمة تواجهه)) رواه الخمسة" مر بيانهم مراراً، وأنهم أصحاب السنن الأربع: أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وخامسهم: الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-.

يقول: "بإسناد صحيح" بإسناد صحيح، معلوم أنه إذا قيل: إسناده صحيح فإن الرواة على هذا ثقات، وكل واحد منهم قد سمع من روى عنه، فإذا صح السند أو صُحح السند فمعناه أن الرواة اجتمع فيهم الأمران الضبط والعدالة، واتصل الإسناد بمعنى أن كل واحد من رواته قد تلقاه ممن فوقه بطريق معتبر، لكن في إسناد الحديث أبو الأحوص، ولا يُعرف اسمه، هو مشهور بكنيته، معروف بكنيته، قد اطردت العادة أن من يشتهر بالكنية أنه يضيع الاسم، يضيع اسمه، لا يعرف اسمه، وأبو الأحوص هذا قال فيه الحافظ ابن حجر نفسه في التقريب: "مقبول" مقبول، متى يوصف الراوي بأنه مقبول؟ لينظر حكم الحافظ على إسناده بأنه صحيح، قال عنه الحافظ ابن حجر: "مقبول" إيش معنى مقبول؟ ومتى يحكم على الراوي بأنه مقبول؟ لا سيما عند ابن حجر الذي أطلق هذا القول حيث قال في هذا الراوي: "مقبول" وقال عن إسناد الحديث أنه صحيح؟ فهل حديث المقبول صحيح؟ نعم يا إخوان؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

ضعيف إلا إن توبع، إلا إن توبع، فالمقبول من ليس له من الحديث إلا الشيء القليل، ولم يثبت في حقه ما يترك حديثه من أجله، ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه..، أو لم يقل فيه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، أبو الأحوص لم يتابع على رواية هذا الحديث، لم يتابع على رواية الحديث، فماذا يستحق؟ يستحق أن يقال: مقبول وإلا لين؟ لين، فالحديث الذي حكم عليه الحافظ بأن إسناده صحيح لو حكم على المتن بأنه صحيح لا إشكال، لكن الحافظ حكم على الإسناد بأنه صحيح، مع أن فيه أبا الأحوص، وهو مقبول إذا توبع ولم يتابع فهو لين ضعيف، فكيف يقول الحافظ بإسناد صحيح؟ رواه الخمسة بإسناد صحيح، لو قال: الحديث صحيح والمقصود به المتن لكان الحكم صحيح؛ لأن له شاهداً من حديث معيقيب وهو في الصحيح، لكن الإسناد ليس بصحيح، على أنه قد يصح الإسناد ولا يصح المتن لوجود شذوذ أو علة، وبمخالفة من هو أوثق منه، فقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: بإسناد صحيح فيه ما فيه.

الآن حكم الحافظ -رحمه الله تعالى- على هذا الراوي بأنه مقبول هل هو حكم على الراوي أو على روايته؟

طالب:......

على المروي من أي وجه؟

طالب:......

على التقعيد في التقريب حكمه على المروي لا على الراوي، والكتاب كتاب مرويات وإلا كتاب رواة؟

طالب:......

كتاب رواة، كتاب رواة، فأصل التقعيد فيه ما فيه، وليس هذا مجال بسط هذه المسألة؛ لأنه هو حكم على الراوي بأنه مقبول مع أنه لم يتابع على حديثه هذا، فالأصل أن يحكم عليه بأنه لين، واللين حديثه من قبيل الضعيف، نعم ضعفه غير شديد، ينجبر برواية غيره، ويرتقي إلى المقبول، لكن زاد الحافظ على ذلك فقال: بإسناد صحيح.

أما متن الحديث فصحيح لا إشكال فيه؛ لأن له شاهداً من حديث معيقيب، وهو مخرج في الصحيح، في الصحيحين وغيرهما على ما سيأتي.

يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم)) قام: فعل ماض، والفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ من العمل، ويطلق ويراد به إرادة العمل، ويطلق ويراد به الشروع في العمل ((إذا قام أحدكم في الصلاة)) هل المراد به إذا قام وفرغ من القيام، أو إذا أراد القيام إلى الصلاة أو في الصلاة؟ لأن في هذه للظرفية في الصلاة قام في الصلاة لا بد أن نضمن (قام) فعل يتعدى بفي، فمعناه إذا شرع في الصلاة، إيش معنى قام في الصلاة؟ نعم؟

طالب:.......

يعني نقول: هو مثل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم القيام، مثله، نعم؟ ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى)) هل المنهي عنه يعني من مسح الحصى النهي متجه إذا أراد القيام لا يمسح أو أنه إذا شرع في الصلاة فلا يمسح؟ التضمين لا بد منه، فإما أن نضمن الفعل أو نضمن الحرف، وتضمين الفعل أولى من تضمين الحرف على ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، فنضمن ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح)) يعني إذا شرع في الصلاة فلا يمسح؛ لأنه قبل الشروع في الصلاة لا يحتاج إلى إذن، مسح الحصى مباح ما في إشكال قبل الشروع، فالممنوع من مسح الحصى بعد الشروع في الصلاة لا يمسح الحصى ((فإن الرحمة تواجهه)) ((فإن الرحمة تواجهه)) هذه علة منصوصة في الخبر إلا أنها منصوصة في هذا الخبر الذي فيه مقال، وخلى منها الخبر الصحيح خبر معيقيب ((فإن الرحمة تواجهه)) إذا كانت هذه هي العلة فلما أدخل الحافظ الحديث في كتاب أو في باب الخشوع؟ إذا كان القصد أن الرحمة تواجهه، والعلة أن الرحمة تواجهه كما في هذه الرواية، حديث معيقيب -وهو في الصحيح- ليس فيه هذه العلة، ولذا قال: "وفي الصحيح عن معيقيب نحوه بغير تعليل" من غير ذكر لهذه العلة، لا شك أن مسح الحصى يتضمن حركة والحركة عبث والعبث ضد الخشوع، ولا يمنع أن يشتمل الخبر على أكثر من علة، على أكثر من علة، يمنع من مسح الحصى لأنه حركة، ويمنع أيضاً لأن الرحمة تواجهه، فيكون دخوله في الباب لأنه حركة والحركة مضادة للخشوع.

الحديث الذي ورد: ((لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)) يروى مرفوعاً وموقوفاً والموقوف أقوى؛ لأن المرفوع شديد الضعف، بل حكم بعضهم ببطلانه، والقلب لا شك أنه يتبع الجوارح من جهة، أو الجوارح علامة -عنوان- على القلب.

((فإن الرحمة تواجهه)) إيش معنى الرحمة توجهه؟ هل معنى هذا أن الرحمة تنبعث من محل السجود إلى المصلي؟ أولاً: ما المراد بمسح الحصى الأرض أو اللي على الجبهة؟ أو هو أعم من ذلك فلا يمسح الحصى؟

طالب:......

هو أعم، يعني يشمل مسح ما على الجبهة، ويشمل ما على الأرض، إذا كان المراد به مسح الحصى التي على الأرض، قد يقول قائل: من مقتضى الخشوع في الصلاة أن يمسح الحصى الذي على الأرض، أن يمسح الحصى ليتم الخشوع؛ لأنك لو سجدت على الحصى أو حصبة، أو أرض غير مستوية، أو فيها شيء من النبات فكل شيء يدركه كل الناس، هل يخشع الإنسان في سجوده؟ ((فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه)) إذن ما المراد بالحصى؟ نعم؟

طالب:......

اللاصق بالجدر، نعم؟

طالب:......

.......الحديث حتى في زيادة أحمد شيء من العسر في فهمه، إذا أردنا أن نحلله تحليلاً دقيقاً ونستطرد فيه، وإلا كأن الإنسان إذا قرأه وهو ماشي ما يشكل عليه شيء، ما يشكل عليه شيء، خلاص امسح واحدة الأرض واسجد، واحدة أو دع، قلنا: إنه إذا قام أحدكم في الصلاة يعني شرع في الصلاة فلا يمسح الحصى، والاحتمال قائم ليكون المراد بالحصى ما على الأرض من أجل أن يطمئن في سجوده، أو ما علق في وجهه من التراب والحصى، والحديث أعم من ذلك؛ لأن المسح حركة، والحركة مذهبة للخشوع، إذن ماذا يصنع من لم يذكر المسح قبل الشروع في الصلاة والأرض لا يتمكن فيها من الخشوع لا سيما إذا سجد؟ ماذا يصنع؟ أحياناً وهو واقف لا يتمكن من الخشوع لما تحت رجليه من شوك أو حصى أو ما أشبه ذلك، يمسح واحدة، وزاد أحمد: واحدة أو دع، يعني إن كان ولا بد فامسح واحدة أو دع، وإن كان عطف..، أو عطف المؤلف رواية أحمد على أصل الحديث يحتاج إلى رابط، يحتاج إلى رابط يتضح به المعنى، نعم؟ يعني لو قال: وزاد أحمد الإذن بمسحه مرة واحدة، الإذن بمسحه مرة واحدة لكان أتى بالمراد، لكن كيف نعطف؟ وزاد أحمد: "واحدة ودع"؟ ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى)) نعم الحافظ وكل الأمر إلى فهم القارئ، والقارئ ما يحتاج إلى أن يوضح له المعنى وإن كان التركيب فيه شيء من القلق، بعض الأمور الواضحة إذا دقق فيها ظهرت إشكالات وإلا إذا قرئت من غير تدقيق فلا تخفى على القارئ، على كل حال هذه الحركة من أجل مسح الأرض، أو من أجل مسح ما علق بالوجه من تراب أو حصى منافٍ للخشوع، لكن قد يحتاج الإنسان إلى ذلك فأذن له بواحدة، والإذن بالواحدة يدل على أن النهي للكراهة، النهي للكراهة، والصارف للنهي من التحريم إلى الكراهة الإذن بالواحدة.

"وفي الصحيح عن معيقيب نحوه" بدون تعليل أو "بغير تعليل"، والمراد في الصحيح الجنس، جنس الصحيح، وإلا فحديث معيقيب في الصحيحين، معيقيب ابن أبي فاطمة الدوسي، بدري شهد بدراً، مات في خلافة عثمان -رضي الله عنه-، "نحوه" يعني قريب من لفظه ((لا تمسح الحصى وأنت تصلي، فإن كنت لا بد فاعلاً فواحدة)) والإذن جاء في الصحيح "بغير تعليل" يعني من دون قوله: ((فإن الرحمة تواجهه)) نعم، قل.

"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة?" فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) رواه البخاري.

وللترمذي: عن أنس -وصححه-: ((إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة, فإن كان لا بد ففي التطوع)).

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..

لحظة، عندك وللترمذي عن أنس؟

إي نعم.

..........

إي نعم.

أو مصحح.........؟

ذكر الشيخ في التحقيق يقول: فإن النقل عن الترمذي في ذلك مختلف باعتراف الحافظ نفسه، وبيان ذلك في الأصل، طبعة الزهيري يا شيخ.

يقول؟

يقول: فإن النقل عن الترمذي في ذلك مختلف باعتراف الحافظ نفسه.

الذي في الكتاب: "وللترمذي وصححه" مقتضاه أنه عن عائشة، نعم، مقتضى العطف في رواية الأولى أن يكون الراوي واحد، لكن هل عندك في المتن في نسخة صحيحة اعتمد عليها المحقق: "وللترمذي عن أنس"؟ أو زادها المحقق؟

ما ذكر الزيادة، ذكر في المتن يا شيخ وعن أنس دون عائشة.

نعم.

طالب:......

طيب طلع اللي معك.

ما يلزم أن تكون سقطت في الهندية؛ لأن الشارح شرح على هذا، نسخة الشارح: "وللترمذي وصححه" ومقتضى الإطلاق من غير تقييد براوٍ معين أن الروايتين من رواية صحابي واحد، ولذا يقول الشارح: "وللترمذي" أي عن عائشة هذا الأصل، طيب على كل حال كون النسخ تتفق على شيء ولو كان خطأ، يعني نسخ البلوغ إذا اتفقت على شيء مثل هذا: "وللترمذي وصححه" لا بد من طبعه كما هو، ولا يتعرض له بتصحيح إنما يعلق، أهل العلم في رواية الحديث وضبطه يقررون أنه يروى كما وجد، يروى كما وجد، وينبه على الصواب إذا كان فيه مخالفة للصواب؛ لأنه لو فتح المجال للتصحيح في أصل الكتاب، يمكن ما يبقى كتاب سليم، كل من عنَّ له أن يصحح هجم على الكتاب وصحح، ولا يستثنون من ذلك إلا الآيات، القرآن هو الذي يصحح، فلا يروى على الخطأ، أما الحديث يروى على ما وجد وينبه على الصواب، وينبه على الصواب، إذا أخطأ مؤلف من المؤلفين أخطأ خطأ واضح، واتفقت جميع النسخ على هذا الخطأ بما في ذلك نسخة المؤلف والنسخ المقابلة على نسخة المؤلف يبقى كما هو على الخطأ، وتكون وظيفة المحقق ودور المحقق التنبيه على هذا الخطأ.

الشارح كأنه شرح على أساس أن هذه الرواية عن عائشة، يعني هي من حديث عائشة السابق يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة?" فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) رواه البخاري" ورواه أيضاً أبو داود والترمذي والنسائي.

"وللترمذي" ومقتضى السياق أن يكون عن عائشة وإن كان صوابه عن أنس "وصححه" مضبوط ((إياكِ والالتفات في الصلاة)) ((إياكِ والالتفات في الصلاة)) يقول الشارح: بكسر الكاف لأنه خطاب المؤنث، فيكون من حديث عائشة أو من حديث أنس؟ من حديث عائشة: ((إياكِ والالتفات في الصلاة فإنه هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع)) والحديث الذي صححه الترمذي في إسناده علي بن زيد بن جذعان، وهو مضعف عند الأكثر، مضعف عند الأكثر وصححه الترمذي، نقول: تساهل من الترمذي؟ وإلا المقصود الترمذي صحح المتن بالشواهد التي يذكرها في الباب؟ لا شك أن الترمذي يصحح بالشواهد، ولذا ندر أن يذكر حديثاً ولا يذكر له شواهد، إذا روى الحديث قال: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، ومع ذلكم الترمذي إمام من أئمة المسلمين، وقد يصحح ما فيه ضعف، وتكون هذه وجهة نظر، هو إمام مجتهد في الباب لا يقلد أحداً، والنزاع بين أهل العلم في وصفه بالتساهل أو التوسط والأكثر على أنه متساهل، وتصحيحه لهذا الخبر مع أن في إسناده من ذكر تساهل، نص على ذلك الحافظ الذهبي وغيره، وإن كان الشيخ أحمد شاكر ينازع في هذا، ويقول: إن تصحيح الترمذي معتبر، وتصحيحه للخبر توثيق لرجاله، هذا أشد تساهل من تساهل الترمذي، كلام الشيخ أحمد شاكر، الترمذي ما زعم ذلك، يعني هل معنى هذا أننا نقول: إن الترمذي يوثق علي بن زيد بن جدعان وإن صحح الخبر؟ قد يصححه لطرق وشواهد، ما يلزم أن يصحح الطريق نفسه، فهذا تساهل من الشيخ أحمد شاكر، وقد وثق جمع من الرواة جماهير أهل العلم على تضعيفهم.

"تقول عائشة -رضي الله عنه-: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات –يعني يميناً أو شمالاً- في الصلاة?" ­يعني في أثنائها "فقال: ((هو اختلاس -أخذ بخفية، خلسة- يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) يسرق من صلاة العبد خفية، دليل على أن الالتفات منقص للثواب المرتب على هذه العبادة، ولذا المقرر عند أهل العلم أن الالتفات مكروه ما لم ينحرف بصدره عن جهة القبلة، إذا كان مجرد لي العنق إلى اليمين أو الشمال هذا أطلقوا فيه الكراهة، وهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، الآن أهل العلم يتفقون على اشتراط استقبال القبلة، يتفقون على اشتراط استقبال القبلة، ويقررون أن الالتفات بالوجه مكروه، مع أن المنصوص عليه في الاستقبال {فَوَلِّ وَجْهَكَ} {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] الصحابة -رضوان الله عليهم- التفتوا لما خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- من حجرته في مرضه، ورأوا إشارته، ويوصف أبو بكر -رضي الله عنه-، بل من مناقبه التي ذكرت أنه كان لا يلتفت في الصلاة، فاعتماد أهل العلم على إطلاق مجرد الكراهة على الالتفات اعتماداً على فعل الصحابة -رضوان الله عليهم-، ويبقى أن هذا الاختلاس ليس معنى إطلاق الكراهة أن الإنسان يترك الحرية لنفسه يلتفت يميناً وشمالاً يسرح بصره يمنية ويسرة، لا، ما دام قالوا كراهة السنة خلافه.

نعود إلى ما استدل به على اشتراط استقبال القبلة من قوله -جل وعلا-: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] والمنصوص عليه من بين سائر البدن الوجه، والعلماء يشترطون استقبال القبلة بالبدن كله ويخففون من أمر الوجه، ودخول..، أقول: دخول المنصوص عليه من بين أفراد العام في النص قطعي، فبالنظر إلى الآية أولى ما يستقبل به شطر المسجد الحرام المنصوص عليه وهو الوجه، فإذا قلنا: إن الوجه مجرد كراهة فماذا عن بقية البدن؟ ماذا نقول يا إخوان؟ نعم؟

طالب:......

من باب أولى، إذا كان استقبال القبلة شرط فدخول المنصوص عليه بالنص في هذا الاشتراط دخول أولي قطعي في النص، يعني إذا قال: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] أو قلنا: يجوز تنحرف يميناً وشمالاً تنظر يمين وشمال مجرد كراهة صلاتك صحيحة، لكن لو نأى صدرك يميناً وشمالاً بطلت صلاتك، هذا فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ نعم؟ كيف يزول مثل هذا الإشكال؟ أولاً: من قال بمجرد الكراهة استدلالاً بفعل الصحابة، بفعل الصحابة وإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، الصحابة التفتوا إلى جهة حجرته لما خرج منها فرأوه ورأوا إشارته -عليه الصلاة والسلام-، ولو لم يلتفتوا لم يروه، فدل على أن الالتفات لا يبطل الصلاة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يأمرهم بإعادته، وإن كان خلاف الأولى.

فقوله -جل وعلا-: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] هل هو العمدة في اشتراط استقبال القبلة؟ أو أن الدليل على اشتراط استقبل القبلة غير هذا؟ فيكون هذا الأمر فيه فيما يتعلق بالوجه الأمر فيه على جهة الاستحباب؛ لأن الالتفات مكروه، ويكون اشتراط استقبال القبلة بأدلة أخرى وإلا لو قلنا: إن دليل اشتراط استقبال القبلة هذه الآية لدخل الوجه دخولاً قطعياً في الاشتراط، الإخوان معنا وإلا..؟ ليش ما تجاوبون؟ هاه؟ لماذا لا يتجاوبون؟ نعم؟

طالب:......

طيب.

طالب:......

لا، لا هم التفتوا إلى جهة الجنوب ينظروا إلى الحجرة، التفتوا إلى جهة الجنوب، يعني هم ما التفتوا من جهة أصلية إلى فرعية..، إلى جهة أصلية ثانية، نعم.

طالب:......

نخشى مثل هذا الكلام يفتح باب، يفتح باب لمن يؤول الوجه بالذات {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [(27) سورة الرحمن] يقولون: ذاته، إذا كان المقصود بالوجه هنا الذات فيلزمنا أن نؤول الوجه بنصوص أخرى بالذات، لا شك أن أشرف ما في الإنسان وجهه والتنصيص عليه لأهميته، فإذا كان التنصيص عليه لأهميته فيكون هو أولى ما يدخل في النص، يعني لولا إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- لصنيع الصحابة والتفاتهم إلى جهته، ونظرهم إليه و إلى إشارته لما تردد في اشتراط استقبال القبلة بالوجه، ولولا ما ثبت عنهم وعنه من إقرار -عليه الصلاة والسلام- لما كان عن الإبطال إبطال الصلاة مندوحة لأنه منصوص عليه، والمنصوص عليه دخوله في النص قطعي، لا شك أن الالتفات انصراف عن الجهة التي أمر بالاتجاه إليها، ومثل هذا الانصراف بالبدن مؤدي إلى انصراف القلب الذي هو ضد الخشوع الذي ترجم به لهذا الحديث وغيره.

"وللترمذي وصححه: ((إياكِ))" إن كان الخطاب لعائشة، أو إياكَ ((والالتفاتَ)) بالنصب لأنه محذر منه، يعني منصوب على التحذير ((في الصلاة فإنه هلكة)) لأنه مخل بهذا العبادة العظيمة، فالأصل أن الإنسان إذا استقبل القبلة وكبر ورفع الحجب بينه وبين ربه -عز وجل-، ودخل في هذه العبادة أنه مستغرق فيه، يعني هو يناجي ربه، هل يتصور من إنسان يناجي شخص من المخلوقين إذا كانت له في نفسه منزلة أن ينصرف عنه؟ يعني أنت وأنت تتحدث مع زميلك مستغرق في الحديث معه ثم انصرف عنك ألا يكون في نفسك عليه شيء؟ فأنت في أعظم العبادات إذا انصرفت عن مولاك لا شك أن هذا خلل في الاتجاه إلى ربك -عز وجل-، ولذا قال: ((فإنه هلكة)) على ما في الخبر من ضعف؛ لأنه من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف عند الأكثر، وقد صححه الترمذي كما سمعنا.

((فإن كان لا بد من الالتفات)) فإن كان لا بد يعني من الالتفات ((ففي صلاة التطوع)) ففي صلاة التطوع، صلاة التطوع أمرها أخف من صلاة الفريضة، صلاة التطوع أمرها أخف من صلاة الفريضة، ويكون الالتفات من الفروق بين صلاة التطوع وصلاة الفريضة إن صح الخبر، ومما صح في ذلك من الفروق صلاة النافلة على الدابة دون الفريضة، صحة صلاة النافلة من قعود مع الاستطاعة دون الفريضة، وغير ذلك من الفروق، وما عدا ذلك فما ثبت في الفرض ثبت في النفل؛ لأن الكل يجمعه لفظ الصلاة، نعم.

نشوف هذه ورقة هذا يقول: "رغبة في الاستفادة ومشاركة في الإيجابية والتفاعل في الدروس أقدم بين يديكم هذه الوريقة بما يخص حديث: ((يقطع الصلاة المرأة))..إلى آخره مع الرواية الأخرى: ((المرأة الحائض)) حيث جرى بحث بالأمس هل هي من قبيل تخصيص العام أو تقييد المطلق؟ والذي يبدو وأظنه -والله أعلم- أنها من باب المطلق والمقيد وذلك لوجوه:

أن عموم المرأة هنا عموم صلاحية لا عموم شمول، وهذا من صفات المطلق فالصلاة تقطعها أي امرأة ينطبق عليها لفظ الحديث، وأنهم ذكروا من العلامات الفارقة بين العام والمطلق أن تخصيص العام يؤدي إلى تقليل الأفراد الواجبة أو الممنوعة، وأما إذا كان يؤدي إلى تقليل الأفراد المتاحة وهو في مسألتنا المرأة التي بها يقع قطع الصلاة فمن باب تقييد المطلق، إن القول في المرأة والمرأة الحائض كالقول في الكلب والكلب الأسود، ومع ذلك لم يجعل هذا من باب العام والخاص، الحافظ ابن حجر والصنعاني إيش؟ ولعل المتتبع يوجد غيرهما من العلماء نصوا على أنه من باب الإطلاق والتقييد.

أمس تساءلنا في شرح الحديث وقلنا: إن الحيض هل هو وصف أو فرد؟ هل هو وصف بمعنى أنه يطرأ ويزول أو هو فرد ثابت من أفراد العام؟ وصف، وقلنا فيما سبق: إنه إذا كان وصف فهو من باب التقييد؛ لأن التقييد تقليل أوصاف المطلق، بينما التخصيص تقليل أفراد العام، وهذا ذكرناه بالأمس، لكن يبقى التساؤل من جهة أخرى أن المصلي الذي يشتبه عليه الأمر هل بلغت سن المحيض أو لم تبلغ؟ هل حاضت بالفعل أم لم تحض؟ هذه مسألة تحتاج إلى حل؛ لأن الناس ليس لهم إلا الظاهر، ليس لهم إلا الظاهر، مر بين يديه جرم كبير ما يدري هل يقطع الصلاة أو لا يقطع لأن هذه حائض..، بلغت سن المحيض أم لا؟ نعم الأحكام مبنية على غلبة الظن فلعل هذا منها، على كل حال يشكر الأخ هذه المشاركة، ومشاركة طيبة، طيبة لا بأس بها.

طالب:......

بس لا أدري لعله فهم من كلامي بالأمس أنني أقول: إنه من باب العموم والخصوص، وأن ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص وإنما يذكر الخاص في مثل هذه الصورة للاهتمام بشأنه، لا بد من تحرير المسألة هل هي بالفعل من باب العموم والخصوص أو من باب الإطلاق والتقييد؟ وهذا بحثناه بالأمس.

يقول: حديث أنس قال فيه الترمذي: "حسن غريب من هذا الوجه" وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه ولم يعرف لسعيد عن أنس هذا الحديث ولا غيره، وبهذا علله ابن القيم مع وجود علي بن زيد في إسناده، على كل حال العهدة على ابن حجر، الأمر الثاني: أننا لا نجزم بتخطئة أهل العلم في مثل هذا، لا نقول الحافظ قال وصححه بناءً على ما وقفنا عليه من نسخ أن الترمذي قال: حسن، إيش المانع أن يكون الترمذي قال: "حسن صحيح غريب" ويكون حينئذٍ صححه، ونسخ الترمذي من القدم تتفاوت، بينها تفاوت كبير في الأحكام، ولذا جامع الترمذي كما قال أهل العلم: "أولى ما يعتنى بنسخه الأصلية" لمقابلة بعضها ببعض، وتصحيح ما جاء في بعضها من تصحيف، فهذه الأحكام تتفاوت تفاوت كبير بين النسخ، تجدون أهل العلم ينصون: صححه الترمذي ووقفنا في نسخة على أنه قال كذا، في نسخة قال الترمذي: حسن غريب، وصححه في أخرى.

المقصود أن مثل هذا لا يسارع في تخطئة المؤلفين لا سيما مثل ابن حجر، له عناية فائقة بالنسخ، له عناية بالنسخ، ولذا ينبغي أن يعتنى بهذا الباب، يعتنى بالنسخ الصحيحة الموثقة، ولذا من أهم المهمات وإن كان من الوسائل معرفة الطبعات، وأفضل المطابع، وأجود المحققين، لا بد من هذا يا إخوان؛ لأنه قد تعتمد على كتاب أو على طبعة سيئة من كتاب فتقع في الأوهام الكثيرة التي سبّبها دخول نية التجارة في نشر العلم الشرعي، وإذا كان بعض المطابع يستأجر من يشارك في طباعة المصحف من غير المسلمين، من غير المسلمين يصفون حروف المصحف، والمصحف محفوظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] لكن غيره، يطبعون في بعض المطابع الكبيرة في لبنان وغيره من دون شاشات، من غير شاشات حروف فقط، من أجل أن في أسرع وقت ممكن ينتهي هذا الكتاب كبر أو صغر، والطابعين بعد من ناس مستواهم أقل في العلم والالتزام من الجنسين، ويحدث في ذلك ما يحدث من الأوهام والأخطاء، بينما المطابع في أول الأمر، الذي يتولى الطباعة فيها علماء، علماء لجان من أهل العلم تتولى طباعة الكتب؛ لأن المقصود بذلك نشر العلم الشرعي، وإشاعته بين طالبيه، يعني كونه موجود في الطبعات كلها الموجودة الآن، لم ينص الترمذي على تصحيحه، وقال الحافظ: وصححه، لا يعني أنه لا يوجد في نسخ من نسخ الترمذي المضبوطة المتقنة التي وقف عليها الحافظ.

مسألة الترمذي والاعتماد عليه وكونه متوسط معتدل في أحكامه أو متساهل هذا إنما يحتاج إليه من يقلد الترمذي في أحكامه، أما من ينظر في الأسانيد وتأهل للنظر في أحوال الرواة، ووازن بين أقوال أهل العلم جرحاً و تعديلاً على ضوء القواعد والضوابط المعروفة عندهم، مثل هذا افرض أن الترمذي صحح أو حسن، وأنت أمامك العمل مكشوف والآلة والأهلية حاصلة، ما تحتاج إلى مثل هذا، يعني عندما حكموا بانقطاع التصحيح والتضعيف بعد الستمائة يعني في القرون المتأخرة حكموا بأنه ليس لأحد أن يصحح ولا يضعف نحتاج إلى مثل هذا الكلام، ولذا نقتدي بالترمذي، بالبخاري، بأحمد، بغيرهم من أهل العلم لأنه انقطع التصحيح، والصواب أن باب التصحيح والتضعيف فرع عن باب الاجتهاد الذي رتب عليه الأجر والثواب، وضمن استمراره إلى قيام الساعة عند وجود الأهلية، عند وجود الأهلية، نعم؟

"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه, ولكن عن شماله تحت قدمه)) متفق عليه، وفي رواية: ((أو تحت قدمه)).

وعنه قال: "كان قرام لعائشة -رضي الله عنها-...

يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه))" وإذا كان المصلي يناجي ربه فإنه يلزمه على ذلك أن يكون خاشعاً خاضعاً متذللاً متضرعاً مخبتاً منيباً إلى ربه -عز وجل-، هذا مقتضى كونه يناجي ربه، من مقتضيات كونه يناجي ربه -عز وجل- ألا يبصق بين يديه، ألا يبصق بين يديه، في رواية عند البخاري: ((فإن ربه بينه وبين القبلة)) ((فإن ربه بينه وبين القبلة)) ((فلا يبصقن بين يديه ولا عن يمينه)) وجاء في الحديث بيان العلة بأن عن يمينه ملكاً، عن يمينه ملكاً ((فلا يبصقن بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن شماله)) لا شك أن جهة اليمين أشرف من جهة الشمال ((تحت قدمه)) عن شماله تحت قدمه، والمراد حينئذٍ القدم الأيسر ليتحقق الوصفان، كونه عن الشمال وكونه تحت القدم، لكن جاء في رواية وهي عند البخاري: ((أو تحت قدمه))، ((عن شماله أو تحت قدمه)) إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يفعل ما ذكر، وهذا يشمل ما إذا كان داخل المسجد وخارج المسجد؛ لأنه علق بأي شيء؟ بالصلاة، بغض النظر عن مكانها، جاء ما يدل على منع البصاق والنخاع في المسجد فهل نقيد ما جاء في حديث الباب بما إذا كان في المسجد؟ أو نقول: حديث الباب باقٍ على عمومه فينهى عن البصاق جهة القبلة واليمين إذا كان في الصلاة سواءً داخل المسجد أو خارجه ويكون البصاق في المسجد ممنوع مطلقاً؟ ولذا جزم النووي بالمنع في كل حالة، داخل الصلاة وخارجها سواءً كان في المسجد أو غيره، يعني تلقاء وجهه، في جهة القبلة أو جهة اليمين، وجاءت أحاديث كثيرة في البصاق جهة القبلة وفي المسجد وأنها خطيئة، وجاء أن كفارتها دفنها، والمسألة لا سيما الحالة التي عليها المصلي وهو في الصلاة أو المكان المقدس شرعاً وهو المسجد، لا يناسب مثل هذه التصرفات، فإذا كان البصاق وهو طاهر يمنع منه في المسجد وفي حال الصلاة عن جهة اليمين أو جهة القبلة احتراماً للحال والمكان، فالمنع مما هو أعظم من ذلك من باب أولى، وجاء في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أهريقوا عليه ذنوباً أو سجلاً من ماء)) نعم تركه حتى انتهى للمصلحة الراجحة ودرءاً للمفسدة، والمساجد لم تبن لهذا، وقد أمر ببناء المساجد بالدور، وأن تنظف وتطيب على ما سيأتي، فدل على أن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من ذلك.

إذا كان هذا فيما له جرم محسوس من بصاق أو بول أو غائط أو ما أشبه ذلك من سائر النجاسات والطاهرات المستقذرة فماذا عما لا جرم له كإرسال الريح في المسجد مثلاً؟ معروف أن ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا)) كما صح بذلك الخبر، ماذا عن إرسال الريح في المسجد؟ سيما وأنه قد يحتاج إليه مع طول المكث في المسجد يتصور هذا من معتكف ونحوه هل نقول: إن هذه المساجد ما بنيت لهذه الأمور فإذا نابك شيء من ذلك اخرج 

وفيه: "أن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء" وهو في الموطأ".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عمر -رضي الله عنه- قال: يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه" رواه البخاري" هذا فيه دليل على أن عمر -رضي الله عنه- لا يرى وجوب سجود التلاوة، من سجد فقد أصاب، يعني أحرز الأجر، واقتدى بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، وهذا حد المندوب، ما يثاب على فعله ولا يأثم ولا يعاقب تاركه.

"رواه البخاري، وفيه: "أن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء" يعني رده إلى المشيئة فدل على عدم وجوبه، يقول: "وهو في الموطأ" فما دام موكول إلى مشيئة الشخص إن شاء سجد وإن شاء لم يسجد فليس بواجب، نعم رتب عليه الثواب والإصابة.

وعلى كل حال على المسلم أن يحرص على تحصيل الأجر والثواب، وأن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يفرط في مثل هذه الأمور بناءً على أنها سنن لا عقاب عليها، ونرى بعض الناس يصلي الفريضة ثم تقام الصلاة على الجنازة ولا يصلي، لماذا؟ يقول: فرض كفاية قام به من يكفي، فرض كفاية قام بها..، لكن الحرمان، كم فرط مثل هذا، وصلاة الجنازة على كل جنازة قيراط، فعلينا أن نحرص على اكتساب الحسنات، ولا نفرط في مثل هذه الأمور.

"فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه" نعم إذا عورض مثل هذا العلم الذي فيه الثواب بما هو أهم منه، أو انشغل عنه الإنسان لا بأس، معذور حينئذٍ يفاضل، لكن إذا كان لا معارض له عليه أن يحرص، فالدنيا مزرعة، مزرعة للآخرة، ألا يسرك أن يوجد في ميزانك زيادة حسنات، وكثرة ثواب من جراء فعلك لهذه المستحبات، وهذه الموازين التي يستعملها بعض الناس في أمور الدين، يقول: الفرائض وكفى، بركة {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [(17) سورة الحجرات] هذه منة، المنة لله -جل وعلا- أنه وفقك على أنك أسلمت، فالمنة لله -جل وعلا-، وأن وفقك لفعل الطاعات واكتساب الحسنات.

في أمور الدنيا تجد الإنسان يلهث وراء الحطام ليل نهار، هل هو يسعى لاكتساب القدر الواجب مما يلزمه ويلزم من يمونه، أو تجده يسعى جاداً ليل نهار في اكتساب ما يشغله عن دينه، ولو لم يكن بحاجته، بعض الناس يسعى لكسب الدنيا وعنده من الأموال ما يكفي لعشرة أجيال من ولده، ما يقول: خلاص يكفي الواجد، الموازين انتكست، يعني في أمور الدنيا ينظر إلى من هو دونه، يقول: الحمد لله نحن نصلي الفرائض ويكفي، في ناس ما يصلون بعد، يمن بعمله، لكن في أمور الدنيا لا، ينظر إلى من أعلى منه، الناس ملكوا وفعلوا وتركوا، قصور واستراحات ومزراع ونحن مساكين ما عندنا إلا..، مع أنه مأمور بأن ينظر إلى من هو دونه؛ لئلا يزدري نعمة الله عليه، والدنيا مهما طالت ليست بشيء بالنسبة للآخرة ((ركعتا الصبح خير من الدنيا وما فيها))...... من الدنيا وما فيها.

فعلى الإنسان في أمور دنياه أن ينظر إلى من هو دونه، أحرى أن يشكر ربه، وأن لا يزدري نعمة الله عليه، وأما في أمور الدين العكس، ما يقول: والله إحنا -الحمد لله- نصلي ونصوم والناس كلها ضالة، كلها ما تصلي، الكفار خمسة مليارات، يقول: كثير من المسلمين ما يصلوا إحنا -الحمد لله- نصلي، ما يكفي يا أخي، وما يدريك لعلك بتفريطك بهذه السنن واستخفافك بها يمكن تفتن في آخر عمرك، وتكون ممن عمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فلتكن لطالب العلم على وجه الخصوص معاملة مع ربه وصدق ليثبت، وليتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء ليُعرف في الشدة، وما يدريك أنك في يوم من الأيام تتمنى أن تتفتح المصحف ولا يتيسر لك، في يوم من الأيام وأن تتقلب الآن بنعم الله تتمنى أن تجد رصيف تنام عليه ما تجد، يعني هذا موجود في أقطار الدنيا كلها، لننعم بنعم الله لا نظير لها لا عند السابقين ولا عند المعاصرين، فعلينا أن نعنى بهذا الباب، نعم.

"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه" رواه أبو داود بسند فيه لين".

حديث "ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر" للسجود، ويكبر أيضاً مقتضى ذلك للرفع، التكبيرة الأولى للإحرام، والثانية للرفع، كان يكبر مع كل خفضٍ ورفع، "وسجد وسجدنا معه" لكن التكبير روايته مدارها على عبد الله بن عمر العمري المكبر وهو ضعيف عند أهل العلم، ولذا لفظ التكبير مضعف، وأما الحديث بدون تكبير فهو مرويٌ في الصحيحين من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، صحيح لا إشكال فيه، لكن المضعف لفظ: "كبر" قد تمسك بهذا جمع من أهل العلم، الحنابلة مثلاً يقولون: يكبر، يكبر للسجود ويكبر للرفع منه، ويسلم لأنه صلاة، يشترط لها ما يشترط للصلاة، تفتح بالتكبير، تختم بالتسليم، وهذا حد الصلاة.

"كبر وسجد وسجدنا معه" رواه أبو داود بسند فيه لين" متى يكون السند فيه لين؟ يعني فيه ضعف يسير، وهو من رواية عبد الله بن عمر العمري المكبر، وهو ضعيف عند أهل العلم، واللين ضعفٌ منجبر، لكنه يوجد ما يشهد للفظة: "كبر"... يوجد ما يشهد للفظة: "كبر".

طالب:......

نعم بدون هذا اللفظ مروي من طريق عبيد الله المصغر، وهو ثقة عند أهل العلم عن نافع عن ابن عمر.

"يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه" دل على أن المستمع حكمه حكم القارئ بخلاف السامع الذي يسمع من غير قصد، فالمستمع الذي يقصد الاستماع والانتفاع، والسامع الذي يسمع يصل الكلام إلى سمعه من غير قصد، نعم.

أحسن الله إليك:

"وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجداً لله" رواه الخمسة إلا النسائي".

سجود التلاوة ماذا يقال فيه؟ يقال فيه ما يقال في سجود الصلاة؛ لعموم: ((اجعلوها في سجودكم)) وهذا سجود، يقال: سبحان ربي الأعلى، ويقول أيضاً ما ورد في السنن: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم اكتب لي بها أجراً، وضع عني بها وزرها، واجعلها لي عندك ذخراً)) هذا في السنن موجود، فيقول مثل هذا في السجود، في سجود التلاوة.

لما أنهى المؤلف -رحمه الله تعالى- أحاديث سجود التلاوة أردف ذلك بسجود الشكر، وهو أيضاً تشمله الترجمة؛ لأنه قال: "باب سجود السهو وغيره" يعني من سجود التلاوة والشكر.

يقول: "وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا جاءه خبر يسره خر ساجداً لله" والحديث صحيحٌ لغيره، مخرج عند "الخمسة إلا النسائي" أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد، فدل على مشروعية السجود عند تجدد النعم، ودليله هذا الحديث وما يليه من أحاديث "كان إذا جاءه خبرٌ يسره خر ساجداً لله" يخر من قيام إن كان وقفاً، ويسجد إن كان جالساً، وسجود الشكر مثل سجود التلاوة، الخلاف فيه هل هو صلاة أو ليس بصلاة الخلاف واحد؟ نعم.

أحسن الله إليك:

"وعن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأطال السجود، ثم رفع رأسه وقال: ((إن جبريل آتاني فبشرني فسجدت لله شكراً)) رواه أحمد وصححه الحاكم".

الحديث هذا حديث عبد الرحمن بن عوف هو صحيح أيضاً هو شاهد لما قبله قال: "سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأطال السجود، ثم رفع رأسه فقال.." مبيناً السبب في سجوده، وهكذا ينبغي لمن فعل فعلاً يظن أنه عبادة يبين السبب، يعني يأتي شخص ويسجد من غير مبرر، والناس يرون يبين لهم السبب؛ لئلا يظن بعض الحاضرين أن هناك عبادة، سجود مستقل لا لشكر ولا لتلاوة ولا لصلاة، الإنسان يسجد متى أراد متى شاء؟ السجود له سبب "فقال: ((إن جبريل آتاني فبشرني فسجدت لله شكراً)) جاء تفسير البشرى بأنه تعالى قال: ((من صلى عليك صلاةً صلى الله عليه بها عشراً)) اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد،

وأحاديث الحث على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرة، فيها مصنفات، من أعظمها وأنفسها: (جلاء الأفهام -لابن القيم- في الصلاة والسلام على خير الأنام)، (الصلات والبُشَر في الصلاة على خير البشر) للفيروز أبادي، (القول البديع في الصلاة والسلام على الحبيب الشفيع) للسخاوي، مصنفات كثيرة في هذا الباب، والنصوص كثيرة، والأمر بالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- في القرآن، وسبقت الإشارة إليه، والأحاديث في الباب كثيرة، وجاء في الحديث: ((قل: آمين)) فقال: ((آمين)) ثلاثاً منها: ((من ذكرتَ عنده فلم يصلِ عليك فأبعده الله، قل: آمين)) قال: ((آمين)) ولا شك أن من يسمع ذكره -عليه الصلاة والسلام- ولا يصلي عليه -صلى الله عليه وسلم- لا شك أنه محروم، إذا صلى مرةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً، هذا حرمان، والحرمان لا نهاية له، بعض الناس يقرأ ويتجاوز، موجودة الصلاة على النبي مكتوبة ويتجاوزها، وبعض الناس يكتب ويمر عليه اسم النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يصلي عليه، هذا حرمان؛ لأنك لو كتبت وصليت وصلى من قرأ كتابتك أجرك عظيم، فلا يفرط في مثل هذا إلا محروم.

((فبشرني فسجدت لله شكراً)) هذه نعمة بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام-، فسجد شكراً لهذه النعمة، "رواه أحمد والحاكم وصححه" نعم.

أحسن الله إليك:

"وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث علياً إلى اليمن.. فذكر الحديث، قال: فكتب علي -رضي الله عنه- بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب خر ساجداً" رواه البيهقي، وأصله في البخاري".

"عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث علياً إلى اليمن.. فذكر الحديث" في قصة طويلة "قال: فكتب علي بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب خر ساجداً" النعم تشمل نعم الدين ونعم الدنيا، والنعم المتعلقة بالدين أعظم من نعم الدنيا بلا شك، فإذا بلغ الإنسان ما يسره في دينه من انتصار للمسلمين، أو هزيمة للكفار، أو دخول أقوامٍ في الإسلام، أو التزام بعض الأشرار، أو صدور قرار ينفع الإسلام والمسلمين مثل هذه يسجد لله شكراً، هذه نعمة.

فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما كتب له علي بإسلام أهل اليمن قرأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خر ساجداً شكراً لله تعالى على ذلك، والحديث أصله في البخاري، واللفظ عند البيهقي.

وقد سجد كعب بن مالك لما أنزل الله توبته، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، والأحاديث في الباب كثيرةٌ جداً، فعلى المسلم أن يشكر الله -جل وعلا- عند تجدد النعم، ونعم الله لا تعد ولا تحصى، يتقلب المسلم في النعم ولا يلقي لها بالاً {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] لكن كما قال الله -جل وعلا-: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] فليحرص الإنسان أن يكون من هذا القليل، فإذا تجددت عليه نعمة في أمر دينه أو في أمر دنياه يسجد لله -عز وجل-؛ لكي تتابع عليه النعم، ولا يكون من الذين بدلوا نعمة الله كفراً، ولا يلزم من الكفر الخروج من الإسلام لا، الكفر كفر النعمة، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.